عبادة محمد إبراهيم الزهيرى
رآى النقاد
- اللون هو السمة الاساسية فى اعمال الفنان التشكيلى ` عبادة الزهيرى ` فهو يعزف باللون بالرغم من خطورة ووعورة هذا الطريق عندما يكون اللون هم صاحب الحق فى التعبير وينفرد بالعزف بمفرده- حتى يصبح هذا العزف هو العنصر الدرامى والحقيقى فى اللوحة واللون يقوم بالدور الاساسى فى العزف داخل هذه المساحة لكى يعطى مساحة اكبر فى السيطرة العامة على اللوحة .
- فاللون عند الفنان عبادة هو تنغيم لأثراء لحن يذوب داخل اللون الذى يحاوره فى صراع متكامل بين اللون والعناصر الاخرى المكملة للبناء الفنى .
د / صالح محمد رضا
غوايق الكتلة واللعب بالألوان
- تجسد لوحات عبادة الزهيرى بكتلها المتزنة وألوانها البراقة وشحناتها التعبيرية الموحية طاقة مختزنة للحياة ، تنطوى على انفعالات ومشاعر وعواطف إنسانية ، تذهب أبعد مما هو مرئى ، بل تحلق فى بعض اللوحات إلى مناخات روحية ذات نكهة صوفية حميمة .ويشكل اللون بانبثاقاته المباغتة الخاطفة محور إيقاع التكوين ، ويمتد فى جسد الكتلة حتى يكاد يغطيها من أسفل لأعلى مانحاً السطوح والأشكال إحساساً شفافاً بخروشة النور.
- بينما تتراءى اللوحات وكأنها ابنة أفكار مجردة ، تفرزها طاقة الحلم والذاكرة معاً، لا منطق فنياً يسيجها فى محتوى محدد ، فدائما ثمة معانٍ ورموز خفية ، تتخفى فى طبقات التكوين وتحت قشرة الألوان ، موحدة الأمام بالوراء ، الشكل بالخلفية ، وكأنها تنبىء عن أشياء تخص الروح ، فيما تغلف الألوان الفكرة وتشدها بتدرجاتها المتجاورة والمتضادة وشحناتها العاطفية الأثيرة إلى عالم جوانى يموج بالصخب والسكون ، مختزناً فى ذاكرته أطيافاً من أجواء الطفولة ، وخبرة وجود حياة ، يتفاعل فيها الحسى واللونى والتشكيلى والشعرى والموسيقى .وتومض فى اللوحات ملامح للأنثى معجونة فى الطبيعة ، وأحياناً تأخذ شكل الخرافة والأسطورة ، بيد أنها ملامح شبحية ، مشوشة ومطمورة فى غلالات الألوان ، وضربات الفرشاة ، وكأنها حلم مراوغ ، يفتش عن ولادته وماءه الخاص فى اللوحة .
- لا ينشغل الفنان باللوحة كإطار ، وإنما ينشغل أساساً بشاعرية اللون ، وتناظراته الموسيقية الخلابة المفتوحة على براح الطبيعة والكون ..هناك همم يكاد يكون طفولياً ، مشغوفاً بالبحث عن اللامرئى الغامض المجهول ، فى المرئى الماثل بتداعياته الواقعية ، فاللوحات تبتكر نفسها بقوة الشعور والغريزة معاً ، وقوة الإحساس بالتعبير عن الداخل ، وكأنه مرآة للخارج ، تلتقطه بعبلة ومشاعيته وفوضاه ، وتقطره فى مصفاة الذاكرة والأحلام، ليستعيد انسجامه الخاص جسداً وروحاً، فى مشهدية بصرية يمكن التفاعل معها وقراءاتها بسلاسة باعتبارها الصورة الأنقى ، الأكثر نضجاً وحرية للعاطفة والوجدان فى متاة الواقع .
- لا يقترن اللون بالمعرفة أو الرمز فحسب ، وإنما يرقى فى الكثير من لوحات المعرض إلى أن يشكل لغة بصرية خاصة بمخيلة الفنان نفسه ، تهضم المحسوس بتلقائية شديدة ، وتخيلة إلى معزوفة بصرية شيقة ، تضع عين المشاهد فى علاقة مثيرة بين المحسوس نفسه فى حضوره الشائع العام ، وبين المتخيل كمغامرة جمالية لها سياقها الخاص ، تحفز دائما على التأمل والتفاعل الحى ، ومحاولة الذهاب إلى ما وراء العناصر والأشياء ،وسبر الفجوة بين الظاهر والباطن ، بين الوعى واللاوعى ، فى مساحات الفراغ ، وإيماءات النور والعتمة داخل نسيج العمل الفنى .فى الوقت نفسه ، نحس بنكهات كثيرة اللون فى اللوحات ، تختلط وتتقلب ما بين وهج النار ورقرقة الماء والهواء ، كما نحس بزهد وسكونية التراب .. إشعاعات حانية ، براقة ، ساخنة ، من الأصفر والأحمر والأزرق الزهرى والبنى والنيلى ، والأبيض الشاهق أحياناً ، والمخفف بمسحة رمادية أحياناً أخرى .
- تتحرك الألوان بتضاريسها السميكة والخفيفة على مسطح الكتلة وتتناثر فى العمق وعلى الأجناب وفى الخلفية ، على شكل ضربات مرتجلة خاطفة بالفرشاة ، وأحياناً تأخذ شكل أقواس وخطوط لها وقع رنان ، منظمة وموجهة بعناية ، لإحداث التوازن بين نسب وزاويا التكوين ، وبين السطح والفضاء الخارجى ، كما لا تخلو هذه المنظومة اللونية من تدرجات مشغلولة برهافة بين الظل والنر.. أيضا اللافت هنا ،أنه حين تتكثف الألوان فى دكنتها وتتداخل طبقاتها فى بقعة محددة ، تعطى انطباعاً بأنها تفسح مجالاً لشكل ما ، قابع فى العمق أو فى الخلفية ، كى يتنفس ، ويطفو بحيوية على السطح ، ويحرص الفنان فى بعض اللوحات على أن يعطى هذه الشكل ملمساً واقعياً ، بل مرحاً أحياناً . فيطعم أطراف الكتلة من الأعلى أو الأسفل بشريحة من الكولاج لوجه بشرى واضح الملامح والقسمات ، مخترقاً بذلك صلادة الكتلة ، ولتظل الرؤية ابنة الحقيقة والخيال معاً ، تستند على الكثير من طقوس ومظاهر الطبيعة ، لخلق مسارات ووشائج جمالية بين الضوء والعتمة والسواد والبياض ، وفى الوقت نفسه ، محاولة خلق حوار خاص ودائم بين الفنان والطبيعة ، فثمة إحساس بالغيوم والسماء والطيور ، يتجسد فى المساحات اللونية المخففة الشفيفة فى بعض اللوحات ، وثمة إحساس بروح الغابة ونسيج الأشجار والغصون المتشابكة الملتفة على بعضها ، وكأنها هيكل أنثى تبحث عن عناق حار منفلت من قيود الذات والزمن وتراكمات الواقع . أيضا ثمة لعب خاطف على فكرة القناع ، وكأنه تموية على حالة ، أو لقطة ، أو ذكرى حميمة ،مستترة أو مقموعة فى طوايا العلاقة بين الذات والموضوع .
- فى كل الأحوال ، نحن أمام فنان لدية خبرة عميقة فى اللعب بالكتلة واللون ، والقدرة على أن يحتفظ كل منهما بتماسكه وجوهرة الناصع ، فى أقصى لحظات التشتيت والبعثرة فوق سطح الصورة .
بقلم : جمال القصاص
من مطوية عبادة الزهيرى 2019
عبادة الزهيرى يقدم لنا فى هذا العرض مفاجأة حقيقية تتوج تجربته التى بدأها منذ أكثر من 25 عاماً ، وفى هذه المرة قدم إنجازاً هاماً بالنسبة لمحاولة البلورة للإشكالية الجمالية ، وقد لاحظت إنه استطاع أن يقدم مشروعاً حميمياً بين الخط واللون والكتلة والفراغ وبين الفواصل التى تربط الأضواء ببعضها وجدت أن علاقته بالضوء ازدادات حميمية وأقصد بالضوء اللون الذى حوله من لون كيميائى إلى ضوء أثيرى ويمتاز أيضاً بخاصية معينة بالرغم من الأخطار التى يمكن أن ينجم عنها مثل هذا النوع المبتكر الحديث المتمثل فى التجريد التعبيرى وهو أرفع أنواع الفنون التجريدية التى تعنى أساساً بشحذ وشحن الخط بقيمة تعبيرية عالية وليس مجرد خط وإنما حس ومشاعر وعواطف وانفعالات وأيضاً تكريس مشاعر وانفعالات خاصة داخل اللون وبالذات الألوان الساخنة التى تميزت بها أعماله ، ونحن حينما نلقى نظرة عاجلة وسريعة على أعمال عبادة نشعر بأننا فى حالة دفء وينعكس على المتلقى من خلال نسيج الألوان والنسيج الخاص بالمسافات المكانية والزمانية بين العناصر الموجودة على صفحة أعمال عبادة الزهيرى.
بقلم الفنان / أحمد فؤاد سليم
أكتوبر 1996
|