وفاة أستاذ الفنون المثالى .. محمود سامى
- دراسة الفنون ربما تختلف بعض الشىء فيما يتعلق بمدى اعتمادها بدرجة كبيرة جداً على دور المدرس فطبيعة دراسة الفنون إذا أريد لها أن ترتقى وتتطور إنما تستوجب من المدرس درجة عالية جداً من المعايشة والتفاعل مع الطالب على كافة الأصعدة الفكرية والثقافية والعلمية وحتى على الصعيد الاجتماعى باعتبار ان مدرس الفن منوط به صناعة فنان وما أدرك ما صناعه فنان سوف يسهم فى المستقبل القريب سواء بالسلب أو الايجاب فى صناعة حضارة أمه بأثرها فاذا كان لدينا النية لتأسيس مدارس فنية على المستوى اللائق بأمه لها ثقل وتاريخ وتراث آلامه المصرية فعلينا إتاحة البيئة المتكاملة لانتاج مدرس الفن الحقيقى مع ضمان حماية بيئة صناعة المدرس حتى تستمر فى إنتاج مدرسين فنون حقيقيون ولا تترك العملية للظروف والملابسات شديدة العفوية التى قليلاً ما تقدم لنا بغير قصد مدرساً حقيقياً مثل د محمود سامى.
- رحل د.محمود سامى أستاذ الفنون بكلية الفنون التطبيقية وعميد المعهد العالى للفنون التطبيقية الأسبوع الماضى وترك لنا فراغاً هائلاً يستطيع ثلاثة وربما خمسة من أكفاء تلاميذه ان يشغلونه. لقد تعلم الرجل فى كلية الفنون التطبيقية وكذلك درس فى ايطاليا وكان قريب الصلة بالعديد من الفنانيين والمصممين والمصورين الكبار فى مصر وقد كان ملما متبحرا فى مجالات فنية عديدة عجز اى شخص عادى آن يحيط بها فى وقت قد تبدو بعض المجالات الفنية متعارضة مع الآخر لا أن هذا لا نطبق على بناء شخصى درس الفنون مقابل شخصية الفنان فكل هذه المجالات الفنية تصب فى نهاية الامر فى البناء الفكرى والتقنى لمدرس الفنون الذى يعلم مجموعة من طلبة الفنون ..الذين سيتفرقون فى مجالات عديدة ومتنوعة فقد مارس د .محمود سامى التصوير الفوتوغرافى فى المستوى الاحترافى وانفق كل ما أوتى من مال وراء المعدات، فاذا علمنا ان المال كان قليلا دركنا حجم التضحية لازلت اذكر كم قضينا من الوقت لدى خراطين المعادن للاشراف على تصنيع حلقات للعدسات حيث لم تكن موجودة آنذاك بالسوق او ربما كانت غالية الثمن نسبيا ركيبات معدنية وجلب ووصلات تضاف لحامل الإضاءة لتحميله بأشياء أخرى وتطوير كفاءته لدرجة ان هذه العملية أصبحت تستهوية ربما بنفس قدر التصوير الفوتوغرافى نفسه صداقات حميمة نشات نتيجة لهذا النوع من التصميمات التكميلية مع صناع فى مجالات مختلفة امثالا لحدادين سيد حسبو وعم يحيى الديب والحاج أحمد فؤاد وغيرهم الصور الفوتوغرافية لدكتور محمود سامى هى التى كان يعمل منها الفنان المعروف حسن سليمان نفقد ربطتهما صداقة حميمة طول العمر صور البح يصور اوز... الخ حصرى لحسن سليمان.
- د. محمود سامى مارس التصوير الزيتى ايضاً لازلت ارى فى منزله بعض ما تبقى من هذه الاعمال التى قام بابداعها منذ أكثر من سنوات أثر .
- رحلته ربما الأخيرة لمنطقة الواحات إلمام د.محمود سامى بكيماويات الخامات المستخدمة فى التصميمات الفنية دفعة لاقتحام مجال صناعة الاجزاء المستعارة والوجوة المشوهة والماسكات وما إلى غير ذلك فى صناعة السينما وفنون المكياج .
- استهواه مثلاً مجال صناعة الحلى باعتبار ان قطعه الحلى ليست الا عملاً نحتياً صغير الحجم وقد رأيت خواتم ودلايات بدءا من اسكتشات التصميم وحتى تنفيذ الخاتم بخامات وسيطة عرفت د محمود سامى وهو يعمل فى مجال التصميم الداخلى وتصميم الإثاث وكان رحمة الله مسؤلا ًعن قطاع التصميم لشركة مصرية أجنبية كبيرة فى صناعة الاثاث بمصر المهم فى الامر انه رحمة الله كان أستاذا فى قسم الاعلان والجرافيك بكلية الفنون التطبيقية وهنا يظهر جلياً كيف لهذا المجال اقصد الاعلان بما له من تغلغل فى كافة نواحى الحياة ان يكون قد استفاد بالثقافة الموسوعية سواء فى النطاق الفكرى أو التقنى للبناء الموسوعى لعلم وثقافة د.محمود سامى الاهم من كل هذا ان الرجل لم يترك لنفسه العنان ان يعيش لنوع واحد من الفنون سواء كان التصوير الفوتوغرافى او التصميمات الجرافيكية او التصوير الزيت للدرجة التى يلمع فى سماءها ويحصد جوائزها وما إلى ذلك فالرجل علمنا عدم الاهتمام بهذا ما دمت مدرساً للفنون لأن جائزتك الكبرى أو أن صح التعبير جوائزك الكبرى انما هى كل طالب يتفوق وكل فنان حقيقى تخرج من فصلك الدراسى لم يكن هذا الاستاذ نابغاً فى التجارة بل ستطع سوق مواهبة العديدة لأن هذا يتعارض مع رسالة التدريس التى هى اجرها عند الله وليس عند أى أحد اذا حصلت على اجر السماء امتلات احساسا بالغنى وعدم الرغبة فى دخول معركة التجارة ولو كنت فقيرا نجد انفسنا امام راهب جليل لم ارا وما عرفت الرجل سكن فى شقة صغيرة فى مصر الجديدة منذ خمسة وثلاثون عاماً وقد رحل الرجل من نفس هذه الشقة .علمنا أيضا أن هذه الأمور هى مجرد وسائل وليس أيا استحق بجدارة ان يكون قدوة بكل معنى الكلمة بما امتلكه من مصداقية .
- المؤسف فى الأمر بخلاف رحيلة المفاجئ لنا أن النظام العام والجارى العمل به حتى الان فى تدريس الفنون لنتج أساتذة بهذا الحجم واذا تصادف وجود أستاذ له هذه المواهب فالنظام على اقل تقدير له مكان استثمار ملكاته لصالح مستقبل الوطن وانتهز الفرصة واضم صوتى للأصوات المنادية فى ثور يناير الشعب يريد تغيير نظام التعليم فى كليات الفنون حيث لا يوجد تحت مسئوليتى يرقى لمستوى النظام التعليمى وبطبيعة الحال الخاسر هو مصر .
- عزائى وعزاء جميع اللذين تعلموا على يد د.محمود سامى انه قد رحل فى شهر رمضان الشهر الذى أوله رحمة أوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
- رحم الله د.محمود سامى وعوضنا عنه خيراً.
وحيد القلش
نهضة مصر - 26 / 8 /2011