حسن أبو النجا: الحروف العربية حافلة بالتشكيل والإبداع
تطور اهتمام الفنان التشكيلي حسن أبو النجا بالخط العربي بعد التحاقه بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، حيث درس تاريخ الكتابة العربية على مدار 5 سنوات مدة دراسته بالكلية، وبذلك تحولت علاقته بفن الخط من تجويد وحسن الكتابة في المرحلة الثانوية إلى دراسة أكاديمية ممنهجة. وقال إنه بعد دراسته النظرية والعملية غير التخصصية في الكلية، حتى تخرجه الأول على دفعته وتكليفه بالعمل معيداً بالكلية عام 1989 في قسم التصميمات المطبوعة
(القاهرة) - بدأ مرحلة جديدة من الاهتمام بفن الخط، حيث درس أصوله وقواعده في مدرسة محمد إبراهيم للخط العربي بالإسكندرية عام 1992، واستمر في الدراسة للاستزادة مدة 6 سنوات رغم أن الحصول على دبلوم تحسين الخطوط العربية يستغرق 4 سنوات دراسية فقط، حيث كان اتجاهه غير مرتبطاً بنيل درجة علمية، واستطاع الحصول على دبلومين في الخط العربي، خلال تلك الفترة التي امتدت حتى عام 1996، كما استكمل تلك الدراسة مرة أخرى حتى حصل على دبلوم آخر في التذهيب عام 1998.
وأضاف أبو النجا أن تدريس مادة الخط العربي في كلية الفنون لم يكن ليؤهله لما أعد نفسه من أجله من التعامل مع التراث الإسلامي، خاصة الخط العربي والاستفادة من قدرته على التطويع لإنتاج عمل فني معاصر، لما تشهده الدراسة من عدم اهتمام بالتراث الأصلي للمنطقة العربية، وأهمية الخط العربي في عمليات الابتكار والإبداع، إضافة إلى عدم تخصص الأساتذة في أساس المادة وطريقة تدريسها، كما يحولها البعض إلى عملية تشكيل بحتة من دون أن يتعرف إلى أسس بناء الحرف العربي وطرق تشكيله، ولذلك انتدبت الكلية في بعض الأحيان متخصصين من خارجها، لكنهم أيضاً لا يهتمون إلا بكونها وظيفة، ولا يعتد بها كمادة أو مخرج نهائي لتعليم الطلاب كيفية الاستفادة من الخط العربي في التراث الفني والإبداع المعاصر.
الحروف العربية
وأوضح أنه بعيداً عن المدلول اللفظي، فإن الحروف العربية تمتلك العديد من أساسيات التصميم والتشكيل المتمثل في حركة الحرف والقيمة والوزن والفراغات الداخلية والخارجية، إضافة إلى الشكل السلبي والإيجابي للحروف، حيث إن الحروف العربية مليئة بمفردات التشكيل والإبداع، وهو ما يمكن للفنان الاعتماد عليه في إخراج أعمال تجريدية وفنية رائعة، مؤكداً أن الفنان «بول كليه»، وغيره من فناني الغرب استطاعوا أن يفهموا المحتوى الداخلي للحروف العربية، فانتجوا منها أعمالًا فنيه رائعة، إلا أن مشكلة الفنان العربي تكمن في أنه لا يعمق النظر جيداً في الأشكال التي يراها ويمر عليها مرور الكرام، فالنظرة العميقة للحروف العربية سواء كانت منفصلة أو متصلة تمكن الفنان من أن يخرج آلاف الأشكال والعناصر التي تساعده على إنتاج عمل فني مميز، وحتى الآن لم يتعرف معظم فناني الشرق إلى كيفية بناء الحروف والأساسيات التصميمية والتشكيلية والمحتوى الداخلي فيها، حتى أن تجربة الفنان الرائد ماهر رائف كانت صوفية استلهمها من دراسته عن الخطاط الوزير بن مقلة، وهي تجربة لم تستمر طويلاً وتحولت الكتابة فيها إلى دراسة نظرية.
وأكد أبو النجا أن الأهمية القصوى للرسم في مجالات الفنون كافة، حيث يزرع البذرة الأولى لعمليات الفكر التجريدي، وإذا كان الفنان الذي ينتج عملاً تجريدياً غير قادر على الرسم أو على فهم الأساس للعناصر المرسومة، فلن يستطيع أن يلخصها وإخراج الشكل التجريدي الواضح والمؤثر، والذي يصل إلى عمق المشاهد من الوهلة الأولى ويجعله يتذوق فناً جميلاً، وأن التراث الإسلامي في أصله يعتمد على تلخيص العناصر إلى خطوط، وهي أهم الأسس في عملية الرسم، حيث إن فهم حركة الخط واتجاهاته يوصل الفنان مباشرة إلى الفكرة المطلوب إخراجها فيتذوقها المشاهد بسهولة.
فن قومي
وأضاف أنه من الممكن إنتاج فن قومي من خلال استلهام الحروف العربية كموروث تراثي، ولكن ذلك يعتمد على المجموعة التي تتولى تلك الفكرة وعلى الدعم المقدم لها، فذلك المشروع يحتاج بالأساس لفنانين دارسين للخط العربي ولديهم ملكة الإبداع، وتلك الطريقة ستوثق تراث الأمة العربية.
وقال إن عملية دمج الصور بالحروف العربية لإنتاج عمل فني تفقد الحروف جمالها ومعناها الحقيقي، فالخط العربي له اتجاه في الإبداع غير الذي تعطيه الصورة، ويعتبر ذلك محاولة للعبث وليس المتعة، في حين أن دمج الحروف مع الزخارف قد يعطي إحساساً أفضل بكثير، حيث إنه في مجال التصميم حين تدمج صوراً مع خطوط عربية فإنها تضيف للعمل إحساساً بالمتعة، لما يضيفه الخط من جلال لهذه الصورة، حيث يخطف النظر إليه سريعاً، ويضفي المتعة على العمل الفني، كما أن الزخرفة من أهم فنون العصر الإسلامي، وقد وجدت لتزيين الجدران في العمارة المدنية والدينية، وتحاط بالكتابة لزيادة الجمال، وأن كلية الفنون في بدايتها كانت تسمى قسم الديكور قسم «الزخرفة»، والزخرفة هي قمة تلخيص الأشكال الهندسية والنباتية وتحويلها إلى أشكال زخرفية يبدعها الفنان المسلم، كما وجدت لدى الفنان الغربي في أعماله القديمة والحديثة.
الاقتباس
وأوضح أبو النجا أن عملية الاستلهام أو الاقتباس لا تعيب الفنان، فهي بمثابة بداية الطريق لإنتاج فن جديد ومميز، والاستفادة من رؤية القديم واستلهام فكرة جديدة تدفع الفنان للابتكار وعدم التكرار، كما أن عملية الاستعانة بدلالات معينة تطبع بطابع زمانها في إنتاج عمل فني معاصر يمكن استخدامها في السياقات الثقافية ذات الطابع التراثي، والمتمثلة في المطبوعات والإعلانات الخاصة بها، ويمكن استخدامها في عمل فني معاصر من دون تقليدها، باستخدامها كما هي أو من خلال استلهامها في عمل جديد، ولكي لا يكرر الفنان العربي نفسه في التعامل مع التراث العربي فلا بد له من الاطلاع كثيراً على روائع الفن القديم، والاستفادة من الدراسات الحديثة الغربية وطرق الإبداع الفني الحديث، فتكون المحصلة إنتاج أعمال فنية حديثة ترتبط بأصالة الفنون القديمة.
وقال إن فكرة ابتكاره لطراز الحروف الرقمية الجديدة «انطونيو وكليوباترا» جاءت أثناء دراسته للدكتوراه في جامعة روما «لاسابينسا» في إيطاليا، وتم تسجيلها في الجمعية الإيطالية للمؤلفين والناشرين في روما عام 2008، وأنها بالنسبة له اختبار للقدرة على اقتحام مجال تصميم الحروف في عقر دار الغرب، حيث آثر مجال تصميم الحروف اللاتينية الرقمية، أي وضعها على نظام الكمبيوتر، والكتابة بها، وأنه نال استحسان الجميع، وتلك الحروف الجديدة استلهم تصميمها من زهرة اللوتس الفرعونية، والعمود الروماني القديم، فجاء الاسم معبراً عن فكرة التزاوج القديم بين الحضارتين، للدلالة على الأصالة، كما أنها أصبحت معاصرة أيضاً لكونها حروفاً رقمية أعدت للكتابة بها على نظام آبل ماكنتوش.
موسوعة «تريكاني»
حصل أبو النجا على ثلاث دورات في ترميم وتجليد وحفظ الكتب والموسوعات القديمة في المعهد المركزي لحفظ وترميم الكتب في روما، وفيه تعرف إلى الكثير من المعلومات والمراحل العديدة، التي تتم من خلالها عملية الترميم، وتدخل فيها المعالجات الكيميائية واليدوية، وقد شارك في ترميم النسخة الأولى من موسوعة «تريكاني» الإيطالية الشهيرة، واختياره لتلك الدورات كان لشغفه بكل ماله صلة بالفن والتصميم والكتب، موضحاً أن عمليات تجليد الكتب القديمة والموسوعات تستغرق وقتاً طويلاً، وأن التجليد من الفنون التي تقدمت بفضل الحرص على صيانة المصاحف، وازدهر على أيدي المسلمين على وجه الخصوص لعنايتهم الفائقة بغلاف المصحف الشريف.
مجدي عثمان
جريدة الاتحاد - الأحد 28 أغسطس 2011