زينب عبد الحميد الزرقانى
- قبل منتصف القرن العشرين كانت الفنانة زينب عبد الحميد قد بدأت تضع أقدامها على مشارف الشخصية المستقلة كفنانة تجمع بين التلقائية ومنظور عين الطائر، وقد كان راغب عياد هو بحق أول من وضع التلقائية كوسيلة للتعبير على طريق الإبداع المصرى غير أن التلقائية عند قد ارتبطت بإلقاء حرية التعبير عن أحوال البشر فى الأسواق وفى الحقول فقد ألقى بفرشاته إلى الإنسان البسيط مقتربا من التراث الفرعونى والقبطى بألوان تقترب من ألوان الأيقونات . - ومن عباءته خرج كثير من الفنانين وتشير أعمال زينب عبد الحميد إلى التلقائية والبساطة التى تميز بها فن راغب عياد غير أنها شخصية مستقلة فتناولت عناصر الطبيعة دون التركيز على الإنسان أو الحيوان .
- تنفرد الفنانة زينب عبد الحميد بشخصيتها الفنية المتفردة فقد اختلفت تماماً عن كافة رسامى المناظر الطبيعية فى مصر لسببين : الأول زاوية الرؤية التى اختارتها بمنظور الطائر فهى ترى الأشياء من أعلى وكأنها طائر محلق مدقق متأمل والسبب الثانى هو التناول الموازييكى الذى تتحول فيه جميع الأشكال المرسومة إلى تفاصيل هندسية الطابع مرصوصة بكل الدقة وملونة بألوان جميلة التكوين ومحددة بخطوط سوداء واضحة القسمات مما يجعلنا نطلق عليها لفظ موازييك وكأنها قطع من الزجاج الملون المشع بالضوء واللون، فاللوحة عندها تركيبة شرقية النغمات عصرية التناول متفردة الرؤية جعلت من المناطق الشعبية ببولاق ومراكب وعوامات النيل لوحات رائعة الحسن جميلة التفاصيل ممتلئة بالإشراقات اللونية من خلال منظور فريد مما جعل أعمالها تقترب من الفسيفساء فى العصر الإسلامى بألوانه وإيحاءاته .
- ولدت الفنانة زينب عبد الحميد عام 1919 وهو نفس العام الذى ولد فيه الفنان عز الدين حموده الذى تزوجها عام 1946 وأيضا شاركها فى سنه الميلاد عدد كبير من مشاهير الفنانين مثل منير كنعان ( ميشيل داود كنعان ) ولطفى الطنبولى ومحمد حامد عويس، وفؤاد كامل والفنانة تحية حليم ويحيى على أبو حمده وإيزاك فانوس والمعمارى يحيى الزينى ـ وهى أسماء أيضا جديرة بالتقدير.
- حصلت الفنانة على دبلوم معلمات الفنون سنة 1945 ثم سافرت مع زوجها محمد عز الدين حموده فى منحة دراسية إلى أسبانيا سنه 1949 وعادا معا بدرجة الأستاذية فى الرسم سنة 1952 وعملت بعد عودتها كمدرسة بمعهد معلمات الفنون الجميلة الذى تحول الى كلية التربية الفنية 1976 .
- ساهمت هى وزوجها فى تأسيس جماعة الفن الحديث واشتركت فى معارضها بالقاهرة والإسكندرية طوال عشر سنوات.. تميزت الفنانة باستخدام الألوان المائية والأقلام الملونة كخير معين فى رسم المنظر الطبيعى وان كانت تناولت بعد ذلك عددا لا بأس به من الأعمال الزيتية ذات الأحجام الكبيرة مثل لوحة عوامات فى النيل سنة 1992 ( 260 × 110 سم ) والموجودة كجدارية بجريدة الأهرام وغيرها من الأعمال ذات الأبعاد الصغيرة أو المتوسطة، عرضت الفنانة لأول مرة فى مصر سنة 1947 بمتحف الفن الحديث بالقاهرة ثم الإسكندرية عام 1948 وبالقصر الصغير بباريس سنة 1949 ثم بينالى فينيسيا ( 25 ) سنة 1950 ومدريد وساوباولو بالبرازيل وبينالى الإسكندرية .
- واظبت الفنانة على المشاركة فى المعارض العامة ومثلت مصر فى عدد من المعارض الخارجية والمعارض الخاصة بالمرأة المصرية حيث لاقت أ عمالها كل النجاح وأصبح لها جمهورها الكبير الذى يقدر فنها فانتشرت أعمالها فى مختلف المتاحف فى مصر وفى الدول الأوروبية وأمريكا وأصبح إسمها علما على فنها ذو الخصوصية الإبداعية فهى تشغل سطح اللوحة بكل الاحترام والدقة لكل سنتيمتر .
- يرتكز فن زينب عبد الحميد على عنصرى التحديد وتقسيم المساحات..فالمساحات الكبيرة تتناقص كلما تعمقنا إلى داخل المنظر ممثله الترام القريب أكبر حجما من القاطرة التى تتبعه وبالتالى فسطوحه الملونة أكبر وأكثر ظهورا. وترى الفنانة أن الخطوط هى أساس التكوين وأنه بعد اكتمال الخطوط تصبح اللوحة جاهزة للمرحلة التالية وهى التلوين والتلوين هنا مجال لوضع الإحساس بمادة الشىء خشب أم حديد غير ذلك من خامات مثل القماش والهواء والماء و النبات.. وتقول الفنانة، أن إدراك المنظر ككل يحتاج إلى التركيز فى اختيار زاوية الرؤية .
- سألت الفنانة الكبيرة عما تريد أن توصله للأجيال القادمة قالت: لقد تتلمذ على يدى الكثير من الفنانات والفنانين كما أنه أيضا تتلمذ الكثير على يد الفنان عز الدين حموده وأنت أحد تلامذته وكلانا كان يحب العمل المتواصل فأنا لذلك أنصح الشباب بالعمل المتواصل اليومى وبذل الجهد سوف يجعل منهم فنانين كبار مع الموهبة التى هى الأساس .
- لقد أثرت الفنانة الحياة التشكيلية بفنها العظيم وبأصالتها وتفردها وظلت تعمل فى صمت وتفاجئنا بلوحاتها فى العروض الفنية كواحدة من أهم فنانات مصر المحدثين .
الناقد / مكرم حنين
جريدة الأهرام
- تحرص الفنانة على استخدام الألوان المائية والاقلام الملونة فى رسم لوحاتها . وتختار المناظر والمشاهد من الريف والمدينة لتكون موضوعا لعملها. وتتميز لوحاتها بالخطوط القوية المتحركة والمملوءة بالحيوية والعنف. - وهى غالبا تختار زاوية `عين الطائر ` تطل منها على المشاهد التى ترسمها، وهذه الزاوية من الرؤية تذكرنا بطريقة الفن الإسلامى فى رسم المناظر الطبيعية والخرائط . انها تشدنا لتأملها ومتابعة مواطن الجمال والحيوية فى رسمها . - تنفرد الفنانة الكبيرة زينب عبد الحميد الزرقانى بشخصيتها الفريدة فى تصوير المنظر الطبيعى. أما أهم هذه السمات فهى التعامل مع جميع الأشكال المرسومة بالخطوط الرأسية والأفقية بزاوية تقترب من تسعين درجة. ولكن اللون أيضا يخضع لمعاملة من نوع خاص فنجد الألوان القوية الصريحة فى المقدمة بينما الألوان الهادئة والمتنحية تملأ المساحات الصغيرة بين الخطوط الرأسية والأفقية هذا التناغم المنظورى الطابع هو أهم سمات شخصية الفنانة زينب عبد الحميد التى تختار دائما زوايا جديدة على رؤية المنظر الطبيعى فأحيانا تنظر الفنانة الى المنظر الطبيعى من عين طائر أى من مكان أعلى من مستوى النظر بكثير وفى أحيان أخرى تنظر الى المنظر الطبيعى من زاوية موازية لسطوح المنازل لتكشف لنا عن الأفق البعيد رغم وسائلها الفنية المعاصرة إلا أن هناك كثيراً من القيم الأصيلة لفن تصوير المنظر الطبيعى موجودة بالفعل مثل الإحساس بالفراغات بين الاشكال والمسافات والتنوع . - وفى معرضها بخان المغربى تعرض الفنانة إبداعاتها الفنية على مرور الزمن تناولت فيها الأحياء الشعبية والأسواق وكل موضوعاتها فى المنظر الطبيعى تلتقى برؤية حديثة للغاية مع بيوت البشر المتكاثرة المتساندة والمتداعبة - القائمة والمتهالكة فى تعاطف فنى إنسانى مع عالم الإنسان البسيط فى ابوالعلا وامبابة وغيرهما حيث تتحول كآبة الحوائط والدكاكين الى علاقات تجريدية هندسية وتراكيب مكعبية بالاضافة الى حرارة الألوان وتدرج اللون وتظل الخطوط الأفقية والرأسية فى صراعها مع الوجود التعبيرى للشكل هى العلاقة البارزة فى أعمال هذه الفنانة الكبيرة .
نغمة مشبعة بالبهجة والطزاجة - يأخذنا أسلوب زينب عبد الحميد إلى خصوصية ما،فطريقة ترتيبها للتفاصيل فى مقاطع تذكرنا بالزخارف العربية على الخزف وأيضا بتذكارات التطريز الفارسى. - إن هذه المائيات تولد نغمة مشبعة بالبهجة والطزاجة فالدرجات اللامعة من الألوان مثل الأحمر الزاهى أو الأصفر الليمونى تؤكد وجودها بما تشعه من ضوء. ولكن طابع زينب عبد الحميد الخاص يوجد أساساً فى المشهد الذى تقدمه لنا من منظور عصفور محلق، وهنا يغلب على اختياراتها المشاهد الضخمة الواسعة التى توازنها بمعينات محددة بقوة تدعمها مشاهد يتحرك فيها بشر فى زخم خطوط تتكاثر.. والواقع أن هذا الملمح الأخير جعل الفنانة تحد مبكراً جداً من رسم الوجوه، وربما لا يكون هذا الإختصار دائما ضرورة يفرضها التشكيل فى العمل. - فى مجموعة ` بورتريهات ` المدن، ضمن أعمال أخرى، تلعب زينب بطلاقة بالاعتناء بالتفاصيل فى إطار ما يمليه الشكل الكلى للوحة. وهذه البراعة التى تتميز بها تساعدها على توليف نغمات لونية متباعدة بإضفاء مسحة مخملية عليها، تذكرنا بماتيس . - أعمال زينب عبد الحميد تكشف لنا أساساً عن سحر الرسم الذى يعيد إلى الذهن الجماليات عند دوفى، خاصة فى جانبها التصويرى، الذى نجده محدودا عند زينب. - إن هذه المائيات تتخطى دائماً، بما تصبو إليه، الإطار البسيط لتصوير مشهد من سوق أو `بورتريه ` لمدينة. لكن الحدود الجديدة التى تقترحها الفنانة لأعمالها نراها مدفوعة فى تطورها بالأساليب التقنية . يمكننا مثلاً أن نرى هذه الملامح فى تكرار بعض التقاربات وبعض الخطوط الرئيسية التى تحيط بها الفنانة عادة تكويناتها. نرى كذلك هذه الملامح فى الموازنة الجيدة التى تحدثها الفنانة بين الهيكل القوى فى اللوحة والأسلوب الذى تطوى به بنية الخطوط التى تنسج التفريعات فى كل جزء من اللوحة. - أخيراً نلحظها فى هذا الجهد الواضح للتوفيق بين ما قد ` أنجز فعلاً ` وبين الكشف الخاص بكل محاولة جديدة . - يصبح علينا إذاً أن نعترف بالمهارة التى تقود زينب عبد الحميد فى تجارب كهذه أيضاً، لابد أن نعتبر الطريقة التى تنأى بها هذه الفنانة عن الرتابة والتصنع والتكرار. تبقى هنا وفوق كل شئ، سعادة غامرة تجدها زينب فى ` لعبتها `.. سعادة تكسب تجاربها الأكثر نجاحاً، أصالة خاصة.
بقلم : إيميه آزار
حالة شرقية من الصخب التعبيرى
- استطاعت الفنانة برؤيتها المتميزة أن تنفرد من بين فنانى مصر جميعاً، برؤية شرقية، شديدة الارتباط بإيقاعات الزخارف `العربسكية` فى السجاجيد والأنسجة ورسوم الكتب وزخرفات هوامشها. استحضرت روح التركيب المتنافى، الذى لا ينقطع أو ينتهى فى الفنون العربية الإسلامية، من دون أن تتقيد بعناصرها التراثية المباشرة، وإنما أخذت الإيقاع والحس فحسب، لتؤلف من خلال رؤية واقعية معاصرة للشوارع والحوارى والأزقة والمقاهى والأسواق الشعبية، لا يمكن إزاءها أن نتوقف أمام جزء محدد من اللوحة، أو نتبين عنصراً رئيسياً محورياً للتكوين، وإنما تواجهنا حالة من التعبير الساخن الصاخب، يتساوى فيها أن تجئ تصويراً لبيوت وأزقة، أو مقاهى وأشخاص وموائد، فالعناصر هنا وسائط متساوية الأهمية والقيمة، مهما تعددت أو تباينت، تستخدمها، أيا كانت، فى تأليف `عوالم` صاخبة الإيقاع، ساخنة التعبير.
- والواقع أن الفنانة `زينب عبد الحميد `عبر تجربتها الفنية الطويلة، التى امتدت عبر ما يزيد عن خمسة وأربعين عاماً، استطاعت أن تبلور لنفسها أسلوباً فنياً شديد التميز، جمعت فيه بين الوعى العالى بقوانين بناء العمل الفنى، ومفهوم الصياغة التجريدى للأشكال، والروح الشرقية التراثية فى تناولها، وطلاقة الفطرة، حين تتاح للأشكال أن تتزاحم وتتكدس أو تنفرط وتتناثر، كيفما شاء لها ذلك، وللخطوط أن تتقاطع وتتشابك وتنهمر فى تدفق على السطح، وللألوان أن تتوزع منتشرة بتعددها لتغطى العناصر والأشكال جميعاً، فطرة متحررة من صرامة القصد وبرودة الضبط الهندسى، وحدة الحساب الرياضى المحكم، فطرة هى المعادل للحرية وللصدق معاً، برغم أن الأمر لديها ليس متروكاً للمصادفة، وإنما تخضع الأشكال والعناصر لقوانين الاتساق والتناسق والتوازن، من دون أن تحاول قسراً أن تجعل الأشكال تبدو فطرية كرسوم الأطفال، كما فعل `ديبوفيه ` مثلا، أو `بيكاسو ` فى بعض تناولاته للأشكال، وإنما تركت الفنانة لأدواتها من دون تقييد، فى فرح بالعناصر المتعددة التى تتساوى فيها الشخوص بالأبنية والعربات والموائد والأبواب والنوافذ، فرح يتحول إلى تدفق تعبيرى، حينما تنتظم العناصر فى صياغات غير مجهزة سلفاً، تبدأ فيها من نقطة على السطح، وتتحرك منها فى كل الاتجاهات حتى تملأه بالتفاصيل الدقيقة، التى تؤلف فى مجموعها رؤيتها الخاصة ذات القانون البنائى الخاص، الذى لا يخضع لقوانين بصرية متعارف عليها، فهى تصنع مثلاً إيهام بالبعد المنظورى، ولكنه ليس ذلك الايهام البصرى الأكاديمى، الذى يحكم الأحجام والمسافات ودرجات نصاعة اللون أو خبوه، وإنما تبدو الإيهامات بالبعد المنظورى تارة من أعلى، وهو ما يسمى بمنظور عين الطائر، أو من أسفل وهو ما يسمى بمنظور عين النملة، أو من الأمام وهو المنظور التقليدى الشائع، أو تجمع ما بين الثلاثة معاً، كاسرة بذلك منطقة تسجيل المناظر التقليدية .
- لقد خلقت ` زينب عبد الحميد ` منطقاً خاصاً بها، يجعل الأشكال جميعاً متساوية فى القيمة على السطح، ومؤثرة بالقدر نفسه فى البناء العام للوحة، وقد أفاد ذلك من التحرر من سر القوانين البصرية الصارمة فى جعل الأشكال جميعاً، فى حالة توتر شديد، كأنها مبنية فوق زلزال مستمر، توشك أن تتحرك، أو مرتجة فى عنف، لا يستقيم فيها خط رأسى على الأفق، وإنما تتمايل الخطوط فتكاد أن تهتز معاً، وذلك بالطبع لا يجئ عفواً، وإنما يصنعه قصد متقمص لحس أقرب إلى الفطرة أو استحضار العفوية لإعلاء التعبير، وهو أمر فى الفن شديد الصعوبة والخطورة معاً، لأنه إن لم يجئ نتاجاً للوعى وامتلاك الأدوات، بدا عبثاً وادعاء، وهو ما تجاوزته الفنانة بكثير .
فاروق بسيونى
- تخرجت فى معهد الفنون الجميلة عام 1945 ثم فى أكاديمية سان فرناندو بمدريد أسبانيا- عام1952 وأقامت العديد من المعارض الفردية فى مصر وأوروبا وأمريكا كما شاركت بنشاط ملموس فى تمثيل الفن المصرى فى معارض وبيناليات دولية هامة وأعمالها ضمن مقتنيات متحفية وخاصة فى مصر، أوروبا وأمريكا. وظلت تعرض أعمالها حتى توفيت فى القاهرة عام 2002 .
- تمكنت الفنانه زينب عبد الحميد من بلورة أسلوبها المتميز بين أقرانها من الفنانين المصريين وهو أسلوب يتمتع باستقلالية كبيرة عنهم وعن زوجها الفنان الكبير عز الدين حمودة، وذلك يدل على قوة وعمق شخصيتها الثقافية والفنية، ومنهجها الجمالى ذى النزعة التأملية الشاعرية فى تغليف الواقع المكتظ بالعناصر المتباينة بحالة من التوافق الإيقاعى ، إذا تترجم الزحام والفوضى إلى نظام متألف شرقى السمات ، كالسجادة أو النقوش الأرابيسكية التى تعتمد على تكاثر مفردات بسيطة فى بناء هارمونية بالغة التعقيد والإيحاء الحركى وهى فى ذلك مثل هذا الصنف من المخرجين السينمائيين العباقرة الذين يعتمدون على قدرتهم فى تحريك الممثلين مع كل المرئيات المحيطة بهم إلى مشاهد ملحمية، لا تعمد على تمثيل الأبطال ولا على مميزاتهم الشكلية التى ألفها الجمهور، ولكن على طبيعة التركيب والحركة والإيقاع البصرى، فهى تصور الجالسين على كورنيش النيل بالقاهرة والمارين فى الأسولق الشعبية والحوارى والشوارع المزدحمة بالمركبات، بمثل ما تصور المراكب الشراعية على صفحة النيل.
- تفكك العناصر بنوعياتها المختلفة وتحليلها إلى شظايا أولية ثم تعاود وصلها بصورة تقريبية ليصبح لكل خط ولكل لمسة لونية أهميتها فى البناء الكلى للوحة، فى تجاوب مع توزيعها المسيطر على المجموعات اللونية المتداخلة التى غالباً ما تترك محيطات بيضاء حولها، فإن أغمضنا أعيننا الى حد ما حين النظر لأعمالها، تتبدى لنا حالة تأثيرية من اللون والضوء، وعندما تتفتح حدقة العين نراها تبعد بمسافات شاسعة عن فنانى هذا الاتجاه الخصوصية الأخرى المميزة لأعمال هذه الفنانة هى اختيارها لزاوية المنظور فى كل عمل، فمنها ما تصوره من منظور عين الطائر العلوى أو المنظور المستوى أو الايزوميترى المائل بشدة
.... كما يلعب الخط دوراً مهيمناً إلى جانب اللون فى تحديد عناصرها المتشرذمة وتجميعها وتوحيدها.
بقلم : د. مصطفى الرزاز
من كتاب الفن المصرى الحديث
زينب عبد الحميد ومنظور عين الطائر
- الرسامة زينب عبد الحميد نموذج فريد بين الفنانات المصريات لم تسع قط إلى الشهرة التى يقتتل عليها غيرها ممن لا يمتلكن موهبتها وثقافتها . وظلت ملتزمة بالعمل الدءوب الصامت لسنوات طوال . لكن يبدو أن زحام أنصاف الموهوبين الذين استطاعوا فى غياب حركة نقديه مستنيرة أن ينهبوا من مساحات الضوء ما هو حق لغيرهم قد أجبرها - مؤخرا - على أن تدافع عن موهبتها فأصدرت كتابا فاخر الطباعه عن دار المستقبل العربى . يضم لوحات تشهد بتميزها بين الأخريات . وضم الكتاب تعليقات لبعض الفنانين والنقاد المحترمين من مصريين وأجانب ، أمثال : إيمى آزار وعلى كامل الديب و كارلوس أريان ، وأشرف على إخراج الكتاب الفنان أحمد اللباد .
- موضوعها المفضل
- اختارت للوحاتها `جميعا ` موضوعا واحدا هو موضوع المنظر البيئى . وتجولت من أجله بريشتها فى بلدان ومواقع فى الشرق والغرب . وتألقت بصورة خاصة ، فى اللوحات التى استلهمتها من البيئه الشعبيه المصريه وبالتحديد أحياء منطقه الحسين وأسواق الخضار والفواكه واستطاعت - بدقتها وحساسيتها المرهفه - أن تخلق من زحام الواقع العشوائى ما يشبه النسجيات الشرقيه وما يشبه الأسطح الفسيفسائية العربيه وما يذكر بمشاهد الزجاج المعشق ، وهى لاتندمج فى وصف المشهد الواقعى اندماج الرسامين المستشرقين . بل تحرص على أن تطل على المشهد الذى تنوى استلهامه . من علٍ - أو ما يسمى اصطلاحيا بمنظور عين الطائر.
- وهو منظور يسمح باتساع المجال المرئى كما يسمح بالتأمل الهادئ للجزئيات وتفاعلاتها المتنامية . فى لوحه مائيه بعنوان (من نافذتى فى مدينة مدريد ) تشعر وكأنها استضافت كل مشاهد المدينه المعماريه على مسطح اللوحة ، عبر شرفتها ذات الموقع الكاشف والمميز .
- وهى لاتلتزم التزاما حرفيا بمنظور الطائر لأنها لا تحرص على ` نقل ` الواقع بل هى تعيد صياغته وتبثه ما سكن فى نفسها من آثار عشق للموروث الفنى الاسلامى ، والشرقى عموما . وهى لا تحتفظ من المشهد البيئى الا بصفه واحدة هى صفه الزحام ، لكن شتان بين زحام الواقع وصخبه المنفر وزحام فسيفسائها المشرقه.
- ملامح خاصة
- فى أسلوب كل فنان ما يدل على شخصيته بقدر ما يدل على مثيراته الجماليه التى تأثر بها . ولأن الفن الحديث قد أعطى شرعية للزهد فى نقل الواقع لهذا ترجح - فى كثير من الأحوال- الصفات النفسية للفنان التى تتجلى فى شكل الخطوط والألوان و الدرجات الضوئية والظلية وما ينتج عنها من نسيج جمالى معبر . نلاحظ غلبة المنحنيات الخطية - الرخوة و العصبيه - عند أغلب رساماتنا بينما تفردت زينب عبد الحميد بخطوطها المستقيمة النشطة التى تظنها ، للوهلة الأولى ، قد رسمت بالمسطرة وما أن تتفرسها حتى تكتشف عفويتها وتلقائيتها وبراعة صاحبتها فى آن واحد . وهى تشكل تلك الاستقامات الخطية نسيجا دقيقا ، ل يبخل بفراغات بينية تسمح بتلقف لمسات موجزة ومحكمة تشير إلى مثيرها الجمالى الواقعى ،( كما فى اللوحة التى سبق ذكرها) فبلمسات قصار أوحت بهيئة جبل يطل على المدينة من بعد دون أن تفرط فى الوحدة الجمالية المجردة للنسيج اللونى . إن ألوانها تتسم بالوسطية التى تلطف من صراخ الاألوان وصراحتها ،. لهذا تشرق أسطح لوحاتها بالنشاط واللطافة والمسرة المهذبة ودفء العجالات وحيويتها . وقد نجحت -كما سبق الإشارة - فى تنقية دمامة الواقع فى لوحات تألقت بنسيج لونى رائق ورائع .إن لوحاتها تبدو حتى لمن لا يعرف سيرتها الذاتية منحازة إلى ميراث الشرق المسلم قدر انحيازها إلى البيئة المصرية .
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال سبتمبر 1998
|