ميرفت الشاذلى هلالى
تجليات أنثوية للطبيعة والمرأة الشعبية
- في معرضها المقام بقاعة دروب بجاردن سيتى قدمت ميرفت شاذلى 25 لوحة زيتية تحت عنوان ` نبض امرأه ` ولكن العنوان في رأيي كانت تنقصه كلمة` شعبية` لان البيئة الشعبية في مختلف الأقاليم المصرية هى المسرح للوحات جميعا، وقد تراجعت نسبيا البيئة النوبية القديمة عن معرضها الجديد، بعد ان كانت تحتل موقع الصدارة فى معارضها السابقة بعماراتها الطينية المتميزة ومصاطبها الجبلية فوق الهضاب المطلة علي النيل، ونسائها السمراوات بأزيائهن التقليدية، لتحل محل ذلك كله بيئات متنوعة بين مناطق ريفيه أو حضريه فى المدن، ولكنها تحمل نفس الملامح الشعبية فى الملابس الداخلية والأثاث المنزلى، ونفس لون البشرة السمراء وإكسسوارات الزينة وإن كن قد تحررن نسبيا من الحجاب الأسود الثقيل الذى تميزت به النسوة فى الجنوب وكشفن عن شعورهن وبعض مظاهرهن الأنثوية ربما كان مبرر ذلك اجتماعيا هو أنهن يفعلن ذلك داخل البيوت المغلقة من دون أن ينكشفن على الأغراب والمحارم. ولكن المبرر الفكرى هو الأهم، حيث تريد الفنانة أن ترسل رسالة استنجاد من خلال لوحاتها فالمرأة وإن بدت سافرة الوجه، حاسرة الراس كاشفة عن بعض ملامح أنوثتها، إلا أنها تعيش فى سجن محاصرة بين الجدران والعادات والتقاليد المتزمتة والخانقة لحريتها فى ألاختيار والتعبير، وعلاقتها بالرجل تبدو علاقة امتلاك او اشتياق من طرف واحد هو الانثى، تعبر عنه الفنانة بوردة كبيرة صفراء تحملها المراة، فيها يظهر الرجل مقطبا لا مباليا فى خلفية اللوحة بحجم أكبر وملامح غائمة، وتظهر فى لوحات أخرى وقد أغلق فمها بعلامة كبيرة، دلالة على الكبت المفروض عليها .
- أما بناء اللوحة فقد شهد حالة من التقطيع والتجزئة إلى مربعات ومستطيلات تعتقل وجودها وأجزاء من جسم المرأة، ربما تعبيرا عن افتقادها للتوحد مع ذاتها ومع محيطها الخارجى، وكانت تلك التجزئة حلا جماليا لأسلوب ميرفت أخرجها من حاكمية التكوين ` الجشطلتى ` القائم على تكامل العناصر الفنية والبشرية برباط تحكم، وكانت أعمالها السابقة تعوض هذه الحاكمية بإطلاق سراح الألوان بحيث تظهر ساطعة متوهجة ومتباينة وعندما لجأت إلى التجزئة مستخدمة الأشكال الهندسية للمستطيل والمربع والمثلث لمكونات اللوحة ،فقدت الألوان بريقها وتوهجها وتباينها، وبدت أقرب إلى ألوان الطين والفخار وخضرة الحقول وثمار الزيتون والبرتقال، وكان أدعى أن يزداد الشكل الجديد اقترابا من التسطيح الفنى للعناصر البنائية، وتحررا من التجسيم الأسطوانى ومن المنظور الهندسى ثلاثى الأبعاد، وهو مالم تفعله الفنانة، فبدا التفاوض فى اللوحة بين مناطق تقوم فيها بتجسيد واقعى للأشخاص عن طريق دراسة تشريحية لمناطق الظل والنور خاصة على الوجوه - بين الأطر الهندسية المتداخلة والمتباعدة بشكل يميل إلى التجريد .
- لكن ذلك لا يقلل من حرارة المشاعر وصدق التعبير وإحكام التكوين فى أغلب اللوحات .
عز الدين نجيب - مارس 2010
أخبار الكتاب مارس 2010
المرأة النوبية فى قاعة دروب
- نجحت الفنانة ميرفت شاذلى فى نقل المرأة بكل حالاتها من خلال لوحاتها وخطوطها.. التعبير بالبورتريه فن قديم لم تغفله حضارة..فهو عنوان المشاعر..نبض القلوب وانعكاس الزمن.. وهو مرآة الذات وانطباعات الفكر ..
- من منا لم ير الجداريات فى المعابد والمقابر والتماثيل التى أهدتها حضارة مصر القديمة للعالم أجمع.. من منا لم تبهره وجوه الملوك والأمراء والملكات والأميرات نفرتيتى.. كليوباترا.. توت عنخ أمون.. رمسيس.. حتى وجوه البسطاء من الفلاحين والصيادين والنحاتين شكلت حالة من الابداع الفنى التى بهرت وحيرت فنانى العالم .
- وجاء الفن القبطى بعد ذلك ليمشى على خطى الحضارة المصرية القديمة.. فأهتم بالبورتريه اهتماما كبيرا كما نشهد فى جميع كنائس ومقابر وأديرة مصر .. رسوم السيد المسيح وتلاميذه وحوارييه والسيدة مريم العذراء. ثم تغير الوضع بعد الفتح الاسلامى لمصر نظرا لتحريم الابداع التشكيلى عامة واستمر هذا الوضع المأساوى ثلاثة عشر قرنا حتى جاء الامام المستنير محمد عبده فى نهاية القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين.. فكان الانطلاق الفنى على أيدى الرواد محمود سعيد، راغب عياد ومحمود مختار واحمد صبرى وناجى وغيرهم ممن أثروا الحياة الفنية المصرية باللوحات والتماثيل البديعة .
- ولأن مصر دائما ولادة.. فنجد الكثير من المواهب الشابة والفنانين المعاصرين يحترمون القيمة الموروثة.. وينهلون من نهر الفن المصرى.. شكلا ومضمونا.
هذا تحديدا مالفت انتباهى فى معرض `نبض امرأة ` للفنانة ميرفت شاذلى، والذى استضافته قاعة دروب بجاردن سيتى حيث كانت المرأة الجنوبية بكل حالاتها هى محور اللوحات .
لا عجب أن تكون المرأة الجنوبية هى موضوع المعرض خاصة إذا كانت الفنانة من أبناء الصعيد، تحديدا محافظة أسوان أنهت دراستها بكلية الفنون الجميلة قسم تصوير بتقدير جيد جداً وكان موضوع رسالة الماجيستير هو ` أثر البيئة النوبية على أعمال الفنانين المصريين ` وقد تناولت فيها فنون النوبة ما قبل غرقها ممثلة فى الرسم على الجدار، الحلى بخصائصها المميزة ، الحرف البيئية ، العمارة النوبية.
ما بين الاتجاه الأكاديمى واتجاه الفنون الشعبية بمفرداتها البسيطة وألوانها الصريحة القوية، نجحت الفنانة ميرفت فى المزج بعبقرية بين الاتجاهين المختلفين.. تجلى ذلك فى الاربع وأربعين لوحة التى شاركت بها فى المعرض. عشقها لرسم البورتريه بدأ مع أولى خطواتها فى طريق احترافها للفن..فصورت فى أعمالها الجد.. والأهل .. القريب والبعيد .. الصديق .. والجار .. الناس الذين مثلوا حالة حب وبداية للإدراك لديها. أبناء البيئة النوبية الطيبة .. الانتماء.. الارتباط .. ومرادفات أخرى تجدها بوضوح وسلاسة فى لوحاتها فى معرضها `نبض امرأة ` كانت لوحاتها صدرا مفتوحا يضم نساءها بمشاعرهن المختلفة.. نساء نلتقى بهن فى حياتنا اليومية.. نعرفهن ونصادقهن.. تتشابه أفكارهن وظروفهن مع أفكارنا وظروف معيشتنا..فمنهن من تعانى بسبب العنوسة والاحساس بالوحدة.. ومنهن من تملك ارادتها وتتمرد على القيود المفروضة من قبل الرجل.. وفى بعض اللوحات تجد المرأة تتقدم على الرجل .. وفى لوحات أخرى تكون فى المؤخرة.. وأحيانا تقف جنبا إلى جنب معه.غير أن لوحة `الإدارة` كانت من أكثر اللوحات ثراء فى المعنى والقيمة الفنية، وفيها تمسك المرأة بمقتاح فى يدها كدليل على أنها تمتلك حريتها.. حاولت هنا فنانتنا الجميلة التأكيد على فكرة أن المرأة كائن قوى.. وأن مصدر قوتها لا ينبع من وجود رجل فى حياتها.. وانما هى سيدة قرارها فى أن تكون قوية.. فبامتلاكها لارادتها ستصبح اما عظيمة، كذلك ستكون متفوقة فى جميع أمور الحياة .
- من ناحية أخرى لاقت لوحة `سحر التفريق`اعجاب الكثيرين ممن حضروا افتتاح المعرض. وهى تصور فتاة تقف فى طاقة من النور وتحمل فى يدها زهرة، وأعلى الجدار من خلفها يزحف ثعبان أحمر اللون وكأنه يريد النيل منها وتتضمن اللوحة أيضا وجه رجل حزين وبعض الآيات القرآنية.. وقد سعت ميرفت شاذلى فى هذا العمل إلى التأكيد على فكرة اعتقاد المجتمع بالسحر وما هو غيبى واستغراق الناس فى هذا الاعتقاد الخارج عن نطاق الدين. لذلك حاولت من خلال ايات القرآن التى تضمنها العمل أن تؤكد على أن التقرب الى الله والاستعانة بالقرآن كاف لمنع السحر والتصدى له .
أشاد الجميع بفكرة المعرض خاصة الفنانة يسرا التى أعربت عن عشقها للفن النوبى، وأكدت أن موضوع اللوحات وما يجسده من علاقة المرأة الجنوبية بالمجتمع هو موضوع ثرى نظراً لأنه يتناول نبض المرأة فى حالات مختلفة ..كما أثنت على احساس الفنانة وريشتها المليئة بالتعبيرات الجميلة المتميزة .
حضر الافتتاح نخبة من الفنانين التشكيليين والمهتمين بالحركة الفنية فى مصر ، فى مقدمتهم د. هشام هجرس رئيس القاعة وفاطمة خفاجى خبيرة بالأمم المتحدة ود. ناهد سلامة ، وسوسن سالم ، وشيماء صبرى وأشرف قاسم ، ود. سلوى رشدى.
لا شك أن معرض ميرفت شاذلى جاء ليسلط الضوء على أجيال شابة تبدع بتوهج وقيمة وانتماء وتميز ..لها شخصيتها المستقلة فى الموضوع والتناول والمصرية.
نسرين مهران
الأهرام الدولى 3-2-2010
مرفت شاذلى وحلم التحليق
- حينما تمنحك الوردات إذناً بالعطر، حينما تقترب من حرم النخلات القدسية تطلب القرب التمرى، حينما تشخص ببصرك للسماء، تستنزل المدد، تستقبل البث القديم، حينما تمنحك علامة القبول، حينما تنفك الشفرات والطلسمات ويبدأ البوح الجميل، ترهف روحك وتتلقاها كما هى..لو كنت من الممنوحين أولى البركة، لو منحتك المفتاح، تلج عوالمها البهية وترتحل مع بديع عزفها العلوى، وكثيف لغتها التشكيلية الغناء، هى الفنانة التشكيلية مرفت شاذلى، حين ضمنى براح معرض أعمالها الذى أقامته فى أتيليه القاهرة بقاعة راتب صديق فى الرابع من مارس الماضى، حينها تذكرت مقولة بوفون الشهيرة إنما المرء أسلوبه، هى تتحقق وتكتمل هنا أمام أعيننا وعبر تلك التصاوير الغنية العميقة، هى تبوح بذاتها وتعلن التأهب للتحليق البديع، هى تأخذنا بالمطلق فى كونها العامر بالنخيل والطير المحلق الطواف، يحط على رؤوس العباد، ذلك الكون الصاخب بفتياتها السمراوات الجميلات وضفائرهن الطليقة، وعيونهن الطيرية المتسائلة، المسكونة بالأمل والنشيد، تأخذنا حيث المفاتيح وانفراج الهموم، حيث السمكات والنباتات والحيات والقطط والأسود عند البوابات المسحورة، حيث الفتيان بأثوابهم البيضاء ولفائف الرأس النوبية وامتلاك صدارة الوجود، تقبع خلفه العروس وتشخص بعينيها إلى السماء، فى عالم مرفت الشاذلى الخصيب الملون البهيج.
- فاللون عند مرفت الشاذلى أداة طائعة وأساسية فى أسلوب التعبير هو خاصية مميزة فى لغتها من حيث المزج الفريد والتكوين الجديد للدرجات الموحية بالتراثية والطبيعة النوبية، مع انفلات لطيف من أسر المنطق وقيد الموروث الخطر الذى تسربلت به فى خشوع وتحررت منه فى فرادة وذكاء ملفت، ونجت مرفت ونجت أعمالها من هوة الترصيع المسطح، أو الزركشة الجوفاء، فالمدى الذى تسبح فيه مرفت يصبغ المنطقة اللونية بقيم دلالية وضوئية جديدة حيث التحرر من غيامات الماضى وكلاسيكيات الأكاديمية الصارمة، حيث البرتقالى المشوب بترابية محببة، والأخضر الغنى، والأصفر بلون الصخور العتيقة، والأحمر الدموى المكتوم، وابتكار ألوان الكائنات البنفسجية والقرمزية وترديد تنويعات من الملابس النوبية المزركشة ودراساتها العميقة لتشريح الطيور على اختلاف أنواعها ودلالاتها المنبعثة واهتمامها الدؤوب بمفردات الطبيعة الصامتة وتجسيماتها وجدران البيوت الموشاة بالحروف العربية والنداءات الأبدية، والتى تبدو فى رسائلها لنا فى عناوين اللوحات، أو زخرفتها للأطر وقطع الأثاث وبوابات البيوت، على الرغم من أنها تبدو عند الوهلة الأولى مثالاً للالتزام، وكما يقول بول كلى إن تكوين اللون المميز للمصور يخضع لموقفه الفكرى ومزاجه النفسى وهو ينتزع عناصر كثيرة من نظامها العام وانتظامها المحدد لكى يجمعها معاً ويحقق من خلالها نظاماً جديداً متفرداً ويقوم بتكوين صورة تسمى عادة بالموضوع .
- فاختيار الفنانة مرفت شاذلى لعناصرها الشكلية ولطبيعة العلاقات بينها : بدءً بالموتيف الصغيرة : الفكرة الأولية المنمنمة حتى تصل إلى ما تبنى به موضوعها وتكون المعزوفة النامية فى بهاء. ومع النمو التدريجى للصورة أمام أعيننا فإن سلسال براق من الأفكار والدلالات الاجتماعية والسياسية تنهمر من أيقوناتها الأنثوية فى تجلياتها المتنوعة، فهى المنذورة القابعة فى ظل السيد وهى الحارسة المبروكة، وهى المتكئة على فيض حنانها تقبع القطط عند قدميها، وتحوم بسبعة أرواح عنيدة وهى المحلقة الطموح الشاردة الشاخصة بعينيها حيث خارج البوابات ومن شرفات البيوت، وخلف أبنية الوجود تتراقص على إيقاعات شوق شاهق، تتردد فى الفضاء مع الطير، تحرسها وتجللها بركات السمكات .
- والتكوين عند مرفت شاذلى مركب ومتتالى الطبقات وكأنها قد رسمت أكثر من لوحة وركبتها فوف بعضها البعض على نسيج شفاف، فنحن نلمح تكريسها لتلك الفتاة النوبية الجميلة المتطلعة اللامعة العينين، نفس العينين، نفس النظرة الشجية تتقدم تدريجياً وتتخذ تشكلات ثرية تصنع وحدة وتكاملاً فى لوحات مرفت: هو بناء من الفتيات والفتية والحيوانات والطيور والبنايات والزخارف الإسلامية والنوبية والخطوط العربية وتألف وتعاون كل الخصائص الضرورية كالخط والمساحة واللون والضوء فى لمحات تلخيص كلى وامضة متلاحقة قوية غليظة فى بعض الأحيان تكون كل العناصر التكوينية فيه متفاعلة فى نمط واحد متسق متماسك البنية الفكرية والبنية التشكيلية المعمارية أيضاً فهى تستخدم البنية الشبكية الهندسية الغارقة فى مزيج لونى ثمين، تختفى فيه وتتماهى صلابة وصرامة التقسيمات فى خضمها اللونى البهيج، وتتنامى أبنيتها الشعورية والتكوينية مع البيوت والمساجد والنوافذ والجدران وقطع الأثاث الخشبية فى تكرار يربط أوصال اللوحة الواحدة بنغمات ونقرات عزف شفيف، ويربط أوصال لوحاتها كلها وكأنها رسمت دفقه شعورية واحدة، فتطبيقها لمبدأ الاستمرارية التكوينية للخطوط والألوان والكائنات يأتى دون الوقوع فى فخ السردية والحكى المترهل، وهى تعتمد كثيراً على التقويس الخطى فى البناء .. خاصة أن لوحاتها تحتوى الكثير من جسد الأنثى والسمكة والطير القوسى بطبيعته وتصنع مرفت الشاذلى تضاداً وتقابلاً نغمياً مع هذه الأقواس باستخدام اللون والضوء الغنى المنبعث منه وباستخدام الهياكل الهندسية للمعمار الشعبى بعد أن شذبت أطرافها وذوبت مناطق التماس فيها بنعومة ولطف بالغ الاتساق ومع كل تلك الرؤى المتوالية للحكاية الشجية حكاية البنت الوردية وحلمها بجناحى تحليق جسور تحافظ لنا مرفت على مدى الرؤية البصرية الممتد فى عمق اللوحة وتترك لنا هيئات وكيانات متفتحة راغبة فى النمو الفتى كأن بها بذور تكوينها من جديد ، تأخذ بأيدينا للبدء من جديد، فى أكوام التشكيلات التراثية الشعبية والأداء الحرفى الأكاديمى: نجدها تفتح عتبات وبوابات ودرجات ترقى بالسارى حتى الوصول إلى المدى المفتوح، لم تسد مجال الرؤية ولم تضع حلاً أو وسيلة للسلوك بل فتحت مسارب ومطارح وفروع لا متناهية تكاد تؤدى إلى بعضها وتؤدى إلى حيث مصب السيل الجارف الذى تحلم به تلك الفتاة ذات العينين اللامعتين ونرى دوماً بواباتها ومسالكها وعتباتها تفتح للضوء طريقاً ملوناً متفائلاً وتكون العتبة هى النقطة التى يلتقى عندها الداخل والخارج هى نقطة التساؤل والاغتراب البادى فى عينى الفتاة تلك النقطة التى تجمع بين الاتصال والانفصال، وعندها النوافذ والبوابات ومستطيلاتها ومربعاتها الناشئة من قطع الأثاث الخشبية والمرايا واللوحات المعلقة على الجدران ومساحات تنشأ كنبع للضوء.. ككوة ينبثق منها اللون لتقسم المكان إلى مساحتين : مساحة تقول لنا فيها أنها مصورة ماهرة ترسم وتلون وتبنى، ومساحة تقول لنا فيها أنا امتلكت ناصية الشكل وتحررت من التفاصيل وأعزف على مسطح اللوحة وفى تلك البقعة التى فتحتها مرفت فى كل لوحاتها فى المعرض لتبوح برغبتها العارمة فى التلخيص والتجريد والتحليق إلى أقصى أفاق البلاغة والانفلات المطلق من قيد السرد، تجمع حالة ملتبسة واحدة بين الدخول والخروج ومن ثم تكون رمزاً وسجلاً لذلك القلق المكانى الأساسى الذى يتعلق بشىء ما يسكنها ويملك عليها أمرها، ولا تترك له العنان ولا تبسط له مسطح اللوحة بالكامل، بل تشق له فى جوف براحها نافذة نابضة هادرة تلك المجاوزة والمفارقة المأمولة المرتقبة ولحظات البين، تلك الآمال المحبطة والنفاذ إلى التحقق والسطوع عبر قفار وركام ووحشة مسيطرة تلك الوحشة التى تترقرق شجناً فى عينى تلك السمراء البهية .
هبة الهوارى
الخميس 5/ 4/ 2012 - بجريدة نهضة مصر - صفحة فنون جميلة
الملامح النوبية وثنائيات مرفت الشاذلى فى متحف محمود مختار
- تحت عنوان ( من وحى المشاعر 2 ) تكمل الفنانة التشكيلية مرفت الشاذلى مشروعها الفنى التصويرى، للدمج بين التراث النوبى والمعاصر بقاعة إيزيس بمتحف محمود مختار .
- تتصدر المرأة النوبية العالم التشكيلى الخاص لمرفت الشاذلى، بملامحها السمراء الجميلة وعيونها اللامعة المبهرة المشحونة بالمعانى والإحساس ونظرات العتاب والانتظار، وضفائرها المتحررة من كل القيود تتطاير تحمى نفسها من نيران الهجوم عليها، رافضة الثبوت على وضعها الحالى، يحيط بالمرأة مجموعة من العناصر تحمل دلالات ومعانى لها خصوصيتها مثل: السمك، والطيور، والبومة، والفأر، والحيات، والقطط وغيرها .
- قدمت الفنانة فى معرضها العناصر بدراسة تشريحية للحركة الخاصة بكل عنصر، مما جعل العناصر طيعة بين فرشاة الفنانة، ركزت الفنانة على ملامح المرأة والنصف العلوى من جسدها، ولم يعنها جسد المرأة لأنها وضعت هدفاً إنسانيا لكل لوحة، لذلك ابتعدت عن أى تفاصيل تشغل عقل وذهن الملتقى.
- كما تضم اللوحات عناصر يصعب التقائها فى الواقع، وقدمتها فى لوحة فنية، وكأنها واقع ملموس هى نتاج خيال رمزى، وإن التقت هذه العناصر فى الواقع بالتأكيد سوف تحدث معارك عنيفة، ففى الواقع لا يلتقى القطط مع السمك، أو الفأر مع القطط، أو الحيات مع الأسود، وعلى الرغم من أن هذا الطرح الفنى لهذه العناصر مجتمعة ليس بجديد على المشهد التشكيلى، فإن الجديد فى هذا الجمع هو أن الفنانة قدمت رؤيا سيكولوجية وفلسفية، من خلال لقاء العناصر فى عدة تكوينات مركبة ومتتابعة تروى وتسرد حكاية وراء كل لقاء، وتقوم الفنانة بكل الأدوار تسرد وتؤدى كل الشخصيات، مما يجعل المتلقى يطيل النظر فى اللوحات لمعرفة قصدية الفنانة، وهذه الحيرة والتأمل والتساؤل والاستغراب والتشوق التى يدخل فيها متلقى العمل، تعد جزءا من نجاح وتميز أعمالها فنيا.
- جاءت فى بعض اللوحات المرأة تحتضن العناصر،أحيانا تحضنها فى صمت ورضاء وقناعة، وأحيانا تحملها على رأسها وكأنها قدر ونصيب وميراث يصعب الفرار منه وهم من همومها، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من العناصر مثل جدران البيوت التى يسجل عليها حكايات وأساطير، والبوابات القديمة المغلقة، التى تعد رمزا من رموز الدعوة إلى التحرر، والمفاتيح الكبيرة الحجم التى توحى بأنها تفتح أبوابا مغلقة، وأيضا عناصر أخرى مثل الطبيعة الصامتة الزهور الزخارف الإسلامية، اللوحات صرخة تشكيلية لشحنة نفسية للمرأة فى هذا العصر وكل العصور، المرأة تبوح بذاتها المتمردة تعلن إضراباً وتضامناً، تعلن إضرابها على القيود والقمع وتضامنها مع الأمل ومع استقرارها .
-أسلوب الفن التقنى للألوان الزيتية فى أعمالها هو مزيج بين نعومة الأداء والخشونة المطلوبة للتعبير عن الموضوع، وهذا الأسلوب نادرا ما يستخدمه الفنان فى نفس اللوحة، نعومة الأداء اللونى الهادئ فى ملامح المرأة، وخشونة الأداء فى بعض العناصر العنيفة باستثناء عنصر `السمكة` التى تحملها المرأة، وكأنها الابن والابنة المنتظرة أو الابنة العائدة من عالم آخر، باعتبار السمكة إحدى الأيقونات الأنثوية التى ظهرت بعدة انفعالات إنسانية،أهمها سمكة الخير والرزق المقبل، لها منطقة لونية وضوئية ومجموعة ألوان خاصة توحى باستعادة التراث، مثل تواجد اللون البرتقالى الترابى والأخضر النخيلى والأصفر بلون الجبال والصخور .
سوزى شكرى
روزاليوسف 21/ 5/ 2013
لتجربة التشكيلية للفنانة ميرفت شاذلى
- إن تلقى الفنون بصورة أكاديمية بقدر ما هو مهم لكنه قد يخلق حدوداً تحجم الانطلاق الي أبعاد الإبداع و الخصوصية الذاتية و تملك رؤية وأفق فيه فراده وهوية مميزة .
- لذا سعت الفنانه الى تطوير وتنمية مفاهيم الصياغة لديها. ومن هنا كان لابد من وضع نقاط ارتكاز رئيسية تنطلق التجربة من خلالها. وكان هذا من خلال الانتقال بالتعبير من مجرد النزاع بين الواقعية والأكاديمية، إلى التعبير القائم علي خلق أعمال تتمتع بتوافق بين الشكل والمضمون وتقيم علاقة غير تعسفية، تنظم فيها العناصر الشكلية فى تكوينات وهيئات تصنع شكلاً مستحدثاً، يرتبط به المضمون ارتباطا عضويا، بحيث يصنعان معاً نسيجا واحداً قادراً علي التعبير في بلاغة، ودون مباشرة .
- وقد مثل التراث الشعبى عامة والنوبي خاصة نقطة ارتكاز أخرى بمحتواه التعبيرى والرمزى والتلقائى أيضا .
- وتلك الأشكال والتكوينات المستحدثة، لا تأتي من الخيال بشكل مطلق، أو وفقاً للمصادفة، لأن ذلك من شأنه أن يقود للعب العابث، كما لا تأتى من تحوير ملامح الشكل فى الطبيعة، بشكل تعسفى بهدف الاستحداث فحسب، وإنما تأتى وفق نظام خاص مرهون بدرجة من الوعى، ودرجة من الحساسية الجمالية،ودرجة من المهاره الأدائية معا، حيث تتشكل الرؤية وفق مفاهيم الباحثة الابداعية
- فمن منطلق أن المضمون هو `جوهر` الرؤية الفنية، فإن فعل الفن ذاته، يتجسد فى الشكل، وذلك الشكل يبنى على تنظيم لعلاقات الإيقاع والتناسب والتباين بين العناصر، فى صياغات متفردة، تعبر فى مجموعها عن وحدة كلية بين الشكل فى مجموعه كمبنى، والمضمون كمعنى، يبلغ درجة من الحس التعبيرى.وقد نجد اثناء البحث ابعاد ( من السيريالية الشعبية فى عناصر ومفردات تجسد عالما دراميا مثل المرأة والديك والطائر الذى يذكرنا بطائر الليل الحزين بألوان داكنة من البنيات والبيج والكحلى ومن خلال هذا تستحضر الروح المصرية وتؤكد على معنى التوحد والإختلاف.. بلمسة تعبيرية ).
صلاح بيصار
كتالوج معرض التصوير المصرى المعاصر مارس 2009
` نبض امرأة ` للفنانة ميرفت شاذلى
تبدو أعمال الفنانة ميرفت شاذلى مسكونة بروح التراث الشعبى خاصة النوبى .. بمحتواة التقليدى مع غلبة الرموز والحس التلقائى لكنها تخرج من كل هذا إلى ايقاع آخر جديد وأشكال مستحدثة .. فى لوحات يغلب عليها البناء الهندسى للتكوين مع تعبيرية تتميز ببلاغة الرمز بعيدا عن المباشرة فى تلخيص وايجاز شديد .
وقد جاء معرض ميرفت بقاعة دروب بعنوان ` نبض امرأة ` وضم 25 لوحة زيتية جسدت فيها الواقع والخيال صورة المرأة المصرية .. هذا الكيان الأساسى للأسرة والتى تمثل الزوجة والأبنة والأم والذى يحتاج إلى المزيد من الحرية من أجل اعلاء المجتمع .. ومن هنا سيطرة الرموز على أعمال الفنانة .. تلك الرموز التى تعكس لمعنى القيود الملقاه على المرأة خاصة فى المناطق الريفية .. مثل المفتاح الذى يفسر لنا معنى التعبير عن رغبة المرأة فى الانطلاق .. وعلامة ` اكس ` على فم المرأة إشارة إلى مصادرة رأيها ووجهة نظرها .
ورغم أن المرأة المصرية قد نالت الكثير من الحقوق إلا أن ميرفت فى أعمالها تهفو إلى المزيد من الحقوق .. كل هذا فى اطار رمزى شديد الكثافة .. تنتقل به من الواقع إلى دنيا اسطورية جديدة .. تستمدها من حكايات الجدات والموروثات الشعبية فى جنوب الوادى خاصة منطقة النوبة التى تنتنمى اليها والتى تحفل بالحكايات والأساطير ..وربما كان ديك الحكايات .. ديك شهر زاد الذى يصيح .. يفصح عن تباشير الصباح .. حتى تسكت عن الكلام المباح من أهم رموز الفنانة والذى يمثل صوره يتعانق فيها الواقع بالخيال ..واقع المرأة وخيال شهر زاد ..أو ألف ليلة وليلة .وتتكرر فى أعمال ميرفت آدم وحواء .. والحية رمز الغواية والخروج من الجنة ..وبداية الصراع مع الحياة ..والزمن بامتداد التاريخ .
وتبدو حواء فى أعمال عديدة لمرفت طائرة فى الفضاء تذكرنا بأحلام الفنان الروسى شاجال .. هل هى محاولة للخروج من أسر الحياة بنمطيتها أم محاولة للتخلص من أسر الجاذبية الأرضية والانطلاق إلى آفاق جديدة بعيدا عن الاوامر والنواهى ومحاولة للتخلص من البالى من العادات والتقاليد !!
ورغم كل ما يقال حول ما تحمل أعمال ميرفت من أفكار إلا أنها فى النهاية تمثل ايقاعا معاصرا يمتزج بسحر الأساطير وحكايات الجنوب .. ساهم فى هذا ألوان الفنانة والتى تبدو بمداد من طمى النيل .. حيث يغلب عليها مجاميع لونية مشرقة وداكنة من البنيات والأحمر الطوبى والبرتقالى الداكن مع الأبيض.
وميرفت شاذلى فنانة شابة شكلت لنفسها مساحة متميزة فى الفن المعاصر ..تؤكد أنها سوف تبوح بالكثير والكثير بتلك الايقاعات المرئية التى تجمع بين الأصيل والمعاصر .. بين اللمسة الخاصة وسحر الاسطورة .. اسطورة جنوب الوادى
صلاح بيصار
حواء 14-2-2010
|