فتنة الجمل
- تشبه الأعمال التى أبدعها مصطفى ..كدبيب خطوات رحالة متجول وحيد على درب ضيق ينساب حوله تيار عالم لا نهائى ، لكنه لا يهتم إلا بجزء صغير منه ، وذلك الجزء الذى يسترعى إنتباهه قادر على أن يقوم بدور المرآة التى ينعكس على صفحاتها العالم دون ما حاجة إلى إيقاف سريان تياره .
- هذا الدرب هو استخدام وحدة أساسية واحدة : تشكيل جزء من العالم تتجمع كل خيوطه الموارة بالحركة فى نقطة واحدة هى صورة الجمل ، صورة تنقل للمشاهد تداعيات عديدة متنوعة ، من خلال تحليل الشكل الطبيعى للجمل ، بما فيه من مرونة ، ومظاهر جمالية حرة .
- تغير نقطة الرؤية ، وتحوير الخطوط ، وتبدل الألوان والإضافات والتحولات تخلق فى اللوحة عالم من اللعب ، عالم إختراع الأسطورة ، عالم لا تحكمه قواعد من أى نوع ، ولا تحده أطر أى أسلوب لأن القواعد والأطر غير لازمة له .
- إن الحوار مع العالم يمكنه أن يكون عقلانياً ، أو قد يتجاوز حدود ما يفهمه العقل ، إنه نوع من ( النزعة التقليدية ) إنه تركيب مكون من تجارب فنية ( مميزة للقرن العشرين ) إنه رسم تلك التجارب فى صورة لعب .
- بداء خلق أسطورة الجمل ، من برنامج لا سريالى ، وإذا إحتكم المرء إلى وعيه لأمكنه أن يميز ما فى التكوين فى بناء أصيل ، مؤسس على عناصر واقعية غير معتادة ، ذات تصميم مُخلق غريب ، تسيطر فيه المفاهيم المتناقضة بحيوية على القوالب الفنية .
- تؤدى العقلانية فى تفسير الفكرة إلى ضرورة تأسيسها ذاتياً فى بنية رمزية ، حيث يبلغ الفضاء ذروة التجريد ويختزل إلى سطح مستوى أو إلى إيقاع فى الخطوط الخارجية للشكل ، حيث يمكن قراءة الشكل الظلى ` السيلويت ` للجمل كرسم معين ، أو كحرف هيروغليفى ، فى محيط من الألوان التجريدية .
- تنطلق الأسطورة أنطلاقاً حراً عندما يتواجد فيها ` الرمز ` مع تجسيده الزخرفى فى آن واحد ، ففى تلك الحالة لا يوجد ما يستدعى الدهشة والإستغراب ، ولا محاولات فرض المغزى تعسفياً .
- توجد فى الخلفية محاولات فى مجال تنظيم بنية اللون على الطريقة الوحشية المتحررة من قيود التقليد و ` طرطشات ` تعبيرية من الخطوط والنقط ، هناك ببساطة وجود فى الفراغ ، وجود خيالى وواقعى فى آن واحد ، بعمل مركب من الحيل الفنية القادرة على مواصلة الحفاظ على غرابة التنويعات على نفس الفكرة الرئيسية ، وهى حيل قليلة ، مختارة بل ومنتقاه ، لا لكى يوسع من نطاق إمكانيات الإرتجال ، بل ليصل إلى حد معين من السيكولوجيزم ( التفسير النفسى للأحداث ) .
- ويتجلى سر الأثر الذى يتركه الدمج العضوى بين البنيتين الزخرفية والمفاهيمية فى بساطة الشكل ، والتى تزيدها تفاصيل درجات اللون والظلال ثراء .
- تبدو تلك الصور / المجموعة بأكملها / كما لو كانت تأخذ الجانب المقابل للجدية ، كما ان ذلك التأكيد على اللحظات غير الجادة ، اللعوبة ، ذات الصلة بالـ ` أسطورة ` يشكل فضاءً حيوياً من فضاءات الفن الحديث ، عندما يتعلق الأمر بالأنتقاء وبناء الأخيلة ، وليس بالسعى الشاق بحثاً عن الحقيقة .
- إن الـ ` أساطير ` التى خلقها مصطفى تفتننا بدرجاتها اللونية والظلية الوقورة وتناقضاتها الظاهرية ، المغلفة بقشرة رقيقة من المغامرة الذهنية .
اكسانا بارشينوفا
ناقدة تشكيلية أوكرانية