- يعتبر فن الخط العربى فنا إسلاميا خالصا. وهو يعبر تعبيراً قويا متوازنا بين الجمال و المنفعة وبين الحرية و الضرورة و الروح و المادة - ذلك التوازن الذى يعبر بقوة وجمال ليس عن الرؤية الشرقية للفن بل عن علاقة الانسان الشرقى بالعالم . حيث أن المعرفة هى نوع من التوحد مع الطبيعة . وقد وصفت ذلك المفكرة المصرية الكبيرة الراحلة ابكار السقاف حين قالت ( هى نفس صفت بنفسها . فكانت النتجية الحتمية إشراقها بنور مصدرها ) .
هنا تولد المعرفة باتصال الانسان بالفطرة السليمة . هكذا بدأ الخط العربى رحلة التجويد فطريا وعلميا ودينيا فى آن واحد . على اساس ان الكون كله هيكل هندسى رياضى البناء - ومن هنا فقط يمكن لنا ان نطالع هذا الفن الرفيع الذى تطور ونما بتطور ونمو الفكر العربى و الاسلامى حتى وصل الى ذروة رفيعة مازالت قياسا صعبا . فنحن أمام هندسة كجزء من رؤية رياضية للعالم و للوجود ناتجة عن التوحد و الامتثال و الحرف العربى لايعرف الخط المستقيم ، بل المنحنى مثله مثل حركة الاجرام السماوية وتتحد حركة الخط الاسود على السطح الابيض بحركة اليد اليشرية فى ميلها منحنية ومتسقة مع حركة هندسية كبرى . وكذلك المسافات بين الحروف وعلاقة الكتلة بالفراغ او الفارغ الملىء.
انه فن لايعتمد على الزهو الطفولى لغرور الموهوب . بل هو الامتثال الناضج لجلال صاحب الرسالة وهذا الفن جدير بان يحتل مكان القلب فى فنوننا المعاصرة فهو قياس رفيع للرؤية الفنية و الفلسفية فى الشرق . وهو بوابة عبور شرعية الى الفنون المعاصرة .
- رائد مصرى عملاق من رواد هذا الفن هو المبدع الراحل محمد ابراهيم الذى انشا مدرسة تحسين الخطوط بالاسكندرية عام 1936 وكان عمره حينذاك ستة وعشرين عاما فقط . ان تاريخ هذا الفنان الكبير بحاجة الى تدوين .ولعل ذلك يكون سبيلاً الى التقرب من هذا الفن الذى يبتعد عنا او نبتعد عنه كلما ابتعدنا عن انفسنا .
ثروت البحر