خالد سراج وانيتا توت : أربعة أذرع ورؤيتان فى جسد واحد
فى عرضهما لفن الخزفى بجاليرى ( أوبنتو) : خالد سراج و أنيتا توت ... أربعة أذرع ورؤيتان فى جسد واحد .
الزائر لمعرض فنانى الخزف (خالد سراج وأنيتا توت) المقام بجاليرى أوبنتو عليه ألا يتوقع رؤية خزف تقليدى او نفعى للاستعمال .. فالغالب على اعمالهما المشتركة رؤى حديثة للخوض الفكرى مع الخامة .. ومن قطعة خزفية لأخرى نستشعر انها جزء بصرى لمجادلة مسبقة كى تخرج الفكرة مرتدية وسيط جمالى كما رأينا فى العرض .. أما ما هو غير مرئى فى العرض لكن كانت آثاره واضحة أن خالد وأنيتا هما اربعة اذرع ورؤيتان فى جسدواحد امتزج والخامة الطينية فى مبدئها .. فهذا العرض ربما يكشف عن طاقة فكرية مستترة طى الطينة مصهورة مع اللون الخزفى المزجج .. ويكشف عن فكرة التحولات وتمازج الأفكار وهى تتحول أثناء طرحها من احدهما للآخر .. كأن العملية الإبداعية التى يقومان بها حالة ذهنية بمجرد التلامس والطينة وان الذهن يعمل على نفس الموجة بدليل ذلك التقابل الفكرى كالفن التفاعلى بين كائنين ثالثهما المادة الطينية ..
والمدهش ان تصميم قطعة واحدة هو عملية شخصية جدا فكيف كانا يشكلان معا .. وفى نفس الوقت العرض يعد مشهدا متاحا للغاية لتحليل تلك الحالة الفنية بين ثقافتى `خالد وأنيتا` المختلفتين ..
ولأجد فى عرضهما الرائع مظهر مرئى لذلك التلامس بين فن التشكيل النحتى والخزفى فى جسد الواحدة بين الاسطح الخشنة والملساء المزججة وليبدو العرض كله فى قاعات ` اوبنتو` كشبكة ذات شكل حدائى من خلال عمل تلو الاخر ..
العرض لم يقدم رؤية تقليدية معزولة للخزف بل بدا متعدد التعبير للفن البصرى من نحت وتجهيز خزفى وتحليل بنائى وتلوينى .. وبدا الاهتمام لإنتاج مفهوم القطعة الخزفية كما فى عملهما ميدان التحرير .. بتقديم عمل بناء تجهيزى أرضى مكون من عناصر تميزت بأنها غير متماثلة الأحجام .. وقد بدت مسرحته للعمل التجهيزى فى بنائية متعددة الأحجام لم تخدمها إضاءة صالة العرض التى كان من ممكن الإيحاء بالمشهدية وبالأبعاد وبالتباديل الممكنة للظل والضوء لخلق درامية تتسق والموضوع .. وقد بدا العمل التجهيزى المفترش أرضاً أكثر حميمية ربما لعودتها الى الارض كمخرج طبيعى لها ومصدر او امتداد لوجودها ..
وفى عرض (خالد وأنيتا) جانب كبير منه إعادة ضياغة للشكل الخزفى النحتى ودمج العقل بين اتجاهين للفن لخلق تركيبة جديدة بين رؤيتين وبين أطروحات عديدة للخزف المعاصر كلغة فنية بتراكيب عضوية كما فى عرض الأطباق المعلقة وما يوحى بالشخوصية لهيئتين فى حالات من التواصل بين مفردتين منفصلتين على الجدار كأن الندمير فى أحدهما وإعادة بنائه فى الاخر بدا كملامح لبقايا وجودى لشكل من اشكال التداعى البصرى بين حالتى الاكتمال والنقصان او كاستنساخ روحى فى الاخر .. كذلك امتلكاً قدرة التعامل مع المقطع الرأسى لأشكالهما ومثلما رأنيا العمل التجهيزى للميدان من منظور أفقى نرى أكثر من عمل من منظور رأسى فى رؤية للشكل الأقرب لمقطع طبقات جيولوجيا الأرض وكنمط شعرى معمارى تاركين مجالا لحيوية الحركة الداخلية ولذبذبات ما بين الطبقات من الخارج .. وقد بدت الأعمال الشرائحية الرائعة الملمس البيضاء اللون كطقبات هشة من الشرائح وداخلها ألقيا قطع مكعبات سوداء اللون تتساقط على تعدد المستويات .. ولأن المكعب يرمز الى العقلانية والملاءمة والتوقع ربما بدا وسط هذا الأبيض لتأكيد هشاشته .. وبدا هناك مراعاة للفراغ فى الاسطوانية المجوفة المنزوعة رأسيا من احد الجوانب ليصبح الفضاء الداخلى مثار تأمل داخل صمت الأبيض المطبق .. ومثلما للطين أفكاره الخاصة كذلك للون الأبيض الطينى يقود الرؤية الى الداخل بينما هو منفتح على الخارج .. وتبدو تلك الطبقات البيضاء المقطعية المتراكمة كأنها تتنفس كالطين حامل الفكرة الموحية بالحركة الداخلية وبتاريخه السابق حين كان تربة أرضية تتنفس بفعل الماء .. فالطبيعة مسيطرة فى تقنية الخامة وطريقة عمل الأرضى معاً .. وبحساسية أوحى الفنانان بتعرجات رقيقة فى الطبقات المتراكمة توحى بتمدد عضوى للشرائح فى تتابع كأنها مشاركة نشطة فى تحقيق أفكار فنانيها .. ربما يقيم الفنانان بناء تعبيريا له تاريخ حفظته تحولات الخامة .. وهذا التاريخ الذاتى للخامة أراه ضمنيا مثلما نراه على أعمال الفناني لأعمالهما الرأسية المقطع كالزمن الذى تستهلكه هذه الطبقات الأرضية الصخرية فى الواقع لملايين السنين حتى تكونت أرضاً .. لكن هنا بالخامة الطيعة يختصران الزمن ويجمعانه فى لحظة واحدة مكثفة فى قطعة فنية نفذت دفعة واحدة .
كثير من اعمال المعرض ملونة او مزججة والقليل أبيض اللون فى حياد بصرى .. أما الأعمال النحتية الملساء السطح فقد منحت الكائن الخزفى كثيراً من الصفاء .. وبعضها لو خدمته الإضاءة لأظهر تباين ناعماً وليس حاداً بين الضوء والظل .. فالتفاعل هذا ضرورى فى تشكيل الأشكال كنجاح الفنانين فى جعل كل قطعة خزفية حالة وبيان فنى مثل اى عمال فنى كلوحة أو كقطعة نحت شملتهم الحالة الخزفية انعكاس لفنون اليوم المعاصرة .
الأشكال فى مجمل العرض قابلة الاندماج بقوامها الطبيعى والأسطح التركيبية جامعة بين خصائص مختلفة تحقق حالة من الهدوء الحسى .. بينما السطح الخارجى من الطبقات أو الألوان المزججة تؤثر بنوع ما فى حالة التألق العاطفى .. لذلك داخل وبين القطع الفنية معا هناك القوة والكثافة العاطفية وفكرة تحدى الطبيعة الغريزى المتخفية وراء كل قطعة تم إنشاؤها من خامة الأرض الطينية .
فاطمة على
القاهرة : 6-2-2018