فيسيلا فريد (مدام بشتلى) سابقاً
هناك سمة مشتركة نجدها فى أعمال الفنانات المصريات
- إن لوحاتهن تدل على إنهن لا يقبلن التعبير السهل ولا النقل المجانى لتفاصيل الواقع .. هكذا ينبغى أن ننتبه للحدة التعبيرية فى أعمال مرجريت نخله والانضباط والأصالة فى أعمال فيسيلا فريد ولحساسية تحية حليم العميقة ومزاج خديجة رياض الحقيقى ، غير المفتعل . ويكتمل المشهد التشكيلى بتجارب عفت ناجى وإنجى أفلاطون .
- هنالك مزيج من الرزانة والذوق فى لوحات فيسيلا فريد .
- إن حرفيتها صافية لا ريب فيها .
- لا يزحم لوحاتها أى زيفٍ ولا أى عنصر الغرض منه مجرد الصدمة الفارغة .
- إنها تتناول موضوعها دائماً بتواضع ساحر وتفهم نافذ وفعال .
- ذلك لأن الموضوع - ذلك العنصر الذى تحررت منه كثير من الاتجاهات الفنية الحديثة - لا يزال مهما بالنسبة لهذه الفنانة التى تعيش وحدها فى مذاهب حداثة حكيمة تخوض فى مسالكها النائية المنعزلة .
- إن الحيوية الفياضة المتدفقة التى تسم أعمال الوحشيين ( أندريه ديران - موريس دى فلامنك وهنرى ماتيس ) تسرى فى أعمالها ولكن وكأنها مرت أولاً عبر بلورة صافية شذبتها وروضتها كى تغمر اللوحات بحساب وتعقل : إن شطحات الحلم الغاضبة والخيالات المتطرفة تطرح كبرياءها جنباً وتتخلى عن جموحها كى تعيش بين موائد البسطاء فى لوحاتها أليفة ومسالمة وودودة .
- هنالك حياء مصدره الإيمان وسلامة النية يحول بين فيسيلا وبين الرغبة فى إحداث صدمات فنية شائنة بإدخال عناصر أصبحت من مفردات الموضة الدارجة :إن هذا ما ترتأيه الفنانة ويؤطر عملها فهى تسعى لأن تحتفظ بسذاجة الومضات الأولى للسحر التشكيلى كما هى دون أن تمس .
- ولكن هل يعنى ذلك أن الانطلاقة الحرة تغيب عن رؤيتها الفنية ؟ سنجحد صدق الفنانة وصراحتها لو قلنا هذا وسنجحد أيضاً حبها الرزين المحسوب والموزع بذكاء على العناصر التى تكون الطبيعة الثانية للوحاتها .
- كنا نود فقط أن تكون أكثر حرية
- إن هذه الملاحظة الصحيحة وجهت إليها بصدد أعمالها السابقة على سنة 1953 وهو التاريخ الذى عرضت فيه فيسيلا مجموعة مهمة من اللوحات بجاليرى جاليون للفنون ( كان من بين لوحات هذا المعرض عارية ذات تكوين قوى وبفضل جمال الألوان المحببة اللحمية وبفضل التوزيع الدقيق للإضاءة على نتؤات اللحم ومسطحاته بدت هذه اللوحة وكأنها جديرة بأن توضع فى متحف خارج الزمان حسب تعبير إتيان ميريل ) .
- منذ هذا التاريخ طيبت فلسفة جريئة ومحبة للحياة فى آن واحد حزنها الشجى الذى كان يدل على حياة صعبة كانت تعيشها .فبدون أن تلوذ بصمت يقظ وخالص الانتباه والحرص كصمت شيرون معلم أخيل - السنتور الأسطورى الحكيم - اخترقت فيسيلا اللغز وحاورت الحياة وحطمت دون ضجيج ولكن بمثابرة أليمة آخر قيودها المدرسية .
- إن عملا روحيا بهذا الحجم أظهر كل نباله نفسها وأظهر ثقتها فى الحياة ..لقد رست فى تلك اللحظة على ضفاف حياة جديدة .
- ولكى نعبر عن كل أصالة المعجزة نقول أننا فعلا نشعر بالحيرة والارتباك أمام روعة الفعل السرى الذى تحى به وتبارك أصغر تفصيله من تفاصيل عملها الذى أحاطت به روحها وحفظته فى طواياها على نحو شاعرى وصادق .
- إن فيسيلا تتخطى المدرسية ولكن ترى إلى أى مدى تحقق الفنانة هذا التجاوز ووفقاً لأية معايير تمارسه ؟
- إن حالتها ليست غريبة : إنها على الأحرى تجربة طبيعية فبعد أن تلقت تعليماً أكاديمياً بالغ الصرامة كان على فيسيلا التى من طبيعتها الصدق مع نفسها أن تأخذ الوقت الضرورى كى يتحول فنها ويتماهى مع طبعها وشخصيتها ومع بحثها عن أصالتها الخاصة .وعند بعض الفنانين تكون طرق التحول أوضح أمامهم من آخرين غير أن كل محاولة تقوم بها روح صادقة تكون أثقل عبئاً وأكثر فاعلية ونجاحاً فى المستقبل مهماً بعد . لقد أدرك النقاد الأبعد حكمة مبكراً قيمة الرسالة التى أتت بها فيسيلا .إن رسمها الحى اليقظ السريع العنيد يبرز الطبيعة العميقة للشيء . لقد بشر فنها الأول بالغنائية التى تسم أعمالها فى المرحلة الحالية : درجات الألوان وتدرجها والحساب الدقيق لها ،إبراز بعض درجات اللون الأحمر البديعة التى ترد على درجات الأخضر المكملة وتتحاور معها والتوازن التشكيلى المنبثق من تكوين مضموم . كل تلك العناصر متضافرة ومجتمعة كانت موجودة من البداية وبلغت أوجها الآن .
- غير أن هناك سؤال صعب رافق التحول فى إبداع الفنانة وتبلور فيه :أينبغى لمجهودها الذهنى أن يتوافق مع رؤيتها الجديدة وفقاً لآلية إبداعها القديمة أم أن عليه أن ينحسر ويترك للتلقائية - وللهذيان حتى - أن تلعب دوراً أكبر؟
- إن المحاولات تتابع وتفضى الواحدة إلى أخرى وبين مناظر طرة الجبل وبين الموضوعات البحرية التى تبدعها الآن : شبرا أو رأس البر اشتقت الفنانة طريقاً لحريتها .هنالك مسحة تجريد فى الرسوم ، وتلقائية فى درجات الأحمر والبنفسجى التى ترد على البنيات القوية أو على توهجات الأصفر الزاهية ( التى تخففها الفنانة فى كثير من الأحيان بالأبيض أو بالرماديات) هناك تكوين أكثر رحابه له أصداء متعددة يقرب أعمال فيسيلا من أعمال التعبيريين الفرنسيين.
- إننا أمام هذه المرحلة الأخيرة نعبر عن احترامنا لموهبة تحاول أن تضاهى حاجتها القوية للحقيقة وتواكبها ونأمل لها أن تحقق محاولات جديدة أصيلة تنسجم فيها الفانتازيا الشاعرية مع الأصداء القوية لطاقة تشكيلية يقظة دوماً.
بقلم :إيميه عازار
نساء الطبقة الشعبية بلمسة الحزن والأمل
- رحلت ` فيسيلا فريد ` فى الثالث من أغسطس عام 2007 بعد صراع طويل مع المرض والشيخوخة ، تاركة وراءها ذكرى عطرة محملة بإخلاصها لفنها ، كما اشتهرت الفنانة بعاطفتها الجياشة ورقتها ومحبتها الكبيرة للمحيطين بها.
- خلال الأعوام الأولى منذ مجيئها إلى مصر ، وحتى فترة الستينيات ، كانت ترسم المناظر الطبيعية بالألوان الزيتية . كما أنها فى الوقت نفسه أنجزت لوحات أخرى لموديلات ، ودراسات لوجوههن فى لحظات مختلفة من حياتهن. غير أنها اضطرت لهجر الألوان الزيتية فى فترة الستينيات نظراً لصعوبة الحصول عليها آنذاك ، حيث كان عليها أن تنتظر مجىء أحد الأصدقاء من الخارج حاملاً معه بعض تلك الألوان، وتركت ألوانها لزوجها الفنان ` موريس فريد ` الذى واصل الرسم بالألوان الزيتية ، بينما اتجهت هى إلى استخدام الجواش ثم الأكريليك الذى ساعدها على التحرر من قيود الألوان الزيتية ، وأجبرها بسبب قابليته للجفاف السريع على العمل بسرعة وتلقائية.
- وتتجلى عبقرية أسلوبها الفنى فى إضافة اللون الذهبى والفضى أحياناً مع استخدام الحبر الشينى للتحديد ، وعندئذ طويت صفحة المناظر الطبيعية بالألوان الزيتية واستقبلت تجربتها الفنية مرحلة أخرى اهتمت خلالها بدراسة المرأة ، غير أنها لم تتجاهل الرجل .
- واصلت مشوارها الفنى عبر رحلاتها المتعددة إلى الخارج وكانت تعود حاملة معها لوحات لمشاهد طبيعية صادفتها فى مدن وبلدان كثيرة مثل أمريكا وبلغاريا ولندن ومدريد وباريس ، ولكن مصر ظلت دائماً هى الحقيقة الأبدية لها ، حيث اكتشفت نفسها وتجربتها الفنية الذاتية فيها .
وفى هذا يؤكد الناقد الفنان ` مكرم حنين` قائلاً : لوحات ` فيسيلا فريد ` أكثر مصرية من كثير من فنانى مصر المعروفين .
- ويذكر أن أول معرض أقامته ` فيسيلا ` فى مصر كان عام 1942 فى قاعة ` لوتسيا` ثم قاعة ` هانو ` وهو المعرض الذى كشفت فيه عن بورتريه شخصى لها أدهش النقاد آنذاك.
- حياتها
- ولدت ` فيسيلا فريد ` فى مدينة ` صوفيا ` ببلغاريا عام 1915 لأسرة تنتمى للطبقة المتوسطة، والتحقت بالأكاديمية الملكية للفنون فى المدينة نفسها، وفى عام 1938 ، جاءت إلى القاهرة لزيارة أختها التى كانت ضمن أعضاء البعثة البلغارية فى مصر، وخلال زيارتها هذه جاء لقاؤها مع عالم الآثار الدكتور ` شارل باشتلى ` ، وقررت البقاء فى مصر معه بعد أن تزوجته عام 1939 .
- وبعد وفاته عام 1956 ، تزوجت الفنان ` موريس فريد ` الذى كان يعمل رساماً فى هيئة الآثار المصرية فى ذلك الوقت ، والذى يعد أحد تلاميذ الفنان الكبير ` راغب عياد` .
-وكان ` موريس ` ضمن مجموعة الفنانين والمفكرين الذين كانوا يحرصون على اللقاء فى مرسم الفنانة ` فيسيلا ` فى جاردن سيتى ، كما كان من ضمن هذه الكوكبة المصور والنحات ` بونيللو ` ، والناقد الشهير ` إيميه آزار` ، وعالم الأثار ` سامى جبرا` .
-وبعد زواجها من ` موريس ` اتخذ الاثنان من شقتهما بحى الزمالك مرسماً لهما ، حيث عاشا حياة سعيدة هادئة انتهت بوفاة ` موريس ` المفاجئة عام 1994، وفى مرسمهما هذا كانا دائماً فى استقبال الأصدقاء ومحبى الفنون خاصة أيام الأحد.
- وخلال حياتهما كرس الزوجان كل وقتهما لإبداعاتهما الفنية ، حيث كان ` موريس ` يحرص على الذهاب كل يوم جمعة إلى الطبيعة العميقة للشىء. لقد بشر فنها الأول بالغنائية التى تتسم بها أعمالها فى المرحلة الحالية : درجات الألوان وتدرجها والحساب الدقيق لها، وإبراز بعض درجات اللون التى ترد على درجات لون آخر وتتحاور معه ، والتوازن التشكيلى المنبثق من تكوين مضموم ، كل تلك العناصر متضافرة ومجتمعه كانت موجودة من البداية وبلغت أوجها .
-هناك مسحة تجريد فى الرسوم وتلقائية فى درجات الألوان التى تخفها الفنانة فى كثير من الأحيان بالأبيض أو بالرماديات ، وهناك تكوين أكثر رحابة له أصداء متعددة يقرب أعمال ` فيسيلا فريد` من أعمال التعبيريين الفرنسيين .
-كانت أعمالها الأخيرة مجموعة لوحات لفتى صغير ، وعدد الفسطاط ليعود آخر اليوم حاملاً اللوحات التى أنجزها فى ذلك النهار ، وعرفه السكان والحرفيون هناك بقبعته الشهيرة وحامل اللوحات الذى كان يحمله معه.
-أما ` فيسيلا ` فقد كانت كل أسبوع تدعو بائعات الخضروات اللاتى يفترشن الأرصفة على قارعة الطريق للوقوف أمامها داخل المرسم لرسمهن ، بينما كان ` موريس ` يرسم المناظر الطبيعية بالألوان الزيتية ، فقد كرست ` فيسيلا ` تجربتها الإبداعية لرسم أولئك النسوة مستخدمة ألوان الأكريليك فى لوحاتها . وهكذا سارت الحياة بهذين الزوجين المبدعين وكأنهما يتبتلان فى محراب فنهما حيث لم يرزقا بأولاد .
-البسطاء المقهورون
- وخلال مسيرتها الفنية حرصت الفنانة على عدم حصر تجربتها الإبداعية فى الإطار الأكاديمى الذى مارسته أثناء فترة دراستها ، كما حرصت فى الوقت نفسه على عدم الوقوع فى أسر الحداثة .
-( عالم من البسطاء المقهورين ) تلك هى أعمال ` فيسيلا فريد ` التى تتسم بالرهافة والذوق السليم وإتقان ومهارة وثقة .
-ما من شىء زائف أو صارم يثقل لوحاتها .. إنها دائماً تتناول موضوعاتها بتناول ساحر وفهم فعال ، لأن الموضوع مهم جداً عندها، تغلب عليه الحكمة والرصانة، تتخلى عن مكانتها لكى تحيا بشكل مألوف وعادى على مائدة بسطاء الناس، ثم حياء من معدن طيب يصون ` فيسيلا فريد ` من الصدمات العارمة للعناصر غير المألوفة فى الموضة حسب قولها،إنها تبقى على سذاجة الأضواء الأولية للسحر التشكيلى دون مساس.
-بعد دراسة أكاديمية شديدة الصرامة ، استطاعت ، وهى دائماً صادقة إزاء نفسها ، أن تأخذ الوقت الضرورى لكى تقوم من خلال لوحاتها بالتحول الضرورى لمزاج يسعى إلى مثل أعلى للأصالة .إن رسمها النابض بالحياة يشهد على الحقيقة العميقة لموضوعها.
-تنويعات الألوان وحساب الأنغام حساباً دقيقاً وتوازن أكبر فى التكوين ، كل هذه الخصائص ، مضافة إلى التوازن التشكيلى، تنبثق من تكوين وثيق يؤكد ثراء أعمالها .
-منذ ذلك التاريخ، بدأت فلسفة ، جريئة ومحبة للحياة فى آن واحد . لقد رست فى تلك اللحظة على ضفاف حياة جديدة .
-ولكى تعبر عن أصالة المعجزة ، نقول إننا فعلاً نشعر بالحيرة والارتباك أمام روعة الفعل السرى الذى تحيا به وتبارك أصغر تفصيلة من تفاصيل عملها الذى أحاطت به روحها وحفظته فى طياتها على نحو شاعرى وصادق.
-إن ` فيسيلا ` تتخطى المدرسية ، ولكن ترى إلى أى مدى تحقق الفنانة هذا التجاوز ، ووفقاً لأية معايير تمارسه ؟ إن حالتها ليست غريبة : إنها على الأحرى تجربة طبيعية ، فبعد أن تلقت تعليماً أكاديمياً بالغ الصرامة كان على ` فيسيلا `، التى من طبيعتها الصدق مع نفسها، أن تأخذ الوقت الضرورى كى يتحول فنها ويتماشى مع طبعها وشخصيتها ومع بحثها عن أصالتها الخاصة.
-إن رسمها الحى اليقظ السريع يبرز من اللوحات بالألوان المائية لمشاهد وقعت عليها عيناها من نافذة حجرتها فى مدينة ` سليفن` فى بلغاريا حينما أصبحت لا تقوى على الحركة.
-وعن آخر معارضها الذى أقيم بمركز الجزيرة للفنون بمصر، كتب الفنان ` محسن شعلان` بعنوان ` فيسيلا فريد ..إبداع طازج مفعم بالدفء ` :
-` عاشت ` فيسيلا فريد` حياة صامتة رغم ذوبانها فى كل وأدق تفاصيل الحياة المصرية البسيطة التى طالما لخصتها فى ملامح نساء مصريات من هؤلاء اللاتى يتدفق منهن فيضان من البساطة فى جلسات الطرقات يتحاورن متجاورات ، أو يجلس أمام أقفاص مشغولة يعرضن عليها بعضاً مما نتلقفه ونشتريه فى الأسواق المزدحمة بالخضروات والخبز والسلع اليومية . يضاف إلى ذلك أن نساء ` فيسيلا ` خلون من أى افتعال أو تحميل ما فوق طاقتهن الجمالية.. فهن دائماً يفصحن عن طزاجة وديناميكية وثراء فى التعبير`.
- وكتب عنها الفنان ` محمد رزق ` تحت عنوان ` عالم فيسيلا فريد `:
-` هذا العالم الذى يتشكل من البسطاء المقهورين من الناس فى تكوينات بشرية تتموضع وسط فضاءات خاوية ، انسحب منها العالم الخارجى كلياً، ومع ذلك فإنها جميعاً مأزومة لدرجة أن أجسادها ، لا سيما وجوهها ، تتشكل وكأنها تحت ضغط هائل، تبدو كأنها أسيرات الصمت ، ومع ذلك ليس ثمة ما يحكى البشر فهم يصرون على صرختهم الخرساء .. إن شخوصها هى صياغات فنية تعتمد على البساطة والاختزال والتلقائية وقوة التعبير فى آن واحد .. مشحونة بدلالات تصل إلى مستوى السحرية والباطنية ، فتناولها للمعانى والموضوعات هو تناول شمولى له دلالات فلسفية وأبعاد اجتماعية ، فالإنسان فى أعمالها محاصر يبغى الخلاص ويتوق إلى الثورة ، وتكاد أشكالها تستغيث من الواقع استغاثات وظلال غامضة وأخرى لها مغزى`.
- وتحت عنوان ` نساء جالسات ` كتب الناقد ` مكرم حنين`.
- ` لقد تميزت لوحاتها بميزات أساسية تنفرد بها وهى التمكن الفنى والإحساس بالفورم وقوة الخطوط المرسومة التى تحدد الشكل وهى قوة جعلت من لوحاتها أشبه بالكروكى الملىء بالانفعالات ، وهى بذلك تحقق درجة عظيمة من التعبيرية المشحونة والإحساس الأول فى مواجهة الشكل ، ثم يأتى التلوين بعد ذلك مكملاً لحرية يد الفنانة فنجد لوحاتها على درجة كبيرة من الحيوية والحركة وهى فى ذلك لا تهتم بتنمية الألوان أو تحسين التكوين فهذه سمة التعبيريين الأساسية ، فهى بريشتها التعبيرية من أقدر من صور نساء الطبقات الشعبية فى تاريخنا الفنى ، ولوحاتها غاية فى الأهمية فنياً وإنسانياً، فهى متعاطفة ومتفهمة لهؤلاء النساء البسيطات التى لا تخلو تعبيرات وجوهن من ذلك الأسى والألم الباطن.
بقلم : د: إيناس حسنى
مجلة الخيال العدد ( 38 ) مايو 2013
رحلة فى شخصية وأعمال فيسيلا فريد
- يكرم المركز القومي للفنون التشكيلية الفنانة القديرة فيسيلا فريد بمناسبة المعرض القومي للفنون التشكيلية عام 1995 وهى فى الثمانين من عمرها حيث ولدت عام 1915 فى صوفيا بلغاريا اسمها الاصلى فيسيلا جورج تسوزوف.
- وبعد إنتهائها من دراسة الفن بأكاديمية الفنون الملكية بصوفيا زارت مصر ثم تعرض بيتها فى صوفيا إلى الحريق أبان الحرب العالمية الثانية فعادت إلى مصر عام 1939 لتستقر فيها وتزوجت الفنان المعروف موريس فريد وشاركته حياة أسرية وفنية حافلة بالألفة والوفاء تقول كان موريس طيبا معى وقد رعانى وأحسست معه بالأمان ولولاه لما واصلت العمل الفنى.
- احتضنت مصر فى تلك الآونة عدد كبير من الفنانات من جنسيات مختلفة بعد أن درسن الفن فى أوطانهم الاصلية فأنعكست تجاربهم الفنية الحيوية على الحركة الفنية النشطة في القاهرة والاسكندرية ومن بين هؤلاء الفنانات بورشار سميكة ايما كالى عبدا كليبدرو ايمى نمرل - س راينر مارجو فيون - مرجريت نخلة وآخرين .
- وزعت فيسيلا وقتها بين التدريس فى المعهد العالى للفنون الجميلة ببولاق كأستاذة خارج الهيئة وفي المدرسة الانجليزية للغات لمدة ثلاثة سنوات وفي مدرسة اللسيه فرانسيه لسنوات طويلة كمعلمة للرسم وبين اداء وجبات المنزل ورعاية الزوج وبين ممارستها لفن الرسم والتصوير الذى يملاء عليها كيانها .
- أقامت أول معرض خاص خلال الحرب العالمية الثانية فى قاعة عرض فى قصر النيل بعد شارع شريف وأعقب ذلك معارض عديدة كان آخرها معرض اقيم في قاعة معهد جوته بالقاهرة والاخر بالمركز الثقافى المصري للتعاون الدولي بالقاهرة مشاركة مع زوجها الفنان موريس فريد كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية والصالونات الرسمية بمصر وأعمالها ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف الفنون الجميلة بالاسكندرية ومتحف الفن الحديث بصوفيا ببلغاريا ودار الاوبرا الجديدة ومركز المؤتمرات بمدينة نصر ومصر للسياحة.
- كما عرضت أعمالها فى كل من قاعة الفن للجميع شارل منشه عام 1961 وفي قاعة اخناتون قصر النيل ، ياسمين بالريان 1965 والجاليري جوركو بصوفيا بلغاريا 1968 ، والمركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة 1969 ، ومعهد جوته بالقاهرة أعوام 1978- 1988- 1984- 1986 ، والمركز الاسباني بالقاهرة عام 1983 ، المركز الثقافى للتعاون الدولى بالقاهرة اعوام 1982 ، 1983 وفي عام 1971 حصلت علي الجائزة الاولى فى صالون القاهرة الذى تقيمه جمعية محبي الفنون الجميلة بالقاهرة.
- قبل أن تأتى إلى مصر كانت ترسم كل شئ الزهور البورترية المناظر التكوينات بأسلوب اكاديمي مبسط وبإستخدام الالوان الزيتية وفي بداية اقامتها بمصر كانت ترسم بورتريهات كثيرة ومناظر وطبيعة صامتة وبعد عدة سنوات تألفت مع البيئة المصرية ووجدت في موضوع الفلاحات ضالتها في التعبير عن نفسها بالرسم والتكوين.
- وتقول أنا سيدة اذهب للتدريس واعمل فقط حينما أكون في المنزل اذ لم يكن بامكاني ان ارسم بالخارج مثل ` موريس ` كنت أدعو سيدات ` غلابة ` إلى المنزل وارسمهم حيث يمكنني متابعة متطلبات الحياة اليومية مع الرسم.
- وفى السيتينات كانت الخامات الفنية شحيحة وكانت حالتها الاقتصادية جافة فرسمت بالألوان الجواش ولكن تلك الخامة لم تستهويها وعند عودة الاستيراد إلى السوق المصرية عملت بالألوان الاكريلك ورسمت علي المساحات اللونية المخلوطة تشكيلات خطية كتحديد وهى تستخدم قطع من الخشب تبريها بالة حادة ثم تغمرها فى الحبر الشينى وترسم بها.
- تقول فيسيلا فريد عن رسومها الرائعة بالأبيض والاسود وعن بعض اعمالها القديمة هذه ( ذنوب الشباب ) وهي متواضعة أو هي مخطأة حقا ففيها أري أن تلك المجموعة الرائعة من الرسوم التي تعبر عن التسجيل السلس لأوضاع اناس عاديون في حالات النوم في الاغلب وفي حالة انتظار اليد علي الخد ، الرأس علي الركبة ، أو مدفونة بين الركبتين ، وكأنها تسجل حالة الموديل وهو مسترخي نائم أو نصف نائم ، والجلسات يدفئ كل منهم الاخر في تكتل نحتي ثم ثلاثة فتيات يمددن ايديهن في طبق واحد وهى سلسة من الاعمال تحوم حول هذا الموضوع ترسم كل ذلك بخطوط متوترة حافة كأقواس متلاحقة تكون مجالا مغناطيسيا لهيكل الشكل ، وخطوطا أخري منسابة تربط تلك الخطوط المتلاحقة معا فى سباق مستمر.
- ومجموعة أخرى من الرسوم المتخيلة التحليلية والزخرفية حول موضوعات الرجوة الراحة الاسترخاء ، تنطوى على احساس نحتى واضح وقدرة ممتازة على التصميم والتكوين.
- وسألتها عن علاقتها بالنحت فقالت لقد كنت أميل للنحت كثيرا ومتميزة فيه اثناء دراستي بالاكاديمية ولكن كنت نحيفة وضعيفة جسمانيا وقال لي أبي من الافضل ان تتخصصي في الرسم والتصوير لانه لا يتطلب قوة جسمانية وعن دراستها تقول كنا في السنتين الاولي والثانية ندرس تقريبا كل شئ نحت ورسم وزخرفة وجرافيك وتاريخ فن وفى السنة الثالثة وحتى الخامسة تخصصت في التصوير والرسم ، وكان الرسم من الموديل دائما في المساء وكنت اذهب كل ليلة وأرسم كثيرا وبحماس شديد فقد كنت نشطه جيدا وعن فنانيها المفضلين في العصر الحديث تقول : أحب فناني الفن الحديث حتي الخمسينات ، والستينات - ماتيس - دوفي - رووه - شاجال - وحتي بيكاسو أحبه وهذه المجموعة المدهشة زي الرينيسانس كلهم كويسين قوي ومتميزون بالمقارنة بالجوانب الثقافية الاخري وأحب الكثير من الفنانين التشكيلين ومنهم راغب عياد - محمود سعيد - تحية حليم - جاذبية سري - زينب عبد الحميد - أنجي أفلاطون - ونازلى مدكور،
- عن تدريسها بالمعهد العالى للفنون الجميلة تقول حينما حضرت إلى مصر كانت الحرب قد أظهرت شراستها في صوفيا حيث احترق منزلنا فجئت بدون أوراقي وشهاداتي ولذلك عملت كزائرة في معهد الفنون الجميلة للمعلمات وكنت أذهب كل يوم لحبي للتدريس رغم أن مكافئتي كانت عن يوم واحد وكنت أقوم بتدريس الطبيعة الحية والموديل وأمتددت فترة تدريسي بالمعهد لمدة خمس سنوات زاملت فيها الفنانة كوكب يوسف والاستاذة عدلات كمال ومجموعة أخري من الزميلات العزيزات وكان من أبرز تلاميذي نادية خفاجي وسوسن عامر وغيرهما كثيرين ولكن اغلبهم انصرف عن الفن وابتعد عن المدينة للتدريس في محافظات اخري وكنت التقي مع عدالت كمال وكوكب يوسف وانعام سعيد فى نادى سيدات القاهرة فتوطدت بيننا أواصر الصداقة.
- وعن رحلتها الفنية تقول فيسيلا فريد : سافرت إلى أسوان والاقصر وإلى الشواطئ وإلى البدرشين عند أصدقاء لنا وكنت ارسم المناظر الخلوية الريفية هناك.
- وسافرت إلى أمريكا وحدي وقضيت ثلاث اشهر عام1971 ، ثم سافرت مع موريس الي اسبانيا لمدة ثلاثة شهور ، وفرنسا لمدة شهرين ومنذ السبعينات كنت اسافر الي بلغاريا كل عامين حيث كنت التقي باقربائي في كلا من صوفيا وسيلفن وكانت تلتقن بابن عم والدها نيكولا تسوزوف وهو مصور ذائع الصيت في بلغاريا وعند سؤالها عن شعورها عما يكتب عنها قالت : أنا لا أهتم بما يكتب عني أنا مشغولة عن هذه الاشياء والتقي ( بناس مهمين ) كثير من بلدان مختلفة يقتنون اعمالى بسعادة وحماس من بينهم الكونت زغيب مدام ليلى شعير ، مدام فراج ، مدام الدمرداش ، فاتن حمامة ، سناء جميل ، نبيلة واصف ، مدام رؤوف غالي ، مدام وديع عطا الله ، ماريت غالي ، مجدي وهبة ، سامي جبره ، ميشيل غالي ، مدام ارمانيوس ، مرعي باشا ، مدام أحمد عزت ، مدام أحمد منصور ، يوسف مشاقة ، محمود بك سيد ، مدام محمود رمضان ، مدام ليلي شفيق فريد ، ايمن التوني ، شارل جدواي ، صفوت حبيب ، صلاح بنهان ، واسرة محمود بك رشيد ، زهير الفار ، ماري خشبة ، وذواقة من كل من امريكا ، انجلترا ، الارجنتين ، المانيا ، سويسرا ، اليابان ، البحرين ، المغرب ، بوغوسلافيا ، كندا ،استراليا ، ايطاليا ، اسبانيا ، بلغاريا.
- وفى عام 1994 مرت بظروف صعبة للغاية عطلت عادتها في الرسم بصورة مستمرة ثم عاودت الرسم مرة أخري بألوان الزيت وتقول لم أجد نفسي في هذه الاعمال الاخيرة ولكني لم أعرض اي عمل الا اذا اقتنعت بقيمته وانا علي اي حال لا اعمل كثيرا هذه الايام.
- وعند استعراض لوحاتها الزيتية وجدت ثلاثة روائع لفن البورترية تحمل بصدق وشفافية شخصية زوجها الراحل الفنان موريس فريد تعد من اروع الصور الشخصية في الفن المصري الحديث كما شاهدت اعمالا تمثل فتيات وسيدات يغلب علي ردائهم اللون الأحمر وبسؤالها عن السبب قالت ببساطة ايوه انا احب اللون الاحمر انه حيوي ومنعش وكنت اقاطعها بين الان والاخر هل ارهقتك ؟ هل تعبت؟ وكانت كريمة جدا معي فقد اعطتني من وقتها الكثير ومكنتني من أن أري كل ما عندها من أعمال ترجع الي الاربعينات وحتى الان بما في ذلك عشرات الرسوم الخطية التي يكمن فيها سر حيويتها الفنية وحبها للرسم وللنحت واطلعت علي دفاتر اعدت بعناية تتضمن صورا فوتوغرافية وعلى كل منها اسم مقتنيها وبعد أن غرقت فى هذه الذكريات البصرية الحافلة قالت لى لم تتعب؟ قلت كلا ، بل اسعدنى ذلك كثيرا.
بقلم : مصطفى الرزاز
من كتالوج المعرض العام الدورة 24
|