مريم محمد عبد العليم
- مريم عبد العليم تؤكد لنا أن هناك شيئاً مهماً وجدياً لأن محفوراتها ثرية برؤية تستغل أجمل ما فى الطبيعة للتعبير عن بواطن انفعالاتها المرهفة الى حدود الانفعالات ، إنما دون حدوث هذا الانفجار فالعقل يسيطر باستمرار على تصميم كل قطعة . إنها ابنة الاحداث ويوميات الحياة الا أنها تتوصل دائماً الى تخطى عقبة الوقوع فى خطرى الفلكلور والرواية .
جريدة النهار اللبنانية
مريم عبد العليم .. مسيرة إبداع
- قليلة هى الأسماء التى تركت بصمات واضحة فى مجال فن الجرافيك سواء عالميا أو محليا ومع ذلك يظل أسم الفنانة ` مريم عبد العليم ` مقترنا بالتميز فى عالم الجرافيك فى مصر ، ليس بإعتبارها إحدى المخلصات لتخصصها الأكاديمى وليس لأنها حفرت لأسمها مكانا بارزا بأسلوبها المتفرد لكن لأنها اعتمدت فى منهجها على ثلاثة روافد أساسية عبر مسيرتها الفنية ، أول هذه الروافد الاتكاء على البحث الأكاديمى الرصين ومحاولات التطوير المستمر فى تقنياته والوصول إلى صيغ جديدة باستمرار . - أما ثانى الروافد فهو الارتباط الوثيق بالجذور رغم حصولها على الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا ، فلم تجرفها تيارات ما بعد الحداثة ، تلك الجذور التى امتدت لتنبت أزهارا فى إبداعاتها الفنية ، وتجسد رموزا وأشكالا يألفها المتلقى بل ويتفاعل معها ويجد نفسه فى بعضها من خلال التعبير الصادق عن همومه وقضاياه ، بينما جاء الرافد الثالث ممثلا فى الوعى والإصرار على اختيار الحرف العربى ، كعنصر تشكيلى باعتباره أحد عناصر الأمة البصرية ، بما يحمله من دلالة سواء رمزية أو ضمنية تعبر عن ثقافة شعب ، وأيضا باعتباره وسيط إتصال شفاف ومؤثر . - لذلك ليس غريبا على الفنانة ` مريم عبد العليم ` هذا التمثيل المشرف فى المحافل الدولية فقد حصلت على سبيل المثال لا الحصر على الجائزة الكبرى لبينالى النرويج لفن الجرافيك العام 1984 وحظيت باختيار متحف ( أنديانا بولس ) للفنون ممثلة لمصر عن قارة أفريقيا .
أ.د / أحمد نوار
لوحة الطواف حول الكعبة للفنانة مريم عبد العليم
- مريم عبد العليم من طليعة فنانات الجرافيك فى بلادنا ، إبداعها ذو موضوع مقروء كما هو الحال عند الواقعيين ، تمنحه قالبا وشكلا شأن التجريديين ، تشحن هذا وذاك ` انفعالا يثير المتلقى ويجذبه إلى المضمون الاجتماعى والرمزى ` الذى هو آيه العمل الفنى الجميل يفرقه عن أى نشاط إنسانى آخر .
- فنانتنا استحدثت ` وسائط جديدة ` أدخلت الطباعة بالشاشة الحريرية مع التخسيس الفوتوغرافى ، أبدعت لوحاتها الزنكية بعد تقطيعها إلى أجزاء متعددة .. تحفرها غائرة أحيانا وبارزة أخرى ، لتتفادى ظهور الخط الوهمى الذى يفصل العناصر المرسومة الأمر الذى منح إبداعها مذاقا واقعيا وشاعريا ، نحسه ولا نراه من هنا .. كانت الصنعة من أجل إحكام صياغة المضمون ، وليس من أجل الصنعة ذاتها .
- فى أعمالها المتعلقة بالخط العربى والآيات الكريمة كان على المتلقى أن يفصل بين عواطفه الدينية والأشكال الفنية ، خاصة حين يتأمل الخطوط الخارجية التى تحصر ` التكوين ` كأنه تمثال ، ` تلك الأشكال ` تجتذب مشاعر الذواقة والخواطر الحالمة ، وليس العقل الفاحص والأحكام المسبقة .
- الفن عند مريم مسألة روحية ودرب من العبادة وضرورة لا غناء عنها ، رغم المشقة التى تتجشمها لإبداع لوحة واحدة ، ترسم العشرات لترضى عن إحداها ، ترى فيها تجسيدا لخيالها وخواطرها ، تنبثق الرغبة من نفسها هينة لينة تتعاظم رويدا رويدا متجهة من الداخل إلى الخارج تتنامى حتى تشعر الفنانة أن لابد من خروجها إلى حيز الواقع مجسدة فى شكل ` ذى دلالة ` يشير إلى الأفكار والخواطر التى هى أصل وجوده ، كلما خلت الفنانة إلى نفسها ، سيطر على مشاعرها وخيالها وأصبح كالجنين الذى استنفد أيام حمله وآن له أن يولد دون تسويق ، الآن تركت مريم شاشتها الحريرية وألواح الخشب ، عادت إلى الحفر الكلاسيكى بإبر الصلب على ألواح الزنك ، الأمر الذى يناسب العودة إلى التعبير عن أفكار محددة وموضوعات واضحة ، الكعبة ، الطواف ، البسملة .. إلا أن الخبرات الطويلة المنوعة أساليب الصياغة والأستاذية فى حبك القيم الفنية تترك بصماتها على بلاغة الموضوعات وفصاحتها .. وطرافتها وجاذبيتها .. عرفت فنانتنا بالتجريب التكنيكى ، ليس بهدف الإبهار ولفت الأنظار وصدم المتلقى ، بل بالبحث عن أفضل الطرق لتجسيد فكرها وخيالها .. وتحقيق ` مدركها ` الجمالى والإنسانى لوحاتها ذات موضوع ولو بدت لنا تجريدية أحيانا .
مجلة الشموع - 2003
رحلت مريم عبد العليم الفنانة الكبيرة الرائدة
- رحلت الفنانة التشكيلية الكبيرة مريم عبد العليم الرائدة الحقيقية فى إبداع الطبعة الفنية ، ولابد من التنوية بأهمية دور هذه الفنانة القديرة فى حركة الفن التشكيلى المصرى طيلة نصف قرن من الإبداع المستمر والمتجدد ، ففى تجاربها الفنية المبكرة منذ نهايات الخمسينات وحتى منتصف الستينات من القرن الماضى قد انجزت عدداً من الطبعات من خلال وسائط الطباعة البارزة مثل سطوح الخشب واللينوليوم منها بائع البطيخ ، العائلة المقدسة ، الانتخابات وغيرها وكلها بالأبيض والأسود ، وحيث تتضح خصائص لغتها التشكيلية فى موهبتها الكبرى فى صياغة اشكالها بوعى كبير بخصائص الوسيط الطباعى وامكاناته التعبيرية والجمالية فكانت لغة الصورة التى ابدعتها تقف فى مستوى رفيع حتى بالمقارنة بأعمال اساتذة التعبيرية الكبار أمثال كرشنر ، ونولد وغيرهما ممن أعادوا احياء هذا الوسيط الطباعى فى أوائل القرن العشرين . ومنذ الستينات وهى تواصل تطوير واكتشاف امكانيات جديدة فى وسائط الطبعة الفنية بالتوازى مع اتساع لغتها الجرافيكية فى تشكيل الصورة ، فاستخدمت سطوح الطباعة الانتاجية من الأوفست وحتى السيريجراف ، واستخدمت تجهيز السطوح التقليدية للطباعة الغائرة للصور والمواد الفوتوجرافية ، واستخدمت السطوح المتعددة ( Jigsaw ) فى نفس السطح الطباعى كل ذلك من خلال مفاهيم وشروط الطبعة الأصلية سواء بالتدخل المباشر على سطح الطباعى أو فى المعالجات الناتجة عن دمج هذه المؤثرات من خلال السطوح التقليدية للطبعة الفنية . وكل ذلك انتج فيضا من طبعات فريدة فى محتواها البصرى والجمالى . ولقد انجزت كل ذلك بمفردها وبدون اللجوء الى ورش متخصصة مع طباعين حرفيين وكان من ثمار ذلك ظهور أجيال من تلاميذها يقتفون آثارها ويمتلكون الشجاعة لأن يكونوا مجربين ومجددين مما أثمر تفرداً وتميزا للطبعة الفنية فى الحركة التشكيلية المصرية . كانت هى الرائدة الحقيقية فى هذا التطوير . ومنذ نهاية التسعينات وأخذت الفنانة تستعيض عن الجهد المضنى فى معالجة السطوح الطباعية بالاتجاه الى التصوير والرسم المباشر على مسطحات الورق . بلغتها الفريدة فى تكوين الصورة . وفى هذه المرحلة أعادت احياء ايقاع الحيز والمكان فى التصوير الاسلامى مع نفس عناصرها وشخوصها مع وحدات زخرفية وطرز خطية عربية فى نسيج لونى وخطى نابض بالروحية والتصوف .
- أن هذا التنوية ضرورى عن دور الفنانة الرائدة فى الحركة التشكيلية فى مصر .
بقلم : أ.د / صبرى محمد حجازى
جريدة القاهرة - 2010
رسالة وفاء وعرفان للفنانة الراحلة مريم عبد العليم
- فى رسالة وفاء وعرفان للفنانة الراحلة القديرة مريم عبد العليم أقيم معرض لأعماله فى فن الحفر بقاعة (أحمد صبرى) بمركز الجزيرة للفنون تقديرا لدورها المهم فى حركة الفن التشكيلى المصرى .
- ويعتبر مشوار الأستاذة والرائدة الفنانة الراحلة ( مريم عبد العليم )علامة مضيئة فى سجل مبدعى مصر، فعلى مدار ما يزيد على نصف قرن قدمت رصيدا من الإبداع حفل بالتجريب والتجديد فى فن الجرافيك والتقنيات المتعلقة به، ومثلث أعمالها نقلة نوعية فى هذا المجال العريق ، تحررت فيها من قوالبه التقليدية وقتها، إلى لغة تشكيلية جديدة وجريئة، واصلت خلالها استكشاف وتطوير الوسيط الطباعى، مكنتها من التحرك فى مساحات أكثر تحرراً، أثرتها هى بملكاتها الفريدة وخيالها الخصب فجاءت أعمالها متوافقة مع روحها النقية، صادقة ومعبرة عن ذاتها وشخصيتها الإنسانية والفنية الرائعة.
- وهى تتميز فى تناولها المتنوع للخامات الجرافيكية إلى جانب استخدمها لعنصر اللون بمهارة واقتدار وأقوى ما عندها هو التصاقها المصحوب بأحداث يومياتها من سياسية واجتماعية الى طبيعية وعاطفية،فهى مصرية فى رؤيتها لأشياء الحياة .
- ومما قالته الفنانة مريم عبد العليم :عادة ما تخرج الفكرة لبناء الصورة من خلال التفكير النفسى، فمررت بعدة مراحل كانت للاحداث المحيطة بى أثر كبير على إخراجها، ومن منطلق هذه الاحداث كانت تلك المراحل التى بدأت بتأثرى بالشارع المصرى وما يحويه من العربات، الإنسان، الحيوان،عجلة الحياة، العجله من الصباح الى المساء لذلك لعبت العجلة دوراً كبيراً فى بناء أعمال فترة النصف الاول من الستينات ثم النصف الثانى وتتوالى الأحداث السياسية من ثورة التصنيع الى دخول المرأة الانتخابات وانضمامها للحقل السياسى ثم نكسة 1967.
- أما من حيث التكنيك كان الإدخال الفوتغرافى إثراء لأعمالى الفنية ثم جاءت رحلاتى للأراضى المقدسة وزيارة بيت الله الحرام واداء فريضة الحج وتلك المواقف الرهيبة مما كان له الآثر الكبير على اختيار الموضوعات والبناء الفنى للعمل فى استعمال الكتابات بجمالها وتعبيرها ( آيات قرانية ) أحاديث ـ لفظ الجلالة ـت السلام ـ والارهاب ( موضوعات الساعة ) .
- يقول عنها الناقد الفنان د. أحمد نوار : قليلة هى الاسماء التى تركت بصمات واضحة فى مجال فن الجرافيك سواء كان عالميا أو محليا ومع ذلك يظل اسم الفنانة مريم عبد العليم مقترنا بالتميز فى عالم الجرافيك فى مصر .
- لذلك ليس غريبا على الفنانة مريم عبد العليم هذا التمثيل المشرف فى المحافل الدولية فقد حصلت على سبيل المثال لا الحصر على الجائزة الكبرى لبينالى النرويج لفن الجرافيك عام 1984وحظيت باختيار متحف `أنديانا بولس ` للفنون ممثلة لمصر عن قارة إفريقيا .
- والتشكيلية المصرية ` مريم عبد العليم ` من طليعة فنانات الجرافيك.. أبدعت بحرارة وحماسة، تتداعى أمامها المعانى، فتحولها إلى خطوط لها إيقاعات تتجاوز بها الحدود السطحية المرتبطة بالعقل..أبداها ذو موضوع مقروء كما هى الحال عند الواقعيين، تمنحه قالباً وشكلاً شأن التجريديين، وتشحن بانفعالات تثير الملتقى وتجذبه إلى المضمون الاجتماعى والرمزى الذى هو آلية العمل الفنى .
- والفنانة مريم عبد العليم من مواليد الإسكندرية عام 1930 وحصلت على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان 1954 وماجستير M.F.A فى الجرافيك والطباعة من جامعة جنوب كالفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية عام 1957 ودكتوراة الفلسفة من جامعة حلوان بالاضافة الى دراسات فى تاريخ الفنون من جامعة جنوب كاليفورنيا، ودراسات من معهد Pratt نيويورك.
- عملت كمدرس للتصميمات المطبوعة وهى مؤسسة قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية منذ إنشائها عام 1985 .
- فى عام 1962 قامت باستخدام طرق ( التحسيس الضوئى فى فن الطباعة ) الذى لم يكن قد طرقة أى فنان فى مصر، وحتى 1969وبعد أدائها فريضة الحج، دخلت مرحلة من التصوف واختيار المواضيع المرتبطة بذلك، وكانت قد ملأت فكرها وإحساسها بتصفية القلب والحب الإلهي.. وذلك من بداية السبعينات وعلى إثر أدائها لفريضة الحج عام 1969 وكان ذلك من خلال أعمال فنية معبرة عن وعى من خلال أشكال ورموز متأثرة بالحضارة الإسلامية فى ثوب جديد، من حيث الاهتمام بجماليات الخط العربى والاهتمام بالحرف مع الكلمة والآية القرآنية أو الحديث النبوى أو لفظ الجلالة أو البسملة..
- ومنذ منتصف السبعينات كان التجريد الشكلى المعبر عن فكرة معينة مختلطة بالمخطوطات أو الكتابات العربية لبعض الجمل أو الآيات القرآنية ولفظ الجلالة، عاملا فى بناء أعمالها المنفذة باستعمال التحسيس الضوئى بالوسائل المختلفة للطباعة ( ليثوجراف وسيروجراف) وفى منتصف الثمانينات صدمت بفقدان ابنها الشاب فاتجه تفكيرها إلى عالم التصوف.
- استحدثت مريم عبد العليم ( وسائط جديدة ) فأدخلت الطباعة بالشاشة الحريرية مع التحسيس الفوتوغرافى وأبدعت لوحاتها الزنكية بعد تقطيعها إلى أجزاء متعددة تحفرها غائرة أحيانا وبارزة أحيانا أخرى لتتفادى ظهور الخط الوهمى الذى يفصل العناصر المرسومة، الأمر الذى منح إبداعها مذاقا واقعيا وشاعريا ومن هنا كانت الصنعة من أجل إحكام صياغة المضمون لا من أجل الصنعة ذاتها.
وفى مجال البحث والتقنيات الفنية نفذت الفنانة عبد العليم أعمالها الجرافيكية بأساليب مختلفة حفراً على الزنك أو النحاس أو الحجر أو الخشب، ثم صاغته بألوان مائية على الورق، واتسمت تكويناتها بالهوية الشرقية فى مقابل الهوية الغربية الهوية التى ترشح بالشاعرية والخيال والسحر والغموض والتوقع والهوية الإسلامية فقد استطاعت أن تجسد أفكارها وتحول حلمها إلى أشكال وملامس وألوان يراها الملتقى. أما طابع الحيوية والنضارة الذى يطبع مستنسخاتها، فمنبعه الصدق والإسقاط الفورى الذى يتعذر توفره عادة فى الطباعة الفنية والاستنساخ فتوافرت للوحاتها المتعة الروحية والجمالية والعقلية التى تلازم الأعمال الفنية الكبرى .
- وهكذا ظلت الفنانة تعمل وتجدد أسلوبها وخاماتها وألوانها.. تتداعى أمامها المعانى التى تحولت إلى خطوط وألوان صاغت من إيقاعها هذا النبض الذى ترسمته وعاشته بقدرتها وتفردها عبر كل عمل فنى أبدعته ومن خلال مراحلها المختلفة وقدرتها على الابتكار والتطور عبر رحلتها، لأكثر من 55 عاماً حتى وفاتها فى السادس والعشرين من أبريل 2010.
- وقد كانت الفنانة مريم عبد العليم أول من درس الطباعة الحريرية بكلية الفنون الجميلة بمصر عام 1958 وهى أول من ادخل الحفر والطباعة على الخشب بكلية الفنون الجميلة بمصر عام 1958.
- وكانت أيضا أول من أدخل التصوير الفوتوغرافي للأعمال المطبوعة عام 1963.
نجوى العشرى
القاهرة - 9 /7/ 2013
مريم عبد العليم وإضاءة جديدة فى فن الجرافيك
- ظهر فن الحفر فى حركة الفن المصرى فى أواخر الثلاثينات من هذا القرن، متأخرا عن ظهور النحت، والتصوير فى مصر، برغم بدايات الفنانين الأجانب الذين سجلوا ملامح من مصر ومعالمها فى لوحاتهم المحفورة بخاصة اللوحات الطباعية التى أنجزها فنانو الحملة الفرنسية على مصر فى القرن الثامن عشر.
- وفى الثلاثينات ظهر من بين الجيل الأول من خريجى مدرسة الفنون الجميلة الأستاذ `الحسين فوزى`، الذى تخرجت على يديه أجيال فى مقدمتهم عبد الله جوهر، ماهر رائف، كمال أمين، ومريم عبد العليم.
- تخرجت مريم عبد العليم من كلية الفنون الجميلة عام 1954، ثم أرسلت فى بعثة دراسية لجامعة جنوب كاليفورنيا فنالت درجة الماجستير عام 1957.
- وتعد مريم عبد العليم أول فنانة مصرية تبدع فى مجال فن `الجرافيك` وهو فن الطباعة على الأسطح المعدنية، أو الخشبية، أو الحجر.
- وقد أتيح للفنانة مريم أن تتابع المعطيات الجديدة لتقنيات هذا الفن فى كاليفورنيا عام 1955، وأن تدرك أبعاد الرقعة الشاسعة التى احتلها فن الجرافيك فى المجتمعات الحديثة، فكانت واحدة من رواد هذا الفن الذين أرسوا دعائمه واستحدثوا له طرقا عديدة، ووسائط كثيرة، كالطباعة على الشاشة الحريرية، والحفر والطباعة على الخشب، كما استحدثت التصوير الفوتوغرافى فى فن الطباعة بعد ذلك عام 1964.
- وقد أدى تنوع الأساليب والوسائط عند الفنانة مريم إلى ثراء التجربة الإبداعية حيث التقت الموهبة والخبرات المكتسبة من التراكمات الثقافية والتراثية والاجتماعية.
- ونحن هنا بصدد معرضها الأخير، الذى أقيم منذ وقت قصير بقاعة اخناتون بمجمع الفنون بالزمالك فى رثاء ابنها الوحيد `زهير` الذى اختطفه الموت منذ أقل من عام.
- تعرض الفنانة أربعين لوحة فنية تمثل المراحل الفنية المختلفة التى مرت بها حتى الآن وهى تنقسم إلى ثلاث مراحل أساسية:
- المرحلة الأولى:
- تتسم بالواقعية التسجيلية إذ تدور حول معايشة الواقع المرئى لمواضيع حياتية يومية فهى تصور بائع البطيخ، والمعاناة التى ترتسم على وجوه العاملين والكادحين، ومن أشهر لوحاتها فى هذه المرحلة والتى عرضتها ضمن أعمالها بالمعرض لوحة `العائلة المقدسة` 1956 وهى حفر على خشب اتسمت بالألوان ذات الشفافية والتركيبات البسيطة السلسة.
- المرحلة الثانية:
- تبدأ من النصف الثانى من الستينات وحتى آخر السبعينات وتتميز باستعمال فن التصوير الفوتوغرافى فى الطباعة لأول مرة، فأصبح العمل الفنى أكثر ثراء، كما اهتمت بالألوان الصريحة المعبرة، واتسمت الأعمال ببساطة العناصرواختصار التركيب. ومن أهم لوحات هذه المرحلة لوحة `الكرسى`.
- المرحلة الثالثة:
- وهى المرحلة الحديثة فى أعمال الفنانة وثمة ما يدعونا إلى تلمس طبيعة تراثية ذات صبغة إسلامية فى بعض الأعمال تدنو بنا إلى الصوفية وخاصة الأعمال التى أنجزتها بعد رحيل ولدها الوحيد، والتى تشتمل على آيات قرآنية، وابتهالات، وتسابيح، ولفظ الجلالة، فقد زاد هذا الحدث الأليم من شفافية الفنانة واتسمت أشكالها وتكويناتها برؤية ميتافيزيقية ذات رموز دالّة تمثل واقع الفنانة المغترب الذى يعبر تلقائياً عن طبيعتها الثقافية المتميزة وإيمانها العميق بالله وعالم المثل والروح.
- ومن اللوحات التى تعبر عن هذه المرحلة لوحة تمثل عملية جراحية - طباعة على الشاشة الحريرية- وقد أنجزتها عام 1987.
- ولوحة أخرى تمثل لفظ الجلالة عام 1982 (لينوجراف ملون). طباعة على سطح حجرى.
- تميزت هذه المرحلة بالألوان المركبة والاهتمام بالصياغة الشكلية المركبة، وفيها أصبحت الفنانة مريم على بداية واسعة بالحيل التقنية وأسرارها فانصب اهتمامها على الإبداع كقيمة فنية تشكيلية متجاوزة مشاكل التقنية ولم تعد العملية الطباعية فى ذاتها عائقا فى مواجهة إبراز القيمة الجمالية.
- ولا تتعارض الأشكال التركيبية التى تعتمد على تداخلات من خامات مختلفة فى لوحات الفنانة الأخيرة إذ نجد لوحة تجمع بين الطباعة على الزنك، والطباعة على الخشب مع دخول التصوير الفوتوغرافى على الطباعة فى تناغم وانسجام يثرى القيمة الجمالية للعمل الفنى.
- ويعد هذا المعرض خلاصة التجارب الابداعية للفنانة على مدى ثلاثين عاماً من العمل المتواصل الشاق فى مجال صعب وخشن على المرأة، فبعض الوسائط تحتاج إلى مجهود عضلى كبير كالطباعة على الأسطح الخشبية، إلا انها تصمد وتستمر فى الوقت الذى تجد معظم الفنانين الشبان قد ابتعدوا عن هذا المجال. ولا نجد فى الساحة إلا قليلين مازالوا يمارسون الحفر على الخشب أمثال الفنان (حسين الجبالى) والفنان (فتحى أحمد)، فى الوقت الذى يزدهر فيه الابداع الفنى الجرافيكى فى العالم كله وتستحدث وسائط جديدة، ووسائل، وخامات مختلفة فى مجال البحث عن آفاق جديدة فى هذا الفن.
رغم كل هذا مازالت الفنانة مريم عبد العليم تقف فى مواجهة شرائح الزنك والأحماض والراتنجات، ومازالت تحفر على الحجر والخشب، وتستخدم كل الوسائط المتاحة فى محاولة للغوص فى أعماق الخامة والخروج علينا بما تحويه من كنوز.
بقلم : فاطمة إسماعيل
مجلة :إبداع ( العدد 4) أبريل 1988
الشكل ذو الدلالة
- مريم عبد العليم.. طليعة فنانات الجرافيك فى بلادنا إبداعها ذو موضوع مقروء كما هو الحال عند الواقعيين. تمنحه `قالباً` وشكلاً شأن التجريدين تشحن هذا وذاك `انفعالاً` يثير المتلقى ويجذبه إلى (المضمون الإجتماعي والرمزي) الذى هو آية العمل الفنى الجميل.. يفرقه عن أى نشاط إنسانى آخر.
- عند عودتها من أمريكا ` 1958` تبينت أن أساليب الإبداع الجرافيكى التقليدية لا تفى بحاجتها الفنية لا تحقق التأثيرات التعبيرية الخاصة.. والطرافة والجاذبية التى نسشتعرها فى لوحاتها الآن.
- كان عليها مسئولية `ترشيد` أساليب الصياغة الجرافيكية في كلية الفنون الجميلة.
- استحدثت`وسائط` جديدة أدخلت الطباعة بالشاشة الحريرية مع التحسيس الفوتوغرافى.. أبدعت لوحاتها الزنكية بعد تقطيعها إلى أجزاء متعددة.. تحفرها غائرة احياناً وبارزة أخرى. لتتفادى ظهور الخط الوهمى الذى يفصل العناصر المرسومة الأمر الذى منح إبداعها مذاقاً واقعياً وشاعرياً.. نحسه ولا نراه من هنا.. كانت الصنعة من أجل إحكام صياغة المضمون. وليس من أجل الصنعة ذاتها..
- `الكرسى`.. من أطرف وأرق لوحاتها المنفذة بطريقة الزنك المقسم إلى أجزاء غائرة وبارزة.. مع التحسيس الضوئى. طلاء الشاشة الحريرية بالمواد الحساسة للضوء، مما يمكن الفنان من نقل أى زخارف دقيقة أو أشكال معقدة. يخلط بذلك بين الواقعية المفرطة والإبداع الخيالى غير التشبيهى هكذا.. بعد قليل من التأمل ينسلخ خيال المتلقى ليجلس على هذا المقعد الأليف.. الذى عرفناه منذ أقدم العصور.
- منحها بينالي الأسكندرية ` 1974` جائزة شرفية على هذا المقعد. لكل من الأسلوب التنفيذى والمضمون.. والقيمة الجمالية. جمعت مريم أجزاء الزنك الغائرة البارزة تحت.. المكبس من أجل تحقيق التأثير الشاعرى.. وصفاء اللون.. واختفاء الخط الفاصل بين المقعد والخلفية، مستهدفة المزيد من الواقعية. تجاور الألوان بهذه الطريقة، يتفق مع واحد من أحدث المداخل الفنية لوضع الألوان يسمى `مينتمال آرت`. أسلوب دقيق فى التلوين يحتاج إلى حرفية ووقت لا يتوافر للفنان المتعجل يتضمن المعنى فيه `دائرة معارف الفن`: وضع الألوان متجاورة دون أن يفصلها خط ما. مشحوذة الحواف كحد الموسى. استفادت مريم من معطيات الاتجاهات الفنية المختلفة.. لكنها أبداً لم ترفع أعلامها خلف أحداها. فنانة `منشئة`.. مبادرة استثمرت التحسيس الفوتوغرافى فى إظهار التفاصيل الدقيقة للقش الذى تألفت منه قاعدة الكرسى، حتى نشعر بالآلفة.. والراحة.. والشعبية.. وبيتنا القديم. صفات لا تتوافر لكرسى آخر. هذا ما نسميه الدلالة الشكلية. إنه الكرسى الذى شاهدناه دائماً فى كل مكان تجلس عليه ذكرياتنا الحلوة قبل اختفاء الخشب والقش.. والحرفى الماهر الذى صنع هذه الشبكة الصحية الفاتنة.
- قد نتساءل: ولماذا الكرسى؟
- لا أعتقد أننا ندرك مقصد الفنانة من أبداعها إلا بإدراك دوافعها النفسية المتوافرة لدينا `القصد` أو `الغرض` أو `الهدف`.. لا يتضح تماماً إلا فى الصناعات والحرف. أما العمل الفنى الجميل، فينبغى أن يتضمن ما يسمى `الجاذبية الإدراكية` تتيح للمتلقى أن يستجيب ويندمج.. ويعايش اللوحة إلا أن مريم كفتنا عناء الحيرة. لم تقدم لنا إبداعاً مجرداً من حيث الشكل. صورت موضوعات مثل: الكرسي.. بائع البطيخ.. بائع الترمس.. محطة الأتوبيس. عناصرها، واضحة ندرك `دلالتها الرمزية والاجتماعية.. حتى فى أعمالها الأخيرة المتعلقة بالخط العربى والآيات الكريمة لكن. على المتلقى أن يفصل` بين عواطفه الدينية والأشكال الفنية. خاصة حين يتأمل الخطوط الخارجية التى تحصر `التكوين` كأنه تمثال `تلك الأشكال` تجتذب المشاعر الذواقة والخواطر الحلمة.. وليس العقل الفاحص ذي الأحكام المسبقة والمفاهيم الدوجماطيقية.
- فنانون كثيرون رسموا المقعد. بينهم الهولندى فان جوخ (1853-1890). صورة ثائراً دراماتيكيا مأساوياً لكن كرسى مريم له شكل ذو دلالة مختلفة أنه قصة الأيام الخوالى.. أيام راحة البال ورغد العيش كذلك؟ نادى الفيلسوف اليونانى: أرسطو بأن الفن محاكاة للطبيعة. اختلفت الآراء وتباينت من بعده حتى يومنا هذا. بين منادي بأنه `الشكل ذو الدلالة`.. أو `الدلالة الانفعالية`.. أو `الجمال الفنى`.. وما إلى ذلك من مداخل الإدراك الجمالي. يضم إبداع مريم عبد العليم كل تلك الجوانب. قد يبرز أحدها فى لوحة ما. لكنها فى نهاية الأمر تقدم لنا أشكالاً لها معان ومضامين.
- أعتقد أن ناقداً كبيراً مثل: روجر فراى، حين أطلق اصطلاحه المبتكر: `الشكل ذو الدلالة`.. كعلامة على `فنية` النشاط الإبداعى، لم يقصد الشكل المطلق المجرد من كل معنى.. إذن ما الخير فى `شكل` لا يثير خيالنا ولا يستنهض إدراكنا؟.. المدرك الفنى لا يكفى ليجذبنا إلى اللوحة. إنما هو `المدرك الإنسانى` المستخفى بين الخطوط والألوان والملامس. العلاقات الجمالية تبهرنا وتعجبنا، لكن العمل الفنى لا يعلق بذاكرتنا إذا لم يرتبط بخبراتنا السابقة من حيث أننا نحيا في كل عصر ومكان معين إننا نذكر لوحة `جيونيكا` لبيكاسو. ليس فقط لأنها ملحمة جمالية مثيرة. بل أيضا لأنها تصور القهر الذى يجتاح العلم والثقافة والحضارة..
- ولدت مريم عبد العليم فى رمل الأسكندرية شبت فى أسرة كبيرة ذات مسحة دينية مستنيرة، لم تبعد بها عن الدراسات العلمية والفنية فى ذلك الوقت الباكر `الثلاثينيات` نجد بين الأخوة التسعة عالم البحار.. أستاذ الطب فى أمريكا.. وأستاذة الفن.. وما إلى ذلك من التخصصات الثقافية العالمية أما القاسم المشترك الذي ضمهم جميعاً فهو الرسم الأمر الذي ساعد الطفلة مريم بعد وفاة والدها الضابط بالجيش (1933)، أن تجد من الرعاية ما أتاح لمواهبها الفطرية أن تتفتح وتمضى محلقة فى سماء الفن. ففى حى محرم بك.. بدأت مسيرة التعليم العام، حيث كانت تنتظر أيام الجمعة.. تستيفظ في البكور لترص عرائسها ولعبها فوق مكتبها الصغير.. وتبدأ رسمها وتلوينها في تشكيلات بهيجة.. تمضى معها أوقاتاً تنسيها طعامها وشرابها. شجعها إخواتها الكبار الذين لم تخل هوامش كراساتهم وكتبهم من الرسوم كعادة الهواة.
- الإسكندرية سنة 1946، لم تضم من المراكز الفنية سوى `الأتيلية`.. جماعة الأدباء والفنانين.. أعضاؤها الأجانب تقريباً. وقلة من الاستوديوهات التعليمية الأجنبية. مريم طالبة الثانوى ذات الستة عشر ربيعاً.. كانت رغبتها عارمة فى الإبداع الفنى. ابتاعت الأدوات والألوان وحامل اللوحات.. ولم تنس بعض الصور الجميلة لتكبيرها. اتضح فيما بعد أنها من أعمال الرسام الهولندى: رمبرانت (1606/1696).. ملك الإضاءة في الظلام. نقلت بعضها ملوناً والآخر بأقلام الفحم. كم دهشت مس واتكن مفتشة مادة الرسم لمحاولات التلميذة مريم بمدرسة الأميرة فايزة الثانوية أعجبتها خطوطها الرشيقة الموسيقية ونصحتها بأستكمال دراستها فى معهد الفنون بالقاهرة. كذلك أستاذها: وهبة نوار المدرس العظيم الذي يتردد أسمه على ألسنة فنانى الطليعة بالإسكندرية. بوصفه مشجعهم الأول وموجههم إلى طريق الإبداع. تخرج فى الفنون الجميلة بالقاهرة رساماً مصوراً. كان فناناً ملهماً عاشقاً للفن. أستطاع أن ينقل مشاعره لتلاميذه ويثقل مواهبهم بالقدر الذي يتيح لهم استكمال الطريق.
- .. فى معهد الفنون بالزمالك تلقفت مريم أستاذات مرموقات. لهن بصمة واضحة فى تاريخ حركتنا التشكيلية نذكر منهن: مرجريت نخلة. مدام راغب عياد.. والإيطالية: مدام بارفز، التي كانت تقطن بيت الفنانين بدرب اللبانة فى حى القلعة. بلغ من إعجابها بتلميذتها مريم فى دروس النحت أن أهدتها منضدة تذكارية.. كانت لجدها النحات الذى نفذ بعض التماثيل فى بلادنا.
- صحيح أن كل الفنون لها علاقة بعضها بالبعض الآخر لكن يبدو أن هناك وشائج مميزة بين/ فني: النحت والحفر على المعدن بنوع خاص من حيث الأهتمام بالكتلة والخط الخارجى `الوهمى` والتصميم المتأنى البعيد عن الأسقاط الفورى كما هو الحال فى الرسم التصويري. تتضح هذه الوشائج عند مريم ففى سلسلة لوحات `البسملة` تذكرنا حدود تكويناتها بالكتل الصخرية التى تبدعها الطبيعة. تلفت أنظارنا وتجتذب مشاعرنا. كلما مررنا بها فى الصحراء وعلى الشاطئ المهجور تؤكد لنا عظمة وجلال الخالق. نحس مع بسملات مريم بـ`الصالحية`.. و`الحيوية`.. و`سيادة الشكل ودلالتها` غير معتمدة فى تأثيرها على المحتوى اللفظي الكريم `نكاد لا نتبين الحروف المدونة أحياناً فى `نحتها الجرافيكي`.. أن صح التعبير، تختلف مريم عن النحاتة الإنجليزية: باربارا هيبوارث التي أبدعت روائعها في النصف الأول من لقرن.. معتمدة على انتقاء ما يتفق من الأشكال الطبيعية مع تنظيماتنا العصبية المتوارثة عبر ملايين السنين، حتى تخلع على تماثيلها مزيدا من الحيوية هذه الأشكال `الجذابة الطريفة الموحية`.. سريعا ما تخطف اللب وتضئ الخيال أدركتها مريم بطبيعة النحاتة الكامنة فى داخلها.. بحاستها الفنية المرهفة. منحتنا صوراً لكائنات لم نرها من قبل. تلتصق بعيوننا لا تفارقنا بعد أن نمضى ونتركها.
- غنى عن الملاحظة أنها أبدعت تلك `البسملات` بعد أدائها فريضة الحج (1969) شفعتها بمجموعة أخرى من الحفر على الزنك.. عن `الكعبة المشرفة` والطواف نالت عليها جائزة الدولة التشجيعية فى عام 1973.
- .. تاريخ حياة الفنانة يمنحنا مفاتيح سحرية نلج بها قصور أحلامها فلولا أننا نعرف الملابسات المحيطة بمعظم روائع ليوناردو دافنشى (1452/1519)، لا تهمنا ذلك العبقرى الفريد بالإهمال والتسيب. معرفتنا بالدوافع النفسية لفنانتنا، تساعدنا على تفسير أبداعها وتذوقه. اتجهت إلى المضامين الدينية والصوفية بعد عودتها من الحج. ثم أكدتها أثناء إعارتها للمملكة السعودية طوال أربع سنوات (1975/1979).
- تخرجت فى معهد الفنون الجميلة سنة 1954 بعد عام واحد.. كانت تدرس الأساليب الحديثة لفن الجرافيك بأمريكا. لم تقصد هذا الفن بالذات، لكنه اجتذبها بأجهزته وأدواته وامكانياته الإبداعية وعالمه الساحر لم تكن تعرف سوى الحفر على الزنك. اكتشفت الحفر على الخشب وطرق الطباعة الفنية بالشاشة الحريرية التى كانت تستخدم تجارياً فقط منذ مطلع القرن العشرين لم تدخل ميدان الإبداع التشكيلى إلا بعد نصف قرن وكانت مريم أول من أدخلها فى حركتنا الفنية. بعد سنوات ثلاث. حصلت على أعلى مؤهل واستدعتها كلية فنون الإسكندرية للتدريس.
- .. من طريف ما يروى.. أن جامعة حلوان منحتها درجة `الدكتوراه` شأن الحالات المماثلة. مع أن هذه الدرجة العلمية لا تمنح عالمياً للدراسات `العملية` كم دهش كبار الفنانين والأساتذة الأمريكيين - حين زارتهم للمرة الثالثة (1981) - لهذا اللقب الذى لم يحصل عليه واحد منهم، بينما توزعه جامعة حلوان كأوسمة الشرف.
- لم تنقطع مريم عبد العليم عن عرض إبداعها فى مصر طوال غيبتها. فازت بالجائزة الأولى لفن الحفر فى بينالي الأسكندرية سنة 1957 على لوحة `العائلة المقدسة` من الحفر على الخشب. لا علاقة بين اسم اللوحة والمعنى الديني الذي يتبادر إلى الأذهان. الأمومة. هى الموضوع الذي عبرت عنه الفنانة بتكوينها المؤلف من الأب والأم والطفل.
- الإبداع الجرافيكي لنوع خاص، على علاقة أكيدة بأساليب التنفيذ التكنولوجية كل أسلوب له طعم ومذاق وعطاء. يستثمره الفنان الحقيقى فى `تجسيد` أفكاره.. والتأثيرات والإيحاءات.. والجاذبية والإثارة والحيوية، التى ينبغى ألا يخلو منها إبداع فنى. `الصنعة` بوجه عام لها أهمية قصوى فى الفن.
- تتضاعف تلك الأهمية في فن الجرافيك. حين سافرت مريم إلى أمريكا، اختبرت أساليب مختلفة للطباعة الحائطية بالشاشة الحريرية بدلاً من أساليب `الفرسكو` والتمبرا، الموازيكو`. استطاعت بها أن ترسم لوحاتها على أكثر من جدار المهم هنا ان هذا الأسلوب يمنح الموضوعات المرسومة نكهة خاصة طريفة تختلف عن الأساليب الأخرى. كانت مريم تتوق إلى تحقيقها. الفنانون الذين جددوا في الصنعة الفنية، اشتهروا لأنها كانت عاملاً حاسماً في `تجسيد` افكارهم الجديدة والصنعة التي ابتكرها عبقري عصر النهضة: ليوناردو، كانت الرسم بألوان الزيت على الجب بعد طلائه بالورنيش. الأمر الذى ساعده على تجسيد فكرة الـ صفوماتو أو الرسم الدخاني أى الذى يبدو وكأنه مرسوم بالدخان حتى يصبح أكثر واقعية وشاعرية ويضفى الحيوية على الشخصيات المصورة لوحة العشاء الأخير على جدار مطعم دير سانتا مريا جراتيسي. مازالت تقدم لنا `قالباً` رائعاً للتعبير رغم فشل الصنعة الجديدة وضياع اللوحة.. العملاقة.
- انشغلت مريم منذ عودتها من منحتها بتكنولوجية الإبداع بالشاشة الحريرية استوردت الألوان والأحبار والأقلام والأدوات، عانت الكثير فى تفريغ الرسوم على الأفلام. ولصقها بالغراء على الشاشة ثم غسلها بعد الطبع. استوردت مادة عازلة رسمت بها على الشاشة بدلاً من الأفلام الملصقة. فى مطلع الستينات.. تمكنت من الإبداع بأسلوب التحسيس الضوئى المستخدم في الخارج والذى وفر عليها العناء وأتاح لها إبداع سلسلة لوحاتها عن `النهضة الصناعية` التي كانت تغمر مصر حينذاك جمعت عناصر تكوينها من تروس ومسامير ومفاتيح وأدوات لصقتها على لوح الزجاج واستكملت تكوينها بعناصر مرسومة بالأحبار عرضت تكوينها المجتمع المرسوم. للضوء فوق الشاشة الحريرية `الحساسة` وحصلت على بغيتها من التعبير المثير الجذاب. سحبت أسلوب التحسيس بعد ذلك إلى الحجر `اللينو` وألواح الزنك. فأصبح لإبداعها مذاق فريد.. وقالب وشكل ذو دلالة إجتماعية وإنسانية فضلاً على العلاقات `الأستطيقية` التى اتقنت صياغتها بصبر المحب وأناته.
- بعد عودتها من أمريكا مباشرة 1958 افرغت مريم وحشتها فى موضوعات شعبية دافئة افتقدتها في غربتها. صورتها بالحفر على الزنك. للتعبير عن حنينها لموضع طفولتها وملعب يفاعتها: البائع المتجول.. سوق الخضار.. القرية.. مشاهد من الحياة اليومية. إبداع تشبيهى لكنه أبداً ليس أكاديمياً. ينحو إلى النسب الجمالية والتكوين الفنى بدلاً من النسب الطبيعية والتكوين الواقعي. المدرك الجمالى.. ليس `المدرك الفوتوغرافى`. اتجهت إلى التعبير عن انفعالاتها وما يتطلبه من خروج على النظرة التقليدية للأشياء تبلور اتجاهاً هذا فى مجموعة لوحات مخرجة بالشاشة الحريرية المحسسة. اشتركت بها في بينالي بويليانا للحفر فى يوغوسلافيا سنة 1968. نذكر منها: عملية جراحية. بداية ونهاية.. وردة وجماجم.
- الفن عن مريم مسألة روحية. درب من العبادة. ضرورة لا غناء عنها. رغم المشقة التى تتجشمها لإبداع لوحة واحدة. ترسم العشرات لترضي عن أحداها. ترى فيها `تجسيداً` لخيالها وخواطرها. تنبثق الرغبة في نفسها هينة لينة تتعاظم رويداً رويداً متجهة من الداخل إلى الخارج تتنامى حتى تشعر الفنانة أن لابد من خروجها إلى حيز الواقع مجسدة في `شكل ذي دلالة` يشير إلى الأفكار والخواطر التى هى أصل وجوده. كلما خلت الفنانة إلى نفسها. سيطر على مشاعرها وخيالها وأصبح كالجنين الذى استنفذ أيام حمله وآن له أن يولد دون تسويف.. الآن تركت مريم شاشتها الحريرية وألواح الخشب عادت إلى الحفر الكلاسيكي بأبر الصلب على ألواح الزنك. الأمر الذي يناسب العودة إلى التعبير عن أفكار محددة وموضوعات واضحة.. الكعبة.. الطواف.. البسملة. إلا أن الخبرات الطويلة المنوعة أساليب الصياغة.. والأستاذية فى حبك القيم الفنية تترك بصماتها على بلاغة الموضوعات وفصاحتها.. وطرافتها وجاذبيتها.. عرفت فنانتنا بالتجريب التكنيكي ليس بهدف الإبهار ولفت الأنظار وصدم المتلقى.. بل للبحث عن أفضل الطرق لتجسيد فكرها وخيالها.. وتحقيق `مدركها` الجمالى والإنسانى. لوحاتها ذات موضوع ولو بدت لنا تجريدية أحياناً. يمكننا دائماً أن نمسك الخيط الذى يقودنا إلى الفكرة المستقرة فى صدرها الصنعة عند مريم تخدم الفكرة والخيال.. وليس العكس. ثقتها بإبداعها نابعة من سعة الاطلاع. وعمق الخبرة. ونفاذ البصيرة.. وإحساسها بمواهبها. مبادرة دائماً إلى كل جديد.
الناقد: د./ مختار العطار
من ( كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الأول )
|