لوحات كاترين باخوم.. معزوفات ملونة على أوتار شرقية
-عالم يتأرجح ما بين الواقع والخيال بشر يسبحون فى فضاء مطلق تكاد لا تلمح الأرض تحت أقدامهم. نساء ورجال سادة وعبيد جوار وحرائر جدران رخامية وأعمدة زخارف شرقية ساحرة وشجية إنه عالم الفنانة المصرية المقيمة فى باريس كاترين باخوم .
- تتميز لوحات باخوم المعروضة حاليا فى قاعة ` سفر خان ` فى القاهرة حتى نهاية تشرين الثانى (نوفمبر) الجارى، بأجوائها وعناصرها المستقاة من الشرق.
- ولدت باخوم فى القاهرة عام 1949وقضت معظم طفولتها فى مصر، ثم انتقلت مع أبيها إلى أوروبا فى بدايات الستينات من القرن الماضى، واستقرت فى باريس لتتعلم أصول الفن على أيدى نخبة من الفنانين الفرنسيين وتقضى وقتها متجولة بين المتاحف والمعارض الأوروبية .
- بدأت الرسم فى سن متقدمة لتشكل بأناملها خطوطاً عريضة تحدد انتماءاتها الفنية ورؤيتها فى بناء اللوحة وتناول العمل الفنى.هذه الرؤية التى بدت مغايرة لما هو سائد فى أوروبا من تخريب وطغيان للمدارس الحديثة التى نأت باللوحة بعيدا من شكلها الكلاسيكى المتعارف عليه. لكن باخوم عبرت هذه الاتجاهات سريعاً حتى استقرت على أسلوبها الذى أعلنته من خلال لوحاتها منذ بداية الثمانينات. ذلك الأسلوب الذى ينهل من القواعد الكلاسيكية فى بناء اللوحة ويوظفها فى بناء تكوينات قد تبدو قريبة الشبه بالتجريدية اللونية، لكنها فى الحقيقة لا تمت إلى التجريد بصلة سوى أن اللون فى أعمالها بدا منسابا كالمياه ومتدفقا كتهاويم الحلم.
- اختارت الشرق هذا الشرق الذى تعرفه جيدا وتقبع صوره ومشاهده عندها فى الذاكرة ممتزجة بقراءاتها الكثيرة والحكايات التى كانت تسمعها وهى صغيرة ليختلط فى وجدانها الحلم بالواقع والمتخيل بما هو حقيقى. لطالما مثل الشرق بالنسبة إليها ذاك الحلم والأسطورة والدفء والسكينة، وما زال هذا الانطباع يقبع فى داخلها.
- وما يعنيها فى الشرق، كما تقول،هو جانب البساطة والتلقائية والفطرة التى تبحث عنها دائماً.هى تبحث عن كل هذا، ليس فى هذه المدن الكبيرة المكتظة بالسكان والسيارات ومظاهر المدنية، بل فى المناطق النائية فى الريف والصحراء. تبحث باخوم أيضا عن عبق التاريخ وسحره وغموضه، عن آثاره فى الذاكرة وعلى جدران البيوت والقصور القديمة.فى المآذن والأديرة والحوارى والأزقة الشعبية. كانت تبحث عن كل هذه الأشياء فى مصر، لكنها مع مرور الوقت أرادت أن توسع من دائرة بحثها فى مناطق أخرى. حتى قامت ذات مرة بزيارة لبلدان المغرب العربى، فأدركت للوهلة الأولى أنها عثرت على كنز آخر من الجمال.أشكال البيوت والملابس وملامح الناس وطريقة عيشهم. لقد أحدثت زيارتها للمغرب تحولا كبيراً فى أعمالها وألوانها التى استخدمتها، وطريقة بنائها للوحة. كانت العناصر والمفردات الجمالية التى عثرت عليها هناك لا حصر لها، ومثلت لها نبعاً شديد الخصوصية لا ينتهى .
- تعددت زيارات باخوم إلى بلاد المغرب العربى، وأثارت مخيلتها أشكال الملابس المحلية هناك وبهاء الحمامات القديمة وجمال وروعة القصور العربية التاريخية فى أرجائها، فخلقت لنفسها ذلك المزيج الذى نراه فى أعمالها بين تصوراتها ومشاعرها والواقع الذى تراه أمامها، لترسم عالماً بين هذا وذاك أشبه بالحلم. عالم لا نراه سوى فى أعمالها، غزلته بيديها وألوانها بعدما أثارت خيالها هذه المفردات التى شكلت معالم اللوحات التى تعرضها فى القاهرة. مساحات ذات قطع كبير ومتوسط مرسومة بدرجات أشبه ما تكون بألوان السحب والغيوم وتجليات الغسق.أشخاص تغطيهم أردية مغربية ومشاهد لحمامات أثرية. مناظر داخلية محصورة بين الجدران وأخرى لا تحدها حدود، تحيطها السماء ويغمرها البحر بضبابه وتماهيه فى الأفق اللامحدود. إنه العالم الذى تعيش فيه كاترين باخوم بروحها وخيالها بعيدا من مظاهر الحداثة وتعقيدات المدنية الغربية، والذى عرفت عن طريقه فى أوساط الفن الفرنسية كإحدى الفنانات المتميزات .
ياسر سلطان
الحياة - 12 نوفمبر 2010