ملتقى الأحجار .. بين مختار ومختار
- فى رحاب متحف محمود مختار تتداعى الأفكار وتتألق إبداعات المثالين الذين يستنشقون رائحة الأحجار ويتأملون بعمق كيف شكل رائد فن النحت الحديث فى مصر محمود مختار تماثيله المصرية الأصيلة التى تحمل معانٍ إنسانية وتعبيرية دالة على الوطن والمجتمع الذى عاش فى وجدان مثالنا الرائد، واليوم نعرض إبداعات المثال مختار محمد كمال النادى من مواليد العام 1964بمدينة السنبلاوين - دقهلية ، والحاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم النحت جامعة المنيا العام 1988 والدبلوم العالى فى النقد الفنى من أكاديمية الفنون العام 1994 - وماجستير الفنون الجميلة قسم النحت جامعة حلوان العام 1999 - ودرجة الدكتوراه فى فلسفة الفنون الجميلة فى مجال النحت الميدانى جامعة حلوان - ويعمل مدرساً بكلية التربية النوعية جامعة المنوفية، وشارك فى المؤتمرات الثقافية بكلية الفنون الجميلة بالمنيا الأعوام 1985، 1987، 1988 - وصالون الشباب فى دوراته الأولى العام 1989 والثالثة والرابعة والخامسة، وحاصل على العديد من الجوائز وأهمها جائزة المسابقة الخاصة بمناسبة العيد المئوى لميلاد محمود مختار العام 1991. والمثال مختار يعيش عالم الجسد فى بناءٍ أسطورى أحياناً وواقعى أحياناً أخرى، ففى تمثاله `الجالس1999` يؤكد مختار على التفاصيل التشريحية المشدودة والمبالغ فيها فى منطقة الأكتاف ليظهر قوة الإنسان -العضلية- بالرغم من سريان الخطوط وبساطتها فى غياب التفاصيل فى منطقة الساقين المشدودتين كأنها سحبت معها أنسجة الجسم فى -رشاقة البناء- إلى أطراف القدم الملتصقة فى كتلة واحدة كأنها مولودتان تحت جلد واحد ، ويتخذ المثال هنا منجهاً شمولياً لرؤيته للجسد كبناء قوى متحد ومتوازن بينما الرقبة تحمل الرأس -الثاقبة النظرة والاتجاه- قائمة بين الكتفين فى شموخ وهدوء فى نفس الوقت قد لا تتكافأ مع شدة الذراعين الممدودتين مع جذب الركبتين إلى الداخل فى احتواء إنسانى يذكرنا بجلسات الفلاحين على المصاطب أمام بيوتهم .. وهو الوضع الذى يضم الجسم فى عقدة وربطة واحدة يرتاح لها الجسد فى حميمية مطلقة وطبيعية .
أما التمثال الذى نحته مختار من الحجر الجيرى والذى يزن عدة أطنان فهو لوجه مثالنا العظيم `محمود مختار1891 - 1934` وعندما شاهدت التمثال فى بداياته شعرت بعظمة المثال عندما يقتحم هذه الأطنان الحجرية ويفتتها قطعة قطعة بأنامله من خلال رؤيته الفنية ليشكل لنا ملامح شخصية (رمز)، المثال مختار الصغير لا يبحث عن الملامح المميزة لوجه مختار فقط بل يبحث عن بناء شخصيته الإنسانية قبل الإبداعية .. وببراعة استطاع مختار الصغير أن يستخلص من الكتلة الحجرية الكبيرة المكعبة وجه مختار وجسد قوة شخصيته وكأن رأسه منبثقة من جبل حجرى خشن، مع نعومة وجهه، وهذه الحالة من التباين الملمسى أضافت بعداً جمالياً وعلاقة تبادلية متزنة ، وحركة الضوء تضفى شفافية وظلالاً ساحرة وطاقة كونية فى الفراغ الآتى إليه كأنها علاقة أبدية بين جثمان محمود مختار الراقد فى المتحف وبين توهج مشاعر المثال مختار الصغير ، فالعلاقة تكمن فى ذاكرة ووجدان المثال الذى عاش فكرته واختزل ذاكرته البصرية فى الوجه المشرق الذى يتوسط حديقة المتحف الآن فى انتظار استقبال رواد المتحف وعلى وجهه تلك الابتسامة المكبوته أو الترقب المستتر، أو كأنه يطرح علينا أفكاراً وأسراراً لم نعرفها بعد . ويتميز هذا الملتقى الذى بدأ بتسعة مثالين -بالتنوع- فى الأساليب والاتجاهات، فمنهم التجريدى الهندسى والتجريدى التعبيرى والتشخيصى .. وإن كان التصنيف فى هذه الحالة يتطلب دراسات وافية، والمتأمل فى وجه مختار المنحوت يكتشف أن لكل زاوية بناءها الخاص والمختلف كلية وهذه قضية تشغل بال المثالين وتعد معقدة فى معظم الأحيان وخاصة فى الوجوه .. فنجاح بناء الوجه من الأمام ليس معناه أن جانبيه يتوازيان فى نفس القيمة الفنية، ويرجع ذلك إلى قدرة المثال فى التحكم والسيطرة على الكتلة من حيث النسب وعلاقتها ببعضها البعض بالإضافة إلى مهارة المثال ومعرفته ببواطن البناء التشريحى للجمجمة ثم عضلات الوجه التى تتحكم فى الوجه من الناحية التعبيرية والجزء الأعلى من الجسم ، فمثالنا مختار النادى جعلنا نقف أمام وجه مختار نستدعى الزمن الجميل وحاملات الجرار آتيات من نيل مصر العظيم ونهضة مصر وسعد زغلول وحارس الحقول ورياح الخماسين .. كلها نشاهدها ونلمسها بعيوننا عبر مطالعتنا لوجه مختار للمثال النجم مختار النادى .
أ.د. احمد نوار
جريدة الأخبار - 2004