عمرو السعيد سلامة الكفراوى
..عمرو وضوء الصمت
- من أول وهلة نكتشف فى أعمال الفنان الشاب عمرو السعيد الكفراوى انه رسام متمكن ويمتلك جسارة الالتزام بالمواد والتقنيات التقليدية، وهو من مواليد العام 1980، حاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة شعبة التصوير الزيتى، وله مساهمات فى معارض متنوعة نذكر بعضها.. مسابقة صالون الشباب فى دوراته الثالثة عشرة والرابعة عشرة مسابقة الأعمال الفنية الصغيرة فى دوراتها الثالثة والرابعة، ومعارض بقاعات شموع وخان المغربى والفنون الجميلة بالإسكندرية وقاعة 5+5 كما حصل عمرو على الجائزة الثانية فى مجال فن الرسم بصالون الشباب فى دورته الثالثة عشرة ويستخدم الفنان القلم الرصاص فى لوحتيه المشترك بهما بصالون الشباب فى دورته السادسة عشرة، واتخذ الفنان عمرو الإنسان بطلاً لأعماله.. وعمارة الفراغ الكونى لمساحة العمل الفنى، والفتى الذى يتوسط بل يتصدر الفراغ قابعاً على أريكة تقليدية وساقيه كأعمدة معبدية تحمل كياناً راسخاً يتوسطه رأسه الصامدة والصامته فى ثبات وتحد وتأمل.. رأس مليئة بالطاقة والحيوية الذهنية.. رأس تحمل قدراً كبيراً من هموم العصر أو التحدى الذى يفرض سيطرته على هذا الزمن الثقيل والذى لا يتوقف.. يرتدى لباس النوم المتوازى الخطوط الطولية كأنها سريان يحتضن الجسد فى دفء واحتواء، ساقاه قابعتان على قدمين مفرطحتين الأولى راسخة على الأرض والثانية متكئة على أطراف أصابع القدم بينما باقى القدم يستند على الجانب الرأسى للأريكة وتنضم الركبتان فى شكل قمة هرم.. كما يبدو الذراع الأيمن واليد مفرودة الأصابع وممتدة بقوة لتحمى هذا البناء الهرمى.. أما الذراع الأيسر يسترخى على الأريكة بينما الكف ممسكاً بحافة الأريكة فى بناء حركى مضطرب ومتوتر لتتكامل سمات القلق بين حركتى اليد اليسرى والقدم اليسرى، ويتجلى البناء الجمالى لهرم الساقين كأنه يتجه إلى الرأس ليرفعها إلى أعلى بطاقة روحية وشعورية لتبوح بأسراره الكامنة فيه والمدفونه فى شفتيه المضمومتين وإيماءته إلى اسفل كأن الجسد ينكمش فى ذاته ويختزل حجمه المرئى، والضوء فى أعمال عمرو يأتى فى كمون أشخاصه وبنائها الرأسى والأفقى فى فراغ حاد، والضوء هنا يتوافق مع البناء الأكاديمى التشريحى للجسد.. والتعبير الحاد الغامض دال على قوة الذات الداخلية وصراع يمتد ويتواتر بين الانبساط والإرتباك، ومساحات النور والروح متوهجه عبر الملامح الحادة والثاقبة وفق قياسات رؤية الفنان العميقة التعبير.. وجمال البناء التشكيلى.. وتألق مشاعره.. وشفافية روحه وصدقه الإبداعى، فنان واعد.. نجم .
أ.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2005
كائنات القاهرة فى نقط عمرو السوداء
- رجل عجوز ظهره منحنى من حقيبة ثقيلة على ظهره،عشيقان يتحدثان بخفوت، امرأة تمشى مائلة بفعل ثقل الكيس فى يدها، جرذان القاهرة الأقرب للديناصورات،عشاق .يفترقون، أصدقاء يلتقون، تجمعات صغيرة لقطط الشوارع، رجل ثلاثينى ينظر فى ذهول تحت قدميه، وآخر يقف فى وضع تائه يحاول تحديد أبعاده، هذه هى بعض العناصر التى جمعهاعمرو كفراوى فى معرضه المقام حالياً بجاليرى آرت اللوا تحت عنوان ` نقط سوداء ` .
- يرى عمرو القاهرة كمدينة متوترة تعج بالحياة والبشر، لكن هذه الحالة المتوترة الضاغطة تحول البشر مع الوقت إلى نقاط سوداء متضائلة، وفى معرضه الذى يضم 380 لوحة حاول عمرو استعادة حضور البشر والكائنات التى تصادف السائر فى شوارع القاهرة، فخلال سنوات طويلة كان عمرو يسير فى شوارع القاهرة حاملة كاميراته يلتقط سور متفرقة لبشر القاهرة، أو يجلس فى أحد كافيهات الانترنت بميدان طلعت حرب يراقب الكائنات التى تعبر الميدان، وبعد فترة أصبح لديه ما هو أكثر من 5 آلاف صورة، ومن هذا المخزون الضخم التقط عمرو الصور التى وجد فى كائناتها حضور قوى بالنسبة، ومن هذه الصور أخذ يرسم لوحاته مستخدما الحبر أو الكربون أو الأحبار الصينية فهو يحدد خامة الرسم وتكنيكه على حسب حضور الشخصيات،فبعضها يبدو كأنه مجرد بقعة حبر، والبعض الآخر رسمه بخطوط رأسية وأفقية وزوايا حادة. وفى غرفة صغيرة فى أحد شوارع حى أرض اللوا رص عمرو على جدرانها لوحاته التى غطت جميع جدران الغرفة، لذلك فما أن تدخل الغرفة حتى تجد نفسك محاطاً بكثافة النقط السوداء التى تبثها شخصيات القاهرة .
- يرفض عمرو الذى عمل لفترة طويلة كمصمم للأغلفة مفهوم الفن الواقعى الذى تعلمه فى كلية الفنون، حيث مفهوم الواقعية يتوقف على الموديل الجالس أمام الرسام لتصويره، بينما الواقعية بالنسبه له هى البشر فى حركتهم اليومية العادية، أما لجوءه إلى التصوير الفوتوغرافى فى المرحلة الأولى للتحضير للعمل، فذلك لأن التصوير فى رأيه يكثف العنصر، ويفصله عن الواقع .
- لوحات عمرو مرسومة على ورق معاد التصنيع، وملتصقة بجدران الغرفة، لذلك فلا يمكن بيعها، ولذلك لم يكن من الممكن أن يقام المعرض فى أى جاليرى تقليدى، ولذلك كان اختياره لقاعة أرت اللوا، حينما كان يعمل عمرو فى المراحل الأولى لتجهيز المعرض كان أطفال اللوا يأتون لمراقبته ويسألونه ` ما الذى ستكسبه من وراء هذا ؟
- فى الغالب لم يرد عمرو على سؤالهم، لكنه يرى أن معرضه ربما يكون حادثا بسيطا يوضح لهؤلاء الأطفال ولآخرين أن هناك أشياء نفعلها بدون انتظار لمكسب مادى .
أحمد ناجى
أخبار الأدب - 8 / 2 / 2008
عمرو الكفراوى يؤرخ للحنين إلى مصر الخمسينات
- استضافت قاعة `المرخية` في العاصمة القطرية الدوحة أخيراً معرضاً للفنان المصري عمرو الكفراوي بعنوان `سكر مضبوط`، يضم لوحات كبيرة الحجم، استُخدم في تنفيذها ورق `معاد التصنيع`، يُستخدم عادة فى تغليف المنتجات البسيطة في الأسواق الشعبية.
- ويبدو أن لاختيار هذا النوع من الورق علاقة ما بذلك الواقع الذي لا مناص منه، إذ تتجلى في اللوحات المدينة المصرية بتوترها الصاخب وتناقضاتها وضجيجها الذي يملأ فراغ مخيلة الفنان بلون رمادي يهيمن على اللوحات، يخالطه أحياناً لون ترابي ثقيل.
- تجتمع في اللوحات كيانات صبغت بالمقدار ذاته من الحيادية والتجانس لتكوّن في نهاية الأمر ذلك الكيان الهلامي الهائل الذي تستطيع التعرف عليه بقليل من التأمل في جدار المدرسة المجاورة أو إحدى البنايات القريبة، في الواقف إلى جانب كشك السجائر، أو في لافتات محال البقالة، أو حتى في الصورة الشخصية المنعكسة على المرآة.
- الورق الذي اختاره الكفراوي له ذلك الوجه الرمادي، بمسحة من التشوه اللطيف الحزين الغارب، والذي ينأى عنك إن أنعمت النظر فيه، ذلك الوجه الذي أتى من وراء الفوضى والعنف ذي النظرة المتوترة المتحفزة التي تسم الكل كما لو كان متورطاً في حياة لم يسع إليها.
- تسأل اللوحات: ما الذي أوصل المصريين إلى تلك المرحلة المشوهة؟ فاللوحات في غالبيتها تنطلق من إحساس عارم بالنوستالجيا وترثي عالماً على وشك الغياب، وتتأمل المدينة التي نفقدها الآن. وإذا كان هذا العالم فرض نفسه من قبل على أعمال فنانين مثل عادل السيوى ومحمد عبلة وقبلهما المصري الأرمني شانت افدستيان، فإن الكفراوي يذهب إلى خيار مختلف. فبينما مجّدت لوحات افدستيان والسيوي نجمات السينما وانحازت إلى `النجوم`، وركّز عبلة على محيطه العائلي، يخصص الكفراوي مركز اللوحات لوجوه نساء مصريات عاديات لسن نجمات أو ممثلات خلال الخمسينات والستينات، وهي الفترة التي تشغل الكفراوي في الكثير من أعماله، إذ يرى أنها من أهم الفترات في تاريخ مصر المعاصر وحافلة بالتغيرات الاجتماعية التي سرى أنها أدت إلى ما نحن عليه اليوم.
- ينظر الكفراوي إلى وجوه النساء كمرآة تعرض تلك التغيّرات، متوقفاً أمام الاهتمام الذي كانت المرأة المصرية توليه في الماضي لفكرة `الجمال`، لا سيما أثناء الذهاب إلى استديو التصوير الذي كانت له مكانه خاصة لدى المصريين. فالتصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفاً في مصر حتى أدخله الأجانب، وبعد فترة من افتتاح الخواجة `بيلا` للأستوديو الخاص به في شارع قصر النيل في وسط البلد، وهو أقدم الاستوديوهات في مصر، افتتح عدد من `الخواجات` اليونانيين والأرمن استديوات مشابهة مثل `أندرو` و`ألبيرن` و`غارو`.
قبل الشروع في إنجاز معرضه، اشترى الكفراوي مجموعة من الصور القديمة التي كانت بحوزة تلك الإستديوات، ثم صوّر القاهرة وبدأ المزج بين القديم والجديد.
- لعلها محاكاة ساخرة أراد منها الفنان إصابة موضع الألم، والتماس عصب المدينة العاري، بطريقة جعلت منه مؤرخاً للحنين .
سيد محمود
جريدة الحياة - 22/ 11/ 2012
مثل السراب ... رفض للمدينة الفوضوية
ربما كان الفنان عمرو كفراوي من الفنانين المقلين في إقامة معارض فردية لأعمالهم الفنية، ولذلك يأتي معرض `مثل السراب` الذي يستضيفه جاليري المشربية بوسط البلد فرصة للاقتراب من عالم الكفراوي الفني خاصة وهو واحد من الفنانين المهتمين بثبات التكنيك المستخدم عبر مشوارهم الفني بحيث تزداد خبرتهم بالوسيط الذي يعملون من خلاله ويكتشفون أسراره بالممارسة والخبرة
وعمرو كذلك مهتم منذ بدايته بالمدينة وبوجوه الناس، وكان الفنان قد قدم معرض ` نقط سوداء ` بجاليري أرت اللوا في 2009، وهي تجربة ترتبط أيضا بالمدينة والناس حيث قال عنها: بمجرد أن تكون في شوارع القاهرة، لا يمكنك تجاهل الوجود الغامر للناس، يشبه وجودهم نقاطاً سوداء في لوحة كبيرة جدا، ويضيف: القاهرة هي مدينة الناس، مدينة الحركة التي لا تتوقف، دائما أحمل الكاميرا معي خلال رحلاتي اليومية عبر المدينة لأسجل تلك الحياة التي تقابلني، بعدها لساعات طويلة أتأمل تلك اللقطات العفوية للمارة، لا أعرف أبدا ما الذي يساعدني علي التعرف علي هذا الشخص أو ذاك، هل يحدث هذا بسبب حضوره القوي أم أنها الوحدة المطلقة ؟
يستمر عمرو من خلال معرض `مثل السراب ` في رحلة بحثه داخل المدينة وعلاقتها بالناس أو العكس، حيث يقدم من خلال لوحاته وجوها لشخصيات مصرية عادية كثير منها من النساء، عاشوا خلال الخمسينيات والستينيات وهي الفتره التي تشغل الكفراوي في الكثير من أعماله حيث يري أنها من الفترات الزمنية في تاريخ مصر المعاصر الحافلة بالتغيرات الاجتماعية التي أدت إلي ما نحن عليه اليوم .
يعلق عمرو قائلا : لم أختر نجوما أو شخصيات معروفة ولكنها وجوه عاشت في تلك المدينة عندما كانت مختلفة.. وقد اعتمد عمرو في تسجيله للبورتريهات علي مجموعة من صور الاستوديهات قام بشرائها من أحد مقتني الصور بالقاهرة، ثم قام بتصوير مدينة القاهرة كما هي اليوم وبدأ عملية مزج بين تلك الصور وبين المدينة اليوم، وقد خرجت اللوحات لتحاكي الصورة الفوتوغرافية العريضة التي كانت غالبا ما تضاف لها خلفية لحدائق أو منظر طبيعي للبحر .
ومن المعروف أنه منذ بدايات القرن العشرين وحتي السبعينيات كان لاستوديو التصوير مكانة خاصة لدي المصريين، وكان هناك عدد من أشهر وأهم المصورين المصريين والعالميين في مصر، وكانت منطقة وسط البلد كلها استوديوهات يملكها أجانب، كما كان للتصوير في الماضي بعض الطقوس، مثل ارتداء الملابس الرسمية وهي البدلة ورابطة العنق وكان الناس يحرصون علي التصوير مرة كل شهر أو عند شراء فستان أو بدلة جديدة، وكان هناك ما يسمي الصورة العائلية، حيث تحرص العائلات سواء كانت غنية أو فقيرة علي الذهاب لاستوديو تصوير لأخذ صورة للذكري، لذا كانت الاستوديوهات القديمة تتميز ببلاتوهات التصوير ذات المساحة الشاسعة لتستوعب العدد الكبير في الصور العائلية الذي قد يصل إلي 25 فردا.
ولعل أحد أكثر ما يميز أعمال عمرو كفراوي أيضا هي تلك الخامة التي يستخدمها، حيث يستعين بورق ` معاد التصنيع` رخيص الثمن يستخدم عادة في لف وتغليف المنتجات البسيطة في الأسواق الشعبية، يقول الكفراوي عن تلك الخامة: يبدأ الأمر بالذهاب إلي سوق الأوراق القديم .. ولسبب ما أجدني علي باب المحل المتهالك ذاته.. ذلك الذي يشبه بقالة ذات رفوف صدئة وأتربة متراكمة. ثم بعد ذلك يتعامل عمرو مع الخامة من خلال الطباعة والقص واللصق ويضيف إليها بالرسم والتلوين .
وربما يرتبط اسم المعرض `مثل السراب` بتلك الحالة التي يتركها اللون الرمادي الذي يستكين إليه عمرو فتعكس اللوحات حالة من الحنين للمدينة المفقودة أو ربما بذلك الواقع الذي لا مناص منه.. المدينة بتوترها الصاخب، وضجيجها الذي يعلو ليملأ فراغ مخيلتك بلون رمادي تختلط فيه كيانات، صبغت بنفس القدر تمامًا من الحيادية والتجانس لتكوّن في نهاية الأمر ذلك الكيان الهلامي الهائل، والذي تستطيع التعرف عليه بقليل من التأمل في جدار المدرسة المجاورة أو احدي البنايات القريبة أو في الواقف بجانب كشك السجائر، أو في يافطة البقال، أو حتي في صورتك المنعكسة علي المرآة. وتطرح جميع لوحات المعرض السؤال نفسه .. الذي يشغل العديد من المصريين في تلك اللحظة، ما الذي أوصل المصريين إلي تلك المرحلة المشوهة وربما يطرح عمرو عدة أسئلة أخري عن علاقة الناس في فترة الخمسينات والستينات بالمدينة اليوم ؟
ربما تعكس لوحات عمرو كفراوي حنيناً للماضي أو رفضاً داخلياً للمدينة في شكلها الحالي الفوضوي ..
ربما وربما لكن الأكيد أن عمرو كفراوي صاحب تجربة متفردة ممتدة سواء علي الصعيد التقني أو علي الصعيدالفكري ..
منى عبد الكريم
أخبار الأدب 13 /11/ 2014
مثل السراب .. وجوه من الماضى تتطلع إلينا
تستضيف ` قاعة مشربية ` للفنون في القاهرة، معرضاً لأعمال الفنان المصري عمرو الكفراوي تحت عنوان ` مثل السراب` . وقد مزج الكفراوي في أعماله التي تراوحت بين الأحجام المتوسطة والكبيرة ما بين الرسم والفوتوغرافيا والطباعة والقص واللصق.
وخلافاً للخامة وأسلوب المعالجة، كان ثمة قاسم مشترك بين الأعمال تمثل في تلك الوجوه التي انتقاها الفنان مراعياً حيادها قدر الإمكان، فهي ليست من الوجوه المعروفة على نحو شائع كنجوم السينما والمجتمع والسياسة، بل وجوه لأناس عاديين. صور فوتوغرافية قريبة الشبه من أرشيف الصور القديمة لدينا، صور العائلة والأقارب، الآباء والأمهات، الأحبّة الذين رحلوا. تبث الصور على نحو ما شعوراً بالحميمية والدفء يستوقفك إزاءها، فهي تكاد تنتمي إلى الذاكرة البصرية الخاصة لدى كل واحد منا وليست مشاعاً.
يقبض الكفراوي على تلك اللحظة الإنسانية الخاصة التي تبثها الصور القديمة، ليشد الناظر إلى عالمه الخاص وإلى رؤيته الذاتية لذلك المحيط الشاسع والحافل بالصخب والتشوه. إنها المدينة التي يحيا فيها. أو العالم المحيط بنا. التعامل مع الصور القديمة على هذا النحو وسيلة مباشرة وأكثر تأثيراً لجأ إليها فنانون آخرون لبث هذا الشعور بالحنين إلى الماضي كنوع من الاحتجاج على الواقع، ويوظفها الكفراوي أيضاً لإعلان احتجاجه على ما آل إليه حال المدينة في اللحظة الراهنة.
هو يشكل على نحو خاص مفهومه لتلك المدينة كما يراها. المدينة الكبيرة التي تتغير وتتبدل معالمها، وتتسع الهوة بين أطرافها. يرصد الكفراوي حركة الناس في الشارع من طريق الفوتوغرافيا. يراقب المارة وملامح الناس، يتحسس تغير هيئة البنايات والشوارع عبر مقارنتها بأزمنة مختلفة.
سهولة المقارنة باتت متاحة للجميع، وأصبحت لدينا القدرة على المقارنة بين طبقات من الأزمنة، وهي قدرة أتاحتها لنا الفوتوغرافيا بسهولة. ويحاول الكفراوي تقديم رؤيته عبر تلك المقارنة بين مستويين مختلفين زمنياً وبصرياً. ويبدل خلفيات الوجوه القديمة بمشاهد حديثة للمدينة التقطها مؤكداً تلك المقارنة على نحو مباشر.
ربما يؤمن الكفراوي بأن تلك المقارنة الزمنية بين عصرين لا تصب في مصلحة المدينة الحالية بوجهها المشوش أو المشوه في آن كما يراه هو. غير أن تلك المقارنة تبدو بدورها مشوشة كذلك، إذ لا تستطيع أن تتبين انتماء هذه المدينة التي تتجسد في الأعمال كخلفية للوجوه، من طريقة المعالجة اللونية التي تحيط المشهد بضبابية. في حين يمكن بسهولة تحديد عمر الصور الشخصية التي حصل عليها الفنان من بين أرشيف أحد استـــديوات التـــصوير الفوتــوغرافي. طـــريقة الجلسة والنظرة وطبيعة اللقطة ذاتها.
نعم هي صور تنتمي إلى الماضي، صور قريبة منا، حميمية إلى حد أنك تشعر بالافتقاد نحوها، لكن المدينة ليست حاضرة في المشهد. ويبدو أن الفنان اعتمد على معايشتنا الآنية لعقد تلك المقارنة في مقابل الشعور بالحنين الذي تبثه تلك الوجوه الفوتوغرافية القديمة.
يؤكد الكفراوي هذا الشعور بالحنين إلى الماضي عبر معالجاته لتلك الصور، واستخدامه الأسطح الورقية المجزأة إلى مستطيلات متساوية.
وقد رصت متجاورة لصنع شبكة متقاطعة من الخطوط تطل هذه الوجوه من ورائها، في تأكيد للبعد الزمني الذي يفصلنا عن هؤلاء الأشخاص المطلين علينا عبر ما يشبه السياج. حتى هذه المعالجات المضافة بالحبار على أسطح الأوراق تم التعامل معها عن قصد من دون اعتناء لتضفي مزيداً من القدم على المشهد.
ويقول الفنان: ` لهذا الورق علاقة ما بذلك الواقع الذي لا مناص منه. المدينة بتوترها الصاخب وضجيجها الذي يعلو ليملأ فراغ مخيلتك بلون رمادي تختلط فيه كيانات لتكون في نهاية الأمر ذلك الشكل الهلامي الهائل، والذي تستطيع التعرف إليه بقليل من التأمل في جدار المدرسة المجاورة أو إحدى البنايات القريبة أو في الواقف إلى جانب كشك السجائر، أو لافتة البقال أو حتى في صورتك المنعكسة على المرأة ` .
ويضيف: ` الورق له ذلك الوجه الرمادي الذي ينأى عنك لو أنعمت النظر فيه. ذلك الوجه الذي أتى من وراء الفوضى والعنف، ذو النظرة المتوترة المتحفزة التي تسم الكل كما لو كان متورطاً في حياة لم يسع إليها ` .
والكفراوي من مواليد العام 1980، يعيش ويعمل في القاهرة. تخرج في قسم التصوير في كلية الفـــنون الجميلة وحصل على دبلوم التصميم الغرافيكي من جامعـــــة وارسو عام 2007 يعمل على كثير من المشاريع المختلفة مستخدماً وسائط عدة، كالرسم والتصوير والرسوم الصحافية ورسوم الأطفال والتصميم والطباعة. وعرضت أعماله في ألمانــــيا وسويسرا وإسبانيا وبولندا وهنغاريا والمغرب وقطر والإمارات وكوبا.
ياسر سلطان
جريدة الحياة 12/ 12 /2014
|