قراءة فى أعمال الفنان عطية حسين
- رحل الفنان د.عطية حسين عن عالمنا فى ديسمبر الماضى 2010، ولأننا كنا زملاء من خمسين عاماً فى الدراسة وفى العمل وفى البعثة وفى سنوات من العمل العام فى حقل التعليم الأكاديمى، وهذه محاولة لإلقاء الضوء على أعمال الفنان عطية حسين .
- تخرج عطية حسين فى 1963 تخصص طبعة فنية من فنون جميلة إسكندرية، وفى سنوات ما بعد التخرج كانت أعماله كلها فى الوسيط الطباعى الغائر، وكان متأثراً باتجاهات ستانلى هايتر التجريبية فى هذا المجال والذى كان تأثيره ما زال كبيرا فى الاتجاهات الحديثة فى الفن فى ذلك الوقت فى أوروبا `باريس ستوديو 17 ` ثم فى أمريكا وفى هذه الفترة 1963 - 1973 أنجز الفنان عددا من الأعمال الطباعية عالية المستوى والتى تعتبر إضافة حقيقية فى الطبعة الفنية فى مصر فى ذلك الوقت، سواء فى تكوين الصورة وثراء مفردات الشكل أو فى حرية التعبير اللونى الجديد فى هذا الوسيط، ومنذ بداية السبعينات فى القرن الماضى أصبح التصوير هو الوسيط المفضل لدى عطية حسين، واستطاع أن يقدم رؤية أصيلة تتميز برمزية عميقة منسوجة من واقع اجتماعى وتاريخى، عاين الفنان جغرافيته وأزمنته، كان التزام الفنان عطية حسين التزاما كليا بقضايا مجتمعه وتاريخه متيقنا بأن قيمة الفن تتمحور حول ذلك الالتزام، ومبررات ذلك الالتزام واضحة حيث كان عطية حسين يعيش فى عمق الحياة فى المناطق الشعبية متصلا ومتواصلا مع الناس الكادحين والفقراء، بالرغم من أنه فى الجانب الآخر كان يتعايش مع نواحى أخرى سواء فى المستوى الأقتصادى أو الثقافى، كانت معرفته واسعة بالناس وكيف هم فى وطنه .
- قدم الفنان عالما له أبعاد مكانية واضحة نعرفها جميعا، فهناك الصحراء ذات الأفق الممتد والتى يعبرها النهر بشكل أفقى مستمر، وقد يكون البحر فى الخلف أو فى مقدمة الصورة وفى هذا المكان الصحراوى تقف هيئات قديمة فاقدة للحياة أو تكاد فى عالم غرائبى وصامت معزول، هى آثار تدعى الحياة بالرغم من تأكلها، وتزينها بطريقة استفزازية هل هى علامات؟ ان العالم الذى يقدمه الفنان يحيلنا إلى شىء مصرى صميم، إن الطابع العبثى يسيطر على المشهد، نرى انكار الحرية وصرحية المخدر والغياب الإنسانى، هذه المعانى المباشرة والتى نواجهها باستمرار أثناء رؤيتنا لأعمال الفنان والتى يؤكدها من عمل إلى عمل، من لغة تشكيلية عالية، بنائية يلعب فيها التباين اللونى دورا رئيسياً فى تشكل الهيئات والعناصر وعلاقاتها المكانية وإنشائية سطوحه، مع تأسيس إيقاع بنائى واضح لانتقالات السطوح وحركتها واتجاهاتها مما يكسب السطح حركة وطاقة فى كل جزء منه إن البناء الرمزى عند الفنان يأخذ من العباءة السريالية ثوبا له أو هكذا يبدو لأنه فى الحقيقة أقرب كثيراً إلى العالم الغرائبى عند هيرونيموس بوش فى القرن الخامس عشر وهو عالم مناقض للسريالية لأنه مبنى على الكفر والوعى فى صلته بالواقع، إن هذا العالم الغرائبى يقدر رمزا كاملا كانعكاس لرؤيته الفكرية لمجتمع عاش فيه وقبل تناقضاته .
- إن ما قدمه الفنان عطية حسين فى الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة هو جوهر ثمين قادر على التواصل عبر الأجيال.
- طبقا لجان موكارفسكى العالم اللغوى والمفكر الجمالى وأحد الذين أرسو الدراسة السيميوطيقية للفن ` ان العلاقة طبقا للتعريف الشائع هى حقيقة محسوسة ترتبط بحقيقة أخرى يفترض أن توحى بها ؟ لذا علينا ان نطرح سؤالا ما الحقيقة التى يقوم الفن مقامها ؟ اننا نستطيع ان نقرر أن الفن هو علامة مستقبلة تستخدم وسيطا بين أفراد الجمعة ولكن أين الحقيقة الأخرى التى يشير إليها ؟ إنها السياق الكلى لما يسمى بالظواهر الاجتماعية وهذا هو السبب الذى يجعل الفن أكثر قدرة على تمييز عصر بعينه ` .
- وبدون فهم الطابع السيميوطى والرمزى للفن لن نستطيع أن نحصل على قراءة حقيقية لرؤية وأسلوب فنان كبير مثل عطية حسين .
صبرى حجازى
جريدة القاهرة - 2 /8/ 2011