بكارة القرية وسحر الأنوثة ` وجها تجربة ` سيف صقر
- بسيط فى شخصيته ، صريح فى عبارته ، واضح فى تعبيره عن مكنونات ذاته . حين تعامله فلا مفر أمامك من استدعاء رصيد تقاليدنا المصرية الريفية الصميمة ، ولا مجال للتراجع عن الانتباه المستمر لوقع كلماتك ومدلولات تصرفاتك ،إذ إنك حين تختار الاقتراب من ` سيف الإسلام عامر صقر ` ( من مواليد عام 1952) ، فإنما تتخذ قراراً بالدلوف إلى عالم فنان ما زال يفخر بارتداء جلبابه فوق أعصابه العارية ، مضفراً نسيج تراثه ( الفلاحى) الأصيل فى حنايا كيانه الإبداعى ، فهو لم يعمد - شأن كثير من الفنانين الذين انسلخوا عن أصولهم الريفية - إلى الارتماء القشرى فى أحضان حالة التقمص الغربى ، تلك التى يحاول فيها البعض جاهدا ً أن تظهر عليه ( أمارات ) الفن وفقاً لصورة نمطية جاهزة ، يبدو معها المرء ( فناناً ) بالمفهوم السينمائى الساذج ، الذى يعول على طراز مظهرى هجين ، وترديد أجوف لعبارات أجنبية مبتسرة ، للإيحاء بالتبحر فى ثقافة الفن والانغماس فى سياقه المعاصر.
- إن ` سيف صقر ` بتركيبته الشخصية / الفنية يجسد نموذجاً قياسياً لمقولة ` باراسيلسوس ` Paracelsus ( 1493 - 1541) الشهيرة : ` لاتكن شخصاً آخر طالما استطعت أن تكون نفسك ` Be not another ,if you can be yourself ، وهو ما يفسر من ثم متحه المستمر من مصدرين أساسيين للرؤية الفنية: أولهما بيئته المصرية الريفية التى لم ينسلخ عنها يوماً، والتى ما زال حريصاً على الركون إليها والعيش فيها ، فــــ سيف ` ما زال ساكناً للريف مسكوناً به ، إلى الحد الذى تحولت معه القاهرة بالنسبة إليه إلى محض مكان لممارسة العمل والنشاط الفنى فقط . أما ثانى مصادر رؤيته الفنية فهو انشغاله الدائم بالمرأة ، من حيث هى موضوع للتأمل الجمالى والإشباع الحسى معاً، ومن حيث هى سبب لتفجير تداعيات الحب ، والحرمان ، والخطيئة ، والخيانة ، كأفكار واردة فى متن العلاقة بين الرجل والمرأة .
- والراصد لتجربة ` سيف صقر ` الفنية يمكنه تحديد تنويعاتها الجرافيكية - على المستوى التقنى - فى أربع فئات أساسية ، هى : أعمال الطباعة البارزة Printing Relief ، وأعمال الطباعة الغائرة Printing Intaglio ، وأعمال الرسم بوسائطه المختلفة، ثم أعمال المصغرات المرسومة ، التى تجمع ما بين تكثيف الدراسة التحضيرية ( الاسكيز ) Esquisse ، وطزاجة التخطيط السريع ( الاسكتش ) Sketch . ينتمى ` سيف ` إلى طائفة الفنانين غزيرى الإنتاج ، وبخاصة فى مجال الرسم بالأبيض والأسود ، الذى يراوح فيه بين استخدام أقلام الحبر الجاف ، والريشة ذات السن المعدنى ، والفرشاة المشبعة بالحبر الشينى ، إلى جانب تطعيم مقارباته الأدائية فيه بتوليف إمكانات أقلام الشمع وأقلام الرصاص الملونة ، ودمج الخصائص المساحية والظلية والملمسية المميزة للأقلام الدهنية، مع السمات الخطية الرشيقة لوسائط الرسم ذات السنون الحادة . وبرغم غزارة إنتاج ` سيف صقر ` الفنى فى كافة الفئات والتنويعات سالفة الذكر ، وبرغم مشاركاته العديدة فى المعارض العامة والجماعية ، و إقامته للكثير من المعارض الخاصة ، إلا أن السمة الغالبة على توجهه الإبداعى تظل كامنة فى ترجيح إشباعه الجمالى الذاتى على ما عداه من سائر المقاصد، فهو من أولئك النفر من المبدعين الذين يستهدفون إرضاء قناعاتهم الداخلية بالدرجة الأولى ، إنه يبدع لإمتاع نفسه بفعل الإبداع ، بذات القدر الذى يستهدف به إمتاع غيره من خلال فعل التلقى.
- الشق المستبطن لجموح الأنوثة من تجربة ` سيف ` يستجلى العوالم الجوانية للمرأة ، ويشرح أحشاء مشاعرها ورغباتها الجسدية ، وهى تجربة يمثلها استرسال لسلسلة من المعارض التى أقامها عبر محطات مشواره الفنى ، والتى طالما عالج فيها أفكاراً تتواشج مع خبايا المرأة الوجدانية والحسية ، من خلال مشاهد يدور أغلبها فى غرف مغلقة ، بينما أتى ما يدور منها فى منظر خارجى مفتوح مشمولاً بنفحة الطابع القروى البكر ، الذى يمثل شق تجربته الآخر ، ومصدر رؤيته الفنية الأهم والأجدر بالتأمل .
- والمفردات البصرية الرئيسية التى تدور حولها تجربة ` سيف فى سياق سبر أعماق الأنثى تتمثل فى مفردة المرأة ، التى تتبدى أحياناً فى حالة احتياج إلى المشاعر .
- ثم تأتى مفردة الكلب لتعطى احساسا بأنه يحاول اقتحام هذه الحياة . وقد يستبدل ` سيف ` هذه المفردة بأخرى تمثل شخصاً أو حصاناً ، بينما تلعب مفردة الرجل دوراً أكثر أهمية فى مشاهد المناظر المفتوحة ، التى تغلب عليها أكثر فكرة الرومانسية والعاطفة الوجدانية .
- وأحياناً ما يعمد ` سيف ` إلى الاحتفاء البصرى بالزخرف والتوشيه ، فيتخذ من الثياب المزركشة موضعاً للتنغيم والتنويع الملمسى ، محيلاً إيانا إلى مرجعية بعض مشاهد فنانى الاستشراق الذين تناولوا حياة الجارية ، أو بعض صياغات الفنانين الأوربيين الذين انفعلوا بالحياة الحسية للمرأة الشرقية ، وفى مقدمتهم ` هنرى ماتيس ` Henri Matisse ( 1869- 1954 ) ، الذى فتنه المرأة الشرقية وما تزدهى به من زخارف فى ملابسها وأدواتها ، وظهر فى أعماله التفات لوفرة الطعام والشراب فى محيطها ، وهى جميعها عناصر تؤكد فكرة الحسية.
- وقد تنوعت حلول ` سيف ` التقنية لهذا الموضوع الأثير إلى قلبه ، وتعددت الخامات لتجسيد رؤاه على مسطحاته المطبوعة والمرسومة ، فاستخدم القلم الجاف فى تنفيذ بعض الأعمال ، واستخدم ريشة التحبير فى بعضها الآخر ، كما استخدم الحبر الشينى مع الفرشاة ، كذلك نفذ عدداً منها بواسطة الحفر على الخشب طولى المقطع ، بما يميزه من إمكانات بصرية لا تفصح عن مكنوناتها إلا لحفار أريب .كما نفذ عدداً آخر بواسطة الحفر الغائر على معدن الزنك ، باستخدام تقنية الحبر الشينى والسكر - Lift Aquatint Sugar ،التى يغلب على أعمالها طعم الأداء السريع لفرشاة الرسم المشبعة بلون واحد هو الأسود، وتأتى الخطوط المرسومة محملة بشحنة انفعالية كبيرة ، مصدرها اختلاف سمك الخطوط خلال حركة الفرشاة السريعة على سطح القالب الطباعى ، مما يقرب الأعمال المنفذه بهذه الطريقة من روح الاسكتش بما تحمله من طزاجة وعفوية والتقاط اللحظة الخاطفة للحدث ، وهو ما يؤكد التنوع البصرى والتقنى فى جعبة ` سيف الأدائية ` ، ويعضد الرابطة القوية بين مجالى الرسم والطبعة الفنية فى غمار تجربته الجرافيكية .وحين يلج ` سيف صقر ` براح ريفه البكر ، إذا هو يطلق لرؤاه الغضة العنان ، لتجمح فى فضاء لا يحده إلا توق الرجوع للبراءة الأولى ، حين كانت المجتمعات البشرية لا تزال فى عصورها الذهبية ، حيث بساطة العيش ، وصراحة المسلك ، والالتحام الأقصى بقوى الطبيعة وأسرارها ، واستشعار فيوض البركة الكونية ، وتحنانها فى مواسم رخائها . هنا تتجلى المرأة فى كيان مغاير لذلطك الذى رأيناه فى مشاهد حياتها الخاصة، إذ هى هنا تستدعى رصيد آلاف السنين فى الثقافة الجمعية المصرية ، فى رؤيتها للمرأة بوصفها ( سيدة ) ذات مقام رفيع ، تلتحم كينونتها الأنثوية ببكارة القرية وعنفوان الريف الخصيب.
- يستدعى ` سيف ` فى تجربته الفنية الريفية ما وعته ذاكرته البصرية من مشاهد ملء الجرار من الترع ، وتكوينات الأوانى والشخوص على حافة النهر فوق الأعشاب وبين الأشجار ، ولحظات خلو البال لدى الرعاة والفلاحين ، حين يهرعون إلى مزاميرهم يبثونها مكنونات صدورهم فى أوقات الراحة ، وهو هنا ما برح يختبر الحنين لاستعادة جذور هويته المصرية ، باعتباره فناناً يعيش عصراً يعج بعشرات الاتجاهات الفنية المختلفة ، بل والمتعارضة أحياناً ، والتى قد يبالغ بعضها فى التغريب والتقليد دون سبب واضح ، وأحياناً دون فهم من بعض الفنانين الذين قد ينساقون خلف التقليد والتأثر والنقل، تاركين مصادر الإلهام والرؤية التى تذخر بها ثقافتهم المحلية المصرية.
- وقد عول ` سيف ` فى معظم تجربته الريفية على الوسيط الطباعى البارز ، المتمثل فى قوالب الخشب طولية المقطع ، إذ هى من أفضل الوسائط التى يمكن من خلالها الإيحاء بجو الفطرة الريفية وتلقائية الحياة البسيطة فيه، نظراً لما تتميز به الطابعات الفنية المنتجة بهذا الوسيط من حس فطرى وعفوى مميز ، وما تتميز به كذلك من خصائص ملمسية ذات خصوصية شديدة ، ترتبط إلى حد كبير بإيحاءات العفوية والانفعال التلقائى ، فضلاً عما يميزها من مساحات ظليه صريحة ، تعبر خير تعبير عن الخصائص الوجدانية لبيئة الريف المصرى ، التى ارتبطت فى الأذهان بالعفوية والفطرة والبراءة والبكارة.
- فإذا ما انتقل ` سيف ` للتجريب على جماليات المصغرات التحضيرية ( الإسكيز ) فإنك تراه مستلهماً خصائصها التى تتمثل فى تلقائية الأداء المباشر ، والانفعال اللحظى ، وفى المعالجة السريعة للسطح ، مما يؤدى إلى تراثه بملامس عفوية وخطوط غير محسوبة نتيجة الحركة السريعة لأدوات الرسم على سطح الورق ، وهذا مما يضيف إلى مظهر العمل التحضيرى إحساسا لا يتوفر فى كثير من الأحوال فى العمل النهائى ، والذى يحرص فيه الفنان على تجويد الأداء وتهذيب الخطوط وانتقاء المعالجات اللونية والملمسية الأنيقة ، مما يفقد الخصائص التى أشرنا إليها ، على الرغم مما يتوفر فى العمل النهائى من مهارة التنفيذ وخبرة التجويد.
- وقد التفت كثير من نقاد الفن ومؤرخيه إلى جماليات هذه المصغرات التحضيرية ، فكتبوا عنها دراسات مستقلة ، واهتموا بها بنفس درجة اهتمامهم بأعمال فنانيها النهائية ، ولذلك نجد فى معظم مراجع تاريخ الفن فصولاً كاملة تتحدث عن خصائص المصغرات التحضيرية لدى الفنانين المشاهير وتهتم بتوثيقها وبالمقارنة بينها وبين الأعمال النهائية.كما أن كثيراً من المتاحف العالمية المهمة تحتوى على قاعات مخصصة لعرض المصغرات التحضيرية لفنانى مدرسة معينة ، أو لمشاهير الفنانين فى عصر معين أو فى بلد معين .
- وتزداد َأهمية المصغرات التحضيرية والدراسات التمهيدية فى فن الجرافيك عن غيره من مجالات الفنون التشكيلية ، فمن المعروف لدى ممارسى الطبعة الفنية تحديداً أن المراحل التحضيرية للعمل الجرافيكى تمثل جزءاً لا يتجزأ من تنفيذه النهائى، وخصوصاً عند استخدام طرق الحفر القائمة على استعمال وسائط الحفر الكيميائية ، مثل الحفر الحمضى Etching بأنواعه المختلفة ، والتى يحتاج الفنان فيها إلى إحكام رؤيته للعمل من حيث ضبط التكوين وتحديد مناطق اختلافات الظل والنور ، وكذلك تحديد طابع الملامس العام للعمل ، وذلك حتى لا تؤدى عوامل الصدفة والمفاجأة - خلال مرحلة الحفر الحمضى - إلى الإطاحة برؤيته البصرية وتشويهها على سطح القالب الطباعى .
- وقد كان للعوامل السابقة جميعها أثر كبير على توجيه الفنان ` سيف صقر ` نحو الاهتمام بفكرة المصغرات التحضيرية ، ومن ثم إلى قيامه بتنفيذ عدد يصعب حصره من أعماله على تلك الهيئة ، التى ارتبطت لديه من حيث موضوعها بالقرية المصرية وبفن الصورة الشخصية ( البورتريه ) .
- هنا لا يجد المتأمل الفاحص لتجربة ` سيف صقر بدأ من استدعاء عدد من التجارب الجرافيكية السالفة ، التى وطد أصحابها لأنفسهم مكانة شامخة فى ذاكرة الطبعة الفنية المصرية ، فنستحضر على الفور صراحة التعويل المباشر على عنفوان المساحة الراسخة لدى ` فتحى أحمد ` ( 1939 - 2006 ) ، وتتهادى أمامنا أطياف من تنغيمات ` نحميا سعد ` ( 1912 - 1945 ) الملمسية الرهيفة ، وشيئاً من الترديد الإيقاعى الخطى الذى سبق وأن عيناه فى أعمال الأستاذ المكين ` الحسين فوزى ` ( 1905- 1998 ) . وبذا يثبت ` سيف صقر ` أنه وريث شرعى لتراث راسخ القواعد فى تربة الفن المصرى ، وأن ثمة نسغاً سارياً فى جيناته الإبداعية من سلسال النفحة المصرية الصميمة ، انفرد هو بدمغة بطابع ذاتى ممعن فى خصوصيته ، يستهدف دوماً إرضاء قناعاته الخاصة ، متكئاً بإحدى قدميه على أرض الريف البكر ، ووالجاً بالأخرى عتبة العالم السحرى للأنوثة الجامحة.
بقلم : د. ياسر منجى
مجلة الخيال العدد ( 29 ) أغسطس 2012
الفنان سيف صقر شاعرية الريف المصرى.. فى الطبعة الفنية
- يعد فن الجرافيك أو ما يسمى بالطبعة الفنية.. فن الرسم القابل للاستنساخ بصور الطباعة العديدة.. من الحفر على الخشب إلى الليتوجراف أو الطباعة على الحجر.. والشاشة الحريرية التى أتسعت أفاقها.. ووأمتزجت بثراء التصوير الفوتوغرافى.. من أجل تحقيق رسالته بأن يصل الفن إلى الجمهور.. وكان يحمل فى البداية مسمى فن الحفر.. لكن تغير المسمى باتساع أفاق وتنوع وثراء الصور والوسائط الطباعية اليدوية والأليكترونية...
- واذا ذكر فن الحفر أو الجرافيك بمعناه الاشمل.. يذكر أسم فناننا الحسين فوزى فهو الرائد الأول لهذا الفن.. وكان أول رئيس مصرى لقسم الجرافيك بمدرسة الفنون الجميلة العليا `كلية الفنون الجميلة` بعد أن تسلمه من مستر رايس الإنجليزى عام 1934.
- وقد توالت أجيال هذا الفن بدءاً من رموزه الأوائل من: نحميا سعد وسعد كامل وعبد الله جوهر ومريم عبد العليم.. إلى أحدث أجيال الطبعة الفنية.. مثلما تنوعت أيضا أشكاله وأختلاف مدارسه وإتجاهاته.. من التشخيص إلى التجريد ومن الواقعية والتعبيرية إلى الإيقاع الهندسى..
- والفنان سيف صقر من بين فنانينا.. ممن أثروا الطبعة الفنية بأعمالهم التى امتدت بين فن الرسم والجرافيك خاصة تميز أعماله بالحفر على الخشب.. فمع طاقته التعبيرية وعالمه الشديد الخصوصية.. يتناول القرية المصرية فى ملاحم تعبيرية من مشاهد الريف والعمل بالحقل.. بتلك العناصر التى تمثل سحر المشاهد وحركة الحياة اليومية.. وفى قلب البيئة الريفية تتالق علاقة التعاون والمودة بين المرأة والرجل وما حولهما من عناصر الطبيعة.. المكان والزمان.. بين البعد الرمزى والتألق التعبيرى.. ما جعل له أسلوبا خاصاً وتفرداً.. خلال التناغم والتدرج اللونى والأنتقال من الضوء الساطع إلى العتمة.
المحلة عمق الريف
- ولد سيف صقر بواحدة من القرى التى تحمل إسم المحلة.. سبعة قرى تتحلق حول المحلة الكبرى من بينها: محلة القصب ومحلة حسن ومحلة أبوعلى ومحلة روح.. وقد عاش الريف من البداية بتأمل ونظرة عاشق.. حيث الأمسيات المرحة والليالى المقمرة فى مواسم الجنى والحصاد.. وشقشقة النهار مع شبورة الفجر وحركة البشر والدواب.. وغناء السوقى وانسياب الماء فى أحواض الزروع بالحقول والجناين.
- كل هذا ساهم فى إثراء خياله وكان موهوبا من الطفولة.. يرسم ما يرى فى كراسة الرسم فى حصص التربية الفنية.. ويضيف إلى ذلك رسوماً أخرى وقت الفراغ.. ولما تأكدت موهبته وحبه للفن فى التعليم الثانوى.. التحق بعد حصوله على الثانوية العامة بالفنون الجميلة.. وتخرج منها بتفوق عام 1979 منضما إلى هيئة تدريس الكلية.. وحصل على الدكتوراه فى فلسفة الفن فى الرسم والتصميم المطبوع.. واستمر فى الإبداع.. بشاعرية الريف وسحر القرية المصرية وبكارة عناصرها وعذرية الطبيعة هناك قبل أن ينالها التطور والتغيير.. حتى أصبحت أعماله ملاحما فى البساطة والبراءة.. وجمال التعبير المسكون بالذكريات.. مع مواكبته أيضا لمايحدث من متغيرات وصور إجتماعية طالت الحياة عموما بالريف والحضر.
- عالمه
- سيف صقر يتناول القرية المصرية ..وصورمن الحكايات من عمق الحياة هناك.. بتلك العذوبة والشاعرية.. أيام أن كانت القرية تطلق المواويل وأغانى الرعاة وأنات الناى فى حضن الطبعية.. والجميل عنصر الضوء واللون بالأبيض والأسود كما لوانه يرسم بالنور.. فنرى العناصر من الشخوص والطيور والحيوانات.. ساطعة بالأسود فى وضح النهار بتلك اللمسات والخطوط الدقيقة الرقيقة.. ما يجعل من حركة الحياة اغنية لا تنتهى.. فى عالم من المودة والسلام.. حتى نرى فى إحدى اللوحات.. حمامة تقف بإطمئنان على ظهر دابة `حمار`.. عكس ما نحن فيه من تطاحن وصراع.. وهو يبدع عالمه المسكون بالصدق وروح الحياة.. بعيداً عن غوغاء الشهرة والذاتية والنجومية..
- تمتد اعمال الفنان بين فن الرسم والجرافيك.. بهذا العالم المرح فى الحركة والتشكيل كما فى لوحته `حاملات الجرار`.. جاءت بمثابة غنائية من خلال إنسياب الخطوط البيضاء والمساحات السوداء المتمثلة فى الفلاحات والجرار.. وتنوع الراسى ودرجة الميل والتنغيم أسفل اللوحة.. الحافل بالنباتات والزروع فى الأرضية.
- الساطعة بالأضواء.
- وله ثلاث لوحات ` للمرأة والكلب` كل لوحة إيقاع وتعبير وتشكيل جمالى.. مع الرمز الذى يجعلنا نفكر ونتامل.. الكلب الذى يعد بمثابة الحارس والمرأة المضجعة فى أمان.. وفى لوحة أخرى وتعبير مختلف يبدو الحوار الصامت.. مع المساحات الصريحة والنغمات من إنسياب الخطوط.. والمساحات والإنحناءات فى رشاقة وحيوية.
- وتظل المرأة من وحى المكان هناك.. رمزاً مسكوناً بالمشاعر التى لا تنتهى.. من الحنين والأسى ووجع البعاد.. تهفو إلى الحبيب المسافر.. تنساب ملامحها برسائل الحب والشوق.. تذكرنا بناعسة وبهية.. حين تدور الحياة ولا يتوقف القلب عن النبض.
- فى واحدة من لوحاته نطالع بنات النيل أقرب إلى راقصات الباليه.. حركة إيقاعية فى ضوء القمر المشع بالنور والسلام.. فى حضرة طيور وحيوانات القرية.
- وهو ينقلنا إلى تعبير درامى من السلام والوئام والتوحد مع الطبيعة.. فى أجمل صورها كما فى لوحة `الصياد`.. يتوسط اللوحة ومن حوله الأشجار والطيور فارداً صنارته والقط من ورائه فى إنتظار ما يجود به النهر.. وبين الرأسى والأفقى فى عناصر المنظر.. تبدو جماعات الطيور محلقة فى الفضاء معلنة تلك الحالة من التناغم والانسجام.
- ووجوه الفنان لبنات الريف تبدو مفعمة بالفطرة والسماحة والقسمات.. التى تنقلنا إلى مساحات من التعبير.. كل وجه ملامح ومشاعر وإنفعال تذكرنا بسير الحكايات والملاحم.
- وفى جانب أخر يتألق الحس التكعيبى.. فى بعض لوحاته ذات السطوح الهندسية كما فى لوحته التى تتوحد فيها ثلاثية من العربة والحصان والفلاح.. مع ثلاثية من السطوح السوداء والبيضاء والخطوط ذات النغمات الضوئية.
- فى النهاية يجعل من حواريات الأبيض والأسود.. الظلال والأضواء.. أغانى بصرية مصورة فى الليل والنهار.. وهو مقل فى معارضه.. رغم أعماله التى تهتف وتحنو وتهمس بلمسة الأشراق.. فى ديوانه المصور برسومه الصافية وجرافيكيات الحفر على الخشب والمعدن.. تحية إلى سيف صقر الفنان والاستاذ.. وإلى هذا العالم الرحب الفسيح بروح القرية المصرية.. والذى سيظل فى الذاكرة البصرية.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة 2-7-2024