ليالى الإسكندرية
أكثر ما يميز هذا الإحساس أنه من الصعب أن يغادرك دون أن يترك أثرا عميقا فى نفسك ، تماما مثل ليالى هذه المدينة الساحرة ، التى تأثر بها هيبة كثيراً قائلا : ` من يعرف هذه المدينة سيكتشف وجودها فى لوحاتى خاصة فى الشتاء حين يزداد غموضها وجاذبيتها ..كانت الإسكندرية ملتقى للحضارات ، كما أن بحرها الواسع الممتد يأخذك إلى ما لانهاية ` .
قد تكون هذه اللانهائية منبعاً لخياله الثرى وعمق شخوص لوحاته ومفرداتها ، خاصة مع وضوح الخط الذى يجيد توظيفه ، فيجمع بينها فى علاقات وثيقة تضفى طابعا من الرومانسية، وكأنك انتقلت إلى الكورنيش فى السبعينيات لتشاهد عن قرب قصة حب دافئة فى الشتاء رغم البرد القارس .. ولا تمنعه هذه الرومانسية من تجسيد تفاصيل الحياة اليومية فى أعمال فنية أخرى يروق له أن يطلق عليها ` يوميات إنسان ` إذ تعد نتاجا لتأثر الفنان بكل ما حوله من شخوص وأحداث يومية ..يبتسم هيبة ويقول : ` أحيانا تكون نشرة الأخبار بأحداثها الدامية محورا لبعض أعمالى `
ورغم دراسته العلمية ، حيث حصل على بكالوريوس العلوم جامعة الإسكندرية ،إلا أنه شديد الولع بالأدب ، خاصة الشعر العربى والعالمى ، الذى كان ملهماً له .. معرضه الجرافيكى حول أشعار العراقى بدر شاكر السياب أحد أهم ملامح هذا الإلهام فى تجربة فنية ثرية تعد ملتقى للأدب والفن التشكيلى معا .. ويقول ` أحببت شعر الشياب وقرأته 3 مرات ، وأعتقد أننى تناولته فى لوحاتى فى جميع مراحله الرومانسية والسياسية والذاتية .. المزج بين الشعر والتشكيلى رائع ، ويمس شيئا ما فى أعماق الفنان `.
تتلمذ هيبة على يد العملاق الراحل سيف وانلى ، التحق بمدرسته الفنية منذ كان طالبا ، ولا يزال يتذكر إحساسه عندما كان يصعد سلالم بيته فى محطة الرمل بالإسكندرية ، بأنه كمن يصعد ليلتقى بالقمة أو ليرتقى لمرتبه أعلى فنياً .
ولعل هذا التأثر بوانلى دفعه إلى عشق الاسكتشات التى تمثل مرحلة مهمة فى حياته الفنية ، بعدها اهتم باستخدام الزيت على التوال .. والمتابع لأعماله يكتشف ميله إلى استخدام عدد محدود من الألوان ، تكاد تنحصر فى الأخضر والأحمر والأزرق ، ويرى أن ذلك يتماشى مع أفكاره المتشابكة التى تحتاج إلى أسلوب سهل وألوان محددة لتوضيحها وفك التشابك بينهما ، وإن كان مؤخرا بدأ يخرج من دائرة هذه الألوان الثلاثة فى مرحلة فنية جديدة ، سيستكملها بمعرضه الذى يعد له الآن.
يتفق انجذاب الفنان اللبنانى حسين ماضى للمرأة مع عشقه للطبيعة التى يستقى منها مفردات أعماله وولعه بالحياة بألوانها ومتاعها ، وربما لذلك لا يريد أن يرى منها إلا كل ما هو جميل ورقيق .. يقول ماضى : ` من لا يستطيع أن يقرأ الطبيعية لا يستطيع أن يكون عملاً فنياً جميلاً ، الطبيعة هى معلمتى الوحيدة `.
وامتدادا لذلك ، تبقى المرأة هى الملهمة الأولى لحسين ماضى ، فهو يرى فيها الأنوثة الكاملة والإغراء .. ومن الطريف أنه يفضل المرأة النحيفة ، إلا أنه يجسد فى لوحاته تلك المرأة الممتلئة بإغراء ، فهو يشعر أحياناً بأنه أسير مجموعة هذه التكوينات والخطوط التى تشكل جسدها ، وهى إغراءات لا يقاومها بل يستسلم لها فنياً وقد يكون هذا الانحياز المتعمد أو غير المتعمد لبدانة المرأة فى لوحاته ، نوعا من الاستدعاء للذاكرة البصرية العربية أو الإرث الاجتماعى والتاريخى للعرب عن المرأة ، وقد يرتبط ذلك أيضا بميله للمسات الساخرة التى يقصد بها إحراج المرأة العصرية بوضع نموذج الجمال الصارخ التقليدى القديم المتوارث أمامها لعلها تنجذب له! ولذلك غالباً ما تكون المرأة الجميلة البدينة ذات الأنوثة الطاغية والدلال الساحر موضوع أعماله الفنية ، فهو لا يريد أن يرى فى الجنس الناعم تلك المرأة العاملة ، التى تنسى فى زحمة حياتها الاهتمام بنفسها وبجمالها ..ولعل ذلك يفسر لماذا يصف النقاد أعماله بأنها تجسد الفهم البديهى العميق للتقاليد الشرقية الفنية والروحية .
وعندما تتبع لوحاته تكتشف أنها تمثل فى مجملها صورة حية تحكى تاريخا من الجمال بأسلوب فنى بسيط وسهل ولكنه السهل الممتنع ، الذى يرتبط برؤيته للحياة ، وعن ذلك يقول : ` أتعامل مع الحياة ببساطة شديدة ولكن أصعب شىء هو تبسيط الأمور ` .
أقام الفنان اللبنانى منذ 1965 ما يزيد على خمسين معرضاً فردياً فى لبنان وروما وميلان وفينيسيا وجينيف وطوكيو ودبى ، حصل على الجائزة الأولى فى الرسم من متحف سرسق فى بيروت ( 1965 ) ، والجائزة الأولى فى فن الجرافيك من مدينة ليتشى بإيطاليا ( 1974 ) .. وفى عام 2003 ، تم تقليده وسام من قبل الحكومة الإيطالية . ويمكن العثور على أعمال ماضى فى عدد كبير من المجموعات العامة والخاصة المهمة حول العالم ، ومنها المتحف البريطانى فى لندن ، ومتحف الفن العربى فى الدوحة ، ومتحف سرسق فى بيروت ، ومجموعة ميشيل تابيه فى باريس .
نادية عبد الحليم
البيت : نوفمبر 2011