منحوتات رقية الشناوي بأتيليه القاهرة .. شفافية الكشف عبر وجدان أنثوي
- يتفق كثير من الباحثين على أن الابداع ظاهرة إنسانية عامة لا تخضع لتمايز جنسي بين الرجل والمرأة ,بيد أن هناك فريقا آخر يربط آليات الخلق بالاختلاف الجسدي والنفسي بين الطرفين , وهو الرأي الذي أميل إلية و لاسيما في ظل سياقنا الأجتماعي والديني الذي يمارس ضغوطا لتأكيد تلك الفوراق , والتي قد تنسحب على بعض الضيوف الابداعية المرتبط بحتميات فكرية ومادية تصنع ذلك الخلل النوعي , فإذا وقفنا في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية , سنجد تراجعا كبيرا في العنصر النسائي , خاصة في حركة النحت التي ربما تحتاج غالبا إلي عزائم الرجال , بيد أنني لاحظت أن فنانة مثل رقية الشناوي قد استطاعت ضبط بوصلتها البيولوجية من خلال معرضها الذي أقامته مؤخرا بأتيلية القاهرة , وقدمت فيه أكثر من عشرين قطعة نحتية بين صغيرة ومتوسطة الحجم, وظفت فيها بعض خردة الآثاث المنزلي كمقابض الأدراج والدواليب والماكتب , ومخلفات النجف وإضاءات الحوائط , لتصنع من تلك المفردات الجاهزة تراكيبا نحتية في فراغ أغلبه هوائي , بينما بقيته من بوليستر شفاف أحياناً , وملون في أحيان أخري , وقد جنحت معظم التكوينات صوب تعبيرية تشخيصية تعتمد على الإشارة التوليفية الخاطفة للجسد الإنساني بقدراته الإيحائية الهائلة , بما يومئ إلي ملكة في شفافية الكشف عبر وجدان أنثوي لدية حساسية اصطياد الآلئ التكوين دون جهد بدني قد يعوق جرفية التنفيذ , وعند هذا المنعطف التعبيري نجد أن رقية تمتلك وحيا بصريا إضافيا يمنحها دقة الملاحظة كامرأة تري محيطها الاجتماعي بشكل مغاير للرجل , حيث تتكئ في رؤيتها الإبداعية على دقائق البيت , منطلقة نحو فضاء نحتى يبعث برسالة سهلة إلي المتلقي الذي يقع في فخ شيوع عناصر التناول , وهو ما قد يدفعه إلي الاشتباك البصري السريع مع المشهد , وربما استدرج إلي إمكانية الإبداع نفسه بغواية من يسر البناء المرئي الذي اعتقد أنه يبدأ عند رقية من الفراغ إلي الكتلة والعكس على جسر من مهارة الانتقاء لمفردات العمل , كي تصل به غلي أعلي نقطة على منحني الطاقة التعبيرية , وربما هناك يهتز التكوين بانتاله من التراكيب الأحادية إلي الثنائية والثلاثية , بل يضظرد فعله الحركى داخل سياج من شفافية الكشف عبر وجدن أنثوي يلتقط حصاده , ثم يتركه للعقل ليقوم بتوافيقه الشكلية المحكمه , وامتدادا لهذا الناغم بين الذهني والوجداني بين المحسوب والتلقائي , نجد رقية الشانوي تشيد قواعد أعمالها من قط خشبية عفوية , وأخري من بوليستر هندسي شفاف , وهي مساحة في الأداء يكتمل بها العزل التعبيري الذي يجمع بين الجاهز والمخلق .. بين الواقع الحسي والفكرة الإبداعية , وهنا يستطيع المتلقي أن يقتنص مشهده من بين صورة مألوفة نسبيا للعقل والوجدا الجمعي , بتنوع في المللامس المادية والأبعاد الفيزيقية والايهامات النحتية , مثل خيال مآته في أرض طينية , طائر على جبل صخري وأطفال يلعبون على تلال ترابية , وصداقة حميمية , وفرحة الحرية , وحزن من القهر , وكائنات بحرية تفض بكارة الماء إلي أعلي , وأخري تخترق سطحة إلي أسفل , وبشر ينبطحون , ومثلهم يكافحون من أجل الفوز بلذة الحياة , لتستمر رقية الشانوي في انتزاع لقطاتها النحتية الحية من بين مفرداتها اليومية الصغيرة , كي تجتذب بها المتلقي البسيط لفعل إبداعي مشترك على صراط بصري يؤدي إلي شفافية الكشف عبر وجدان أنثوي .
الناقد : محمد كمال
الاهرام 22/1/2009