وجوه فى المنفى
- سئل الشاعر الإيطالى الشهير كاردوتشى ذات يوم عن رأيه فى امرأة هل هى جميلة ؟فأجاب ` أن حيويتها تصرفه عن فكره الجمال إلى فكرة الحياة ` .
- ولا شك أن هناك فارق كبير بين كلا الفكرتين ففى كثير من الأعمال الحديثة يضحى الفنان بالجمال من أجل حيوية اللون أو الخطوط أو الحركة، فمثلا نجد أن المثال العالمى كالور قد انصراف إلى فكرة الأشكال السابحة فى الفضاء بلا كتلة فى الهواء مضحيا بتاريخ الكتلة العتيد منذ الفراعنة حتى هنرى مور، ونجد فى مصر أيضا المثال صبحى جرجس يضحى بنعومة الملمس من أجل إبراز خشونة الحياة المعاصرة فى مواجهة البراءة .
- إذن فمحاولة الجمع بين شتى أركان الفن ضرب من المحال، فلكل فنان خط بيانى يرتفع فى أركان منه وينخفض فى الأخرى، يتألق فى جانب ويفقد شهية الاهتمام بالجوانب الأخرى .
- لذلك فإن صور الوجوه عند الفنان داود عزيز 1926هى وثيقة للواقع الذى عاشه الفنان الحساس من خلال الوجوه المشحونة بآلام والغضب من خلال مأساة المعتقلات المصرية لمنتقى المبادئ السياسية فى الستينات، هذا الواقع لم يكن فى مقدور الفنان أن يتجاهله أو يتخطى تلك المشاعر الرافعة المرتسمة على الوجوه، فلم يتوقف عند حد تسجيل الملامح والاكتفاء بها بل تخطى التسجيل إلى التعبير والتحوير للجمع بين حرية الإبداع والأسر لذلك كانت هذه المسحة التعبيرية تجسيد للنقيضين الحرية فى التشكيل والقيود والأغلال التى فى الواقع من هنا ، فقد ذخرت هذه الوثائق الإنسانية بتك النيرة العالية للأحزان والاحتجاج الكامن فى النفوس فهل صرفنا الفنان داود عزيز عن فكرة الفن إلى فكرة المعايشة للواقع أم صرفنا عن فكرة التعبير المأسوي إلى فكرة الإبداع والتحوير الفنى؟
- فى هذه الوجوه حاول الفنان أن لا يصرفنا عن فكرة الفن إلى فكرة الواقع وحاول أيضا أن لا يجعلنا نفس الواقع وأن نعتبر منه فنتج عن ذلك هذا الحوار الحى بين الفنان والمتلقى وسر حيوية هذا الحوار هو التساؤلات التى يطرحها الفنان وعلى رأسها كلمة ` لماذا ` .
مكرم حنين
الأهرام - 8 / 7/ 1994