محمد صدقى الجباخنجى
- يمتد أثره منذ بداية الاربعينات فهو يساهم فى مجالات متعددة من النشاط الفنى بالاشتراك فى المعارض الداخلية والخارجية وتدريس تاريخ الفن لطلاب جميع كليات الفنون ومعاهدها ـ كما ساهم فى تأسيس عدد من الجمعيات الفنية ويتمتع بعضوية عدد آخر وقد حصل على عدة جوائز فى الرسم والنقد .
-عرف بأسلوبه الاكاديمى الذى واظب عليه معظم حياته الفنية حتى اكتشف بعد أن تجاوز سن الستين مذهب الواقعية التحليلية وهكذا لم يختلق الحداثة او المعاصرة وانما التقى بها بطريقة طبيعية فأصبحت أعماله الاخيرة من اكثر لوحات المعارض العامة نجاحاً واجتذاب المشاهدين وتأثيراً فى نفسية الانسان المعاصرون افتعال .
د./ صبحى الشارونى
الفنان صدقى الجباخنخى.. والطبيعة
- الفن التشكيلى فى مصر حركة ثرية متطورة أنجبت أجيالاً متعددة من الفنانين المرموقين منذ أوائل هذا القرن، فنانين تمثلوا فنون أوروبا وبّرزوا فيها وصاروا أساتذة معلمين، وكان لهم فى مصر دور رائد حيث امتزجت دراساتهم بحضارة مصر.. تاريخها وفنون شعبها.. فكان منهم جيل الأساتذة الرواد الذين صوروا الحياة فى مصر وتغنوا بريفها وحضرها، وأفراحها وأحزانها وعاداتها.. كان منهم راغب عياد ومحمود سعيد ويوسف كامل وآخرون، تلاهم حاملو التنوير وفلسفات المجتمع الجديد في أوروبا أمثال رمسيس يونان وفؤاد كامل والتلمسانى.. هولاء الذين أثروا الفكر المصرى فى الفلسفة والفن التشكيلى والشعر والقصة بالنظريات التى كانت الوجه الجديد لفكر أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
- نعود إلى جيل الرواد حيث نشأ المصور محمد صدقى الجباخنجى، سافر إلى إيطاليا فدرس الفن وتاريخ الفن على نفقته، وعاد إلى مصر ليمارس نشاطاً واسعاً وحركة مستمرة فى التصوير والكتابة والصحافة والتدريس.
- عرفته عاشقاً لريف مصر.. يصور طبيعته الغناء، الأشجار وجداول الماء.. الطرق على جانبيها الأشجار.. المساحات الشاسعة تكسوها الحشائش ذات الألوان الخضراء متعددة الدرجات. سحرته الطبيعة الخلابة فجاءت لوحاته كلها شعراً يتغنى بألوانها وهوائها وظلالها. لم تخل لوحة من شجرة تظلل مدخلاً لبيت، أو ساقية تدور فى حضن ظلال شجرة باسقة.
- بعض اللوحات اختلست لحظات ليسجل عليها شخصيات القرية أو دوابها.
- فن صدفى الجباخنجى لا ينتمى إلى أى من المدارس الفنية المعروفة، ولكنه فنان يعزف لحنه الخاص على قيثارته التى لا يمتلكها أحد سواه.
- هذا هو عالم الجباخنجى الذى صوره وسجله على لوحاته.
- كتب كثيراً من المقالات النقدية على صفحات الجرائد والمجلات، كما صدرت له بعض الكتب فى نقد الفن التشكيلى، وأصدر أول مجلة للفن التشكيلى فى مصر باسم `صوت الفن` كان رئيساً لتحريرها، ترصد أخبار وحركة المعارض الفنية وتقدم نقداً موجزاً لها. كما تنشر بعض مقالات عن مفاهيم المدارس الفنية، وخصص جزاءاً من المقالات تشرح بعض مدارس الفن التشكيلى.
- كان يعمل أستاذاً لتاريخ الفن فى كلية الفنون التطبيقية وكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.
بقلم : سعد عبد الوهاب
مجلة : إبداع ( العدد 10 ) أكتوبر 1987
الجباخنجى .. وداعا
- عرفته الحياة الثقافية المصرية ناقداً صريح العبارة ، صريح الموقف .. وكنت أتمنى أن أكرِّس المقالة للحديث عن إسهامه النقدى البارز ، وتفسير منهجه ، ومناقشة أفكاره .. لولا أن الدعوة الكريمة التى تلقيتها من مجلة ` إبداع ` للكتابة عنه ، جاءت فى وقت حرج ، فلم يسعفنى الوقت بتنفيذ ما كنت أتمناه ، ولحسن الحظ .. فإن لوحاته المنشورة تكشف ، بطريقة ما عن جوهر نظرته النقدية للفن والحياة ! لنتأملها إذن !
- إن تلك اللوحات تمثل مراحله الأخيرة التى قوبلت بترحيب من متذوقى الفن وبعض نقاده ، واصل فيها نفس الأسلوب الذى التزم به ، وهو الأسلوب الوصفى ، التسجيلى الذى سجل به مظاهر طبيعية مختارة مثل : الأشجار والأحجار و الزلط والنباتات المائية والأوراق والسُحُب الخ ، ورغم هذا الميل إلى التسجيل فإنه لا يستبدل ` الفوتوغرافيا ` بنفسه ، وإن استعان بها .. باعتبارها ذاكرة حافظة ، ويختار من الطبيعة ما يعبر - فى معظم الأحيان - عن موقف شعرى ، وبدأب شديد يرصد التفاصيل الدقيقة .. وكأنه بذلك يدعونا إلى المشهد الطبيعى كما رأته عيناه ، وحفظته آلة ` الفوتوغرافيا ` .. وعلينا بعد ذلك أن نستخرج ما شئنا من تداعيات الهدم والبناء !
- فى لوحة ` الخريف فى اسكتلندا ` نرى أشجار نحيلة . ساحقة ، عارية الأغصان ، ورغم برودة الفضاء ، وما يوحى به العرى من حزن .. فإنه لا يتركنا فريسة له ، بل يخفف عنا بذلك العناق المرهف للأغصان ، ودفء الأرض الصفراء ، وإذا تأملنا جذوع الأشجار ، فإننا نجد بعضها قد شابه الإنسان فى هيئته ، تصطف الجذوع فى وداعه .. وذلك على النقيض من الأشجار العاريات للفنان الألماني ` كاسبر فريدريش ` من فنانى القرن التاسع عشر .. فى لوحته المسماة ` ديرفى الغابة ` .. حيث تظهر الفروع العاريات أشبه بالشياطين ، يؤكد شراستها ضوء عاصف يمر خلفها .. تاركاً للظلام فرصة طمس نصف معالم الأشجار ، هل أبالغ إذا قلت إن السكينة ، والحزن الشفيف الذى يشيع فى لوحة ` الجباخنجى ` .. والعنف وحدة العواطف فى لوحة ` فريدريش ` تكشف عن شئ أكثر من التعبير اللحظى .. إلى التعبير عن إنتماء إلى إرثين ثقافيين مختلفين ؟
- فى لوحة ` عاصفة ` يلاحظ المشاهد أن ` الجباخنجى ` يهدئ من عنف الطبيعة ، ويلطف من شراستها : أولاً .. بهندسة المساحات الكلية ، وتقسيمها إلى ثلاثة مستويات أو أقسام :
- قسم ` أرابيسكى ` يتشكل من حبات الزلط ويمثل الشاطئ ، يعلوه القسم الثانى الذى يمثل البحر، تختفى منه الأمواج إلا موجة وحيدة نحيلة .. لا تشارك السحب الرمادية اندفاعها الغاضب ، ولا يربط تلك المقاطع النغمية المختلفة سوى غلالة رمادية تُعتم من زرقة البحر ، وصفرة الشاطئ ، وتسرى تلك الروح الغنائية ، الرقيقة ` الأرابيسكسة ` فى لوحاته التى تمثل النباتات المائية أو الأفرع المورقة ، ويستدرج - فى ظنى - إلى تداعيات التكاثر للدرجة التى ينسى فيها أنه يتعامل مع لوحة ذات مساحة محددة .
- إن معظم لوحاته لا تتسع إلا لأجزاء من كل ممتد خارج حدود اللوحة ، ولا يشك إنه باعتباره ناقد فن ، وأستاذ فن .. يدرك ذلك ، فهل يريد لنا بهذا التحطيم أن يقول : إن الحياة التى أسجلها أكثر اتساعاً من مساحات اللوحة .. وأن الوحدة العضوية بين العناصر لا يحدها إطار ؟ ! ربما !
- فى لوحة ` أحجار وصخور ` يختار من قاع البحر عينة منها ، تعابثها الفوضى والمصادفة ، ولا بما أراد لنا أن نصدم بتراكمها العشوائى .. وربما أراد لنا العكس : أن تدفعنا الفوضى إلى تأمل التفاصيل .. وأن نقترب من الأحجار الصغيرة ، التائهة .. لنكتشف أنها ليست غير أحجار كريمة.
- هل حطم النظام التكوينى فى هذه اللوحة من أجل رسالة أخلاقية ؟ ربما !
- وسواء حطم التكوين أم لم يحطمه .. فإنه يشارك كل الوصفيين موقفهم من اللوحة .. باعتبارها مسرحا لوقائع جمالية تحمل معنى يمكن قراءته ، لا باعتبارها ` حالة ` وجدانية تتجسد على سطح اللوحة ، ولا تقبل الانتقال إلى عالم المسرح او الحكاية .
بهذا يتسق ` صدقى الجباخنجى` الفنان مع ` صدقى الجباخنجى ` الناقد ، ويشتركان فى الوضوح والبساطة .. فى معظم الأحيان .
بقلم : محمود بقشيش
مجلة : إبداع (العدد 12) ديسمبر 1992
|