مصطفى عبد المعطى عبد العال
اعماله الفنية بين التزيين والتعبير
- يحظى الفنان د.مصطفى عبد المعطى بمكانه بارزة بين فنانى الحركة المصرية التشكيلية المصرية المعاصرة منذ الستينات بما قدمه من انتاج متفرد مميز بنضارة ومذاق جمالى شديد الخصوصية ساهم فى بلورة التشكيل المصرى المعاصر.
ان المتتبع لانتاجه الفنى منذ بدايته يدرك للوهلة الاولى انه مهموم بقضايا التشكيل من خلال بصيرة نافذة تؤكد على جديته ومثابرته فى الرحلة للكشف عما وراء العناصر والاشكال البيئية التى تتضمنها اعماله والتى لعبت دوراً مهماً ومؤثراً فى اضفاء صفة البلاغة على اسلوبه الفنى المدعم بالبعد الثقافى فتكويناته قائمة على مجموعة من العلاقات التناغمية بين الاشكال فى بنائيات تزيينية تعبيرية بلا افتعال متخطياً بذلك مناطق كثيرة يقع فيها غيرة من الفنانين
- فالفنان د. مصطفى عبد المعطى يجيد بحرفية بالغة مهارة تقديم منظومات بصرية مصاغة بمنطق معاصر تثير فى المشاهد رؤية من البيئة المحلية ذات المناظر المرتبطة بالتاريخ الحضارى طويل الامد ... والبعض الاخر يحلق بنا فى عالم الفضائيات اللانهائى والاتصلات الكونية .
- ان اعماله تبث فينا موجات حسية بسهولة ويسر، نظراً لما يمتلكه الفنان من براعة استخدام وسائط التعبير وايضاً لمدى ارتباطه وانغماسة بصدق فى موضوعات تعبيرية والتى تملك كيانه ويخطئ الكثيرون عندما يصفون اعماله بين الفنانين التزيينيين دون التعبيرين فهو من وجه نظرى يملك ناصيتى التزيين والتعبير معاً بكفاءة نادرة فاعماله تخاطبنا وتمتعنا بصرياً وتترك فينا ايضاً اثراُ تعبيرياً يظل عالقاً بالوجدان.
أ.د حمدى عبد الله
عميد كلية التربية الفنية
- هذا فى واقع الأمر كنهة العمل الفنى وملخص تجربة الفنان فى التوثيق بين الزائل والدائم ، بين الزمانى والمكانى ، بين الأرضى والكونى، بين الراسخ والأثيرى ، بين المألوف وبين السراب وبين الهندام والصخب.. هذه هى مفاتيح مصطفى عبد المعطى المستفلقة فى شخصيته المحافظة حينما يركن إلى مرسمه ويوقظ وحسن الابداع الكامل فى لاوعيه ليحلق ويوضح .
د/ مصطفى الرزاز
مستشار مكتبة الاسكندرية للفنون التشكيلية من كتالوج المعرض التكريمى الشامل للفنان ابريل 2003
الفنان مصطفى عبد المعطى .. دعوة للتفكير
- قول الفنان الدكتور مصطفى عبد المعطى رئيس الأكاديمية المصرية بروما سابقا : ` أحاول فى أعمالى بهذا المعرض أن أطرح مفهومى عن العلاقة بين الموروث والحاضر ، فالشكل عندى يتكون من عناصر تجمع ما بين الخطوط الحانية التى يمكن اكتشافها فى الفروض الجمالية التى تطرحها الطبيعة المصرية ، وأشكال توحى بتراكيب رياضية هندسية .. دوائر مسطحة تتجسد لتصبح كورا تغلق أحيانا وتنفجر أحيانا .. ومثلثات ربما تصبح فى تجسيدها أهرامات راسخة ، أو رءوس لمسلات شامخة تحمل أشكالا حلزونية وكأنها أشكال تخرج من البحر أو عنصر فى منظومة أجهزة استقبال .. كل هذه الأشكال منفردة أو مجتمعة إنما فرضها فكر العصر الذى نعيشه الآن ، لكن هذه العناصر فى علاقاتها تعكس ذلك القلق الذى يحياه إنسان العصر .. ويؤكد هذا وقوف هذه الأشياء بثقلها على أسنان مدببة فى محاولة يائسة للثبات والاتزان .. فهل تستطيع أم أنها ستنهار وتسقط ؟ ` .. هذا السؤال تطرحه إبداعات الفنان مصطفى عبد المعطى ربما جاءت لتحذر الإنسان من العواقب للاستنكار بإدانه العلم ، برغم من عظمته كإبداع للعقل البشرى ولكن تستمد هذه العناصر أصولها وسماتها من إرثها الثقافى .. الذى مهد للعلوم والفنون فى عصرنا الحالى .. إن عناصر مصطفى عبد المعطى التشكيلية قابلة لكل زمان ومكان فما المانع أن تكون سفينة فضاء سابحة نحو المجهول الذى لا يعلمه إلا الله أو تكون نذيراً بدنو كوكب الأرض الذى نعيش عليه من نهايته .. أو تكون نماذج معمارية مستقبلية على كواكب أخرى سيتم اكتشافها أو ربما تكون أشكالا لمحطات فضاء مرسلة أو مستقبلة إلى ومن عوالم مجهولة .. يبلور هذه الاحتمالات تقنية الفنان التشكيلية بتأكيده على صراحة اللون وشفافيته وقوته ، والصرحية البنائية الممتدة من البيئة المصرية والطبيعة الجغرافية والتاريخية للحضارة المصرية القديمة بأسرارها وألغازها وسحر وثراء أساطيرها .. فلماذا لا تكون مراكب الشمس والأهرام والمسلة كانت جميعا عناصر تبشر بقدوم عصر الفضاء الذى تحقق بالفعل ؟! .
د.مريم المهدى
الهلال - سبتمبر 2010
تحدى تحويل اللوحة إلى كائن مادى ثلاثى الأبعاد
- فى كتالوج معرضه تكلم طويلا الفنان المصور الكبير مصطفى عبد المعطى عن تقنية العلمية النحتية وخطوات التنفيذ للصب بخامة البرونز وانه سبق وأنجز عدة قطع نحتية فى الستينات وكان لديه حنين لممارسته مرة أخرى وتحدث عن الشباب الذين ساعدوه فى هذه العملية التقنية حتى خرج بمنحوتاته المعروضة حالياً بجاليرى الزمالك للفن .. لكنه لم يتحدث ـ من قريب أو بعيد ـ عن رؤيته المفاهيمية أو الفكرية ورؤيته لتحويل عناصره فى البعيدين تصويراً إلى كائنات فى الأبعاد الثلاثة نحتاً .. فلم يتحدث عن هدف التحول للنحت إلا بأنه حنين لممارسة النحت.. بالطبع ممارسة الفنان للنحت بعد عشرات السنين من تجربته النحتية العارضة الأولى تختلف على قدر خبرة خمسين عام تفصل بينهما تقريباً.. فهو بالطبع يقدم تجربة فريدة جدا لفنان اخلص لممارسته الفنية طوال حياته .. وهذا يطرح عدة أسئلة حول هذا التحول شديد الجدية ليقدم نحتاً بخامة البرونز وبأحجام ضخمة : فهل استنفذ الفنان عطاء تجربته فى التصوير.. أم أن التصوير لم يعد يستوعب كل طاقته التعبيرية ويحتاج للأبعاد الثلاثة أم أنه أراد العمل داخل هندسة الهواء والفراغ والتخلى عن تمثيل الأشياء لمصلحة ما لا مادة له ؟
أيا كان مفهوم التحول فإن أعماله النحتية المعروضة حالياً أراها ترتكز على شخصية النحات لا على النحت ذاته فما توحى به أعماله ومصدر إلهامها هو اشد وأقوى من القطعة النحتية ذاتها .. ليقدم شيئاً مقلداً عن نفسه عن لوحة التصوير بالضبط بغض النظر عن ماهية ذلك الشىء كعنصر نما وتطور داخل اللوحة ذات البعيدين ومع ذلك فإنه فى مستوى اعمق تحدث به إلى المشاهد دون مغالاة .. وان قلنا أن اللوحة اقل ابتكارا على الصعيد الشكلى لكنها اكثر غنى بأفكار ومفاهيم جديدة ومنحوتاته تدين بالكثير إلى أعماله السابقة .
- كان الفنان بمنحوتاته حاول اختصار كل ألوان اللوحة فى لون واحد كعملية إعادة تملك رمزية ومتعمدة لكل ما حققه الفنان السابق مثل إشراك جسدا المشاهد فى عملية المشاهدة.. وبالفعل فرض الجسد ذاته باكرا فى أعماله كعامل توازن بوجه دوار ما لا يرى كأنه بأعماله الضخمة يحاول تثبيت المادة التشكيلية .. وأيضا داخل قاعة العرض ذكرنى معرضه النحتى هذا بطريقة التصوير الهولوجرافى لعناصر لوحاته أي بتلك الصور الملتقطة بإشاعات ليزر بحيث تظهر صوراً بأبعاد ثلاثية فالهولوجرام يحتفظ بالأبعاد الثلاثة كاملة من أي زاوية ينظر إليها وحاول تقديم استعارات رؤية ترتكز ـ كما ذكرت ـ على شخصية النحات لا على النحت ذاته..
- لكن الدافع ليحول الفنان وسيلة إبداعه من مجال لآخر يواجه، بتحد تحويل اللوحة إلى كائن مادى ثلاثى الأبعاد وقائم بذاته بنزع لإطار الخارجى المحدد للوحة إلى إطار هوائى فى المجسم ولتظل اللوحة تذهب إلى الأبعد حيث البعد الزمنى بها عند عبد المعطى.. هذا التحول فى عناصر لوحاته تكشف فى مرحلته التحولية إلى النحت عن شئ يتماثل بين أشياء مختلفة الخواص لا تفقد غموضها لكن تفقد مفاجأتها لأنها لعناصر نعرفها جيدا فى زمن اللوحة وهذا لا يمثل انعطافا جذريا عن ممارسته السابقة .. غير أن الفنان انتقل فى مرحلته هذه إلى القطعة الحقيقية المجسمة.. إلى الواقع الملموس لا الوهم.. أي تحول من الإيهامي إلى الملموس.. متحولاً بكائنات لوحاته من بعدها الزمنى إلى المكانى.. لندرك من خلال تجربة مصطفى عبد المعطى كم هى رحبة تلك الأرضية المشتركة بين اللوحة والمنحوتة.. فالتيارات متقاطعة بين اللوحة والمنحوتة.
- فالعمل يبدو كأنه مبرمج عن اللوحة فالأشكال وعلاقة الواحد منها بعناصره الداخلية تطابق تسلسلا رياضيا فى اللوحة.. مثلما يبدو متناقضا فى نفس الوقت فالفن الإيهامي قد أصبح ماديا بأكمله وهذه الفكرة معبر عنها بمعناها الحرفى من خلال مادية منحوتات المعرض المتحققة. ونستشعر الهواء كله المحيط بالنحت وحدة غامضة بينما بدا الفراغ فى لوحاته كأداء يختفى العمل فيه نهائيا.. وفى قاعة العرض تتشكل منحوتاته `كشواهد` بتركيباتها الرأسية فى مراوغة عاطفية اقرب لعمارة `الشواهد` بخاصيتها النصبيه بذلك المظهر البنائى لبنائياته البرونزية التى تتداخل بصرياً مكونة فراغا جديداً يحوم بين المستويات الأمامية والخلفية منحوتات هذا المعرض البرنزية الموحية برنينها الداخلى ككائنات طوطمية منفذة جميعها بسبيكة البرنز التى تتكون أساسا من النحاس مع كميات اقل من القصدير والزنك والرصاص وهى خامة ارتبطت بالحقب التاريخية العظيمة ليبدو هناك خط عاطفى بين منحوتاته النصبيه كالشواهد فى العصور البرنزية القديمة وبين تماثيل `منهير` الحجرية ألما قبل التاريخ .. كما ندرك فيها قوة التأثير من الفكرة إلى الشىء ذاته المجسم بطريقة مختلفة ومجوفة من الداخل .
ولتبدو أيضاً منحوتاته كطقطقة خرجت من اللوحات كعملية تدوير ما بين اللوحة والتمثال فى توسيع لتجربة المشاهد .. ولإدراك أهمية شعور التمثيل للقيم المكانية.. للوحدة المكانية وللأفكار المكانية ومدى تأثيرها على العمل المجسم خاصة أن كلا من المكان والمجسم يؤثر بعضة على بعض إلى حد كبير على نحو متبادل.. وككل قائم فى فضاء قاعة العرض وبمفردات العمل من هندسية متراكبة من أشكال هرمية ومربعية ودائرية جعلت منحوتاته التكعيبية الرؤية أخذة فى التحول الداخلى بفعل الحركية الكامنة فى عناصره وتركيباتها معاً ..ففى اللوحة اعتمد على أشكال تنتسب إلى اللون وإيحاءات التوازن الحركى وفى نحته استعمل مفردات فى تجميعات وظفها بوسائل تركيبية ثابتة ليست على كفة الحركة كما فى اللوحة.. فالتأثيرات البصرية الحركية فى لوحاته كانت تكتمل عند النظر إليها وفى التمثال اكتملت الحركة وسكنت.. وهذا التحول فى الوسيط الفنى جعل المشاهد واعيا ومتعايشاً , والعناصر التى سبق ولمحها فوق مسطح اللوحة .. كما إن الفنان أبرز نتوءات ريليفية بشكل طفيف أو قوى مستخدما هذا البعد الاضافى ـ البروز ـ لتسهيل انتقال عين المشاهد من منطقة لأخرى.
- إن تجربة الفنان النحتية لا تؤلف شيئا متكاملا بحد ذاتها لأنها جزء مأخوذ من نسيج اللوحة الواسع .. مع اعتبار إن قيمة النموذج الأصلي وهو اللوحة لا يمكن فى ندرة عناصره بل فى ندرة الخاصية التى تمثلها.
- أخيراً .. هل وجد مصطفى عبد المعطى فى منحوتاته إجابة لما أراد بهذا التحول؟ .
فاطمة
القاهرة - 5/ 3/ 2013
عبد المعطى.. يمزج الفن المصرى القديم بالشعبى فى تماثيله البرونزية
- افتتح الفنان مصطفى عبد المعطى معرضه الجديد من التماثيل البرونزية بقاعة الفن بالزمالك، وسط حضور عدد كبير من الفنانين والشخصيات العامة ومتذوقى الفنون، وهو المعرض الذى يضم بين جنباته عددًا من التماثيل التى تنوعت من حيث الحجم بين الكبيرة والمتوسطة، يمزج فيها عبد المعطى بين الفن المصرى القديم والفن الشعبي، الفنان يعمل دائما على المجسمات الهندسية كالكرة والشكل الهرمى والمربع والمكعب وكلها أشكال تجريدية اهتم بها المصرى القديم فى حضارته القديمة لكنه يشكلها فى تكوينات مختلفة تعطى تارة شكل العروسه الشعبية وتارة أخرى شكل عروسه المولد وأحيانا ما يوحى تصميمه للأشكال معا واللعب فى أحجامها معا وكأنها تتصاعد فى أحجامها من الصغير إلى الكبير وكأنها أحد الموتيفات الشعبية القديمة، إضافة لاستعانته إلى جزء من التاج القديم للأعمدة اليونانية من العصر البطلمى بمصر الذى جاء وطمس الحضارة الفرعونية.
- من بين هذه التماثيل يستوقفك تمثال متوسط الحجم لاختلافه الواضح عن باقى التماثيل المعروضه حيث تمرد عبد المعطى على مجسم الكرة وبدأ اللعب فيه وإعادة تشكيله ليعرض مجسما فيه نوع من الليونة،عن هذا التمثال تحديدا يكشف عبد المعطى أنه قد نفذه فى عام 1969 وكان كتمثال تجريبى له فى التعامل مع المجسمات الهندسية، يستكمل عبد المعطى قائلا: بعد نزول الإنسان على القمر عام 1969 أعطانى هذا الحدث رسالة أن العلم أصبح سيد الموقف، فوصول الإنسان للقمر جاء عبر حسابات هندسية دقيقة ومعادلات رياضية، واعتبرت الإنسان فى نزوله على القمر هو الخروج من رحم الكوكب الأم إلى كوكب القمر أى من جاذبية الأرض إلى جاذبية القمر وهو عالم مجهول له، هذه الحسابات الهندسية حين تخرج لعالم الفن التشكيلى تتجسد فى مجسماتها الأولى كالدائرة والمثلث والمربع والمستطيل وهنا بدأ حوارى مع هذه الأشكال، أيضا منذ صغرى وأنا مغرم بالحضارة المصرية القديمة التى بنيت هى الأخرى على العلم والحسابات الرياضية الدقيقة وهذا هو سبب الخلود، فالهرم تم بناؤه على أساس نظرية علمية والجداريات التى نراها اليوم يتم تقسيم مساحاتها هندسيا، فالعلم هو أساس التقدم الحضارى الذى صنعته مصر، لذا أردت الربط بين الحضارة المصرية القديمة وبين العصر الحديث، حتى أننى بدأت التفكير فى إشارات تأتينا من التاريخ الفرعوني، فمثلا لماذا سميت بمراكب الشمس؟ نحن نعرف أنها المراكب التى كان يركبها الإله رع وصولا للشمس، لكن اليوم مع تطور العلم لابد أن يكون هناك تفسيرا آخر! ...
- فالفنان المصرى القديم استطاع أن يمزج بين العقل والوجدان، وهذا ما أحاول التعبير عنه، إضافة لمحاولتى الاستفادة من الفنون الشعبية الأصيلة فى مصر لأنها تراث مهم جدا ولا يستهان به.
تغريد الصبان
روزاليوسف - 24/ 2/ 2013
رحلة الفنان مصطفى عبد المعطى من السطح إلى الفراغ
- احتفل جاليرى الفن بالزمالك بأعمال الفنان مصطفى عبد المعطى فى مجال العمل المجسم وسبق أن احتفلت نفس القاعة بأعمال الفنان فى مجال التصوير والتى تطرح رؤية شديدة الخصوصية تنطوى على بعد فلسفى صوفى ينبعث من بين ثناياه عبق التراث المصرى القائم على الإنسانية فها هى المسلة والهرم وقرص الشمس والهلال والقواقع وحورس وعندما نقوم بتجريد هذه الأشكال تتحول إلى المستطيل والمثلث والدائرة والمربع لتتوافق هذه العناصر فى نظام هندسى لا ينفصل عن نظام الكون بكواكبه ونجومه وحركته الدائرية المستمرة لتجمع بين الحركة والسكون فى إطار متوازن يعكس حالة الفنان الداخلية التى تحدث ذلك النظام الصارم فى محاولة للحفاظ على ذلك التوازن من أجل استمرار الحياة من خلل الضوء المتسلل عبر الفضاء الكونى على أسطح هذه الأشكال المتوازنة أحيانا خلف كتل الضباب البيضاء فوق الألوان الصريحة والألوان المركبة العميقة لذلك فهو يختار أن يضع أشكاله فى إطار مربع وفى المعرض المقام حاليا فى قاعات جاليرى الفن تتأمل تلك الأشكال المجسمة المسكوبة بخامه البرنز التى تقف فى أوضاع رأسية تشعرك بالشموخ وبأنك أمام شخوص حية وليست أشكالا تجريدية فى الفراغ وأغلب الأعمال بحجم كبير فكان يحتاج لمساحة من الفراغ أكثر اتساعا وأعتقد أن الرؤية ستختلف فى هذه الحالة ويأخذ كل شكل ما يستحقه من المشاهدة الجيدة وهذه ليست التجربة الأولى فى حياة الفنان بل انه سبق وتعامل مع فكرة النحت فى الستينات فهو يؤكد أن الفن رؤية وليس أسلوباً أو مجالات لذلك فقد ألحت علية فكرة التشكيل المجسم منذ البداية ولم يتردد فى الاستجابة إلى نداء الفكرة فقد قام بتشييد أعمال نحتية فى الستينات فى خامة الجبس وهى الخامة التى كانت متاحة فى ذلك الوقت وقد تحطمت الأعمال كبيرة الحجم أثناء حركتها من مكان إلى مكان نظراً لطبيعة الخامة التى صيغت فيها ، إلا أن القطع الصغيرة بقى بعضها إلى الآن وهى ضمن أعمال هذا المعرض بعد أن صيغت فى خامة البرونز.
- ومنذ ذلك الحين مرت فترة ليست بالقصيرة.. ولكن الإلحاح كان دائما حاضرا طوال الرحلة حتى أن هذا الإحساس طغى على أعماله التصويرية ولأن بعض أعمال النحت الصغيرة التى نجت من التدمير. كانت دائما أمام عينيه فى مرسمه فكان فى بعض الأحيان يعود ليتأملها ويواصل الحوار معها وقام مؤخرا بسبك هذه الأعمال فى خامة البرونز ولا سيما أنه أصبح متاحاً مع وجود مسبك مجهز بشكل كامل فى الإسكندرية خاص بفنان مشهود له بالجدية والعلم الغزير فى مجال سبك البرنز وطلب منه سبك عمل صغير من أعمال الستينات على سبيل التجربة وأيضاً من الحفاظ عليها من عوامل الزمن التى لا ترحم الإنسان والجماد، بعد سبك هذه القطعة حدث شئ مهم بالنسبة للفنان وهو أنه قد رأى العمل النحتى بعد سبكه فى خامة البرنز قد أضيف إلية بعد جمالى بفضل الخامة وهنا أصبح العمل المجسم ملحا ضاغطاً لا سيما بعد سبك قطع أخرى وهنا بدأ الدفع بقوة شديدة نحو العودة إلى تحقيق رؤية الفنان فى مجال العمل المجسم وأصبح الدفع فرضاً وأجب الاستسلام بعد أن أصابه بحالة من الأرق ثم بدأت رحلة تعايشه مع العمل الفنى من خلال فريق عمل من الشباب الذين بدءوا فى طرح حلول جديدة فى مراحل تنفيذ العمل لم يكن الفنان قد مارسها من قبل حيث كان يستخدمها الطين والصلصال والصب فى .. الآن اكتشف`القوم` تلك الخامة السلسلة فى تشكيلها وطيعة فى الاستجابة لمتطلبات العمل وقد استمرت هذه التجربة ثلاثة سنوات وقد استخدم الكرة والهلال والهرم والمستطيل ووحدات الفراغ الصغيرة واستخدم أيضا الوحدات البارزة واتخذت بعض الأشكال الوضع الأفقي وهى أقل فمعظم الأوضاع رأسية وتلعب الخامة والحجم والملمس الدور المعادل للسطح والخط واللون والفنان هنا يستدعى بمفرداته ذلك التراث الأبدى المتجدد محاولا تجسيد البعد الإنسانى فى هذا الزمن الصعب.
- والفنان مصطفى عبد المعطى مواليد الاسكندرية 1928بكالوريوس كلية الفنون الجميلة بإسكندرية 1962وحصل على درجة الماجيستير عام 1972، كما حصل على درجة الأساتذية فى الفنون من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد والمعادله لدرجة الدكتوراة التى تمنحها الجامعات المصرية 1977، ودبلوم التصوير الجدارى من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد إسبانيا 1977، ودبلوم الترميم فى التصوير الزيتى من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد إسبانيا 1977 .
-عضو نقابة الفنانين التشكيلين وعضو اتيلية الإسكندرية وعضو المجالس القموية المتخصصة ، عمل بهيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية وعمل وكيل وزارة الثقافة والمشرف العام على المركز القومى للفنون والآداب ` والذى تحول إلى المركز القومى للفنون التشكيلية ` منذ عام 1980 حتى 1988 وعين وكيل أول لوزارة الثقافة ومديرا للأكاديمية المصرية للفنو بروما منذ عام 1988 وحتى عام 1996.
- أقام العديد من المعارض الخاصة بالقاهرة والاسكندرية ومدريد وروما وفينسيا ويشارك فى معظم المعارض الجماعية ومعارض الفن المصرى بمصر وبالخارج.
حصل على منحة تفرغ منالحكومة المصرية لدراسة صعيد مصر 1966-1968 ومنحة تفرغ من الحكومة المصرية لدراسة شمال الدلتا 1968 وبعثة حكومية الى اسبانيا عام 1974.
-عضو مؤسس جماعة التجريبيين التى كونت من الفنانين السكندرين - محمود عبدالله- سعيد العدوى 1958 وعضو المؤتمر العالى للفنون المعاصرة فى فينسيا واختير نائبا لرئيس المؤتمر عام 1985.
- قوميسير عام الجناح المصرى لمهرجان `كولومبو 92 ` العالمى الذى اقيم فى مدينة جنوة الإيطالية بمناسبة مرور 500 عام على اكتشاف أمريكا عام 1992 قوميسير عام الجناح المصرى فى بينالى فينسيا الدولى- أغسطس 2002 أنشأ مع سعيد العدوى ومحمود عبدالله جماعة التجريبيين التى كونت عام 1988 وظلت تقيم معارضها المشتركة حتى عام 1970 وأنشأ قاعة النيل 1984 وبينالى القاهرة الدولى 1984 كما أنشأ 1984 كما أنشأ جناح مصر فى متحف تيتو جراد ومجمع محمود سعيد بالاسكندرية، ومتحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة 1985 حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون 2011 له مقتنيات لدى بعض الأفراد فى الولايات المتحدة الأمريكية -إسبانيا -فرنسا-استراليا - المكسيك - لبنان - الأردن - الكويت - يوغسلافيا - ألمانيا -إيطاليا -الخليج العربى -إنجلترا -فينزويلا - روسيا - مصر .
- وبمتحف المركز العربى فى باريس، ومتحف تيتو جراد فى يوغسلافيا ومتحف الفن الإسلامى الماعصر -عمان الأردن - ومجموعة المجلس الأعلى للفنون والآداب -الكويت ومتحف الفن الحديث بالاسكندرية، ومتحف الفنون الجميلة -الإسكندرية، ومتحف كلية الفنون الجميلة -القاهرة، ومتحف كلية الفنون الجميلة بالمنيا- ومتحف كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، ودار الأوبرا بالقاهرة، ومتحف المؤتمر القومى بالقاهرة ومتحف الفن المصرى الحديث - القاهرة .
د/ أحلام فكرى
القاهرة - 19 مارس 2013
إذ كان (العدوى) برسومه الغزيرة قد كشف عن قدرات فنان يستطيع طبع انفعالاته ببساطة الأشكال والتحرر من أسرر الطبيعة وإطلاق سراح خياله.. الأمر الذى نتج عنه عالما خاصا وموازيا للعالم الطبيعي.. فى المقابل نجد فنانا آخر من نفس - جماعة التجريبيين - وهو (مصطفى عبد المعطى) قد نهج نهجا مشابها فى أواخر الستينات من حيث التوجه إلى الطبيعة والإنسان، لكنه متباين من حيث التناول وهذا أمر طبيعي.. فالاهتمام المركز على الدفق العاطفي فى رسوم العدوى، يقابله الاهتمام المركز على النشاط الذهنى المجرد فى رسوم (مصطفى عبد المعطى). فهو أصبح سبيله إلى الإبداع، لقد خرجت تصوراته عن التصورات المألوفة فى الواقع المرئى، لكنه استطاع أن يكشف عن مظهره فى أبسط صوره وأشكاله بأشكال هندسية مجردة مثل الاسطوانة والدائرة والمثلث، وهذه الأشكال أصبحت فى كل أعماله المعادل الرياضي للإنسان.. بمعنى أن الإنسان قد تحول إلى معادلات رياضية أو إلى تركيبات هندسية مكونة من اسطوانة ودائرة ومثلث ومخروط.. على اعتبار أنها المكونات الأساسية للطبيعة، كما قال سيزان: (عليكم أن تعالجوا أشكال الطبيعة على أساس من أشكال الأسطوانة والكرة والمخروط بما يلائم أوضاعها المنظورة).. ولأن هذه المكونات الأساسية هى العناصر الجوهرية التى تتألف وتتشكل منها الطبيعة، والإنسان، إذن فهي محدودة الهيئة.. ومن ثم يصبح التعامل معها كمفردات تشكيلية تعاملا محدودا مثل العزف على لحن واحد سرعان ما يصيب المرء بالرتابة والملل إذا لم يكن العازف على درجة عالية من الحذق والخبرة فى التنويع على الجمل اللحنية.. هذا ما نراه فى رسوم الفنان التى يستعين فيها بالقلم الرصاص أو الحبر الأسود.. فالنماذج الأربعة الآتية المكونة من أربعة تكوينات أشبه بمجموعة من الطبيعة الصامتة أو كهيئات فضائية، عالجها الفنان بالنور والظل على نحو استطاع به أن يصرف اهتمامنا عنها كأشياء عادية.. ونتعامل معها برؤية جمالية مختلفة، على الرغم من تماثل مفردات التشكيل الأساسية التى لم تخرج عن المثلث والأسطوانة والكرة، ففى الوقت الذى نراه يحدد فيه المثلث أو الكرة، أو الأسطوانة.. بخطوط دقيقة جدا فى حيز المسطح الأبيض.. نرى الكثافات الظلية تأخذ مكانها داخل هذه الأشكال صانعة ما يشبه الأشكال البللورية فى أشكالها وأحجامها وكثافتها وحركتها.. قد لا يكتمل أحد الأشكال بالخط المحيط به مما يجعلها فى حالة من الحركة المستمرة، وقد يستهدف الفنان من وراء ذلك الإيحاء بارتطام هذا الجسم بجسم آخر أو انفجاره فجأة وانشطاره وتلاشيه بفعل قانون الشد والجذب.. ثمة حوار مثير تصنعه تلك الأشكال وبعضها البعض بتنوع كثافتها الظلية سواء فى تجاورها أو تقابلها أو تباعدها فى محاور ارتكاز متعددة.. دون إخلال بقانون الاتزان.
د. رضا عبد السلام
من الرسم المصرى المعاصر
بين روما ... وكفر الشيخ
- سمعت بالفنان ` مصطفى عبد المعطى ` فى أوائل الستينيات ، والتقيت به مباشرة سنة 1968 ، وربما قبل ذلك بقليل .. وكانت المناسبة هى إقامة معرض له بقصر ثقافة ` كفر الشيخ ` بالاشتراك مع زميله ` سعيد العدوى` و` محمود عبدالله ` . وكان يشكل الثلاثة جماعة فنية أطلقوا عليها إسم ` جماعة التجريبيين `.
- كنت أتراسل مع سعيد العدوى .. وأردت أن أتعرف منه على فلسفتهم ، وكنت أتمنى أن أقدم للقارئ شيئاً من تلك الرسائل الدافئة، المشحونة بالأمل والتفاؤل بالمستقبل ، لولا أن أضاعتها منى كثرة انتقالى من مكان إلى مكان، ورغم ذلك .. لم تغب عن ذاكرتى أفكاره وبعض كلماته.
- حدثنى عن فلسفتهم بما معناه ،إنهم يسعون إلى اكتشاف ملامح فن مصرى، ولبلوغ تلك الغاية اتخذوا ثلاث منارات لإضاءة طريقهم:
- المنارة الأولى: يمكن تسميتها بمنارة تجاوز الأساليب أو بمعنى أدق`ضد الأسلبة`.
- المنارة الثانية : تسمى منارة ` التلقائية `.
- المنارة الثالثة والأخيرة : فهى منارة ` حرية التعبير`. وكانو يرون أن هذا هو الطريق الوحيد لاكتشاف ما يحلمون به ... لهذا كانوا يتجولون فى ربوع مصر طولاً وعرضاً .. من أجل اكتشاف جماليات هذه البيئة الخاصة. وربما كانوا أول فنانين مصريين يتجولون بلوحاتهم وألوانهم فى بيئات مصر ، .. المختلفة والمتجانسة ، بتلك الدرجة من الكثافة.
- كانت مهمتهم الأولى هى التخلص من الطابع الإرشادى أو القمعى للمدارس والأساليب الفنية ، ونسيان كل ما تعلموه فى كلية الفنون الجميلة .. من أجل الوصول إلى الحلم المستحيل وهو ` الذاكرة البيضاء ` .. التى تتلقى الوجود بدهشة البراءة .. ولأن هذا غير ممكن فقد كشفت تجربة معرض` كفر الشيخ ` عن أن ذاكرتهم لا تزال مسكونة بما تعلموه من أساتذتهم ومن كتب الفن التى غرقوا فيها ..
- كان ` مصطفى عبد المعطى` أكثر اقتراباً ، من زميليه ، من الواقع الموصوف .. لم يتخل عن أبعاد وعلاقات ، وتفاعل ` المكان ` بالضوء . وكان ` محمود عبد الله ` منصرفًا عن تفاصيل الواقع .. موحياً بأن الخطوة القادمة ستصل به إلى التجريد . أما لوحات ` سعيد العدوى ` فكانت تعكس حباً .. وتأثراً واضحاً بـ ميرو `ورسوم الأطفال والفن القطرى.
- على الرغم من التناقض الأسلوبى بين لوحات معرض سنة 1968 بكفر الشيخ ذات ` الطابع النقلى ` ، ولوحات معرضه الأخير بالقاهرة سنة 1993` ذات الطابع التأليفى` .. فإن ثمة قواسم مشتركة تضمها .. هى :
1- استمرارية موضوع ` المنظر الطبيعى` وإن اتخذ طابعاً خيالياً ، ونظاماً لونياً أكثر إبهاراً ، واقتراباً من لوحة الإعلان .
2- الاحتفال بالضوء ، وإن صار أكثر شفافية ، وانصرافاً عن آلية الإضاءة الواقعية.
3- استمرارية الميل إلى` التلقائية` و` الأناقة ` فى ذات الوقت. فى حديث غير
مسجل قال لى ما معناه : ` إننى أبدأ اللوحة بلا أدنى فكرة مسبقة . ذاكرة بيضاء تواجه مسطحاً أبيض أو ملوناً بلون عام . أنتظر الميلاد لفترة قد تطول . بعدها يولد جزء . أتابعه حتى يولد الجزء الأخر . وتتداعى أجزاء التكوين شيئاً فشيئاً. أبداً بالجزء .. لا الكل . أترك ما بداخلى يقودنى إلى سطح أفجأ به بنفس الدرجة التى يفاجأ بها المشاهد !
- من الواقع المشترك إلى الرمز الخاص
- فى ظنى .. كان معرض ` كفر الشيخ ` نقطة تحول من مرحلة تأمل ودراسة جماليات البيئة المصرية إلى مرحلة ` تأليفية خيالية ` ، تنتمى إليه أكثر مما تنتمي إلى الواقع ، وظلت معه حتى اليوم .. والأرجح أنه أدرك أنه قد وصل بمهارته فى نقل الواقع ، وإعادة تأليفه ، والإضافة إليه درجة لا مفر بعدها من الغرق فى دائرة الاجترار .. وتجويد المحفوظات .. لهذا كان عليه أن يكسر علاقة الاعتماد على مشهد طبيعى يغرى بالرسم PITTORESQUE إلى مشهد تأليفى مبتكر .
- تعلق فى منطقة ` بلطيم ` بالمشهد ` النظيف ` و ` الجميل واقعياً` ، حيث المساحات الممتدة من الرمال البيضاء، والبحر الصافى ، والفضاء المتسع ، وعناق الرمال الناعمة بالأسيجة الخشبية الملونة .. والتقشف اللونى الذى لا يخلو من مفاجآت لونية صريحة هنا وهناك .
- كان من نتائج قرار الانتقال من المشهد الواقعى إلى المشهد التأليفى تلك اللوحات التى فاز عنها فى بينالى الإسكندرية لدول البحر الأبيض المتوسط بالجائزة الثالثة0 تحولت فيها رمال بلطيم البيضاء النظيفة فى ذلك الوقت إلى مساحات صريحة البياض ، تسيطر على مجمل اللوحة ...
- شهدت تلك اللوحات ميلاد مفرداته الهندسية : المثلث الدائرة . المربع . وما يوحى بخط الأفق . إذا كان ` سيزان ` قد اختار ` الكرة ، والمكعب ، والمخروط ` لتحليل أشكال الطبيعة المرئية .. فقد اتجه ` عبد المعطى ` بمفرداته اتجاهاً معكوساً، لا يحلل بل يركب جزءاً فوق جزء ... حتى ينتهى إلى حيث يفاجأ هو نفسه بالنتيجة.
- إذا قلنا على سبيل التشبيه والافتراض إن مفردات ` عبد المعطى ` مفردات رمزية ، أو شخوص تقوم بأدوار فى مسرح لوحاته.. فسنجد ما يدهشنا حقاً .. فهى تظهر دائماً فى حالات تحول زئبقية .. تفاجئنا بالتمدد والانكماش .. والظهور فى مواضع غير متوقعة .. ` فالمثلث ` يكون أحياناً مجرد مثلث .. وأحياناً أخرى يصير هرما .. أو يتألق فى صورة منشور باللورى.
- وفى لوحات ` البينالى ` - المشار إليها - كانت الدائرة . هالة شمسية أو ضوئية ... وفى لوحات أخرى تخلت عن كل مشابهة مع الطبيعة ، وصارت مجرد دائرة .. كما ظهرت مرتدية كل الإيحاءات التى تقربها من شكل كوكب من الكواكب ... وأسبغ عليها رموزاً غير مقصودة ، ففجر جزءاً منها ، جعلنا نظن وجود علاقة بين كوكبه المنسوف وما يدور على كوكبنا من مآس لا حد لحصرها. وعندما سألته إن كان ما ظننته صحيحاً ؟... قال: ` إنه فتح الدائرة بعد أن كانت مغلقة `. هذا كل ما فى الأمر .
- شهدت لوحاته - المشار إليها - بداية محاولاته فى تفتيت وحدة المكان، وظهور أكثر من خط أفق فى اللوحة الواحدة ، وكان يصف علاقات لوحاته ` التركيبة ` بتعبير ` التوازن القلق `
- وسوف يتطور هذا` التوازن القلق` إلى ` توازن عاصف` كما سنرى فى لوحات معرضه الأخيرة 1993.. خاصة بعد أن أصاب ` خط الأفق` هذا بالاختزال والإيجاز للدرجة التى يستحيل التعرف عليه دون الرجوع إلى لوحاته السابقة ... صار الخط - `خط الأفق` - خطوطاً قصيرة لا تحمل شيئاً بل صارت هى المحمولة ، وبالنسبة لى لم أتعرف عليها إلا بمساعدة الفنان نفسه !
- من روما إلى القاهرة
- ضم المعرض مختارات من ` 1985 - 1990 ` وهى لوحات لا يقل مقياس الواحدة منها عن 100×100 سم ، ملونة بألوان ` الإكريلك ` على توال . رسمها فى ` روما` حيث يعمل 1993 مديرا للأكاديمية المصرية هناك ... تمثل اللوحات تطويراً للمرحلة ` التأليفية ` التى تلت مرحلة ` كفر الشيخ ` .. وعلى الرغم من طابعها التركيبى - الخيالى `. فهى لا تقطع كل خطوط الاتصال بمثيرات الواقع المباشر.
- ويفسر ` مصطفى عبد المعطى ` هذا الاتصال بقوله :` عندما وصلت إلى ` روما ` لاستلام عملى كنت فى شهر ` أغسطس ` ، وكان الجو خانقا من شدة الحرارة والرطوبة ، وخطر لى أن أتجول فى شوارع ` روما ` ، وإذا بى أفاجأ مفاجأة شديدة من الألوان الصريحة للعمارات، فهناك تجد عمارة حمراء اللون إلى جوارها أخرى خضراء للون ، وهكذا .. ورغم تلك الصراحة اللونية وجدت تجانسا عجيبا بينها . ولا شك أن ما رأيته كان له اثر لا شعورى على لوحاتى `.
- إحتل ` اللون ` الجرئ الصريح الشبيه بالموسيقى النحاسية البطولة الأولى ، لا يدعك لاسترخاء حسى ، تأملى . بل يوقظ فيك رغبة فى البهجة ، والقلق ، والحركة . وإذا كان قد اعترف الفنان بتأثير حوائط المدينة الملونة على لوحاته فلست على يقين بأنه قد تأثر بما يسمى بالفن ` الخام ` أو الـ ` ART BRUT ` الذى يتجلى فى نماذج الفن الفطرى ، ومع ذلك فما أنتجه فى مراحله المختلفة يتسق أشد الاتساق مع مبادئ جماعة التجريبيين وهى : ` اللاأسلبة - التلقائية - حرية التعبير`.
- ... إن فن ` مصطفى عبد المعطى ` ليس تجريدياً بالمعنى الدقيق للكلمة ، فلا تزال لوحاته مشحونة بحكايات مبهمة ، تنسج وجودها من ` إيحاءات ` الكليم الشعبى ، واللغة المصرية القديمة ، ورسوم الأطفال ، وثرثرة العناصر الدافئة ، وحالات نفسية قلقة .. الجديد الذى أضافه ` مصطفى عبد المعطى ` إلى لوحات معرضه الأخير يتمثل فى أربعة عناصر، هى:
1- اللون ` الأفيشى` .
2- المفردات المشتبكة والمتراكمة والمتداخلة.
3- انفتاح الدائرة التى ظلت مغلقة حتى سنوات روما.
4- الدور الفاعل للخطوط المفردة والمضيئة.
- تشكل تلك العناصر مجتمعة ما أصفه بالموسيقى النحاسية الجهيرة . بهذا المعرض أو داخل هذا المعرض يكون الفنان قد انتقل إلى حالة تعبيرية مختلفة عن لوحاته الماضية ، كما تكشف تلك الحالة عن خطوة ممعنة فى الخروج على المألوف من أسس التصميم ، وكسر لقواعد الاتزان ، والوحدة العضوية ، فلوحاته مشحونة بتوابل المفاجآت ، وربما كان السر فى ذلك يرجع إلى أن الفنان يبدأ لوحته بغير مشروع مسبق غير الرغبة فى التلوين ، وتتوالد العناصر بقرارات فورية ، محكومة بشروط لحظة الرسم والتلوين .
- فى لوحة ` تراكم ` ` وهو عنوان وصفى من عندى تسهيلاً للمتابعة ` ركم الفنان كل مفرداته حيثما اتفق : المثلثات والدوائر وخطوط الأفق فى كومة هرمية الشكل .. وأكد هذا التراكم العشوائى والمحسوب فى ذات الوقت بلمساتٍ غير منمقة .. وإن لم تبلغ درجة عنف لمسات ` رووه ` مثلاً .. فلمسات ` مصطفى عبد المعطى ` ، مهما بلغت درجة عنفها ، لا تتخطى حدود الاعتدال...
- قد يستدعى هذا التراكم إلى النفس إحساساً بموقف الفنان الغاضب أو الساخر من أشياء لا نعرفها .. أو أشياء نشاركه فيها مثل وجودنا المشترك فى قرن الأحزان .. ` القرن العشرين ` .. أو واقع مشترك .. مثل الواقع العربى أو المصرى .. هل تعبر اللوحة عن غضب مستتر، أو سخرية مستترة من الواقع الإنسانى أو العربى أو المصرى ؟!.. أم من كل هذا دفعة واحدة ؟!
- ماذا يعنى السياج الذى يحتل قمة اللوحة والذى يذكر بقضبان السجن ؟..
- لماذا اختار الفنان ` اللون الأسود ` صريحاً أو متداخلاً فى ألوان أخرى ، مشكلاً بحضوره ` اللون البنى والزيتونى ` ؟ على الرغم من الإيحاءات التى تغرى بهذا الاتجاه فى التفسير فإننى على يقين من أن ` مصطفى عبد المعطى ` من الفنانين الذين لا يحبون للوحاتهم أن تدخل فى دائرة ` الاحتجاج ` ضد شئ ...
- غير أنه من حسن الحظ .. فإن الأعمال الفنية كثيراً ما تتمرد على مبدعيها ، فهى تفتح كل المداخل إليها لكى يستخرج منها المتذوقون ما يشاءون ، وليس هناك العمل الذى لا يسمح إلا بباب واحد للدخول ... حتى لو أراد له الفنان ذلك !
- غير أن الفنان الغاضب - حسب تفسيرى - يعود إلى صفائه ورقته فى لوحة : ` أزرق - أخضر - أصفر`؟.. وإذا كان تراكم العناصر .. واستلهام اللون المعتم .. بالإضافة إلى السياج الأسود قد خلق فى لوحة ` تراكم ` ذالك الحس الدرامى .
- فقد اختفى كل هذا فى لوحة ` أزرق - أخضر - أصفر ` بعد أن ألبس لوحته مساحات صريحة وأنيقة من .. الأزرق الصريح - والأخضر الزاهى - والأخضر المتسلل عند الحواف - والأصفر البراق - والأبيض المضئ والمسيطر على مجمل اللوحة.
- ويعود الصوت إلى الارتفاع من جديد فى لوحة ` البنفسجى والأحمر والأصفر` ، وهى تحوى كل توابل التصادم والارتطام والاشتباك، وفى لوحته ` الليل ` تولد الدائرة من جوف الشكل الهرمى، وتنهار مساحة الأفق البنية ، ويعود إلى الالتماعات الضوئية التى تشبه النصال فى حدتها والتى تتشعع من أبطاله الثلاثة : المثلث . الدائرة . المربع .. بعد أن أكسبتها الظلال أشكالاً مجسمة ، أشبه بالعرض التذكارى فى انتصابها على قواعد قائمة.. ثم لايلبث الفنان أن يعود إلى غناء رخيم لا يخلو من دلال الألوان ` البنبونية ` ومفاجأته التكوينية التى يتحدى بها أسس التصميم.
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : يوليو 1993
مصطفي عبد المعطى .. ورحلة التجريب والمغامرة
- فى التجريب كما فى الأسفار، فوائد شتى لعل أهمها هو اكتشاف طرق وأساليب جديدة فى الصياغة ومنطق التأليف والتناول ، وكذا استحداث رؤى جديدة لعوالم بكر خصبة دون حدود.
- فبدون البحث والمغامرة ، يظل الفن تجويداً يفقده التكرار قدرته على الإدهاش وبالتالى التأثير فالتغيير والإنتماء . ويبقى الأمر كمسار سكة حديد يتكرر الرواح فيه والغدو مشابهاً فى كل رحلة لنتاج سابقتها .
- وإذا كانت الحركة التشكيلية فى مصر قد حفلت بنتاج العديد من المجودين المؤدين فقط ، فإنها قد نمت، وتحولت للأعلى والأكثر جدة ، على مدى ثلاثة أرباع القرن الحالى منذ بداياته وحتى الآن ، عن طريق التجريب والمغامرة ، من قبل فنانين جادين ، انتشروا خلال تاريخها كمحطات أو نقاط ارتكاز، ينطلق منها فى كل مرة الفن فى مصر ، نحو الأحدث والأفضل .
- ومن هؤلاء يقف الفنان ` مصطفي عبد المعطى ` بتجربته الفريدة فى ملامحها داخل إطار حركة الفن التشكيلى فى مصر ، بما تحمله من تزاوج حميم بين` الشكل ` الممتدة جذوره داخل إيقاعات شرقية وبذلك المخزون ، أو الرصيد ذهب لأسبانيا فى بعثة دراسية ، استكمل أثناءها أدواته ، ثم راح يصيغ تجربته ، التى تشكلت ملامحها في هيئات متنامية ومتعددة يجمعها إطار عام ، هو محاولة التوفيق بين معطيات التراث المصرى والطبيعة والقائم على أصول اللغة من ناحية ، والمضمون المستخلص من مصر المعنى والمكان من ناحية أخرى يذوب هذا فى ذاك فى تلاق حميم ، تنتفى منه المباشرة ، وتتمثل المؤاثرات الأولى ، داخل تنظيم كيانى جديد . يحمل من التعبير قدراً يرتفع بالتشكيل دون طغيان عليه ، أو تعطيل لنموه .
- فهو منذ البداية ، لم يعمد إلى الوقوف إزاء الطبيعة ، ينقلها كما هى ، أو يتقيد بملامحها الأولى ولم يتجه للعبث الفانتزى الذى تحدثه المصادقة واستحضار الأشكال باللعب بمفرادتها.
- كما لم يتوقف إزاء نتاجات غريبة بعينها لاستجداء ما يمكن أن تجود به . وإنما اختار المواجهة الواضحة الصريحة مع الطبيعة أولاً ، مالكاً فى البداية فحسب أدواته الأدائية الأكاديمية ، ووعيه بأن الفن لغة قوامها الشكل القادر بذاته على التعبير ، وليس الحامل من الخارج له . وراح يجوب مصر ، متجهاً فى البداية جنوباً ، باحثاً فيما يمكن أن يسفر عنه التلاقى مع الأرض والناس والتراث الحضارى ، ثم عائداً للشمال حيث دلتا مصر متلاقياً مع رحابة الأفق وانبساطات الأرض وغمر الضوء الساطع للبيوت والأفق ، صانعاً لنفسه مخزوناً من الاشكال المغمورة بالضوء . والتى تعكس بتجاوراتها وحواراتها حساً إنسانياً عالياً يرتفع بالتعبير دون تعطيل للبحث فى التشكيل . أرضها ومناخها والاستحداث فى الشكل والتناول معاً من ناحية أخرى.
- الروافد
- والواقع أن التجربة الفنية لدى الفنان ` مصطفى عبد المعطى ` تمتد أصولها فى روافد عدة ، بلورت فى مجموعها منطق الرؤية لديه وأساليب التناول .
- أول تلك الروافد هو طبيعة أرض مصر الطوبوغرافية ، بانبساطاتها وعدم احتجاب الرؤية فيها حتى الأفق وسطوعها بالضوء الذى يضفى على الألوان بهاء وحيوية ، وبالتالى علاقته كضوء بما يخلفه الظل على الأشكال من قتامة .
- بينما بدا رافد الرؤية الثانى لديه متأتياً من مفهوم التوالد اللانهائى للأشكال الأرابيسكية ، وما توحى به من حركة مستمرة لا تنقطع برغم تكرار مفرادتها وسكونها فى مواقعها دائماً .
- وكذلك علاقة التعامد بين الرأسى والأفقى فى الفن المصري القديم .
- ولعل استمرار حركة الدائرة وليونتها المسالمة ، وجسارة المثلث وحدة أشكاله وما ينجم عن تلاقيهما من توتر هى رافد رؤيته الثالث .
- أى أن معطيات الطبيعة المصرية ، ومعطيات التراث الحضارى لها، ثم الشكل الأولى المجرد . هى روافد الرؤية الرئيسية لتجربته . التى أسفرت بانصهارها معاً ، ومن خلال التجريب المستمر عن ملامح التشكيل لديه، وما يحمله من تعبير خالص، غير مقيد بالمباشرة .
- التجربة
- والتجربة لدي الفنان` مصطفي عبد المعطى` بامتدادها طوال ما يقرب من الربع قرن الأخير قد حفلت بخمس مجموعات متتالية، نمت الرؤية خلالها وتبلورت بدءا من التشخيص وحتى التجريد .
- أول تلك المجموعات هى تلك التى حملت محاولاته التجريبية الأولى مع الشكل ، وما يحمله من مضمون إيحائى . فبرغم اهتمامه بتصوير الإنسان فى البداية ، إلا أنه جاء إنساناً محوراً بالتلخيص إلى اشكال تحمل بإيقاعات حركتها، وبحواراتها مع رموز فضائية كالهلال والطائرات الورقية. قدراً عالياً من التعبير . أكده تواجده دائماً وحيداً . وفى حالة متوترة من الوشوك على الحركة، أو مثبتاً عند بدايتها .
- ثم تحول بعد ذلك لاستلهام عديد من الزخارف الشعبية فى صنع تراكيب معقدة مليئة بالتفاصيل الزخرفية المتداخلة ، التى تصنع حالة من الصخب ، ذات حس فانتزى لينتقل بعد ذلك لمزاوجة الشخوص المبسطة التركيب، الحاملة لرموز الخصوبة بتراكيب الزخارف المستوحاة من أشكال المناضد والأسرة والمقاعد ، وبعد تحولها إلى مساحات متداخلة مختتماً بذلك الحوار بين الشكل الإنسانى على بساطته والتراكيب التجريدية المعقدة فى مجموعته البحثية الأولى .
- بعد ذلك انتقل إلى فترة البحث التالية التى أسفرت عن المجموعة الثانية . وفيها يبدو وقد وضع يده على واحد من أهم مفاتيح أشكاله ، وهو المثلث الديناميكى فى حواره مع الدائرة .
- فقد بدأ بتصوير جموع من الشخوص ، تؤلف بتزاحمها حالة من الصخب التعبيرى تصنعه أعداد هائلة من الأزرع والرؤوس المتزاحمة مؤلفة فى مجموعها حركة مركزية تتدفق فى عديد الاتجاهات، مالئة السطح كله تقريباً. وسريعاً تحولت الملامح الإنسانية إلى مثلثات ودوائر تتزاحم وتتداخل ، مؤلفة فى مجموعها عالم من الحركة الدوامية ، التى ينبثق فيها الشكل منتشراً من بؤرات عديدة مركزية . تصنع بتعددها ما يبدو ` كالتثبيت ` للفوران الحامل للتعبير دون مباشرة .
- ويتحول الصخب والتداخل وامتلاء السطح بالأشكال بعد ذلك، إلى تراكب بنائى للأشكال تخفت فيه حدة تعدد التفاصيل ، ويظهر المثلث ربما للمرة الأولى واضحاً كشكل هام داخل البناء العام للأعمال، حيث يتحول السطح إلى تقسيمات تسفر عن مثلثات متراكبة، تحصر فيما بينها آخر ملامح الإنسان الطبيعية ، التى انسحبت بعد ذلك تاركة الأثر النابض فحسب .
- وربما كان للتراكب البنائى للأشكال فى حوارها مع أشكال الشخوص المتعددة أن يستمر بشكل أطول من ذلك . إلا أن قيامه برحلة بحثية فى دلتا مصر ، واجه فيها الطبيعة مباشرة قد أسفر عما يبدو لديه كصياغة للأشكال داخل عوالم أقرب إلى `مفهوم` المنظر، برغم تجردها تماماً من المباشرة التسجيلية فقد أثرت كثيراً مواجهاته لامتدادات الأرض حتى الأفق ، وتلاقيها كمساحات شاسعة مع السماء . وتناثرت الأبنية والأكواخ كنقاط نطاطة من الألوان الزاهية على مساحات من الأبيض المشرب بخضرة تارة وحمرة وردية أخري ، وزرقة بحرية ثالثة ، أثر ذلك فى منهج التأليف التركيبى الذى استهواه فى البداية, غير من ملامح مخزون الوعى ببناء الشكل داخل الفراغ المحيط .
- حيث أن التراكب كان من الممكن أن يجره نحو` تسطيح` العناصر وإفراغ أشكالها من الكتل والحجوم، وحصرها بين بعدين فقط بينما المنظر ، لابد أن يتبعه إيهام بالبعد المنظورى وبالتالى إضافة بعد ثالث ، هو صانع الفراغ والموحى به . وهو ما رسخ وتبلور بل وشكل أهم ملامح مخزون الرؤية لديه بعد ذلك .
- وقد تشكلت نتاجات رحلته تلك فى ملامح عديدة ، لم تبتعد كثيراً فى هيئاتها عن ملامح الطبيعة، ولم تتوقف إزاء الشكل فيها مباشرة ، حيث قد صور فى مجموعة منها مناظر للقرى والمدن بأبنيتها المتراصة فى تجاور وتداخل وبدت كأشكال هندسية وعضوية كثيرة تمتد حتى الأفق ومنها قد استخرج فيما بعد مثلثاته ودوائره التى شكلت العنصر الأول الأساسى فى تجربته التالية . وفى مجموعة أخرى صور التلال بتموجاتها وما يقطعها من طرقات ، وكذا ما يغمرها من ضوء ساطع يخلف ظلالاً قاتمة . ومن ملامحها قد استخرج ما قدمه بعد ذلك من عوالم رحبه ممتدة إلى ما لا نهاية .
- وهكذا يختتم رحلته مع المنظر، بعد أن يكون قد اختزن من علاقة رحابه الأفق مخزوناً للشكل وللتشكيل معاً ، ثم راح بعد ذلك يبلور أهم نتاجاته الفنية التى شكلت فى مجموعها المجموعة الرابعة فى فترات بحثه المتتالية .
- وفى تلك المجموعة تنتفى الثرثرة تماماً ، وتبدو اللوحة مكتسبة صفة البوح الداخلى الهامشى ، الأشبه فيما يخلفه بالحلم الملتحف بغموض ميتافيزيقى مثير .
- يتأتى عن ذلك العالم الرحب الممتد إلى ما لا نهاية ، تتوافق فيه الحلكة والنصاعة معاً ، متحول بشكل مستمر برغم سكون مفرداته، تختلط فيه الأرض بالسماء - وتنمو أشكال ككائنات فضائية - برغم تشابهها لإحضار أشكالها فى المثلث والكرة والمربع متراكبين - تبدو مختلفة فى ملامحها عن بعضها البعض - تتحاور فى هدوء وإصرار يتوافق مع ذلك الشئ الأشبه بالهسيس الذى ينساب بينها ويغلقها .
- حوار جيد بين التجريد كمعنى رفيع متخلص من شوائب التفاصيل والنمنمة والرغى من ناحية ، والتعبير الهادئ الجليل من ناحية أخرى .
- ومن ذلك الحوار تتوالد عوالمه اللانهائية المتنوعة ، فرحة الأشكال بألوانها القزحية الملتمعة بالضوء والمنتشرة فيما يشبه الوديان الناصعة تارة ، أو الملتحفة بحزن جليل يعكسه الأسود الحالك الذى يزحف فيلفها فى سكون تارة أخرى ، قائمة فى بنائها على التلاقى بين اتجاهات الأشكال فى انتصاباتها الرأسية ، وخطوط الأفق المتلاحقة العرضية وإحداثه لحالة من التوقيف العشرى للحركة ، إلا أنه هنا بدا كالضابط لإيقاع الحركة فى البناء التشكيلى ، وفى نفس الوقت بدا معادلاً رمزياً لمخزون الرؤية لديه عن امتداد الوادى ، وانتصابات الكائنات والأبنية وأثر الحضارات المتعاقبة عليه .
- وربما كان ذلك التلاقى هو ما قاده بعد ذلك لمجموعته البحثية الخامسة التى انبت الأشكال فيها على تلاقى محورى الأفقى والرأسى ، وراحت تحدث حركتين إيحائيتين معاً ، متراكبتين فى اتجاهين متعامدين ،خطوط عرضية متتالية فى اتجاه رأسى ، ومثلثاته ودوائره ومربعاته الكريستالية الشكل ، قزحية اللون تتالى فى تجاور بين تلك الخطوط ، كحروف الكتابة محدثة بتتاليها حركة عرضية فى اتجاه امتداد الأفق حتى تحولت فى النهاية إلى حالة من السكون الوهمى نتاجاً لتساوى الأشكال بل وتشابهها بشكل عام . وكذلك لتساوى اتجاهى حركتها فى اتجاهين متعامدين .
بقلم : د./ فاروق بسيونى
مجلة إبداع العدد (9) سبتمبر 1989.
|