أحمد محمد الرشيدى
المصرية فى أعمال الفنان أحمد الرشيدى
- أحمد الرشيدى هو أحد الداعين إلى` المصرية فى الفن ` أعماله تسعى لتحقيق ذلك تعبيراً عن المكان والبيئه المصرية سعيا لتأكيد الشخصية الفنية القومية.
المصرية فى الفن ليست (وصفة) أو شروط يمكن من خلال تتبعها الحكم على العمل الفنى وتحديد مصريته وإنما هى مذاق أو مزاج يجعلنا نميز العمل الفنى ونحس فيه بطعم مصر ومزاج شعبنا واذا استعرضنا على سبيل المثال فنانى الجيل الأول محمود مختار ومحمود سعيد وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن و أحمد صبرى و محمد ناجى فإننا عندما نتذكر أعمالهم نحس أن هناك ثلاثة منهم حققوا المصرية رغم اختلاف وسائلهم الى ذلك هم محمود مختار ومحمود سعيد وراغب عياد بينما تخلو أعمال الباقين من هذا المذاق الخاص وإن كانوا جميعاً تناولوا مشاهد مصرية فى أعمالهم .
- ولكن فى أعمال أحمد الرشيدى نحس نبض مصر ومذاقها وروحها بشكل واضح قوى ونستطيع تتبع هذا العنصر المميز على طول تاريخه الفنى، ان أحمد الرشيدى لا تخلو لوحاته من المرأة فالمرأة فى أعماله هى رمز لمصر مصر الخصب والأنوثة الأم والزوجة والأخت والإبنه وقد لاحظ المتابعون لأعماله أن لوحاته تخلو من وجوه الرجال وكلها تصور النساء فى الريف وفى المنزل وفى الأمومة وفى غير ذلك من المواقف والموضوعات .
- واللون عند أحمد الرشيدى يعبر عن فى مصر الألوان التى نراها كل يوم حيث الشمس قوية قاسية تحيل جميع الألوان الى اللون الأصفر الترابى ومجموعته البنية تتدرج من الأحمر الطوبى إلى الأصفر الترابى مروراً بالألوان الداكنة إنها تكاد تخلو من اللون الأزرق ومع ذلك فاللون يعبر فى لوحاته عن الضوء وليس عن أشياء باهته إنه بديل للأبيض ولكن لأنه ضوء ينعكس على أجسام فانه يتشبع بهذا الاصفر الترابى الذى تتخده البيوت بعد أن تلفحها شمس الصيف .
- وعند تتبع لوحات الفنان نلاحظ شغفه بالدوائر والأقواس لخطوط التكوين، تسير دائماً فى اتجاهات دائرية أو بيضاوية، مرة تعبر عن الهلال وأخرى عن الشمس أو القمر ودائماً تشير إلى جسم المرأة الذى يتكون من مجموعات متتالية من الدوائر والكرات والأقواس تعكس جسم الرجل الذى تسوده الخطوط المستقيمة والمتعامدة وفى علم النفس ترمز الخطوط الدائرية والحلقات الفارغة إلى الأنوثة ومن هنا كانت خطوط التكوين فى لوحات أحمد الرشيدى ذات دلالة نفسية تجذبنا الى جمال المرأة دون أن ندرك للوهلة الأولى سبب انجذابنا اليها .
- ويهتم الفنان اهتماماً بالغاً بالملمس السطحى للوحته فهو يرسم كل سنتيمتر مربع ولا يهمل شيئاً، وما يبدو للعين غير المدربة وكأنه طلاء لمساحة، عندما يقترب المشاهد يلمح مدى الجهد الذى بذله الفنان فى تشكيل سطح لوحته صعودا وهبوطا فى خشونه مقصودة أو حركات متتالية من الفرشاة أو سكين الألوان لكى يحقق للسطح دسامة محببة ومقنعة .
د./ صبحى الشارونى
المساء - العدد 8966
الشخصية المصرية فى لوحات الرشيدى
- أقامت أسرة الفنان الراحل أحمد الرشيدى معرضا لمجموعة من لوحاته فى قاعة راتب صديق بأتيلييه القاهرة.. وكان الفنان الراحل من أهم الأقطاب البارزين فى اتجاه `المصرية فى الفن`..فأعماله هى نموذج ناجح للفن المصرى الحديث المعبر عن طابع المكان وعن البيئة المصرية ولنجاحه فى التعبير عن المحلية بأسلوب معاصر، فهو يمثل رافداً هاما يثرى الثقافة العالمية ويضيف إليها .
- كان من الفنانين والقلائل الذين عملوا فى صمت ومثابرة على مدى 40 عاما من أجل تحقيق هدف بسيط وعميق،هو تأكيد شخصيته الفنية مع التوصل إلى صيغة جمالية تعبر بقوة عن شخصية مصر ..ولهذا فإن المشاهدين يستطيعون التعرف على لوحاته وسط آلاف اللوحات، فقد نجح فى تحقيق وتأكيد شخصيته الفنية المتبلورة،التى فرضت نفسها بهدوء من خلال الجهد المتصل، والشخصية المتميزة والمستقلة التى يتمنى كل فنان أن يحققها .
- فى سبيل التعرف على واقع مصر، سافر إلى النوبة القديمة ورسم مشاهدها، وأقام بقرية القرنة غرب الأقصر حيث تعرف على عادات أهلها وتقاليدهم الشعبية وسجلها فى رسومه ثم عاش فترة فى قرية الصيادين برشيد وشاهد مراكبهم وشباكهم وكفاحهم من أجل استخراج رزقهم من البحر وتفرغ فترة حيث أقام فى مزارع العنب فى جناكليس وفى قرية أبو المطامير، وكان يرسم لوحاته فى مرسمه بوكالة الغورى بحى الأزهر حيث مبانى القاهرة القديمة ومآذنها التى تمثل تراث مصر العربية.. وقد عاين الآثار فى المتحف المصرى ومتحف الفن الاسلامى حتى أصبح يحفظ أماكن عرض كل أثر فيهما .
- من هذه الرحلة الدراسية الطويلة والمعارض التى أقامها بعد كل مرحلة من مراحلها، استخلص الفنان الشكل التصويرى المعبر عن شخصيته مصر، سواء فى لوحاته للمشاهد الريفية والصحراوية أو لوجوه ` فاتنات أحمد الرشيدى` .
- وهكذا اندمجت شخصية الفنان فى الشخصية المصرية، بأسلوب مصرى اللهجة بسيط المظهر، خال من الإدعاء أو التزيين .
- كان يحقق فى لوحاته تكوينات متوازنة، فهى متكاملة الإيقاع داخل مساحة اللوحة وعندما نتأمل درجاتها اللونية نجدها منسجمة فى لطف..فمجموعته اللونية غير مسبوقة، اختصت به واختص بها، فإذا كان الفنانون التأثيريون قد استبعدوا اللونين الأسود والبنى من مجموعتهم اللونية، فقد استبعد الرشيدى للونين الأزرق والأخضر من مجموعته، وتمتد آلوانه من الأصفر الذهبى مروراً بالبينات المحترقة والأسود الفاحم حتى الأبيض العاجى، وهذه الألوان الصحراوية تعبر عن سخونة المناخ فى مصر وقوة إشعاع الضوء.. والضوء فى لوحاته يقوم بدور شاعرى، فهو يقلل من كثافة الأجسام ويخفف من الإحساس بماديتها فتتخذ شكلا ساحراً خيالياً، فالأضواء تنبع من الأجسام المرسومة ولا تسقط عليها من الخارج،فتعمل على الغاء الأبعاد والمسافات فى سبيل احترام سطح اللوحة الثنائى الأبعاد، وفى نفس الوقت تتجاوز حدود التعبير عن مكان أو عنصر محدد لتوحى بأبعاد نفسية لا نهاية لها .
- بقيت الإشارة إلى عنصر المرأة فى لوحاته، فهى رمز لمصر، مصر الخصب والاحتضان ..الأم والزوجة والأخت والإبنة، وفى كل حالاتها تكتسى بمسحة ملائكية فيها نضارة الأنوثة دون إثارة، يفيض منها الإحساس بالوقار والطهر والعفة، وتحتفل فاتنات أحمد الرشيدى بعيونهن المكحلة ذات التأثير الغامض النفاذ .
- ولعل أفضل مقياس لنجاح أعمال الرشيدى الفنية هو تأثيرها ونفاذها إلى أعماق المشاهدين، وهذا ما تحققه لوحات الفنان لكل من شاهدها .
د. صبحى الشارونى
المساء - 2009/12/8
عالمه أنثوى متوافق مع العالم وعزوبته نائية عن الصراع
- رحيل أحمد الرشيدى أحد أهم الفنانين الأحرار
- مثل شخصيته الوديعة اللائذة بالصمت وحياته الهادئة النائية عن الصراع والمزاحمة والزاهدة فى الإعلان عن الذات، كانت وفاته يوم 25يونية الماضى، وقد علمت بها صدفة بعد حوالى أسبوع من رحيله، وتاه خبرها عن الجميع فى خضم مراسم التكريم لبعض الفنانين بمتحف الفن الحديث، وفى زحام استعدادات نقابة التشكيليين للانعقاد الثانى الذى جرى يوم 1/7 ومنافسات المرشحين على مقاعد الرئيس وأعضاء المجلس لكسب الأصوات.
- كلنا بلا شك نعرف أن أحمد الرشيدى ` المولود عام 1931` واحد من أهم رموز جيل الفنانين العصاميين فى الستينيات الذين اعتدنا ان نسميهم `الفنانين الاحرار` لأنهم ليسوا من خريجى كليات الفنون، إنه نغمة رقيقة وقوية معا فى لحن ذلك الجيل، وكان الوزير ثروت عكاشة الذى رعى انضج حركة ثقافية فى مصر الحديثة منذ أواخر خمسينيات القرن الماضى قد خصص مبنى وكالة الغورى كمركز لإحياء التراث ومراسم للفنانين التشكيليين المهمومين به باعتبارهما وجهين لقضية واحدة ولم يقتصر فى اختياراته لهم بمساعدة الفنان الكبير عبد القادر رزق- الذى كان أنذاك مديراً للفنون الجميلة- على الأسماء البارزة من أساتذة وخريجى كليات الفنون، بل شملت اختياراتهما كذلك فنانين شبان واعدين لم يدرسوا الفن دراسة أكاديمية، إنما يملؤهم عشق الحياة الشعبية وقيمها الجمالية ممن كانوا يخطون خطواتهم الأولى فى الفن أمثال أحمد الرشيدى، وعلى دسوقى، وكمال يكنور،وصفية حلمى، وكمال روشبيك، وإبراهيم محاريق، ومحمد إبراهيم يوسف، وسيد أبو السعود، مع من سبقوهم إلى الميدان أمثال:عبد القادر مختار، وعبد الحميد حمدى، وعبد المجيد وافى، وصلاح طاهر، ومحمود عفيفى، ومحمد طه حسين، ومنهم من بقى فى الوكالة لبعض الوقت قبل أن ينتقل مبكرا إلى مراسم أخرى أمثال: محمد هجرس، ورفعت أحمد، وفتحى محمود، كل هؤلاء جنبا إلى جنب مع رموز فى الأدب مثل عبد المنعم الصاوى، وفى التاريخ الإسلامى مثل سعاد ماهر وكان يجمعهم جميعا جناح كبير بمبنى الوكالة يقابله جناح اخر تشغله أقسام الحرف التقليدية لتنشئتة أجيال جديدة على خطى الأجداد لتكتمل بذلك منظومة تتوازن على ميزان الذهب بين عناصر صرح إبداعى لثقافة الهوية.
- أحمد الرشيدى كان أحد أشسبال هذه المنظومة من خلال مرسمه المشترك مع الفنان على دسوقى عام 1964 بالتوازى مع أعضاء المرسم الجماعى الذى كانت تنظمه الوزارة لتنمية المواهب بوكالة الغورى تحت إشراف الفنان محمود عفيفى وتمده بالأساتذة والخامات وتتيح للمتميزين منهم فرص التحقق بالعرض فى المعارض الجماعية إلى جانب كبار الفنانين. والحصول على مراسم خاصة بل وعلى منح للتفرغ وقت أن كان مشروع التفرغ فى كامل عافيته وشبابه.. غير أن جدية الرشيدى ساقته إلى المرسم الحر بكلية الفنون الجميلة فى عصره الذهبى ليدرس خمس سنوات على أيدى نفس أساتذة الكلية ويقدم فى نهايتها مشروعا للتخرج تماما مثل الطلبة النظاميين.
- وبالرغم من أنه كان موظفا فى هيئة الاتصالات وأن عمله كان يبتلع أغلب وقته حتى إحالته للمعاش- ما يعنى احتياجه الملح لتأمين معيشتة بهذه الوظيفة البعيدة كل البعد عن اهتمامه وهوايته- فقد استطاع أن يبنى قاعدتة التشكيلية المتفردة بعصامية مدهشة متنقلا بين المتاحف والمعارض ومواقع الآثار فى الأقصر وأسوان والنوبة إلى جانب الآثار الإسلامية فى القاهرة التاريخية، متأملا- كالعابد القانت لوحة الفن- ملامح الحياة على شاطئ النيل وانماطها المختلفة فى قرى الصعيد والريف والأحياء الشعبية.. لكن عشقة الأكبر كان للتصوير الجدارى فى الفن المصرى القديم، عبر مقابر البر الغربى للأقصر التى زارها على فترات متباعدة مقتفيا اثر كوكبة عظيمة من فنانى مصر الذين شربوا من النيل وأرسوا قاعدة فن الستينيات والسبعينيات فى مصر المشبع بعبقها الحضارى .
- أسلوب فن الرشيدى ينبع من سمات شخصيتة المهمة مثلما ينبع من مخزنه الجمالى عبر مناخ مصر وبيئاتها المختلفة، إن الضياء ينتشر فوق لوحاته كغلالة شفافة بيضاء لاتبرز من خلالها إلا الوجوه السمراء التى أحرقتها الشمس فصارت بنية برونزية ذات عيون لوزية معتمة كثقوب غائزة فى صحراء المجهول، كما ينشر هذا الضياء فوق ملابس الصبايا البيضاء وهن يحملن الجرار نحو النهر أو يحملن السلال نحو السوق، تلك السلالة المجدولة بجدائل الخوص الملونة مثلما تتراءى لنا فى قرابين الجميلات فوق جدران المقابر أو تماثيل حاملات القرابين، كما تتراءى لنا زخارف الشيلان التى تضعها نساؤه على رؤوسهن بمثل زخارف الزجراج على فساتين الفتيات فى المعابد القديمة وتقابلها وحدات الأرابيسك على أرائك النسوة وهن جالسات يقرأن الطالع عبر فناجين القهوة.
- وإذا كانت هذه السمات الزخرفية تعيدنا إلى جو مصر التاريخية فإن الإيقاع البطئ لحركة مشخصاته حتى يقترب من السكون الغامض ينقلنا كلية إلى عالم تلك العصور.. إن شخصياتة أقرب إلى عالم الأبدية منها إلى عالم الحياة اليومية، ففى سمتهن نبل الأميرات بالرغم من أنهن من فقيرات الشعب الكادحات، ومع ذلك فإن فى شفاههن الوردية نداء الحب وغواية الدنيا رغم أن عيونهن تأخذنا بعيداعن فتنة الجسد.
- إن عالم الرشيدى عالم انثوى ليس لأننا لا نكاد نعثر به على رجل وليس لانه يوحى بتأنيث النوازع البشرية بضعفها وغوايتها وإنما بمعنى المسالمة والتوافق مع العالم، والعزوبة النائية عن حدة الصراع وخشونة الذكورة ولئن كانت ملامس لوحاته تتسم أحيانا بخشونة الملمس، فهى خشونة موحية بالعتاقة والقدم وكاشفة فى ذات الوقت عن جوهر بالغ النعومة والرفة، يستدعيك إلى أن تلمسه بحنان هذه الرقة نجدها كذلك فى أسراب النخيل الشاحبة عبر صحاريه وكثبانه الرملية، وفى قواربة المترامية على شاطئ مهجور ومن فوقها تحلق أسراب الطير البيضاء المهاجرة إلى أكثر من مجهول كما نجدها فى اللوحات ذات الموضوعات الخشنة مثل` المراكبية` وهم يقادمون التيار بغرس عروقهم الخشبية الطويلة فى قاع النيل أو فرد قلوعهم عكس الريح أو تحريك مجاديفهم عكس تيار النهر، إن وجوههم وسواعدهم وأياديهم السمراء المحروقة تبدو لنا بقعا تتناثر فى إيقاع منغم كدندنة لحن شرقى أكثر مما تعبر عن عنف الحركة وقوة المواجهة.
- ألم أقل لكم إن فنه صورة من شخصيته؟ لذلك فإننى أراه الآن روحا تسرى مع أمواج النيل متجهة بشراعهاالأبيض نحو الضياء الأبدى فيما تبقى لنا لوحاته، نبعا للأصالة ومثالا للانتماء الصادق لموهبة مصرية إلى جذورها الحضارية، وإذا كنا قد فقدنا برحيله فنانا وقيمة فعزاؤنا وعزاء أهله أنه قد استراح أخيرا من شعور لازمه طويلا بظلم التجاهل والإهمال من الجهات الرسمية حتى لو كان قد حظى بتقدير كبير ممن أحبوا أعماله واقتنوها بداخل مصر وخارجها.
بقلم: عز الدين نجيب
القاهرة 11-7-2006
رحل أحمد الرشيدى رسام الفاتنات
- رحل الفنان أحمد الرشيدى منذ أيام وترك فراغاً كبيراً فى حركة الفنون الجميلة المصرية وخاصة فى الاتجاه الذى يسعى إلى تحقيق وتأكيد المصرية فى الفن فأعماله هى نموذج ناجح للفن المعاصر والمعبر عن طابع المكان والبيئة فى مصر، ولنجاحه فى التعبير عن المحلية بأسلوب معاصر، فهو يمثل رافداً هاماً يثرى الثقافة العالمية ويضيف إليها .
- لقد تميز بأنه كان من الفنانين القلائل الذين عملوا فى صمت ومثابرة على مدى نصف قرن من أجل تحقيق هدف بسيط وعميق هو تأكد وبلورة شخصيتة الفنية، مع التوصل إلى صيغة تشكيلية تعبر بقوة وبوضوح عن الشخصية المصرية.. ولهذا نستطيع أن نميز لوحات الفنان أحمد الرشيدى وأن نتعرف عليها من بين ألف لوحة، فقد نجح فى تأكيد شخصيته الفنية القوية المتبلورة، التى فرضت نفسها بهدوء من خلال الجهد المتواصل.
- وفى سبيل التعرف على واقع بلاده سافر إلى النوبة القديمة قبل أن تغمرها مياه بحيرة ناصر، ورسم مناظرها، كما عاش فترة فى قرية `القرنة` بالأقصر حيث تعرف على عادات أهلها وتقاليدهم الشعبية وسجلها فى رسومه مع دراسة أثار أجدادنا الفراعنة العظماء الذين سجلوا مظاهر الحياة لايمانهم بالبعث والقيامة.
- وقد توجه أيضاً إلى قرية الصيادين برشيد وتابع مراكبهم وشباكهم وكفاحهم من أجل استخراج رزقهم من البحر.. وتفرغ فترة للاقامة فى مزارع العنب بجناكليس وفى قرية أبو المطامير، وكان يحمل رسومه فى هذه المناطق إلى مرسمه بوكالة الغورى بحى الأزهر حيث مبانى القاهرة القديمة ومأذنها التى تمثل تراث مصر المعمارى العربى الطراز.. وهكذا اندمجت شخصية الفنان فى شخصية مصر، وحقق ذلك ببساطة شديدة وبلا تعقيد، فكان أسلوبه مصرى اللهجة، محلى المذاق، بسيط المظهر، خال من الادعاء.
- أما مجموعته اللونية فهى غير مسبوقه، فاذا كان الفنانون التأثيريون قد أستبعدوا اللونين الأسود والبنى من مجموعتهم اللونية فقد استبعد أحمد الرشيدى اللونين الأزرق والأخضر من مجموعته، فيبدو مقتصداً فى اختيار ألوانه التى تضم الأصفر الذهبى والبنيات المحترقة والأسود الفاحم مع الأبيض العاجى، وهذه الألوان الصحراوية تعبر عن سخونة المناخ فى مصر وقوة اشعاع الضوء الذى`يلحس` الألوان الزرقاء والخضراء.
- وقد تخصص الفنان لفترة طويلة فى رسم وجه المرأة الريفية بتنويعات مختلفة، وتفيض أعماله بالرقة والشاعرية، فقد كان فنانا لا تخلو أعماله من الوجه الانسانى.. وقد نال شهرته عن مجموعة لوحاته المتفوقة فى انسانيتها للوجوه النسائية الريفية، التى يبتدعها من خياله فى تبسيط شديد مع الاقتصاد فى الألوان.. والفنان ولد بالقاهره عام 1931 وتلقى دراسته الفنية بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة من عام 1954 حتى عام 1959، وعمل مهندسا `بهيئة المواصلات السلكية والكلاسيكية بالقاهرة، حتى تفرغ لفنه تماماً ابتداء من عام 1986، وقد شارك فى النشاط الفنى منذ عام 1960، كما أقام 18 معرضا خاصاً للوحاته بالقاهرة وكان يشارك بانتظام فى المعارض العامة والدولية وتوجد نماذج من لوحاته بمتحف الفن المصرى الحديث وفى سفارات مصر فى الخارج وفى متحف استاد القاهرة بالاضافة إلى المجموعات الخاصة فى مصر والكثير من دول العالم.
بقلم: د. صبحى الشارونى
المساء 18-7-2006
رحيل متزامن للرشيدى وحسونة
- رحل مؤخراً عن عالمنا الفنانان أحمد الرشيدى وصلاح حسونة الذى صور كل منهما الواقع الريفى المصرى وقد لمع نجمعهما وذاعت شهرتاهما ليست فى مصر بل فى دول العالم فالفنان أحمد الرشيدى (1931م)، أقام العديد من المعارض الخاصة والعامة وشارك فى معارض بفرنسا وإيطاليا، وإسبانيا.. ودرس بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة، وقد صور البيئة المصرية بألوان شفافة رقيقة من حياة البسطاء والريفيات، وقد أبدع فى تصوير الفتيات بقامتهن الممشوقة والشعرالأسود الذى يميل إلى المذهب، وتميزت وجوههن بالعينين الواسعتين السوداوين، فلا تظهر تفاصيل لتلك العيون والنظرات، تلطفها ابتسامه ناضرة تقترن فيها الرقة والفرحة والشموخ، ويميل فى بعض خلفيات لوحاته إلى الناحية الزخرفية إلى جانب بصيص من الضوء، ورغم بساطة التعبير فإننا نرى فيض الأنوثة الساحرة التى تستهوى الألباب وقد تمثل ذلك فى ابتسامة تلك الفتيات الرقيقة وعتمة العيون مع تصوير لتلك الأجسام التى يلفها الجلبات فتبدو خلاله بأعضاء رقيقة ناضرة، ولم ينس مع تلك الابتسامة توليف العقود والأقراط فى اللوحة لتزداد جمالاً.
- أما صلاح حسونة(1935م) والذى مارس الرسم منذ أكثر من عشرين عاماً وله معارض بمصر ودول العالم مثل سويسرا، فرنسا، ألمانيا، السويد، أمريكا.. ونشرت قصة حياته فى العديد من الصحف، وقد حصل فيلم تسجيلى عن حياته بالجائزة الذهبية فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون 1999م وقد عبر كما عبر حسونة عن الحياة المصرية دون قوانين، بشخصيته وألوانه المميزة الذى كان يخلطها ويمزجها بنفسه ولم يحظ ببصيص من الدراسة الأكاديمية ورغم ذلك فقد عبر بجدارة عن البيئة الريفية المصرية، ولم يعتمد على نقل الطبيعة كما هى وإنما وضع تأثيراتة عن تلك البيئة الريفية فأبدع موضوعاتة بتلك التلقائية المعهودة بخبرة هذا الفنان وهضمه للبيئة المحيطة، ونرى فى اللوحات ملامح من التعبيرية والسريالية، كما أضفى على أعماله قيمة زخرفية للفراغات إلى جانب إبراز الحركة فى تلك المنظومة التى صورها كمقطوعة موسيقية، وفى أعماله نعيش فى جو من الحدوتة والحكى وقد عبر فى أعماله عن` ما بعد الحياة ` وحساب الإنسان بعد الموت، إلى جانب معجزات الأنبياء كسفينة نوح، حوت يونس وعصا موسى والحياة الريفية والأفراح ورصد تقاليدها من خلال العريس والعروسة ورقصات تلك الأفراح والزينات فى جو مفرح مع الأضواء والتجمعات.
بقلم : ممدوح ابراهيم
روز اليوسف 18-7-2006
- الفنان المصرى الذى تخصص فى رسم وجه المرأة المصرية وأصبح محور اهتمامه هو البورتريه الذى لمع فيه، بورتريه لوحة المرأة فقط تشاهده فى حوالى 160 لوحة اتخذ فيها أسلوبا جديدا غير الأسلوب الأكاديمى الذى غالبا مايلتزم به فنان البورتريه لنقل ملامح الشخصية التى يرسمها ..
ابتعد عن التفاصيل الفنية لكنه استطاع فى ندرة وابداع أن يعطى نفس المضمون باهتمامه أساسا فى العيوب التى استوحاها من الفن الفرعونى الذى تأثر به الفنان . فالعيون بالنسبة للرشيدى هى المحور الأساسى ومفتاح لشخصية اللوحة أما بعد ذلك فالتفاصيل الأخرى مكملة لملامح الوجه وبالنسبة للمشاهد لن يجد وجها من الوجه يشبه الآخر كل يتميز ويختلف عن الآخر وان جمع بينها ميله الى اللون الواحد المتدرج الذى استطاع أن يستخدمه فى حساسية جعلت من اللون لحنا متناسقا وشاعرية تنقل المشاهد الى الوجه الذى تصوره من النوبة وأعالى النيل وصحارى مصر وواحاتها الى امتداد النيل عند شواطىء الدلتا.
ليلى القبانى
الأهرام : 16-5-1980
الفنان أحمد الرشيدى ( 1931 - 2006 ).. وطلائع فنانى وكالة الغورى
- هو واحد من أهم رموز جيل الفنانين العصاميين فى الستينيات، الذين اعتدنا أن نسميهم ` الفنانين الأحرار`، لأنهم ليسوا من خريجى كليات الفنون الجميلة ، إنه نغمة رقيقة وقوية معا فى لحن ذلك الجيل، وكان الوزير ثروت عكاشه الذى رعى أنضج حركة ثقافية فى مصر الحديثة . منذ أواخر خمسينيات القرن الماضى ، قد خصص مبنى وكالة الغورى كمركز لإحياء التراث ، ومراسم للفنانين التشكيليين المهمومين به ، كوجهين لقضية واحدة ، ولم يقتصر فى اختياراته لهم بمساعدة النحات الكبير عبد القادر رزق - الذى كان آنذاك مديراً للفنون الجميلة - على الأسماء البارزة من أساتذة وخريجى كليات الفنون ، بل شملت اختياراتهما كذلك شباناً موهوبين لم يدرسوا الفن دراسة أكاديمية ، إنما يملأهم عشق الحياة الشعبية وقيمها الجمالية ، ممن كانوا يخطون خطواتهم الأولى فى الفن أمثال أحمد الرشيدى وعلى دسوقى وكمال يكنور وصفية حلمى وكمال روشبيك وإبراهيم محاريق ومحمد إبراهيم يوسف وسيد أبو السعود ، مع الأكاديميين الذين سبقوهم إلى الميدان أمثال : عبد القادر مختار وعبد الحميد حمدى وعبد المجيد وافى وصلاح طاهر ومحمود عفيفى ومحمد طه حسين ، ومنهم من بقى فى الوكالة لبعض الوقت قبل أن ينتقل مبكرا إلى مراسم أخرى أمثال : محمد هجرس ورفعت أحمد وفتحى محمود ، كل هؤلاء جنبا إلى جنب مع رموز فى الأدب مثل عبد المنعم الصاوى ، وفى التاريخ الإسلامى مثل سعاد ماهر، وكان يجمعهم جميعاً جناح كبير بمبنى الوكالة ، يقابله جناح آخر تشغله أقسام الحرف التقليدية لتنشئة أجيال جديدة على خطى الأجداد ، لتكتمل بذلك منظومة تتوازن على ميزان الذهب بين عناصر صرح إبداعى لثقافة الهوية .
- أحمد الرشيدى كان أحد أشبال هذه المنظومة ، من خلال مرسمه المشترك مع الفنان على دسوقى عام 1964 ، بالتوازى مع أعضاء المرسم الجماعى الذى كانت تنظمه الوزارة لتنمية المواهب بوكالة الغورى تحت إشراف الفنان محمود عفيفى، وتمده بالأساتذة والخامات، وتتيح للمتميزين منهم فرص التحقق بالعرض فى المعارض الجماعية إلى جانب كبار الفنانين ، والحصول على مراسم خاصة ، بل وعلى منح للتفرغ وقت أن كان مشروع التفرغ فى كامل عافيته وشبابه .. غير أن جدية الرشيدى ساقته إلى المرسم الحر بكلية الفنون الجميلة فى عصره الذهبى ، ليدرس خمس سنوات على أيدى نفس أساتذة الكلية ، ويقدم فى نهايتها مشروعاً للتخرج ، تماما مثل الطلبة النظاميين.
- وبالرغم من أنه كان موظفا فى هيئة الاتصالات وأن عمله كان يبتلع أغلب وقته حتى إحالته للمعاش - مايعنى احتياجه الملح لتأمين معيشته بهذه الوظيفة البعيدة كل البعد عن اهتمامه وهوايته فقد استطاع أن يبنى قاعدته التشكيلية المتفردة بعصامية مدهشة ، متنقلا بين المتاحف والمعارض ومواقع الآثار فى الأقصر وأسوان والنوبة ، إلى جانب الآثار الإسلامية فى القاهرة التاريخية ، متأملا- كالعابد القانت لوجه الفن - ملامح الحياة على شاطىء النيل وأنماطها المختلفة فى قرى الصعيد والريف والأحياء الشعبية .. لكن عشقه الأكبر كان للتصوير الجدارى فى الفن المصرى القديم، عبر مقابر البر الغربى للأقصر، التى زارها على فترات متباعدة، مقتفيا أثر كوكبة عظيمة من فنانى مصر الذين عاشوا بمرسم الأقصر وشربوا من النيل وأرسوا قاعدة فن الستينيات والسبعينيات فى مصر، المشبع بعبقها الحضارى .
- أسلوب فن الرشيدى ينبع من سمات شخصيته الهامسة ، مثلما ينبع من مخزونه الجمالى عبر مناخ مصر وبيئاتها المختلفة، إن الضياء ينتشر فوق لوحاته كغلالة شفافة بيضاء لاتبرز من خلالها إلا الوجوه السمراء التى لفحتها الشمس فصارت بُنٍية برونزية ، ذات عيون لوزية معتمة كثقوب غائرة فى صحراء المجهول ، كما ينتشر هذا الضياء فوق ملابس الصبايا وهن يحملن الجرار نحو النهر أو يحملن السلال نحو السوق ، تلك السلال المجدولة بجدائل الخوص الملونة مثلما تتراءى لنا فى قرابين الجميلات فوق جدران المقابر أو تماثيل حاملات القرابين، كما تتراءى لنا زخارف الشيلان التى تضعها نساؤه على رؤوسهن بمثل زخارف الزجزاج على فساتين الفتيات فى المعابد القديمة، وتقابلها وحدات الأرابسك على أرائك النسوة وهن جالسات يقرأن الطالع عبر فناجين القهوة.
- وإذا كانت هذه السمات الزخرفية تعيدنا إلى جو مصر التاريخية، فإن الإيقاع البطىء لحركة مشخصاته حتى يقترب من السكون الغامض، ينقلنا كلياً إلى عالم تلك العصور.. إن شخصياته أقرب إلى عالم الأبدية منه إلى عالم الحياة اليومية ، ففى سمتهن نبل الأميرات بالرغم من أنهن من فقيرات الشعب الكادحات ، ومع ذلك فإن فى شفاههن الوردية نداء الحب وغواية الدنيا ، رغم أن عيونهن تأخذنا بعيدا عن فتنة الجسد .
- إن عالم الرشيدى عالم أنثوى ، ليس لأننا لانكاد نعثر على رجل ، وليس لأنه يوحى بتأنيث النوازع البشرية بضعفها وغوايتها، وإنما بمعنى المسالمة والتوافق مع العالم ، والعذوبة النائية عن حدة الصراع وخشونة الذكورة ، ولئن كانت ملامس لوحاته تتسم أحيانا بخشونة الملمس ، فهى خشونة موحية بالعتاقة والقدم وكاشفة فى ذات الوقت عن أديم بالغ النعومة والرقة ، يستدعيك إلى أن تلمسه بحنان ، هذه الرقة نجدها كذلك فى أسراب النخيل الشامخة عبر صحاريه وكثبانه الرملية ، وفى قواربه المترامية على شاطىء مهجور ومن فوقها تحلق أسراب الطير البيضاء المهاجرة ، كما نجدها فى اللوحات ذات الموضوعات الخشنة مثل ` المراكبية ` وهم يقاومون التيار بغرس عروقهم الخشبية الطويلة فى قاع النيل أو فرد قلوعهم عكس الريح أو تحريك مجاديفهم عكس تيار النهر، إن وجوههم وسواعدهم وأياديهم السمراء المحروقة تبدو لنا بقعا تتناثر فى إيقاع منغم كدندنة لحن شرقى ،أكثر مما تعبر عن عنف الحركة وقوة المواجهة .
- ألم أقل لكم إن فنه صورة من شخصيته ؟ .. لذلك فإننى أراه الآن روحا تسرى مع أمواج النيل متجهة بشراعها الأبيض نحو الضياء الأبدى، فيما تبقى لنا لوحاته نبعا للأصالة ومثالا للانتماء الصادق لموهبة مصرية إلى جذورها الحضارية . وإذا كنا قد فقدنا برحيله فنانا وقيمة ، فإن عزاء أهله أنه قد استراح أخيرا من شعور لازمة طويلاً بظلم التجاهل والإهمال من الجهات الرسمية ، حتى لو كان قد حظى بتقدير كبير ممن أحبوا أعماله واقتنوها بداخل مصر وخارجها.
من كتاب ( الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب ( الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
|