مصطفى محمود محمد يحيى
- تذكر فى اعمال الفنان مصطفى يحيى اعمال من سبقوه من رواد السيريالية امثال عبد الهادى الجزار وسمير رافع وغيرهما فأعماله تنتمى كل الانتماء بسيريالية عربية مستمد اصالتها من الفن الفرعونى والفنون الشعبية وهى مزيج من السيريالية والتعبيرية ويظهران من خلال تلقائيته عن اعماق ذاته .
د./ سعد المنصورى
(( ليديا )) مصطفى يحيى .. وتبادل الرمز
- تمثل الأعمال الأخيرة لمصطفى يحيى رحلة من السخرية المرة التى دمغت رسومه بالرمز ، ورسمتها بالعلامات منذ سنوات ، وهو بطبيعته كتوم يغلق الباب على عالمه كلما استطاع وتبدو عيناه كلما رأيته متراوحتين بين التهكم والانتباه والتأمل والصبر ، على حين تنطوى ذاته على عالم محاصر ، وعلى رغبة عارمة فى التحريض على البوح ، الصدام.
- تتكون الصورة الفنية فى ذاكرة مصطفى يحيى من أولوية التماثل مع ما هو حاضر هذا الحاضر الذى هو حاضره لوحده ، ذلك أنه يحاكى فى رسومه ذاك الذى خلقه من ذاكرته المحضة . بأن يجعل الحاضر حاضراً فى المستقبل وبأن يجعل من هذا الحاضر تمثيلاً يلتبس التباساً مع الواقع الحى، وكأن هذا الواقع الحى هو تراث المشاهد ورصيده البصرى .
- تختلف سخرية مصطفى يحيى عن سخرية ( انورية دومييه ) مباشراً وعنيفاً ، وكانت رسومه بمثابة رسالة احتجاج وكشف اذا كان ينهج نحو مجتمع مثالى ونموذجى لايكون فيه الظلم من نصيب الفقراء وحدهم ولا تكون فيه العلية للموسيرين وحدهم .. لذلك فنحن حين نتأمل الصورة الفنية ، عند دومييه ، لا نجده حاضراً فى جوانبها الخافية أو الظاهرة ، وإنما هو يقف منها هنا ضمن مشاهديها وعلى العكس من ذلك حين نتأمل الصورة الفنية عند مصطفى يحيى اذا بها تنطوى على نفس القدر من السخرية والتهكم ، غير أنه أى مصطفى يحيى يبدو لنا شخصياً ، ورمزياً ، ومتأنقاً ، وفردانى الطابع ولذلك فهو دائماً ما يكون حاضراً داخل صورته لاينداح عنها .
- يعادل مصطفى يحيى فى رسومه المرئى بغير المرئى فتيار الشعور عنده هو ذلك الواقع الذى يحلم بالإفلات منه ، وبتعريته وهو يختار فى رسومه بدعه الحيوان الذى ينطوى على صفات الكواسر ، ووحشية الزواحف وتوحش التماسيح، ويجعله مالكاً لشروط الأسطورة. وإنا نحن برغم ذلك نجد هذا الحيوان كائناً أليفاً ومستأنساً وطيباً وهو دائماً ما يتبدى فى الصورة الفنية عند مصطفى يحيى كما لو أنه أمر مقدور لا مهرب منه فى حياتنا الواقعية بل وكأنه أى هذا الحيوان قد استطاع أن يطبع الصورة ويجعلها متماثلة مع طبيعته ، ورمزه .
- يرسم مصطفى يحيى ذلك الحيوان الطقسى وهو يخرج من الأبواب أو من النوافذ ، أو يدخل إلى أى منهما، ونراه يمشى متخايلاً وزاحفاً ، وينهض واقفاً ليتحدث إلى ( امرأة ) مصطفى يحيى من بين الحواجز .
- لكن الفنان لايكشف لنا من بين خطوطه عن عالم ذلك الحيوان الدفين ، أو عن شراسته ، كما أننا لانتبين ذكورته أو أنوثته وإنما هو لايحادث أحد سوى ( المرأة ) ولايخرج من باب إلا وهناك على التو امرأة عفية تتأمله عبر النافذة وقد استطاب وجهها بالمتعة الفاضحة .
- أن الحيوان يبدو فى الصورة كمثل رمز شائع ونمطى طاعن فى جذر التاريخ ، رمز معادل للخبث ، مستجيب لمتعة اللذة الدنيوية ، وللشهوة البشرية بل ولهذا الباطنى الذى ينطوى عليه عالم امرأة وحيدة، وجميلة، عفية الجسد . غير أن الفنان يكشف لنا عن حجم التوجس والألتباس فى خطوطه ( الظلية ) الرهيفة وزيح الستار عن ( ليديا ) أو ( امراف ) مصطفى يحيى وهى تتبادل التجسد المعجزة مع حيوان غامض واسطورى .
- يضعنا مصطفى يحيى فى رسومه للميزة تلك امام حالة صنمية كما لو أنه وجدت هكذا بالصدفة عبر الأزمان ، ولكنه ظل حريصاً على ابتداع طبيعة مغايرة لتوالد الصور بين العقل والذاكرة ، وكونها مرجعيته التى تختزل القيم إلى الوقائع اليومية ، مرجعية تمتلىء بسطورة وتقوم بتوليد وبانتاجاً للامرئى عبر بنيات الرسم .
- وعلى الرغم من استخدام مصطفى يحيى لتقنيات تقوم على تعاكس للنطق وبتعريض الوعى باللاوعى فى عمارة الصورة الفنية، إلا أنه من الصعب اعتباره فناناً ( سوريالياً ) ذلك اننا امام فنان مدرك لوعيه، يعمد فى رسومه إلى انتخاب وصنعات محسوبة للعناصر كمثل السلم، والمكواه ، والابواب المواربة ، والنوافذ المفتوحة ، بل وفى اختياره لوحدات جمالية تعويضية فى زخارف الأبواب والنوافذ والحوائط .
- ومع ذلك فسوف تظل ( المكواه ) رمزاً اضافياً يقوم باعطاب الفكرة الجمالية لصالح دمج ( الأسطورى ) فى الدماغ المتلقية ، إن ( المكواه ) هى بذاتها ( معادل ) للانصياع ، وللامتثال ، برغم أنها تبدو فى رسومه معطلة من امكانية فرض الدلالة ، هذه الدلالة التى يفترض أن تكون مفصحه عن الوحشى، وعن (الجهنمى).
- يبدو أن الفنان يختارها هنا فى رسومه كعلامة مرجعية لموضوعية الصورة ، مثلما هى علامة للشر ، ولتنميط ولنفى التميز ، وهو هنا أى مصطفى يحيى قد نجح إلى حد بعيد فى تركيب المعقد، وتفكيك المركب، على صورة جعلت من رسوم واقعاً وجودياً وهاجساً لمتعه الجمال الخاص .
أحمد فؤاد سليم
` خارج البلكونة ` معرض يكشف هموم الوطن
- يقيم الفنان التشكيلى ` مصطفى يحيى ` حاليا معرضا جديدا بقاعة أكسترا بالزمالك تحت عنوان ` خارج البلكونة ` ليستكمل سلسلة حلقاته المتصلة من سلسلة معارضه التى تتناول عالم الشوارع الخلفية فى قالب تعبيرى سيريالى مصرى صميم ، بالرغم من كونه حصل على الدكتوراه فى المدرسة التعبيرية الألمانية .
- والمعروف أن الفنان مصطفى يحيى هو أحد تلاميذ مدرسة الجزار التعبيرية ويشاركه العديدون مع فروقات تقنية وأسلوبية واضحة أمثال إيفلين عشم الله - جورج البهجورى - صلاح عسكر وهو من مواليد 13/9/1948 بحى الظاهر بيبرس ولذا فهو يحمل هموم الطبقات الكادحة والمهمشة ، تخرج فى معهد التربية الفنية 71 وحصل على ماجستير النقد التشكيلى 76 ودكتوراه من أكاديمية الفنون 81 عمل بمعهد النقد الفنى حتى تولى عمادته` 2003-2007 م` رئيس مجلس إدارة جمعية خريجى النقد الفنى ، عضو شعب المجلس الأعلى للثقافة والعديد من اللجان النقدية والفنية ، له تاريخ تشكيلى حافل بدأه عام 1975 وينتشر فى ربوع مصر وينطلق للخارج . - السعودية - بلغاريا - الأردن - رومانيا - أبو ظبى ، له العديد من المؤلفات منها كتاب التذوق الفنى والسينما 1992 - كتاب دراما اللوحة ، كتاب القيم التشكيلية قبل وبعد التعبيرية 1994 .
- وحول سلسلة معارضه المتصلة بموضوع واحد فقط ، يقول يحيى : بالتأكيد عبد الهادى الجزار مؤسس التعبيرية المصرية ، وأجد فى ` ندا ` تأثير السوريالية قويا بقدر تأثير التعبيرية ، والجميع هنا - الرواد والتلاميذ - قدموا تعبيرية سيريالية مصرية خالصة قد تأخذ أحيانا منحى شعبيا أو فرعونيا - كما فعلت أنا - وقمت باستعارة الرموز والآلهة لتكون اللغة التشكيلية تأخذ أبجديتها من الفن المصرى القديم والفن الشعبى متجاوزة فى البناء الفنى الزمان والمكان لتنشئ واقعا جديدا يطرح قضايا العصر برؤية ما بعد حداثية ، بمعنى استخدام التراث كمعبر أو كجسر وصولا للواقع المعاصر .
* هل هذه اللغة تفترض أماكن يمارس فيها الفنان طرح قضاياه الإبداعية ، دعنا نبدأ من أول هذه المعارض لك وأعنى بالتحديد معرض الذات والعولمة 2000 وبداية سردك لآلام المجتمع العربى والمصرى على حد سواء ؟
- نعم معرض ` الذات والعولمة ` تلاه معرض ` الواقع الأفتراضى ` 2001 ثم معرض ` الحياة الأفتراضية 2003 ` حيث سقطت بغداد والغريب والعجيب أننا أصحاب حق فالطرف الآخر يدعى أنه صاحب الحق وأنه جاء ليشيع الديمقراطية ويقضى على أسلحة الدمار الشامل، لقد حدث اختلاف المعايير وكل طرف يعتقد أنه الصواب والحق ، اختلاف المعايير مع العولمة و ` حروب المحاكاة ` وأعنى بها ` تضرب عدوك باسلوب الاتارى والبلاى ستيشن ` أصبحت هذه المفاهيم تنعكس حتى على الفن فظهرت أعمال فنية افتراضية استوحاها الفنانون من الحرب .
* وماذا عن معرضك ` شبابيك العالم المنسى ` 2005 وما تلاه من عدة معارض تحمل نفس الاسم أهو حنين ونوستالجيا الماضى والعودة للجذور ؟
- بالتأكيد ، كانت رغبتى الرجوع لداخلى بحنين جارف نحو التراث والماضي بعد أن تجرعنا سقوط أفغانستان والعراق واحتضار حلم الوحدة العربية وأصبح الأعداء جيرانا وأصدقاء - وأعنى القوات الأمريكية - تطل علينا من داخل جميع دول الخليج العربى ! ولذا انكمشت داخلى وتذكرت مسقط رأسى 5 ميدان قشتمر بحى الظاهر واحتفلت بالمكان اجترارا للذكريات ومن خلال هذه النوافذ كان الطلل والإطلال .. طلل بمعنى نظر وقوفنا من هذه الشبابيك وإطلال للزمن الذى كان وحلم الناصرية بالقومية العربية 67 وحينما سمعت خبط هذه النوافذ فى رأسى مختلطا بصراخ النسوة من آلام النكسة ، وعندما أقمت عام 2006 ` معرض الشبابيك الخلفية ` بمركز الجزيرة للفنون كان نوعا من الاستراحة على المستوى الشخصى والفلسفى حيث عدت لأماكن شبه مظلمة داخل الأمكنة لأطل منها على مسيرة الوطن العربى .
*وماذا عن سلسلة معارضك التالية البلكونة 1 ، البلكونة 2، البلكونة 3 فى عامى 2007-2008 أهى إكمال سردى لما بدأته ؟
- تيمة البلكونة أكثر اتساعا واستقرار من تيمة الشباك ، فالبلكونة أوسع وأكبر وتستطيع الجلوس لفترات طويلة ترصد وتتأمل وتتمتع بميزة الرؤية الكاملة للطريق لو عدنا للفن الإسلامى سنجد` المشربية ` و ` المشرفية ` وكلتاهما مصنوعة من الأخشاب بطريقة الأرابيسك الشهيرة والمشربية تطل على شارع أو حارة بينما المشرفية تطل على ناصيتين فالاطلالة منها أكثر اتساعا وشمولية !
* نصل إلى معرضك الحالى بقاعة أكسترا ` خارج البلكونة `وما فكرك وفلسفتك فيه ؟
- من فى الخارج يطل على البلكونة سواء أكنت فى الطريق أو عدة جهات أو حوار تطل على البلكونة .. لدينا أحداث غزة وظهرت البلكونات كلها ( أيجلس بها عربى واحد مع الأسف بل كان بها الاتحاد الأوروبى وأمريكا ، والمجتمع العربى بأكمله خارج ( الصورة ) .
أيمن حامد
البديل-2009
الخيال يتفاعل مع الواقع
- صخب بالشوارع والبيوت..يعادله صخب بالألوان فى اللوحة .. وقعت الفرشاة على وليمة من الحكايات القديمة والحديثة، فسنت شعيراتها وانقضت على الأحداث .. الناس طيبون واللون يفضح كل شئ .. يبالغ الفنان فى التفاصيل فتبالغ الفرشاة فى الصراع والجرأة ..
- فى معرض الفنان مصطفى يحيى قدم رؤيته للحياة الاجتماعية المصرية رابطاً بين الرموز الفرعونية والفن الشعبى، مستخدماً الألوان الزيتية على توال بالإضافة إلى عدد من الأعمال بالأبيض والأسود مستخدماً الحبر الشينى .
- وقد تفاعل الفنان مع الحياة بجميع نشاطاتها بألوان صاخبة وشخوص وتراكيب كاريكاتورية ساخرة ومنظور خاص مرتبطاً ببعد روحى وأبعاد تراثية وثقافية فى محاولة جادة لإبداع خصوصية تشكيلية تضاف للفن المصرى الذى يتناول الحياة اليومية للوصول إلى حوار وتفاعل بأسلوب متميز .
- حرص مصطفى يحيى على إدخال بعض الرموز والعناصر التراثية ، والتى يمتد بعضها للمعتقد الشعبى وذاكرتنا الجمعية ، وأعاد صياغتها لتحقيق حواراً مع حس وعين المتلقى .واهتم بتجسيد العلاقات الخاصة التى تجمع بين البيئة الشعبية والمناطق الراقية ، ليقول من خلال خطابه التشكيلى إن الغريزة والمعتقدات لا تفرق بين المستويات المعيشية المختلفة فى زمن الاتصالات والأخبار اللحظية .
- تناول الفنان الحياة الاجتماعية المصرية بمنظور ساخر يجمع بين الواقع والخيال برؤية تبسيطية للشكل اما اللون فقد جاء بدفقات شاعرية تلقائية لا تخلو من العشوائية المرتبطة بالحياة الشعبية ، ولكن بسيطرة من الفنان استطاع أن يستخلص جماليات الواقع ويعيد تنظيمه بالخطوط ، وبمساحات اللون المؤكدة للعمق ، وإبراز العناصر التى تريد لها دور البطولة بالضوء والظل رغم الحالة الجامحة فى التشكيل والتلوين .
- والعشوائية لا تعنى المعنى القريب،ولكنها عشوائية نظمها الفنان بأسلوب يؤكد فيه الواقع ولا يبتعد عنه حتى استخدم الرموز الفرعونية .فقد تناولها وفقاً لقيمتها الرمزية المتوارثة ، والتى يتفاعل معها المتلقى بمجرد رؤيتها .فنراه- على سبيل المثال - يتناول الإله ` أنوبيس` `برأس ابن آوى` والذى تميز فى المعتقدات القديمة بأنه يحمى المقابر ويرعى التحنيط، وقد صوروه فى أسطورة الولادة الإلهية للملكة حتشبسوت والملك أمنحوتب الثالث، وهو يدحرج قرص القمر، ويتمنى للطفلين الملكيين طول العمر.وجاءت فكرة وضع الأطفال بعد ولادتهم ` يوم السبوع` فى الغربال وهزهم من هذا الموروث .
- فهو يريد الربط بين القديم والحياة الشعبية والاجتماعية من خلال أفكار يؤلفها لرموز يستخدمونها ولا يعرفون مصدرها وربطها بمفردات حياتية محاولاً إتاحة أقصى درجات الخيال لدى المشاهد لتأكيد العلاقة من خلال البساطة المتعمدة التى ترتكز على المبالغة فى نسب الأجسام ولتعبير التلقائى المرتبط بذاكرة وذاتية الفنان .
د / سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون - 2010
- يستمد الفنان اعماله من خلال ابعاد شعبية وفرعونية بوعى تعبيرى .
حسين بيكار
|