ليلى أحمد الصاوى
- موهبة أنثوية رقيقة… تحب الوشى والنمنمة
- تشد وسعيدة بالوان شرقية دسمة وغنية وفق هندسة عضوية ناعمة مهموسة ..
- لها خيال طائر فى أجواء عالم ريان بمدد بدائى غير مصطنع ولكنه يوحى بواقعية حقيقية تتعدى المعروف والمالوف والمنظور عالم خرافى مسحور .
وهى تنسج على نول خيالها صورها من فيض شعورها وتشركنا فى مطالعة الفردوس المتاح لها فى عفوية شاعرية وخبرة خفية .
- فى ونس الفنون الشعبية وماثوراتها .. والقبطية وغنايئتها وفنون الاطفال .. و الفنون البدائية واسرها تنطق ` ليلى ` وكانها فى بيتها فى وداعة وحنان وحب وامومة اشخوص صورها .. تغنى لهم فى فنها وتقص قصصا واغانى تجسد اغوار مشاعرها فى لمسات تبدو ساذجة ولكنها محكمة .
- تعدت ` ليلى` جدار الادعاء الثقافى فوجدت كنزا : وجدت ينبوعا رقراقا طاهراً وبريئاً من آلية العصر وجفافة وذهنيته وقسوتة ولاعقلانيتة وتشأومة :
- انه عالم ولكنة على صلة عميقة بكل منا انه سحر البداية .
حامد سعيد
نغمات تشكيلية على النسيج
- هذه التجربة التى تطالعنا بها الفنانة ليلى الصاوى ، تجربة ناضحة وليست وليدة العفوية أو الصدفة وإنما حصاد جهد ودراسة متعمقة للتراث الانسانى بشكل عام ولتراثنا الحضارى الاسلامى بشكل خاص .. وممارسة جادة لعدة سنوات مكنتها من اسلوبها تمكنا أستاذياً .
- المعلقات تتدلى فى جلال ونور .. والخواطر الغائرة تتدفق من اللمسات الواثقة لتستقر فى مواقعها دون تردد .. والمشاعر الرهيفة تقود الفرشاة فى مسارها وكأنها فى رحلة عبر أحاسيس انسانية وأسرية وأمومية تزخر بها أعماق مشحونة بمختلف العواطف المقامات اللحنية تتناغم شجية دون تكرار من لوحة لأخرى .. تفاهم تام بين الفنانة وبين معلقاتها لا يفرض أحدهما نفسه على الآخر تنساب الفرشاة فى طلاقة دون ثاثأة وسلاسة فى الاداء بلا تعثر .النكهة شرقية خالصة واللهجة عربية فصحى يشوبها لكنه أعجمية خفيفة دون أن تفسد قوميتها أو عروبتها .
- فى بيت السنارى بين احضان البيئة الاصيلة عثر على جذورها وتحت رعاية الاستاذين ( حامد سعيد وخميس شحاته ) بعد أستاذية الاستاذ حسنى البنانى فى التصوير استطاعت أن تصحح مسارها وتشق طريقها ..
- نزف الى جمهور المعارض الفنانة الاصيلة ( ليلى الصاوى ) فما احوجنا الى اصالة نقية غير مقلدة .
حسين بيكار
جريدة الاخبار 1982
ترانيم تشكيلية على أوتار التراث
- نستطيع أن نقتفى فى لوحات الفنانة الموهوبة:` ليلى الصاوى` آثار استاذها` عبد العزيز درويش` فى دقة الرسم وسرعة الاداء والتمكن من التكوين وحسابات الظل والنور وأرابسك العناصر ونتتبع تعاليم حسنى البنانى فى الجو الريفى المصرى الشرقى وانطباعية الالوان وتآلفنا مع الشخصيات المرسومة،كما فى لوحة`سوق امبابة` التى نالت بها درجة الامتياز من` القسم الحر` بكلية الفنون الجميلة سنة 1961 . ونتبين توجيهات`عز الدين حمودة` فى تصوير الوجوه ذات الطابع الفوتوغرافى اللامع، كما فى لوحة ` بنت البلد` التى أبدعتها سنة 1959 - قبل التخرج حين كان كل من الطالبة وأستاذها فى المرحلة الاكاديمية .
- لم تقفز` ليلى الصاوى` من فراغ حين استحدثت أسلوبا فكها طريفا لتجسيد مضامينها الاجتماعية الانسانية.إنما انطلقت من أرضية صلبة بعد أن تمكنت من ألوان الزيت والباستل والقلم الرصاص والرسم على القماش المجهز. تحولت إلى التلوين بالصبغات مع استخدام الشمع كعامل مساعد لاعلاقة له بصنعة ` الباتيك `..رسمت ولونت على أقمشة التيل والكتان والماركيزيت لوحات ذات مظهر` ساذج ` لكنها عميقة المضمون إنسانية المغزى رفيعة القيمة. نستشف خلف مظهرها قدرة عظيمة على الصياغة وتجسيد الافكار.
- حين تلون` ليلى` معلقاتها الشاعرية ذات النكهة الشعبية المحلية، إنما تستند إلى ماضى عريض مميز فى الابداع الاكاديمى وإذا كانت لاتحظى بالتقدير المناسب فمرجع ذلك إلى طبيعة فنانى العالم الثالث. لايتوسط الواحد منهم دائرة الضوء إلا إذا كان أستاذا فى كلية فنية أو موظفاً مرموقا .
- إبداعها الحديث يقوم على دعامتين أساسيتين هما` الشكل` و`المضمون` شأن كل الأعمال العظيمة لاتجد لديها لوحة شكلية عبثية بلا معنى اجتماعى محلى ذى سمة إنسانية شاملة . بل إن عناصرها رمزية مقروءة كأنها كلمات فى قصة أو قصيدة شعر .. ودعك من كهنة الفن الذين يتوهمون أن إظهار العناصر ضرب من السطحية وإلا وصمنا بالادانة روائع عصر النهضة والفنون الاسلامية وماقبلها وجميع الأعمال الفنية التى أبدعها البشر قبل الرسام الروسى الأصل : فاسيلى كاندينسكى ` 1866 - 1944 ` الذى وضع نظرية` التجريد` سنة 1914 ونادى بأن الرسم كالموسيقى. لاينبغى أن يشابه شيئا فى الطبيعة . نغمات مرئية تقرأ كعلامات النوتة الموسيقية كاندينسكى الذى تخصص فى الاقتصاد والسياسة طوال حياته ودرس الرسم أربع سنوات بعد هجرته إلى ألمانيا هو إمام التجريديين ومفجر نظريات اللاشكل واللاموضوع وعالمية الفن .
- تعنى` ليلى الصاوى` بالشكل والمضمون معا فى إتزان وعدل كامل، مع إتقان وضع` المضمون` فى `الشكل المناسب `. ` مضمون ` مقروء .. بسيط واضح شاعرى بهيج فكه أحيانا مثير للخواطر شاحذ للافكار محرك لأرق العواطف . كل ابداعها تعبير بليغ فصيح عن ` الطفولة ` و`الأمومة ` و ` الأسرة ` و `الدفء الاجتماعى` و` التضافر من أجل دفع عجلة الحياة` . تلك هى المضامين العليا التى تنشر مظلتها على لوحاتها الجذابة الناضجة بالسماحة والانسانية والتى دفعت بالدموع إلى مآقى الأمهات حين عرضتها فى لندن وباريس وبودابست فى مايو 1983 . لوحة ` ياطالع الشجرة` - 90 × 130 سم -مرسومة بالصبغات على الكتان سنة 1981 . تصوير للترنيمة الريفية الشعبية المشهورة التى تقول: ياطالع الشجرة .. هتلى معاك بقرة تحلب وتدينى .... بالمعلقة الصينى والمعلقة انكسرت .. يامين يسقينى ؟ عرفت ` ليلى ` الترانيم واالأهازيج الفلكلورية إبان عملها فى
` مركز الفنون الشعبية ` (1978 - 1979 ) حيث استمعت بانبهار إلى كل التسجيلات الصوتية التى مسح بها المركز أنحاء الجمهورية فى الستينيات أيام النهضة الثقافية الكبرى والاحساس العميق بالانتماء الذى نفتقده اليوم. تأمل تلك الابيات التى لانعرف قائلها أ ملحنها وكيف نبَعت من ضمير الارض المصرية تأمل معانيها ورموزها وتجسيدها للخيال الخصب. ترنيمة تجرى على ألسنة الاطفال أثناء اللعب. ألا نشعر أن قائلها جدير بالشفقة والرثاء وانكسرت المعلقة التى ترمز للامومة مصدر الغذاء والرعاية وأمسى الطفل فى بلادنا محتاجا للحماية. يستحضرها من أعلى الشجرة من السماء من البقرة. ألا ترمز البقرة للسماء فى الاساطير الفرعونية ؟ أليست الإلهة ` نوت` هى أم الخير؟
- رسمت` ليلى` النخلة والاطفال فى رأسها يختلطون بثمارها وسعفها لأنهم هم` أزهار الحياة ` تنتظرهم بنت عند الجذع تنشدهم وتستنفر حماسهم . إبداع تشكيلى مواز للترنيمة الفولكلورية . رسم طريف شاعرى بعيد كل البعد عن ` محاكاة الطبيعة`.. وهى التى لو شاءت لحاكت الطبيعة بشكل يعز على الكثيرين من أساتذة الكليات الفنية كما يشهد تاريخها إنما فنانتنا تتحدث بلغة العصر ممزوجة بعبق التراث.فأسلوب الرسم والتلوين، والتوزيع والتكوين وشغل المساحة حتى تصبح كالسجادة، والعيون الواسعة السوداء والوجوه البيضية وطعم الألوان ودرجاتها - كل ذلك نستطيع أن نقتفى آثاره فى تراثنا الفنى الفرعونى والقبطى والاسلامى .
- القصد هنا ليس إظهار البراعة و`مهارة الأداء`، بل ` التعبير الفنى` عن الخلجات النفسية والمشاعر والأحاسيس والأفكار الإنسانية، بشكل ينبع من الوجدان الشرقى ليخاطب العالم !
-لكن هذه اللوحات التى تبدو للمشاهد السطحى بسيطة الأداء، تنطوى على جهد ومشقة وخبرة واسعة بتكنولوجيا استخدام الاصباغ والادوات مع الحفاظ على حيوية التعبير وطبيعة القماش سواء كان كتانا أو تيلا أو ماركيزت - فالاصباغ فئتان: ` انديجازول` وهى نباتية مستخلصة من الطبيعة مباشرة غنية بدرجات الاخضر وتحتاج لتحضير القماش بشكل يختلف عن احتياجات الفئة الثانية:`النفتول` وهى مستحضرات كيماوية لا لون لها. تستخدمها الفنانة بعد تحضير القماش فى حمام خاص ولا تظهر إلا بعد الحمام الثانى، لذلك تضعها بشكل تقديرى مبنى على الخبرة والتمرس. وتستخدم الشمع السائل لتحديد مساحة كل لون عمليات معقدة للغاية تتطلب مهارة عالية لتحقيق تلك التأثيرات الساحرة ! ` التكنيك ` عندها ليس هدفا فى ذاته . إنما تكمن أهميته فى مدى إيجابيته فى تجسيد المضمون وإضفاء الجاذبية والشاعرية على الموضوع ` الجمالى` لكن حكاية القماش وألوان الصباغة والتراث المحلى والفلسفة الإنسانية والثقافة العريضة والتأمل فى خفايا الحياة والإيمان بالنفس والصبر الجميل فى سبيل تحقيق الأهداف النبيلة، كل تلك الصفات التى تتحلى بها فنانتنا تفجرت بوضوح بعد أن التقت بفيلسوف الفن` حامد سعيد` سنة 1958 .
- فى حى العباسية العريق ولدت ` ليلى الصاوى` سنة 1934 شبت وحيدة بين أخوين فى أسرة متدينة مستنيرة كلاسيكية الطابع، تعرف معنى التعاطف والدفء العائلى. تدرج الوالد فى وظائفه حتى أصبح` شيخ مشايخ الطرق الصوفية` تمتع بثقافة عريضة متشعبة وقيم نبيلة نلمس إنعكاساتها فى السلوك الشخصى للفنانة وفى` المضامين الإنسانية الرقيقة` التى تجسدها لوحاتها بعد الإلتزام بالتراث، حفظ الشعر وقرضه وطالما جلس إلى ابنته الأثيرة يشرح لها آيات الذكر الحكيم أما الوالدة فكانت تهوى الرسم والحياكة والتطريز والتريكو، كما تتقن عزف الموسيقى.
- شبت` ليلى` طفلة صحيحة النفس والبدن .. ذكية الفؤاد متفتحة العقل .. متطلعة إلى آفاق بعيدة اشتهرت بين أترابها فى المدرسة الابتدائية وفى محيطها الاسرى بإتقان الرسم بأقلام الرصاص والباستيل وألوان الماء. موضوعات تعبيرية حول المناسبات والأفراح ومشاهد الحياة، ونقل وتكبير الصور الفوتوغرافية للشخصيات البارزة كحافظ إبراهيم وجمال الدين الافغانى. أراد الوالد أن يعدها لبيت الزوجية فألحقها بالمدرسة الثانوية الفنية كمرحلة تعليمية نهائية فانتهزت الفرصة وانضمت لجماعة الرسم وصورت المناظر فى حضن الطبيعة وكم عادت من مصيف الإسكندرية فى كل عام بحصيلة من تخطيطاتها على الشاطىء، تسترجعها فى القاهرة وتبدع منها لوحات يتخاطفها الأقارب والأصدقاء.
- تسارعت أحداث الحياة وتزوجت الفتاة وأصبحت أما لكنها لم تنس عشقها القديم لفن الرسم والتلوين. التحقت بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة( 1956 - 1961)وبدأ مشوار الفن وانفتحت مسالكه على وسعها تعلمت بسرعة كل شىء عن` صنعة الرسم والتلوين` ولفتت أنظار المدرسين جميعا وتفوقت فى تخرجها كانوا يخلطون بين أعمالها وبين لوحات أستاذها` حسنى البنانى` فرسمت أمامهم لكى تثبت أنها صاحبة لوحاتها لا كذب ساعدت ` البنانى` فى تنفيذ أعماله الفنية منذ التحاقها بالكلية. نفذت تصميمه على سقف أحد فنادق بورسعيد خمسون مترا مربعا تصور معارك الشعب ضد العدوان الثلاثى. واللوحة الحائطية الكبرى فى صدر محطة مترو حلوان(1959 ). وحائطيات مجمع المحاكم بالقاهرة ( 1960 ) وكثيرا مانقلت لوحاته الزيتية الشهيرة تلبية لرغبته واستمرت تساعده حتى سنة 1969 - العام الذى انتقلت فيه للعمل فى` مركز البحوث الفنية` - `بيت السنارى` بحارة مونج بالقاهرة. كانت رسامة فى` المتحف الزراعى` تصور بألوان الزيت على الخشب لوحات عملاقة من بينها ` وجه` لجمال عبد الناصر ` 4×6.5متر`.
- تبين هذه السطور مهارات وقدرات ونشاطات الفنانة قبل التحول الكبير الذى طرأ على إبداعها كانت تفتقد الهدف والرسالة التى تمنح القيمة الإنسانية للفنون الأخرى من شعر وقصة ومسرح ورقص وموسيقى اختلف معدنها عن الكثيرين من طلبة الفنون الجميلة وخريجها وأساتذتها. لم يرق لها التدريب اليدوى الذى يسود مناهج الكلية وحيل التحريفات الفنية الحديثة التى لامعنى لها.غلبها شوقها إلى التعبير عن` المضامين` الاجتماعية والإنسانية أرادت أن ` تقول ` :
- توقفت عن كل إنتاج فنى وتفرغت لدراسة الطبيعة، واستقراء التراث فى متاحف الفنون المصرية القديمة والقبطية والاسلامية والإلمام بالمراحل الفنية ومميزات كل منها، والإطلاع على المؤلفات والبحوث وتحصيل المعرفة بأى وسيلة ثم اتجهت بإبداعها إلى ما يصادف هوى فى نفسها.ليس فى ضوء التعاليم الأوربية كما هو الحال فى كليات الفنون بل فى ضوء التراث المحلى والعالمى . صححت مسارها الابداعى ونقلت طريقها من ملاعب أوروبا إلى رحاب الشرق الفنان. ووجدت فى` جماعة أصدقاء الفن والحياة` التى يقودها` حامد سعيد`،إلهاما لإبداعها الجديد الذى يستدفىء بالتراث ويضيف إليه. أنست إلى الحوار الفكرى الذى تديره الجماعة كل أربعاء فى أحضان الطبيعة فى` المرج`. فى قدوة`حامد سعيد` فى بيته حيث تحتك العقول لتطلق شرارتها المقدسة عقول مفكرة ذكية واسعة الإطلاع` تنتمى` لمصر كل يطرح حصاد الأسبوع عن أفكار ومعارف وإبداع.
- من أجمل أعمال` ليلى الصاوى` فى عام 1981 لوحة عرضها متر وطولها متران بعنوان` إيقاع` ألوان صباغة على كتان مع إستخدام الشمع السائل لتحديد المساحات اللونية بما يشبه الأحواض وهو كما أسلفنا ` تكنيك ` لاعلاقة له بصنعة الباتيك وقماش الكتان كما ندرى من المنسوجات التقليدية المصرية القديمة عبرت فى لوحتها عن الإيقاع اللانهائى للحياة . كل شىء فى دنيانا يمضى فى` ايقاع ` زمنى خاص: من دقات القلوب فى الصدور إلى دورات الكواكب فى الأفلاك .. والمجرات فى الكون الفسيح صورت حلقات الذكر تنظيم الرجال المتصوفين يسبحون باسم الخالق العظيم. والخيول وهى ترقص فى خيلاء والنساء المنشدات فى أدنى اللوحة يرددن لفظ الجلالة ` إيقاع ` يمضى بالبشر فى طريق النور خيرهم من عرف مكانه وأسهم فى تشييد المجتمع وفنانتنا تُولى` الأنثى` عناية خاصة فى إبداعها كمربية ومنشئة للحياة نلمح صورتها تغمر تكويناتها بالحب والدفء والحنان. لذلك وضعت صفوفها فى أدنى التصميم وزخرفت الخلفية بلفظ الجلالة كما بروزت كل` التكوين`بوحدات هندسية الطابع مستلهمة صحائف المخطوطات الإسلامية، مع تحوير الجزء العلوى على شكل عقد . ألاترى أن هناك علاقة وطيدة بين هذه` الصياغة` والصور الإسلامية شغل فراغات المساحة حتى تبدو كأنها سجادة شكل الخيول العربية بسيقانها الدقيقة وأجسامها الرشيقة التوزيع الجمالى للعناصر مع التغاضى عن تفاصيل الوجوه وتجنب المبالغة فى تعبيراتها إهمال المنظور وتصفيف الرسم على مستويات تعلو كل منها الأخرى الأمر الذى نلاحظه فى الرسم الملون والنحت البارز فى التراث المصرى القديم والصور الإسلامية.أما هيئة الإنسان عندها فبسيطة إلى أقصى حد لاينعكس` المضمون` من كل عنصر على حدة .. بل من` الكل ` فى آن واحد.
- إذا تأملنا نماذج الفن الاسلامى فى مختلف عصوره تبينا الكثير من نقط الالتقاء مع أعمال ليلى الصاوى بعض لوحات مخطوطة ` الحشائش وخواص العقاقير` - 1229 - مرسومة داخل أطر على هيئة عقد محمول على عمودين، تذكرنا بالبراويز التى تحيط بها` ليلى` بعض لوحاتها.كما أن الوجوه الإسلامية بسيطة التشكيل محددة بخطوط مجردة كان الفنان الإسلامى متأثرا بالتقاليد الكلاسيكية والبيزنطية الفارسية. تتحول عند` ليلى` إلى نفحات شعبية فى الملامح المصرية قد تتخذ مظهرا ساذجا كرسوم الاطفال لكنها بساطة` البلاغة` ووضوح` المضمون` وفصاحة التعبير` . دون الهاء المتلقى بالدهشة والإبهار بأساليب ماكرة ذات مظهر معقد، كالرسم بالرمال والأسلاك والمواسير أو الجص والعجائن واللدائن، والخلط بين النحت والرسم مع غياب المعنى والمغزى فنانتنا تقدم ` موضوعا` و` مضمونا` و` صياغة فنية ` وليس ألعابا وحيلا بالرغم من تعقد ` التكنيك ` فى إبداعها ودخوله فى باب السهل الممتنع لاينسج على مثل منوالها إلا كل من آمن بأن الفن رسالة حياة .
- غنى عن الذكر أن خلط الكلام المكتوب بالصور المرسومة تقليد إسلامى فى جل المخطوطات كذلك فعلت` ليلى` فى لوحة ` إيقاع` حين كتبت:` ألا بذكر الله تطمئن القلوب` وكررت كلمة` الله` خلف صف الرجال كأنهم يرددونها وخلف النساء كأنهن ينشدنها وكثيرا ماأحاطت عناصرها بزخارف نباتية محورة وأشكال هندسية زخرفية، وهى بدورها تقاليد فنية إسلامية وقبطية ومصرية قديمة. كذلك شغل فراغ اللوحة حتى تبدو كالسجادة بصرف النظر عن قواعد المنظور وواقعية العلاقات نشاهد نماذج ممتعة لهذا الأسلوب فى روائع الفنانين المسلمين :` الواسطى` فى مخطوطة مقامات الحريرى التى رسمها فى بغداد سنة 1227 والإيرانى` بهزاد` صاحب لوحات مخطوطة ` البستان` من القرن الخامس عشر، حتى النكهة الكاريكاتورية التى نلمحها فى الرسوم السريعة ` الاسكتشات` للفنانة، نجد لها جذورا فى صفحات ` مقامات الحريرى` نسخة 1222. لوحة ` الحارث وعبده الحجاج` يطل عليهما أبوزيد - دار الكتب القومية بباريس.
- هكذا تحولت ` ليلى` عن الأكاديمية والإنطباعية وهى فى قمة الأداء المتقن. لم تتحول عن قصور أو سعى خلف آخر صيحات أوروبا بل عن` صحوة` وعودة إلى الجادة و` الانتماء` ولو تأملنا الصور الأربع عشرة فى مخطوطة` مختار الحكم فى محاسن الكلم`- المحفوظة فى متحف استامبول لاكتشفنا الوشائج الحميمة بين هذا الأسلوب الذى انتشر فى النصف الأول من القرن الثالث عشر وبين الشخصيات التى تتوزع رسوم` ليلى الصاوى ` بألوان الصباغة على الكتان. وبجوار هذه السطور صورة الفيلسوف اليونانى` صولون` يحدث تلاميذه عن الخير والشر . تدخل بعض كلمات النص فى صلب التكوين كما يحدث فى معظم لوحات الفنانة كذلك بساطة تحديد الشخصيات والأهتمام بالعموميات دون التفاصيل إلا أن اللوحات الإسلامية المشار إليها مجرد` رسوم ايضاحية` فى كتاب،بينما أعدت` ليلى` لوحات مستقلة قائمة بذاتها تتحدث بنفسها و...` تقول` .إنما نقصد بالمقابلة إظهار كيف يتشح فن` ليلى` بغلالة التراث الدافئة بعيداً عن ثلوج الفن الأوربى لكنها تتميز عن الماضى بمزيد من التعقيد الثقافى فى كل من : الأسلوب الفنى الجمالى .. والصنعة أو`التكنيك` .. والرمز .. ووجهة النظر الإجتماعية، مع إلباس كل ذلك ثوبا بسيطا رقيقا فاتنا .
- لاينبغى أن نرفع القلم قبل أن نتأمل معا` أرض الفيروز`. أحد أعمال الفنانة سنة 1983 - 94×227 سم - صرحية كماترى . ألوان صباغة على كتان .أبدعتها بعد أن زارت ` سيناء العائدة` ليس كما زارها الآخرون شهدتها كمغنى ومغزى ومضمونا أحست بالرمال تنبض بالخير وتلد أشجار الحياة تصنع إنساناً جديدا يؤسس ويبنى ويعطى ويضحى. صخورها فيروز تنبت شجرة عملاقة حافلة بأعشاش الطيور العائدة إلى الحضن الدافىء تعلو كل التصميم آيات بينات تقول:` وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين`. تحولت سيناء فى عينى ` ليلى` إلى شجرة حياة تثمر إنسانا جديداً. أليس هذا شعراً مرئيا ؟ يستطيع المتلقى أن يستمتع بالتأمل والتأويل واستقراء الرموز وربطها فى كلمات وأبيات موزونة واستكشاف الملحمة المصورة ..تزداد متعته مع الصياغة الفنية الرفيعة : النظم اللونية والإيقاع الشكلى والتكوين المحكم المستقر.. والملامس والتفاصيل الإستطيقية الحرارة العاطفية الدافقة التى أودعتها الفنانة لوحتها سرعان ماتغمر المتلقى .. وتحتوى كل مشاعره وخياله .
- الطابع` الطفولى` فى لوحات` ليلى` انعكاس حقيقى لشغفها غير المحدود بالأطفال وحرصها - عن طريق فنها - على الدعوة لتهيئة حياة أفضل لأزهار المستقبل. نلتقى بهذا ` الطابع الطفولى` لدى آخرين فى حركتنا التشكيلية المحلية لكنه لايهزنا من الأعماق كما تهزنا لوحات` ليلى الصاوى`،الحافلة بالخطوط والألوان والملامس فى ثوب طفولى ممزوج بمستوى رفيع من الفكر الإجتماعى والمعرفة الواسعة وجدية الأداء والخبرة الطويلة فالصدق مع النفس هو الذى يمنح العمل الفنى قيمته النهائية حين عرضت معلقاتها فى أوروبا فى الصيف 1983 قالوا - ونحن نقول معهم -إنها تعبير عن ` الحب والسلام` ، وأن فنانى العالم لو احترموا تراثهم وأحسوا بالإنتماء لمهدوا بذلك طريقا أكيدا للسلام ..
بقلم: د./ مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الثانى)
|