رمزى السيد مصطفى
ـ الفنان / رمزى مصطفى يسعى جاهداً فى الكثير من أعماله الى تعدد نماذج أبطاله من فئات الشعب المختلفة تبعاً لمضمون كل عمل فالفنان بعينه الفاحصة وصدق حسه الفنى يلتقطهم من الواقع إلى معترك الحقيقة ليكسبهم صفة الأصالة التى يسعى دائما بحب للبحث عنها فليس بغريب على شخصية الفنان فى الواقع . فهو محب للحياة والناس ويسعى للكشف عنه حيث يقول` عندما تصبح بطلاً تصبح محبوباً .. وتصبح قضيتك سهلة .. إن ما أقوم به هو محاولة لتقديم بطل معين`.
ـ فعندما ترتبط قضية الفنان بحياته .. تعلو قيمته ويصل إلى هدفه ، فتلك مسيرة الفنان / رمزى مصطفى التى جسدها فى الكم الغزير من إنتاجه ، وجعل منها البطل الشعبى متصدراً لها .. فتحية لهذا العطاء الصادق .. ومزيداً من الابداع .
د / حمدى عبدالله
رائد فن ( البوب ) وحكايات من صندوق الدنيا
- هى أعمال من السهل الممتنع .. أشبه بموال صداح ينطلق من حنجرة ابن بلد مثقف وأصيل .. يجلس تحت شجرة توت على فرع من فروع النيل .. ينساب صوته ممتزجا بالنسيم والموج السارى .. ويقترب من صوت الأرغول مه دندنات وشخاليل مسكونة بالإيقاعات المسموعة من الدف والطبل البلدى و ` النقرزان ` .
- كل هذا وقد عكس ثقافته التى تمتد بلا حدود ووعيه بمعنى الفن المعبر عما نعيشه بعد عبور الألفية الثالثة . ورمزى مصطفى حكواتى تشكيلى ، ومثلما تبدو أعماله أشبه بالفرجة الشعبية وإن شئنا قلنا هى حكايات بصرية تذكرنا بحكايات ` صندوق الدنيا ` إلا أنه أيضا يحمل طزاجة التعبير وطرافة الحكى خاصة فيما يتعلق برحلته فى الإبداع .. وقد كان لنا معه لقاء فى منزله بفيلا ` مها ` بضاحية المعادى حيث يقيم مع زوجته الألمانية السيدة ` آمنه ` الوكيل السابق للمدرسة الألمانية بالقاهرة .. وسط لوحاته وبعض أعماله المجسمة .. والتى يقول عنها : لعلك تجد فيما أقدمه من سرد تشكيلى لحكايات متعددة وكثيرة ومتنوعة مسرة وبعجة وسعادة ، ورغبة فى سماع صوتى ، وأدائى من وحى هذه الحكايات ، وكنا نمتلك السمع والبصر والفؤاد .. فالأشكال والألوان وحركاتها فى أعمالى واتجاهاتها وتعددها واختلاف درجاتها .. تعادل فى تناغمها العام صوتى وأدائى فى القص لتدرك بمشاعرك وإدراكك المعنى والحوار الذى أبغيه ، والذى أرغب فى سرده . ومن هذه البداية انطلق حديثه وامتزج بسحر الفن وبلاغة التشكيل : أنا فلاح وعشقى للطبيعة والناس ليس له حدود ... بل لا يعادله شئ فى الوجود بالنسبة لى ... وقد نشأ فى قرية صغيرة خضراء تدعى ` الربع ` وهى تابعة لمركز السنبلاوين دقهلية .. وتبعد عن قرية ` طماى الزهايرة ` مسقط رأس كوكب الشرق أم كلثوم مسافة 2 كيلو متر فقط . كان والدى شيخاً تعلم فى الأزهر الشريف.. وكان شخصية فريدة قلما يجود بها الزمان .. شيخ معمم يمتلك سيارة ` ستروين ` بسائق خاص وربما كان الأول فى قريتنا الذى يمتلك سيارة .. وكان خيال .. غاوى خيل يعنى .. وقد حقق علاقة شديدة الانسانية مع الحصان الذى كان يركبه وكان يتحدث الانجليزية والفرنسية مع وعيه الشديد بالطبع بالعربية واتقانه لها .. وكان من عشاق الست أم كلثوم ويحرص على حضور حفلاتها ايام ان كانت تغنى بالعقال .. بالمنصورة والقاهرة ولاتفوته حفلة .. واذكر أنه صحبنى فى احدى حفلاتها وكانت تنشد ` عصافير تحسبن القلوب من الحب فمرت عصفورة .. لقطت قلبى !! ` ..
- وكان الكورس ينشد ورائها كمالة البيت : آه ياقلبى .. آه ياقلبى !!.. ويظل يرددها . ومن محاسن الصدف .. كان لى صديق عاجز ` ضرير ` كان معى من بداية التحاقى بالكتاب وحتى المدرسة .. وقد ربطتنا صداقة كبيرة وأسرتة تطمئن لوجوده معى وصحبته لى وكنت رفيقا له .. احكى له كل ما اراه وقد تعلمت من ذلك لغة الحكى بالوصف والتجسيم .. بمعنى أخر تعلمت السيناريو والحوار .. وكنا لا نفترق .. ونذهب إلى ثلاث سينمات فى الاسبوع والافلام فى ذلك الوقت أبيض وأسود ماعدا الجريدة الناطقة وكنت اوصف له الفيلم ومن ذكائه الشديد يحفظ كل كلمه وكل نغمة . ليس هذا فقط .. كنا نرتاد الموالد الشعبية وقد راى بعينى شجيع السيما والاراجوز ولعبة النيشان وابطال السيرك من البقرة ذات الستة ارجل والمراة الخارقة التى تضئ فى الظلام .. الى تلك الصور
المرسومة على خيمة السيرك بتلقائيتها الشديدة وروحها الشعبية . انا فى المرحلة الأبتدائية اشتركت فى مسابقة للرسم وحصلت على جائزة .. كان مدرس الرسم رقيقا معى ومشجعا لى .. قال فيه معرض اشترك فيه .. رسمت صورة الملك فاروق على ظهر نتيجة فيها شهور السنة .. وتحت الصورة رسمت النيل يجرى بفرعيه !!.. وكانت الجائزة من نصيبى . ومع اشتراكى بجمعية الرسم .. كنت فى جمعية الزراعة وجمعية الخطابة التى اطلقت لسانى وجعلتنى لا اخاف من اى تجمع عند اللزوم متحدثاً بلغة فصيحة . وانتقلت الى المرحلة الثانوية .. كنت متفرقا فى الدراسة ولكن للاسف .. افلس والدى فى البورصة وكان يتاجر فى القطن والارز .. وكانت كسرة القطن خسارة فادحة فى ذلك الوقت . كان انيس منصور زميلا لاخى الاكبر فى المدرسة .. بينما كان زميلى فى الدراسة عبد العزيز خميس رئيس مجلس إدارة روزاليوسف السابق .. وكنت ادفع خمسة جنيهات نصف مصاريف لتفوقى بدلا من عشرة وكان وقتها والد فاتن حمامة سكرتير المنصورة الثانوية .. ولكن لم يكن هناك من حل وسط هذه الازمة الطاحنة التى المت بنا سوى التحويل إلى المنصورة الصناعية ودخلت قسم زخرفة وتفوقت وطلعت الاول على المدرسة وهنا أشار على والدى بان التحق بالفنون التطبيقية . سافرت الى القاهرة واقمت بلوكاندة ` نور الصباح ` بالحسين .. كنت استقل أتوبيس رقم 7 من أمام تمثال إبراهيم باشا وذلك للامتحان بالفنون التطبيقية فى ذلك الوقت من الاربعينيات .. كنت الطالب رقم 13 وفى اليوم الأخير نادوا على .. طرقت الباب وبتلقائية ريفى بسيط قلت السلام عليكم كان هناك 12 من أساتذة الفنون التطبيقية .. سلمت عليهم جميعا فقاموا سوى واحد فقط صالح الشيتى ` عفريتى بحقيقى قرينى أو الأخر بداخلى ` قال لى : غمزى .. قلت أسمى رمزى .. كان الدغ فى العين .. اضاف : كل يوم تيجى الساعة الثامنة صباحا . صالح الشيتى هذا أستاذ ورئيس قسم الزخرفة وأول واحد يرسم أزياء للسينما المصرية .. وكان يصمم ملابسه بنفسه . فى بداية الدراسة أشار على الشيتى بالاشتراك فى معرض جمعية محبى الفنون الجميلة .. ورئيسها فى ذلك الوقت الامير يوسف كمال .. رسمت شجرتين بالالوان المائية .. رسمتهما من حقل بالمعادى وكنت فى زيارة لاخى ` الحقل نفس مكان البيت الذى أقيم فيه حاليا ` وكتبت اسمى وعنوانى .. قبلوا الشغل وفى النهاية بعتوا لى تذكرة دعوة باسم رمزى افندى السيد مصطفى متولى .. وحضر الملك فاروق افتتاح المعرض وكان بصحبته أحمد يوسف عميد مدرسة الفنون التطبيقية الذى قادنى معهما .. وجدت لوحتى بجوار لوحة سعيد الصدر .. كمال الملاخ نشر الخبر !! واخيرا حازت أعجاب الامير يوسف كمال واشتراها واعطانى 12 جنية . وتخرجت من الكلية .. الأول بتقدير امتياز وحصل لى أحمد يوسف على قرار بتعيينى معيدا وكنت الوحيد من الدفعة الثانية النظام الحديث `البكالوريوس` .. وحصلت على جائزة الملك فؤاد وجائزة اسماعيل للفنون .. عملها طه حسين وكانت قيمتها 86 جنيها ولكنى انفقتها على عملية جراحية .. كان عندى ` مية على الرئة ` واجريتها بمستشفى حلوان للامراض الصدرية . وعندما عينوا صالح الشيتى مديرا لمسرح الازبكية كان يصحبنى معه كمساعد له ..وكنت أشترى له الكتب من سور الأزبكية .. حتى اننى اشتريت له أكثر من 400 كتابا .. وقد تعلمت منه الكثير .. مثل الجراة فى النقاش زالتسلح بالوعى والاهتمام بدراسة اللغات .. كان يقول لى مطلوب منك أن تفتح عينك جيدا ليس لتاكل ملبن كما يقول المثل الشعبى ولكن لترى الاعمال الفنية بعين الفنان والناقد فى وقت واحد !! وكنت اذهب مع الشيتى الى سينما استراند بباب اللوق مرتين اسبوعيا .. ثم اقوم بتوصيله لمترو حلوان حيث كان يسكن . ومع صالح الشيتى استفدت الكثير من استاذى سعيد الصدر وكان مهذبا رقيقا فى الحوار ويدفعك الى الانجاز السريع ويسمح لك بزيارتة فى بيته وهو رائد فن الخزف والخزف فيه تشكيل مجسم وانا من صغرى باوصف الاشياء مجسمة .. وتعلمت الحجوم وان اجسم المسطح .. بعد تخرجى سافرت فى بعثات عديدة .. كانت البعثة الاولى الى ايطاليا لدراسة الخزف فاينسا بلد الخزف بإيطاليا والتى تشتهر بعمل طبقة بيضاء من المايولكا فوق الفخار الوردى ` القلل ` وكلية مايوكا مرتبطة بجزيرة ماجوريكا الاسبانية الزاخرة بالقصدير والذى يمثل اكتشافا جديدا فى صناعة الخزف المايولكا تحت درجة حرارة 700 حتى 900 ويرسم عليه بالالوان .. وهناك يقام بينالى دولى . وفى نفس الوقت ومع دراسة الخزف التحقت بجامعة بولونيا قسم الديكور المسرحى السينوغرافيا يعنى رسم المنظر المرئى او تخطيط ورسم الصورة المرئية وكانت المسافة بين فاينسا وبولونيا 9 دقائق بالقطار .. وهناك عملت ديكور مسرح بمساعدة استاذى .. وكنت انفذ الشغل .. ارسم ستارة 20×15 متر . وانتقلت الى فرنسا .. وطلبت خامات مصرية للوصول لصناعة البورسلين وجابولى كولين من سيناء كنت اعمل بالمعمل الوطنى للخزف فى الحى الخامس بباريس ورحت لندن وبالرويال كوليج ` الكلية الملكية ` قسم الخزف بدات اعمل البورسلين واقمت بعد ذلك معرضين فى باريس وحضر الافتتاح د . ثروت عكاشة واقتنى بعض الاعمال وفى تشيكوسلوفاكيا قمت بتجارب عديدة فى فن الخزف باول مصنع للجداريات الخزفية واقمت معرضا كان يضم مع الاعمال الخزفية تمثال بارتفاع 4 أمتار وحضر الافتتاح رئيس الجمهورية ` زابوفسكى ` مع ربع مليون مشاهد وقفوا أمام مدخل المعرض فى تسعين طابور .وعندما تقدمت لمنحة الى الاتحاد السوفيتى جاء ترتيبى الأول .. وفى موسكو رسمت مسرحية الصداقة ` ديكور ` فى مسرح تشيكوف الوطنى.. كان النص لنجيب سرور ومن اخراج جلال الشرقاوى.. مع مشاركة أحمد ابراهيم فى التمثيل مع نجيب سرور.. وكان يدرس الازياء هناك فى ذلك الوقت .
- وعندما جئت إلى مصر كنت أول واحد اشتغل فى المسرح القومى ` ديكور ومناظر ` بدلا من بيرانديللو الايطالى .. عملت العديد من الراويات من بينها ` الخبر ` لصلاح حافظ و ` انتيجونا ` و ` دموع ابليس ` لفتحى رضوان . ومن روسيا الى امريكا التحقت فيما بعد بجامعة ` ايوا ` وهى على اسم ولاية ايوا التى منحت لخريشوف ` مفتاح الولاية ` وجامعة ` ايوا ` عبارة عن سبع كليات كل كلية لها جزيرة فى بحيرة .. وقد طلبت 18 ساعة دراسة اسبوعية بدلا من 12 .. ومن الطريف أن أول محاضرة كانت حول مسرح شكسبير واذكر اننى ذهبت متاخرا بسبب التسجيل .. وطرقت الباب ولما لم يستجب احدا فتحت ودخلت .. ` ترمى الابرة ترن ` والتقليد هناك ان تجلس على مقعد وترخى رجليك على اخر امامك .. جلست مثلما رايتهم .. وفى هذا اليوم لم افهم شيئا من المحاضرة .. كانت اللكنة الامريكية غريبة على اذنى .. البروفيسر اعطانى بعد ذلك امتياز .. وكتب فى التقرير ` هذا الطالب لدية قدرة عجيبة على التكيف !! ` واخيرا اعطونى الدكتوراه فى كيفية تحويل العلاقات اللونية الى مضمون ادبى .. على اعتبار أن المسرح له مضمون .. والديكور مجموعة من الاشكال والالوان تتحرك .. وتشتمل على القريب والبعيد والعلاقات اللونية والتناسب والتنافر .. كل هذا بما يناسب الزمان والمكان والحالة الاجتماعية المرتبطة بالاحداث . كل هذه الدراسات وهذا التراكم التشكيلى .. مع استيعاب رمزى مصطفى للفن الشعبى وتاملاته فى روح الشخصية المصرية .. جعلت منه الرائد الاول لفن البوب المصرى . فعندما ابتكر الناقد البريطانى ` لورانس الواى ` مصطلح البوب اوفن الجماهير هناك رموز لهذا الفن فى أوروبا وامريكا مثل اندى وارول وتوم فيسلمان وروبرت انديانا وبيتربليك وغيرهم ولما اضاف انديانا عام 1962 الفنانين المتعاملين مع الصور الشعبية المالوفة بالنسبة لفنانى البوب .. فقد جاء عالم رمزى مصطفى من وحى الفن الشعبى المصرى . ومن هنا كان أول معرض له ضم اعمالا مرتبطة بالجماهير ومستوحاة من الفنون الشعبية 1968 بالمركز الثقافى التشيكى وقدم من خلاله اول تشكيل مصرى مجسم بعنوان فتح عينك تاكل ملبن !! وكان مفاجأة ادهشت الجميع بالخروج على المألوف .. جمع بين التشكيل والتجسيم والتصوير وتكررت معارضه بعد ذلك بدءا من معرضه بقاعة باب اللوق عام 1973 وحتى الآن . ولا تخلو أعمال رمزى مصطفى من روح الدعابة والطرافة والفكاهة ، فهو يحمل بداخله تلقائية طفل صغير ، واندفاع شاب مع حكمته التعبيرية التى تحفل بكل ما هو مدهش ومثير .. وشعبى باداء عصرى من تلك التوليفات من البيارق والمرايا والنقوش والزخارف وقلل السبوع .. كما يمتد عالمه الى تشكيل التماثيل الفرعونية والاشكال المخروطية الاسلامية والمسلات بروح جديدة .. روح البوب الذى يعكس فلسفة تعبيرية بالوان فسفورية عصرية مع خامات التشكيل الحديثة من الخشبيات الملونة ذات البعد الواحد ، بطريقة القص والمجسمة ايضا . فى تشكيل ` سيدة ` يبدو فى أوج سخريته وتألقه .. فيقدم سيدة يطل نصفها السفلى الذى يتشكل بهيئة فتاة ريفية قد تكون خادمة وترتدى رداء مزهرا وحذاء وتحمل سلة من الخضار .. أما نصفها العلوى فينفرج عن لوحة مسطحة ذات اطار .. ينتهى من اعلى بطيور الريف من الديك والبطة ، اما اللوحة فتصور امرأة بملامح عصرية قد تكون سيدة ` فلاحتنا الصغيرة ` . كما نرى متولى عند رمزى مصطفى يؤكد ابعاد مدرسة البوب المصرية فيطل راكبا دراجته وخلفه زوجته وتليفزيون جديد خلفهما بينما طفلته الصغيرة تركب امامه مشيرا هنا الى امل جديد وافاق ارحب لمستقبل الجيل الجديد . وهناك ايضا ` عائلة صابر عبد الصبور ` التى تضم اجيالا ثلاثة .. وتبدو الجدة الوحيدة الجالسة داخل الصورة على خلفية لواجهة معمارية تموج بالزهور مع مساحة من الشرفة . وتتنوع اعمال رمزى مصطفى كما فى تشكيله المجسم ` الشرفة ` .. الممتع بصريا حيث تتدلى من احبال الغسيل العديد من الملابس الحريمى الداحلية والخارجية مع قفص العصافير . وله مجموعة لوحات ذات البعدين يصور فيها باسلوب تلقائى يقترب من رسوم الاطفال .. كما فى لوحته ` سعد زغلول مع مترو الانفاق ` والتى تشع بالمرح وبهجة الالوان .. يصور فى مشهد واحد تمثال سعد زغلول بارض الاوبرا امام كوبرى قصر النيل والكوبرى والنيل يجرى فى زرقة وتجرى معه المراكب النيلية وفى جانب من اللوحة يطل مترو الانفاق فى مشهد من الداخل مع جموع البشر من الركاب .. وأيضا لوحات ` احلام اليقظة ` و ` مرح الطفولة ` و ` بيت امنة بميت راضية ` .. حيث نرى البيت محفوفا بالخضرة وحركة السيارات والدواب على الطريق الزراعى . وناتى الى ذروة من ذرى اعمال رمزى ` السبوع ` والذى تالق فى عرض ` ماذا يحدث الان ؟ ` .. وهو عبارة عن تشكيل مجسم يقدم فيه مشهدا كاملا يصور الاحتفال بالمولود فى يوم ` السبوع ` منضدة طولية تضم 16 طفلا فى أوضاع تشع بالبهجة والفرح بهذا الاحتفال .. وهى لقطة طبيعية بالفوتوغرافيا بلا خلفية بطريقة القص .. والام فى جانب تقف حاملة المولود ويكمل الصورة سيدات على الجانبين وتتناثر علب السبوع بالارضية مع احبال الزينات اللامعة كما يطل ابريق السبوع فى واجهة جانبية مع كتابات بالحروف الملونة نقرا فيها ` برجالاتك .. برجالاتك ` ويكتمل المشهد بشريحة كتسعة لمرأة حتى يتوحد المشاهد معه ويصير جزءا منه .. جزءا من العمل .. وهنا تكتمل فكرة المشاركة والتفاعل والاندماج العجيب أن الفنان رمزى مصطفى يكمل التشكيل بمجموعة من الكراسى التى تخلو من الاطفال وكانه يوحى الينا بمشهد اخر جديد ومتخيل .. خارج التشكيل يمثل باقى الاطفال الذين يشاركون فى الاحتفال بدقات الهون واطلاق الملح والبخور .. وهكذا ينقلنا الى روح الطقوس الشعبية فى هذا العمل ` السبوع ` وهو بستخدم الوانا فوسفورية صريحة من الاخضر والأزرق والاصفر مع الروز والاحمر النارى .. وهنا يتناغم فيه الافقى بخطوطه وسطوحه الممتدة مع الرأسى والمجسم مع المسطح .. ويتاكد العمق والبعد الثالث وتنعكس الزوايا والاركان مع الشخوص على المرايا فى وجود المشاهد الذى يدخل الصورة . وفى العرض المفاهيمى ` ولم لا ؟ ` .. شارك رمزى مصطفى بتشكيل `عدوك امامك ` وقد جسد من خلاله 12 شخصا داخل فصل دراسى يجلسون على مقاعد امام مرأة .. فى لمسة تلقائية ومسطحة بطريقة القص .. الوجوه مرايا صغيرة بيضاوية وعلى جانبى المرآة الامامية مسطحان بالاحمر البرتقالى حيث نقرا ` عدوك امامك ` وهنا يتوحد ايضا المشاهد مع التشكيل ويعد جزءا من العمل باتجاهين حين ينظر الى الامام باتجاه المراة مع الشخوص وفى نفس الوقت حين يتطلع الى تلك الوجوه فيطل وجهه .. ولهذا يحذرنا رمزى من النرجسية وعبادة الانا باشارة داخل التشكيل تشير الى ` العابدون للشمس والذات ` والعمل بالوانه وتنوع مستوياته .. يحمل فى طياته معانى عديدة مع القيمة الاخلاقية وهو يحقق متهة عقلية وثقافية للمتفرج ومعه نقول ` اتفرج ياسلام ` وتامل هذا العرض التفاعلى !! وقد جاء معرض رمزى مصطفى 2010 الخاص بمركز الجزيرة وامتد باللوحة ذات البعدين والعمل الفنى المركب او التشكيل المجسم بالاضافة الى المجسمات التصويرية التى تجمع بين المجسم والمسطح وبين الغائر والبارز وقوة اللون الواضح الجهير . فى اعمال التصوير التى قدمها يضيف الجديد الى فن البوب وذلك من خلال لوحاته التى تعتمد على الشرائح الكولاجية من القصاقيص الورقية للصحف المصرية والقصاقيص الملونة ومزقات من الصور الفوتوغرافية والاعلانات التى نطالعها فى المطبوعات السيارة عموما .. واذا كان الفنان براك قد تساءل ذات يوم فى العقد الثانى من القرن العشرين : ما الذى يدعو الى الكد وبذل الجهد فى رسم صورة على مثال الشئ المصور ؟ ومن ثم راح هو وبيكاسو يلصقان على لوحاتهما قصاصات من الجرائد او ورق اللعب وعلب الكبريت وحتى الخيش مضيفين الى هذه الاشياء خطوطا والوانا من نسيج الخيال لاستكمال التكوين .. وهكذا نشا مايسمى باسلوب الكولاج او القص واللصق الذى شاع استعماله بعد تكعيبيه بيكاسو وبراك فى التجريدية والسيريالية . الا أنه وعلى المستوى الاخر عاد فنانو البوب الى الكولاج ولكن فى صورة وحدات كاملة مصفوفة او متجاورة لشرائح من الصور الفوتوغرافية من المجلات والصحف النصفية ` التابلويد ` مثلما نرى فى اعمال الامريكى جاسبر جونز وايضا اندى وارول . لكن رمزى مصطفى يتعامل مع الكولاج بمنطق اخر .. فقد ابتعد عن البناء المحكم فى الاتجاه التكعيبى مثلما ابتعد عن التوليف من الوحدات او العناصر وايجاد علاقة فيما بينها كما فى البوب .. فمع ماتحمل اعماله التصويرية من رسالة للبسطاء ولرفيعى المستوى على حد سواء .. جمعت الاعمال بين البساطة والعمق والتلقائية .. وهى تقترب من التعبيرية التجريدية لكن تبوح بافكار ومعانى وفى نفس الوقت تجسد ملامح تقترب من قماش الكريتون ..بمعنى اخر لا تنفصل عن عالم البوب بشكل عام وتحمل خصوصية شديدة ومع القوة التعبيرية للون .. يختار الفنان تلك القصاصات من الصحف بعناية شديدة فيما يتعلق بما تحمل من عناوين .. تفيض بالحب والسلام والوطنية والتعاون الدولى وتدعو لممارسة الرياضة والحفاظ على الصحة !! . مثلما نرى من عبارات : المصرية العامرة - صحتك بالدنيا - تعاون مصرى امريكى - سادت المؤتمر اجواء ايجابية .. كل هذا مع الوجوه الانسانية المتفائلة وثمار التفاح والفراولة والورود والزهور والعين داخل القلب مع لاعبة الاكروبات !!. وقد جاء التشكيل المجسم ` الف سلامة ` للفنان رمزى مصطفى صورة بديعة لمعنى الحب الصادق والمشاركة الوجدانية والفرح بالشفاء لكل عزيز او قريب .. وهو مع كل هذا .. وبكل ما يحمل من بلاغة الرمز .. يعد بمثابة تحية خاصة للرئيس القائد حسنى مبارك .. بطل الحرب والسلام وعودة سيناء . واول ما يخطف البصر تلك الاضواء التى تنبعث من دنيا ملونة من لمبات كهربية تنبض بالاحمر النارى والازرق والاخضر والاصفر الزاهى على خلفية من قماش الخيامية وكاننا فى احتفال شعبى .. وهنا نطالع كلمة ` الف سلامة ` اكثر من مرة فى ترديد يتفاعل مع نقوش الخيامية .. بينما نطالع علم مصر فى بؤرو القماش اشبه بالعين السحرية .. ومن الامام يطل كرسى كرسى مذهب على طراز النيو كلاسيك .. بمثابة الكرسى الرئاسى .. محفوف من اليمين بفرع من الزهور بين الابيض والوردى مع تفاحة المحاياه رمز الشفاء من الاخضر السندسى بمثابة علامة للخير والنماء والعطاء !!. تحية الى الفنان رمزى مصطفى بعمق رحلته الطويلة مع التشكيل والتعبير ومساحات الحب والمودة والصفاء التى تسود عالمه .
صلاح بيصار
مجلة الخيال - أغسطس 2010
كتابة الخط العربي ترتبط بالإيمان
- منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي أصبحت الكتابات العربية مادة يؤلف منها عدد من الفنانين التشكيليين تكويناتهم الفنية، مستعيرين من المدرسة التجريدية أسس بنائها المعتمد على اللاواقع المرئي، وربما دفعهم لذلك أن أشكال الخط العربي استقرت داخل وجدان الأمة العربية عبر الزمن، وأصبحت عنصراً أساساً في بنائها الثقافي والروحي، وأن ذلك نوع من الاحتفاظ بأصالة الفن المعاصر.
صبغة صوفية
الفنان التشكيلي رمزي مصطفى بدأ التجريب على تلك الفكرة منذ الستينيات، محاولاً إيجاد صبغة صوفية وروحية على أعماله من خلال عناصر الخط العربي الموظفة معنوياً وروحياً، إضافة إلى قيمتها التشكيلية، وفي بعض الأعمال يختار لفظ الجلالة «الله» مفرداً ومكرراً كعنصر رئيس ووحيد في تنوعات عدة بشكل تلقائي، يشبه التسبيح، حيث لا تجد غير «الله» في اللوحة فتحس أنك تسمع اسمه وتردده كما لو كنت في حضرة ذكر.
ولد الفنان رمزي مصطفى لشيخ تعلم في الأزهر الشريف وكان يتاجر في القطن والأُرز، ويتحدث الفرنسية بطلاقة، من محافظة الدقهلية ولتلك النشأة الريفية طقوس عامة، أهمها أنه يستوجب عليه أن يدخل «مكتباً»، أي أن يتعلم ويحفظ القرآن الكريم في كُتاب القرية، وهو ما وجده ممتعاً، وقربه من الإحساس بعظمة الخالق وارتباطه بلفظ الجلالة.
مشاعره الداخلية
وقال إنه وهو يكتب لفظ الجلالة، الغالب على أعماله الحروفية، إنما يحس بأنه يذكر الله، وأن تلك الأعمال يصورها من أجله ولا يفكر وقتها في المتلقي، كما يجد متعة أن يطبق مشاعره الداخلية على لوحة التصوير، ويختار ألوان رسمها وخاصة الأخضر والأحمر، وأنه يهتم بشكل الكتابة أكثر من مضامينها.
ويوضح أن كتابة الحرف العربي ترتبط بإحساسك الداخلي، وأن ذلك هو ما يوجد الفرق بين أن يستخدم الفنان الخط في أعمال تجريدية ناتجة عن ذاتية خاصة به، وتواجده في حالة من الإبداع، غير أن يكون الخط مرتبطاً بالمعمار الذي يقيم فيه الفنان باعتبار أنه جزء مكمل لهذا البناء، كما أن الأمر يختلف عند التصدي لكتابة المصحف الشريف، فحينما تكتبه بخطك دون أن تكون دارساً لقواعد الخط العربي، فسوف تكون العلاقات التشكيلية بين الحروف والجمل أكثر تواجداً وحيوية عن تناوله بأيدي خطاط محترف يتعامل مع الكتابة كأداء يحترم ويساير القاعدة على حساب بعض الجماليات الأخرى، موضحاً أنك حين تشرع في كتابة خطاب تبدأه بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» فإنها تختلف عن نفس البسملة الموجودة في المصحف الشريف، كونها أفضل تعبيراً وأهدأ نفساً، كما أن كتابة لفظ الجلالة «الله» بخط عمودي أو مائل على السطر يتعلق بشخصية كاتبه، حيث تشعر أن بالكلمة حياة ودفئاً باعتبارها جزءاً تلقائياً واضحاً مرتبطاً بالعواطف والفكر.
احترام المقدسات
وأضاف أنه إذا كنا قد درسنا الخطوط المختلفة بقواعدها أثناء الدراسة الأكاديمية، فإن الفنان التشكيلي لا يجرؤ على التفكير في كتابة المصحف الشريف، فالمقدسات لها جلالها واحترمها، خاصة أن المصحف يحتاج في كتابته إلى وضوح الجمل لتسهيل القراءة، فالسلوك الحركي جزء من حياتي لا يمكن إغفاله عن الكتابة، لذلك يعد ما يكتب باليد وثيقة توضح الفوارق بين الأفراد، كما خلقنا الله عليها لإحداث التعددية والتنوع.
ذاتية السلوك
وأوضح رمزي أن كتابة الخط العربي ترتبط بالشعور الإيماني داخل الإنسان، بالإضافة إلى ذاتية السلوك العقلي والحسي، مما يمكن من خلاله تحديد أو وصف شخصية الكاتب، حتى إذا كان خطاطاً محترفاً يسير على قاعدة ثابتة، يمكن للعاطفة أن تتغلب عليها، فإذا استطعت أن ترسم مقلداً الصورة الفوتوغرافية، فسيكون هناك اختلاف واضح من فنان إلى آخر، فالله خلق الناس مختلفين، بل أنه ليس هناك شكل في الطبيعة متساو أو مكرر على الإطلاق، فلا تجد شجرة تماثل أخرى أو أوراق نفس الشجرة، وكذلك أصوات البشر، فجمال الوجود يكمن في الاختلاف، ذلك الذي يعطي لكل فرد تميزه، فيجلب عليه السعادة، التي هي رغبة شخصية لكل إنسان، لذلك فكل فعل يكون بصمة له، موضحاً أن هناك طرقاً حديثة للكشف عن صور المجرمين من خلال خطوط أيديهم، حيث يستطيعون رسم صورته بتحويل هذا الخط إلى خطوط تشكيلية تحدد ملامحهم تماماً، وكانت له تجربة خاصة في بحثه لنيل درجة الدكتوراه من خلال تحويل النص الأدبي أو الكلمات إلى صور، وكان أمراً جديداً في ذلك الوقت، بينما أصبح الآن يمكن بالتكنولوجيا الحديثة أن تحول الصورة إلى نقاط ثم حروف ثم إلى جمل مكتوبة.
أسلوب معين
وأشار إلى أن استخدام أسلوب معين في الكتابة يلغي الذاتية، وبالتالي الخصوصية، فيصبح الكل متشابها، كما أن المحتوى الذي سوف يوضع فيه الخط يجعله مرتبطاً به من حيث الشكل والأداء، فالكتابات على جدار جامع يختلف عن الموجودة في مخطوط، وأن الكُتاب الكبار يفضلون الكتابة اليدوية، بينما لا يتعاطفون مع الكتابة الآلية، حيث إن الأولى تعطي نوعاً من المعايشة الحقيقية أثناء الكتابة، وهو يماثل التسبيح ونبض القلب، ولذلك كانت الكتابة شديدة الاتصال بالإنسان، وربما اللغة العربية هي أكثر اللغات التي يتضح فيها ذلك، معتقداً أن الكتابة لها، هو نوع من التثبيت المؤقت.
الدكتوراة الثالثة
ويقول إن الصوت لديه له دائماً صورة، وتلك الخبرة اكتسبها بعد سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية لنيل درجة الدكتوراة الثالثة، حين وجد أن اللون له حياة ومعنى، وأكثر تعبيراً عن الكلمة، حيث لا يوجد شيء في الكون غير ملون، وبالتالي فاللون عنصر أساس بدرجاته واختلافاته في تكوين طبيعتك، مما جعله يشعر بأنه يترجم الكلام، وأنه استخدم ذلك المنهج في الديكور المسرحي.
وأوضح أن فترة الستينيات والسبعينيات شهدت نزعة قومية وطنية، سعت إلى إنتاج فن عربي قومي، وتلمس الفنانون ذلك من خلال الخط العربي، إلا أنه قد برز في تلك الحركة من قاموا بدراسة الخط لكنها لم تستمر.
مجدى عثمان
الاتحاد - 2015/7/7
دعوة لاكتشاف أعماله بعد الرحيل : الراحل رمزى مصطفى .. طائر ملون يقف على الناصية
- كالطائر وقف رمزى مصطفى على ناصية شارع الفن ، خلف عربة كشرى ملونة ، بجوار كومة كبيرة من البطيخ على هيئة هرم ، وفى يده زهرة متعددة الالوان بهية مبهجة ، وفى يده الاخرى مسطارين البنائين ، فقد جمع بين شطارة الحرف وخيال الفنان وكأنه يوفى دين لمدرسة الباوهاوس التى نادت برفع جدار الكبرياء بين الفنان والحرفى .
لذلك الدهشة هى مفتاح العالم الإبداعى للفنان رمزى مصطفى سواء فى طريقة صياغته لأعماله الفنية المستوحاة من مظاهر الحياة المصرية القديمة الفرعونية على نحو جديد بألوانه الشعبية والتراثية ، أو تناوله لموضوعات تحمل سمات الطرافة ، عندما جسد عربات الكشرى ، وعربات الكارو ، وعربات الفول المدمس .. فالفنان رمزى مصطفى ( 1926 ) لجأ الى منابع ثقافية وتراثية كثيرة فى مواجهة التيارات الإبداعية التى تعرف عليها فى أوروبا عن كثب لتصبح ، أعماله التى شملت أغلب فروع الفن كأنها ترسم صورة لقطاع رأسى فى التاريخ المصرى متعدد الطبقات الحضارية والثقافية .
عندما اتجه .. رمزى مصطفى ابن إحدى قرى مركز السنبلاوين المتاخمة لمدينة المنصورة العريقة ناحية الشمال إلى القاهرة .. لم يكن يدرى أن العواصم الكبرى ستفتح له ذراعيها لدراسة الفن فقد جاء إلى القاهرة للالتحاق بالمدرسة العليا للفنون التطبيقية فى العام1942 محملا بقيم تراثية ريفية عريقة ، لذلك عندما درس السينوجرافيا بأكاديمية الفنون فى مدينة بولونيا (1952/ 1955 ) أو فى حالة حصوله على الماجستير من المعهد العالى الحكومى للخزف بمدينة فاتتسا ، أو أثناء دراسته فى جرنزهبوزت بألمانيا أو فى المعهد القومى للبحوث بباريس أو فى انجلترا ، أو فى موسكو وفى مدينة أيوا بأمريكا ، فبعد هذه المحطات المتعددة التى تدير رأس أى أنسان لم ينس منطلقاته الأساسية كفلاح مصرى يربطه بتراث الأرض وشائج ود وعواطف لحد العشق .
لكن هذه العواصم جعلت منه فنانا متعدد الاهتمامات .. فهو مصور ونحات وخزاف ومصمم ديكور وأزياء مسرحية فقد قام برسم مناظر وملابس العديد من المسرحيات منها : الأمير الطائر ، ملك الغرفة المظلمة ، الشيطان الابيض ، والولد اللعوب للغرب وذلك بجامعة هارفاد ، أما داخل مصر فقام بتصميم مناظر وملابس وإخراج العديد من المسرحيات منها دموع إبليس ، سقوط فرعون ، جمعيات قتل الزوجات ، المومس الفاضلة ، حلم منتصف ليلة صيف ، ملك القطن ، عمر بن الخطاب أنجونا ، روميو وجوليت ، الدرس ، ماكبث ، حتى بلغ عدد المسرحيات التى قدمها رمزى مصطفى ( 35 ) مسرحية .
ويتميز إبداع رمزى مصطفى بانطلاقة إلى افاق متجددة باعتبارة فنانا طليعيا بوصلته هدفها باستمرار التجديد ، فكل مجموعة من أعمالة تمثل تجربة قائمة بذاتها معتمدة على التراث المصرى الذى تتعدد طبقاته من قبطى وفرعونى وشعبى معبرا عن أدق مظاهر الحياة اليومية فى الشارع ورغم ارتباطه بأصوله وجذوره إلا انه التقى من منطلقات مدرسة ( البوب ) التى تعنى اختصار لكلمة ( شعبى ) والتى استخدمها الناقد الانجليزى لورانس اللوى لأول مرة فى عام 1954، لتعريف جماعة المستقلين من الفنانين الشباب الذين وقفوا ضد الفن اللا شكلى وعبروا عن رغبتهم فى العودة إلى مظاهر الحياة . ووسائل الثقافة الشعبية .
وقد أتخذت مدرسة البوب بعدا عالميا عندما خرجت من رحم المجتمع الأمريكى فى نفس الوقت الذى ظهرت فيه بانجلترا ، وأن كان تصور الأوروبيين لهذا الاتجاه المعاصر مخالفا للنظرة الأمريكية له ، إذا عبروا عنها من خلال رفض مجتمع المدينة الحديث الصناعى الرأسمالى وتكالب الأفراد على التنميط الاستهلاكى ، لكن البوب الأمريكى حسب رؤية الفنان روى ليشتنشتين ابرز فنانى هذه المدرسة .. هو استخدام عناصر المجتمع المدنى الحديث فى الأعمال الفنية ، تلك العناصر التى تقذفها خطوط الانتاج فى المصانع يوميا وتكشف عن تراجع الذوق الفنى لصالح ثقافة الاستهلاك الجديدة ، خاصة الصورة التى تستخدمها وسائل الإعلام .
أما توجه رمزى مصطفى أو تقابله مع فن البوب فجاء فى التقائه مع رموز وخطوط ومنطلقات الفنون التراثية سواء منها البصرية أو الشفهية أو بحثا عن المضمون المضمر داخل الحكايات الشعبية والمأثورات والنوادر التى تعبر عن الضمير الجمعى للجماعة ، لذلك يقول رمزى مصطفى : باعتبارى حكواتى تشكيلى فالاشكال والألوان وحركاتها فى أعمالى المعروضة وتعددها واختلاف درجاتها تعادل فى تناغمها العام صوتى وأدائى فى النص لتدرك بمشاعرك وإدراكك المعنى والحوار الذى أبغيه وأرغب فى سرده .
ويرى رمزى مصطفى بأن السرد فن كامل ووسيلة للتعامل بين البشر ، وبالتالى يجد فى لغة الألوان والخطوط وسيلة سردية بلغة بصرية وأضاف أن السرد لغة المجموع المشتركة ، بين مخلوقات الله فى ارضه وملكوته .. كما أشار إلى أان الكتب السماوية جمعاء كلها جاءت فى نطاق من السرد فما بالك أن يقتدى الإنسان بعظمة خالقه .
تتجه مسيرة الفنان رمزى مصطفى الى التمحور حول فكرة طرح نموذج للشخصية الفنية يجمع بين عناصر التراث المختلفة بداية من مصر القديمة وحتى الآن . وتمثل فى صياغات نحتية وتجهيز فى الفراغ نموذج للفرجة التراثية كالمسلة المصرية بعد أن أحالها إلى نسق تشكيلى يجمع بين معمار المسلة ، وطريقة الفنان الشعبى فى التلوين والتناول الصرحى للأشكال عندما شغلها بالوحدات البصرية الزخرفية المبهجة ، أو بابتكاره ، لشكل يجمع بين عنصر تراثى ورؤية جديدة ، كالعروس التى امتزجت فيها فنون التصوير والنحت معا فى آن واحد .
أما المستوى الثانى فجاء عبارة مجموعة لوحات فنية صاغها رمزى مصطفى بأسلوب فطرى سريع ومتدفق يعكس تلقائية تناول المنظر الطبيعى وحركة الناس ومظاهر الحياة على الشواطىء وهو .. أسلوب تالفه بسرعة وتتفاعل معه وإن جاء يحاكى لغة .. وطريقة .. الأطفال فى الرسم .
ويبقى أن الفنان رمزى مصطفى كثيرا ما يفاجئنا باشكاله المتنوعة والمتعددة والمدهشة باستمرار ، ولن ننسى له عندما قدم عربة بائع البطيخ بشكل مجسم وألوانها فى الطبيعة كانه فنان شعبى ضل طريقة من رسمه على جدران البيوت فى الهواء الطلق الى قاعات العرض الكبرى فارتفع بالموضوع والمضمون والعمل التشكيلى الى مصاف الأعمال المتحفية باختزاله المسافة بين الذائقة الشعبية ودوائر النخب فى قاعات العرض المكيفة.
تركنا ` رمزى مصطفى ` بعيدا عن أرض الوطن حيث توفى فى المانيا مؤخرا ، فيما تظل أعماله الفنية فى المتحف المصرى للفن الحديث شاهدا على واحد من اهم فنانى النصف الثانى من القرن العشرين .
سيد هويدى
القاهرة - 2015/12/29
بين التصوف والدروشة
- كثر المصورون الذين يتخذون من الكتابة العربية مادة يؤلفون منها تكويناتهم وهى حركة انبثقت عن المدرسة التجريدية التى تستعير مقوماتها من اللاواقع الحسى أو المرئى ` ودفاعهم عن هذا أن الخط العربى شكل استقر مع الزمن فى ضمير الأمة العربية وأصبح شيئاً أساسياً فى بنائها الحضارى والروحى حتى أصبح فناً قائماً بذاته أبدع فيه مجيدو الخط أيما إبداع.
- فإذا استعار فنانو اليوم من الكتابات العربية عناصر يؤلفون منها تكوينات تصويرية معاصرة تتبع منهجاً تشكيلياً غير الذى كان يتبعه أساتذة الخط العربى فى الماضى ، فإنما يفعلون ذلك بدافع استلهام التراث، والاحتفاظ بأصالة الفن المعاصر والإفادة من معطيات لغتنا القومية بالاستعانة بأشكال حروف هجائها دون التقيد بأصول التجويد التى تخضع لقواعد ثابتة وغير متغيرة .
- وللفنان ` رمزى مصطفى ` تجارب عديدة فى هذا الميدان . وهو الذى يفاجئنا دائماً بمغامراته الجريئة جريا وراء كل جديد.. والجديد الذى يضيفه الفنان ` رمزى مصطفى` هذا العام هو ذلك المناخ الروحى الذى يحاول أن يضفيه على تشكيلاته ، فهو ينتحى بعناصره ` الخطية ` ناحية صوفية لتوظيف الكلمة توظيفاً معنوياً أو روحياً إلى جانب وظيفتها التشكيلية .. إنه يختار اسم الجلالة ` الله ` لا يشركه بغيره .. ويعطيه صفة التفرد باعتباره العنصر الأساسى والأوحد لجميع تنويعاته التى يؤلفها بالقلم ` الفلوماستير ` الملون .. مندفعاً بتلقائية غير منمقة وعضوية تعتمد على التكرار الرتيب الذى يشبه التسبيح باللسان وبحبات المسبحة التى تنزلق بين أصابع ذاكر اسم الله واحده وراء الأخرى بنفس الإيقاع والترديد.. وتتخلل خطوطه بضعه اهتزازات عصبية مهوشة تأخذ شكل الشخابيط المضطربة التى تشوشر على المناخ الوقور وتتنافى مع سكون العابد، وهدوء المتأمل، وخشوع الجالس فى محضر الله.
- ويحاول الفنان بإلحاح شديد أن يعمق الإحساس الروحى الذى يغمر الذاكر فى حلقات الذكر وهو ينطق اسم الله بفمه ، ويسمعه بأذنيه ، ويهتز له كل كيانه .. ويحاول أن يعمق هذا الإحساس بتكرار لفظ الجلالة فى تتابع نبضات القلب داخل مربعات تؤلف نسيجاً شبه منتظم . يمتد يميناً وشمالاً وفوقاً وتحتاً ، فتمتلىء الرقعة كلها بكلمة الله فلا ترى غير ` الله ` ... يريد بذلك أن يؤكد أن ` لا إله إلا الله ` .. ` فأينما تولوا فثم وجه الله ` .. و ` نحن أقرب إليه من حبل الوريد ` .. وهو مقصد جميل ونبيل كفكره .. إذا حكمنا على الأعمال بالنيات ، ولكن عندما نأتى للتطبيق نرى اللوحة تتحول إلى ما يشبه الرقى والأحجبة وتعاليق الموالد .. وتنقلب الكلمات الرتيبة إلى ما يشبه حلقة الذكر الساخنة تتمايل فيها الخطوط وتتعثر .. وتتداخل الأصوات .. ويرتفع ضجيجها فتذهب بجلال الاسم وهيبة الذكر.
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
من أجل الحاضر والتاريخ.. والأجيال الجديدة: بلا منازع ..` رمزى مصطفى`.. الرائد الأول للفن المفاهيمى المصرى !.
- إذا كان يسري القويضي قد استشهد بعمل فنى لداوستاشي وهو طالب بالفنون وقد تعرف عليه لقرب صداقته به... إلا أنه لم يعرض على متذوقي الفن.
- ومع بداية الثلث الأخير من القرن العشرين.. بدأت ثورة جديدة فى الإبداع اطلق عليها ما بعد الحداثة أو ما بعد الصناعة.
- السفير يسرى القويضى فنان وكاتب.. له كتابات فى الثقافة التشكيلية.. تنتمى إلى التعريف بالفن.. وهذا يعد دورًا ايجابيًا من أجل أثراء الإبداع.. وهى كتابات انطباعية.. بما تحمل من أفكار وخواطر تنتمى لوجهة نظره الشخصية.
- فى صفحته على`الفيس بوك`.. قال القويضى بالحرف الواحد: `عصمت داوستاشي يعد الرائد الأول للفن المفاهيمي في مصر.. قادته حاسته الفنية لإنجاز أعمال بصرية.. بدءًا من ستينات القرن العشرين.. أعتمد فيها على الفكر والمفهوم.. لذا فهو الرائد الأول`.
- هكذا دون مراجعة الحركة التشكيلية والنقدية المصرية.. وتتبع تاريخها.. وهنا يكمن الخطر.. أن تحمل الأجيال القادمة ثوابت مغلوطة.
- العجيب والمدهش.. رغم أنه أستشهد فى التعريف بالفن المفاهيمى بالفنان الأمريكى `سول لويت` `1928-2007` أول من استخدم هذا التعريف بدئًا من عام 1967.. إلا أن `داوستاشى` هنا يبدو أسبق من `لويت`.. فقد استشهد بعمله التركيبى `اغتيال الطفولة` الذى أنجزه عام 1964 وهو طالب بالفنون الجميلة `قبل تخرجه عام 1967`.. هكذا يكون الخلط والالتباس.. بالإضافة إلى أن الرائد الأول للفن المفاهيمى فى مصر الفنان `رمزى مصطفى`!.
- وكان علينا هنا أن نؤكد من أجل الحاضر والتاريخ.. وأيضًا مسقبل أجيال الفن.. على دور النقد ومسؤوليته.. ونجيب على التصريح المغلوط: من الرائد الأول للفن المفاهيمى فى مصر؟.. ومتى ظهر هذا الفن.. وتلك الإرهاصات التى قادت إليه ومهدت له وذلك من خلال وقائع ووثائق تشكيلية.. حرصًا على مسيرة حركة الإبداع المصرى.. ووصولاً إلى الحق والحقيقة.
- بين النقد والفن
- يعد النقد التشكيلى.. بمثابة الموجه والمحفز والمرشد للإبداع.. وفى نفس الوقت المضيء على كل ما يحدث من تيارات ونزعات واتجاهات.. وهو الحارس أيضًا على تاريخ الفن.. بما يتسم من أمانة وموضوعية.
- ويعكس التاريخ لقوة النقد والذى من خلاله يزدهر الفن الحقيقى.. فهو الذى اكتشف عظمة الفنان الهولندى `رمبرانت` `1626ـ1669` بعد أن خبا ذكره عقب رسمه لوحة `عسس الليل`.. وأحجم المجتمع عن فنه طوال قرن من الزمان.
- وقد كان النقد وراء إطلاق المسميات والتعبيرات والمصطلحات.. خاصة مع ثورة الفن الحديث.. فعرفت التأثيرية حين استخدم أحد النقاد الجزء الأول من لوحة `مونيه` `تأثر: ضوء الشمس`.. كما أطلق أخر اسم `الوحشية `على أعمال `ماتيس` و`رووه` و`براك` و`ديران` فى معرض صالون الخريف الذى أقيم عام 1905.. فأصبح الاسم إيذانًا بالمدرسة الوحشية.. وناقد ثالث وصف أعمال `براك` بأنها ركام من المكعبات فنشأت `التكعيبية` التى أصبحت أعظم الحركات الفنية الحديث.. والتى جاءت بفعلها ورد فعلها بالمستقبلية والتجريدية.
- وقد كان لنقادنا الكبار مسؤولية الإضاءة على الإبداع المصرى والعالمى.. ما جعل لنا من مرجعيات.. ومن بينهم `أحمد راسم` و`رمسيس يونان` و`صدقى الجباخنجى` و`بدر الدين أبو غازى` و`مختار العطار` و`حسين بيكار` و`محمود بقشيش` وغيرهم.
- الرائد الأول
- إذا كان `يسرى القويضى` قد استشهد بعمل فنى لداوستاشى أنجزه وهو طالب بالفنون.. وقد تعرف عليه لقرب صداقته به.. إلا انه لم يعرض على متذوقى الفن.
- وفى كتاب `كناسة المرسم` للفنان عصمت الصادر عام 2017 لم يأت.. من قريب أو من بعيد فى بداياته الأولى.. عمله التركيبى الذى ينتمى للفن المفاهيمى.. وكان حديثه بالكتاب حول بداياته شاهدًا على ذلك يقول: `كنت قد أقمت معرضى الأول فى فبراير من عام 1962 بمدرستى الثانوية الزخرفية قبل تخرجى منها بشهر.. وضم المعرض 80 عملاً فى الرسم والتصوير الزيتى.. ولم يكتب أحد من النقاد عن معرضى هذا حتى ولا كلمة`.
`إما معرضى الثانى الذى أقيم بالاتيليه فقد ضم 150 عملا فنيا فى الرسم والتصوير الزيتى والنحت والطباعة.. إنجزتهم خلال سنوات دراستى الخمس بكلية الفنون الجميلة`.
- وجاء معرضه الثالث عام 1969 عن حرب 67 وضم 44 لوحة.. وحتى معرضه السادس عام 1974 فى التصوير الزيتى والرسم والكولاج والنحت.. بعد استقرار مصطلح الفن المفاهيمى الذى أطلقه `لويت` عام 1967.
- وفى عام 1975 جاء قوله: `فى مسيرتي الفنية جعلت من الأشياء القديمة خامة لها دورًا تشكيليًا كبيرًا.. ويضيف بما يعنى انه ليس الأسبق فى هذا الاتجاه التركيبى: `فصلاح عبد الكريم` استعمل الحديد الخردة.. و`رمزى مصطفى` صنع من الخامات المتوفرة فى الأسواق أشكاله وتراكيبه الشعبية.. و`عفت ناجى` استعملت الورق وكتب السحر فى لوحاتها العادية والمجسمة التى طعمتها ببعض القطع الأثرية القديمة وجلد التمساح.. إما أنا فكنت احتفظ بلعب الأطفال والعرائس المحطمة واعدت صياغتها فى أعمالى كما فى معرضى `الأشياء القديمة عام 1978 ومعرض `أشلاء فى زمن بلا عقارب` عام 1991. ومن هنا لم يكن الأسبق فى الفن المفاهيمى.. ولا رائده كما يقول `القويضى`.
- الفن المفاهيمى
- الفن المفاهيمى هو ذلك الفن المرتبط بأفكار ومفاهيم.. وهو موجود بطول التاريخ فى الفنون البدائية والفن المصرى القديم والفن الشعبى.. فالقناع الأفريقي يحمل معنى ومفهوم وله دلالة رمزية وروحية.. وطريق الكباش الذى يربط معبد الكرنك بمعبد الأقصر تحف به تماثيل لأبى الهول براس كبش.. بما يعد فنا مفاهيميًا.. والكبش هنا يرمز للإله آمون ويهدف إلى حماية المعبد.. وفى الفن الشعبى المصرى ينتمى تشكيل `صندوق الدنيا` إلى العمل الفنى المركب.. ومع ما يعرضه من خلال عدسة دائرية مكبرة.. يعد فى عمق المفاهيمى.
- ولوحة `غرق السفينة ميدوزا` للفنان الفرنسى `جريكو` والتى رسمها بين عامى 1818 و1819 تعد لوحة مفاهيمية.. بما تحمل من أفكار وقد جسدت مأساة الغرق من ضحاياها وتناولت حادثة حقيقية وقعت 1816.. وتعتبر`لوحة الحرية تقود الشعوب` للفنان `ديلاكروا` لوحة مفاهيمية.. والمعنى واضح بالطبع.. ولوحة `الجورنيكا` لـ`بيكاسو` لما تحمل من إدانة للتسلط والإرهاب.. إما أعمال الفنان `مارسيل دو شامب` من `الموناليزا` ذات الشارب واللحية والعجلة الدوارة والنافورة وغيرها فتعد أعمال مفاهيمية رائدة أبدعها فى العشرينيات من القرن العشرين.. وتلك بعض الأمثلة.. وفى مصر هناك أعمال مفاهيمية عديدة لعل أهمها أعمال الفنانة `عفت ناجى` رائدة التصوير المجسم.. و تعد أعمال `داوستاشى` صورة قريبة ومكررة بوحى منها.
- ما بعد الحداثة والمفاهيمى
ولكن ومع بداية الثلث الأخير من القرن العشرين.. بدأت ثورة جديدة فى الإبداع.. أطلق عليها ما بعد الحداثة أو ما بعد الصناعة.. فى أفاق اعتمدت على الوسائط المتعددة وتجسدت فى فنون عديدة ومتنوعة وهى فنون مفاهيمية تحمل أفكارا وبعضها يمثل برامج ومشاريع و`هنا ظهر المصطلح` وقال `لويت`: `ان الافكار وليس الإبداعات المادية هى جوهر الفن`.. وتمتد من التجهيز فى الفراغ إلى فن الأرض وفن الحدث وفن البيئة وفن الأداء `بيرفورمانس`.. وفن الجسد وفن المرآة أيضًا.. والعجيب إن تلك الفنون أصبحت أمرًا واقعًا ولها مساحة.. فى البيناليات الدولية والمحلية من بينالى فينيسيا بايطاليا إلى بينالى الإسكندرية الدولى وبينالى القاهرة الدولي وصالون الشباب.
- ومن روائع الفن المفاهيمى.. ما قدمه الفنان الفرنسى `ايف كلاين` والذى رحل فى عمر الزهور بداية الستينيات.. بعد أن أصبح اللون الأزرق أيقونته وأسطورة فنه.. وقد جعل موديلاته العارية المغمورة فى اللون الأزرق.. يتحركن على أنغام الموسيقى المنبعثة من فريق اوركسترا إلى كامل بملابسه الرسمية.. فى حين موديلاته يطبعن اللون الأزرق بأجسادهن على التوال.
- وكان الفنان `كريست` وزوجته `كلود` يقوما بتغليف المبانى التاريخية الشهيرة والشواطىء والإنفاق بما يعرف بالنحت البيئى.. وفى عام 1971 قدما مشروع وادى ستارة وقاما بتغليف شكل اسطواني ديناصورى ممتد فى فجوة بوادى البندقية وتكلف المشروع 14 ألف متر مربع من القماش البرتقالى. كما قاما بتغليف مبنى الرايخستاج التاريخى وهو مبنى البرلمان السابق فى الرايخ الالمانى والذى تعرض للاحتراق عام 1933 وتم ترميمه فى الستينيات.. ويعد الفنان الالمانى `جوزيف بويزمن` رموز القرن العشرين فى الفن المفاهيمى.. صاحب ترويض الذئب.
- الرائد الأول فى مصر
عن وعى وفكر اكاديمى.. وقد عاين ورأى وتأمل وواكب فنون العالم مع استيعابه للفن الشعبى وتأملاته فى روح الشخصية المصرية.. يعد الفنان `رمزى مصطفى` `1926- 2015`.. الرائد الأول للفن المفاهيمى وكان أول معرض مفاهيمى له عام 1968 بالمركز الثقافى التشيكى.. وقدم من خلاله تشكيل مصرى مجسم بعنوان `فتح عينك تأكل ملبن!!`.. وكانت مفاجأة أدهشت الجميع بالخروج على المألوف.. جمع فيه بين التشكيل والتجسيم والتصوير.. وتكررت معارضه بعد ذلك كما فى معرضه بقاعة باب اللوق عام 1973.. وإلى أعماله العديدة الحافلة بكل ما هو شعبى وأصيل بأداء عصرى.. من التوليفات من البيارق والمرايا والنقوش والزخارف وقلل السبوع.. كما يمتد عالمه إلى تشكيل التماثيل الفرعونية والإشكال المخروطية الإسلامية والمسلات بروح جديدة.. روح البوب أو فن الثقافة الجماهيرية بفلسفته التعبيرية وألوانه الفسفورية. فى تشكيل `سيدة` يبدو فى أوج سخريته وتألقه.. فيقدم فتاة ريفية قد تكون خادمة يطل نصفها الأسفل مرتدية رداء مزهر وحذاء وتحمل سلة من الخضار.. إما نصفها العلوى فينفرج عن لوحة مسطحة ذات إطار.. ينتهى من أعلى بطيور الريف.
- ونرى` متولى` عند `رمزى مصطفى` يطل راكبا دراجته وخلفه زوجته وتلفزيون جديد خلفهما بينما طفلته الصغيرة راكبة إمامه مشيرًا إلى مستقبل الجيل الجديد وتتنوع أعمال `مصطفى` كما فى تشكيله المجسم `الشرفة` الممتع بصريًا حيث تتدلى من أحبال الغسيل الملابس الحريمى الداخلية والخارجية.. مع قفص العصافير!. وله أيضًا عمله المركب السفينة.. والمصوراتى و`الكرافتة` التى تنتمى للتصوير المجسم ويشير إلى أن أصلها يرجع الى `كرواتيا`!.
- `السبوع `
- وناتى إلى ذروة أعمال `رمزى` `السبوع` والذى تألق فى عرض `ماذا يحدث الان؟`.. وهو تشكيل مجسم يقدم فيه مشهدًا كاملاً يصور الاحتفال بالمولود يوم السبوع.. حافل بمنضدة طولية تضم 16 طفلا فى أوضاع تشع بالبهجة والفرح بهذا الاحتفال.. وهى لقطة طبيعية بالفوتوغرافيا بطريقة القص.. وتقف ألام فى جانب حاملة وليدها ويكمل الصورة سيدات على الجانبين وتتناثر علب السبوع بالأرضية مع أحبال الزينة اللامعة والإبريق وكتابات بالحروف الملونة نقرا فيها `برجالاتك.. برجالاتك` ويكتمل المشهد بشريحة متسعة لمرآة حتى يتوحد المشاهد معه ويصير.. جزءًا من العمل.. ويشارك الأطفال فى الاحتفال بدقات الهون وإطلاق الملح والبخور.. وهكذا ينقلنا إلى روح الطقوس الشعبية.
- وفى العرض المفاهيمى `ولم لا`.. شارك `رمزى مصطفى` بتشكيل `عدوك أمامك`.. جسد من خلاله 12 شخصًا داخل فصل دراسى.. يجلسون على مقاعد أمام مرآه.. فى لمسة مسطحة بطريقة القص.. الوجوه مرايا صغيرة بيضاوية وعلى جانبى المرآه مسطحان بالأحمر البرتقالى حيث نقرا `عدوك أمامك` وهنا يتفاعل المتذوق مع العمل ويتوحد مع الشخوص حين يطل وجهه.. وهنا يحذرنا `رمزى` من النرجسية وعبادة الاّنا بإشارة داخل التشكيل تشير إلى `العابدون للشمس والذات`..والعمل بألوانه وتنوع مستوياته يحمل فى طياته معانى عديدة مع القيمة الأخلاقية.. وهو يحقق متعة عقلية وثقافية ووجدانية للمتفرج ومعه نقول `اتفرج يا سلام`.. وهكذا يكون الفن المفاهيمى.
- وبعد تلك كانت رحلتنا فى عقل وقلب ووجدان الفنان `رمزى مصطفى` رائد الفن المفاهيمى.. حتى لا يفقد النقد التشكيلى بوصلته.. وهذا من أجل الحاضر والتاريخ.. ومن أجل أجيالنا الجديدة ومستقبل الإبداع المصرى.. سلام عليه وتحية إلى فنه.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة ( 31-8-2021)
الفنان رمزى مصطفى( 1926 - 2015 ) وفن الفرجة الشعبية
- رمزى مصطفى فنان يصعب تصنيفه ضمن مجال محدد، فهو مصور ونحات وخزاف ومصمم ديكور مسرحى ، قدم فى كل مجال من هذه المجالات أعمالاً استحق عن بعضها جوائز قومية ودولية، مثل جائزة الدولة التشجيعية فى النحت عام 1975، والجائزة الأولى فى بينالى الخزف الدولى بالقاهرة 1992 ، وكان قد درس تلك التخصصات دراسة أكاديمية فى أكثر من دولة أوربية وأمريكية وأسيوية ، قبل أن يصبح أستاذاً بكلية الفنون التطبيقية ثم بأكاديمية الفنون ومعهد الفنون المسرحية.
- لكنه فى أعماله الفنية يزيل الحواجز عادة بين تلك التخصصات الفنية ، أو يجعل العمل الواحد يشتمل على المجسمات والمسطحات الملونة، فيجمع بين النحت والتصوير والتشكيلات الهندسية ، مستعينا بخامات غير تقليدية مستوحاة من نمط الحياة فى الأحياء الشعبية بمخزونها الجمالى والروحى ، قبل أن يتخذ هذا النوع من الأعمال الفنية اسماً محددا مثل ` العمل الفنى المركب ` أو ` التجهيزات الفنية فى الحيز`، مما أصبح اليوم نمطا سائدا فى حركات الفن ومحافله الدولية ، وأضحى السمة الغالبة، على أعمال الشباب فى صالونهم السنوى حيث يحصلون عنها على أكبر الجوائز، قدم رمزى مثل هذه الرؤى والتجارب بمصر واشترك بها فى بعض المعارض الدولية قبل صالون الشباب بعشرين عاما.
- وقد تعرض بسبب ذلك إلى كثير من النقد والهجوم والاستخفاف ، أو على الأقل : إلى النظر نحو أعماله بقليل من الجدية بأعتبارها أعمالاً طريفة تبحث عن الإثارة وتتملق أذواق العامة ... فأعماله تحفل بالمشاهد والعناصر المجسمة الشائعة فى الحياة اليومية ، مثل عربة اليد الشعبية لبيع المأكولات بكل زخارفها الفلكلورية المتوارثة ، أو واجهة محل فاكهى وقد رصدت فوقها أقفاص مملوءة بنماذج ملونة ، من الفواكه المختلفة مجسمة وملونة ، بل نراه يتمادى فيجسد الأشخاص ( إلى جانب أشيائهم ) وقد ارتدوا ملابس حقيقية، فثمة شخص يركب دراجة ويحمل خلفه جهازا للتليفزيون، وآخر يحمل مظلة أو سلالا من الخوص ... إلخ . وثمة عمل يجسد مصورا فوتوغرافيا جوالا بآلته البدائية ذات القوائم الثلاث والكيس الأسود ، والرجل يدس رأسه كله بداخل الكيس وأمامه الزبون يجلس ممتثلاً للتصوير، وبجواره دلو الماء وأدوات المهنة ، وعمل آخر لسنان السكاكين الجوال بعَجَلته البدائية فى الشوارع حاملاً مظلة ... كل ذلك مستخدما بعض النفايات والمخلفات القديمة أو مايصنعه محاكيا به الأنماط الفطرية والشعبية. وقد يتمادى أكثر من ذلك فيصنع أبراجا معمارية ضخمة تحاكى القلاع والمساجد، يُجملها بالوحدات الهندسية والعرائس والمزاغل، جامعا بين الماضى والحاضر.
- وبالرغم من اهتمامه بالشكل والجماليات البصرية، فإن أعماله عادة تهتم بمضمون رمزى أو برسالة سياسية، مثلما فعل فى أعماله بعد حرب اكتوبر 1973 وجسد بها بطولات الجنود وربطها بسياق تاريخى وحضارى ممتد، واستخدم فى هذا التجسيد مخلفات حقيقية من ميدان المعركة، من خوذات وأحذية الجنود ومن القنابل والصواريخ والشظايا وأكياس الرمل والأعلام والبنادق، وكثيرا مايجمع هذا المضمون الرمزى فى العمل الواحد بين المعنى ونقيضه ، ويضع المشاهد فى حيرة، وقد يعمد الفنان إلى ذلك هروبا من المساءلة والتصنيف السياسى وهو أخشى مايخشاه ! وربما اشتمل العمل على القيم المادية الاستهلاكية والقيم الدينية معا ، معبرا عن الروح الشعبية ( أو متقربا إليها ) تلك الروح التى تجمع تلك المتناقضات وتذيبها بمعدنها المحب للحياة وخفة ظلها وسخريتها المتوارثة.
- وفى معرض له عام 1993 اختار رمزى مصطفى موضوعا عاما لجميع الأعمال، وهو الحرية فى عالم متفجر بالصراعات والتناقضات، وقد أتاحت له تلك التناقضات فرصة كبيرة لممارسة هوايته الأصيلة فى السخرية والفكاهة المرة ، وفى استخدام كل ما يخطر على باله من خامات ومخلفات وعناصر مجسمة تحاكى الطبيعة وتثير الدهشة باكتشاف تناقضها وغرابتها فى الوقت ذاته، مكونا فى كل عمل مايشبه المشهد المسرحى بكافة عناصره بما فى ذلك الديكور والممثلين بأزيائهم الواقعية.
- فى أحد الأعمال نرى فتى وفتاة ريفية وقد جلسا ظهرا لظهر مستندين إلى عمود التليفون ، والفتاة تمسك بوردة تقطف أوراقها وتلقى بها ورقة تلو أخرى وكأنها تريد أن تعرف هل يحمها الفتى أم لا ، أما هو فيمسك بيده عصا صغيرة كأنما يهيء نفسه لدور ` سى السيد ` وفى الجزء العلوى من هذا العمل المركب نرى أسلاك التليفون ممزقة متهاوية كرمز لانقطاع الاتصال ، وقد تشابكت مع أسلاك الكهرباء ذات الجهد العالى، وفى وسطها تقف مجموعة من الحمام والعصافير تبدو كما لو كانت مصعوقة بالتيار الكهربى أو موشكة على ذلك.
- وفى عمل آخر نرى عجلة لحمل أدوات الشاى والطعام فى المنزل، لكن بدلا من ذلك وُضع فوقها قفص حديدى مغلق بداخله بضعة حمائم، وفوق القفص تراكمت رزم من الأوراق المالية من دول نفطية وأوربية وأمريكية ، وفوقها حشية مستديرة تخرج منها ذراع بشرية تطلق حمامة ... لكن .. هل تنجح اليد الحبيسة فى تحرير صاحبها المجهول من عبودية البنكنوت والنفط وهو يندفع فوق عجلة الاستهلاك المنزلية التى لاتعرف التوقف؟
- وفى عمل ثالث نرى العروس بنت البلد فى ليلة العرس ممددة بثوب زفافها وطرحتها فوق أريكة مذهبة من طراز لويس الرابع عشر وهى تنظر أمامها فى مرآة عتيقة من نفس الطراز، وبدلا من العريس الغائب نرى صورة فوتوغرافية لمطرب أمريكى وهى تتأمله بِوَلَه ، فيما نجد خلفها الفراش ذا الأعمدة المذهبة خاليا باردا يشكو الوحدة، وتظل العروس العذراء الممتلئة بالخصوبة محكوما عليها بالاكتواء بخصوبتها المكبوتة أو بإهدارها مع الحلم الأمريكى .
- وفى عمل رابع نرى تلميذتين صغيرتين بزى المدرسة تصعدان على سلم هرمى مزدوج وهما تطلقان الحمام فى الفضاء، فى إشارة للعلاقة الجدلية بين التعليم والحرية.
- وهكذا يتراوح مفهوم الحرية المسلوبة فى هذا المعرض بين الإنسان كضحية لحرية الآخرين فى ممارسة السلطة ونفوذ الثروة ضده ، لكنه يقاوم الضياع تحت آلتهم الذهبية ... وبين الإنسان كضحية لتمزق خيوط التواصل، أو ضحية للعيش فى الوهم الأجنبى بعيدا عن الحقيقة، فيما تبقى ممارسة الإنسان للحرية بشكل إيجابى هى فى التعلم وتحرير العقل.
- ولوكانت كل قيمة هذه الأعمال هى ماتحمله من مضمون رمزى ، لما استحقت أن توصف بالأعمال الفنية، إنما هى تستمد قيمتها من بنائها الفنى المركب من عناصر بنائية متفردة ، وهى تتخذ من المحاكاة للواقع ذريعة لصنع المفارقة معه وليس المشابهة له .. إننا هنا بإزاء أحد تفريعات فن البوب آرت ( الفن الجماهيرى) التى انتشرت فى أوروبا والغرب منذ الستينات بأشكال مختلفة، وقد تذكرنا بتيارات ومذاهب أخرى مثل الفن الإدراكى ( المفاهيمى ) والفن الفقير ` آرت بوفيرا ` وفن مابعد ` السوبر رياليزم ` ... لكن الفنان استطاع أن يمصر هذه الاتجاهات وأن يصلها بتيار شعبى ويغذيها، بحس فطرى مرح ، فيما يحرص على صنع مايشبه منصة المسرح البدائى والساحات المفتوحة، متيحا للعامة ممارسة طقس الفرجة الشعبية الذى تألفه الجماعات الريفية والحضرية فى احتفالاتها التلقائية، وتجعل منها مناسبة لممارسة نزعتها النقدية المقنعة للمجتمع وللمشكلات التى لايستطيع منها فكاكا ...
- إنها إذن نوع ` من فن الخوارج ` إذا جاز التعبير ، والخروج بالفن من صالونات النخبة إلى الجماهير والسخرية من حذلقتهم، دون ادعاء الرغبة فى التطهير والتسامى عن طريق الفن ، رغم قدرة السخرية على ذلك ، مع تحقيق المتعة عن طريق إطلاق طاقة اللعب الكامنة فى الإنسان ، وسيظل هذا أحد الأدوار الهامة للفن مهما تعددت أساليبه.
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب (الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
|