عبد المؤمن شمس الدين عبد الخالق مصطفى القرنفيلى
ملتقى الأحجار .. والنجم القرنفلى
- تغمرنى الفرحة والبهجة كلما شاهدت ميلاد إبداع جديد .. كما يتعاظم هذا الشعور كلما تأملت ملتقى الأحجار ونجومه التسعة الذين ملأوا حديقة متحف محمود مختار بحديقة الحرية بالجزيرة بالتوهج والأمل والتشبع البصرى من خلال أعمالهم النحتية بعد الانتهاء من وضع لمساتهم الأخيرة، وقد تكاملت الملامح ونضجت وأصبحت تستدعى الفراغات الكونية، كما تستنهض فى المارة الذين يتكئون على سور المتحف كأنهم فى حالة مناجاة لحبيب طال انتظاره .. حالة استخلاص للغة حوار مفقود ، أكثر من ستين يوماً، ولم يتوقف الحوار البصرى، ولم تتوقف ومضات ضوء المشاعر والأحاسيس لطفل أو شاب أو امرأة أو رجل أو أسرة ذاهبة أم عائدة، فكلهم منبهرون، يعيشون حالة صمت قدسى متشوقون للمعرفة ومندهشون لروعة وجمال الإبداع الفنى الإنسانى ، واليوم نقدم المثال ` شمس الدين القرنفلى ` من مواليد العام 1965 - حاصل على بكالوريوس فنون جميلة قسم النحت العام 1988 - ودرجة الماجستير فى الفنون الجميلة العام 1995 - ودرجة دكتوراه الفلسفة فى الفن تخصص نحت العام 2001 - ويعمل مدرساً بكلية التربية النوعية ببنها - شارك فى العديد من المعارض القومية أهمها المعرض القومى منذ العام 1988 وحتى الآن ودورات صالون الشباب أعوام 1989 ، 1990 ، 1992 ، 1999 وبينالى القاهرة الدولى للخزف فى الأعوام 1996 ، 2000 - كما شارك فى الدورة الثالثة لسمبوزيوم النحت الدولى بأسوان العام 1998 - وقد حصل على العديد من الجوائز وقد انعكست خبراته ودراسته الأكاديمية على رؤيته الفنية وقدرته البنائية للفكرة وتحكمه فى تشكيل التمثال الذى يعتمد فى المقام الأول على التهييش كمرحلة أولى ثم الحذف المستمر والمتواصل لتحقيق ما يشبه البناء التشكيلى الذى يتخيله المثال ، مع الإشارة إلى خطورة الطرق أو الدق على الأزميل أكثر من اللازم حتى لا تحذف أجزاء من جسد الحجر يستحيل إعادتها أو إصلاحها -بعكس تشكيل التمثال من طين الصلصال الذى يوفر للمثَّال فرصاً كثيرة للتشكيل والتغيير والتبديل والإضافة كمرحلة بناء قبل عملية السبك بإحدى الخامات - فالنحت فى الحجر يعتمد على حساسية عالية وقدرة خيالية وعصبية للتحكم فى وزن الطرق على الأزميل - لا يتحقق ذلك إلاَّ من خلال قدرة على استشعار تنامى معدَّل صلابة الحجر لتتحرك ميكانيكيا الطاقة الذهنية المحركة للطاقة العضلية الدافعة والطارقة على الأزميل - هنا تكمن شبكة أوامر متعاظمة الانتشار عبر ميكانيكيا حركة العقل والجسد والروح لتكتمل هذه المنظومة الرياضية الهندسية الحسية المتوحدة، وقد استطاع التحكم والسيطرة على ماهية الكتلة الحجرية التى صاغها وحوَّلها إلى بناء متوازن ومتضاد ومتحد فيه الخط المستقيم الحاد والدائرى والنصف كروى فى تفعيل حجومى، تارة راسخ وثابت وتارة أخرى تنبثق فى بعض أجزائه حركة من الداخل إلى الخارج بفعل مدِّ داخلى، بل نبض كامن وبزوغ آت كالبندول الذى لا يتوقف بفعل كيميا الطاقة ، وتأتينا كتلتان متماسكتان، واحدة جزء لا يتجزأ من الجزء الملاصق للأرض وتتسم باستقامة الخطوط وانحنائها، النصف دائرى فى المقدمة وتلتقفها الربع دائرة فى مركزها الحاد ، وفى منتصف هذه الكتلة السائلة أعلى وأقصى اليمين تنطلق كتلة أسطوانية تنتهى بقطاع عرضى فيها، ثم فى منتصفها يتحرك مستطيل إلى الداخل من أعلى وينبثق إلى الخارج من أسفل - يذكرنا بأصابع البيانو البيضاء - فى حركة إيقاعية بليغة التأثير المرئى والمسموع على حد سواء ، هذه التوءمة البنائية التشكيل هى ميلاد لبناء فكرى جمالى يضيف -حقيقة- قيمة جديدة لفن النحت المصرى الحديث الذى يفتقد إلى الجسارة والمغامرة واقتحام الخامات النبيلة .. ثم يتفوق القرنفلى على نفسه بمعالجته البارعة للسطح الخشن المتدرج والذى نافس به أبرع الرسامين الذين يستخدمون القلم الرصاص أو الفحم .. فالبراعة هنا تكمن فى إبداع كيانات جينية شكلت سطحاً ذا مسام تتنفس منها كوامن الكتلة ومؤثراتها الكهرومغناطيسية .. فهى تشبه مسام الجلد فى الجسد ، تتنوع وتختلف اتساعاتها طبقاً لوضعيتها فى الكتلة كما فى الجسد، فتخشن فى مساحات، ثم تتناغم فى مناطق أخرى مكونة منظومة بالغة العمق التعبيرى والحسى ، والخطوط المتعاكسة للكتلة الأكثر استقامة، وأنصاف الدوائر لبعض الزوايا الحادة أكدت على البعد التركيبى للكتلة فى حوار بنائى تشكيلى بارع لنجم ساطع فى عالم الفن المصرى الحديث .
أ.د. أحمد نوار
جريدة الأخبار - 2004
أزميل القرنفلى
- الفنان ` شمس الدين القرنفلى ` من مواليد العام 1965 - حاصل على بكالوريوس فنون جميلة قسم النحت العام 1988 - ودرجة الماجستير فى الفنون الجميلة العام 1995 - ودرجة دكتوراه الفلسفة فى الفن تخصص نحت العام 2001 - ويعمل مدرساً بكلية التربية النوعية ببنها - شارك فى العديد من المعارض القومية أهمها المعرض القومى منذ العام 1988 وحتى الآن ودورات صالون الشباب أعوام 1989 ، 1990 ، 1992 ، 1999 وبينالى القاهرة الدولى للخزف فى الأعوام 1996 ، 2000 - كما شارك فى الدورة الثالثة لسمبوزيوم النحت الدولى بأسوان العام 1998 - وقد حصل على العديد من الجوائز وقد انعكست خبراته ودراسته الأكاديمية على رؤيته الفنية وقدرته البنائية للفكرة وتحكمه فى تشكيل التمثال الذى يعتمد فى المقام الأول على التهييش كمرحلة أولى ثم الحذف المستمر والمتواصل لتحقيق ما يشبه البناء التشكيلى الذى يتخيله المثال ، مع الإشارة إلى خطورة الطرق أو الدق على الأزميل أكثر من اللازم حتى لا تحذف أجزاء من جسد الحجر يستحيل إعادتها أو إصلاحها -بعكس تشكيل التمثال من طين الصلصال الذى يوفر للمثَّال فرصاً كثيرة للتشكيل والتغيير والتبديل والإضافة كمرحلة بناء قبل عملية السبك بإحدى الخامات - فالنحت فى الحجر يعتمد على حساسية عالية وقدرة خيالية وعصبية للتحكم فى وزن الطرق على الأزميل - لا يتحقق ذلك إلاَّ من خلال قدرة على استشعار تنامى معدَّل صلابة الحجر لتتحرك ميكانيكيا الطاقة الذهنية المحركة للطاقة العضلية الدافعة والطارقة على الأزميل - هنا تكمن شبكة أوامر متعاظمة الانتشار عبر ميكانيكيا حركة العقل والجسد والروح لتكتمل هذه المنظومة الرياضية الهندسية الحسية المتوحدة، وقد استطاع التحكم والسيطرة على ماهية الكتلة الحجرية التى صاغها وحوَّلها إلى بناء متوازن ومتضاد ومتحد فيه الخط المستقيم الحاد والدائرى والنصف كروى فى تفعيل حجومى، تارة راسخ وثابت وتارة أخرى تنبثق فى بعض أجزائه حركة من الداخل إلى الخارج بفعل مدِّ داخلى، بل نبض كامن وبزوغ آت كالبندول الذى لا يتوقف بفعل كيميا الطاقة ، وتأتينا كتلتان متماسكتان، واحدة جزء لا يتجزأ من الجزء الملاصق للأرض وتتسم باستقامة الخطوط وانحنائها، النصف دائرى فى المقدمة وتلتقفها الربع دائرة فى مركزها الحاد ، وفى منتصف هذه الكتلة السائلة أعلى وأقصى اليمين تنطلق كتلة أسطوانية تنتهى بقطاع عرضى فيها، ثم فى منتصفها يتحرك مستطيل إلى الداخل من أعلى وينبثق إلى الخارج من أسفل - يذكرنا بأصابع البيانو البيضاء - فى حركة إيقاعية بليغة التأثير المرئى والمسموع على حد سواء.
أ.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2005
بخان المغربى فى ثلاثية تشكيلية .. الملك والملكة والطائر
- وتلين الكتلة وتتألق بالتلخيص والاختزال الشديد فى منحوتات شمس القرنفلى ذات الأحجار الصلبة التى يعتمد فيها على التعبير اللحظى وقوة التركيز والصرامة فى الأداء من التلخيص الشديد للطائر ..وقد كثرت تأملاته ومتابعته له فى التحليق وجسده فى لحظة وشيكة على أهبة الانطلاق والطيران فى كتلة نحتية مؤاطرة وشديدة الاختزال خالية من التفاصيل إلا ما يوحى أو يمثل علامة على الطائر ويعلن عن شخصيته وهنا تبدو الكتلة مسكونة بالصمت غارقة فى الأضواء والظلال لتنوع السطوح المقتصدة وتماوجها.
- وطائر شمس يبدو خاليا من الزوائد والثرثرات محملا بطاقة تعبيرية وهو يثير تساؤلات عديدة حول معنى الفن وعلاقة الفنان بحركة الحياة والخروج منها إلى حياة جديدة فيها الدهشة والمتعة البصرية.
- يقول الفنان شمس القرنفلى: `أن الطائر دائما ما يستوقفنى فى كل حركاته وسكناته فتارة أجده راقداُ محملاً بطاقته الداخلية ومهيئاً للحظة الانطلاق ..لحظة الفعل المباشر نحو الفراغ محلقاً به ودائماً ما يتجلى مبدعا تكوينات وتشكيلات لا نهائية غالباً ما يثيرنى فتلهمنى تلك التكوينات النحتية مختزلاً بها كل التفاصيل والعناصر وتعميم التضاريس من أجل الوصول إلى المعنى والمقصد ..بعيداً عن تشتيت ذهن المتلقى.. ولذلك تأتى منحوتات الطائر خالية من أية ترهلات ملمسية أو خطية سامحا للضوء أن يسبح ناعماً على أسطح العمل ليكسبه خفة ورشاقة ونورانية ذاتية ` .
- ويستحضر فناننا التاريخ الأول للإبداع المصرى القديم كما نراه فى الفن الفرعونى من خلال تماثيله الرمزية للملك والملكة وبلمسة عصرية حديثة يجسد من خلالها الكبرياء والصمت الجليل والمتأمل يجد فيها الفلاحة المصرية الحديثة وقد امتزجت بنفرتيتى وحتشبسوت ونفرتارى فتحقق من خلالها الجلال والخشوع مع البساطة وتحول التاج الملكى إلى غطاء وهنا نجد منحوتات شمس يتعانق فيها عمق الواقع مع الأسطورة .
- ولاشك أن ما يعكسه الفنان من غموض متمثلا فى العينين الغائرتين بهذا التجويف الذى يمتد راسيا إلى أسفل أعلى الخد ليمثل حالة كونية .. خاصة بما يضفي من غموض وإبهام من خلال تلك الظلال العميقة التى توحى بدنيا من الأسرار .
صلاح بيصار
جريدة القاهرة - 20/ 11/ 2012
الحفر الذاتى للحجر ( أنشودة العزلة )
- ` ... على الربوة العالية ، ملتفاً بمعطف الصباح أقف فوق الروابى الموحشة .. متطلعاً إلى السهل المغطى بالزهور .. أرى نسراً يحلق .. بجرأة الفتوة يندفع يلاحق الأشعة المذهبة .. ويصعد موغلاً فى الآتون الأبدى ...`
- لا يستطيع الإحساس الجمالى لدى شمس القرنفلى أن يقوم مقام الفنان داخله عند اختياره الذى يجب أن يستقر عليه بين مختلف الإمكانيات التى تعرض له ، إذ إن هذا الاختيار تمليه عليه شخصيته نفسها .. وذا كان الأمر كذلك ، فربما ساعده ذلك الإحساس الجمالى الفطرى بداخله على إيقاظ وعيه بالإمكانيات الأساسية التى كان عليه أن يختار من بينها .. تلك الإمكانيات الأبدية النابعة من ماهية النحت كفن متجسد فى الفراغ .ولدى شمس معرفة واضحة بالإمكانيات المتباينة التى تفرض عليه فهو رجل لا يمكنه الاستسلام لنزوات الحدس .. رغم قدراته الفائقة كنحات على تخطى حاجز الرؤية المحدودة ، ومحافظته على قدر من التوازن فى الفراغ الزمانى ، كى يشير فى رمز طائرة المحبب إلى معنى الاغتراب بمفهوم مانى مكانى.
- يختار شمس حالة الحشد التى يتخذها طائرة استعدادا للتحليق ، فهو يرى فيها أروع لحظات تجلى القدرة الإلهية ، عندما يستجمع الطائرة قواه الداخلية ، ويهيب بطاقاته ، كى ينطلق فى الفضاء محلقا نحو أشعة الشمس الذهبية ، ومتحرراً من الجاذبية الأرضية ، وبذا بضعنا فى مقابلة زمكانية موحية ، عندما يؤمن إلى الإنسان الواعى الذى يعرف تماماً كيف يحشد طاقاته ويوظفها ، كى يجابه بها مواقف الحياة وتناقضاتها ، والمتأمل الواعى لذلك الموضوع ، الذى يستأثر باهتمام شمس منذ فترة ليست بالقصيرة ، حيث رأيناه يشارك فى سيمبوزيوم مطروح الدولى العام الماضى بطائر جرانيتى مهول يتخفف من الجاذبية ويحتشد للطيران أمام شاطىء البحر ، سيجدهمتأثراً بفكرة الفردانية ولعله أدرك ما فى الوحدة من طاقات مختزنة ، وإنها السبيل الوحيد لكى يتأمل المرأ ذاته ، ويتعرف على طاقاته المختزنة . والملاحظ أن طائرة المتحفز دائماً ما يكون وحيداً متلفعاً بعزلته .. إنه إنسان العصر ، الذى يجد السبيل وقد ضاقت أمام عينيه ، وفاضت الطرقات بالضجيج والتفاهه ، فيناجى نفسه :
- ` ... أيتها الوحدة .. أيتها الوحدة .. أنت وطنى ، فلتكن لصديقك كالماء والهواء والدواء .. والعزلة . حتى يمكنك أن تتحرر من قيودك .` .
- .. وهكذا يكون اللجوء للطيران كملاذ لنفس وخلاصاً فى نفس الوقت عندما يجد العقل أنه يكاد ينسحق تحت وطأة اللاعقل التى تجتاح زماننا فى غير هوادة .. فهنا يصبح التحليق ضرورة كى نرى العالم من منظور أكثر اتساعاً وشمولاً.
بقلم المؤرخ : حسام الدين زكريا
من كتالوج ( ذاكرة الوجوة والأطياف ) 2020
|