منحه الله محمد حلمى
- درست فى المعهد العالى للتربية الفنية بالقاهرة حتى عام 1949 ، وحصلت على دبلومة التصوير والجرافيك من كلية سليد Slade School بلندن عام 1955 وعملت بتدريس التصوير بكلية التربية الفنية.
- على الرغم من دراستها للتصوير الى جانب الجرافيك إلا ان الجرافيك قد غلب توحهها الفنى منذ أوائل الخمسينات ، حيث كانت تحفر زنكات صغيرة المساحة بمناظر وتكوينات من الطبيعة الصامتة بالحفر الحمضي و( الأكواتنت ) أحياناً بأسلوب واقعي رومانسى .
-فى بدايات الخمسينات درست الرسم بالقلم الرصاص من الموديل والمناظر خلوية بريطانية بتمكن ودقة وسيطرة، ثم رسمت بعض المناظر صغيرة المساحة بالألوان المائية في راقات شفافة من ضربات الفرشاة ودراسات للنباتات ، ورسم بالقلم الرصاص بطريقة ( الكياروسكورو ) حيث تزيل الدرجات الفاتحة من القاتم باستعمال الممحاة بحساسية وإتقان . أنتجت في إنجلترا آنذاك لوحات بالحفر الغائر تمثل مشاهد وشطئان وحزر بريطانية ومناطق ريفية واشجار جافة ومرتفعات خضراء وقلاع قديمة ثم استخدمت الأكواتنت لعمل المناطق الظلية .
- فى منتصف الخمسينات اهتمت منحة الله حلمى بعمل طبيعة صامتة بالحفر على الخشب طولى القطع Wood Cut ، تضم عناصر شعبية كمية الغاز والغلة والقبقاب والسجادة مع كتابات فلكلورية وأصيص زرع وكتب على المفرش ونوافذ وستائر ثم صورت بالحفر الغائر موضوعات الحديقة - المراجيح ، العيادة الخارجية ، جامع سنان باشا ببولاق ، بائع الترمس ، الانتخابات حارة السيد عامر ، مولد سيدى سلامة ، عروس المولد بولاق من فوق السطوح ، بولاق فى الصباح ، العوامات ، الكازينو النهرى ، بلاج المنتزه ، بلاج ميامى ، المسرح الشعبى ، ملعب الكرة ، تصليح المراكب ، صيد السمك ، سوق الحيوانات بامبابة ، مصنع الطوب بالقرب من شاطئ النيل ، شاطئ النيل في القرية ، قرية التمساح ، الإنتاج الزراعى ، السد العالى ، العمل فى السد العالى وذلك بأسلوب واقعى اصطلاح فلكلورى إذ بقع اللوحات المطبوعة الصغيرة باطفال فى لهوهم بالأطواق والدراجات وعربة الترمس والبطاطا والسيارات والناس يمارسون مناسكهم اليومية خارج وداخل الحجرات وعلى السطوح وفى الشارع ، باعة جائلين وكشك حنفية المياه وكناس وعربات الكارو تجرها البغال وأوز وبط والطائرة الورقية محلقة ، عائلة تجلس على طبلية الطعام ، عربة الكيروسين يجرها حمار والغسيل فوق السطوح والطشت والغسالة جالسة أمامه وسجاد معلقة على سور السطوح ومشاهد رائعة للمدينة والمآذن فى خلفية الأعمال مخطوط باهتة ودقيقة وعمارات تستند بعضها على البعض بزوايا منظوريه تمكنا من مشاهدات الحجرات من النوافذ والناس على الأسطح مع دواجنهم ومخزوناتهم ومنذ منتصف الستينات من القرن التفتت في تعبيراتها الى المناظر المصرية البيئية ، كتجمعات المراكب على النيل التى حفرتها بأسلوب تعبيري قوي ، ثم الأحياء الشعبية التى كانت تميل الى تصويرها من منظور أشبه بعين الطائر ، حيث تتضح أسقف المنازل وما عليها من حبال الغسيل والطيور وسيدات الدار في أنشطتهن اليومية ، وفي الخلفية وأمام خطوط دالة على جبل المقطم عمائر عالية من منظور أمامي بتفاصيل أقل وكثافة خطوط أخف، بينما يسعى الباعة الجائلين والعربات الخشبية التى تجرها الدواب في شوارع وفراغات اللوحة.
- اتسمت هذه الموضوعات البيئية الشعبية بالجمع بين ملامح من الواضح ان الفنانة قد رسمتها من الواقع الميداني ، وعناصر أخرى رسمتها بصورة تأليفية على قدر كبير من الاصطلاحية ، مضافاً إليها لتأكيد فكرة الإيضاح عبارات ذات دلالة واضحة كتبت على الجدران وعلى البضائع وغير ذلك.
- وبين المشاهد اللندنية ومشاهد امبابة وبولاق ، والمحفورة في الواح الزنك والمطبوعة بالخطوط والتهشيرات ، وبين الرسوم والدراسات المتقنة بالقلم الرصاص والألوان المائية واللوحات الزيتية الكبير نسبياً تمرست الفنانة منذ منتصف الخمسينات الى نهاية الستينات على لغة التشكيل وبلورت شخصيتها المميزة بكل وضوح .
- وفى أواخر الستينات وطوال السبعينات تخلت الفنانة تماماً عن الرسم من الواقع وتحويره الى تكوينات عقلية اصطلاحية خالصة ، فيها السماوات الدوامية التى تلتف الخطوط المتقطعة فيها حول مركز دائرة في المنتصف ، وفي أسفل اللوحة أشباح اصطلاحية لتكوينات من معمار المدينة الحديثة بخطوط رأسية متقاطعة ثقيلة تتفاعل مع اللحن الدائري الخلفى كمتغير قوى الحوار كما في لوحات تراشق النيران ، والكواكب وأبحاث الفضاء والتى تمثل خيال تصويري بصري من دوائر وأقواس ودوامات كسماوات فان جوخ المضطربة.
- وفى الثمانينات حينما أقامت فى إنجلترا لسنوات كلية الى التكوينات الإيقاعات التجريدية الخالصة ، صهرت الفنانة خبراتها الجمالية وتمكنها التقني بالغ التميز في الحفر على المعدن بأنواعه المختلفة فحققت ذروة هامة في تاريخ الجرافيك المصري المعاصر ، فقد أبدعت أكثر من أربعين لوحة لألوان متعددة وصل بعضها الى اثنى عشر لونا طباعيا.
- تميزت تلك الاعمال بالحداثة والعمق الشديدين، واختارت لها الفنانة عنوان فضائيات ، وهى تكوينات هندسية فائقة لمراكز تنتشر منها درجات الضوء والخطوط وأشكال المتاهات السيكولوجية ، والدوائر الصغيرة التى تشبه ملتقيات الدوائر الكهرومغناطيسية .
- أعمال تجريدية محكمة في بنائها وطباعتها حيث طبعت بعضها بأكثر من عشرة الواح للحصول على التراث في اللون وفي الدرجات الظلية ولكن هذه الأعمال الرائعة رغم فرط انتظامها وهندسيتها لم يقع في شرك الخداع البصري الذى ابتذل من فرط تعاطيعه ، بل وهذه نقطة القوة الحقيقية في أعمال هذه الفنانة رقيقة هادئة الطباع، إن أعمالها التجريدية الخالصة توفر للمشاهد المتأمل حساً صوفياً تأمليا شاعريا. وتمثل من ناحية أخرى بحث عميق في اختزال الأطباق النجمية الاشعاعية في الفن الإسلامى من التجريد الهندسي الى التجريد الأقرب الى الروحانية التى تصبو الى أن تغمر بالضياء ولأنها كانت سيدة محافظة وأستاذة تعطى طلابها القسط الوافر من وقتها ، فقد كانت في السنوات الأخيرة مقلة جداً في الانتاج الفني ولكنها كانت حريصة على مواصلة دورها كأستاذة للطلاب ، وطلاب الدراسات العليا، ولكن سنوات الخصوبة الإبداعية في الثمانينات كانت متألقة غزيرة الإنتاج وقد حصلت منحة الله حلمى على اشكال مختلفة من التكريم وعلى الجوائز وشهادات التقدير والبراءات من الأكاديميات العالمية المرموقة والبيناليات المتخصصة.
- يصف الفنان والناقد الأستاذ حسين بيكار أعمالها الفنية الأخيرة تلك بقوله:`إنها تبسط تصميماتها الهندسية في تراكيب بالغة الذكاء ، وتغمسها في بواتق من الألوان الرهيفة الهامة وكأنها أطياف ليلية تخترق حواجز كريستالية غامضة فيشع منها ضوء مظلم، أو ظلام مضئ وكأنها إشعاع يتجاوز ألوان الطيف ليغمر لوحاتها بعبق سحري شديد الإيحاء رغم نعومتها ويضيف إنها صاحبة قلب صاف ونفس نقية وروح شفافة .
بقلم :ا. د. مصطفى الرزاز
الضوء المحفور
- الفنانة منحة الله حلمى (1925-2004) درست الفن فى المعهد العالى للفنون الجميلة حتى عام 1949، وامتدت دراستها بعد القاهرة فى كلية (سليد) بلندن من عام 1952 إلى 1955، ولمدة ست سنوات أخرى درست فى كلية (مورلى) بلندن حتى العام 1979، وكنت قد تعرفت على أعمال الفنانة لأول مرة فى بداية الثمانينيات ببينالى فريدريكستاد.. حتى تقابلنا بالقاهرة وفوجئت بأننى أعرض معها فى قاعة (جرافيتى) بلندن العام 1984، جمعت منحة الله بين الدراسة الأكاديمية والواقعية مروراً بالتجريب التعبيرى وميولاً للتجريدية الهندسية فى مرحلتها الأخيرة .. فعندما نتأمل رسومها بأقلام الفحم للأجسام البشرية فى خطوط سريعة نكتشف دراستها لعلم التشريح الذى بدونه لا يعرف الفنان مواطن البروزات والمنحنيات فى الجسم ولايعرف أيضاً كيف يتشكل ويتحرك الجسد ..وعندما نتأمل رسومها السريعة بتهشيرات رقيقة وظلالها الشفافة الضبابية نجدها متألقة ببساطة منظورها الوهمى، وجمال عمقها الإنسانى ، كأنها تتلمس روح ساكينها، لم تتوقف منحة الله حلمى عند هذا الحد بل توالت أعمالها بالألوان الزيتية ورسمها للوجوه بقدرة فائقة وبسيطرة على فضائيات إبداعها وبنائه الجمالى، وعندما تطرقت لرسم البيئة الريفية من خلال اختزالها لسنوات الإعداد والبناء الذاتى للفنان بداخلها استطاعت أن تبدع منظومات متوالية ومتناغمة لحركة الفلاحين والفلاحات والأطفال فى دوائر يسكنها الأفق الفسيح والأخضر الملىء بالخير وامتداد النخيل إلى السماء فى تصفيف متراص كأنه حامٍ للطبيعة، وكأنه يتمايل بفعل الرياح ليظلل الناس والأطفال .. عشق متصل بين الطبيعة والبسطاء الزراعيين والبنائين ، أما الأعمال الفنية الجرافيكية للفنانة فهى الإنتاج الذى استمر خلال السنوات الأخيرة بالرغم من قيامها بتدريس فن التصوير بكلية التربية الفنية ، واتسمت هذه الفترة بقدرة فائقة فى السيطرة على تقنيات الجرافيك التى تحتاج إلى معرفة علمية وكيميائية تكنولوجية لاستخدامها مسطحات النحاس والزنك وأحماض النيتريك والكبريتيك وهى عملية سهلة ومعقدة فى ذات الوقت .. تحتاج إلى درجات عالية من الإحساس .. وقدرة على التهجين الحسى بالعقلى - الروحى بالذهنى - ليتوازى ذلك مع حركة تفاعل حامض النيتريك فى مادة الزنك ، وحامض الكبريتيك فى مادة النحاس، فكلما امتلك الفنان الجرافيكى الإحساس بحركة التفاعل الكيميائى استطاع فى هذه الحالة أن يُعمل العقل أيضاً للتحكم عن قرب فى هذا التفاعل ومن هنا تأتى السيطرة الكاملة على تحويل تقنية معقدة إلى وسيلة سهلة للتعبير الفنى وبتميز تقنى غير مسبوق .. وهندسية منحة الله حملى الجرافيكية اعتمدت على متواليات فمرة أشكال مطلقة وأخرى أشكال مرتبطة بالمفروكة الإسلامية ، وثالثة شبكية الخطوط المتقاطعة وغير المنتظمة فى ضبابية محكمة وتأتى باستخدامها أسلوب الألوان المائية ` aqua Fuerte ` وتستخدم فيها بودرة المستكة أو القلافونية ، وإحكامها البنائى الهندسى لم يأت من فراغ .. ولكن نتاجاً لتجربة ممتدة أكثر من نصف قرن نبتت وترعرعت وتعاظمت وتألقت بالجدية والصدق واحترام أخلاقيات المبدع.
بقلم : ا.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2006
منحة الله حلمى.. فى ` أفق واحد`
- نجوم فن الجرافيك المصرى
- فى السابعة من مساء الاثنين الماضى، تجمع أمام قاعة أفق `1` بمتحف محمد محمود خليل وحرمه بالجيزة عدد غفير من الفنانين والمثقفين والأساتذة الذين تربطهم ذكريات حميمة وجميلة مع الفنانة الراحلة منحة الله حلمى، والذين يذكرونها بالحب والعرفان.
- افتتح المعرض الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة، وحضر الحفل الفنان محسن شعلان رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض بقطاع الفنون التشكيلية والفنان أحمد فؤاد سليم المشرف على متحف الفن المصرى الحديث والفنان آدم حنين ، والأستاذ إبراهيم المعلم رئيس اتحاد الناشرين المصريين والعرب ونخبة من أساتذة الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة.
- فى المعرض شاهد الجمهور أعمالاً رائدة لفنانة أثرت الصمت ليتم الكشف عن تراثها الرائع بعد أن تغادر الحياة، وقد تولت نجلتها الدكتورة نهال عبد الغفار تجميع أعمالها وتصنيفها ووضعها فى إطارات أنيقة ملائمة للعرض الفنى، وبذلت فى سبيل ذلك وقتاً وجهداً وسهراً متفانياً، ذلك الجهد كان وراء نجاح المعرض، وتبنى فكرة إقامة المعرض منذ البداية الفنان الدكتور أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية والفنان محسن شعلان، كما قام الفنان أحمد عبد الغنى بجهد كبير لزرع فكرة المعرض منذ البداية، واُزرت جهوده الفنانة مرفت شرباش عميد كلية التربية الفنية وأستاذ التصوير بها، وبذل الفنان إيهاب اللبان مدير قاعة أفق `1` وفريق العمل الشاب المتألق جهداً مكثفاً فى إقامة هذا المعرض الصعب والمتميز.
- ولدت الفنانة منحة الله حلمى بالقاهرة فى 11 يوليو 1925 ودرست الفن فى المعهد العالى للفنون الجميلة حتى عام 1949 ثم فى لندن فى كلية ` سليد ` التابعة لجامعة لندن فى عام 1952 إلى 1955 ثم فى كلية ` مورلى` بلندن لمدة 6 سنوات إضافية أثناء إقامتها من عام 1973 إلى عام 1979 بلندن، حيث تفرغت للتعمق فى دراسة فنون الحفر الجرافيكى، ثم عادت إلى القاهرة لتمارس معها تدريس فن التصوير لطالبات معهد الفنون الجميلة ببولاق ثم المعهد العالى للتربية الفنية بالزمالك ثم أستاذاً بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، بالرغم من دراستها للتصوير إلى جانب الجرافيك إلى أن الجرافيك قد غلب على توجهها الفنى منذ أوائل الخمسينيات.
- يقدم هذا المعرض المهم مختارات من أعمال الفنانة الراحلة منحة الله حلمى لم يتح لدارسى ومحبى الفنون رؤيتها مجمعة من قبل، فضلاً عن أن بعضها لم يعرض قط فى قاعات العرض بمصر، بعضها لم يعرض منذ أكثر من أربعين عاماً. وغابت عن ذاكرة الجيل المخضرم ولم تدخل أصلاً فى دائرة معارف أجيال متتابعة من الفنانين والنقاد والذواقة.
- فى هذا المعرض نقدم صورة بانورامية للمشوار الابداعى للفنانة اعتباراً من تاريخ تخرجها فى المعهد العالى للفنون الجميلة للمعلمات عام 1948 عبر نشاطها الحيوى فى فترة الشباب، والسفر إلى إنجلترا، حيث درست فنون الرسم والتصوير والجرافيك ثلاث سنوات، ثم زيارتها الثانية إلى لندن بصحبة زوجها الدكتور عبد الغفار خلاف عندما كان مستشاراً طبياً فى العاصمة البريطانية، حيث التحقت بكلية مورلى لتكرس جل وقتها لبحوث فن الجرافيك - وتقنيات الحفر الغائر الملون على وجه الخصوص - ثم فترة العودة إلى مصر والنشاط فى المشاركة فى المعارض والبيناليات وتمثيل الفن المصرى فى المحافل الدولية والبيناليات المتخصصة فى فنون الجرافيك فى اليابان وألمانيا وإيطاليا والنرويج ويوغسلافيا ومصر.
- حيث أثبتت تفوقها وتميزها وحصلت على عدد وفير من الجوائز المرموقة فى مصر وفى البيناليات الدولية، كما حصلت على زمالة فخرية من أكاديمية الفنون بفلورنسا بمناسبة مرور 400 سنة على تأسيسها، حيث أضيف اسمها إلى قائمة الخالدين من نجوم الأكاديمية.
- كما أقامت الفنانة الراحلة منحة الله حلمى معارض خاصة لأعمالها فى لندن 1978 وبرمنجهام، وفى معهد جوتة بالقاهرة 1966. كما حازت على جوائز فى صالون القاهرة و`بينالى` لوبليانا الدولى` بيوغوسلافيا عام 1961 - حيث حصلت على جائزة الشرف عن لوحتها ببولاق. وبعدها حصلت على جائزة التكريم من لجنة التحكيم من نفس البينالى على أعمالها وعلى جائزة الحفر بمعهد ` سليد` بلندن ضمن جوائز عديدة.
- وفى المجموعة الرائعة من لوحات الحفر الغائر الملون التى تمثل مرحلة الذروة فى الأستاذية والابداع، حيث زهدت الفنانة فى منهج الإحكام الهندسى والتقابل والتشعع والتمسك والتدرج اللونى الناعم والمنضبط، ولجأت إلى قدر أوسع من التحرر فى اتجاهات الخطوط وتشبيكاتها والجمع بين الدائرة وبين محيط هلامى من نسيج متطاير تربطهما شبكة خطوط متقاطعة، حيث تقطع القالب الطباعى إلى مساحات معينة قبل الطباعة، استخدمت الفنانة فى هذه المرحلة الأخيرة تقنية الشمع اللين Soft ground لتحقق بصمات من ملامس من الشاش الناعم المجعد لتضيف نبضاً حركياً ولمسة حيوية لتكويناتها المدهشة وتجمع أحياناً بين هذا التأثير المفعم الموجى، وبين أشكالها الهندسية المحكمة من الدوائر والمساحات الإشعاعية التى تلتقى عند مركز الدائرة مع تدرج الظلال بتمكن مدهش حقاً.
- فى هذه المجموعة الرائعة تعاود الفنانة الالتحام بالطبيعة، ولكنها الطبيعة الكونية وليست الأرضية فهى أشكال نات طبيعية عضوية، ولكنها سديم لا نعرف له أشباهاً. ثم أضافت الفنانة بعداً جديداً لأعمالها حين لجأت إلى طبع القوالب المحفورة حفراً شديد الغور بدون تحبير لتحدث تأثيرات ملمسية كالحجر والجدران البيضاء وفى المناطق الملونة تعطى انطباعاً بالأجرام الكوكبية السابحة فى سماء لا نهائياً تدور فى فلك حول قرص مركزى، وأحياناً تضيف خيوطاً على القالب الطباعى لتحقق بصمتها على الورق بينما تحجب الحبر الطباعى عن المناطق شديدة الاقتراب من تلك الخطوط فتصبح كالضوء الذى يجف ويتوازى مع الخطوط المطبوعة ونتيجة لتعاشق تلك الخطوط نشعر بالبعد الثالث والتضفير، وتعكس هذه الأعمال التجريدية الخاصة عن حس صوفى ظاهر.
- إن القوة الحقيقية فى أعمال منحة الله حلمى الأخيرة تكمن فى قدرتها على التملص من حرفية النظم المبرمجة لتدوير العناصر والأشكال فى تكوينات منطقية حسابية، كما فلتت بوعى كبير من فخ ابتكارات الخداع البصرى optical ilusion التى ميزت فن الـ Op ART وأثرت أن تعتمد على عقلها وأنملها فى تخطيط برامجها التكوينية الخاصة خطوة بخطوة وتجنبت بثقة كاملة الوقوع فى المؤثرات الخداعية البصرية، وأحتفظت بذلك بحيرتها وسجيتها. وعبأت تكويناتها بحس روحانى أثيرى نادر. وهى وبذات القدر من الثقة تجنبت الإنجذاب للتراث الإسلامى الهندسى بالرغم من توازى العديد من أعمالها مع أيات هذا الفن، وأستبعدت تماماً الذوق الفطرى والفلكلورى الذى تركته وراءها فى الخمسينيات والستينيات، ومعه التعبير التمثيلى لتنحاز بصورة كلية تجاه التجريد الخالص والتوازنات البنائية والإشعاعات المنظورية والتفاعل الهندسى مع العضوى فى تألف نادر المثال وبذلك حققت الفنانة بهدوئها ورزانتها قمة رفعت عليها رأيتها دون أى مشابهة مع غيرها. فنانة ذات رسالة حققتها بجدارة غير مسبوقة وبمفرادة وأصاله موضع التقدير والإعجاب حققت بها مكانة وطنية مرموقة من خلال تجربة متصاعدة عميقة ومبدعة.
بقلم :ا. د. مصطفى الرزاز
جريدة : الوفد 22-12-2005
`الحفيد` ينفض الغبار عن إبداع `منحة حلمى`
- منحة حلمي، المبدعة المنسية التى يسعى حفيدها كريم زيدان، بعد 15 عاما مرت على رحيل الفنانة التشكيلية ورائدة الرسم حفرا على ألواح `الزينك`، أن ينفض الغبار عن إرث وتاريخ يستحق أن يبعث حيا. ولدت منحة 1925 وكانت الابنة الوسطى بين سبعة من الأشقاء والشقيقات، تميزت بينهم بشغفها الفنى الذى بلغ بها عتبات مدرسة سليد للفنون فى لندن، التى درست بها ثلاثة أعوام قبل أن تعود إلى مصر منتصف الخمسينيات.
- ` الشخص المناسب فى التوقيت المناسب`، هكذا كانت منحة عند عودتها إلى القاهرة بعد شهور من قيام ثورة يوليو 1952، وبدء مرحلة تحول رئيسية فى تاريخ بلادها، لم تتكاسل فى توثيقها عبر وسيط `الرسم حفرا` أو ما يعرف بـ Etching ، الذى تم الاعتراف به من قبل المجتمع الفنى فى مصر عام 1955 ونقلته منحة إلى مستوى جديد بتجاوزها فكرة الزاوية الواحدة إلى تقديمها لوحات حية ومزدحمة بالتفاصيل الدقيقة يتحكم بها اللونان الأسود والأبيض، كما فى لوحة `السد العالمى فى أسوان`، واللوحات المخلدة للجهاد اليومى من جانب الطبقات العاملة سواء بين الحقول أو السعى وراء رزق الصيد، أو العاكسة لازدحام الحياة بحوارى `بولاق`. أطلقت معرضها الأول منفردة عام 1966، وحازت على عديد من الجوائز، من بينها جائزة صالون القاهرة عام 1959، وجائزة ليوبليانا الشرفية من جمهورية سلوفينيا مطلع الستينات، وجائزة الامتياز القومية للرسم حفرا عام 1981.
- شاركت بعدد من المعارض فى مختلف مدن العالم من الشرق إلى الغرب. فى المرحلة الأخيرة من مسيرتها الفنية، انتقلت منحة - فارقت الحياة فى 2004-إلى اعتناق الرسم التجريدى لتودع الرسم حفرا فى هذه المرحلة، فقدمت مجموعة من علامات الإبداع المصرى فى هذا السياق ` أطفال بحر البقر` الذى جسد جريمة الاعتداء الإسرائيلى على مدرسة بحر البقر فى أبريل 1970. وكذلك `استكشاف الفضاء` 1973، والتى ستكون حاضرة ضمن معرض التكوين: التجريدية من العالم العربى من الخمسينيات وحتى الثمانينيات، الذى ينزل بمدينة نيويورك الأمريكية يناير المقبل.
- يحكى كريم زيدان، وهو صحفى شاب مقيم فى كندا وله أعمال بعدد من الصحف الدولية فى مقدمتها الـ `جارديان`، `شجعتنى والدتى سارة خلاف، على إحياء إرث جدتى المنسى وبدأت بالفعل فى إنقاذ لوحاتها من قبضة الغبار فى أول زيارة أقوم بها إلى مصر منذ سبعة أعوام، كانت فى يناير الماضي`. زيدان يستأنف بذلك الجهود التى تجمدت بوفاة خالته نهال خلاف عام 2007، التى كانت قد تولت محاولات إنقاذ إرث منحة وأقامت لأعمالها آخر معرض عام 2005.
- ويوضح زيدان `البداية كانت بإنقاذ أعمال جدتى من المخزن الذى أودعت به وفهرستها. الحصر المبدئى انتهى إلى أكثر من 70 لوحة رسم حفرا وأكثر من 25 لوحة زيتية، بالإضافة إلى عشرات الإستكشات` ولكن العوائق لم تنته بالنسبة لزيدان، فيوضح: العثور على مصادر معلومات موثقة حول مسيرة جدتى وإنجازاتها الرئيسية كانت أزمة أخرى واستعنت بجانب كبير من الأرشيف الصحفى وحافظة إعلانات المعارض التى سبق أن أعدتها خالتى نهال، بالإضافة إلى التواصل مع خبراء الحركة الفنية فى مصر والوطن العربى يتقدمهم الخبير الإماراتى سلطان سعود القاسمي .
- يوضح زيدان عن مستقبل جهوده، أنه بخلاف معرض نيويورك، فهو يعمل على إعداد كتاب عن حياة وإرث منحة حلمي، بالإضافة إلى حلمه الأكبر بإنشاء مؤسسة تحمل اسمها وتضم أعمالها، لتكون مركزا للبحث والدراسة بالنسبة للمهتمين بالفنون.
يسرا الشرقاوى
الأهرام : 12 نوفمبر 2019
|