عبد العزيز إبراهيم صعب
نحت الروح فى أعمال عبد العزيز صعب
- البحث عن حقيقة الأشياء من خلال النحت أو الرسم والتعامل مع الشخصيات الإنسانية تقوم على الفلسفة وعلم النفس، ودراسة الواقع فى البداية لأنه الطريق إلى الخيال أو إلى حقيقة وأصل الروح
تفتحت عينا الفنان على الرشاقة والجمال، والأناقة من خلال تربية الخيول وامتطائها وذلك لأن والده كان يعمل «جوكى» بل العائلة بالكامل تعمل فى مجال تربية الخيول. وكان يذهب مع العائلة سباق الخيول مما أتيح له مشاهدة عن قرب كثير من الفنانين والفنانات، بل كانت شادية تداعبه دائما وكذلك فريد الأطرش وسامية جمال وعزالدين ذو الفقار.
من خلال هذا المجتمع امتلأت عينا الفنان بشياكة النساء وأناقة الرجال. بل تمعن الفنان كثيرا فى تكوين الحصان من حيث رشاقته ولياقته وشكله العام بل شكل «الجوكي» وملبسه وألوانه كل مظاهر هذا المجتمع أثرت فى الفنان فى الصغر.
• وكانت مرحلة المدرسة البداية. كان ينال دائما استحسان وتشجيع مدرسته، لدرجة أن كثيرا منهم يقوم بإعطائه ألوانا كنوع من التحفيز.
وقبل التحاقه بالكلية كان يقوم باستنساخ بعض اللوحات العالمية كنوع من الدراسة والتعرف على عالم الفن.
وبعد التخرج فى كلية الفنون التطبيقية وتعيينه بها بقسم النحت لمدة 6 سنوات قرر الفنان السفر إلى إيطاليا وأخذ جولات إلى روما، وفلورنسيا، فينسيا، وفيرونا وذلك لكى ينفذ صب أعمال له «برونز» فى فيرونا وروما.
وتنفيذ الأعمال البرونزية له مراحل فنية وعلمية تحتاج المهارات العالية نادرا وجودها إلا فى إيطاليا وفرنسا.
هذا ما يؤكده الفنان مهارات ذات المستوى العالمى.
ومع بداية فن البورتريه رشحه الفنان والخزاف العالمى سعيد الصدر لعمل تمثال الموسيقار محمد عبدالوهاب من ضمن مجموعة رواد الفن وهو أول تمثال لشخصية مشهورة وكان بداية الثلاثينيات من العمر مما أصاب عبدالوهاب بالقلق والذهول، ولكن عند اكتمال العمل لم يخف عبدالوهاب إعجابه ووقف أمام التمثال وقال «هو ده عبدالوهاب ليس الشبه من الخارج فقط بل من الداخل إلى الروح».
كنت أعرف بهيرة مختار الصحفية وطلبت منها أن تعرفنى على يوسف إدريس فدلتنى على مكتبه.
وكان لقائى بيوسف إدريس وطلبت منه عمل تمثال شخصى له فقال لى باستغراب ليه؟ عاوزنى أكتب عنك ولا عاوز فلوس؟
قلت لا تلك ولا ذاك، أريد أن أعمل عملا فنيا من خلال يوسف إدريس. فوافق على الفور.
نظرت إليه وسألته لماذا وافقت كان رده أنى أحسست بك.
وبعد الانتهاء من العمل قال أول مرة أشوف نفسى.
ولكن ما يميز شخصية يوسف إدريس الحضور الدائم لروحه ثم رشح لى من خلال طلبى عمل تمثال لفاتن حمامة بل قام بالتحدث معها فى التليفون.
أحب الفنان عمل بورتريه للشخصيات ذات المواقف والروح الواضحين، ثم كان أول معرض لى فى قاعة أخناتون «قصر عائشة فهمي» حضر المستشار الثقافى الإيطالى ونقل المعرض إلى المركز الثقافى الإيطالى بالقاهرة ثم الإسكندرية وبورسعيد.
ثم جاء تكليف الفنان بشكل رسمى بعمل بورتريه للشاعر الإيطالى المعروف أونجرتى من قبل وزارة الثقافة الإيطالية.
عمل على أثرها احتفالية لافتتاح التمثال لوضعه فى القنصلية العامة الإيطالية وكان هذا بمثابة جائزة للفنان وذلك لأنه يوجد تمثالان للشاعر أعمال فنانين إيطاليين ولكن القنصل العام أصر على اختيارى لعمل التمثال، ثم كان تمثال الأديب نجيب محفوظ بتكليف من وزير الثقافة حين ذاك فاروق حسنى وكذلك تمثال العقاد.
وضع محفوظ أمام الهناجر والثانى فى ميدان عباس العقاد بأسوان وهما منفذان بخامة البرونز ولم يغفل الفنان دور العمال فى رفع التمثال، ثم كان تمثال مصطفى محمود وثروت عكاشة وأنور السادات وجيهان السادات والسلطان قابوس، أهم ما يميز تمثال الميدان عن الفنان كما لو كان التمثال يطل علينا من كتلة حجرية أجزاء منها لا تراه وأخرى ظاهرة يؤكد الفنان أن تمثال الميدان يجب أن يفرض سيطرته على المكان وكذلك الإحساس بالفراغ المحيط بالتمثال.
ويجب أن يكون هناك علاقة حسية وفنية وهندسية بين التمثال والمكان تماثيل عبدالعزيز صعب التعبيرية نبض الحياة رغم اختزال كثير من الملامح، بل إن الفنان ينتمى إلى المدرسة التأثيرية فى فن النحت وهو نادرا ما نراه.
لم يكتف الفنان بعمل تماثيل بل نفذ عدة ميداليات، أولاها ميدالية عن عام المرأة وأخذ عنها جائزة مختار عام 1975 وكان أصغر نحات ينال هذه الجائزة فى هذا الوقت.
ثم ميدالية هدية من مصر إلى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عن جمعية أصحاب الحياد.
وللفنان بعض أعمال تصويرية بخامة الباستيل.
الفنان: مواليد 1949 بعين شمس.
كلية الفنون التطبيقية عام 1966.
قام بالتدريس بالكلية لمدة 6 سنوات حتى سافر إلى إيطاليا.
عصام طه
صباح الخير : 13-12-2017
آفاق جديدة فى عالم النحت
- روى الكاتب الإنجليزى ` جون راسكين` عن الأميرة ` بيسكو` أنها قالت حين زارت مصر: ` لقد شاهدت المكان الذى ولد فيه الفن اليونانى القديم`. والواقع أن المهندسين والنحاتين المصريين القدماء هم أول من شيدوا الصروح المعمارية على وجه الأرض ونحتوا التماثيل العملاقة فى أشد أنواع الحجر قوة وصلابة لذلك مجدهم الفراعنة ورفعهم الشعب إلى مصاف الآلهة كالمهندس` أمحوتب` بانى هرم ` زوسر` فى سقارة قبل ثلاثة آلاف عام من الحضارة الإاغريقية .
- لكن اليونانيين - كما جاء فى كتاب ` الشعر الاغريقى لأحمد عثمان 1984 - إمتازوا بقدرة فائقة على أن يصنعوا مما يأخذون عن غيرهم شيئاً جديداً يتفق مع طبائعهم ورؤيتهم للحياة وأسلوب معيشتهم حتى أصبح يتعذر أن نحدد بدقة مقدار مايدينون به لحضارات الشرق القديم إلى درجة إتجاه الدارسين إلى القول بأن ما أخذوه عن الآخرين يقل كثيرا عما أضافوه من عندياتهم وطبق ذلك أول ماطبق على شاعرهم الأشهر هوميروس .
- أخذ القليل وإضافة الكثير هو مانسميه ` الأصالة ` أى الارتباط بالتراث المحلى والإنسانى حتى يكون الإبداع له معنى ويصبح الرمز إصطلاحا والفن ضرورة بين فنانى العالم الثالث ونحن منهم - من يضيفون من ذات أنفسهم ويستندون إلى التراث. سوادهم الأعظم ينقلون من الأمشق ` الاورو أمريكية ` التى تظهر فى` كتالوجات` البيناليات العالمية بنوع خاص، حيث الموضات التشكيلية وآخر صيحات ` التكنيك` والخامات .
- نحاتنا المتألق: عبد العزيز صعب من القلة الأصيلة النادرة. يضيف من ذاته وموهبته ومهاراته وثقافته إلى إبداعه المحتفظ بوشائج قوية مع التراث المصرى القديم والشرقى الإنسانى بعامة دون أن يتوه فى عالم` التجريد` ويستجيب لإغراء الجوائز الرسمية والبعثات الخارجية وحين أرادت الدولة أن تقيم تمثالا لموسيقارنا الكبير` محمد عبد الوهاب` لم تجد سواه لينحت أمارات العبقرية ومقابل الذكاء لأن معظم الباقين تجريديون لايصلحون لمثل تلك المهمات القومية التاريخية ` جالسة` أو` والدتى `: تمثال من الجص بإرتفاع 25 سم أبدعه فى مارس 1984 فى الذكرى الثانية لوفاة والدته صور فكرة الأم فى كل زمان ومكان مضمون العطاء والتضحية والحب المنزه عن الغرض تبدو متشحة بغلالة رقيقة تخفى تفاصيل الملامح وتبرز المعنى العام. تكسب `العمل` مسحة رومانسية شاعرية تؤكد فكرة الديمومة وتمنحه خليطا سرياليا يعكس تأثيراً صوفياً .جالسا على حجرها لاتريد سوى الأطمئنان بعد أن أعطت فلم تستبق شيئا ! يأمل فناننا أن يصب تمثاله ذهبا ليؤكد ثراء المضمون وسرمديته ويشير إلى عالم الخلود الذى ترحل إليه كل الأمهات .
- لعبت والدته فى حياته دورا بارزا وشجعته ليمضى فى طريق الفن كانت ذواقة الجمال وحافظت على إبداع ولدها وشعرت بقيمته وأهميته لكنها رحلت فى الثالثة والخمسين قبل أن يكمل المشوار هكذا يحس بذكرى وفاتها تلقائيا ويجسد فى إبداعه معانى الولاء والعرفان والأمتنان تمجيدا لكل الأمهات فى كل زمان ومكان .
- فى ذكراها الأولى هذا فى أبريل 1983 أبدع تمثال ` الأم` من الجص بإرتفاع نصف متر تمهيداً لتحويله إلى برونز واقفة ممشوقة فى عظمة إنسانية يسراها إلى جنبها ويمناها على موضع الألم الذى استفحل حتى أودى بحياتها راحة اليد منبسطة الأصابع على الجسد كأنهما نحت بارز تعبير درامى تراجيدى يتضمن التجرد والإبتهال ويروى قصة الرحيل تعبير صامت من العذاب الذاتى وليس تعبيراً بتحريك العضلات وعلاقتها `إلى الموقف` منعكسا على` الفورم` والشكل العام أداء بليغ لايعتمد على الحركات الكلاسيكية المعروفة لكنه أكثر واقعية من الواقع كتعبير فنانى الآنية : بسيط الفن ` يقول `الفورم ` ذو الشكل العام للكتلة ` هو أساس التعبير الإبداعى عند ` عبد العزيز صعب ` كما كان يفعل النحات المصرى القديم . ضمن القلائل الذين يمثلون ` الخطوة التالية ` بعد : جمال السجينى وعبد القادر رزق وأنور عبد المولى وكامل جاويش وأحمد عثمان هؤلاء الذين أكملوا الطريق الوعر الذى بدأه الرائد ` محمود مختار` - ونحن نرتب الأجيال هنا وفقا لمقدار` التغير` فى الشكل والمحتوى الفنى، وليس بالنسبة لتواريخ الميلاد فلو تأملنا تماثيل ` صعب ` لتبينا . أنه أستفاد من تراثنا الفنى القديم والحديث على السواء . كما نهل من المنابع الأوروبية التى نهل منها الجيل الاول والثانى تعنى النحاتين الفرنسيين : أوجست رودان ` 1840 - 1917 ` وأبستيد مايول ` 1861-1944 ` ونخبة من نحاتى أوروبا الجادين المشهود لهم تاريخيا .
- `النحت ` كأى فن آخر : تعبير إنسانى يعتمد على أبعاد إستطيقية خاصة أهمها ` الحجر أو البعد الثالث` أما` الكتلة والفراغ ` - تلك العبارة الجوفاء التى يرددها الهاربون من ` مضامين الإنسانية ` - فواحدة من المقاييس الفنية وليست ` مضمونا ` فى حد ذاتها ولاقيمة لها إذا لم ` تقل ` شيئا مهما نال صاحبها من جوائز .
- لا ملامح فى تماثيل الموضوعات العامة عند `عبد العزيز صعب` الوجه والأطراف أجزاء فى `التكوين` تقوم بدورها مع باقى العناصر فى إبراز ` المعنى ` و` المدرك الكلى ` نوع من التجريد المقارب من باب ` البلاغة ` أما تماثيل ` الوجوه ` فإنها من طليعة فرسانها فى بلادنا وهى كلمة نادرة بعد شيوع ` النحت العبثى ` وظهور مثالين يحشون ` الخيش ` بالخرق البالية ويطلونه بالصبغات الملونة ويفوزون بالجوائز من المسئولين!
- لم يكن` العبث` هدفاً لفن النحت منذ أن دب الإنسان على هذه الأرض لكن توجد ثمة قصة للاغراب والإدهاش الذى نلقاه فى معارضنا من إنتاج الهواة من التطبيقيين ومدرسى التربية الفنية ومن يترسمون خطاهم من خريجى الفنون الجميلة غير الموهوبين ففى عام 1912 أصدر الرسام الإيطالى: أمبرتو بوتشيونى` 1882 - 1916` منشورا بعنوان:` البيان الفنى للنحت المستقبلى` تزعم حركة فن النحت بالرغم من أنه ليس نحاتاً وأوصى فى تعاليمه باستخدام عشرين خامة مختلفة فى فن النحت منها، الزجاج والخشب والكرتون والحديد والأسمنت وشعر الخيل والقماش والمرايا وضوء الكهرباء .. إلخ لم يفعل
` بوتشيونى` نفسه شيئا من ذلك بل أبدع بضعة تماثيل برونزية عاد بعدها إلى تخصصه كرسام .. لكن بيانه السالف يلقى ضوءاً على مانراه فى معارضنا المتدنية من عرائس الخيش المحشو بالخرق وتركيبات المواسير التى لا شكل لها ولا معنى وتوليفات متنافرة من مختلف الخامات يرحب بها المسئولون عن الحركة الفنية ظنا منهم أنها آخر صيحات الفن، مع أنها أفكار ترجع إلى عام 1912 أثناء الفوران الأوروبى قبل الحرب العالمية الأولى` 1914 - 1918 ` .
- ولد` عبد العزيز صعب` سنة 1949 بضاحية عين شمس بالقاهرة، فى بيت جميل شب فى حديقته بين الأشجار والأزهار يهوى الرسم .. والتلوين أما والده ففارس مدرب خيول يقضى أوقات فراغه فى تشكيل الصلصال أو نحت الخشب قضى فناننا سنوات تعليمه العام فى مدارس الضاحية حتى تخرج فى القسم العلمى من الثانوية العامة. أراد أن يتعلم أصول فن الحت فالتحق بكلية الفنون التطبيقية دون أن يفرق بينها وبين الفنون الجميلة فف الدول المتخلفة لا يوجه مدرسو الثانوى طلبتهم وفقاً للمواهب والقدرات ينشغلون عنهم بنشاط إبداعى يسهمون فى المعارض العامة تحت مظلة مايسمى` الفن التشكيلى`، خاصة وقد فتح `التجريد` بابا رحباً لغير الموهوبين لنيل الجوائز وتمثيل الفنانين فى المحافل الدولية والتحدث بإسمهم فوجىء بتدريبات ` النحت التطبيقى` وتمارينه التجريدية بينما كان يستهدف الدراسة الأكاديمية على طريقة الفنون الجميلة فالنحت التطبيقى يستهدف أشكالا تصلح للأدوات النفعية اليومية. فمقبض المكواة أو المكنسة أو العربة أو أى مقبض، ليس فى الواقع سوى شكل نحتى من وجهة النظر التطبيقية والتشكيلات التجريدية التى نلقاها فى المعارض تقع فى مجال` أسس التصميم` وليس لها ` قيمة تعبيرية ` كما هو الحال فى التماثيل الفنية ذات الموضوع المقروء.
- لذلك أتخذ `عبد العزيز ` لنفسه برنامجا خاصاً للدراسة مضافاً إلى المنهج الرسمى التطبيقى كان يقضى أوقاته بعد الدراسة فى ` ستوديو النحت` مع التماثيل المستنسخة من الروائع الكلاسيكية العالمية بالإضافة إلى النماذج الحية الأمر الذى لم يرق لأساتذته بل أثار حفيظتهم خاصة أنه كان يتردد على` القسم الحر` بكلية الفنون الجميلة بالزمالك ليعايش الفن والفنانين إلا أن` تدريبات النحت التجريدى`. كانت بسيطة وسهلة بالنسبة لنحات مطبوع مثل `عبد العزيز صعب` فتخرج بإمتياز سنة 1971، وعين فى هيئة التدريس، فإزداد الضغط عليه بعد أن أصبح ينقل تعاليم الإبداع التعبيرى إلى تلاميذه بالطرق الأكاديمية، ثم حانت الفرصة للتخلص منه نهائياً حين كثرت أيام غيابه عن العمل. فتحول يتلقى التكليفات ويبدع الموضوعات التى تخطر على باله كالشاعر والأديب والموسيقار،فاستدعاه المجلس الأعلى للثقافة من روما سنة 1981 لينحت تمثال ` محمد عبد الوهاب` للمتحف القومى لهيئة المسرح والموسيقى` بورتريه يوسف أدريس` أحد أعمال فناننا المتألق تمثال ` رأس` لرائد القصة القصيرة الحديثة فى بلادنا صور فيها الموهبة والإعتزاز والإنتماء للارض والتاريخ الطويل والمواقف البطولية المشهورة والمضمون الإنسانى الذى يعينه هذا الكيان الذى نعرفه باسم `يوسف إدريس` ؟ لم تفت فناننا البسمة الواثقة التى تجمع بين الأصرار والسخرية وقوة الشكيمة ومضاء العزيمة أما الملمس الخشن فيضفى على الشخصية طابع موج البحر الذى يمضى فى الطريق إلى النهاية. الصوت المرتفع حين تخفت الأصوات .. والقلم المشحوذ حين تلين الأقلام المضامين الإنسانية لقصص كاتبنا مرتسمة على تضاريس محياه ليس بين كل `الوجوه` التى أبدعها `عبد العزيز صعب` واحد على هذا القدر من الحيوية هنا شىء آخر خلف الشكل الخارجى الذى نلقاه على الطبيعة أنها قصة حياة الكاتب الكبير منذ أن كان طالبا فى كلية الطب سنة 1949 كلما تأملنا الأصل والصورة تعلمنا كيف يكون الإبداع الفنى الملهم أكثر
واقعية وأعمق تعبيرا وأصدق رواية لذا قال يوسف إدريس بعد أن أنهى الفنان عمله هذا هو أنا:
- تعرف `عبد العزيز` على فنون أوروبا والعالم، خلال إقامته الدائمة فى إيطاليا على نفقته الخاصة طوال ثلاثة أعوام
` 1980 -1983 ` وزيارة ` باريس ` - مدينة الفنون الجميلة - فى تلك الإشارة ومشاهدة متاحف : اللوفر والفن الحديث ورودان أقام فى `روما` بالأكاديمية المصرية لمدة ستة شهور ثم غادرها إلى مدرسة الفنون الجميلة الإيطالية ` بيلا أرتى `. لكنه وجد ضالته فى المدرسة الحقيقية : روما المدينة حيث التقى بعشرات النحاتين والرسامين فى بيوتهم و`استوديوهاتهم ` وشاهد معداتهم وأدواتهم وخاماتهم وأساليبهم وإبتكاراتهم، بالإضافة إلى زيارة المعارض العديدة اليومية لكل الإتجاهات الفنية والمتاحف وروائع عصر النهضة حيث عاش ملوك فن النحت وفى صدارتهم ميكل أنجلو ` بونازوتى` كان فناننا يحول تماثيله التى يبدعها هناك إلى برونز فتوطدت علاقاته بصاحب المسبك واتصل عن طريقه بنحاتين من مختلف الجنسيات عاش حياة الفنان الدارس المتطلع إلى إستيعاب كل مايثرى تجربته الإنسانية ماكاد يصل إلى أرض الوطن سنة `1983` حتى شرع ينحت ` موضوعاته` الدرامية التراجيدية الفلسفية الإجتماعية فى إطار رفيع من الأداء الاستطيقى فى` الاستوديو` فى بيته فى المطرية، اعتملت فى رأسه الأفكار واحتدمت فى صدره الإنفعالات وتشكلت فى مخيلته الموضوعات وتجسدت بطلاقة التعبير وتنوع الإنتاج غزارته مع إتقان الصياغة ومهارة الأداء وإنتظمت التماثيل الجصية حديقة الاستوديو تمهيدا لصبها بخامة البرونز بينها واحد ينوى صبه ذهبا أشرنا إليه فى مطلع الحديث بعنوان` والدتى` وآخر سيصبه فضة بعنوان` الزعيم` أو` الملك ` أو السلطة .
- لايقصد بهذا التمثال المعنى الحرفى للكلمة بل مجرد ` رمز` للإنسان الذى تضمه الصدف فى موقع الرأس كولى العهد الذى يعلم الجميع أنه سيصبح ملكا حتى لو كان مصابا بالتخلف العقلى - والتاريخ حافل بالأمثلة أو إنسان يرأس عملاً مهماً كان متواضعاً- وهو يعلم أنه ليس أكفأ الناس يفاجأ بالسلطة بين يديه لايستطيع التخلى عنها طوعا أو كرها فيصبح سخرية القاصى والدانى فكرة إنسانية كلاسيكية نلقاها فى القصص والروايات العالمية . شخص ليس له من أمارات السيادة سوى شىء يضعه على رأسه أو شارة على صدره .. أو مقعد يحدد مكانته .. يرتدى ملابس كدروع العصور الوسطى لكنها لاتكاد تدفئه الوجه ممسوح بلا معالم أو عيون أو أفكار . يباعد مابين ساقيه فى بلاهة وينزل يديه فى قلق كأنما يهم بالرحيل تعبير فلسفى معقد ينطوى على أفكار متشابكة ورؤية نفسية متداخلة تذكرنا بأبطال مسرحيات ` وليم شكسبير` القيم الفنية والمضمون الإنسانى كوجهى العملة لاينفصلان الكتلة والفراغ الخطوط الخارجية والنسب وتوزيع الظلال والأضواء على التمثال فى مدار 360 درجة وتنوع الملامس وموسيقى الخطوط الخارجية والداخلية .. إلى آخر القيم الاستطيقية العامة والخاصة بفن النحت،على علاقة عضوية بمضمون تمثال ` الزعيم ` كما تكمل المعنى خامة الفضة التى ينوى النحات صبه بها لأنها تبرز فكرة ` الأكذوبة` ليست ذهبا نفيساً أو برونزاً رخيصا .. لكنها بين بين تساعد أيضا على تجسيد خيال الفنان فى تصوير نحافة الذراعين والساقين كسمات للتخاذل والتهالك وتحقيق الفراغات التى تتخلل التكوين ولاتصلح لها خامات هشة كالجص أو الخزف تكوين مستقر متكامل نشعر معه بالراحة وبأن كل عنصر فى مكانه الصحيح ونتلقى الرسالة كما نتلقاها من عمل أدبى أو قصيدة شعرية أو مسرحية تراجيدية مثيرة للضحك .
- إبدع أثناء إقامته فى روما عدة ` بورتريهات` من البرونز من بينها ` كارلو` صاحب المسبك و`عبدون ` مدير الأكاديمية المصرية فى روما آنذاك بالإضافة إلى مجموعة من التماثيل الفخارية ` تراكونا ` غامضة الملامح - كعادته فى نحت الموضوعات ولقد أشار الناقد الأمريكى : أدوارد لوسى - سميث فى كتابه عن ` فن السبعينات` إلى ماتعنيه الملامح الممسوحة من إيماءات عاطفية لكنها عند ` عبد العزيز ` تعبير عن الاسطورة السيريالية التى يصورها بل يخفى` الوجه ` أحيانا بالأربطة كأنه مومياء مصرية قديمة كما فعل سنة 1981 فى روما حين بلغه نبأ الوفاة السريعة لأحب الناس إلى قلبه صور رأسا منبطحة إلى الخلف جاحظة العينين فاغرة الفم كأنما تطلق صرخة الفريسة بين أنياب الوحش ! ساعده على التعبير البليغ أنه لايصادف أية عقبات تكنيكية فى إبداعه، لتمكنه الكامل من الأدوات وإعداده الصلصال بنفسه ليحدد مدى مرونته ونعومته فلا خير فى عبقرية لاتستطيع أن تظل على المجتمع من خلال أداء متقن وصياغة بليغة فصيحة .
- إبداع ` عبد العزيز صعب` غزير ومتنوع وبديع بالرغم من قصر الزمن الذى استغرقه منذ عودته من روما سنة 1983 لكن لايفوتنا أن ننوه بإحدى روائعه بعنوان ` العرافة` أو` لعبة القدر` تكوين كأنه مومياء حية أو روح قادمة من عالم آخر تبدو كأنها كانت وستكون! تجلس غامضة الملامح وبين يديها كرة البللور حيث يرتسم الماضى والحاضر والمستقبل تمثال على قدرعال من الأثارة والجاذبية لا يلبث المتلقى أن يسأل نفسه فيم كان قدوما إلى هذا العالم وذهبنا؟ اللهم أمسك علينا إيماننا !..
- عبد العزيز صعب فنان حر طليق وقدير لايبدع موضوعات تماثيله بتكليف من أحد أو بما فى المعارض الرسمية المتعصبة للأعمال المركبة المناهضة لمثل هذه القصائد الشعرية المجسمة والمقطوعات الموسيقية المنحوتة : يبدع تماثيله باسم الحياة وقضايا الإنسان فى كل مكان، برموز جماهيرية شائعة رفيعة الأداء يقف على قدم المساواة مع مايقدم فى المحافل الدولية المعاصرة .
بقلم : د./ مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الثانى )
الفنان عبد العزيز صعب (1949 ) ... والتأثيرية فى النحت
- فن البورترية أو (فن رسم ونحت الوجوه) هو الفن السهل الممتنع ، فما أسهل أن يحاكي الفنان ملامح الشخصية المراد تصويرها ، وما أصعب أن يصل إلى صميم روحها ، وأن يحولها من عمل تسجيلي بحت ، إلى عمل فني خلاق .
- وأعمال النحات عبد العزيز صعب تحقق هذه المعادلة الصعبة ، بين محاكاة الملامح الواقعية للشخصية وبين اقتناص الروح الداخلية لها ، بأسلوب جمالي يتجاوز الأسلوب التقليدي .
- يتضمن عالم الفنان جانبين مميزين ، وأن لو يخل كل منهما من عمل يجمعه بالجانب الآخر ، كما يجمع بينهما الأسلوب الإنطباعي أو التأثري الذي ينفرد به الفنان عبد العزيز صعب وسط نحاتينا المعاصرين .. بعفوية اللمسات ، وخشونة الملمس ، واختزال التفاصيل ، وغموض المعالم الواقعية ..
- نسبة كبيرة من أعماله تمثل وجوها لشخصيات معروفة ، من رجال الفن والأدب والفكر والشخصيات العامة ، إلى جانب شخصيات كاملة الأجسام أو وجوه بغير أجسام لا يهتم الفنان في تشكيلها بملامح محددة للوجوه .
- في تماثيل النوع الأول ، نتعرف على ملامح شخصيات شهيرة ، مما يضع الفنان أمام اختبار صعب بين مدى قدرته على إدراك الخصائص الدالة على الشخصية ، ليس فقط من خلال ملامحه التشريحية ، بل الأهم من خلال تكوينها النفسي والفكري .
- يجتذبنا تمثال الكاتب الكبير يوسف إدريس ، وبالرغم من أنه تمثال للرأس مع جزء من الصدر ، إلا أنه يوحي يوحي بكامل هيئته المعروفة الشامخة ، بمسحة الخيلاء التي كان يتميز بها ، وتعكس ملامحه مزيجاً من قوة الإرادة ، ومن الشقاوة الطفولية ومن السخرية المرة معاً . ونجد أن الفنان يركز على المعالم الأساسية للوجه بنتوءاته البارزة وتجاويفه الغائرة ، بعيداً عن التنميق والنعومة في الملمس ، متجاهلاً التفاصيل الصغيرة ، كما عند الفنان إلى المبالغة في نفور خصلات الشعر والملابس التي يرتديها الكاتب ،تعبيراً عن شخصيته الثورية المتمردة .
- وعلى العكس من هذه الطبيعة المتفجرة في شخصية يوسف إدريس ، نرى تمثال الأديب الكبير نجيب محفوظ هادئاً ، متواضعاً ، يميل برأسه مصغياً بعمق إلى متحدث لا نراه ، مبتسماً ابتسامة أبوية عطوفة ، وسارحاً - في الوقت ذاته - في عالمه الخاص ، وتلك جميعاً من سمات شخصية الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، استطاع الفنان عبد العزيز صعب الإمساك بها رؤية فنية خلاقة . بينما نجد تمثالاً للموسيقار محمد عبد الوهاب انعكاساً واضحاً لشخصيته ، حيث يبدو متشحاً بالأنفة والتأنق الإرستقراطي ، والترفع عن الصغائر ، مع مسحة الرومانسية الحالمة .
- أما توفيق الحكيم ، فقد صاغ الفنان رأسه بحجم ضخم ، ربما دلالة على انشغاله بالفكر والفلسفة ، وقد ارتدى غطاء رأسه الشهير ، واتسم أسلوب النحت بالعفوية الأقرب إلى الأرتجال ، وبالحس التلقائي الساخر ، وكلها صفات تنطبق على شخصية توفيق الحكيم .
- لكن الكاتب الكبير مصطفى محمود يبدو لنا نقيضاً لتوفيق الحكيم ، فهو فيلسوف من نوع مختلف أنه فيلسوف الباطن ، صوفي النزعة ، روحاني المزاج ، لهذا نراه منحنياً قليلاً في تواضع ، غارقاً في سرحة خيال مع اللانهائية .
- ومن عالم الأدب والفكر إلى عالم الفن ... وها هو تمثال الفنان الكبير حسين بيكار ، يجمع بين الترفع والإعتداد والتأمل ، وهو يرسل النظر إلى بعيد .
- وهناك تمثال الفنانة القديرة فاتن حمامة ، ممشوقة القامة ، شامخة الرأس ، ممتدة العنق ، تماماً كما نعرفها ، مع مزيج من الرقة والحسم ، الذي ينم عن إرادة قوية .
- وبخلاف هذه الشخصيات الشهيرة ، نرى شخصيات أخرى اجتذبت الفنان للتعبير عنها ، ربما لتوافقها مع مزاجه الشخصي ، مثل تمثال هذا الرجل عير المعروف الذي يمثل الشموخ الأرستقراطي ، بشواربه الضخمة ورأسه المرتفعة .
- لكن إلى جانب الشخصيات المعروفة أو غير المعروفة ، هناك وجوه خلت من الملامح الواقعية ، حيث أراد الفنان التعبير عن حالة معينة من خلالها ، مثل هذا الرأس لامرأة مفتوحة الفم ، وكأنها تصرخ من هول ألم إنساني لا يحتمل .
- بعيداً عن عالم المشاهير ، أو عالم الشموخ والخيلاء ، أو من أحاسيس الألم العميق ، هناك مجموعة من التماثيل للمرأة بشكل عام ، تتسم بدرجة عالية من الرقة والحلم والنعومة الشاعرية ، أما الجانب الثاني من أعماله فإن المرأة فيه هي البطلة المطلقة .
- أنها نوع من الشعر الهامش ، المصاغ بالكتلة بدلاً من الكلمات .. نتابع المرأة في أوضاع مختلفة ، بين وقفة ممشوقة القوام ، أو جلسة مسترخية ، وفي يدها كرة تسندها إلى ساقها ، في حالة من التوازن النفسي المرهف ، ونواصل متابعتنا لتمثال المرأة الأخرى ، إلىأن نراها أشبه بطيف شفاف من المرمر وقد وضعت يديها فوق بطنها بينما تنحني إلى الأمام .. فلا ندرى أهى تعانى من ألم ممض ، أم تتحرر من حاجاتها المادية لتبقى روحها صافية، أم تتحسس جنيناً قادماً بمشاعر الأمومة .
- إن الأسلوب الإنطباعي التعبيري الذي ينتهجه الفنان عبد العزيز صعب حلقة وسيطة بين الأتجاهات الواقعية المختلفة ، وبين المدارس الفنية الحديثة، يسمح بالتواصل السريع مع الأذواق المختلفة، ليس للمثقفين وحدهم، بل لكل الشعب أيضاً.
- تخرج الفنان في كلية الفنون التطبيقية عام 1975 ، واستكمل دراسته لنحت وصب التمثيل بالبرونز في إيطاليا لمدة ست سنوات ، ومنذ عام 1982 تكلفة الدولة التماثيل الشخصيات الشهيرة الأدباء والفنانين ، وكان آخرها تمثال الكاتب الكبير نجيب محفوظ .
بقلم الناقد :عز الدين نجيب
من كتاب ( الفنان المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية)
قد يتآكل ` الجسد بفعل روح ` الإبداع ` المتقدة
- لى صديق مغربى اسمه ` عزيز بن عمر ` كتب أولى قصصه القصيرة ` الأب طاشيو ولد الحمرية ` فى مجموعته القصصية الجديدة .. وهذا التمثال أمامنا اسمه `الأديب` يماثل بطل قصة `عزيز ` الذى اختار البحر ملاذاً أخيرا 00 ليلهمنى هذا التمثال مرتين مرة بإبداع النحات ` عبد العزيز صعب ` أحد أهم نحاتى مصر المعاصرين وأخرى بميلاد إبداع الأديب ` عزيز ` مستمداً الوهج من حياته التي قضاها معلماً وسائحاً بين البحر والصحراء 00 وكلاهما ` صعب ` و ` عزيز ` أحدهما اهتم بدرامية الجسد والآخر بمعاناة الروح 0
- منحوتة ` الأديب ` نفذها المثال ` صعب ` عام 2007 بصبتى برونز ومسحوق الرخام وهى من أهم منحوتاته تمثلاً للدراما الإنسانية كصورة مرئية لمسبب لا مرئى0 فيها نشهد ما يوحى بالزمن الذى مر به المفكر أو الأديب لبلوغ حالة الإبداع كنوع من الخلاص لروحه فهو لا يمثل لحظة حركية بل نتاج حالة ممتدة إمتدت به داخلياً حتى محاولة النهوض التى نراها أمامنا لبلوغ غايته رغم تآكل جسده منسلخاً من ماديته كمنحوته بفعل روح الإبداع المتقدة داخله 00 لذلك تخلى ` صعب ` عن صقل منحوتته وقدم فى نفس الوقت شكلا هشا وأكثر صلابة وغير مكتمل وبهم معاً عبر بشكل أفضل عن الأرق وتذبذب الجسد وعاطفيته 0
- وأيضاً فى المنحوته بدى الصراع بين ` المادى ` و` الروحى ` لذلك لم يهتم النحات بملامح الوجه وتفاصيل الجسد عضويا لتمثاله الذى يتكئ على المادي ليطلق عنان الروح 00 وبعينين محدقتين تكشف عن بلوغ غايته وحين بلغ منتهاه هم بالنهوض من دونيته الأرضية 00 ومن فعل معاناة روح المبدع أن تجاهل النحات الذراع الأيمن وتآكلت أعضاء الجسد اليمنى وذابت أطراف أصابع اليد المتكئ عليها لنهوضه 00 لذلك دائما أري هيئة وملامس الجسد عند منحوتات الفنان ` صعب` وكان الجسد أصابته صاعقة فإلتف بالكامل داخل قبضة طاقة غير مرئية تعيد صياغته 00 ليصبح الجزء فى منحوتته معبراً عن الكل كحالة ومن أى مقطع0
- المشهد العام للمفكر أو الأديب يوحي بأوضاع التماثيل الكلاسيكية لكنه يتبع تماما المدرسة التأثيرية 00 التى من خلالها شكل المثال ملامس معقدة مضطربة غائرة فى السطح غير الواقعى بالإهتمام بإيقاعات الكتلة دون تشريحية للجسد التى استبدلها ببلاغة السطح وتفاعل الظل والضوء0
- تمثال المثال الكبير ` صعب ` محمل بإشارات سرية ولحظات إنسانية لا توصف ولا يدركها إلا المبدع 00 وقد نقل الفنان نمطين وموقفين مختلفين تجاه النهاية 00 حيث الوضع الحرج بين المستقر والمستفز للنهوض 00 وبين شظايا الجسد المنتهي وروعة الفكر المتقد.
بقلم الناقدة : فاطمة على
جريدة : الأخبار 6-11-2019
معادلة الوجوه السهلة فى عالم ` صعب `
- بإحساس فذ تشكل أنامل الفنان عبد العزيز صعب ملامح شخصياته المختلفة فى منحوتات أشبه بالدراسات النفسية لأعماق هذه الشخصيات أكثر منها لرصد ملامح معينة ، فهو قادر ببساطة شديدة على وضع كل صفات شخصياته وعاداتها اليومية فى ملامح مختصرة عبر النفاذ ببصيرته الفنية إلى ما وراء المشاعر العادية، ليقتنص اللحظة الملهمة التى يرصد فيها شخصياته فى أوج أوقات حقيقتها النادرة وهى أوقات قصيرة جداً، لكنه بعبقرية شديدة يستطيع أن يجمع بين الملامح التى لاتخطئها عين والمشاعر التي تنفذ إلى قلب المشاهد، وهى معادلة مرهقة لا يجيدها إلا من استطاع أن يضع يده على هذا السر ، لتبدو الوجوه سهلة فى عالم ` صعب` 0 لا تقف حدود عبقرية عبد العزيز صعب عند هذه النقطه ، لكنه يتجاوزها بكثير عندما يتحول العمل من ` بورتريه` نصفى إلى عمل كامل ، فاستخدامه لوضعية الجسم ومعادلة الكتلة تساهم فى إبراز مكنون الشخصية بشكل متسق مع ما بذله من جهد ومشاعر فى البورتريه ، وما بين لمسات تأثيرية قصيرة ومشاعر نفسية عميقة ينعكس الضوء على ملامح شخصياته المرتكزة على تاريخ عميق من الإبداع فيحولها من السكون إلى الحركة فى حوارات دائمة بين صانعها وعشاق فنه 0
حول معرض الفنان المقام بقاعة الزمالك للفن مارس 2017.
بقلم: هانى شمس
جريدة : أخبار اليوم 15-4-2017
الإنطباعية المثالية فى منحوتات عبد العزيز صعب
- عرض المثال الكبير عبد العزيز صعب مجموعة من بورتريهاته النصفية والكاملة فى جاليري الزمالك للفن 00 وهو من المعارض النادرة التى شاهدنا فيها مجموعة كبيرة من أعمال الفنان معا وهو المقل للغاية في إقامة عروض لمنحوتاته .. وأيضا هو المتميز بتفرغه الكامل لفنه بعيدا عما يشغله عنه حتي بدا أنه فنان يحب العزله داخل أتيليه عمله كما هي أشكال شخوصه الواقفة بمفردها فى الفراغ ..
- وقد أخلص الفنان عبد العزيز لفن البورتريه وظل يعمل عليه لأكثر من أربعين عاما ما بين مصر وإيطاليا ليصبح أهم فنانى البورتريه في مصر تميزاً وإبداعاً فى البورتريه الانطباعى.. وخطوطه وملامسه تربط بين تقاليد الفن فى أوائل القرن العشرين ويقترب تعبيريا كثيرا من المثال الفرنسى أوجست رودان وأيضا فى أعماله تبدو بعض شظايا الكلاسيكية .. لتجتمع داخل حالة نادرة من الانطباعية المثالية ..
- ورغم أن فن البورتريه يمثل الشبه الجسدى لصاحب الشخصية إلا أنه لدى عبد العزيز صعب هو بورتريه نفسى أو كاشف نفسيا .. ممثلا للشخصية بدقة كما هى بأبعادها النفسية والاجتماعية دون إضافات توحى بافتعال تمجيدها .. وقد تظهر لشخصياته ملمح من الغموض ولا اقصد به التعقيد .. وأيضا فى البورتريه كثير من أشياء غير مرئية نستشعرها مثل الطاقة والصوت والايقاع الداخلى..
- والبورتريه الذى يمثل شخصا يجلس أمام المثال يكشف فى نفس الوقت عن الوعى الذاتى للمثال تجاه الشخصية أمامه .. فلولا وعى الفنان الذاتى والجمالى ما كشفت المنحوته عن شئ من الشخص الجالس ويبدو هذا الوعى واضحا للغاية فى إنجاز عبد العزيز النهائى وقد أصبح مشاركا فعالا فى الكشف عن آفاق جديدة بالشخصية قد لا ينتبه اليها صاحب البورتريه نفسه .. كما أن الكشف عن البعد الاجتماعى والثقافى للشخصية مهم جدا عند عبد العزيز لتتويج العمق على عمله .. والمثال الكبير ينتهج الواقعية والتأثيرية فى أعماله لتبدو الصراحة وحمية الحيوية التعبيرية متوهجة من داخل سطح منحوتاته .. ومثلما تكشف عما داخل السطح نجد كثيرا من منحوتاته مصيدة للضوء المحسوب الذى تحدده تضاريس المنحوته نفسها بخطوطها ومساحاتها المتعرجة الممتدة والملتفة بمهارة استخدام الفنان المعالم الانسحابية والخطية فى خدمة التعبير.. وتأكيد سطح المنحوته بطرق معبرة تتسق كل طريقة والشخصية أو رغبة التعبير من الفنان .. ويساعده أن منحوتاته هى تمثيل لأناس حقيقيين وبسببهم يستطيع تحديد كل أنواع اللمسات المختلفة والمادة والحجم تبعا للشخصية وأبعادها النفسية بصوت هادئ يظهر الوجه بهدوء وحميمية .. فإخلاصه للطبيعة البشرية والملمس البشرى حسيا وقدرته إظهار القوام التعبيري دون تفاصيل جعله يستخدم بجدارة الإنسان كعنصر معبر بقوة فى أعماله .. ورغم التشابه من النظرة الاولى لأسطح منحوتاته إلا أن هناك تباينا بين الاسطح وهيئات وشكل اللمسة وانسحابها الطويل او المتقطع للسطح التعبيرى..
- فى أجزاء من جسد المنحوته تبدو الدراسة الجسدية للتشريح فى يسر وبساطة دون استعراض كما يظهر فى وضعية الجالسين خاصة مثل وضعية اليدين أو الرءوس والمظهر الجسدى الكامل.. كذلك حركة الساقين ووضعياتهما مهمة جدا لدى الفنان لإبراز الوضع السكونى .. والحركة الداخلية قليلة فى منحوتاته ويعتمد أكثر على السكونية دون أى انفعالية خارجية بالجسد أو الوجه إلا بورتريه واحد مستدير لامرأة دون رقبة متجهة بوجهها لأعلى مفزوعة ذكرتنى بالميدوزا .. وشخصية أخرى فى العرض شبه مستلقية ساكنة الجسد تماما لولا وجود كرة مستقرة فوق الساقين وفوقها اليد كأنها فى أية لحظة ستنزلق بما توحى بحركة كامنة داخل المظهر السكونى..
- وفي أعمال عبد العزيز صعب الملتصقة بالخلفية نجدها تعمل على الإنحناء إلى الداخل رغم خروجها منه فى حركة عكسية نعالج مشاكل الجسد الحركية الداخلية بقوة تعتمد على حركة الرقبة والاعتماد على دفع اتكاءة الكفين العكسى.. ففى العرض عمل نحتى مهم وبديع يبرز من بين الصخور كأنه يولد منها باذلا جهدا كبيرا لتحرير نفسه من رحم الحجر إلي حيز الوجود وكأننا نسمع خربشات الانفلات من الحجر أو ضجيج صوت تكسره .. وهذا العمل المنفذ بطريقة غير تقليدية من حيث جزئية خروج الجسد من كتلة حجرية خلفه بدا بينهما حيوية التعبيرية والعشوائية معا .. وهو من أكثر أعمال عبد العزيز صعب حركية وانفعالية عنيفة في عودة قوية الي الحياة في رمزية رائعة كأن الولادة يصحبها ألم عظيم وأيضا رمزية تمثل جهد الفكر كي يرتفع من ظلام اللاوعي الي النور.. وهذا دون أن يقوم الفنان باستعراض مادي لقوة أجساد شخوصة أو مظهر عنف بل يعتمد علي تقديم بصيرة الشخصية علي الشكل ومسلكها في تحدي الجمود دون أن يبذل جهدا في محاولة إبرازها بل يبرز التعبير نفسه والملمس .. فصدقه مع مادته ومحاولته الكشف عن الطاقة الكلية الكامنة فى الشكل النحتى بلغت مبلغا رائعا..
- امتد عبد العزيز صعب ببورتريهات شخوصة أبعد من الشخصية ذاتها التي يتمثلها لتشغل وسطا وجوا وفضاء ممتدا أمام اتجاه العينين حتي تبدو كأنها تسعي لتبلغ مبلغ الحقيقة الذهنية وأنها لم تعد تحاكي ملامح أو بورتريهات لشخص بعينه تماثله أو تتمثله بل بلغت أو قاربت إدراكه الذهني كما في بورتريهات شخوصة الفنية الفكرية الأدبية مثل نجيب محفوظ .. عباس العقاد .. محمد عبد الوهاب.. فاتن حمامة.. ثروت عكاشة .. حسين بيكار.. وقد نجح مع بورتريهات شخوص عديدة ليس فقط فى تأكيد ما يخص الحقيقة وحدها للبورتريه أو ما تمثله بل ليعبر بمسئوليته الجمالية تجاه الحقيقة بجهد مبذول لاقتناصها.
بقلم : فاطمة على
جريدة : القاهرة 9-5- 2017
العقاد يخرج من الجرانيت علي نيل أسوان
- تمثال عدو الحداثة بأسلوب حداث
- مفارقة مدهشة 00 تلك التى كان محورها تمثال الأديب `عباس محمود العقاد` والذى يقوم بانجازه الآن المثال المصرى` عبد العزيز صعب` لينتصب على كورنيش النيل بأسوان مسقط رأس العقاد، تتمثل المفارقة فى أن العقاد ظل طوال مسيرته الحافلة بالمعارك الأدبية أمينا ومخلصا فى هجومه على الفنون الحديثة بل واعتبارها ألغازا وطلاسم كتلك التى تنتشر فى صحف التسلية من الكلمات المتقاطعة والأرقام المثلثة أو العيون التى ليس لها أنوف ، والأنوف التى ليس لها عيون 0 وإذا كان العقاد قد ظل طول حياته وحتى مماته يهاجم المدارس الفنية الحديثة فالمثال عبد العزيز صعب اختار أسلوبا تأثيريا لصياغة تمثال العقاد يعكس انطباع الشروق علي الأشياء ، فقد استمد رواد هذه المدرسة التأثيرية أسلوبهم من قوانين الضوء ، وهى المدرسة الفنية التى طالما هاجمها العقاد ، حيث يقول - في إطار نقده للمعرض الفرنسى الذى أقيم فى عام 1928 ` فى المعرض الفرنسى الذى يقام الآن فى القاهرة حجة للقائل بأن تقدم الفن غير تقدم العلم، وإن سنة الارتقاء لا تسرى على التصوير خاصة سريانها على الصناعة والاختراع ، ففى الصورة التى رسمها عباقرة التصوير قبل مئة عام ما هو أجمل وأفخم وأدل على القدرة الاستاذية من أحدث الصور التى ابتدعتها قرائح المعاصرين ، ولو جاز لنا أن نوافق أو نخالف أحدا من الناقدين لقلنا إن (الإمبرشترم) الذى لهج به المصورون فى هذا العصر يهبط بالفن كلما تمادى إلى حيث يكثر فيه الادعاء ويضعف المرجع المصطلع عليه ويصبح الشذوذ هو القاعدة والقاعدة هى الشذوذ ` 0 تمثال ` العقاد ` .. ميدانى ضخم بارتفاع أربعة أمتار ونصف ، يجسده المثال عبد العزيز صعب خارجا من بين صخور جرانيتية علي شاطئ نيل أسوان ، بحيث يتداخل التمثال مع طبيعة الموقع وسمات شخصية العقاد القوية ، في دلالة رمزية تعكس ملامحه النفسية والفكرية معبرة عن مدي صلابته وقوة شخصيته وعصاميته ومواقفه العنيدة كجرانيت وصخور أسوان 0
- وحول صعوبة تنفيذ تمثال فى مثل هذا الحجم والإرتفاع .. يقول عبد العزيز صعب:
` أقوم بتنفيذ التمثال جزءا، جزءا، وهو نظام نحتى متعارف عليه عالميا، فى مثل هذه الحالات التى تخص تماثيل الميادين، والتى تزيد عن الحجم الطبيعى ، إذ يقتضى الأمر تنفيذ أجزاء منفصلة للتمثال ثم تركب وتضم معا بعد ذلك00 فمثلا يمكن عمل الرأس والكتفين، والصدر .. وهذه هى الطريقة التى تسهل حركة النحات `0
- وعن كيفية تعاطيه يقول الفنان عبد العزيز صعب ` قمت بالفعل بتنفيذ الرأس بمفردها وهو الأمر الذي مكنني عند تركيبها من أن أحركها يمينا ويسارا حسب الوضع الأمثل لحركة الرأس مع الجسم `0
- يذكر أن الفنان عبد العزيز صعب الذي وجد في حديقة منزله في نهاية جسر السويس بقرب ميدان هليوبوليس ( أرض الشمس ) بمصر الجديدة التي تحتفل بمؤية إنشائها هذه الأيام .. وجد متنفسا لتنفيذ أعمال نحتية ميدانية ، حيث تميز وانفرد - عبر تاريخه الفني - بتناوله لبورتريهات تجسد الوجه الإنساني للعديد من الشخصيات العامة ، والتي لعبت دورا كبيرا في الحياه الفنية والفكرية العربية برؤي تجمع بين الظاهري والوجدانى .. وهو ما نراه في بورتريه الأديب يوسف إدريس ، والفنان حسين بيكار ، وفاتن حمامة ، ومحمد عبد الوهاب 0
بقلم : سيد هويدى
جريدة : البيان 14-5-2005
|