وسام عباس فهمى
وسام فهمى فى معرض جديد فى القاهرة تنتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن جمالية عربية مميزة
- من بالون طائر يتهادى فوق السهول والهضاب والحدائق المعلقة فى أعالى الجبال متنقلاً بين المدائن الشرقية العريقة ملامساً فى رقة وانسيابية ناعمة أهلة المآذن والقباب ، وذؤابات الأشجار المخروطية، تطل الفنانة المصرية وسام فهمى على عالمها الأليف والغامض معاً ، المحفوف بسحر الأساطير وقصص ألف ليلة وليلة ، وتطل علينا بهذا العالم من خلال معرضها الجديد فى قاعة المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى فى القاهرة ويحمل رقم 16 فى سلسلة معارضها التى تنقلت بها بين القاهرة وباريس وبلجيكا ومرسيليا وهولندا والولايات المتحدة عبر رحلة تمتد قرابة العشرين عاما .
- وسام فهمى - تخرجت عام 1965 فى معهد ليوناردو دافنشى بالقاهرة - صوت متميز وسط حركة الفنانات المصريات التى شقت طريقها منذ ثلاثينات هذا القرن على يد الفنانة الراحلة مارجريت نخلة والفنانة زينب عبده، وامتدت جذورها منذ الاربعينات منافسة قوية لزميلها الفنان - من دون تعصب نسائى أو مركب نقص - على أيدى فنانات أصبحن أعلاما فى النهضة التشكيلية العربية الحديثة ، من أمثال انجى أفلاطون ، وتحية حليم ، وعفت ناجى ، وجاذبية سرى ، وزينب عبد العزيز وغيرهن ، لكنها - وان كانت درست الفن دراسة أكاديمية ، وتتفرغ لممارسته منذ تخرجها دون الانشغال بعمل أخر شأن الفنانين المحترفين - أبعد ما تكون عن النزعة الاكاديمية وعن طبيعة الاحتراف ، وأقرب إلى عالم الفطرة وروح الطفولة البريئة .
- تركت خلفها منذ زمن بعيد قواعد المنظور المدرسية وأساليب الرسم والتلوين والتجسيم الاسطوانى داخل الاستوديو، على رغم أنها تتقنها، وقدمت من خلالها بورتريهات ومناظر طبيعية جيدة، ذلك أنها فى عمليتها الإبداعية لا ترسم ما تراه فى الطبيعة بقدر ما ترسم ما تختزنه فى أعماقها بعد أن يستضىء بنور بصيرتها وتتبع احساسها العفوى الطازج لتسقطه على قماش اللوحة من دون حذلقة أو تصميم عقلانى، وربما كان لطبيعتها الانثوية أثر فى وضوح الحس الزخرفى وطابع الوشى والتطريز ، على رغم انك قد لا تجد وحدة زخرفية محددة أو مكررة فى لوحاتها ، وان شئنا ان نقارن فنها بأحد الانواع الأدبية فإنه أقرب إلى الشعر الحر بما فيه من نبرة هامسة وابتعاد عن القافية، وتداع عفوى ينأى عن الوصف المباشر والمحاكاة لمظاهر الطبيعة - وعلى رغم أن الطبيعة نقطة الانطلاق لكليهما - وبما فيه أيضا من مفارقة ناتجة عن كسر المألوف فى طبيعة الأشياء للوصول من خلالها إلى رؤى باطنية تعكس انبهاراً بالعالم وإبهاراً للمتلقى بدهشة الاكتشاف.
- تتنقل بنا وسام فهمى - كما اعتادت فى معارضها السابقة - بين معالم مدن عدة من اسطنبول إلى تونس، ومن الرباط إلى القسطنطينية ومن القاهرة إلى الاندلس، مقتفية أثر المعالم الإسلامية والشرقية ، مترددة بين الطابع الشعبى الساذج وبين الطرز المعمارية المهيبة . وفى هذه الحركة تأخذنا معها - كما تفعل النحلة المتنقلة بين الأشجار والزهور - أريجاً من هنا ومن هناك ، وقد تأخذ معها أيضا حبوب اللقاح وتنقلها بين الحدائق ، ثم تفرز فى النهاية عسلاً صافيا ينتمى إليها وحدها ولا يدعنا فى حاجة إلى أن نتذكر من أى الحدائق أتى ذلك العسل.. هكذا تتداخل معالم المدن والمساجد والقلاع والحصون وتتداخل زوايا المنظور الرأسية مع الأفقية ، وتمتزج الألوان وتتناقض حتى التصادم أحيانا، فلا نعرف من أى موقع أطلت الفنانة على المدينة ، وفى أى وقت من النهار أو الليل وقفت لترسمها .لكن حسبنا، فى النهاية ، أنها مدينتها الخيالية الخاصة خلقتها كى تكون ملاذاً لها ولنا - من قبح الواقع وضغوطه .
- وإذ تقترب بهذه الرؤية الخيالية من ` الواقعية السحرية ` أو من `الفن الساذج ` مرددة أصداء من هنرى روسو ، ومارك شاغال ومن رؤى الفنانين الفطريين فى معظم دول العالم ، الذين يتلاقون دون سابق معرفة حول أساليب فنية متشابهة وعوالم بريئة صداحة بالموسيقى مترعة بالفرح ، فإنها فى الوقت ذاته تمتلك خصوصية نابعة من جمالية شرقية وعربية مميزة تتجلى فى ملامح عدة : منها الجمع بين المنظور الرأسى والمنظور الأفقى للمبانى والأشكال، ما يذكرنا بلوحات الواسطى وبهزات وفن المنمنمات الإسلامية فى الهند وإيران ومنها تكرار الوحدات والترديد الزخرفى للمساحات المجردة الذى يقترب من الارابيسك ومن فن الموزايك، ومنها التباين اللونى الآخاذ والتحريف الشديد لنسب الأشكال مع خلوها من الظلال والدرجات البينية بما يتشابه مع الرسوم الشعبية على جدران البيوت فى القرى والمدن.. ومع تكامل تلك الملامح تتضح لوسام فهمى سمات شخصية لفن ينم عن صاحبته بقدر ما ينهل من منابع تراثية وعصرية ويسلك طريقه فى مسار الفن الحديث.
- ماذا أضافت الفنانة ، إذن ، فى معرضها الجديد إذا كان ذلك كله مما أعتادت أن تقدمه لنا فى معارضها السابقة ؟
-على مستوى المضمون نجد أن الحس الصوفى يزداد افصاحا عن نفسه متمثلا فى غلبة اللون الأبيض ، بل فى ظهور أشخاص تشع حول رؤوسهم هالة القداسة ، فيما يبزغون ويتطاولون بين المآذن والأعمدة كأطياف نورانية من دون ملامح محددة، وعلى مستوى العناصر الموضوعية نجد أن الأشكال النباتية من أغصان وأوراق شجر وزهور وسعف احتلت مساحات أوسع من ذى قبل ، لتؤكد الجو الفردوسى فى لوحاتها ، متداخلة مع عناصر الطيور والأهلة والأبراج ذات القمم المثلثة ومن شأن هذا كله أن يتصاعد بالحس التعبيرى على حساب الحس الزخرفى الذى كان غالبا من قبل ، وأن يجعل من الروح الدينى والتأملى وجها أخر لنبض الحياة الأرضية .
- وعلى مستوى البناء الفنى تضاءلت النظرة البانورامية الممتدة إلى الطبيعة التى كانت من قبل تجعل لوحاتها أقرب إلى المنظر الطبيعى وأصبحت نظرتها أكثر اقتراباً من معالم الأبنية والنباتات والأشخاص تعمل فيها تحريفا وتداخلا من دون التقيد بمشابهة الواقعة ، وربما بمزيد من الاقتراب من لغة التجريد ، ولتأكيد ذلك تعمد إلى تلوين القباب والقمم المثلثة للأبراج بالأسود الفاحم ، كى تحدث تضاداً بينها وبين الأبنية البيضاء والجدران الحمراء والأغصان الخضراء حتى تصل إلى درجة عالية من التباين البصرى والنغمى ، وساعدها ذلك الاقتراب الحميم من عناصرها التشخيصية - معمارية أو نباتية أو إنسانية - على تأكيد دور الخط وقيامه بصنع الايقاع النغمى للوحة ، سواء كان خطا قوسيا أو دائريا أو أفقياً متمايلاً أو رأسياً شامخاً، كما ساعدها ذلك الاقتراب على الاجتراء على الوحدة الذهبية المتماثلة للتكوين الزخرفى، فنجدها فى عدد من اللوحات تفتح فى قلب اللوحة دائرة كبيرة أو نصف دائرة بلون أبيض أو أزرق أو وردى غير مكترثة بمطابقتها لشىء معين فى الطبيعة فكل ما يعنيها أن تكون شكلا فنيا جديداً ومثيراً للانتباه .
- إلا أن لكل تحول فنى فى بدايته مخاطره غير المأمونة ، وهذا ما نلاحظ انعكاساته فى عدد من اللوحات الجديدة ، حيث يصل بها تماديها فى التحريف والتجريد إلى أن تفقد اللوحة أحياناً وحدتها وتماسكها فى التلوين ، وتبدو أقرب إلى الاضطراب أو الافتعال وأحياناً إلى التناقض بين وضوح العناصر التشخيصية بصورة أقرب إلى الواقع (خصوصا فى العناصر النباتية كأغصان الزيتون ) وبين العناصر التجريدية .
عز الدين نجيب
جريدة الحياة أبريل 1993
ـ`بالرغم من الخبرة الطويلة وزياراتها للعديد من المعارض والمتاحف فى مصر وأوروبا - ودراستها الأكاديمية فى معهد فنى على مدى أربع سنوات . تتسم أعمالها بطابع ` فطرى ` لا تغفل عنه عين الناقد ، هذا الطابع هو المسئول عن الجاذبية والطرافة والإثارة التى تكسو رسومها لفرط صدق ` أسلوبها ` فى الرسم والتعبير والإستجابة للمشاعر الفورية وتحكم اللاوعى وسيادة الخيال . استطاعت بلغتها التشكيلية أن تؤكد عظمة الطبيعة . وساعد النهر والجبل والسماء على أن تكشف عن `الجلال` والهيبة ` يحتار المتلقى بين الطابع الموسيقى وبين التشخيص الذى يبدو غير واقعى لكنه يشع حيوية تغمره بإحساس فريد بعظمة المكان . تلك `العظمة` هى `المضمون` الذى استطاعت وسام فهمى أن تظهره فى مناظرها المحلية .
مختار العطار
المصور - 24 / 2 / 1984
- عندما أتطلع إلى لوحات الفنانة وسام فهمى والتى تصور عليها مزيج أحلامها مع عبق تاريخ القاهرة القديمة يهيأ إلى أن أصباغ ألوانها معان وكلمات . قصائد شعر هائمة فى ديوان مفتوح الصفحات تحت سماء الشرق وأبراجه ومآذنه ولكنها تحول غموضه إلى إشراقة ألوان متناقضة فى جرأة فنان لتؤلف بينها انسجاما رائعا وكل ذلك فى بساطة بعيداً عن تكلف التفاصيل .
كمال الملاخ
- لوحات وسام فهمى ذات طابع خاص أهم مايميزها تلك الروح الشاعرية التى تنبعث منها ويمكن أن نقول أنها تمثل فناً قريباً من الحلم يبتعد بنا عن صخب المادة وطنين الآلة وسموم الأدخنة وميكانيكية الأشكال المألوفة والمعتادة . عالم يقترب سحره من ألف ليلة وليلة كل هذا بمفهوم عصرى ينتمى لفن القرن العشرين .
صلاح بيصار
المصور 1983
- إن وسام فهمى تلعب على وتر حساس هو الطفل الكامن فى داخلنا الذى لا يرى ما حوله من جماليات بديهية بحكم كابوس التقدم الذى يحاصرنا فى كل مكان هى بمثابة الساحر الذى يحولنا فجأة إلى كائنات هلامية تسبح فى عالم أسطورى ملئ بالأزهار والأشجار والمنازل البيضاء وكثبان الرمال . وفجأة نكتشف أن هذا العالم الأسطورى ليس أسطوريا بل هو العالم الذى نعيش فيه ولكننا لا نحسه ولا ندركه لأننا نعيش شراسة الواقع بحثاً عن شعاع الفجر الآتى من ظلام حالك . - فكانت رحلة بحث عن الحقيقة بين الأسطورة والواقع.. بين ما يمكن وما لا يمكن ..
رؤوف عياد
روز اليوسف 1984
وسام فهمى تعرض `الجذور` 10 أيام بالقاهرة
- `الجذور` عنوان معرض للفنانة وسام فهمى يقام فى قاعة الفنون التشكيلية بالمركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى بالزمالك 7.30 مساء غد ويستمر 10 أيام . -المعرض يفتتحه محمد غنيم وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية ويضم مجموعة لوحات زيتية يجمع بينها اسم `الجذور` فالفنانة تغوص فى الحياة المحيطة بها لتؤكد عظمة الطبيعة والمعالم الشرقية الأصيلة بين الطابع الشعبى والطرز المعمارية التى تتميز بالأصالة . - الفنانة وسام فهمى اقامت 18 معرضا خاصاً فى القاهرة وباريس وبلجيكا وهولندا ومارسيليا وأمريكا وشاركت فى بينالى الإسكندرية - والبينالى العربى بالمغرب وبينالى الرياضى بأسبانيا وورشة عمل بأنطاليا فى تركيا ولها مقتنيات فى متحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف جامعة كاليفورنيا بأمريكا إلى جانب مقتنيات فى وزارات الثقافة بمصر والمغرب وتركيا.
محمد سليمة
الأهرام 21/ 12 /1997
فى كل مكان معارض .. معارض
- `بورتريه إنسان ومدينة ` عنوان معرض الفنانة وسام فهمى والذى أقيم بقاعة المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى.. من خلاله تحلق بنا على جناحى طائر رقيق عبر آفاق من الحلم والدهشة فنطالع عالما مسكونا بالتفاؤل والإشراق.. عالم عاطفى ينساب بطلاقة تعبيرية يمتزج فيه الواقعى بالخيالى ويتوحد الساكن والمتحرك ويتقابل الممكن مع المستحيل أغنيات من اللون النقى تتحاور بالأبيض البريء مع الوردى الناعس والأخضر المتفائل والأحمر الدافئ والأصفر البهيج والأزرق الهادى فى تداعيات تلقائية لا تحدها حدود المنطق أو النظام بقدر ما يشكلها الفطرة والبراءة وحب الأشياء.. فوسام فهمى لا ترسم ما تراه ولكن ترسم ما تحبه وتحسه هى ترسم بقلبها ومن هنا جاءت لوحاتها للمدينة ليس مجرد بورتريه أو صورة شخصية ولكن مساحات من العشق تهمس كنقوش الدانتيلا وتصدح كسجادة شرقية للألفية الثالثة.. مآذن وقباب وتخيل وبوابات وطيور وزهور وشطان ومياه وسماوات تأخذنا من تيار الحياة الضاغط الرتيب إلى دنيا من الصفاء بمثابة واحة فى صحراء هذا الزمان تجعلنا نتساءل: كيف تشكلت تلك المساحات التى تتجاذب وتتعاطف مع بعضها البعض فى ألفة وسلام ومودة.. وكيف يصير الأفق الليلى مستديراً تحفة الزروع والأشجار والنخيل ومعلق فى مركزه القمر المنير .. وكيف يكشف الهرم عن نفسه من الداخل فيظل مسكوناً بالنقوش والطيور والنجوم وقدماء المصريين .. كل هذا كما تراه وسام فهمى بعينها الثالثة والتى تنفذ إلى ما وراء الأشياء بقلبها ومشاعرها الطيبة ولمساتها الفطرية. - أما بورتريه الإنسان عندها فقد انجذبت إلى سحر الشخصية النوبية .. وصورتها فى ثلاث لوحات: ثلاث فتيات تشع وجوهها السمراء بالطيبة والسماحة والصفاء وقد مزجت الفنانة شخصيتها الحالمة بشخصية كل منهن .. مع تلك النقوش والهمسات الزخرفية والتى تنقلنا إلى تعبيرية جديدة تأخذنا من روح الفن الشعبى النوبى فى طفولته وطلاقة بدائية . وفى لوحة فتاة من المدينة تصور فتاة بوردة حمراء وتتوهج الخلفية بضوء نحاسى يساهم فى إبراز القسمات التى تموج بالرقة والشاعرية والهدوء والحلم.. وفى صورة رجل بطربوش أحمر تنقلنا وسام بلمساتها التلقائية إلى مساحة من الوقار وحكمة الزمن من خلال تلك النظرات المتطلعة تحية إلى اللمسة البريئة وسحر الفن .
صلاح بيصار
مجلة حواء 2003
1939 : الجمال الشرقى الهادىء - وسام فهمى
- ` الجمال الشرقى الهادىء ` .. بهذه الكلمات الثلاث، افتتحت جريدة ` ميريديونال ` الفرنسية تعليقها على معرض الرسامة ` وسام فهمى ` فى مدينة مرسيليا فى أكتوبر 1983 . ولقد لفتت ` وسام ` أنظار نقادنا ومعلقينا المحليين بهذا الهدوء والجمال فى أول لقاء بهم سنة 1976 فى ` قاعة مركز الدبلوماسيين الأجانب` حيث قدمت باكورة أعمالها . أسهمت قبل ذلك بست سنوات فى المعارض الجماعية ولكنها كانت لاتزال متأثرة بدراستها الأكاديمية فى القسم الحر بمدرسة ليوناردو دافنشى ` 1962 / 1965 `. لم تكن قد وجدت نفسها بعد لتصبح ظاهرة فى حركتنا التشكيلية المعاصرة. يتميز إبداعها بالحيوية المتدفقة النابعة من الإنفعال القوى والعواطف الجياشة والحب الصوفى للحياة .
- المناظر المثيرة الطريفة التى ترسمها مجرد ` ذريعة ` لتضع ألوانها وخطوطها وتجسد أحلامها الطفولية وتسبح في خيالها الرحب، الذى اشتهرت به وهى تلميذة صغيرة فى مدرسة محمد على الإبتدائية بالمنيرة. لا يستطيع المتلقى أن يمنع نفسه من الإندماج فى عناصرها والتأثر بألوانها والدخول فى عالمها مع إدراكه الكامل بأنه عالم خيالى. بيوتها المرسومة كثيرة الشبه بالمساكن فى حكايات الأطفال. مع ` أليس فى بلاد العجائب ` أو فى مدينة ` عقلة الصباع `! كل ما ترسمه له ` حضور مسرحى ` يخيل لنا أن الأشجار والجبال والأنهار توشك أن تتحرك. مع أننا نعلم طوال الوقت أننا أمام صورة مرسومة لم تقم مبدعتها بأى محاولة لـ ` الإبهام ` أو ` محاكاة الطبيعة أو` التجسيم` بالتظليل والتلوين. لا تختلف البيوت فى `حضورها الحيوى` عن الأشخاص الذين يتصادف وجودهم فى قلة نادرة من اللوحات، بعد أن كانت رسامة وجوه ` بورتريهات ` فقط قبل التغيير الجذرى الذى طرأ على إبداعها بعد عام 1973.
- الطابع التسطيحى الذى تتسم به لوحات ` وسام فهمى ` هو وجه الحداثة فى إبداعها. فالفنان المصرى يتعامل مع لوحته على أنها مسطح ذو بعدين ينفرد بمواصفات تختلف جوهريا عن باقى الفنون: تشكيلية كانت أو أدبية أو مسرحية أو موسيقية. ` وسام ` تدرك هذا بنظرتها فتغلق عالما من المشاعر والعواطف على سطح ملون . تتحدث بلغة العصر وعلينا أن نتوسل بالمفاهيم العصرية لتذوق إبداعها علينا أن نتأمل ما بداخل الصورة وليس ما تمثله من عناصر تشخيصية أو مجردة ، علينا أن نتخذ موقفا جماليا فالرسامون الكبار لم يكتسبوا عظمتهم وشهرتهم بالأشياء التى رسموها بل بـ ` القيم الإستطيقية ` التى أودعوها إبداعهم لتجسيد الخيال والأفكار و` المضمون الإنسانى `.
- فى رحلة إلى العريش فى الصيف عام 1983، سجلت مشاهداتها بالقلم الرصاص كعادتها بتخطيطات سريعة . وحين عادت إلى مرسمها بالقاهرة غيرت لون القمر الفضى إلى برتقالى ضارب إلى البنى . لم يعنها إن كان قمرا أو شمسا، المهم أن تدع جوا أسطوريا يتفق مع خيالها ويبعد بها وبنا عن الأرض إلى عالم غريب .
- وفى أسوان صورت الجنادل التى تعترض مجرى النهر بينما شجرة دوم تقف على الشاطىء يتصاعد الجبل من خلفها لتتنسمه بيوت بيضاء ذات قباب كأنها بيوت الملائكة فى لوحة أخرى يبدو الجبل مهيبا بلونه الأصفر البرتقالى تسمق على سفحه أشجار الدوم كأنها حرس الشرف. أسلوب وسط بين ` التجريد` و ` التشخيص` ومن الجدير بالتنويه أن كثيرين من الفنانين يظنون أن ` التجريد` هو منتهى ماوصل إليه الرسم الملون من حداثة وعصرية إلا أن هذا الزعم خطأ فى رأى ` كليمنت جرينبرج `.. فى بحثه حول الرسم الملون ( 1982)، بالرغم من أفكار مؤسس التجريدية: ` كاندينكل` و ` موندريان `. فالتشخيص ومحاكاة الطبيعة لا يقللان من ` الحداثة `. فى نظر كليمنت- ما دامت ` الصورة المرسومة` تحتفظ بشخصيتها المتفردة ولاتختلط بمقومات فنون أخرى كالنحت أو المسرح ونحن نؤيد هذا الرأى ونرى أن ` وسام فهمى` أكثر حداثة ومعاصرة ـ من حيث الأسلوب ـ من الفنانين وأساتذة الفن يضيفون إلى لوحاتهم ` البروز والحجم` أو أشياء، كـ ` المواسير والنباتات` بدعوى ` تذويب الفوراق بين الفنون`! .
- فنانتنا تبدع لوحة ملونة ذات بعدين تتوفر لها أبعاد جمالية تنفرد بها عن باقى الفنون استطاعت أن تحتفظ بالتشخيص والتسطيح معا. فالتجريديون حين ألغوا ` التشخيص ` استهدفوا تأكيد ` التسطيح` كمقوم جوهرى لفن الرسم الملون لا يشاركه فيه أى فن آخر. إلا أن `وسام` تنأى فى معظم لوحاتها عن رسم الأشخاص والحيوانات وتجنح إلى العمارة والأشجار والجبال والأنهار. تضع ألوانها بكرا من الأنبوب فى غالب الأحيان دون خلطها بالزيت للتليين، أو بألوان أخرى للاشتقاق. تستخدم الفرشاة أو السكين أو أصبعها. الملامس الناتجة عن هذا الأسلوب تخلع على صورها نوعا من الديناميكية والحركة تذكرنا أحيانا بأمواج البحر، فى الرسم اليابانى التقليدى، أو بالسحب والأشجار والحقول فى روائع ` فان جوخ ` .. الذى عشقت أسلوبه في مطلع حياتها الفنية. وربما استخلصت نظرتها المستحدثة وتعبيرها المتسم بالحرية من تجوالها فى العديد من دول أوروبا. زارت إنجلترا وفرنسا وأسبانيا وبلجيكا وهولندا ويوغوسلافيا وبلغاريا، فضلا عن بعض الدول العربية كتونس والكويت. لوحات ` القاهرة القديمة ` و` أسبانيا ` و` بلجيكا ` نماذج جديدة لموسيقى الشكل. نستطيع أن نجد فيها صدى لكلمات ` كاندينسكى ` حين عقد المقابلة بين الرسم والموسيقى . فقد أتقنت `وسام` توزيع البيوت المكدسة المتزاحمة بتأنق وجمال ورقة كأنها ` مايسترو ` يقود حشد العازفين. والواقع أنها لم تبعد عن الموسيقى طوال حياتها. فهى تهواها سواء منها الشرقية أو الغربية الخفيفة والكلاسيكية. تحب رومانسية شوبان وصوفية باخ ونشأت فى بيت ينصت بشغف إلى عبده الحامولى وسيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم . كما كانت الوالدة تتقن العزف على البيانو والقانون بإشراف أساتذة يترددون والبيت الكلاسيكى بحى المنيرة فى الأربعينيات شبت الطفلة على إيقاعات جميلة انعكست فيما بعد على تشكيلات البيوت فى لوحاتها .أما رسومها فى الأقصر وأسوان والقرنة فتدغدغ أعيننا بإيقاعات أكثر بطئا . لكنها فى كل الأحوال تتقن إختيار اللحن من حيث هو نظام لونى متوافق. قد تعترض تكويناتها لمسات ` تأكيدية ` قائمة ضاربة للسواد تذكرنا بخطوط ` موندريان ` أو علامات ` كلى` لكنها تضيف تدفق اللحن اللونى العام إلا المساحة القاتمة تتسم أحيانا بلون أزرق ضارب للسواد كأنها توقف الأوركسترا كله عن العرض دفعة واحدة ليؤكد موقفا معينا. توجد هذه المساحة عادة فى شكل نهر متدفق .. أو سماء فى الليل.. أو بحيرة عميقة مفعمة بالأسرار. لا تتفق تلك المساحات القاتمة مع التقاليد التصويرية المعروفة ولانلحظها عند أى من رسامينا. إنها ضرب من ` الثورة ` أو ` الحداثة ` فالفنانة ترى الماء قرمزيا أو أزرق أو أخضر. يتغير في عينيها على طول ساعات اليوم من الفجر إلى الليل تعبر به عن إحساس داخلى وإنفعال ذاتى مصحوب بإسقاط فورى بصرف النظر عما تراه !
- لهذا الأسلوب المبتكر الذى تنفرد به ` وسام فهمى ` بين فنانينا قصة .
- ذات صباح من شتاء عام 1973، فى قرية ` القرنة` على الضفة الغربية للنيل عند الأقصر، كانت وحيدة مع أطلال الماضى العريق والسكون العميق والشمس الدافئة تشحذ المشاعر والأفكار. كانت ترسم تخيلاتها المعتادة وتلون بعضها بالزيت لكن أيا منها لم يعجبها. لم تبد فيما لونته مايستحق أن تحمله معها إلى القاهرة كانت الطبيعة أشد قوة وحرارة وحيوية تشعرها بالوجود والخلود والحضور أرادت ` وسام ` أن تخلق صورة تتضمن هذه المعانى، تعبيرا موازيا لما تراه جديرا به ليس مجرد تقليد باهت متهافت أدركت أنها مهما قلدت أشكال الصخور والبيوت والأشجار فى هذه البقعة المنعزلة، فالطبيعة، نفسها متفجرة بالوجود .. تحمل معانى الوحشة .. والغربة .. والهدوء .. والأمان . أحست أن هذه ` المضامين ` تموت على مسطح لوحاتها حين تنقل مظاهر الأشياء . كما أن لديها ` مضامين ` ذاتية تريد أن تودعها رسمها. هكذا لم يرق لها الأسلوب الأكاديمى البارد الذى لايعكس ما يعتمل فى صدرها من مشاعر وإنفعالات ويحد من حريتها. لم تصحب معها إلى مرسها فى ` مصر الجديدة ` بالقاهرة سوى تخطيطات بالقلم الرصاص وفى هدوء الصباح بدأت تتذكر وتلون أولى لوحاتها الزيتية بعد عودتها . وكم أدهشها أن ترى نفسها فيما تلونه من تشكيلات جديدة مبتكرة وملامس متناغمة. شعرت بالراحة وبأنها أقرب إلى ذاتها من ذى قبل . كأنما وجدت شيئا كان غائبا عنها. مضت ترسم فى نهم بالقلم الرصاص فى الأسواق والأحياء الشعبية وجبل المقطم ثم تأوى إلى مرسمها لترسم وتلون بأسلوبها الجديد .. حتى كان أول معارضها سنة 1976 بمركز الدبلوماسيين الأجانب بالزمالك .استطاعت بلغتها التشكيلية الجديدة أن تؤكد ` عظمة ` الطبيعة فى أسوان قوارب ثلاثة فى إحدى اللوحات صغيرة نسبيا منظورة من أعلى يتربع في مقدمتها صياد لا تكاد نتبينه، لكنه يضفى مزيدا من الرهبة على المشهد الصرحى، ويساعد النهر والجبل والسماء على أن تكشف عن ` الجلال ` و ` الهيبة ` يحتار المتلقى بين الطابع الزخرفى الغنائى حيث تتحدد مساحات الالوان كأنها أوراق القص واللصق، وبين التشخيص الذى يبدو غير واقعى لكنه يشع حيوية تغمره بإحساس فريد بعظمة المكان. تلك ` العظمة ` هى ` المضمون` الذى استطاعت ` وسام ` أن تظهره فى مناظرها المحلية .
- إذا كانت الزخرفة تتضمن التكرار والتماثل، فلوحات فنانتنا ليست زخرفية كما يتبادر لبعض الأذهان. إنها ` البساطة والبلاغة ` التى نلقاها فى الرسم الملون الإسلامى .. أو فى روائع الفرنسيين ` ما تيس` و` جوجان ` حتى فى لوحاتها المغرقة فى التشخيصية، تتمسك بالتسطيح الكامل والمساحات اللونية المحددة كما فى ` الشاعر وبنات أفكاره ` و` قيس وليلى ` و` الهوانم ` إن الأسماء التى تمنحها ` وسام ` لأعمالها تفتح للمتلقى نافذة يطل منها على خيالها وأفكارها. لكنه سرعان ما ينسى الأمر كله ويعيش بعض ساعة مع رقة الإيقاعات وتناغم الملامس ونظم الألوان والحساسية المفرطة فى وضع الرموز والعاطفة العارمة التى تتوارى خلف التحويرات الزخرفية المتفرقة. لا يلبث المتأمل أن يدخل فى حنايا التصميم ليصبح عنصرا من عناصره. كما لوكان يتفحص سجادة إسلامية أصيلة يستمتع بالتأويل والتفسير كما يشتهى .
- بالرغم من الخبرة الطويلة وزياراتها العديدة للمعارض والمتاحف في مصر وأوروبا، ودراساتها الأكاديمية فى معهد فنى على مدى أربع سنوات، تتسم أعمالها بطابع ` فطرى ` لا تغفل عنه عين الناقد. هذا الطابع هو المسئول عن الجاذبية والطرافة والإثارة التي تكسو رسومها. لو أننا لم نعاين معالجتها الأكاديمية للأشخاص والوجوه ` البورتريهات` لساورتنا الشكوك فى تمكنها من الصياغة الأكاديمية لفرط صدق ` أسلوبها الجديد ` المتسم بالبكارة والنضارة فى كل من الرسم والتعبير نعنى بالطابع الفطرى الاستجابة للمشاعر الفورية وتحكم ` اللاوعى` وسيادة الخيال فضلا عن أنها لم تمارس فن الرسم الملون إلا مؤخرا بعد زواجها وإنجابها طفلة. اشتعلت بداخلها فجأة رغبة لاتقاوم جرفتها إلى عالم الرسم والتلوين فالتحقت بالمعهد الفنى وبدأ المشوار. كأن بها موهبة كامنة انتظرت الظروف المواتية لتنبت وتزهر وتثمر. نعرف عن تاريخ الفرنسى ` هنرى روسو ` أول الفطريين الذين ظهروا على مسرح الفنون ـ أنه قدم أعماله للعرض بعد أن بلغ الثانية والأربعين من عمره وأنهى خدمته فى الجندية وفى الجمارك، لكن ` وسام ` تزوجت وأنجبت ولم تبلغ العشرين بعد. أى أن فكرة الإبداع الفنى طرأت عليها بعد أن وطنت النفس على الحياة التقليدية. كان والدها رجل القانون ـ يرسم الوجوه بالقلم الرصاص فى أوقات فراغه. لكن النزعة الفنية تبلورت عند الإبنة حتى أصبحت شغلها الشاغل دون أن ترقى إلى مرتبة الاحتراف، مما يرجع ` الطابع الفطرى ` لسلوك الفنانة تمشيا مع وجهة نظر` مؤتمر براتسلافا للفن الفطرى ` من سلبيات هذا الاتجاه قلة الإنتاج. لكنه يعوض ` الكم ` بال` كيف` يعوضه بـ` الصدق والحيوية `. ويؤكد الباحثون فى ` الفن الفطرى ` أن هذه ` الصفات` هى خط الدفاع الخالد فى مواجهة حرب الأبادة التى تشنها ` المدارس العبثية التجريدية ` ضد فن الرسم الملون، بتشجيع من أثرياء الانفتاح الأميين ودعاة الغزو الثقافى الذين يخلطون فن الرسم الملون بفنون النحت والمسرح .
- يتجلى صدق ` وسام فهمى ` فى أنها تلقى بمشاعرها الغفل على قماش لوحاتها وتعيش مع عناصرها فى رحلة إبداعية إنفعالية نشعر بعدها بالراحة. بعد أن أفرغت مع ألوانها وخطوطها شحنة عاطفية كانت تعصف بها. لذلك لا تجلس إلى أدواتها فى مرسمها إلا إذا تجمعت فى نفسها أسباب ` العاصفة الإبداعية ` تتغير الألوان حينذاك عن الواقع وتصبح رموزا وتعبيرات ذاتية. وفى الوقت الذى نتنسم فى أعمالها عبير الشرق الإسلامى، نراها لا تنتسب إلى أى من المدارس الفنية التقليدية المعروفة فهى بفطريتها وعصريتها تتخذ من الإتجاهات جميعا أبجدية لإبداعها. عالمها من صنع خيالها لا توجد فى لوحاتها ثمة أحداث لكنها ` تروى ` حكايات نحسها بلا أبطال. فالبطل عندها هو التكوين وليس العنصر. التعبير العام وليس التفاصيل لا تنقل الطبيعة بل تسجل تخطيطات سريعة ` اسكتشات ` ثم لا تتقيد بها. مجرد ` مثير `. عامل مساعد فى ` التسخين` الاولى قبل الانفعال الإبداعى الذى يستغرقها. العقل الواعى لا يضم تلك الألوان الغريبة التى تبدو متنافرة لو تأملناها منفصلة عن باقى التكوين والنظم اللونية. الصدمة التى يستقبلها المتلقى من اللون الأزرق الداكن فى وسط اللوحة أحيانا مجرد رمز للماء العميق الغامض.. كالحياة والمستقبل ! تبدو ألوانها أحيانا كأنها مرسومة بطريقة ` الخيامية `ـ قماش ملون مقصوص ومثبت على قماش آخر.. لنصوع ألوانها وتحدد مساحاتها وعدم تداخلها. هذا الطابع يضفى على إبداع ` وسام ` عامة والمناظر خاصة مسحة شرقية قد تكون السبب فى تعليق الصحيفة الفرنسية بأنها تمثل ` الجمال الشرقي الهادئ `. وربما هو الذى أوحى لبعض نقادنا بتأكيد الصفة ` الأنثوية ` فى رسومها، استنادا إلى الروح الزخرفية التى تصاحب هذه الطريقة فى التلوين. إلا أن ` الزخرفية` شائعة فى لوحات فنانين رجال كبار كما أسلفنا سواء فى مصر أو في الخارج. فضلا عن أن الطابع الزخرفى عند ` وسام ` يدخل تحت ` الغنائية ` و` الفانتزية ` شىء يشبه الترانيم الطفولية .
بقلم : د./ مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الثانى )
نبض الحياة .. فى عروق الحركة الفنية
- تواصل الحركة الفنية فى مصر نبضها عبر مستويات إبداعية متتابعة من الشهيق والزفير، وهى تتنوع بين الخبرات التجريبية المستعادة من مسيرة الرحلة الممتدة للفنان متضمنة تجارب الشكل المتلاقحة مع النماذج التراثية والغربية معا، مثلما نرى فى المعرض البانورامى لرحلة الدكتور صالح رضا ، وبين خبرة الاستبطان الشعرى السريالى المكثف، مثلما نرى فى أعمال الفنان المغترب أحمد مرسى ، وبين حالة التكثيف الرومانسى المستلهم من تراث العمارة الإسلامية والشرقية مثلما نجد فى أعمال الفنانة وسام فهمى، وبين فن الموقف السياسى الذى يقارب الشهادة المعبرة عن ضمير الفنان فى مواجهة الهيمنة الغاشمة للقوة العظمى التى تهدد العالم بالخراب والفوضى، مثلما نجد فى معرض الفنان عبد الرحيم شاهين .. إلى أن نصل إلى تجربة العزف بضوء الشمس فى إيقاعية صداحة ودافئة عبر مفردات الحياة اليومية من خلال معرض الفنان على عزام . وتلك شهادات على اتساع مساحة الخصوبة والتدفق الابداعى فى عروق الحركة الفنية المصرية، تحمل إرهاصا بالخروج من خندق العزلة والرتابة الذى تقوقعت فيه طويلاً من وسيط إلى آخر ، برؤى حداثية مثيرة للجدل . بورتريه مدينة - هذا هو عنوان المعرض الذى أقامته الفنانة وسام فهمى الشهر الماضى بقاعة المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى بالقاهرة ، متضمنا مجموعة أشبه بالمنمنمات الفارسية أو الهندية المتماوجة بالقصور والقلاع والقباب والأقواس والجوامع والمآذن والبوابات والنوافذ والمدرجات والحدائق، وكأنها صفحات من كتاب ألف ليلة وليلة، شغلتها يد الفنانة برقة بالغة كما لو كانت منسوجة بإبر الكروشيه وليس بفرشاة وألوان زيتيه أو أكريليك . -غير أن طموح وسام عبر العديد من معارضها السابقة وحتى الآن ، يتجاوز هذا المعنى الأدبى ، ويتطلع إلى خلق نسيج تجريدى عبر شرائح لونية تتحاور وتتقاطع وتتعامد أفقيا ورأسيا إلى ما لا نهاية ، وربما تقودها السليقة إلى إحالة الجمادات فى الطبيعة إلى كائنات حية متفاعلة كأعضاء الجسد لا تخلو من تكورات أنثوية أو إيماءات ذكورية موحية بتفجر الحياة والخصوبة.. وقد تقبل - على النقيض من ذلك التأويل نحو إيحاءات روحانية تتردد فيها أصداء الذكر وأصوات الأذان، لكنها فى جميع الأحوال اقرب إلى معزوفات شرقية عذبة، صداحة بنعومة الوتريات حينا، وبرنين النحاسيات حينا آخر ، وبدوى الطبول حينا ثالثاً . - غير أن وسام لم تكتف بعرض تلك اللوحات عن مدينتها الخيالية، بل أضافت إليها مجموعة من الوجوه الواقعية لنسوة ورجال تعايشت معهم عبر سنين العمر ، ينتمى اغلبهم إلى أصول شعبية ونوبية ، وقد لفحت الشمس وجوههم فأحالتها إلى لون برونزى متوهج ، وعكست ملامح النسوة خاصة ذلك الحس الاستوائى البدائى الذى يذكرنا بنساء جوجان فى جزر تاهيتى، وقد أحاطتهن - كما أحاطهم جوجان - برموز من السحر وعناصر من الأثاث والمفروشات ومن الألوان البنية والطينية والزرقاء، ما أضفى عليهن الروح المصرية الصميمة. وبرغم قدم الزمن على هذه المجموعة من الوجوه ، وبرغم أسلوبها الواقعى المباشر ، فان المرء لا يستطيع مقاومة سحرها وجاذبيتها ، ربما فاقت فى ذلك لوحات مدينتها السحرية .. لماذا ؟ .. هل يكمن السبب فى الفرق بين الخيال الرومانسى المحلق وبين دفء الصدق على أرض الواقع ؟ .. أم أنه يكمن فى درجة التفرد فى كل بورتريه عن الآخر ، فيما يصعب التمييز بين لوحات المدينة التى تتشابه كوجوه الصينيين ؟ .. - لكن تلك مسألة نسبية على أية حال، لأنها تتعلق بالذوق .. الذى يختلف من مستقبل إلى آخر .
عز الدين نجيب
كتاب الهلال مارس 2003
معارض .. معارض
-الجذور، بدونها تنحنى كثيراً بدونها تقتلع سريعاً..هى الكيان..الكنز والكرامة.. هكذا تقول الفنانة التشكيلية وسام فهمى .. وهى فنانة بسحر الشرق وحضارة مصر وعظمة طبيعتها ..عالمها من المآذن والقباب والقلاع والكنائس ..والمعابد الفرعونية وكثبان الواحات ورمال سيناء.. وزرقة المتوسط والنيل والنخيل والمراكب الشراعية وبقايا الآثار الإسلامية بأوروبا الشرقية.. بيوغوسلافيا وبلغاريا ودروب ودهاليز القاهرة القديمة والمغرب وتركيا.. كل هذا يتشكل فى لوحاتها من جديد .. فى عالم فريد من البراءة والنقائية والتقاء اللون فى مسطحات تعكس طفولة الأشياء وعاطفيتها.. فتبدو ألوانها كالأغنيات المرحة.. عناصر تتوحد وتتعانق كالأرابيسك العربى .. يعكس طابعا شريكا .أشبه بنوافير الأحلام .. من هنا ليس غريبا أن تفتتح جريدة `ميريديونال ` الفرنسية تعليقها على معرضها الذى أقيم فى مرسيليا عام 1983 بعنوان ` الجمال الشرقى الهادئ `. - ووسام فهمى خريجة الفنون الجميلة ليوناردو دافنشى 1965 القسم الحر وقدمت 18 معرضا خاصا فى القاهرة وباريس وبلجيكا وهولندا ومارسليا والولايات المتحدة الامريكية . ولها مقتنيات فى بلاد عديدة .. بيوغوسلافيا والمغرب وتركيا وأمريكا .. - يقول الناقد التشكيلى مختار العطار حول أعمالها : استطاعت بلغتها التشكيلية أن تؤكد عظمة الطبيعة وتكشف عن جلال وهيبة المعمار الشرقى.. يحتار المتلقى بين الطابع الموسيقى وبين التشخيص الذى يبدو غير واقعى ويشع حيوية تعمره باحساس فريد بعظمة المكان مع استجابة للمشاعر الفورية وسيادة الخيال .
صلاح بيصار
مجلة حواء 25 /12/ 1997
وسام فهمى مسافرة زادها الألوان
1-تتراقص لوحات وسام فهمى بين الخيال والواقع، تكاد تقول عن مشاهد البلدان والمدن التى تراها أمامك أنها بألوانها وخطوطها وتكويناتها مشاهد من الواقع، فهذه البقعة التى تصورها هذه اللوحة أو تلك لابد أنها هنا أو هناك من أرض مصر أو أرض الوطن العربى، أو ربما هى مكان ما فى أرض الله الواسعة، قد تكون فى `تونس الخضراء بطابعها المميز التى أعطت الفنانة - على حد قولها - فنيا الكثير، أو فى الأندلس الساحر بتاريخه العظيم وعمارته الخاصة وحدائقه الغناء`، أو فى `يوغوسلافيا الشرقية بإقليم البوسنة والهرسك الذى يمتاز بآثاره الشرقية وسط الطبيعة الغنية`، أو قد تكون أخيراً - وليس بآخراً- فى `المغرب العريق الثرى بكل أنواع الفنون` والذى قدمت الفنانة فى معرضها بالمركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى بالزمالك (فى الفترة من 7 إلى 19 فبراير 1988) بعضاً مما استوحته منه من مناظر، وقد يكون ذلك المكان أيضاً من بلدها الذى بدأت مشوارها الفنى بالتعرف عليه جيداً، وعلى الأخص عمارته القديمة ومناظره الطبيعية المميزة من صحارى وجبال وواحات، بلدها الملئ - على حد قولها - بالغموض الذى يثرى الإحساس، وبعد ذلك حاولت الفنانة التعرف على البلاد الشرقية المختلفة التى تجمعها كلها وحدة الفنون منذ فجر التاريخ (استخدمنا فى السطور السابقة فقرات من كلمة الإهداء التى صدرت بها وسام فهمى كتالوج معرضها الأخير (فبراير 1988).
- وفى هذا يقول الناقد كمال الجويلى عن وسام فهمى `هذه الفنانة صديقة حميمة لروائع الطبيعة وكنوز العمارة العربية وأمجاد الحضارة، تسعى إليها فى قاهرة المعز، وفى طبيعة المغرب العربى وتراثه، وفى آثار الأندلس، وفى أى موقع يحمل آثار أقدام الشرق، يفتنها تجدد الطبيعة الدائم وتثير وجدانها الرؤية الأولى لمشاهدها. ولهذا تسعى دائماً إلى موقع لم تراه عيناها من قبل، فتستوعب فى أعمالها لحظة الدهشة، وتصفيها لتخلص إلى جمالياتها، إذن، تشغل الطبيعة وطابعها وسام فهمى، فى تونس اللون الأبيض للمبانى وخضرة المساحات، وفى المغرب تضاد لونين أساسين سواء أكان ذلك بين السماء والأرض أو ما يصنعه ويشكله الإنسان، تعنى بالمجموعات اللونية المتناسقة بحيث ترقى بذلك إلى درجة من الهارمونية فى العلاقات، وتهتم بأسباب المساحات والتجريد فى الطبيعة وفى المساحات الشاسعة أمامها تتعامل معه بواقعية.
- إنك إزاء لوحات وسام فهمى إذن تكاد تهتف: هذه مشاهد من الواقع ولكن لا تلبث الفنانة أن ترتفع عن أرض الواقع الملموس - وتحلق بك فى أثير تكاد تطل فيه على مشاهد`وسام` من على سحابة تتهادى فى السماء، أو من على بساط سحرى نفخت فيه شهرزاد من خيالاتها.
- وفى هذه المشاهد التى تتأرجح كما قلنا بين الواقع والأحلام تتمثل قدرة `وسام فهمى` الإبداعية، وتتجلى شخصيتها الفنية، إنها بحق من الفنانات اللاتى استطعن أن يخلقن عالماً خاصاً بهن وهوعالم ليس من الواقع ببعيد، ولكنه يستقل بنفسه ويتفرد.
- ولم يأت بلوغ وسام فهمى إلى هذا العالم الخاص بها طفرة بل سبقته دراسات لمدة أربع سنوات بمعهد ليونارد دافينشى حتى 1965 حيث تقيدت الفنانة أول الأمر بقيود الصنعة، واتبعت إملاءات مدرسيها، ولكنها لم تفقد تلك الندرة التى كانت بداخلها ولم تطفئ الومضة تحت ركام الجمرات المنطفئة بل ظلت هناك تنصهر وتتطور إلى أن جاءت اللحظة التى انبثقت فيها من جديد، لتقود الفنانة إلى رؤيتها الخاصة للوجود المحيط بها.
2- ما الذى يجعل هذه اللوحات من الواقع، وما الذى يجعلها أيضاً إلى الخيالات والأحلام أقرب.
- هى من أرض الواقع لأنها تصور عمائر وأشجارا وجبالاً وودياناً ودروباً صاعدة هابطة، فهى لوحات لا تنقطع صلتها بالعين التى تبصر، ولكن ما تبصره الفنانة لا تهرع إلى نقلة على الورق أو القماش كما رأته فى لحظة المشاهدة بل هى تختزن الرؤى، لتعود إلى استرجاعها، ومن خلال هذا الاسترجاع للمخزون من رؤى الواقع تنتشى اللوحات بطلاوة الذكرى التى ما عادت تتحكم فيها التفاصيل، ولهذا فكثيراً ما تسمى الفنانة لوحاتها بحق ` من وحى...`: `من وحى الرباط` `من وحى مراكش`، وما من لمسة أونقطة أوخط فى لوحات وسام مكبل بالأغلال، كل الموجودات كفلت لها حريتها وسمح لها بأن تشغل المكان الذى يناسبها وبالحيز الذى يروقها، فليس ثمة هندسيات صارمة فى لوحات وسام فهمى بل على العكس تكتسى كل الأشياء فى تلك اللوحات، حتى العمائر والجبال إنسيابية تنبع من شاعرية تلك الفنانة التى ترهقها الأطر، وتفرسها الشيخوخة، فترهب الخط المستقيم والزواية الحادة وترتاح إلى ليونة الخط ودائريته ولولبيته تجول به فى أرجاء اللوحة صاعدة هابطة منحرفة يميناً ويساراً، أما الألوان فلا تخشى الفنانة تضادها وتصادمها بل إنها تعوض نعومة الخط بوحشية اللون، وإن كان ذلك التضاد اللونى يرقى لديها إلى نغمية تنسجم فى النهاية معها خطوطها.
- كما تجد الفنانة أيضاً من أجل ما ذكرناه فى رسوم الأطفال راحة، ويستقر أسلوبها عند أساليبهم ويتشبه بها، فيضاف بذلك إلى إبداعها رافد يخلع على لوحاتها طلاوة وصراحة.
3- وترسم وسام بشغف يذكرنا بفان جوخ وارتوللوودوفى وبول كلى وأوسكار كوكوشكا، وبهذا الأخير على الأخص الذى أبدع مجموعة من اللوحات لمناظر المدن التى زارها وإنفعل بها وسمى كلا منها `بورتريه مدينة`، وهذا ما فعلته وسام بدورها، فنحن عبر بيوت وظلال ومآذن وقباب وبواك وسماوات ونافورات وموالد فى أرجاء عالم مسحور يبدو كأنما هو حلم من الأحلام، كما تذكرنا لوحات وسام فهمى بأعمال الخيامية وبأكلمة الحرانية ، وبكل ما هو شعبى وبدائى وطفولى من عطاءات الفن التشكيلى وترقى وسام فهمى من خلال طلاوة النظرة والتطهر من الجمود ، وصدق الرؤية، والإقدام بلا وجل إلى مكانة متميزة فى تصويرنا المصرى الحديث.
4- إنك أمام لوحات وسام فهمى كأنك فى قطار يمضى بك يقطع المسافات وتترى أمام ناظريك من الشباك المناظر تلو المناظر وكأن الفنانة تعترف لك قائلة `إننى لا أرسم فيما ترى سوى أحلام.. أحلامى أنا، فقد كنت على الدوام أحلم بمدائن وعوالم، على ضفاف نهر أو على قمة تل أو فى حضن جبل، أحلم بمدنى، بمدن أجوس خلال عمائرها منومة مسحورة، يشدنى إليها نداء داخلى، من أساطير وحواديت، سمعت عنها فى طفولتى، ما عاد يبقى منها اليوم سوى الرنين والذكرى المبهورة وحنين إلى بقاع لم يعد لها وجود سوى فى لوحات انكب عليها ببدائية، وتعلق عيناى على الأخص فيما أرسمه بعد المشاهدة جماليات العمارة الإسلامية ونمنمات القوالب الشرقية.
5- وتعود بى لوحات إلى سنوات طفولتى وصباى الباكرة - كنت فى تلك الأيام أبهر ببطاقات البريد التى ترد إلينا فى الأعياد والمناسبات بما تحمله من مناظر، وعلى الأخص فى أعياد الميلاد بمناظر الأكواخ تُجللها الثلوج ويفد من الشبابيك المغلقة بصيص من نور، أما فى السماء فعلى الدوام تتهادى أو تجثم سحب تتخذ أشكالاً، أو يلمع نجم من تلك النجوم الهادية تشع منه حزم من الضياء تنير الطريق أمام المجوس كى يمضوا إلى المذود المتواضع الذى ولد فيه المسيح، وتارة كانت تلصق على المناظر نتف من أوراق فضية أو مذهبة تجلل المشهد وتتلألأ كماسات صغيرة مرصوصة أو متناثرة فى الحيز الذى بدوره صغيراً منمنماً.
6- وفى حديث لى مع وسام فهمى فى يناير 1988 فسرت لى الفنانة، كيف ارتبطت بتصوير الأماكن، وما الذى جعلها تكرس فرشاتها لرسم مشاهد المدن والقرى وغيرها مما ارتبط به اسمها، وحول هذا تقول: فى حوالى سنة 74 أو 1975 رسمت لوحات عن الأقصر، وعن `القرية` على وجه التحديد، وكنت أقيم عند الشيخ على عبد الرسول - وهو شخصية معروفة للفنانين، إذ كان صاحب المرسم القديم هناك، وعندما جلست فى رحاب التاريخ المصرى، وكانت هذه أول مرة أرسم مناظر طبيعية، أحسست بأننى أنتشيت بالمكان، أجل انتشيت به حقاً، وصار بداخلى دافع قوى يحفز أن أصور انطباعى عن الأماكن فى لوحات، قبل ذلك كنت أصور بورتريهات وكانت الوجوه النوبية هلى الأخص تريحنى، ومشاهد من حياة البشر المحيطين بى، وكانت لا تعجبنى أحياناً، ولكن فى الأقصر جاءت أولى محاولاتى للتعامل مع الطبيعة الحية، وشعرت أن رسم لوحة لمكان هى استيعابه واختزانه بكل تفاصيله ودقائقه فى الذاكرة ولكننى مع الوقت أحسست أن تسجيل التفاصيل والظواهر بذاتها ولذاتها أمر يرهقنى، أحسست بأننى لا أريد أن أرسم المكان بظواهره فحسب فهذه قد لا تعنى شيئاً، وإنما أريد أن أرسم جوهر المكان وروحه الكامنة التى قد تطمسها البهارج الخارجية، إن اللوحة تكوين شديد الخصوصية، وقائم بذاته تماماً، قد يستمد جذوره من الواقع، ولكنه يرقى فى النهاية إلى أن يكون منفصلاً عنه بالحدود اللازمة لحياته، ولم أعد استريح للنقل عن الطبيعة، صرت آخذ اسكتشات سريعة بالقلم الرصاص أدخرها للوحاتى المقبلة، ورفضت أن ألون على الطبيعة، فلم يكن ذلك يرضينى، صرت أطيل الجلوس فى المكان لكى أحس به اكثر، عانيت تغيرات الضوء واللون من الشروق إلى الغروب وعندما عدت إلى مرسمى بمصر الجديدة بالقاهرة بعد قرابة أربعة أسابيع بدأت اقتفى أثر تلك الخطوط واللمسات السريعة التى راحت تذكرنى بالمكان الذى عايشته فأضع الألوان من خيالى، فمنحنى هذا فريداً من الحرية، وصرت أزيل من تكويناتى ما لا يعجبنى، وأبقى على ما يروق لى.
- وباختصار أحسست بالاستقلال وانعتاق، وصرت سعيدة وأنا أرسم هذه العمال التى تقوم على إفراغ المنظر الطبيعى على اللوحة من ذاكرتى، مع الاستعانة فى ذلك بالاسكتشات التى سبق أن أعددتها، وعامل الذكرى يفتح لى الطريق إلى الخيال.
- وفى أوائل عام 1978 سافرت وسام فهمى إلى تونس، وشدها إلى هذه الزيارة سماعها الكثير عن هذا البلد عن تونس البيضاء، عن تونس الخضراء، وكان لهذين اللونين، الأبيض والأخضر مقرونين باسم هذا البلد الشرقى الساجى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تأثيرها على وجدان الفنانة المحبة للحياة وللأسفار، كما كانت وسام -كما تروى- قد التقت بسيدة تونسية انعقدت بينهما أواصر صداقة وطيدة، شدتها إلى تونس فرحلت إليها مؤمنة صلة دفينة بين لوحاتها والفنون الشرقية، مقررة أن تؤكد هذه الصلة وتقويها على الطبيعة ذاتها.
- وتقول وسام فهمى فى حديث معى جرى أوائل ينايرعام 1988: رحلت إلى تونس وكان هذا البلد اكتشافاً لى بالنسسبة إلى الطابع اللونى والمعمارى الذى يصمم أهل ذلك البلد على التمسك به فى كل قرية ومدينة، بل وفى كل بيت حيث يكون هناك حجرة عربية يستمعون فيها إلى التراث الموسيقى القديم.
- كانت هذه الزيارة بالنسبة لوسام فهمى `نقلة كبيرة فى الألوان` إذ تحولت من الألوان الصفراء والبرتقالية والبنيات إلى الألوان الخضراء والبيضاء والوردية والزرقاء، واستراحت هناك على الأخص إلى دوائر القباب.
- وبعد تونس التى استقر بها مقام الفنانة شهراً، عادت إلى القاهرة حببتها `قباب تونس` فى المعمار الشرقى فعمدت إلى `اللف` فى القاهرة القديمة بحثاً عن المعمار الشرقى فى مصر، ولكن كان هذا ليس بالموضوع الجديدولكن إضافة وسام فهمى إلى هذا الموضوع المطروق هو نزوع لوحاتها المكانية إلى الخيال فى محاولة لاستعادة وضاءة الماضى وبريقة.
- وبعد القاهرة القديمة شاءت وسام أن تبحث من جديد عن الشرق فى الخارج، فرحلت إلى أسبانيا وذهبت إلى الجنوب فى رحلة غير معدة مقدماً. وحيثما شدها المكان أقامت فترة أطول من الوقت، وتقول وسام فى حديثها السابق لى:` وقد أفادتنى هذه الرحلة بأن ازددت معرفة بقيمة مصر، من ناحية المعمار القديم، صحيح أن للأندلس طابعاً معنياً، لكن معماره خفيف، أما المعمار المصرى القديم فيتصف بالرسوخ والشموخ.
- وعادت الفنانة إلى القاهرة القديمة من جديد بعد أسبانيا حيث أقامت بها قرابة شهر عام 1980، وتعلق وسام على رحلتها هذه بقولها :`أحببت فى أسبانيا تعايش الفن القوطى والإسلامى جنباً إلى جنب، وعلمنى ذلك أن الفن تزاوج لا اختلاف`.
- ثم سافرت وسام فهمى إلى يوغوسلافيا عام 1983 وتقول عن رحلتها هذه:` سمعت أن فى يوغوسلافيا بقايا من الشرق. فرحلت إلى منطقة البوسنة والهرسك. هناك شاهدت الجوامع ذات المآذن الطويلة وسط الرقعة الخضراء، مع طابع شرقى يختلف على أى حال عن الطابع الشرقى الذى التقيت به فى أسبانيا.
-عادت الفنانة إلى سيناء وسيوة. وكل رحلة إلى الخارج تردها إلى بلدها بوشائج أقوى وتجعلها تبحث فيها من جديد عن الأماكن التى لم يسبق لها زيارتها.
7- وتستلفت لوحات وسام النظر بطلاوتها وبهجة الحياة، وبتوقد حسها إلى كل ما حولها، فالبيئة تنفذ إلى اللوحات من خلال فرشاتها إلى اللوحات، وهى تلتقط وتستوعب تحلل وتفكك جزئيات ما حولها، ثم تعيد بفنها التركيب والبناء من التسجيل إلى الإبداع، من الرؤية المباشرة تصعد وبخطوات واثقة إلى التعبير الفنى، فلوحات وسام هى الطبيعة المحيطة بها أعيد صياغتها بلغة ذاتية أصيلة، فالفنانة تحافظ على الإطار البيئى ولكن داخل ذلك الإطار وفى كل جزئية منه تنبض الفنانة ذاتها.
8- فى بعض بورتريهات وسام فهمى الباكرة يبين مبلغ تمكن الفنانة من التغلغل إلى أعماق الشخصية الجالسة أمامها ، لا تتزاع كثير من خلجاتها ونوازعها العميقة، ثم وضع هذه المادة النفسية الدافئة فى حالة انسجام وتناغم مع سائر اللوحة اللونى الذى هو على أى حال تكوين ينبئ عن الحركة الجياشة المتأججة التى ستمضى فيما بعد لترقى إلى قمم من الحرية المحكومة بأصالة الفنانة وذاتيتها المتعطشة إلى الإبتكار.
- وتقوم لوحات وسام فهمى على محاولات أريبة لتحقيق التوازن بين السكونية والحركية فى العمل الفنى وتنجح الفنانة فى بلوغ هدفها اعتماداً على إعلائها لقوة التعبير على مجرد الإطار الخارجى لظواهر الأشياء فتبدو على أعمالها تلك الديناميكية التى أصبحت لا من سمات التصوير الحديث وحده بل ومن سمات العصر كله، فضلاً عن استفادتها من درس عزيز من دروس الفنون الحديثة وهو عدم خنق الفنان فى أطر محافظة قديمة لمجرد توفير الأمان والصحة، فالفنان الحديث يعرف كما تعرف وسام فهمى أن صدق التعبير النابع من الرؤية الداخلية للفنان هو الذى يوضع فى المقام الأول عند تذوق عمل من أعمال الفن الحديث، وإذ يغمس الفنان العصرى فرشاته فى أعماقه، تخرج إلى لوحاته أيضاً بكثير من مكنونات التراث التى تلتحم برؤية الواقع فتجلب أعمالاً فنية ليس مجرد تسجيليات ميكانيكية مما تركه الفنان للآلة التى صارت بإمكاناتها المتطورة المذهلة قادرة أن تنتج الكثير ولكنها لا تستطيع على أى حال أن تتفوق على الفنان فى مجال وحيد وهو التغلغل إلى أعماقه ذاتها، فللفنان أعماق تنتج فناً.
- وإذا كانت وسام فهمى قد كسرت قيودها متحررة من إسار `التقليدية` فى التعبير الفنى، تاركة وراءها كل `تحفظ` ماضية على مسئوليتها فى مغامراتها التشكيلية، فإن خيالها الخصب لا يلبث أن يقودها إلى أعمال فيها من `السيريالية` بصمات دون أن تتردى على أى حال فى إسار هذه المدرسة التى تجوزت اليوم على مستوى الفن المعاصر كله، ولكنها أعطت الفنان دروساً للمستقبل ثمينة وغالية لمن أحسن الفهم واستوعب النداء، ترسم وسام فهمى الطبيعة بفرشاة مخضبة بذاتية بالغة ورهافة حس غامرة تتوصل إلى رؤى خاصة بها تقف على حافة الواقع ولكنها على أى حال تمضى متجاوزة إياه إلى ما يمكن أن يقترب من الحلم، ولذلك لم يكن خطأ أن يقال عن لوحات وسام فهمى عن مناظر الطبيعة إنها من `الواقعية السحرية` بألوانها الطلية وصراحتها القوية التى إن دلت فعلى مبلغ تعطش الفنانة إلى الألوان والضياء بدافع قوى إلى حب الحياة، يذكرنا إلى حد ما بعشق الحياة الذى كابده فان جوخ بدوره من قبل، وعلى الرغم من كل الذاتية التى تدفع الفنانة إلى صبغ أرجاء لوحاتها بألوانها شديدة الخصوصية فإنها لم تتخلَّ أبداً عن الارتباط بالواقع، ولم تترد فى التجديد على الإطلاق.
- وثمت سمتان يجدر أن نلاحظهما على أعمال وسام فهمى، الأولى أنها برغم عصريتها كفنانة لم تترد فى التجريد ولئن بعدت أشكالها عن النقل الحرفى عن الطبيعة حتى بلغت فى بعض الأحيان حد الابتكارات التشكيلية البحت فإنها لا زالت تلك الأشكال منحدرة عن الطبيعة، وترتبط بها ارتباط ولاء قوامه ليس الاستعباد والتبعية بل الحب والاستقلال والذاتية.
- أما السمة الثانية، فهى أن كل الأشكال الناضجة بالانفعال والحيوية المتأججة فى لوحات وسام فهمى، رسمت لذاتها، ولم يقصد بها أن تتضمن رموزاً ومعانى تحتية إلا ذلك المعنى العام المتمثل فى الانتماء والارتباط بالأرض والتراث وهذا لدى وسام ليس رمزاً بل هو طابع عام، وإذ تتصاعد تشكيلاتها أيضاً إلى مستوى التغنى بالشرق والبيئة فإن الفنانة لا تؤدى ذلك عن تعمد وافتعال بل عن التقاء بموضوع ترتاح لديه وتطمئن إزاء السؤال الذى لابد أن يؤرق كل فنان أصيل على الأقل عندما يجتاز مرحلة البحث والتحصيل ويشارف على التفرد، ألا وهو ماذا أرسم؟
بقلم: د./ نعيم عطية
مجلة: إبداع (العدد 12) ديسمبر 1989
الواقع والخيال ينسابان فى لوحات من المآذن والقباب تسبح بين السماء والأرض
-هى الفنانة ذات المكانة الخاصة بتفردها الأسلوبى وعالمها الخاص الذى به تتفتح مدن الخيال لتأخذ من الواقع وتعيد صياغته بعد مروره بأثر المكان عليها وهى فنانة ترى الحياة نقية مفعمة بقيم الخير والجمال وقد نزعت عن لوحاتها شوائب الواقع وهى فنانة واقعة تحت تأثير جمال المدن الإسلامية وقد طافت بالعديد من المدن ذات التراث الشرقى الأصيل بعماراته وتقاليده من تركيا فى الشرق إلى المغرب فى الغرب وما بينهما من تونس وبلاد الأندلس ويوغوسلافيا ومن قبلهما مصر ولترسم عماراتها القديمة والمآذن والمساجد وإن رسمت شخوصا فهم غائصون داخل مبانيها الأرضية كأنها ترسمهم غائصين كحفريات جبلية نراها من مقطع رأسى إلا أن قلوبهم نشعر بها معلقة فى السماء مثلما هو قلبها معلق بالحضارات الشرقية أو بقاياها التى تراها متصلة ببعضها البعض وهى حين تبحث فى مكان تجد نفسها تستكمل ما بدأته فى مكان آخر بين شعوب أخرى بنفس الروح والحس الشرقى وروحانياته ففى أى بلد تذهب إليه دائما ما تنبش عن مآذنها وقباب مساجدها تراها ثم ترسمها كما تستشعرها وقد أبدعت عشرات اللوحات من القاهرة القديمة قدمتها كمدينة عضوية حية متحركة لها موسيقية خاصة تعيش فى ظل مآذن وقباب المساجد التى تحتضن مساكن البشر معنويا ليصبح المشهد كله محملا بالطمأنينة والتاريخ وبعبق المكان المتفرد بتاريخه القديم وثقافته الخاصة ونور الإيمان ونور اللون فى حيوية تتعادل وتكشف عن جمال الشرق الكامن فى روح المكان وحيويته بمعماره وأشجاره وزهوره ناقلا الحركة والجمال الداخلى من منظور علوى كأن الفنانة تحلق فى السماء كى ترسم لوحاتها مرتفعة بها عن الأرض تصحبها مدار خارجى خيالى يسير معها يطوف حول الأرض محملا وروعة تحليق الروح فوق المكان فى انسياب ويسر فلا نجد فى لوحاتها عوارض هندسية صارمة حتى بيوتها لانت أطرافها ولم يعد لها حواف بل أصبحت مبانى عضوية تتلامس مع الإنسان وتحتويه ويبادل كل منهما الآخر مشاعر الحماية والاحتماء بالآخر حتى حين ترسم الجبال ترسمها جبالا شاعرية مرهفة حنونة على الأرض وساكنيها كأنها تتصالح مع قسوة المكان ومحتواه وحين تسقط ألوانا متضادة معا نراها تعيش حالة من الانسجام والتهادى معا مع منطقة لأخرى كأنه يربط خيطا رهيفا ومتينا من حرير الأرض بالتراث فى مساحات توحى بالحركة الديناميكية بل هى حركة داخلية باطنية مؤكدة حركة الحياة وتصاعدها فوق أعناق المآذن والأشجار والبيوت لتنتقل من جزء لآخر داخل اللوحة الساكنة لكن العين هى التى قوم بالحركة الرأسية الظاهرة التى تقود إلى الحركة الداخلية الباطنية .
- وبين مآذن الروحانيات الهائمة فى فضاءات اللوحة يمكننا تصور الفنانة نفسها سابحة فى الهواء تنساب مع المساحات والألوان لا تعوقها حواجز ومصدات أرضية أو مساحات حادة فاصلة ليصبح برؤية أعمالها المشاهد أيضا هو سابح فى ضياء ونعومة التسلل فوق وعبر لوحاتها وقد جردت الطبيعة من تفاصيلها لندرك بعد معايشة لمشاهدها أننا أمام لوحات تحمل واقعا لكنه واقع سابح فى الخيال وأيضا ندركها كلوحات خيال لكنه خيال تجسد فى الواقع داخل بقعة واحدة كمشهد تراه فوق سطح بلورة كالتى ترى فيها الواقع منزلقا من خلال الخيال سابحا بلا انقطاع فيمكنك أن ترى لوحاتها وكأنك تنظر إليها من داخل بلورة سحرية ترى الجوانب معا فى وقت واحد وترى المشهد على شبه استدارة وملتئمة أطرافه داخل اللوحة فى ليونة فى انعكاساته الناعمة فوق سطح المحدب فى انفعال وحيوية لتراه كمشهد وقد تكثف مركزا فوق سطح نقطة ماء نراها مكتملة الحواف ملتئمة وفى حالة تكامل واكتفاء ذاتى .
- والفنانة وسام تقترب من زاوية تركيبة الفنان مارك شاجال وشخوصه المحلقة فى فراغ اللوحة غير أن وسام لصيقة الارتباط بالأرض رغم عشقها لطبقات الهواء العليا ذلك العشق الذى يجعلنا نراها تطفو بنفسها وليس بشخوصها ونراها أيضا فنانة متصوفة شديدة الروحانية خاصة وهى تشاهد الأرض من أعلى وأول ما يأخذ عينيها مشهد المآذن كأن أذنيها تعمل معها فى اللوحة جنبا إلى جنب مع العين واليد لتشعر بأصداء ترددات الهواء وقد حمل آذان إقامة الصلاة عاليا غمر به كل الفضاءات وكل الطبقات وأيضا هو متغلغل بين جنبات المنازل والشخوص وبين ضفتى القلوب لنلاحظ أن مساجدها جذرها فى الأرض ومآذنها تشق الفراغ وتنشر عبقا فى رحلة ما بين الأرض والسماء وما بين المادى والروحانى فى رهافة حس ورقة تناول.
- ووسام فهمى ترسم الأحلام وهى مستيقظة وترسم مشاهد من فوق السحاب وهى فوق الأرض وترسم فوق التوال ما تريده واستقر فى وجدانها رغم ما تراه فى الطبيعة هى ترسمه ببراءة كأنها تقول شعرا أو تحكى حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة وكتب عنها الناقد المثقف الكبير نعيم عطية قائلا :
- بورتريه مدينة هوما ترسمه وسام فهمى فندخل عبر بيوت وظلال ومآذن وقباب وسماوات نافورات وموالد فى أرجاء عالم مسحور يبدو كما لو كان حلما من الأحلام أو جنة من جنات شهر زاد تطل علينا من على بساط الريح أو تنظر إليها خلال صندوق الدنيا وتذكر لوحاتها بكل ما هو شعبى وبدائى وطفولى من خلال طراوة النظرة والتطهر من الجمود وصدق الرؤية .
- وعنها قال الناقد الكبير حسين بيكار لوسام بوتقة ألوان خاصة بها هى تسبح فى بحور الألوان والفرشاة فى يدها إلا لعبة تحركها ببراءة طفولية فى دوامة الألوان الرائعة .
- وعن معرضها الحالى قالت الفنانة أنها ستخصص عائد بيع لوحاتها لصالح مستشفى الدكتور مجدى يعقوب لجراحات القلب بأسوان وتقول أنها تعتبر دكتور يعقوب بعطائه وجهده لصالح أطفال مرضى القلب كالقديسين .
فاطمة على
القاهرة - 12/ 2/ 2013
وسام فهمى .. عاشقة الشرق
- فنانة شديدة الروحانية تسبح فى مزيج من الحلم والواقع ، ترسم الشرق كأـنها تراه من على بساط الريح أو كأنها على جناحى طائر خرافى .. ترسم البراءة والبدائية والطفولية والطهر والنقاء دون التقيد بأى منطق أو قانون أو منظور .. فقط الإحساس مع بهجة الألوان .. حين ذهبت إليها فى بيتها وجدته لا يختلف عن شخصيتها فى بساطته وأناقته وشعرت بأن أثاث بيتها يحتضن من يجلس عليه ، وتحاصر لوحاتها على الجدران العين أينما تلفتت .. ومع كأسين من عصير الرمان الطبيعى اللذيذ الطعم دار الحوار مع الفنانة التشكيلية `وسام فهمى ` .
- كيف بدأت رحلتك مع الفن ؟
- فى السادسة من عمرى مررت بتجربة تعلمت منها شئ هام جداً فى حياتى ولكن برغم قسوتها لن تترك لى ذكرى مؤلمة .. كنت بالمدرسة وطلبت منا المعلمة بعد أن وزعت علينا ورق أن نشف صورة لبطة ، وجدت نفسى أرسم البطة من غير شفاف وكنت سعيدة جداً وانطلقت إلى المعلمة فرحة بأنى رسمتها بدون شف وفوجئت بصفعة قوية على وجهى تبعها بكاء هستيرى لايتوقف منى وارتبكت المعلمة فقد ظنتنى كاذبة وبعد أن هدأت من روعى طلبت منى رسم البطة أمامها حتى تصدقنى وقد كان .. وبعدها قابلت أبى وأمى وطلبت منهم تشجيعى على الرسم .
- وما هو الشئ الهام الذى تعلمته من هذه التجربة المؤلمة ؟
- أدركت أن الظلم شديد الوطأة وطعمه مر ومؤلم ومن وقتها وأنا لا أصدق أى كلمة أو موقف إلا إذا رأيته بعينى وسمعته بأذنى ، وحين كبرت عرفت ` أننى انضربت بسبب ظنها بأنى كاذبه `.
- ولم أكمل دراستى بسبب زواجى قبل الثانوية العامة ولكن حب الرسم جعلنى أرسم فى البيت وبعدها التحقت بالقسم الحر فى معهد ( ليوناردو دافنشى ) لمدة أربعة أعوام .
- وكان الفنان ` سيد عبد الرسول ` أستاذى هناك منذ عام 62 وحتى تخرجى عام 1965.
- هل نستطيع رصد مراحلك الفنية ؟ وما هى المتغيرات التى أثرت فى رحلتك ؟
- بداية كانت هناك صداقة بين شقيقتى وزوجها الذى كان يعمل بالخارجية وتواجد فترة فى أسبانيا وبين الفنانين هناك مثل ` عز الدين حمودة ` و ` عبد العزيز درويش ` وتعرفت عليهم مبكراً وأثروا فى تفكيرى وأيضاً كان أول معرض لى بتشجيع من أصدقاء تعرفت عليهم مثل العظماء ` حامد ندا - وتحية حليم - وإنجى أفلاطون - وبيكار - وصبرى راغب ` الذى رسم لى بورتريه لاحقاً .
- وكان البورتريه هو حبى الأول فرسمت أقربائى وأصدقائى حتى سحرتنا الوجوه النوبية ورسمت منها الكثير (استخدمت الفنانة الألوان الصريحة فى لوحاتها ، لكنها لم تكن زاهية بل تعطيها قدراً من الهدوء الذى يمنح لوحاتها الدفء ، حيث أنها تكثر من استخدام اللون الأزرق البارد بدرجاته ، الذى تمزجه مع العديد من الألوان كالأحمر وغيره الذى يعطيها مجموعة لونية مميزة ذات خصوصية ملحوظة ، كما تظهر الرومانسية فى بعض لوحاتها التى تستخدم فيها درجات من اللون البنفسجى الرومانسى ، وصورت المرأة فى العديد من لوحاتها ، ولم يكن نصيب الرجل منها الإ القليل . فمن بين لوحاتها ` الأم - حفيدة الفراعنة نفيسة أو حضرة الملكة النوبية - ابنة الملكة ولوحة عبده يقرأ ` كما رسمت بعض السيدات من المغرب ، وقد اهتمت برسم خلفيات تلك اللوحات ببعض الرموز الشعبية كالنخلة وغيرها ، أو برسم أجزاء من العمارة الشرقية التى صاغتها فى تكوين تشكيلى محكم بألوان هادئة لتفصلها عن أشخاصها ببراعة وكأنها ترسم لوحتين على مسطح عمل واحد فى ربط واضح بين الشكل والخلفية ) .
- هل كان لشخص ما تأثير على تغيير بوصلتك الفنية ؟
- نعم بالتأكيد ولكن دعينى أقل لك أنه بعد فترة شعرت أن روحى سجينة وتهفو إلى الحرية فنصحنى الأساتذة بالسفر إلى الأقصر وكانت هذه الفترة هى سبب اتجاهى لرسم الطبيعة المصرية حيث أخذت استكشات هناك وبعد عودتى رسمت كل ما بداخلى .
- وتذكرت فى هذا الوقت ` حسن فتحى ` المعمارى الشهير الذى كان يقطن فى الشقة المواجهة لنا أيام كنت طفلة صغيرة فذهبت إليه فى درب اللبانة بالقلعة وذكرته بنفسى ونلت شرف أن يصطحبنى فى جولاته للمساجد وأسير معه ويشرح لى العمارة مع الموسيقى مع الفلسفة الخاصة بها ووجهنى ذلك إلى العمارة وجمالها فوقعت فى غرام العمارة الشرقية ، ورسمت البيوت الشعبية فى القاهرة القديمة ، وكذلك البيوت التى يحتضنها الجبل فى قرية القرنة بالبر الغربى بالأقصر التى زرتها ثانية وأحببتها بعينى فنان وليس مهندس وأدخلت الناس فى لوحاتى ، وذهبت إلى واحة سيوة حيث الطبيعة الفطرية الذى يتمتع بها هذا المكان ، ودير سانت كاترين ، ودير العذراء فى المنيا .
- وماذا عن التحليق والسفر خارج مصر وهل كان لمتعة السفر أم للبحث ؟
-الحقيقة أننى دخلت حالة من البحث عن العمارة الشرقية ومدى ترابطها من وجهة نظرى كفنانة وسافرت إلى تونس التى ألهمتنى بقبابها وألوانها وكذلك المغرب وأسبانيا ورسمت قصر الحمرا بغرناطة وتركيا ويوغوسلافيا الشرقية (البوسنة) وكانت آخر رحلة إلى الهند الساحرة وعمارتها بعد دخول الإسلام ، وتأكد لى أن العمارة جميعها سلسلة متصلة ومتأثرة ببعضها وهذا سبب جمال العمارة الشرقية ، ويتأكد لى أيضاً بعد كل رحلة احترامى لمصر المتفردة بجمال عمارتها ورسوخها وليست مثل رقة العمارة فى البلاد الأخرى .
- لوحاتك تشبه الحلم وكأن روحك تهيم فى الأماكن .. هل تتفقى معى فى ذلك ؟
- بدون الحلم لن نستطيع تحقيق طموح أو رسم مستقبل وبالفعل الحلم عندى مهم جداً ولهذا لا تحوى لوحاتى تفاصيل .. وما لم أستطع التعبير عنه فى تصرفاتى يظهر فى لوحاتى ، والتى مزجت بين الحقيقة والحلم فيها ، مثلاً حين زرت ` آيا صوفيا ` فى تركيا لم أرسم لها اسكتش واحد هناك ، ولكن لكونها كانت كنيسة ثم أصبحت مسجد ثم تحولت إلى متحف الآن فقد أحسست بتشابك الحضارات وتعانق الأديان فيها فى حب واحتضان فرسمتها من خيالى بعد عودتى .
- مرحلة البحث هل وصلت فيها إلى درجة التشبع ؟
- بالتأكيد لا ولكن السن الآن يحدد ويحكم الإنسان والآن أرسم من داخلى دون القدرة على السفر وبرغم كثرة الأماكن التى سافرتها فقد عرضت أعمالى أكثر من مرة فى فرنسا وسافرت إلى اليونان وبلجيكا وأمريكا ، إلا أنه لم يشدنى مكان هناك لأرسمه ، فالشرق هو الدفء والحضن والحقيقة والخيال ، وفى مصر بشكل خاص كان لتعاقب الحضارات فيها ومرور الكثير على أرضها أثر كبير حيث تركت فى جو مصر الكثير من الروحانيات مثل عالم ما وراء الطبيعة ، ولكننا للأسف لا نعرف قيمة أنفسنا ، كم واحد فينا يتطلع للسفر لأوروبا وهو لم يزر الواحات والأقصر وأسوان ويرى سحر بلده فى حين أننا عرفنا قيمة بلدنا من خلال الأوروبيين المسحورين بها
- ما هى أصعب لوحة قابلتك أو بالأصح استغرقت الكثير لتنفيذها ؟
- هناك لوحة استغرقت منى حوالى عام فى التفكير فى كيفية رسمها وكانت فكرتها مستوحاة من اختراع ` د. أحمد زويل ` للفيمتو ثانية ، وشعرت بالفخر لكونه مصرياً وأنا مصرية وأريد أن أرسم لوحة تعبر عن الزمن .. فما معنى كلمة زمن ؟ فكر ` زويل ` بشكل وفكرت أنا بشكل آخر فقد كنت أريد رسم زمن مصر فسافرت إلى الأقصر ثانية وجاءت أولى الأفكار فى مقبرة نفرتارى بوادى الملكات وبعد عودتى رسمت لوحة أسميتها الزمن المصرى (فيمتو سينشرى) شاهده الراحل ` بيكار ` وقال : (اللوحة بتلف ليس لها بداية ولا نهاية) ، وكان هذا بالضبط مقصدى فالزمن المصرى سحيق جداً وليس له نهاية وكنت أتمنى فى قرارة نفسى إهداء هذه اللوحة للدكتور (أحمد زويل).
- قالو عنها
- استطاعت ` وسام فهمى ` بلغتها التشكيلية أن تؤكد عظمة الطبيعة وتكشف عن جلال وهيبة المعمار الشرقى .. يحتار المتلقى بين الطابع الموسيقى وبين التشخيص الذى يبدو غير واقعى ويشع حيوية تغمره بإحساس فريد بعظمة المكان مع استجابة للمشاعر الفورية وسيادة الخيال . (مختار العطار)
- تلعب ` وسام فهمى ` على وتر حساس هو الطفل الكامن فى داخلنا الذى لا يرى ما حوله من جماليات بديهية بحكم كابوس التقدم الذى يحاصرنا فى كل مكان ، هى بمثابة الساحر الذى يحولنا فجأة إلى كائنات هلامية تسبح فى عالم أسطورى ملئ بالأزهار والأشجار والمنازل البيضاء وكثبان الرمال ، وفجأة نكتشف أن هذا العالم الأسطورى ليس أسطورياً بل هو العالم الذى نعيش فيه ولكننا لا نحسه ولا ندركه لأننا نعيش شراسة الواقع بحثاً عن شعاع الفجر الآتى من ظلام حالك ، فكانت رحلة بحث عن الحقيقة بين الأسطورة والواقع .. بين ما يمكن وما لا يمكن .. (رؤوف عياد )
- تتأرجح لوحات ` وسام فهمى ` بين الخيال والواقع فعندما تشاهدها تكاد تهتف هذه مشاهد من الواقع ولكن لا تلبث الفنانة أن ترتفع عن أرض الواقع الملموس وتحلق بك فى أثير تكاد تطل منه على سحابة تتهادى فى السماء أو على بساط سحرى نفخت فيه من خيالاتها .
- ويقول د. نعيم عطية : وتنجح الفنانة فى بلوغ هدفها اعتمادا على إعلائها لصدق وقوة التعبير ، فتذكرنا لوحاتها بكل ما هو شعبى وبدائى وطفولى من عطاءات الفن التشكيلى، وترقى ` وسام فهمى ` من خلال طلاوة النظرة والتطهر من الجمود وصدق الرؤية والإقدام بلا وجل إلى مكانة متميزة فى تصويرنا المصرى الحديث .
بقلم : أمانى زهران
مجلة الخيال : ( العدد ) الثانى و الثلاثون نوفمبر 2012
الفنانة وسام فهمى (1939) .. وبورتريه مدينة
- أكريليك هذا هو عنوان المعرض الذى أقامته الفنانة وسام فهمى عام 2003 بقاعة المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى بالقاهرة ، متضمنا مجموعة أشبه بالمنمنمات الفارسية أو الهندية المتماوجة بالقصور والقلاع والقباب والأقواس والجوامع والمآذن والبوابات والنوافذ والمدرجات والحدائق ، وكأنها صفحات من كتاب ألف ليلة وليلة ، شغلتها يد الفنانة برقة بالفن كما لو كانت منسوجة بإبر الكروشيه وليس بفرشاة وألوان زيتية أو أكريليك.
- غير أن طموح وسام عبر العديد من معارضها السابقة و حتى الآن ، يتجاوز هذا المعنى الأولى ، ويتطلع إلى خلق نسيج تجريدى عبر شرائح لونية تتحاور وتتقاطع وتتعامد أفقيا ورأسيا إلى ما لا نهاية ، وربما تقودها السليقة إلى إحالة الجمادات فى الطبيعة إلى كائنات حية متفاعلة كأعضاء الجسد لا تخلو من تكورات أنثوية أو إيحاءات ذكورية .. موحية بتفجر الحياة والخصوبة ، وقد تقبل - على النقيض من ذلك - التأويل إيحاءات روحانية تتردد فيها أصداء الذكر وأصوات الأذان ، لكنها فى جميع الأحوال أقرب إلى معزوفات شرقية عذبة ، صداحة بنعومة الوتريات حينا ، وبرنين النحاسيات حينا آخر ، وبدوى الطبول حينا ثالثا .
- غير أن وسام لم تكتف بعرض تلك اللوحات عن مدينتها الخيالية ، بل أضافت إليها مجموعة من الوجوه الواقعية لنسوة ورجال تعايشت معهم عبر سنين العمر ، ينتمى أغلبهم إلى أصول شعبية ونوبية ، وقد لفحت الشمس وجوههم فأحالتها إلى لون برونزى متوهج ، وعكست ملامح النسوة خاصة ذلك الحس الأستوائى البدائى الذى يذكرنا بنساء جوجان فى جزر تاهيتى ، وقد أحاطتهن - كما أحاطهم جوجان - برموز من السحر وعناصر من الأثاث والمفروشات ومن الألوان البنية والطينية والزرقاء ما أضفى عليهن الروح المصرية الصميمة . وبرغم قدم الزمن على هذه المجموعة من الوجوه ، وبرغم أسلوبها الواقعى المباشر، فإن المرء لايستطيع مقاومة سحرها وجاذبيتها ، ربما فاقت فى ذلك لوحات مدينتها السحرية ... لماذا ؟ .. هل يكمن السبب فى الفرق بين الخيال الرومانسى المحلق وبين دفء الصدق على أرض الواقع ؟ .. أم أنه يكمن فى درجة التفرد فى كل بورتريه عن الآخر، فيما يصعب التمييز بين لوحات المدينة التى تتشابه كوجوه الصينيين ؟..
- لكن تلك مسألة نسبية على أية حال ، لأنها تتعلق بالذوق .. الذى يختلف من مستقبل إلى آخر .
بقلم :عز الدين نجيب
من كتاب (الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
|