سوسن محمد محمد أبو النجا
- تشكل البيوت القديمة فى احياء مصر الشعبية مصدراً جمالياً مثيراً فى أعمال الفنانة ( سوسن أبو النجا ) ، حيث تعالج موضوعها لا بأعتباره منظراً وصفياً أو مرئياً وأنما كنقطة بدء لاستجلاء القيمة التشكيلية والعناصر الجمالية المنيرة التى تحتويها هذه البيوت من خط ولون ومساحة .. ولان من طبيعة هذه الاماكن الفوضى الشائعة فى عمارتها أو مبانيها مما يستنفر رؤية العين لها .. فأن الفنانة استطاعت أن تسجل بحسها الفنى التلقائى وخيالها الخصب عناصر تكوينها وتشيد منها نظماً يستند على أسس جمالية قوامها الانسجام القائم على الايقاعات الخطية التى تحدد الاشكال بوضوح . وعلى العلاقات البنائية المتوازنة بين الكتل والمستويات المختلفة وكذلك الانسجام بين المساحات اللونية دون عناية بقواعد المنظور . تاركة لحسها التشكيلى أن يطرز عالماً أقرب ما يكون الى السجادة الشرقية.
د. رضا عبد السلام
احزان مضيئة وجميلة
- فى أعمال الفنانة سوسن ابو النجا السابقة تعودت ان ارى موضوعا واحداً مفضلا اليها يتصدر كل لوحاتها التصويرية وهو مستوحى من ليالى القاهرة القديمة بابنيتها وآثارها الاسلامية المضيئة البهيجة ، مئات النوافذ والزخارف والتفاصيل الدقيقة الغير واقعية كانت تسج من خطوط لونية مضيئة ومتلألئة وكانت تستخدم النسجيات المزخرفة وتقوم بلصقها على السطح لاثراء التكوين والملمس وكانت تجد متعة كبيرة فى شعل مساحة اللوحة بكاملها عن طريق السرد الخطى واللونى حتى يتلاشى الفراغ تماما لتصبح اللوحة اقرب الى السجادة الشرقية أو جدارية فسيفسائية أو نافذة من الزجاج المعشق وكانت هناك بعض العناصر التشكيلية من الطيور آو الاشخاص أو الجياد تحتل مساحات صغيرة من التكوين اما فى ولوحاتها التى انجزتها بعد ذلك منذ عام 1992 وحتىالان نجد ان الايقاع السكونى والرتابة الزخرفية والمساحات الونية الشعبية للبيوت قد تغيرت نسبيا وحلت عناصر جديدة واحتلت موقع الصداره من اللوحة والموضوع ، واصبحت بالتالى البيوت والابنية جزء من التكوين الاساسى وليس كلة .. فالكائنات الحية والوحوش الاسطورية اصبحت تهيمن باشكالها واحجامها وصراعها على مساحات كبيرة من التكوين ، ولم يعد للسكينة والارتجال الفرح للصخب الضوئى فى ليالى القاهرة مكان ، لقد خرجت الوحوش تواً من مخابئها واحتلت المدينة واتت الملائكة والقديسين من السماء وصار الصخب والفزع فى كل مكان ترى ما الذى جعل الفنانة تطلق هذه الوحوش الضاربة من معاقلها ، وتستحضر صورا تاريخية من الماضى البعيد ، وتجرد النساء من ملابسهن وتتركهن عاريات ؟ ايان كانت الاجابة . الا أننا امام منعطف جديد ورؤية جريئة احييها على المضى فيها ، ومثلما تغير المحتوى الادبى وافسح المجال للتعبيرات الرمزية ومدلولاتها تغير ايضا النسيج الشكلى للتكوين بصورة نسبية واتوقع تغيراً فى المستقبل القريب فما زالت سوسن لا تحفل عند صياغة موضوعاتها بنسب تشريحية ولا بالابعاد المنظورية ولا بقيم الظل والنور المتعارف عليها تقليديا ولا بالتسجيل عن مصدر طبيعى ، فقط تطلق العنان لخيالها وللخط الكثيف المضىء وانطلاقاته وتحديدياته القوية للتعبير عن احاسيسها وافكارها وفانتازياتها الاسطورية بطريقة عفوية تحفظ لها صدق التعبير ، واداء متميزا يحفظ للعمل جمالة واصالته وتناغمة .
د. رضا عبد السلام
أسعى إلى جعل المدينة جديرة بالإنسان !
- تقيم الفنانة المصرية سوسن أبو النجا معرضها الجديد فى التصوير الزيتى . والفنانة الشابة أقامت فى الأعوام الماضية معرضين آخرين بكل من معهد جوته ونقابة الفنانين التشكيليين ، وفى هذا المعرض تواصل العزف على عنصرها المفضل وهو بيوت المدينة ، مكملة ما بدأته عدة فنانات مصريات أخريات مثل جاذبية سرى ووسام فهمى . - لكنها تعلق على ذلك فتقول : إننى لا أكمل طريق أحد غيرى ، فرؤيتى مستقلة ومختلفة عن التجارب السابقة فى هذا الموضوع مع شدة تقديرى لها ، فأنا لا أفرق أوصال مدينتى وأمزجها بملامح الوجوه بشكل مأساوى كما تفعل جاذبية ، كما أننى لا أحلق فى أجواء من الحلم والفانتازيا ، ولكننى أحاول أن أعيد النظام والجمال إلى الواقع الملىء بالفوضى والقبح ، وأسعى إلى أن أجعل المدينة إنسانية وجديرة بالإنسان . - كيف؟ - تقول الفنانة : باستدعاء روح الأصالة العربية والشعبية ، فى طراز العمارة القديمة التى أوشكت أن تنقرض ، سواء فى البيوت أو المساجد ، وأحاول تعشيقها فى بعضها البعض عن طريق الفنان الإسلامى حين يشبك عناصره الهندسية فى نسيج محكم ، وهنا أجدنى أؤكد على عنصر الخط الذى يقوم أساساً بعملية الترابط العضوى ، كما أجدنى أتغاضى عن المنظور الهندسى ، كما كان يتغاضى عنه الفنان المسلم أيضاً ، بما يجعل اللوحة أقرب إلى السجاد الشرقى ، خاصة مع استعمال ألواناً داكنة تفوح منها رائحة القدم . - ألا يجعل ذلك لوحاتك أقرب إلى الزخرفة ؟ - هناك فرق واضح . فالزخرفة من حيث الشكل تقوم على التماثيل ( السيمترية ) وتكرار الوحدات بشكل نمطى ، ومن حيث الوظيفة فإن همها هو مخاطبة البصر وتزيين المكان ، أى أنها عنصر مكمل للديكور ، أما لوحاتى فهى لا تقوم على أنماط مكررة أو ( سيمترية ) بل تتنوع وتتباين ، وإن كان يربط بينها هارمونى خطى ولونى ، أما عن وظيفتها فليست الزينة أو إكمال الديكور ، بل هى وظيفة تعبيرية ورمزية ، حيث تسعى إلى تعميق الحس الإنسانى والترابط البشرى ، وتأكيد الأصالة والصمود فى الإنسان ، من خلال هذه البيوت التى تحاول أن تتماسك وتتساند. - تتحدثين كثيراً عن الحس الإنسانى فى لوحاتك ، مع أن الإنسان غائب عنها تماماً . - تقول سوسن أبو النجا : ليس بالضرورة أن أرسم الإنسان بجسمه حتى يتحقق الحس الإنسانى ، إن جدران مدينتى وأبوابها ونوافذها ومآذنها وقبابها كائنات بشرية. إنك تلاحظ تعاطفها مع بعضها البعض وتساندها القوى كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، فإذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء . - هل تجدين هذا المعنى الآن فى مدينة القاهرة ؟ - تضحك الفنانة سوسن قائلة : لا طبعاً .. العكس تماماً هو الصحيح .. لكن الفنان لا يعكس الواقع كما هو ، بل عليه أن يقدم من خلال فنه الأصيل رؤية لخلاص الإنسان أو حلماً بذلك ولو كان عسير التحقيق ، لكنه قد يتحقق فى المستقبل. - هل تتخصصين فى رسم البيوت خلال أعمالك القادمة أيضاً ؟ - لا أدرى ماذا ستكون أعمالى القادمة ، لكن ما أثق فيه هو أن المضمون الذى تحدثت عنه - أعنى الترابط والإخاء الإنسانى لتجاوز الوحدة والأنانية والسقوط الذى يهدد مجتمعنا - هذا المضمون سيكون شغلى الشاغل ، أياً كان شكل أعمالى الفنية أو عناصرى التى سأستخدمها . - هل تعتقدين بأهمية وجود حركة للفن النسائى بمصر أو العالم العربى ؟ - تقول سوسن بثقة : ليس هناك فن نسائى وفن رجالى - هناك فن أو لا فن .. وقد استطاعت الفنانة المصرية والعربية خلال أكثر من أربعين عاماً أن تثبت وجودها ، ليس من خلال حركة نسائية ، بل بتميز إبداعها الفنى بجانب زميلها الفنان ، الذى لا شك أنه أخذ بيدها دائماً نحو التقدم ، وهذا ما لمسته أيضاً من زوجى الفنان رضا عبد السلام ، الذى أعترف بمساندته الدائمة لى .. حتى إقامة هذا المعرض .
زياد أبو لبن
جريدة الحياة
|