إسماعيل شوقى إسماعيل خليفة
إسماعيل شوقى ومفهوم جديد للتصوير الضوئى
- الفن فى أحد تعريفاته هو رؤية جديدة للواقع ولذلك تتعدد الآراء حول الأعمال الفنية على مر العصور حتى أن أعظم الأعمال فى تاريخ الفن كانت تجد لها معارضين من النقاد والجمهور على حد سواء ويرجع ذلك الى التنوع الشديد فى المفاهيم التى تحدد ماهية الفن ومع ذلك سيظل الفن دائما يفتح الباب على مصراعيه للممارسات الجديدة التى تتحدى صيغ الأداء الشائعة فتجبرنا على تعديل رؤيتنا شريطة أن تنطوى على وثبة خيالية تثير الدهشة .
- وقد استطاع عدد محدود من فنانى التصوير الضوئى تحقيق الوثبات التى لا يمكن تجاهلها مثال ذلك ما نراه فى معرض الفنانين د. إسماعيل شوقى ود.فتحى عبد السلام الذين يقيمان معرضيهما بقاعة المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى فيقدمان رؤيتين مختلفين فى فن التصوير الضوئى الذى مازال البعض يشك فى اعتباره من الفنون التشكيلية !!
- نبدأ الحديث عن أعمال الفنان `إسماعيل شوقى` التى تقترب من اتجاه `الفن المفاهيمى` الذى نشأ فى المانيا فى أواخر الستينيات وقد جاءت هذه التسمية من أسم المعرض الذى أقيم عام 1969 فى متحف ليفركوسيه وأطلق عليه اسم `مفهوم` وقد اقتصر هذا المعرض على أفكار يعبر عنها مباشرة فى صور فوتوغرافية وأشرطة موسيقية وبرقيات ويبحث هذا الاتجاه فى إشكالية ` الفكرة والتعبير ` وضرورة تغير العلاقة التقليدية فى الفن بين `الفكرة والتعبير` كما يدعو هذا التيار إلى التحرر من المهارة الحرفية للفنان لتصبح الفكرة هى الهدف الحقيقى للفن وليس الأثر الفنى ـ والفنان إسماعيل شوقى يعبر عن أفكاره فى صور فوتواغرافية .
- يبدأ بالحقائق المصورة وينتهى بالخيال الذى يتيح له توفير هذه الحقائق وتداخلها وهو ما لا يمكن حدوثه فى الواقع وقد أصبحت الكاميرا بالنسبة له أداة من أدوات التعبير الفنى وبذلك يصبح الضوء هو أهم عناصر العمل الذى بدونه لا يظهر التكوين .
- تعتمد طريقة العمل على اختيار `الشكل` الأساسى المستمد من الفن المصرى القديم كركيزة أساسية للتكون أو فلنقل الصورة الرئيسية التى تتوالى عليها الاسقاطات الشكلية واللونية عن طريق تداخل الصور أو تراكمها فوق بعضها البعض مع إلغاء أجزاء منها لإظهار أجزاء من صور أخرى للحصول على التكوين النهائى للوحة وهنا يتم التقاط الصورة ليحصل الفنان على اسكتش للفكرة ثم يعيد الكرة مرات ومرات مع التغيير والتبديل فى عناصر العمل التى هى هنا الضوء واللون والشكل فى محاولة لاستحداث علاقات جديدة بين الأشكال وبعضها البعض فى الصورة الواحدة وفى التكوين النهائى للعمل ليختار أفضلها للتكبير لتصبح صالحة للعرض معبرة عن فكرة الفنان أصدق تعبير والاسقاطات الشكلية أما أن تكون أشكالا من صور أخرى من الفن الفرعونى أو تكون زخارف من الفن القبطى أو عناصر معمارية من الفن الأسلامى أو اعمالا من الفن الحديث مثل لوحة بنات بحرى للفنان محمود سعيد التى مزجها مع صورة توت عنخ أمون وبهذا استطاع الفنان المزج بين الفن المصرى القديم والفن الحديث مرورا بالفنون القبطية والإسلامية وقد يأخذ عنصراً واحداً من الصورة الرئيسية مثل عين توت عنخ أمون ليجعل منها إحدى الإضافات بلون مغاير ويستخدم الفنان أيضا `الفلاتر` الجاهزة بتشكيلات مختلفة من الأشكال الهندسية.
- وتتوالى الاسقاطات اللونية مع الاسقاطات الشكلية السابق الإشارة إليها للحصول على تكوينات مبتكرة فنجد الأشكال الهندسية تنكمش أو تتمدد باختلاف زوايا تسليط الضوء وأوضاع العناصر المصور ويعتمد الفنان فى الاسقاطات اللونية على الألوان الصريحة أحيانا والألوان المركبة من امتزاج لونين أو أكثر أحيانا أخرى ونلاحظ اهتمامه بإظلام الخلفية بمساحات متفاوتة ليظهر التكوين الرئيسى فى منطقة الإضاءة بالتحكم فى كمية الضوء وألوانه وتحديد زاوية التقاط الصورة فهو يتحكم فى الإظلام كما يتحكم فى الإضاءة حتى تكتمل اللوحة تماما أمامه بألوانها المتعددة .
- وهو فى أعماله التى يتناول فيها `الموضوع الموسيقى` نراه يحاول الخروج عن النمط التقليدى فى تصوير الأيدى أثناء العزف فنرى يدى العازف من خلال غلالة تبدو مثقبة بدوائر تقترب فى حجمها من حجم مفاتيح وثقوب أله الفلوت التى يعزف عليها وقد حصل على هذا التأثير باستخدام فلتر معبأ بهذا التشكيل الذى جاء متوافقا تماما مع موضوع اللوحة .
- لقد استطاع الفنان إسماعيل شوقى أن يخرج عن أسلوب العمل الدارج فى فن التصوير الضوئى والذى لا يتعدى اختيار `الكادر` المناسب أو اقتناص اللحظة عند تصوير موضوع متحرك وفى الحالتين فأن الفكرة جاهزة ونابعة من خارج الفنان ولكنه فى معرضه هذا يقدم فكرة نابعة من إحساسه بالتراث فى تكوينات فوتوغرافية مبتكرة تثير الدهشة وتستحق التأمل فهو يعالج موضوع الفن الفرعونى بشكل جديد تماما باستخدام أحدث أدوات التعبير وهى الكاميرا ..
شادية القشيرى
جريدة المسائى 1997
- إستطاع الفنان إسماعيل شوقى أن يثبت مكانه متصدرة فى فن التعبير الفوتوغرافى فى مصر، حيث تمكن من صهر خبراته التى أكتسبها إبان تدريبه بأكاديمية الفنون بميونخ بحيث تذاب الحدود ، وتتداخل وتتراكم، ويخترقها الضوء، فيدمر إستقرارها الفيثاغورثى لتصبح مصهورة مندمجة، كالهيئة النادرة التى يراها الخزاف عند النظر إلى كوة الفرن أثناء صهر الأشكال الخزفية وتحجرها، حيث يشاهد الهيئات الخزفية الصلدة وكأنها شففت بحيث يشاهد جدرانها الأمامية والداخلية فى آن واحد فى هذا الأنصهار، تكن القدرة الفائقة لشخصية إسماعيل شوقى الفنية التى أنعكست على العديد من شباب فنانى الفوتوغرافيا للتقليد حتى كادت أن تصبح موضة. بيد أن الفنان إسماعيل شوقى يملك أكثر من مجرد طريقة العمل التى يمكن تقليدها، فهو متجدد.
أ. د / مصطفى الرزاز
إسماعيل شوقى .. فارس الصورة البصرية.. ودنيا الوسائط
- مر عام على رحيلك ولم تغيب يوما من ذاكرتى ووجدانى رحلت عن دنيا الألم.. وتركت لى هانى ومحمد وهما قطعة منك أراك فيهما كل يوم وكل ساعة.. سوف نحيى ذكراك دائما بأعمالك .
- هكذا جاءت كلمة أ.د منال الهندى فى المطبوعة الصغيرة المصاحبة لمعرض زوجها الفنان الراحل إسماعيل شوقى 53 سنة.. والذى افتتح بالقاعة المستديرة بنقابة الفنون التشكيلية وجاء احتفاء بفنه فى الذكرى الأولى لرحيله.. وقد اصابنى الدهشة وأخذني الذهول والحزن مرتين.. مرة لأننى لم اعرف برحيله وهو الصديق الوحيد واللوحات معلقة بالقاعة.. ياه والزمن يسرق منا الأصدقاء والأمنيات دون أن ندرى.. فيما نعيشة مع مصرنا من إضراب والمرة الثانية لأننا لم نلق الضوء بعد على عالمه.. هذا العالم الذى ينتمى لسحر الصورة المسكون بدينا الوسائط والتعبير بالفوتوغرافيا.. وكل ما يعزينا تأكيدا على مكانته الفينة والإنسانية هذا الحضور الكبير من أصدقائه وزملائه وأساتذته بكلية التربية الفنية بالمعرض .
* الحداثة والهوية :
- وتمتد أعمال الفنان إسماعيل شوقى فى تنوع وثراء مع ما تحمل من قيم التشكيل وبلاغة التعبير.. تعكس للمفهوم الحقيقى للحداثة ومعنى الهوية فى ميزان حساس ينم عن فرط موهبته وثقافته فى فلسفته الإبداع.
- امتدت الأعمال فى تداخل وامتزاج من التصوير المباشر الذى يعتمد على اللقطة الطبيعية من المناظر والصور الشخصية واللقطات المقربة `كلوز أب` إلى التصوير التجريبى الذى يعتمد على استخدام الوسائط والمؤثرات داخل المعمل كالمرشحات والفلاتر والملامس المختلفة.. مع هيمنة الوسائط الحديثة من الكمبيوتر وأنظمة الديجيتال الرقمية.. والتى تعد من وسائط فنون ما بعد الحداثة.. وهو هنا يؤكد على وحدة الفنون بما يعكس المصطلح الحقيقى لمعنى الفن فى الألفية الثالثة.. مصطلح `الفنون البصرية ` وأعماله عموما تمثل إيقاعا تتوحد فيه الأزمنة وتمتزج الصورة تلو الصورة فى حالة بصرية تعكس لتواصل الحضارة المصرية وتكاملها من الفن الفرعونى إلى القبطى والإسلامي وحتى العصر الحديث .
- وإسماعيل يهمس بعين الكاميرا ويرسم بالضوء أعماله المعاصرة يتجلى هذا فى معزوفته ` مصر النوبة ` والتى يصور فتى وفتاة نوبية.. هى فى وشاح ينحسر عن الرأس قليلا وهو بنظرة تأمل مع رصانة البرتقالى والأخضر الداكن وما بينهما من شريط قوسى ابيض يوحى بالصفاء والنقاء .
- وقد استفاد إسماعيل شوقى من خلال دراساته بأكاديمية الفنون بميونخ والتى جعلته مفتوحا على طرق واتجاهات الحداثة وهو الذى يحمل تراث بلاده ويتمثله فكان هذا التراكم والتداخل والانصهار خلال تلك الثنائية من الموروث والوافد والأصيل والمعاصر. وأشبه ببصمة على جدران الزمن تطل الموسيقيات الثلاث إحدى الجداريات الفرعونية الشهيرة مع تنوع فى مستويات الدخول لأحد المعابد والذى يمتزج بمئذنة جامع ابن طولون وقد توحد كل هذا : النغم المرئى والمسموع فى ثراء ومزيج تشكيلى .
- وعلى خلفية سوداء توحى بزمن ليلى يطل شراعان يخفقان باللون والنور فيهما من وميض السحر ورعشة اللون ما يؤكد شخصية مصر وروحها الطليقة التى تهمس وتتوقد وتبوح فى صمت .
- ويمتزج الأصيل والمعاصر والقديم مع الحديث حين يتداخل قناع إخناتون مع بنات بحرى وبائع العرقسوس فى لوحة المدينة لمحمود سعيد والتى بمثابة أيقونة مصر التشكيلية المعاصرة بما تحمل من تشكيل وتعبير وروح شعبية عميقة .
- وتتنوع الدرجات اللونية من الأزرق السماوى إلى الأخضر والأصفر والبرتقالى أشبه بالسلم الموسيقى.. مع الظل الأسود الذى يجسد رجل على عربة كارو.. إشارة إلى بهجة الحياة الشعبية وثرائها وتنوع الروح والصورة . ولقد ذابت الفواصل والحدود فى أعمال إسماعيل شوقى وتنوعت فى إيقاعاتها على خلفيات داكنة سوداء من أجل تأكيد تلك المشاهد الليلية وما يحمل المساء من رؤى وأخيلة وأحلام طيفية.. وفى نفس الوقت إبراز العناصر بثرائها ودفء ألوانها وتنوع حالاتها .
- وهنا ومع اختلاف الأداء والتعبير نتذكر أعمال الفنان الأمريكى أندى وأرول رائد البوب والتى اعتمدت على الصورة كوسيط أساسى فى أعماله بما يجعلها تمثل عمق الحداثة كما نتأمل بعين الفن وحكمة الصورة الضوئية فى أعمال الفنانة العالمية الإيرانية شيرين نشأت والتى جعلت نساءها نساء الشرق ` موشومات بعالم طقوسى من الكتابات.. وقد دخلت بهن بوابة ما بعد الحداثة.
- ألا إن فناننا إسماعيل قدم أيضا مساحة خاصة شديدة التميز وصل فيها الحاضر بالتاريخ تألقت بسحر الصورة بين الواقع والرمز وبين شاعرية الأداء وطلاقة التعبير وهى تعد خير سفير مصرى فى وقت أحوج ما نكون فيه إلى جذب العالم لمصر واستعادة مكانتها وريادتها عن طريق الفن .
- وعلى الجانب الآخر هناك أعمال للفنان إسماعيل تنتمى للإيقاع الهندسى الخالص يمتزج فيها فن الاوب آرت أو الخداع البصرى مع ثراء وأحكام لونى بألوان الاكليريك التى تمتد فى مسطحات ووحدات هندسية وأشكال عضوية من وجوه فى أوضاع جانبية `بروفيل` يغلب عليها منظومات لونية من الأحمر النارى والأخضر والأصفر مع الأسود والرماديات وهى دروس تشكيلية فى الإيقاع.. كما يعمد إلى إبداع أشكال أخرى تتعدد فيها المستويات والوحدات الهندسية من الصعود والهبوط والغائر والبارز بلون واحد وظلاله.. وقد وصل بها إلى مستوى رفيع فى الأداء .
- تحية إلى روح الفنان إسماعيل شوقى بعمق ما ترك من أعمال تنتمى لشخصية مصر ومعنى الحداثة .
صلاح بيصار
القاهرة - الثلاثاء 19 /2/ 2013
|