محى الدين محمد حسين
- حياة بين الطين واللهب والدخان والنار وآلة الهارب والكمان والعود والألوان هكذا هو التعانق الموجود الكامن فى إبداعات وابتكارات الخزاف محى الدين حسين إنه عاشق لفنون أجداده وعينه تدور بكل مكان فى عالم اليوم وتدقق وعقله يبدع يبدو أنه معطر بعبير فاطمى أو أيوبى أو مملوكى وهكذا فهو يتجول حاملاً إليك فى النهاية عطر أسلافه بقالب جديد مبتكر معاصر ينال التقدير والإعجاب محلياً وعالمياً .
- الأستاذ الفنان محى الدين حسين علامة بارزة فى تأكيد دور فن الخزف فى مسار الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة ويرجع إليه فضل قيادة الترينالى ثم البينالى الدولى للخزف بالقاهرة بدوراته المتعددة فضلاً عن عملية التنوير التى يدفعها دائماً إلى الوجود وإلى الأمام فى مجال فن الخزف بصفة خاصة ومجال الفن التشكيلى بصفة عامة .
- إن الفنان الخزاف محى الدين حسين علامة بارزة فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى المعاصر كخزاف مبدع مبتكر معاصر صاحب قدرة فائقة على التعامل بين الطين والنار والألوان والأكاسيد يمتص ويضيف إلى أفرانه أثناء الحريق ما يجعل من إبداعاته سمة من سمات مصر اليوم وهو يعتبر جوهرة مصرية للطين المحروق والمزجج .
أ . د / رمزى مصطفى
أكثر من 40 عاما عاشقاً ومغامراً : التمثال واللوحة والإناء فى خزفيات محى الدين حسين
- مسيرة الفنان الكبير محى الدين حسين الإبداعية والتى قدم فيها تجاربه المتعددة والمتنوعة لأكثر من 40 عاماً من الفن خاضها فى مجال الخزف ملتزماً وباحثاً فى طبيعة الخامة وكيميائها متمردا وثائرا على القوالب التقليدية ، مغامرا وعاشقا للتجربة والتجريب بلا حدود لتأتى إبداعاته بالوسائط الخزفيه متجددة غزيرة متنوعة فى لغة الشكل والهيئة واللون والملمس ليمتلك نواصيها ويكشف أسرارها .. النار بتوهجها المتعدد هى وسيطه حيث صاحبته وصاحبها طوال الرحلة .
- حتفت به مكتبة الاسكندرية عام 2007 لتقيم لإبداعاته متحفا دائما فى إحدى قاعاتها افتتحه اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية واسماعيل سراج الدين مدير المكتبة وتم الافتتاح أول مارس فى احتفالية كبيرة ضمت العديد من الفنانين والنقاد ورجال الصحافة والإعلام ، وقد شارك فى الملتقى الرابع للمكتبة فى سمبوزيوم الفسيفساء النحتية الذى افتتح أول هذا الشهر ، بالإضافة إلى مشاركاته فى الدورات الثلاث السابقة : النحت على الخشب ،والنحت على الرخام، والنحت على الجرانيت كما شارك لعدة دورات فى سمبوزيوم اسوان للنحت على الجرانيت .
- أقام الفنان محيى الدين حسين أحدث معارضه الشهر الماضى بمركز الجزيرة للفنون قدم فيه تجربته الجديدة فى فن الخزف وفن الخزف مجرد خامة لديها استعداد للتشكيل حسب رؤية الفنان وقدراته ولديها إمكانات يطوعها الخزاف لتعبر عن مفهومه وإحساسه بعد أن يتمكن من السيطرة عليها، فخاماته تستطيع أن تصنع أشكالاً وألوانا ليست بالسهولة بمكان لكنها تحتاج إلى الخبرة الواسعة والممتدة لكشف أسرارها والتعمق فى إمكاناتها بمصاحبة هذه الخامات وخلق صداقة من نوع خاص معها يتعامل من خلالها وبها مع النار فى هدوئها وثورتها يأمنها على تشكيلاته لتصبح جزءا منها بعد أن يضع تصوره ويبث إحساسه ويطلق طاقاته التعبيرية مع خبرته وينتظر النتيجة بمتابعة مراحل الحريق وتوقيتاته من خلال أدوات القياس بعد حسابات ومعادلات جمالية وتتلاقى إلى حد كبير بين ما يحدث على أرض الواقع وما يقع داخل فكر الفنان ومخيلته.
- فناننا الكبير محى الدين حسين عشق فن الخزف ويشعر أنه خلق من أجله واستهواه بعد أن وجد فيه كل الإمكانات التى يريدها ليتحول من قسم النحت الذى التحق به بعد دخوله الفنون التطبيقية أواخر الخمسينيات ويلتحق بقسم الخزف، ذلك الفن الذى لا يعتمد على مجرد استعمال أنبوب اللون والفرشاة أو الطينة أو الحجر لكن هناك وسيط بين الفنان والنتيجة هو النار، إذن فهى ليست تقنية مباشرة لكنها إدراك بإمكانية التفاعل الذى سيحدث بين العمل والنار حتى يخرج العمل موائما لترتيبات الفنان العقلية وأفكاره المسبقة والتى لا تخلو من المصادفة والتى يقول عنها الفنان :`هناك بالفعل فرصة للمصادفة ، مصادفة تحدث فى مرحلة يكون الفنان فيها معزولا عن العمل بالرؤية لكنه غير معزول بالإحساس `.
- يتعامل الفنان مع وسائط وخامات الخزف بكل ما يمتلك من إمكانات وخبرات متراكمة اكتسبها من خلال تعامله المتعدد معها فى حسابات الشكل والخط والمساحة، واللون كذلك لا يراه الخزف بشكله االنهائى مثل التعامل بألوان التصوير الزيتيه لكنه يراه متقاربا بين الأسود والرمادى والأبيض وما يظهر هو النار التى تحول كل هذه الخامات إلى ألوان وأجسام صلبة من الطين إلى الفخار المحروق المزجج بألوان زجاجية لا تظهر إلا بالنار، فكل لون له درجة معينة وحسابات دقيقة للتعامل مع النار تتحول من المسحوق إلى الزجاج فحينما يريد الفنان وضع لمسة من اللون الأحمر يختار أساسها من التراب البنى ولو أخفق فى الحرق لا يخرج اللون الأحمر .
- يقول الفنان محى الدين حسين : احيانا أرفض أعمالا لا تخرج كما أريد وأعيد الحرق أربع مرات أو أكثر حتى أصل إلى النتيجة المناسبة التى أريدها لكن فى النهاية يجب أن يكون الشكل يستحق الإصرار عليه .
* فن الإناء :
- ارتبط فن الإناء بشكل أكبر بالطين لكن هناك إناء بالحجر والمعدن والزجاج والخشب وإناء بكل الخامات وهناك إناء مصنوع بالطين .
- تعامل الفنان محى الدين حسين مع الإناء فى مراحل إبداعه الزاخرة بالتنوع حيث بدأ فى التعامل معه فى الستينيات من خلال دراسته للتراث محافظا على مقومات الخزف المميزة للعصر الإسلامى فى انسياب الخط الخارجى وعلاقته بالفوهة والرقبة واليدين بالإختزال والتبسيط والتأثيرات المتنوعة الملمس والتحكم فى التأثيرات اللونية والعناصر المجنحة والزخرفيات المحفورة والبارزة والملونة، ظل الفنان داخل هذا الإطار حتى منتصف الثمانينات لتحرر آنياته وتنطلق ويكسبها صفات النحت، المجال الذى بدأ به أثناء دراسته بالفنون التطبيقية والذى ظل كامنا داخله حتى واتته الفرصة فى بحثه وتجريبه ليحول الإناء إلى عمل نحتى صرحى من مجرد إناء إلى أجسام تشخيصية ضخمة يشكلها بالرؤوس والضفائر والرقاب والنهود والخواصر فى تأثيرات ملمسية خشنة متنوعة وكذلك بالحفر الحاد على الأسطح واستخدام البنى المحروق ودرجاته فى التلوين .
- التعامل فى مجال النحت يختلف عن مجال النحت الخزفى الذى يعتمد على أن يكون العمل مفرغا لأنها تدخل الحريق حيث إنها تنفجر لو كانت مصمتة لأن هناك عوامل تمدد وإنكماش فى النار وهى من الشروط الواجب اتباعها فى إبداع العمل الخزفى، هذا الفراغ الداخلى يمكن أن يوحى للفنان بأشكال تختلف لو تعامل مع جسم مصمت، ففى الخزف يحترم الفنان الفراغ الدخلى ويحاول الحفاظ عليه وذلك عكس النحت الذى يستطيع فيه الفنان الإضافة فى الكتلة والاختزال منها لذلك يعتبر الخزف النحتى أكثر صعوبة ويصنع الفنان لنفسه الحيل والأفكار حتى يحافظ على الشكل والتقنية فى آن واحد .
- وعن حدود الأحجام فى الخزف النحتى يقول الفنان محى الدين حسين : ` لا حدود فى الأحجام وهناك طرق كثيرة للوصول إلى الأحجام التى نريدها والتقنيات الحديثة صنعت المعجزات . فاليابان أنتجت بلاطة واحدة طولها ثلاثة أمتار وارتفاعها خمسة أمتار وسمكها سنتيمتر واحد ، وهو إعجاز علمى وصناعى غير كل ما عرفناه عن إمكانات خامات الخزف لكن الصناعة والعلم ليس لهما حدود` .
- ويستمر البحث والتجريب والتطوير فى إبداعات الفنان ليتواصل مع معطيات العصر ويتجه فى التسعينيات إلى التشكيل بالخزف فى الفراغ من عناصر متعددة فى كل المجالات التى طرقها وجمع فيها فن الإناء والبلاطة والمنحوتات الخزفية الصرحية وكذلك الإسطوانات الضخمة والتى اخترعها فى بداية الألفية الثالثة ليبدأ بها تشكيلاته التى يمدها بفنون الخزف المتنوعة والتى نمت وتطورت بتجريبه الدائم وتعامل معها من خلال تفاعلها مع الضوء .
- ولقد تعامل الفنان محى الدين حسين مع المسطحات الجدارية الخزفية والتى أبدع فيها أعمالاً عظيمة، خاصة أنها ملونة حيث إنها الخامة الوحيدة التى يستطيع الفنان بها صنع أشكال مسطحة بمساحات كبيرة منحوته وملونة وأزلية تعمر اكثر من أى خامة أخرى أبدع منها جداريتين لمؤسسة الأهرام وأخرى بالأكاديمية المصرية بروما وبعض الفنادق الكبرى بمصر .
- يبدع الفنان فى مجالات فن فنون الخزف التى طرقها فى تنويعات للإناء واللوحة المكونة من بلاطة أو اكثر استخدم فيها اللون بتمكن ليرسم المنظر والوجه الإنسانى بالإضافة إلى التمثال، والسر فى جمال إبداعاته هو قدرته على السيطرة والتفاعل مع تلك الخامات التى استطاع من خلالها أن يعطى كل هذه التأثيرات التى تعبر عن كل الأحاسيس التى يحول وضعها فى العمل .
الفنان محى الدين حسين رأس لجنة تحكيم بينالى القاهرة الدولى للخزف أعوام 1968،66،64 وهو عضو لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة ومؤسس وقومسير ملتقى الفخار الشعبى بقنا منذ عام 1999 ذلك الملتقى الذى يعد تجربة مثمرة غير مسبوقة فى احتكاك شباب الفنانين بأساطين الفخار الشعبى فى أحد الفواخير فى تبادل الفكر والخبرات والأساليب الفنية والمهنية والطليعية لتعرض هذه التجربة فى الأكاديمية المصرية بروما .
- التجديد والغزارة والتنوع هى سمات إبداع فناننا الكبير محى الدين حسين والتى تؤكد صفته كرسام ومصور ونحات وخزاف لا يستغل نجاحه فى مرحلة ما لكنه يسعى للبحث والتجريب ، لا يكتب أو يسجل النتائج التى يصل إليها لكنه يختزنها مؤكدا فى استمرارية التجربة إمكانية التشكيل والرسم .
د. محمد الناصر
مجلة نصف الدنيا 2009
مشوار إبداعى
من بين مبدعى فن الخزف المصريين منذ جيل الستينيات واللذين ساهموا فى بعث قيمة المعاصرة والهوية لهذا الفن الذى عانى من النسيان لقرون طويلة فى مصر.أرى محى الدين حسين فى المقدمة.
فهو فضلاً عن تميزه التقنى والإبداعى وشخصيته المجددة وجسارته الفنية ، قد كرس حياته الفنية كلها لهذا الفن ليصبح علامة فارقة بين أقرانه .حيث أجرى دراسات معمقة وتطبيقات إبداعية فى فن الإناء والتمثال والجدارية .ثم العمل الفنى المركب الذى يستخدم فيه عناصر من إنتاجه وأخرى من خامات ومشغولات فخارية سابقة التصنيع وقوالب الطوب الحرارى ذى الملامس المفعمة بالحيوية، يشكله بآلات القطع الدوارة ويجمعه بالمواد اللاصقة الحديثة مع إضافة جزئيات من الحديد أحياناً.
وفى النحت تتميز أعماله بإنسيابية وحساسية فى الانتقال من سطح إلى آخر فى صيغة هارمونية وفى ارتباط وثيق بالبيئة المصرية وفى فن البلاطة والطبق .يرسم بالأكاسيد والملونات على المساحات الواسعة بجرأة وقدرة الفرشاة المبللة بالألوان المزججة على سطوح البلاطات والأطباق يكمل العمل بقوة النيران التى يتحكم فيها الفنان أثناء عملية الحريق فيسيل بعض الألوان وينكمش البعض الآخر تاركاً من حوله خطوطاً كونتورية قوية التعبير وتشققات وتدريجات رقطاء بألوان الرمان والباذنجان والزيتون ،وتبرق هنا وهناك لسعات نحاسية وذهبية وقصديرية من البريق المعدنى .
د. مصطفى الرزاز
يستمد تجربته الإبداعية من البريق المعدنى .. محيى الدين حسين .. صديق النار
- «صديق النار» هو اللقب الذي يرافق الفنان محيي الدين حسين، بعد أن ارتبط على مدار أكثر من 50 عاماً بالطين ونار الأفران التي تسويّ أعماله الخزفية باحثاً عن تقنيات جديدة من خلال تجريبه الدائم وتنوع إنتاجه بين الإناء وتاريخه الحضاري على مستوى الشكل، وبين الطلاءات المضافة وتأثرها الكيميائي بدرجات الحريق، مستمداً وممتداً مع تجربة البريق المعدني التي ابتكرها الفنان المسلم، وصولاً إلى التكوينات النحتية الخزفية من خلال تركيب القوالب الجاهزة الصنع أو التشكيل بالطين.
وأكد بذلك على ارتباطه الأول بقسم النحت في كلية الفنون التطبيقية مع أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، قبل أن يتنقل إلى قسم الخزف في الكلية عينها حينما وجد أن الخامة واحدة في القسمين، إلا أن التنوع في فن الخزف يرتبط بإمكانية الفنان وقدرته على التعامل مع النار، فيبقى للمفاجأة دور بارز في إنتاجه مهما كانت حساباته المسبقة، حتى أنه يؤكد على وجود المصادفة في فن الخزف، والتي يردها إلى الفترة التي يكون فيها الفنان منفصلاً عن العمل حيث يودعه الفرن ليحرقه.
ويأتي معرض محيي الدين حسين، في قاعة الفن في القاهرة تجميعاً إبداعياً لمسيرة متعددة التجارب والنجاحات، خاصة بعد المعرض الدائم الذي أقامته له مكتبة الإسكندرية العام 2007 وضم 100 قطعة من مختلف مراحله الفنية، تقديراً لدوره البارز والريادي في مجال فن الخزف، وأيضاً لدوره في تأسيس بينالي القاهرة الدولي للخزف وملتقى الفخار القومي، وهو ما أسهم في التعرف على تجارب إبداعية دولية في فن الخزف المعاصر.
بدأ حسين في التعامل مع الخزف منذ الستينيات عندما طُلب منه بحث عن الفخار الشعبي، مؤكداً أن فترة منحة التفرغ التي حصل عليها من الدولة تعتبر أكثر فتراته تعمقاً في البحث والتجريب، وقسمها إلى ثلاث مراحل عمل فيها على الجداريات الخزفية المسطحة، ثم على البريق المعدني، وصولاً إلى النحت الخزفي، وربما ساعده في ذلك عدم إيمانه بالتصنيفات الفنية، والتي يراها تفقد الفنان حريته وتقيده، إضافة إلى تأثره برائد فن الخزف الفنان سعيد الصدر المجدد في التراث الخزفي الإسلامي والشعبي، حتى وصل إلى ملمحه الفني الخاص في الإناء وتقنية البريق المعدني، مما دفعه إلى العمل على تلك التقنية في كل الأشكال الخزفية من إناء وتمثال ولوحة، محاولاً الحفاظ على مقومات الخزف الإسلامي في شكل الإناء وخطوطه الخارجية والعلاقات المحسوبة بين الرقبة والفوهة واليدين إن وجدتا.
مجدى عثمان
الاتحاد - 2015/12/27
تحولات الطبيعة وكائناتها العضوية فى لوحات محيى الدين حسين
- عرض استيعادى ضخم مقام حاليا لفنان الخزف المعاصر الكبير محيى الدين حسين بجاليرى الزمالك .. العرض أقيم فى حوالى ثمانى حجرات عرض بالجاليرى لأعمال نحتية وآنية خزفية فوق قواعد تتوسطه والى جوار الجدران وعشرات من لوحات البلاطات الجدارية معلقة فوق الجدران ..
أكثر ما أدهشنى فى العرض الاستيعادى ظهور مفهوم التحولات وبقوة مع تجمع نتاج الفنان الضخم بالخامة الواحدة .. فتحولاته تعدت مظهر الخارج الى الفكر الذى يصبه ويصيغ له شكلا جديدا يستوعب الفكرة الجمالية الجديدة التى عبر سنوات طويلة من التجريب بين الطين والماء والنار تحول لديه العمل النفعى الوظيفى الى جمالى مُفرط .. إنها تجربة عمر فريدة وممارسة لم تكف عن التجريب حتى مع خامة الحجر الرملى ولا تجاربة مع أحجار سمبوزيوم أسوان النحتى ..
العرض الاستيعادى هو عرض لأستاذ كبير يستحق الدرس وليس فقط المشاهدة ..
من داخل قاعة العرض وسط انتاج متنوع كما وكيفا بين العمل الضخم العملاق والعمل الصغير الحجم .. وبين العمل الخزفى المزجج والفخارى والتجريدية .. وبين نحت لحيوانات مجسم ومشهد مسطح للطبيعة .. ظل يُلح تساؤل لما هذا التحول الدائم فى المجال الخزفى للفنان الكبير فى منجزه وآلياته الفنية ومجالاتها ومهما كان مفهوم التحول نجده ينال الشكل .. البنية .. بل المضمون أو الغرض من العمل الفنى .. فهو يحول حال الشىء نفسه إلى أداء جديد رغم الخامة الواحدة حتى لو غير فى تقنيته من المجوف الى المسطح الى المصمت .. وايضا نال التحول الممارسة الفنية نفسها من الخزفى الى الجدارى الى النحتى .. وايضا نال التحول قانون القطعة الفنية ذاتها .. وموضوعها .. ووظيفتها .. وتعدت مع التحولات من تقليد الطبيعة الى تجريدها ..
وهذه التحولات مصدرها الطبيعة المحيطة التى يعمل وسطها محيى الدين حسين فى مرسمه لعشرات من السنين فى منطقة الحرانية من نبات وحيوان ومجرى مائى وكيف يحدث فى محيطه تحول يومى وعلى فترات زمنية ظل يدركه مع السنوات لهذا المحيط الحى دائم التغير من عمليات النمو الشكلى والعضوى للنبات والطير والحيوان والذى انعكس بشدة على أعماله كصورة تحليلية متفاعلة مع تحولات الطبيعية المصغرة من فكرة عمل الحياة .. والتى أكملها بذلك التحول التقنى داخل أفران الحرق .. فأعمال محيى حسين على مدى تاريخه ولاحتكاكه اليومى بالطبيعة القريبة من الأرض الطينية التى يعمل على مُنتجها أتت مرتبطة بنظرية التطور وكضرورة منطقية لتحولات العناصر حوله .. فجاءت مواكبة لتحولات فيزيائية وبيولوجية محيطة مما أكسبت أعماله سمات ومنهج تلك التحولات العضوية الفيزيقية فتأكدت بمنحوتاته لكائنات محيطة من ضفادع وبوم وطيور وحيوانات وحشرات على هيئة مجسمات نحتية .. وأيضا ظهرت كرسوم فوق بعض آنيته .. أما جدارياته الخزفية فأكثر ماسيطر على سطحها الزجاجى الخزفى نباتات وأعشاب وأشجار حديقة مسكنه وأفرانه ..
لذلك جاءت تحولات مجاله الفنى داخل نظام ذهنى وخصوصية تجربه ومعايشه لتحولات ملحوظة بالعين المجردة فى علاقات بنائية تبادلية امتدت فى تلاحم بين الطبيعة والخامة إلى نظام وجدانى وليس بصرى فقط لم يعزله قط عن داخل أفران حرق الآنية .. بل استمر على مدى ممارسته يوسع من دائرة رؤيته التى قادت أدواته لتتناسب ومعطاه الجديد وتحوله فى الشكل والتقنية والمضمون من حالة لحالة فى تركيبية خرجت إلى نطاق فلسفة خاصة ارتبطت وتحولات ونمو الطبيعة كسجل خاص بتحولات محيطة الملموس الفيزيائى والبيولوجى وليس فقط بتحولاته الفنية الكيميائية مع عمليات حرق الخزف وتزجيجه ليبدو ـــ مجازا أدبيا ـــ كأثر انثروبولوجى متراكم لمنتجه الفنى وهو غزير الانتاج مما يساعد الدارس لأعماله لإدراك تلك الدلاله الانثروبولوجية التراكمية فوق سطح الخامة .. وهذه ليست مبالغة واسعة لتراكمات منتج محيى حسين فتحولاته وربما معرضه الاستيعادى بجاليرى الزمالك يساعدان العين والحس الفاحص على إدراك علامات واضحة لما اقول..
والتحول نال الموضوع أيضا فلم يعُد الشكل عند محيى حسين مستمرا كآنية مجوفة لكنه أخذ فى التحول إلى عضويات كأن كل عمل أو مرحلة مُخلق من المرحلة السابقة عليه .. وهذا يتناسب والفكرة الأعظم بأنه لا شكل ولا شىء مستقر فوق سطح الأرض وأن كل شىء إلى صيرورة مستمرة .. لتخلص أعمال الفنان رؤية محيى حسين لهذا المفهوم فى التحول كمنطق الحياة من حال الى حال فى اتساق منه شديد وعمل الطبيعة الأرضية بتحولات عناصرها من صورة لأخرى أثناء النمو وأيضا وما يصاحبها من تغير للمفهوم وليس فقط الشكل والمضمون والمحتوى والوظيفة والتجربة الفنية والعلمية المتراكمة لديه .. لذلك ما يميز رحلة محيى الدين حسين انها ليست فقط تتطور بل لأنها غنية بالتحولات حتى أعمال 2015 المعروضة مع أعمال من السبعينات من القرن الماضى كنتيجة منطقية لنتيجه سبقته ليتغير فى تحول جديد منتهيا إلى بداية تمهد لتحول جديد .. كمنظومة تؤدى إحداها إلى أخرى جديدة تماما .. وهكذا تاخذ رحلته كأمواج بحرية متتالية هى من نفس المادة ـــ المائية ـــ مع صورة متغيرة دوما آخذة فى الاستمرار والتحول فى انطلاقة جديدة ملازمة للناتج الإبداعى .. وايضا نتيجة لرؤية الفنان المتحركة دوما برؤى وأفكار تأويلية جديدة .. لذا أرى ان محيى حسين حقق عن طريق معاناة الإبداع وعبر فيزياء الخزف وكيمياء تكنولوجيته وطرق الحرق حقق قيما تشكيلية وإنسانية فى التحامة والطبيعة ..
وبنظرة الى معرضه الاستيعادى نجد ما يؤكد فكرة وتطبيق التحولات فى منهجه الفنى يتضمن فكرة جدلية الأطراف والمجالات بين المجوف والمسطح والمجسم الذى لا ينفى بعضه بعضا بل يعمل على حسن إدراكه حتى أنه يكمل بعضه بعضا .. كما أن مفهوم التحول يحمل جدليته الآلية .. وتحقق بانفتاح الرؤية أمام الفنان المتمرد على النمطية والتكرار الفنى والمعرفى ما يُمكنه من اجتياز رؤيته إلى نطاق أوسع من الحياة والعالم وليمنح عمله فيضا من الحيوية الروحية والتحول الجمالى ..
جدارياته الخزفية التى ازدحمت فوق جدران القاعات على شكل بلاطات خزفية كبيرة ذات بريق معدنى علمت أنه فى معرضه هذا مزج بين تقنية تجمع الزجاج كخامة مع البريق الخزفى ` الجليزية ` وهى بأحجام مختلفة عالجها تشكيليا بخطوط ومساحات كلوحات تجريدية وكلوحات ريليفية جدارية نحتية الملمس وبلاطات أخرى لرسوم طبيعية بارزة وغائرة لمشهد لأشجار وتفريعات نباتية .. وجاعلا من صورة طائر أو نبات أو زهرة او حيوان طرف تكميلى يزين السطح ويعطى جمالية موحية منفتحة على الطبيعة والوجود والانسان رغم عدم وجوده نصا.
الفنان الكبير محيى الدين حسين فنان منقب بإصرار فى تصوراته بين الطينى والمائى والنار .. مشغول بتجارب لا حصر لها كأن هاجس العملية الخزفية لايغادره .. فنراه تشغله الأشكال الملتفه على كيانها المجوفة .. ثم نراه يبسطها ليكون مكانها الجدار .. ومرة أخرة يعيدها حول ذاتها دون تجويف فى كتلة نحتية .. ومرة نراه يخدش جدارياته الخزفية ثم يرسمها ثم يجعلها لوحة تجريدية أو طبيعية أو خزفية أو يجعل لها من داخلها ابعادا جديدة .. ثم نراه يعود إلى الإناء مرة أخرى يجعله كفكرة كونية للاحتواء .. او يشده من أحد أطرافه .. أو يمنحه هيئة معمارية بنائية رأسية كفكرة قائمة فى المكان .. ليظل دائما همه الخروج بكتلته الخزفية المججة الى بصيرة جديدة فى مهمة صعبة بين المزجج والنعم والخشن حتى وبين الرملى النحتى.
عادة هو فى اعماله اراه يفترض الشكل وتكوينه .. ليُثير تساؤلا حول استقرائه للأشياء المحيطة وارتباطه بها .. خاصة وكل صورة لشىء ما هى امتداد له عبر الزمان والمكان .. وأيضا اشكاله الخزفية والنحتية لها مفرداتها الادئية البصرية بكل الامكانات الايمائية والدلالات الإيحائية.
رحلة الفنان فى عرضه الاستيعادى وبأعماله الاولى من أوان وأطباق مجتمعة تدهشنا ما مرت به من تحول من النفعية الى الجمالية البحتة كقيمة متحولة بتقنيات مارسها الفنان تتسق وتحوله من المجوف الى المسطح والمجسم .. وسيُدرك المشاهد كيف ألغى الفنان الفواصل أو قرب بين فروع الفن المختلفة فى تداخل بين النحت والخزف والتمثال واللوحات المجسمة والمسطحة والتى بدت خامته الطينية مرتبطة وفكرة التجديد الدائم والاكتشاف فى الخامة المسيطرة والتى بها أسهم محيى الدين حسين فى تحقيق قفزات واسعة فى مفهوم فن الخزف والفخاريات المصرية.
فاطمة على
القاهرة - 2015/10/27
|