محمد عبد الهادى يحلَّق بين الواقع والأسطورة
- بلوحات ومجسمات نحتية بديعة
- شارك المصور النحات `محمد عبد الهادى` بلوحه هامه فى المعرض العام الـ42 الذى أفتتح بقصر الفنون بساحة الأوبرا وهى لوحته الأولى من خمس عشر لوحة من مشروعه الفنى `بساط الريح` بنفس العنوان الكاشف لمفهوم تخطى الأزمنه والأمكنه إلى حيث أرض الأساطير القديمة والتى جاءت فى لوحته بألوان زاهيه براقه كأنها لا تزال داخل لحظة زمنها القديم فلم يبهت البريق رغم مرور الزمن.. ليقف المشاهد امام لوحاته على حافة غير مرئية بين الواقع والأسطورة.
- المجسمات النحتيه التى إبدعها الفنان `محمد عبد الهادى` هى أيضاً أدواته للتحليق.. فالأجساد تنبت لها أجنحة أو تمتطى بساط ريح.. ولقواربه جناحان بدلاً من المجدافين.. حتى حين أنجز منحوتات مشروعه الفنى `موعد على العشاء` كان وحبيبته يمتطيان آلة إنطلاق لها أربعة عجلات لا يلامسان بأقدامهما الأرض.. وحين يرسم أو ينحت حيوانا يُنبت له أيضاً جناحان كتمثاله البديع `جسد كلب بجناحين` وله وجه إنسان.
- ويبدو أن`عبد الهادى`عاشق ومتعايش وحضارة الآشوريين القدماء وهم أوائل من حفروا ونحتوا الحيوانات المجنحه كـ`الأسد المجنح` برأس بشري وكذلك `الثور المجنح` الذي نراه أيضاً في بلاد فارس.. ويعتبر`بيجاسوس` فى الميثولوجيا الإغريقية من أشهر وأحب الخيول المجنحه فى الأساطير جميعا.
- ورغبة التحليق المبدعه لدى `عبد الهادى` جعلت رمزياً إهتمامه بأجنحة البشر وأيضاً بالقدمين رمزاً للتمكن من الأرض والسماء معاً.. وأيضاً أجنحته هى أداته للإنسلاخ المادى من الجاذبيه الأرضيه معوقه الجسد.. وأيضاً هى حلم ذاتى ربما كحلم `إبن فرناس` الأندلسى ومحاولته الطيران..ولا ننسى الأسطورة الأغريقية الأشهر `سقوط إيكاروس` التى رسمها فنانين كبار عبر العصور تأثراً بالأسطورة منهم: `بروجل` و`روبنز` و`ماتيس` و`شاجال` والنحات `إمبرواز` و`كانوفا` و`الفريد جلبيرت` و`فريدريك ليجتون`.. ليصورا فى أعمالهم الفنية لحظة سقوط `إيكاروس` حين طار بجناحيه من الريش والشمع فأذابتهما الشمس وسقط حلماً فى البحر.
- منحوتات `عبد الهادى` تتعامل مع الجناحين كجزء عضوى من الجسد ليس بهما تهدل بل فى وضع استعداد دائم للتحليق ناشرا جناحيه حتى فى لحظات التقاء أو وداع لحبيبته.. وكأن الجناحين فى منحوتاته تعمل كحمض نووى لشخوصه.. مثلما أثرت تجارب الجينات الوراثية على فنوننا المعاصره لكثير من الفنانين حول العالم.
- والتأثر بالأساطير القديمة كثيراً ما يستند إلى الخرافات أو الكائنات الغريبة.. كما نرى فى لوحة `عبد الهادى` `بساط الريح` وقد تصدرها كائن هجين معروف فى الأسطوره بإسم `القنطور` وهو هجين بشرى نصفه الأعلى الأمامى لانسان والرأس لبشر وساقيه ينتهيان بحافرين ونصفه الآخر لحصان مع ساقيه الخلفيتين.. وترجعه الأسطورة إلى جبال تيساليا وأركاديا كمخلوقات جامحه جامعا لقوة الجواد وحكمة الإنسان.. وفى اللوحة يبدو مودعا حبيبته.. ومعه رجلان يتعجلونه يعلوهما كائنين أسودين بجسدين بشريين يحلقان بأجنحتهما.
- يقول الفنان `عبد الهادى`: ` أحب الحضارات القديمة جداً بحب خط الأرض الأفقى فى لوحات المصرى القديم وبحب خشونة وملامس فن بلاد ما وراء النهرين الآشوريين.. وأنا عندى خلطة من تراث وحكايات اللى بنعيشها وحكايات اللى حولنا ممزوجه خيال وفكر وأداء`.. وبالفعل ندرك فى أعماله قدر هائل من الخيال والميراث الفكرى والأداء المبدع وثراء التفاصيل..
- ولأنه متسق مع نفسه أراه فى لوحاته ومنحوتاته يسرد نفسه دون إفتعال ودون ان ينفصل عنها كجزء من الأسطورة فى يسر وبساطه ليتخذ لنفسه موقع فريد ودور مهم.. ففي بعض الأحيان تكون الأعمال الفنية هي السجل الوحيد الباقي لما تؤمن به ثقافات قديمة.. ليأتى الفن يضيف إلى فهمنا للأسطوره عبر أشكال الإبداع في الرواية والقصيده والمسرحية والموسيقى والأوبرا والرسم والنحت.
بقلم : فاطمة على
مجلة : آخر ساعة ( 24-8-2023)