ظل طوال رحلته مع الإبداع مخلصا للوحة التصوير التي جاءت بمثابة وسادة يرتاح عليها من هموم الصحافة الضاغطة
- الفنان محمد قطب: مصور ورسام صحفي ورسام اطفال ومصمم اغلفة كتب. رسم اكثر من 500 غلاف في سلسلة `روايات عالمية` والتي كانت تصدرها هيئة الكتاب لكبار كتاب العالم. من تلك الاعمال الادبية لتولستوي وديستوفسكي ووليم سارويان وبيرل بك وباسترناك والكسندر دوماس وفيكتور هوجو والسير ريدر هيجارد واجاثا كريستى وغيرهم، مع عشرات الاغلفة لكبار الشعراء والادباء المصريين والعرب من بينهم: صلاح عبدالصبور ومحمد الفيتورى وعبدالرحمن الشرقاوى واحسان عبدالقدوس وكامل الشناوى.
- وهو يعد واحدا من الرواد من الجيل الثاني في فن الكتاب والرسم الصحفي بعد الفنانين: الحسين فوزي وحسين بيكار وعبدالسلام الشريف.
- وقد ظل طوال رحلته مع الابداع مخلصا للوحة الحامل او لوحة التصوير، والتي جاءت بمثابة وسادة يرتاح عليها من هموم الصحافة الضاغطة والانجاز السريع المتلاحق لفن الكتاب.
- أسيوط والواقعية السحرية
- في مدينة اسيوط بقلب صعيد مصر من جنوب الوادي ولد فناننا قطب في الثالث من ديسمبر/كانون الأول من عام 1934 وانجذب الى عالم الرسم ودنيا الخطوط والالوان من البداية قبل التحاقه بالمدرسة. وكان يتأمل كل الصور التي سكنت ريف الجنوب وتعد بمثابة واقعية سحرية، يشكلها الخيال في الليالي الظلماء والامسيات القمرية ويتداولها الرواة بينما يقوم هو برسمها على الورق.
- وفي المرحلة الابتدائية كان محظوظا بتعبيره فكما يقول: `كان استاذ مادة التربية الفنية في الثلاثنيات النجم كمال الشناوي، الفنان الكبير في مجال التمثيل الذي تعلمت منه أصول الرسم، وكان يمثل لنا بعض المواقف لنرسمها مقلدا حركات الفنان الشعبي عازف المزمار والحرفيين من الصنايعية والسماكين والباعة الجوالين، ويطلب منا ان نغلق اعيننا لنتخيل الحيوانات والطيور، ونجسدها في كراسة الرسم. ولا أنسى انني تخيلت مجموعة من القرود ورسمتها فاثنى علي وتنبأ لي بمستقبل كبير، وكانت مكافأتي منه فرخ ورق من المقاس الكبير رسمت عليه بتعبير خرج على الوان الطبيعة، فرسمت البحر باللون الأحمر والسماء باللون الأسود. ومن خلاله تأكد حبي لعالم الرسم ومعنى الفن هذا العالم السحري الذي ارتبطت به من البداية`.
- وفي مدرسة اسيوط الثانوية من فرط دأبه اقامت له المدرسة معرضا لاعماله ضم مئة لوحة وتعددت زياراته مع زملائه من الموهوبين الى الرائد حبيب جورجى صاحب الدراسات والتجارب الكبيرة في فنون الطفل وفنان الالوان المائية.
- الشريف وبيت الفنانين
- وعندما التحق قطب بالفنون الجميلة تتلمذ على كبار اساتذة الفن من بيكار وعبدالسلام الشريف وعز الدين حمودة وعبدالعزيز درويش.
- وكان عبدالسلام الشريف يحيط تلاميذه المتميزين بالرعاية الفنية، يجمعهم في بيته ببيت الفنانين الشهير بدرب اللبانة بالقلعة والذي سكنه الفنان بيبى مارتان استاذ الفنون وحسن فتحي رائد العمارة البيئية وصاحب نظرية عمارة الفقراء.
- كان الشريف يجمع تلاميذه لإقامة المعارض التي كانت تقام ويشركهم فيها ويقدم لهم اسرار مهنة الصحافة ويسهل لهم فرص العمل بصاحبة الجلالة وهو الرائد الاول في الإخراج الصحفي.
- وقبل تخرجه من الفنون الجميلة التحق قطب بدار الهلال رساما عام 1953 في مجلة `الاثنين والدنيا` التي كانت تصدر في ذلك الوقت، وكان واحدا من اول جماعة في الرسوم المتحركة، وهي `جماعة الفن المصري` التي تكونت عام 1954 من خمسة فنانين: هو وعلي مهيب وعبدالحليم البرجيني ومصطفى حسين وحسن حاكم.
- واختار محمد قطب مشروع التخرج حول سجن طره ودنيا المساجين، وامتد من الصور الشخصية للنزلاء إلى مجموعات المساجين في حياتهم اليومية، وقد ساعده في تلك الزيارات ضابط الشرطة الكاتب سعد الدين وهبة رئيس تحرير مجلة `البوليس` والتي أصدرها قبل استقالته من جهاز الشرطة عام 1956.
- رسوم الأطفال
- والفنان قطب مع التحاقه بصحيفة `الجمهورية` بعد تخرجه صاحب بصمة كبيرة في رسوم الأطفال. ففي الكتاب المدرسي تمثل رسومه العلامة الثانية بعد كتاب `شرشر` في القراءة الذي رسمه الفنان بيكار اوائل الخمسينيات. فقد رسم محمد قطب كتاب `نحن نقرأ` أو أمل وعمر وكتاب القراءة العربية `عادل وسعاد` للمرحلة الابتدائية. كما قدم الرسوم التعليمية لكتب محو الامية والملصقات التعليمية الخاصة بالمركز الدولي لتنمية المجتمع `اليونسكو` بسرس الليان. وهذا ما أهله لأن يكون مستشارا للبنك الدولي للرسوم التعليمية في واشنطون لمدة عام في الستينيات مع الكاتبة سناء البيسي والفنان إسماعيل دياب.
- وفي صحافة الطفل كانت بدايته مع مجلة `سمير` في عام 1968 حين رسم لوحة تعليمية بصفحتي الوسط، ثم انتقل الى رسم مسلسل `البواسل` الذي ظل ينشر من قبل في حكايات مصورة بريشة الفنان الارمينى هيرانت الذي اختار لنفسه اسم هارون يوقع به في مجلة `سمير`.
- ومن بين ابداعات قطب في فن الكتاب للطفل العربي رسوم الأغلفة والرسوم الداخلية لأعمال رائد ادب الأطفال كامل كيلاني في طبعة جديدة وهي تمتد في سلاسل `192 كتابا` شارك في رسمها من قبل مع الرسوم الاجنبية فنانون اجانب اقاموا بمصر منهم: موريللى الايطالى و`ديك` اوديكران الارميني. كما رسم الفنان بيكار `علي بابا` و`أبوصير وأبوقير`.
- ومازال فناننا قطب يرسم لأطفال مصر بمجلة `قطر الندى`.
- عالمه التشكيلي
- محمد قطب ظل طوال رحلته مع الابداع مخلصا للوحة الحامل او لوحة التصوير، والتي جاءت بمثابة وسادة يرتاح عليها من هموم الصحافة الضاغطة والانجاز السريع المتلاحق لفن الكتاب.
- سحر خاص تتميز به أعماله، فهو يجسد روح الحياة الشعبية في الجنوب المصري خاصة ريف اسيوط حيث نشأ وقضى طفولته. ومن هنا جاء الاحتفاء به وبفنه الذي امتد في تنوع وثراء حيث أقيم له اكثر من معرض من بينها معرضه بقاعتي حسين بيكار وعبدالسلام الشريف بنقابة الصحفيين، ومعرضه بمركز رامتان الثقافى (متحف طه حسين). وقد تنوعت أعمال الفنان قطب بين التصوير الزيتي وبين المعزوفات البصرية التي تتألق بالابيض والاسود والتي تنساب فيها الخطوط والمساحات الصغيرة في حركة وحيوية بمثابة مطرزات شعبية.
- في التصوير الزيتي نطل على دنيا من الخيال الفنتازي حيث صور قطب بنات الجنوب، ساحرات يرقصن في ضوء الشمس البهى، بلمسة عصرية وبروح الفن الفرعوني، في ألوان تتوهج بالاحمر الناري والفوشيا مع لمسات من الأزرق البحري والاخضر العشبي.
- وقد جاءت تلك اللوحة في فن البورتريه `الصورة الشخصية` والتي صور فيها فتاة عصرية من أسيوط مسكونة بالتأمل بنظرة من التفاؤل والاشراق حيث تمسك بوردة مع تلك التجليات والآفاق اللونية في الخلفية، والتي يغلب عليها الوان طيفية من الازرق والبنفسجي والاحمر الوردي.
- ومحمد قطب يستلهم كل الصور الشعبية التي نطالعها في الأفراح والأعياد والمناسبات في مواسم الزرع والحصاد. من رقصة الحصان والتحطيب مع ضاربات الدفوف والرقص الايقاعي الذي يسمو بالحواس. وهو يعيد تشكيل كل الصور من الفن الشعبي ويصيغها في لوحاته في مساحات شديدة العذوبة والعصرية. وما أجمل ان نرى عازف الربابة وكأنه يحكي مسيرة الزمن في نسيج من النغم شكلها الفنان بفرشاته الصداحة التي تغني بسحر اللون الطازج. وقد استلهم قطب منطق الصف او النظم كما في الجداريات الفرعونية، كما نرى في لوحاته والتي انتشت بجموع العازفين والراقصات. وقد توحدت مع اماميات اللوحات واحتشدت بالحركة والحيوية، وامتدت لوحاته ايضا من الفن البارز `الرليف` بوسائط من المصيص والبوليستر.
- وجاءت أحدث أعماله التصويرية `ثلاثية 25 يناير` ملحمة في ثورة مصر جسَّد فيها عبر ثلاث مساحات متسعة روح الثورة وبسالة ابنائها من الشباب ومختلف الأجيال.
- درس قطب الماجستير بالمعهد الحكومي الفني بفلورنسا ايطاليا 1970-1971 وشارك في العديد من المعارض الجماعية مع معارضه الخاصة بالقاهرة وايطاليا. وحصل على اربع جوائز لأحسن غلاف في المعرض الدولي للكتاب ببيروت بدءا من عام 1964. منها غلاف كتاب `رباعيات الخيام` ترجمة أحمد رامي وغلاف في سلسلة الروايات العالمية وكتاب فلسفة الثورة والتعبير الحضاري وتنمية المجتمع للدكتور محيى الدين صابر، والجائزة التقديرية في مسابقة الصحراء المصرية ودرع الفنون الشعبية من المجلس الاعلى للثقافة عام 1995.
- تحية إلى محمد قطب المصور، فنان الصحافة والهيئة المصرية العامة للكتاب.
بقلم: صلاح بيصار
موقع ميدل ايست أونلاين 3 - 4- 2012