`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
صفوت عباس فهمى
من كتاب ..لوحات تسر الخاطر
- وكلمة `الدراما ` لصيقة بأعمال عباس وبخاصة لوحات الوجوه والوجوه التى يرسمها `وجوه تعبيريه ` يحاول فيها من جديد أن يقصى `السطح المبهرج ` كى يبين كم فى النفس الداخلية من صرعات وتمزقات وبراكين .. وهى من خلال الاثر الذى تتركة هذه الوجوه التى تتضح بالمعاناه فى نفس المتفرج .
- فهو عندما يقف أمام وجوه صفوت عباس يسرى فيه رويدا رويدا احساس يظل يطاردة حتى بعد أن يبتعد عنها . وهذا الاثر هو الذى نسميه بالجمال الفنى .. بقى فى النهاية أن نتحدث عن اللوحات التى نتضمن ايماءات لعلاقات انسانية وهذة تشحذ التفكير لتامل التطور الذى يسير اليه صفوت عباس مستقبلا انها علاقات بين شخوص بشرية مشوبه بصبغة سريالية تنقلنا الى عالم بشرى ولابشرى معا ... لقد غمس صفوت لوحاته فى ضبابية توحى ولاتفصح وهو ما يجعلها مقبولة من القلب والعين والعقل معا .
د. نعيم عطية

التخلص من العنف عن طريق الفن
معرض صفوت عباس في أتيليه القاهرة
- معرض لافت اقامه الفنان صفوت عباس حديثا بأتيليه القاهرة لمجموعة من اعماله التي نفذها في الفترة الاخيرة. وقد حظي المعرض باهتمام الفنانين والمشاهدين والنخبة المثقفة.
- وفي لوحات المعرض تبرز هموم الانسان في وجوه وتكوينات بشرية تواجه المجتمع والحياة بكل الحكمة والصبر اللذين تميزت بهما الشخصية المصرية منذ اقدم العصور، وقد قمت من جانبي بمتابعة اعمال الفنان صفوت عباس في معارضه في الفترة السابقة وصولا الى معرضه الاخير مدركا لأهمية ما يقدمه لنا في اخلاص وحب، وظهر لي منذ اللحظة الاولى انني امام فنان مثقف ومفكر ينفق حياته بحثا عن موسيقية الخط وتغاير الملمس وتوافق اللون، ويرافق هذه الابعاد الجمالية في لوحاته قدرة ساحرة على اظهار المضمون الذي يقصده، كما انه يصور لنا شخوصه من الداخل مما يجعل الرؤية اكثر تجاوبا مع المعروض، كما استطاع بحس راق ان يحول الرموز غير المباشرة الى واقع فني يختلف عن محاكاة الطبيعة.
- تنقسم لوحات المعرض الى مجموعتين `مجموعة الوجوه ـ بورتريهات` و`مجموعة تتضمن اشكالا بشرية تمثل المرأة في حالات مختلفة`. والمجموعة الاولى لها من الاتساق والتوافق في ما بينها ما يزيد على الاختلاف، وهذا لا يقلل من اهمية كل منها على حدة، ولكن العيون السوداء التي يحركها الفنان قليلا لأعلى أو اسفل موضع العيون في الرسم الاكاديمي تجبر المشاهد على التعاطف مع نظرتها الحانية في خضم هادئ من الالوان الدافئة، بينما تبرز ملامح الوجه سواء كان مستديرا أم مستطيلا محاطة بشعر اسود غير منتظم، ويحمل الوجه رقبة طويلة فيها شموخ ورفعة تكتسبها من درجة اللون البراقة الواضحة، وينعكس كل هذا على التكوين وارضية اللوحة التي تكاد تمثل جزءا مهماً من التكوين العام. ان المرأة في لوحات البورتريه هي امرأة مغلوبة على امرها تطمح للخلاص بصمتها الساجي حيث الشفاه رقيقة ومضمومة وابتسامتها الشاحبة التي تنقل للمشاهد احساسا مريرا بالسخرية. انها المقاومة السلبية التي يعبر عنها صفوت عباس برقة شخصية، انه يستخلص لنا وجوها من زحام المدينة ويقربها منا لكي ننتبه ونشارك في الفعل العام، فالحياة كما يراها ليست صراخا أو صخبا، ويلزم للتعبير عن شرورها ان نعكس هدوء البشر.
- ان التكوين المتفرد للفنان صفوت عباس بالاضافة للتكوين الشخصي هو الذي يدفعه لتكثيف رؤاه وتأكيد رأيه في ضرورة الخلاص من العنت الانساني والانطلاق الى آفاق الحرية بشكلها المطلق.
- ويبتعد بنا صفوت عباس عن كل ما هو غرائزي حيث يبرز انوثة المرأة في صورة خصبة تدفع بنا للأمل في وطن رحب يعيش فيه الفنان مع مجتمعه في تجانس واستقرار `المجموعة الثانية`. ومن الضروري هنا ان اشير الى ان الفنان متسق مع نفسه ومع لوحاته، فكل منهما يعبر عن الآخر بوعي فني قد يصل بنا الى درجة حالمة وحالة من الهدوء المشوب بالحذر. والفنان الذي ولد ابان فترة الحرب العالمية الثانية (1939) ونشأ في بيئة مصرية خالصة وعاش فترات المقاومة للاحتلال الانجليزي لمصر وصعود الحركة الوطنية المصرية في مواجهة القهر وشارك في كل هذا بالفعل الفني مستخدما الالوان والاقلام والفراجين في تسجيل المعاناة والشعور بالضياع، منتصرا للانسان والانسانية، فهو شخصية صلبة ذات مظهر هادئ ومطمئن، ولكنه بإنتاجه يخلق حالة من القلق والتوتر، دافعا بنا الى آفاق اكثر عذوبة ونقاء، ساعده في كل هذا الانجاز اهتمامه بالثقافة بشكل عام وتوج تجربته في العمل بعد خروجه من سجنه (1947) واصبح اكثر صلابة وقوة واتخذ لنفسه طريقا لم يحد عنه وان استفاد من تجارب من عاصرهم من الفنانين واصحاب المدارس الفنية في العالم واستلهم روح اعمال البعض منهم ولكن بأسلوبه الفني المتميز، فنان ابتعد عن الاضواء عامدا واخلص لعمله فأجاد وأصبح واحدا من اهم الفنانين المصريين، حيث تصنع الوانه وخطوطه ومضامينه ميثاقا بينه وبين المشاهد قوامه الاحترام والتقدير.
بقلم : محمد الشربينى
جريدة الشرق الأوسط السعودية نوفمبر 2000
صياغة جديدة للواقع
- صفوت عباس فنان من طراز خاص. به من`التعبيريين` المبالغة ورمزية الألوان ومن` السرياليين`الأغراب والأوضاع اللامعقولة وانطباعات الأحلام والكوابيس والأفراط فى الذاتية. ومن `التجريديين`رؤى لا موضوعية فى خلفيات لوحاته.إندماج هذه الإتجاهات أسفر عن` رؤية` تتسرب من منطق` الواقع` إلى منطق `الأسطورة` والرمز عن طريق التحوير والتحريف والتركيب إعادة صياغة الواقع وخلق عالم مبتكر` كائنات عجيبة` تذكرنا بكلمات الألمانى: ماكس آرنست `المولود 1891` إذ وصف رسومه بأنها` أحياء جديدة`.
- فى السنوات الأخيرة التى شاعت فيها الفردية،أصبح من غير المستحب وضع بطاقات تصنيفية على إبداع الفنانين. مضى النصف الأول من القرن ومضت معه` الجماعات الفنية` وبياناتها الفلسفية المثيرة إلى الأطر الثقافية التى تحركت فى حيزها. مضت الوحشية ( 1905) والتكعيبية ( 1907 ) التجريدية ( 1910 ) والدادية ( 1916 ) والسيريالية ( 1924 ) .. وما إلى ذلك مما اصطلحنا على تسميته` المدارس الفنية`.
- لكن اختفاءها كحركات فكرية لا يعنى أنها لم تترك بصماتها على ما نراه اليوم من اتجاهات فنية فردية. لقد بقيت كمكتشفات تشكيلية ومكتسبات للفنانين المحدثين، تشكل أبجديات يصوغون منها إبداعهم المثير .
- صحيح أن غياب` الأطر الفلسفية` المعلنة .. حرم النقاد من بعض المقاييس التى يضبطون بها مدى جودة الإبداع التكشيلى، وترك الميدان مفتوحاً للمدعين والهواة ليقدموا أعمالاً` عبثية` كما نشاهد فى المعارض المحلية والدولية على السواء،إلا أن هناك مقاييس ثابتة فى الجانب `الأستطيقى`. كما أن المدارس التى أشرنا إليها، منحتنا مداخل لتفسير الإبداع وفك طلاسمه. أرشدتنا` التعبيرية` إلى رموز الألوان والمبالغة فى نسب الرسوم التشبيهية ومدى احترام الفنان لنفسه وموضوعه. وأضاءت `السيريالية` طريق العلاقة بين الحلم والحقيقة..وما تنطوى عليه من قيم إجتماعية وفصلت `التجريدية` بين الشكل والمضمون فدمرت` المضمون` تماماً وتحولت إلى مجرد زخارف للتسلية والآستخدام التطبيقى. إذا أن العلاقة بين الشكل والمضمون` علاقة داخلية وليست `خارجية` علاقة الشئ ببعضه .. وليس بشئ آخر مخالف له مناهض لوجوده .
- .. هكذا أصبح فى مكنتنا أن نخضع الأعمال الفنية الفردية للنقد والتقويم .. وأن نقيس جديتها وحيويتها وعطاءها.. من حيث إنها جزء من الثقافة الإنسانية. ورافد لنهرها المتدفق. يكتب لبعضها الخلود ..ويدفن الآخر فى حياته فالأعمال الفنية العظمى، تعيش لأننا نستطيع تفسيرها وتذوقها بعد وقت طويل من إبداعها .. بطريقة تختلف تماماً عن تفسيرها الأول .. لأنها معطاءة على مر الزمان.
- فناننا - صفوت عباس - يرى واقعاً آخر غير ما نراه ويعيد تركيبه . قد يضيف جناحاً لشكل أدمى أو جناحين. لكنها أجنحة لا توضع بمنطق مصورى عصر النهضة الإيطالية أو العصر البيزنطى. هى نوع من` تجسيد الخيال` الذى يتضح مضمونه بعد أنتهاء العملية الإبداعية. يده تسبق عقله فتترجم تهاويمه مباشرة تتشح صورة بغلالة من التشكيلات` المجردة`. إذا تأملها المتلقى.. استشف عناصر تثير خواطره وتفكيره كما يحدث حين يتطلع إلى السحب فى السماء أو يتفحص بقعة في إحدى لوحات الفرنسى بول سيزان، الذى كان يرسم بريشات رفيعة وألوان عديدة .. إلا أن صفوت يصور بسكين المعجون فى ضربات انفعالية . يخلط الألوان على قماش لوحته كما تخلط الألوان المائية .. من حيث الرقة والسلاسة والنضارة .
- تخرج فى قسم` الجرافيك` بكلية الفنون الجميلة سنة 1959.أتقن الرسم الأكاديمى بالقلم الرصاص والفحم والألوان المائية. صور المناظر والطبيعة الصامتة والنماذج الحية` الموديلات` .. ومضى فى طريق الأكاديمية حتى كان التحول الكبير بعد ست سنوات قضاها مع القماش وألوان الزيت فى ذلك الوقت من عام 1965، أقيمت منشأة خاصة على كورنيش النيل بالقاهرة بأسم`مدينة الفنون` إتخذ فيها مرسماً بين جماعة الفنانين الطليعيين. يبدو أن الأحتكاك والحوار والتجمع الثقافى للفنانين، أسفر تلقائياً عن تسلل الأفكار الجديدة إلى لوحات صفوت عباس. أنبثقت لديه الرغبة فى `تجسيد الخيال..` بدلاً من محاكاة الطبيعة . بعد الدراسات الأكاديمية للواقع والبيئة، تحول إلى إبداع لا يشبه الواقع. إذا رأى وجهاً .. تشكل فى مخيلته إلى شئ آخر. صور المعنويات وليس الماديات، الأصرار. العزيمة . الصدق . البراءة . العذاب. التعاسة. الضياع. الأختناق. ألوان وخطوط وملامس وتكوينات فى تشكيلات إنسانية تمت للمرئيات بأكثر من سبب .. لكنها أبداً لا تسعى من حولنا فى يقظتنا. يصور` مضامين` الحياة ويصوغها فى أشكال مبتكرة يدخل عالم الفن من طريقه الصحيح. يمنح` المضمون` شكلاً.. وليس العكس!! يمحو من المرئيات معالم ويضيف أخرى، يجرى عملية` تحويل وترجمة` للواقع حتى يصبح ` فناً`.فالواقع وحده ليس فنا. والخيال وحده ليس فناً . والخيال وحده ليس فناً. يرتشف المشاهد صفواً من حوله ومن أحلامه يحولها بيديه صوراً ، بعملية نفسية وعاطفية وإنفعالية وحرفية،لا دخل للمنطق فيها لكن المتلقى يدرك معناها ومغزاها بعد معايشتها وألفتها بقليل من التأمل بقلب مفتوح.
- لوحة ` صراع` فتاة عارية على خلفية خضراء تبدو لأول وهلة بلا تفاصيل. أعاد صفوت صياغة الشكل الإنسانى ليعكس تعبيراً رشيقاً ذكياً .. لطيفاً طريفاً .. نسب غريبة .. ووجه ضئيل .. وعجز ضخم .. وذراعان طويلتان نحيفتان تمتدان كذراعى` فرسة النبى` نحو ثور هائج شرس . ألوانه داكنة يتداخل فيها البنى والأسود والأزرق، يظهر ضعف الحيوان فى ساقيه الأماميتين الرقيقتين. فى الركن الأدنى لليسار، وجه فتاة سمراء تترقب نتيجة الصراع الخطر بين الحيوان ورفيقتها . بين القوة الغبية .. والضعف الذكى الوديع .. اللون الطوبى للفتاة فى وسط الصورة، يمنحنا إحساساً بالصلابة يبعد المتلقى عن أى تفسيرات جنسية. أما الخلفية الخضراء فتحفل بتفاصيل خفيفة تسبغ على التكوين جواً شاعرياً خلاباً ، تذكرنا بطفولة الفنان. مذ كان يسكن مع أسرته فى بيت كبير بمدينة` أبو تيج` فى الصعيد. فى فنائه نافذة كبيرة وفى الطريق شجرة تسقط عليه أشعة الشمس تنعكس ظلالها على جدار الفناء ، طالما جلس الطفل لساعات .. يتأمل الظلال ويحلم معها يقرؤها ويتخيل فيها كائنات إنسانية وحيوانية ونباتية. أنه الآن يعكس الآية ويحول موضوعاته إلى خيالات مرسومة فى خلفيات لوحاته .
- لوحة أخرى بعنوان:` أختناق` عملاقتان عاريتان بلا ملامح. ليست أشكالاً أدمية على أى حال .. من بنات أفكار صفوت عباس من عالمه الخاص عجز ضخم وتركيب فسيولوجى عجيب. يوحيان بأنهما غير قابلتين للهزيمة بالرغم من تورطهما فى ذلك الحيز الضيق إحداهما واقفة والأخرى جالسة القرفصاء تعبير عن نفاذ الصبر بلا يأس. رمز للأمل بأشعة الشمس تتسرب من زجاج باب مغلق يتصدر اللوحة .. فترتمى مساحة مضيئة على أرض المكان لتكمل التكوين هكذا .. حين يتبوأ ` المضمون` مكانته فى العمل الفنى، يتخذ `الشكل` دوره الطبيعى` مطية للمضمون` . هذا هو الفارق بين الفنان المفكر المثقف .. وزميله السطحى ينفق حياته بحثاً عن موسيقية الخط وتغاير الملمس وتوافق اللون، مع أن هذه الأبعاد الأستطيقية تصبح بلا جدوى إذا لن تستهدف إظهار` المضمون` وبلورته .. لأنه مقياس نجاحها البعد الأستطيقى متوفر بيسر لدى فنان دارس مثل صفوت عباس .. الخط الداكن فى قاع اللوحة يحكم التكوين .. ويختم الإيقاع البطئ للعناصر القليلة . الإيقاع المناسب لفكرة ` الأختناق ` الجدران الخالية والمساحات الرتيبة تفصح عن الملل . كذلك الألوان الرمادية الضاربة للصفرة .
- التوجس .. الحذر .. التربص .. نفاد الصبر، كل هذه ` المضامين` تتكشف للمتلقى بالمعايشة والتأمل أتقن الفنان تصوير جو الصمت والتوقع.صمت مفعم بضجة داخلية توشك أن تتحول إلى إنفجار أبدع صفوت هذه اللوحة المتميزة قبيل أكتوبر 1973 . تعبير ذاتى عن إحساس الأختناق .. ولكنه صدى لشعور عام .. فى أى مكان وأى زمان!!
- شب فناننا شغوفاً بالرسم والتلوين . يود لو يحدث برسومه كل الناس عن خيالاته وأحلامه . فى طفولته المبكرة 1942، كان يرسم مشاهد حكايات الأطفال على شريط من الورق يقسمه إلى مساحات فى حجم الكارت بوستال . ثم يجمع أقرانه أمام منضدة يتكور تحتها ويثبت فى قوائمها ستارة، يجرى من فرجتها شريطه كما يفعل صاحب` صندوق الدنيا` مستمتعاً بتهليل أصدقائه كلما ظهرت صورة واحدة بعد أخرى، تعلم منذ نعومة أظفاره أن العمل الفنى لا قيمة له إذا لم يجد صداه فى صدور الناس وعقولهم. وأن الموهبة يشحذها التقدير. وأنه قادر على أن يقول لجمهوره شيئاً كان مدرس الإبتدائى ينزع رسومه يعلقها على الجدران. وكم كافأة بكراسات الرسم وعلب الألوان . أما فى الثانوى بالقاهرة . فتعلم من جماعة التصوير الفوتوغرافى ، كيف يتأمل الطبيعة ويتذوق الأضواء والظلال. وحين نقل البطاقات المصورة، غير من ألوانها وعناصرها وتكويناتها ثم بدأ مشواره الثقافى مع نهاية المرحلة الثانوية. قرأ فى الأدب.. وعلم النفس والفلسفة .. والسياسة والأقتصاد .. والتاريخ. وشارك فى الحركات الوطنية والمظاهرات السياسية التى عمت البلاد فى سنوات الغضب التى سبقت ثورة يوليو 1952.كان لابد لمثله أن يخوض التجربة الكبرى التى تصنع الرجال، فدخل السجن سنة 1947. واجه قهر السلطة وتعلم أن الحرية لا تمنح .. بل تنتزع انتزاعاً .. هذه الخلطة من المعارف المستمدة من الكتب.. والتجارب المريرة، صقلت موهبة صفوت عباس، وزودته بمفردات الحديث الطلى الذى تنطق به لوحاته . لم يكن له أن ينزع إلى التجريد ويركن إلى برج عاجى بعيداً عن قضايانا .. وهو الذى ولد فى` عزبة الصعايدة` بحى إمبابة فى الجيزة .. من والد ريفى من` قرية العمرة منوفية ` ووالدة تركية من` قولة` كان لها أبلغ الأثر فى تنشئته على المثابرة والتحمل والأصرار. أدرك أنه خلق ليكون فنانا .. يتكلم بالألوان ويعبر بالخطوط عن مأساة الإنسان، فالتحق بكلية الفنون الجميلة سنة 1954.
- كائنات صفوت التى يصورها عينات بشرية وافدة من عالم لم يخطر على بالنا. تفكر بشكل مختلف.. تسلك بأسلوب مغاير تمارس نوعاً غريباً من الحياة.. إنها أغوار النفس البشرية تجسدت وبرزت من عالم الداخل.ليست الصور الظاهرية التى تلقاها فى المرأة صفوت يدعونا للتأمل داخل أنفسنا لنعرف الحقيقة. لذلك نشعر مع لوحاته بالرهبة .. والقلق .. والتوتر .. واليقظة.
لا ينساها المتلقى بعد النظرة الأولى وكانت طبعت على مقلتيه .
- وفى لوحة ` وجه` - وكثيراً ما يصور الوجوه - رأس فتاة تتأمل وتفكر. خلفيتها مساحات من ضربات سكين الألوان بدرجات الأصفر والبنى والأزرق والأسود. الظلال فى العيون تبدو فجوات عميقة حافلة بالأسرار. الفم مطبق لا يطيق الكلام واقعية أكثر صدقاً من الواقع . تبدو فيه القوة والعزم والحزم أبدا ليس كأى وجه رأيناه. غريب آت من عالم غريب أكثر إنسانية من عالمنا بالرغم من أنه ليس بشرياً على الأطلاق .
-` وجه أخر على خلفية من السحب الداكنة كأمواج البحر رأس صغير يطل من أعلى عنق طويل يسمق من بين منكبين عريضين قسمات الفتاة تضيئ بلون أبيض يتفجر من الأزرق .. يقسمها أنف يتوسط عينين كالخرزتين غير متوازيتين. تعبيرات البراءة والعذرية.. وكل ما يشد الفتاة، حين تعى لأول مرة، العالم المروع الذى خلقت لتعيش فيه بالرغم من أننا ندرك أن دنيانا تخلو من مثل هذا الوجه، إلا أنه مفعم بالحيوية. طالما عشنا معه فى أحلامنا وكوابيسنا.
- ليس كل ما يلمع ذهباً ، وليس كل من حور الشكل الإنسانى فناناً تعبيرياً ولا من ألف تكوينات غير منطقية ` سيرياليا`. ولا من أسقط الوشائج بينه وبين الطبيعة` تجريدياً`. الفن قرين الفكر والفلسفة، الفنان الذى لا يضمن إبداعه` فكراً إنسانياً ` لا يثير فى المتلقى أى خواطر. يفقد عمله الجاذبية والطرافة وتنحدر قيمته لا يوجد عمل فنى أجمع النقاد على عظمته وروعته، إلا وتضمن فكراً وفلسفة صفوت عباس من أصحاب الإبداع الإنسانى، يتأمل الوجه الآخر للحياة ويترجم لغته بالخطوط والألوان. ينظر إلى داخل الإنسان الذى أمتلك زمام الحياة ثم أصبح عبداً للظروف التى خلقها بنفسه، تحول وجوده إلى مأساة.
- في لوحة ` فتاة جالسة` صور بدرجات البنى والأصفر فتاة لا نكاد نتبين ملامحها لولا إيماءات طفيفة كالخط الرأسى الأبيض مكان الأنف. نقطتان داكنتان مكان العينين، بقعة دقيقة حمراء .. هى الشفتان ثم عنق طويل ينشق من كتفين نحيفتين.وهالة من الشعر الفاحم تكلل الرأس الغامض. تعبير عن الإنسان الذى وجد ليتعس يعيش ويموت دون أن يدرى لماذا جاء ولماذا مضرى!!
- يقول الرسام الفرنسى، هنرى ماتيس(1869 - 1954)، ينبغى للصورة أن تضفى على المشاهد شعوراً بالرحة، لكن صفوت عباس يمنح المتلقى إحساساً بالقلق ودافعاً للتفكير، وهو أمر يتسق مع حياتنا الإجتماعية المتخلفة. هناك فرق بين فنون الرفاهية وفنون المعاناة لوحات . لوحات صفوت دعوة للتأمل والتساؤل إلا أنه يتفق مع ماتيس فى شئ آخر يتعلق برسم الوجوه ` البورتريه` ذلك أن كليهما يرسم`الشخصية الجوانية` للنموذج وليس الملامح الظاهرية. حين رسم ماتيس لوحته الشهيرة:` مدام جريتا بروزو` 1916، صور مثالاً للسيدة الذكية المثقفة. الصورة الذهنية التى مرت بخاطره وهو يرسمها. حتى أن المتلقى لا يخطئ الإحساس بقوة الشخصية المرسومة شأن كل وجوه ماتيس، تعكس علينا شعوراً يطوف بنا عادة حين نلتقى بالشخصيات الإنسانية. نحس ولو للحظة عابرة بالذات الحقيقية المختفية خلف ` القناع الإجتماعى الحضارى ` الذى يرتديه كل منا فى حياتنا اليومية المعلنة. نحس بالرقة..أو الخشونة أو السذاجة .. أو الذكاء ... إلخ إلخ ، هذا ما رسمه ماتيس فى لوحة ` مدام جريتا`.. وهذا ما يصوره صفوت عباس فى الوجوه العديدة التى أبدعها . مع الفارق فى أسلوب التنفيذ .
- حين إلتقى فناننا بالرسامة الفطرية ، شلبية زوجة الرسام السورى التى أقامت معرضها لرسومها في القاهرة 1981، تركت نفسه انطباعاً خاصاً هو الذى يتخلل صورتها التى أبدعها بعد عودته للاستوديو وجه غريب يتطلع فينا بدهشة، نصفه أبيض كالرخام.. والآخر يتعانق فيه الأخضر والأحمر .. ألوان سميكة وضعها كعادته بسكين المعجون، كأنها بلورات غفل . رسم معنى الفلاحة الفطرية الساذجة التى وجدت نفسها فجأة تعيش فى عالم غريب. كانت تعمل نموذجاً للفنان السورى فتزوجها . عبثت بالألوان والفراجين ورسمت صوراً فأقام لها المعارض فى باريس والقاهرة فجأة .. أصبحت فنانة وزوجة فنان مثقف يطوف بها الدنيا .. إلا أن الفلاحة قابعة بداخلها مازالت .. غموض الحاضر مختلط بوضوح الماضى. عقلها البرئ لا يستوعب الإنقلاب العظيم الذى تعيشه تاريخها يحيا فى عينيها مازال .. ينعكس هذا التناقض فى تباين ألوان الوجه المرسوم. تعيش حياة` جوانية` بينها وبين نفسها بالرغم مما يحيطها من ملابسات. هذه هى الصور الذهنية التى مرت بخيال صفوت أثناء إبداع وجه` شلبيه` الخواطر التى ظلت تفكره. الرؤية التى شكلها خياله وقد تجسدت وأصبحت حقيقة بين أيدينا. ليست الملامح. إنما هى الغربة .. والدهشة .. والإنبهار .. والإقدام .. وبكارة الأحاسيس والإنفعالات .
- لاقت لوحات صفوت عباس نجاحاً لدى النقاد فى القاهرة .. ولندن .. وباريس منذ أن دخل دائرة الضوء بلوح ` قناع الصمت` فى المعرض العام سنة 1969، ثم لوحة ` الصحراء` التى أقتناها متحف الفن الحديث من المعرض العام التالى سنة 1970. فنان مغترب فى عالمنا. يعيش أحلامه وأفكاره يخاطبنا بلغة الشكل ليشرح خواطره ويجسد خياله . ذاتى التفكير لكنه ليس تجريدياً . يهمس برموز اصطلحنا عليها . عرفنا أن الجناح للتحليق عالياً . وعلامة على التفوق والنصر والملائكية، فهو موضوعى من هذه الزاوية بستعير أشكال الطبيعة ويعيد تركيبها وصياغتها . كذلك يغير مكان الألوان فيزرع الأخضر فى الوجوه والأحمر فى الأجسام والأزرق فى الصخور. يستخدم أحياناً لوناً واحداً تكسره ضربات الأبيض الرخامى الناصع . يقول بالألوان والأشكال. يفكر بالسكين والقماش ولوحة الألوان . لديه دائماً مدخل ` موضوعى` للمدرك الشكلى يقودنا إلى `المضمون الإنسانى` الجمال ليس قضيته، إنما هى `الفكرة` فى قالب فنى إعادة صياغة الواقع!
- لوحة .. دعنا نسميها` ملعب الحياة` تكوين من فتيات مجنحات، فى مكان موحش تضطجع إحداهن على الأرض العراء، تكوين قوى غامض المعنى. يتسم بالحيوية . تنسحب الحركة على تنويعات الألوان تغطى السحب والتلال تتخذ الأجساد ملمساً نباتياً كسيقان الأشجار المعمرة . ضربات سكين الألوان تحول بشرتها إلى ما يشبه اللحاء كائنات صلبة . يحس المتلقى أنها تقوم بعمل هام. أفق غامض يقطعه` سيلويت` صغير لشخص مجنح سماء ناصعة لكنها ملبدة بالسحب توزيع أوركسترالى الأشكال والألوان في إيقاع هادئ .. لكنه حار. جو مريب مفعم بالتوقع . تحجيم بالألوان على طريقة الفرنسى` سيزان` ..وليس بالظلال على طريقة الإيطالى` دافنشى` شخصيات أسطورية توحى بقدرات غير طبيعية رؤسها صغيرة لا تناسب أجسادها العملاقة، أعناق طويلة رفيعة وشعور متطايرة تمنح المتلقى فرصة للتخيل والتأمل مستثمراً خبراته السابقة بمختلف الكائنات تشحذ فكرة وتخلعه لبعض .. الوقت من عالم الملل .. وتشحن انفعالاته بطاقة متجددة للحياة !
- لوحة أخرى.. بنفس الصياغة المغربة. فتاة واقفة تسد الجانب الأيسر.. بينما يمر حيوان ضخم داكن اللون أمام صف من البيوت المتواضعة.. ثم كتلة` سيلويت` من ثلاثة أشخاص جالسين يتفكرون ويتأملون هذا الكائن العجيب. كوابيس وأحلام وأساطير وخيالات ورموز.. تستمد مفرداتها من الواقع مع أنها فى مجملها لا تمت إليه بصلة . صور لـ `ما فوق الواقعية` منافذ للروح حين تغلق أمامها كل النوافذ..لا يكاد المتلقى يتأمل تلك اللوحة حتى ينسلخ بخياله من نفسه ويفترش الأرض مع الجالسين، يشاركهم التفكير..والجو المثير..الجذاب..المتوعد..
- إستطاع صفوت عباس أن يحقق` التوازن` بين` الشكل والمضمون ` يستمتع المتلقى بالنظم اللونية وتراكيب الأشكال وإيقاعاتها وملامس الأسطح.. ثم يستيقظ خياله على المعنى والمغزى. يعود للألوان وهى تلتصق بسطح اللوحة سميكة كالبلورات المشطوفة رخامية الملمس. نظرة فناننا الفلسفية الإجتماعية ، مكملة لأسلوبه الفنى. الأمر الذى خلع على إبداعه قوة التأثير. وإذا كانت الأستطيقا تشير إلى الطرافة .. و` الجمال` يتضمن` الجاذبية` .. و` الفن` يعنى خلق موضوعات جديدة - كما يقول : جيروم ستولنيتز - فقد جمع صفوت بينها فى معظم لوحاته ذات الموضوع .. كتلك التى أشرنا إليها . إنها` رؤية` جديدة و` إعادة صياغة للحياة` بغض النظر عن الجمال والقبح لأنها مسألة نسبية متعلقة بالمعتقدات المسبقة للمتلقى.` الأعمال الفنية` ليست هى `الموضوعات الجميلة` يستطيع المتلقى أن يعزل نفسه عن الموضوع المرسوم إذا لم يكن متعاطفاً معه، حتى يتمكن من تذوق الأبعاد الفنية والأستطيقية الكامنة فى الصورة المرسومة.هذا هو ` التأمل`الذى يفتح قلب المتلقى وإحساسه للإثارة والحيوية اللتين تشعان من الأعمال الفنية .وينعش عقله بالأفكار الجديدة ..
بقلم : الناقد د./ مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير - الجزء الثانى
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث