طارق شعبان الكومى سلام
طارق الكومى ...حلول مختلفة
- تأتى منحوتات الفنان طارق الكومى كواحدة من الأعمال التى تتسم بالاتزان المقرون بالمعاصرة والتجديد وكذلك التشكيل المتأرجح بين الأصالة فى القواعد والمعاصرة فى التناول . كما تميزت أعماله بتلك المسحة الأكاديمية والتى يحرص على وجودها فى جنبات منحوتاته مهما تطرق لمحاولات معاصرة لصياغة رؤيته ومفهومه ويعبر من خلالها عن وجهة نظره تجاه قضايا طرحه وتأتى تجربته الأخيرة مزيجا ما بين تكنيكياته التى يشتهر بها وبين تناول جديد للتقنية والخامة تمثل فى خمسة من المنحوتات التى اتخذت من التجريد أسلوبا ذو مذاق مختلف وذو خامات لم نعهدها فى أعماله التى غالبا ما كانت تتخذ من التجريد الكلاسيكى أسلوبا سواء على مستوى الخامة أو على مستوى المفهوم .
- كما اتسمت تجربته الجديدة والتى ضمت القطع الخمس الممثلين لتلك الإرهاصة الناجحة والتى تناول فيها حلول السطح بشكل جديد ومغاير أضفى على الأعمال مسحة من التجريب الناجح . كما أتاحت له صناعة تلك الدراما فى العمل وأضحت أعماله تحتمل التكوين من خلال عرضها مجتمعة وكذلك تحتمل الفصل بأن تعرض كل منحوتة على حدة دون الشعور بانتقاص التكوين كما أتاحت له تلك التجربة الجديدة مساحات أكبر فى عمل إسقاطات مفهومه عنها وذلك من خلال المزج بين خامات مختلفة فى المنحوتة الواحدة والتى ساهمت بشكل كبير فى وضوح شكل التجديد لديه فقد جاءت ثلاثيته والتى مثلت التمثال الجالس أو الملك وتمثال السيدة الواقفة وتمثال رجل الدين وهم من خامة البوليستر الذى تكسوه صفائح النحاس الأحمر المطروق فى عدم انتظام ما بين بارز وغائر وتثبته مسامير الألومنيوم فى انتظام تارة وعشوائية تارة أخرى لتبدو كنقاط ترصيع موظفة على المستوى التقنى والمستوى البصرى وتلعب دورا فى كسر سيطرة صفائح النحاس الأحمر وسيطرته على كامل السطح وذلك من خلال نقاط الألومنيوم الفضية.
- كما جاء لوح الحديد فى خلفية كل تمثال ليضفى على الكتلة اتزانا بصريا ويصنع علاقات مع المنحوتة وكذلك علاقات مع الخلفية أما على مستوى الإسقاط والمفهوم ..فقد جاءت الأعمال الثلاثة غاية فى المفاهيمية وإن كانوا قد حملوا إسقاطا ذو علاقة وثيقة مستوحاة من التراث التاريخى للممالك الشرقية بشكل عام والحضارة المصرية بشكل خاص .. والتى يلعب فيها رجل الدين ذلك الدور الموازى لحياكة الدساتير وتفصيل القوانين وإضفاء الشرعية على حكم الملوك فجاء تمثال رجل الدين واقفا أمام ذلك الحائط الحديدى والذى يمثله الدين ولكن ذلك الجدار فى تمثال/ طارق الكومى يقع خلفه حالة من الفوضى المستترة والتى مثلها بقطع من الخردة المتراصة عشوائيا وتحمل حالات من متفاوتة من الصدأ وكأنها تنطق بفساد ما داخل النفس ولكن ظاهره هو واجهة هذا الحائط الحديدى الذى يقدسه الجميع لأنه الدين والنموذج تاريخيا تكرر عشرات المرات ولا أدل على ذلك من قصة الميلاد الإلهى ( للملكة حتشبسوت ) والتى حاكها لها رجال الدين ليضفوا تلك الشرعية على حكمها .. وكذلك قصة الميلاد الإلهى للفرعون (أمنحتب الثالث ) والتى حملت نفس الغرض وساهم فيها فساد بعض الكهنة بدورا كبيرا لقد استطاع / طارق الكومى أن يصل إلى هدفه ويوصلنا معه إلى مفهومه وإن فسره الجميع كل حسب ثقافته وتدينه .. لقد وضع لنا النموذج وترك لنا القياس ولكن يبقى له نجاح تجربته على عدة مستويات منها ما له علاقة بالتقنية والتكوين ومنها ما له علاقة بالإسقاط والمفهوم إلا أنه حافظ على تلك النسب التى عاهدناها فى أعماله وكذلك على مسحة الأكاديمية من خلال أوضاع تشريحية مريحة بصريا وإن داعبته التجريدية فى بعض الأحيان إلا أنها لم توجد خلالا بصريا فى أى من تماثيله حتى عندما قام بعمل إزاحات تجريدية فى رأس أحد تماثيله والتى تمثل رجلا واقفا لم تؤدى تلك الإزاحة إلى فقداننا الإحساس بانطباعنا عن ملامح وجهه .. وكذلك فى تمثال السيدة الواقفة (الذى يمثل سيدة فى حالة ورع وخشوع ) والمنفذ بنفس التقنية جاءت اختزالاته سواء على مستوى الكتلة أو على مستوى التفاصيل غير مملة وغير مبالغ فيها واستطاع من خلال تذهيب غطاء رأسها الذى أتخذ شكل الحجاب أن يعوض تلك القوة التى أستعرضها فى تمثال الكاهن أو رجل الدين ..
- وفى المجمل فأن التجربة الجديدة لطارق الكومى والتى أستعرض ما أعتقد أنه لمحة منها من خلال تماثيله الخمسة جاءت قوية وكاسرة لملل داخله ومتوجة لمحاولاته فى التجديد لأسلوبه وتطويره على نحو أسعده بدليل أنه بادر بعرضه.. وكذلك على نحو أسعدنا فصنع لدينا تلك الصدمة الإيجابية والتى جعلتنا نتوقف أمام الأعمال الخمسة ونتفحص أسلوبها ومستجدات التقنية لديه ونتساءل عن الخامة ونستعرض هذا المزج المريح غير المتضارب فى خامات عدة ..
- أما تمثال العناق فقد ارتأيت من وجهة نظرى أنه واحدا من أنجح القطع النحتية فى عرضه وإن كان أصغرها حجما وأقلها كتلة إلا أنه مثل فيه حالة العناق فى نعومة بالغة وسلسة وغير مفتعلة وشعرت فيه بعمق مفهوم الاحتضان لديه ورغم تفوق كتلته فى نصفها الأعلى على النصف الأسفل إلا إنها لم تؤثر على اتزان العمل سواء على المستوى البصرى أو على المستوى الفعلى للثبات وجاءت نعومة الملمس فى القطعة لتؤكد المعنى والحالة فى أن واحد ولم تحمل تلك القطعة أى نوع من المبالغة أو الإسفاف واتسمت بالنجاح الغير محسوب مسبقا.فكان العمل قطعة فنية مجردة وكان من صنف السهل الممتنع .
- كما جاءت منحوتاته التى تمثل مجموعة من الشخوص المتلاصقين فى عناق متراص وملحمى وذات رؤس تشبه رؤس الطيور متطلعة لأعلى وكأنها تهم بالطيران من القطع الملفتة للنظر والتى استعرضت حالة من حالات التكوين المركب فى العرض كما ضم عرضه استعراضا لمجموعة من الأعمال التى أستعرض فيها حالات الإزاحة الموظفة والمرتبطة بمضمون كل عمل على حده وقد ذاد العرض فنيا من عدم اهتمام طارق الكومى بالتدقيق على فكرة البتائن وأهتم بها بشكل نسبى تفاوت من قطعة لأخرى حسب ما يضيف للقطعة بشكل انعكس بالإيجاب على العرض بشكل عام رغم استطاعته الخروج بها فى استعراض لتقنياتها وقد ظهر ذلك واضحا فى تمثال ( المتأمل ) والذى يمثل رجلا مصريا جالسا فى إتكاءة تأمل وهو من أنجح القطع التى جاءت بالعرض وجاء تجريدها غاية فى العمق رغم بساطته إلا أنه خدم فكرة التناول لدى المتلقى وفتحت له نافذة اختيار الانطباع الواقع فى نفسه عن شخصية وحال الرجل الجالس وجاءت جلسة الرجل الرصينة والتى أضفت على العمل نوعا من الهيبة ..
أما الحلول الخاصة بالكتلة فقد جاءت من أنجح الحلول والتى نتج عنها تلك العلاقات الناجحة بصريا لمفهوم الظل والنور رغم تفاوتها بين الخطوط الهندسية المنحنية والخطوط العضوية وجاءت بساطة التجريد فى (البورتريه الخاص بالعمل) من أنجح حالات التجريد فى وجوه شخوص أعماله لما حملته من مسحة تعبيرية مرنة تقبل التأويل وتأتى بساطة (البينة) حيادية لا تلهى المتلقى عن تأمل ما جاء فى العمل من مفهوم ومغزى .
- وأخيرا جاء نموذجه لتمثال السيدة الجالسة كقطعة كلاسيكية أكاديمية النسب وتجريدية الحلول والتناول جاءت لتشعر المتلقى بتلك الحالة الكلاسيكية التى تنتابه عند استعراض منحوتات بشرية فأغفل الذراعين وأبرز النهدين ومر بالجذع مرورا أكاديميا ناعما إلا أن الحلول الخاصة بالرجل كانت ككتلة مشابهة لما تأتى عليه أرجل المومياوات المكفنة إلا أن وضعيتها فى حالة انكسار الجلوس . وفضل عدم إتمامها ليحدث حلاوة النسبة والتناسب فى الكتلة ويصنع تلك الرشاقة التى تعشقها عين المتلقى فى تناول نموذج المنحوتة البشرية..
- لقد جاء عرض طارق الكومى من العروض الناجحة والقوية والتى حملت طرحا جديدا وتجريبا نحن فى أمس الحاجة إليه سواء منه أو من غيره من الفنانين لقد أذاب الملل الناتج عن رتابة تكرار نفس الأعمال لدى البعض من الفنانين ، وفتح لنفسه بابا من أبواب التجريب الذى أتوقع أن يحدث لديه ولدينا فارقا وتنوعا فى أعماله والتى طالما أخبرتنا وأقنعتنا بأننا أمام نحات ذو قدرات وإمكانات كبيرة .
ياسر جاد
جريدة القاهرة
النحات طارق الكومى : أسعى لتقديم جملة نحتية جديدة
- يؤمن النحات طارق الكومى بضرورة امتلاك كل فنان جملة خاصة يقدمها للمتلقى حتى وإن تأثر بالآخرين، قدم «الكومى» مؤخرا معرض «الحياة»، بجاليرى ضى والذى رآه النقاد بداية لتجربة جديدة تحمل نوعا من التحدى، فضلا عن أسلوبه الذى اتسم بالتلخيص والصرامة دون الإسهاب فى التفاصيل على السطح، كما غاص من خلال ثنائية «الرجل والمرأة» فى أعماق النفس البشرية باحثا فى ملامحها الإنسانية مستفزا ما بداخلها من طاقات إيجابية.
القاهرة التقته على هامش معرضه الأخير فى حوارها التالى..
يحمل المعرض الجديد للكومى والذى ضم 30 عملا نحتيا اسم «الحياة» حيث يشير إلى اعتماده على المرأة والرجل كتيمة المعرض باعتبارهما اساس الحياة. ومن ثم يقدم ثنائيات بينهما فى مراحل مختلفة من الحياة والعلاقات الإنسانية مجسدة فى هذا المعرض.
كما يتبع فى المعالجة التشكيلية التبسيط والاختزال كأسلوب أقرب إلى التجريد وفى نفس الوقت يعتمد على الطاقة المكنونة داخل الكتلة إذ يرى أن هذه الآلية تصنع نوعا من الحالة الديناميكية. بمعنى انه ينطلق من الكتلة لكى يسيطر على الطاقة داخل العمل فيتم نقلها للمتلقى فتصل الرسالة.
وقد استخدم عنصر الثنائيات كثير من الفنانين سواء حيوان وإنسان- طائر وإنسان- إنسان وإنسان وهو ما يدعو إلى التشابه بينهم إلا أن الكومى يقول: قدمت بشهادة معظم الحاضرين لافتتاح المعرض حالة مختلفة تماما، رغم أن هذه منطقة صعب الدخول لأنها منطقة من قديم الأزل وحدث نوع من الدراسة والبحث للثنائيات. ومن يدخل لهذه المنطقة لا بد أن يقدم لغة جديدة. وأعتقد أننى إلى حد ما استطعت أن أقوم بذلك من أننى أقدم لغة تشكيلية وبصرية جديدة من خلال الصياغة الأكاديمية التى أصل بها للتجريد العالى فى العمل. لخصت الشكل الأكاديمى إلى أن وصلت إلى تجريد الملامح الإنسانية.
أكد عدد من النقاد أن معرضى «الحياة» و«ملامح إنسانية» بمثابة بداية لدخول تجربة جديدة فى مسيرة الكومى ومن ثم يعلل ذلك قائلا: التجربة الجديدة تكمن فى تعاملى مع خامة النحاس الأحمر خلال طرقة على السطح بمعرضى السابق. فالنحاس عندما يوضع فى النار يعطى الوانا تتراوح بين اللون الوردى والأسود فأبدأ بتصنيع باليته لونية جديدة أستمتع بها. لأنى أشعر بأنى اقدم تصويرا على عمل نحت. فضلا عن ان دخول خامة الحديد على العمل منحته ثراءً كبيرا.
* يكمن التحدى فى صياغة ما يجول بخاطر الفنان فى جملة نحتية، ولكن كيف عبر الكومى عن فكرته خلال صياغة شخوصه؟
– يجيب: نحن كتشكيليين لغتنا بصرية، وهو ما يستدعى البحث الذى يعيشه الفنان بحياته. كان يشغلنى دائما كيفية التعبير عن الفكرة بحيث يكون الشكل والمضمون فى حالة هارمونى حتى لا يطغى أيا منهما على الاخر. لأنه اذا حدث وطغت التقنية والحرفية على الفكرة يتحول الفنان هنا إلى صنايعى. وتكون مشكلة كبيرة. لذا لا بد ان يتمتع الفنان بوعى شديد. كثير من الفنان يكون لديهم شحنة وجدانية عالية وليس لديه القدرة على آلية التعبير والسيطرة على أدواته أو العكس، وقد شغلنى عملية التوازن وهو التعبير بطريقة السهل الممتنع. وهذا يساعدنى على احتواء الطاقة داخل اعمالى، لان «الرغى» الكثير والاسهاب فى التفاصيل على السطح ليس من صفات الفنان التشكيلى ربما يكون لغة الأديب. لكننا لا نعتمد على مساحة كبيرة من السرد. وهنا تكمن صعوبة التناول.
سمة فلسفة معينة سعى إليها الفنان من تنوع الخامات والتقنية والاحجام إذ يرى أن التنوع شىء طبيعى فى معرض متكامل. لا بد أن يكون هناك إيقاع بين الأعمال وهى متراصة مع بعضها.
ويستكمل: أيضا لا بد ان يكون هناك نوع من التفاوت بين الاحجام، لأنه هذا يعطى حالة من التناغم. وقد رأيت كل عمل على حدة كما رأيتها معا مكملة لبعضها. كما عملت بخامات مختلفة لأن لكل خامة معطياتها وطاقتها وإشعاعها الخاص. وكذلك التلوين فكل لون له مدلوله وتأثيره لدى المتلقى على حسب مفاهيمه للون.
كثيرا ما يحدث حالة من التأثر بفنانين أكبر عمرا حيث يرى الكومى أن هذا التأثر شىء طبيعى ولكم المهم أن يكون لدى الفنان جملته الجديدة التى يقدمها للمتلقى. ويضيف: ثم اننا جميعا تأثرنا بالمدرسة الكبيرة، النحات المصرى القديم. ابحث فى حالة الشكل أو الأستيك التى من خلالها استطيع أن قدم حالة دينامك وهى حالة صعبة لايستطيع أى فنان أن يقدمها. فكرة أن العمل بسيط غير معتمد على المكملات التى تصنع إبهارا بصريا. عندما أقدم تفصيلية يكون لها مبرر. فكل خط أقدمه يكون محسوبا ولذا أستمتع بعملية الاختزال.
سمة تحد كبير يواجه النحات يحاول بشتى الطرق التغلب عليه وهنا يوضح الكومى ويقول: التحدى الصعب بالنسبة لى منذ تخرخت عام 1985 هو أننى مطالب بتقديم أعمال تحمل انتاجا جديدا بالنسبة لى ولجمهورى. الفنان لا يريد أن يوضع فى قالب واحد لفترة طويلة، التحدى يكمن فى تقديم الجديد وهو ليس بالأمر السهل لأن وراءه فكرا وتجربة ثقافية ومعرفية ومن هنا يكون الفنان فى حالة قلق وتوتر وبحث دائم عن الفكرة.
سماح عبد السلام
القاهرة - 2017/3/21
الإدراك التحليلى الشمولى بمنحوتات الكومى
- علاقات ناعمة متوحدة .. وشوشات المحبين حين تتلاقى أرواحهم فتخزل كل شئ فى مشهد واحد ترى فيه الحكتاية كلها .. تظهر تفاصيل المشهد فى خطوط تذوب بين كتلتين تؤكد بإستحياء الملامح ، وتحرك الساكن ، وتكشف أسرار وفلسفة النحات طارق الكومى فى معرضه المقام بقاعة ` ضى ` بمنطقة المهندسين بالقاهرة.
حين تشاهد أعمال طارق الكومى يكون الموضوع هو المحرك الأول فى معظم الأعمال التى تناول فيها الحالة العاطفية والتوحد بين الرجل والمرأة بقدر عال من الرقى والنعومة التى تحرك الحالة الحسية لتكون مدخلك الأول لمنحوتاته ، والتى تشعرك للوهلة الأولى بقيمتها الفنية والجمالية حين ينتقل بصرك على أجزاء العمل ككل ، والذى يؤهلك لاستكشاف وتحليل التفاصيل والعلاقات المتماثلة والمتآلفة والتى تبدو واضحة ومتجانسة فى تشكيلاته مما يفتح مجالات واسعة لرؤية العمل من الناحية الذهنية وتفسير الجوانب الفلسفية والفكرية التى بنى عليها .
وقد أهتم الكومى بأن ترى الحركة فى أعماله على مرحلتين . المرحلة الأولى تظهر على السطح فى علاقة المساحات بعضها ببعض ، وهذه الحركة تبدو ناعمة ورقيقة وهادئة . الإ أنها تسلمك للمرحلة الثانية وهى الحركة الداخلية التى تتخيلها من خلال الحركة الظاهرة والتى أكدها فى التلاحم والوحدة ، والتى تأخذك لقوة الفعل الداخلى الذى أنتج الفعل الخارجى الذى تحدى السكون فكانت الأفكار والحركة بشكلها العام محملة بالمشاعر ومدلولات الذات .
انشغل الكومى بتكثيف الرؤية على الكتلة ، وجذب الانتباه والتركيز فيها ، وكان الفراغ محاورا ثانويا ، وأعتقد أن هذا الأمر جاء بقصد من النحات بخلاف العلاقة المتبادلة التى نراها بين الكتلة والفراغ فى أعمال نحتية مثل أعمال النحات العالمى هنرى مور على سبيل المثال . فالكومى دفعك للبحث فى داخل التمثال وفى العلاقات الداخلية التى تراها من وراء الحركة الخارجية وبالتشكيلات والأوضاع التى نراها ونحسها من خلال إدراكنا التحليلى ثم الشمولى للعمل . وهى حركة جدلية تجعلنا نغوص فى تفاصيل هيأنا الفنان لتخيلها واكتشافها ، وهذه إشكالية تحتاج قدرا كبيرا من التحدى والتركيز ، وإطلاق الخيال لعمق العمل ، ونجاحها يتوقف على وعى وثقافة الفنان التى أثبتها الكومى .
والنحات طارق الكومى مواليد المنوفية 1962 ، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة وكان الأول على دفعته بالنحت الميدانى عام 1985 ، وهو أحد أبرز النحاتين المعاصرين فى الحركة التشكيلية المصرية ، وحصل على العديد من الجوائز ؛ بدأها بالجوائز التى اقتنصها فى معظم صالونات الشباب التى شارك فيها ، واشترك فى العديد من المعارض الدولية والمحلية . منها بينالى فينسيا عام 2007 ، وسمبوزيوم أسوان الدولى ، وسمبوزيوم مطروح الدولى ، وفاز بجائزة النحت فى بينالى مسقط الدولى عام 2000 ، وجائزة الدولة للإبداع ، وجائزة الدولة التشجيعية ، وجائزة تجميل دار الأوبرا ، وله العديد من الأعمال الميدانية أبرزها تمثال أم كلثوم فى حى الزمالك وتمثالا عبد الوهاب وأم كلثوم فى دار الأوبرا المصرية .
د/ سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون : 2017/3/25
|