صديق الزجاج.. زكريا الخنانى
- .. تتعدد الخامات التى يعمل بها التشكيليون للتعبير عن أنفسهم، تتصدرها الألوان بأنواعها لسهولة توافرها وبساطة استخدامها وسرعة انجازها، لذلك يكثر الرسامون الملونون عندنا وفى أنحاء العالم ، يليهم الحفارون أو المستنسخون الفنيون، الذين يحتاج إبداعهم لمزيد من العناء والتعقيد. ثم النحاتون لما يتطلبه عملهم من مشقة عضلية وجهود مضنية. أما فنانو الآنية الخزفية فلا يوجد منهم لدينا سوى عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة، لما يحتاجه فنهم من مهارة التشكيل على القرص الدوار، ومعرفة منوعة بعلوم الطبيعة والكيمياء، وربما العمارة الخاصة بتشييد الأفران.
- لكن حركتنا التشكيلية التى نرصد فيها ما يزيد على 400 فنان عامل وفنانة، لا تضم غير `زكريا الخنانى` - 66 سنة - الذى يجسد خياله بخامة الزجاج منذ واحد وعشرين عاماً، سبقتها عشر سنوات كاملة مع الخزف..
- تخرج فى مدرسة المهندسخانة سنة 1942 فى قسم الميكانيكا والكهرباء وعمل بالقوات المسلحة حتى ترك الخدمة برتبة لواء سنة 1968، لكنه شغف بالتشكيلات الخزفية سنة 1956 وكاد يتفرغ بعد عشر سنوات لصديقه الزجاج - على حد تعبيره، فقد ملك عليه أمره وأصبح شغله الشاغل وموضوع دراسته وقراءته وكتبه التى يشتريها، وتجربته وأحاديثه وزيارته لمتاحف أوروبا وأمريكا والخيال الذى يداعب أفكاره فى نومه ويقظته، يبثه شجونه ويودعه أحلامه ويرى فيه نفسه.
- .. وللزجاج وبدائع أشكاله وروائع زخارفه قصة طويلة مع أجدادنا العظام منذ ثلاثة آلاف وستمائة عام، فقد عثر الباحثون على عين زجاجية زرقاء توركواز من عهد أمنحتب الأول (1550 ق.م)، ووجدوا شظية من آنية محفورة باسم الفرعون تحتمس الثالث ودلايات ملونة بالأبيض والأسود قبل سنة 1400 ق.م. ظهرت بعدها درجات الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالى والأحمر.
- لم يصب المصريون الزجاج فى قوالب بل كانوا يشكلونه كعجينة منصهرة ويُطَعِّمونَه بخيوط زجاجية مختلفة السمك، وأبدعوا منه عقود الخرز المنظوم بمنتهى الدقة والجمال، وبالرغم من الفقاقيع من الداخل وآثار التجليخ والتنعيم من الخارج، إستمر نمو وتطور فن تشكيل الزجاج كعجينة منصهرة عبر العصور الفرعونية حتى بلغ درجات رفيعة من الجمال والبهاء. ولم يستخدموا أساليب `النفخ` التى مازالت تتبع فى عصرنا الراهن الا فى العصر الرومانى.
- يبدع زكريا الخنانى تشكيلاته الزجاجية بالطرق المصرية القديمة، ليس تعصبا لتراث الأجداد العظام، إنما لمزيد من التقرب من الخامة ومصادقتها واستئناسها والاحساس بخصائصها والقبض على زمامها والتحكم فيها والتعامل معها بنجاح. حتى الفقاقيع التى تظهر داخل الجسم الزجاجى كأخطاء تكنيكية، استطاع أن يطوعها ويضعها كقيمة جمالية ينفرد بها فن تشكيل الزجاج. مضافة إلى قيمة العمق النابعة من عنصر الشفافية. وبطريقة صياغة هذا العمق تختلف من تشكيل لآخر ففناننا يستطيع الزخرفة على مستويات داخل هذا العمق منتهزا صفة اللزوجة التى ينفرد بها الزجاج عن المواد الأخرى. فلا تختلط الألوان لو وضعت فوق بعضها أو متجاورة، الأمر الذى يكسب الزجاج نكهة شاعرية وصوفية جعلت العرافين والسحرة يتوسلون به على هيئة كرات بللورية كبيرة تكشف عن الماضى وخبايا المستقبل، كما أنه يتصف بالصمود لعوامل التعرية والأحماض سوى حامض الهيدروفلوريك، ويحتفظ بألوان زاهية ناصعة عبر الزمان كسا به المصريون القدماء أوانيهم ومشغولاتهم الخزفية قبل أن يستقل بذاته فى صورة جعارين وتمائم وتعاويذ ويرصعون به التوابيت والتماثيل، وفى متحف كوننج بولاية نيويورك بأمريكا جناح يضم تحفا من مصر القديمة كالأوانى والمكاحل والحلى وروائع قبطية فى تسلسل تاريخى يقف عند نهاية العصر الإسلامى، لكن الفرصة كانت متاحة لاستكمال النقص باقتناء تشكيل حديث من ابداع زكريا الخنانى لربط الماضى بالحاضر، إذ ليس فى الساحة فنان آخر يشكل مجسماته بالزجاج، الأمر الذى يجعل منه رائدا لهذا الفن ومشاركا نشطا فى حركة البحث عن الهوية المحلية.
- إذا كان فناننا لم يتعلم أكاديميا تكنولوجيا تشكيل الزجاج، فقد درسها فى أئمة المراجع لعشرات السنين، والتحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث درس علم هندسة المواد، وانتهز فرصة زيارته لمدينة `كوننج` بأمريكا سنة 1976، وقضى ايامه فى مكتبة المتحف التى تضم أهم وأحدث المراجع عن تاريخ وتكنولوجيا تشكيل الزجاج ساعدته عقليته العلمية ودراستها الهندسية المبكرة ومواهبه الفنية والبيئة الثقافية التى ترعرع فيها، على أن يخوض هذا المجال الصعب ويفتح آفاقا جديدة فى عالم الفنون الجميلة والتطبيقية والتشكيلية.
- والتقويم الاستطيقى لإبداع الخنانى يخضع لما تخضع له المجسمات ذات الأبعد الثلاثة، قد يتخذ هيئة مجردة كما فى تشكيل بعنوان دوامة الحياة: مؤلف من عدة ألواح زجاجية متوسطة المساحة ومفرغة من وسطها بشكل دائرى، ومرصوصة فوق بعضها البعض بانحراف حلزونى الى أعلى تشكيل يتصل بفن التجميع من حيث أنه يعتمد على أشياء سابقة التصنيع هى ألواح الزجاج الجاهزة وبفن الكولاج من حيث هو عملية لصق هذا من ناحية الأسلوب أما من ناحية التعبير والمضمون فيندرج مع الفن التجريدى، ويرتكز على حسابات رياضية دقيقة تؤدى إلى هذا التكوين الجمالى المتناسق فالعلاقة بين قطر الدائرة الفارغة وطول ضلع المربع الزجاجى وقيمة ارتفاع الألواح ومقدار انحرافها الحلزونى المتدرج، علاقة رياضية تضيف متعة عقلية الى متعة البصر والوجدان كما يتكامل هذا التركيب التجريدى الرياضى الهندسى مع المعنى المستهدف ويعبر عنه، والتكامل بين الشكل والمضمون سمة جوهرية من سمات الفن الحديث، فهو يخاطب المتلقى بلغة العصر.
- ` اليمامات الثلاث` نموذج آخر للحداثة فى إبداع التماثيل بالرغم من محاكاته للطبيعة فى كثير من النواحى، فالتجريد ليس شرطا للمعاصرة بل التجديد وتلبية الاحتياجات العاطفية والفكرية للثقافة الحديثة، وابداع التماثيل قديما كان يعتمد على واحد من أسلوبين: أحداهما `النحت` - أى حذف أجزاء من كتلة الحجر أو الرخام أو الخشب لاستخراج التمثال، وثانيهما `التشكيل` - أى إضافة قطع الصلصال بعضها إلى البعض الاخر حتى يتجسد التمثال من العدم، ثم يصب فى قالب لتحويله إلى برونز.
- لكن كل شئ تغير بحلول القرن العشرين واندلعت الثورة ضد الفراغ العاطفى والانحراف نحو الطبيعة والمبالغة فى المهارة وكمال الصنعة، انفتح الباب على مصراعيه أمام المثالين لاستخدام اللدائن والعجائن (البلاستك) والسبائك المعدنية، وإذا كان تاريخ `فن التمثال` فى أحد جوانبه - هو تاريخ ادخال مواد جديدة إلى الساحة، فقد وصل هذا الفن فى السنوات الأخيرة إلى قمة الإثارة والتجريب، واستغنى مبدعوه عن المفاهيم التقليدية واستخدموا ما يخطر على بالهم من مواد، وقاموا بمغامرات ابداعية متكررة يدخل فيها اللحام والصب والتجميع والتشكيل وما يستجد من أساليب.
- وفى البيان الذى أصدره الإيطالى: امبرتو بوتشيونى (1882/1916) زعيم المستقبليين فى مطلع القرن، اقترح عشرين خامة لابداع التماثيل بينها: الزجاج والخشب والكرتون والحديد والأسمنت وشعر الخيل والجلد والقماش والمرايا وضوء الكهرباء، من هنا تعتبر `اليمامات الثلاث` عملا نحتيا حديثا - من حيث إن `الحداثة` تتعلق بالخامات المستخدمة ونجاحها فى صياغة الشكل وأداء المضمون، نقول `عملا نحتيا` لأنه يعتمد على التشكيل فى الصلصال ثم اعداد قالب أول من الجص لاستخراج نسخة شمعية، ثم قالب ثان ذى فتحة واحدة تخرج منها النسخة الشمعية مصهورة ليصب مكانها نسخة زجاجية تمر عبر عملية تبريد محسوبة، تعتمد على خبرة طويلة وخطوات علمية، يخرج بعدها الشكل مختلفا فى جماله ومضمونه الإنسانى وقيمته الاستطيقية عن نظيره المنفذ فى الجرانيت أو البرونز أو أية مادة أخرى. فالشفافية الرقراقة والروحانية الصوفية.. نادرا ما نلتقى بهما على هذا القدر من الجلاء والتجسيد.
- لم ينشأ من فراغ شغف `زكريا الخنانى` بالفنون الجميلة. فقد ولد فى حدائق القبة بالقاهرة سنة 1920 فى بيت يسوده الاستقرار والثقافة المتقدمة، فالوالد الذى درس القانون فى جامعة ليون بفرنسا كان يعمل مفتشا للآثار مما أتاح لطفله أن يشب على تذوق الفنون ويترعرع فى ربوع الكرنك ووادى الملوك بمدينة الأقصر، وتتفتح عيناه على روائع الفن الفرعونى وربما كان هذا سببا منطقيا فى تعلقه بالإبداع الخزفى على الطريقة المصرية القديمة بعد ثلاثين عاما، ففى سنة 1956 اشترى فرنا كهربيا صغيرا للتجريب والبحث عن العجينة الزرقاء التى أبدع منها المصريون القدماء الأوانى والحلى والجعارين، فمن المعروف أنهم لم يستخدموا الصلصال واعتمدوا على طينة مسامية ناعمة من السيليكا الطبيعية المستخرجة من الأرض فى صورة رمل أو بللور صخرى. وبين يدى العلماء شظية من آنية مطعمة بالأخضر باسم `مينا` أول ملوك مصر القديمة (5500 ق.م) كما عرف أجدادنا الترابيع الخزفية فى الأسرة الثالثة، وفى برلين بألمانيا بلاطات كانت فى باب غرفة الملك زوسر فى هرمه المدرج بسقارة. وتطور الخزف والطلاء الزجاجى عبر العصور المصرية حتى بلغ قمته فى الأسرة الثامنة والعشرين.
- درس فناننا تلك الأساليب وأعاد الكشف عن أسرارها وطيناتها وألوانها، والتقى بزوجته المثالة المعروفة `عايدة عبد الكريم` فى أحد معارضها سنة 1950، وتلازما فى مشوار الإبداع الخزفى حتى سنة 1965. قدما خلال هذه السنين للحركة الفنية الحديثة ألوانا من الدلايات والعقود والحلى الخزفية المستلهمة من التراث الفرعونى فى كل من الشكل والخامة والأسلوب، ولفتوا أنظار النقاد فى مصر والخارج وظفروا بمساندة جماعة الفن والحياة التى يقودها حامد سعيد.
- هذا المشوار الذى قطعه الخنانى مع التشكيلات الخزفية، مهد الطريق للتعامل المستنير الخبير مع صديقه الزجاج. وعلى بعد أربعة كيلو مترات من شارع الهرم فى طريق سقارة الذى تخترقه ترعة المريوطية، يقع مشغله الفسيح الحافل بالأفران والمعامل.. والأشجار والأزهار وبدائع الإنتاج الفنى الفريد.
- دخل عالم الزجاج سنة 1965 واستطاع أن يبدع به مجسمات وتماثيل وأوان وحلى، مزخرفة بألوان شتى وتصميات مبتكرة فى عمق الجسم الزجاجى للصحون والسلاطين يرسم التصميم على لوح يغطيه بلوح آخر ثم يضعها فى الفرن حتى يلتصقا ويتخذا شكل `القلب` الذى يكسبهما عليه فتحتبس الزخرفة ولا تتأثر بعوامل التعرية، وإذا وضع معها ذارت من مادة عضوية احترقت أثناء الانصهار وصنعت فقاقيع بأحجام متفاوتة تضيف الملامس الى التصميم، الذى قد يستعير بعض وحداته من العصور الماضية مع تحويرات تشعرنا بروح الشرق وسحره.
- وطريقة القلب أسلوي بدائى معروف منذ القدم لتشكيل الأوانى من الزجاج وهو شكل سلبى للآنية المطلوبة مصنوع من مادة هشة، كعجينة الطين والقش أو نشارة الخشب، تكبس عليه عجينة الزجاج ليتخذ شكله النهائى، ويتخلص القلب من القش ونشارة الخشب بتأثير الحرارة العالية للزجاج المنصهر، ويتهشم الطين حين ينكمش الزجاج بالتبريد البطئ فلو كان القلب أصلب مادة لتحطم الزجاج نفسه، لذلك لا تصلح هذه الطرق البدائية إلا للأعمال الفنية، ويتغير أسلوب التنفيذ بتغير المضمون وشكل الإبداع، فبينما يحتاج كل من الصحن والسلطانية الى قلب يكبس عليه، يتطلب التمثال الصغير `قالبا` كاملا قطعة واحدة، أما النصف قالب أو القالب المكشوف `فلازم للمجسمات ذات السمك الواحد، كالتمثال الصغير بارتفاع قدم تقريبا الذى يشبه الطائر أو حروف الكتابة اليابانية، تشكيل من الزجاج المعتم داكن اللون، يبعث البهجة والمرح والأحساس بالطفولة ويتسم بالتناسق والاتزان الحركى يميل الى التجريد لكنه يحتفظ بالكثير من أبعاد المحاكاة. قد نرى فيه عنصراً مجسماً فى الوحدات الزخرفية الطريفة التى يرسمها على ابداعه من الميداليات البللورية الصافية وهى تمد جذورها الى الوحدات الإسلامية من غزلان وأرانب ووحوش برية، نراها فى تصميمات السجاد وعلى الأوانى الخزفية، استلهموها بدورهم من الرسوم السابقة على الإسلام فى آسيا الصغرى. وحدات بسيطة تلخص طريقا طويلا من البلاغة التشكيلية وتدخل ضمن التراث الإنسانى العام الذى لا يقتصر على شعب دون آخر، لذلك يستجيب لها المتلقى جماليا وعاطفيا، بصرف النظر عما تمثله من كائنات.
- تمثال الطائر مفعم بالحركة الكامنة ويشعرنا أنه يوشك على الاقلاع لأول مرة، تزيده حيوية وديناميكية تلك النعومة البالغة والملمس البللورى الذى يتميز عن ملامس المواد الأخرى كالأخشاب والأحجار والمعادن والعجائن واللدائن، فاللبلور له ملمس ينفرد به كما ينفرد الماس ببريق خاطف لا يدانيه بريق، يضيف هذا الملمس الى التمثال مزيدا من الرقة والرشاقة نفس الإحساس الذى يتجلى بوضوح فى الميداليات والدلايات المستديرة التى يبدعها فى أحجام أقل من راحة اليد. يضع فيها وحدة تصويرية كالأرانب أو الغزال على خلفية من فروع وأوراق النبات، تتوزعها ألوان خضراء وحمراء، يخرجها أحيانا من تصميمات المسطح، ويجسدها فى تمثال قائم بذاته كما نشاهد فى الطائر الصغير.
- كل ما يبدعه فناننا مقصود لذاته وتعبير عن خياله وتجسيد لرؤاه، سواء كان تجريديا أو تعبيريا أو على هيئة صحون وسلاطين حتى حين يعبث بالأشكال كما يفعل الفنانون الكبار أحيانا، والعبث عند الفنانين هو النشاط الإبداعى الذى لا يحقق قيما فنية أو جمالية أو معنوية، يختلف بذلك عن التجريد الذى يصور `القيم الفنية المطلقة` كالإيقاع والتوافق والتباين والاتزان.. الخ، ولقد وضع أساتذة الباوهاوس فى المانيا سنة 1919 تعريفات اجرائية لهذه القيم، يحققها الفن التجريدى على طريقة المعادلات الرياضية والهندسية التى تتآلف من الحروف الهجائية والأرقام بلا دلالات مادية، وإذا استطردنا مع التشبيه كان العبث خليطا من الحروف والأرقام دون أية دلالة مادية أو نظرية، هذا هو الفرق بين الفن واللافن إلا أن زكريا الخنانى قصد بنشاطه الإبداعى العابث أن يظهر جمهرة الذواقة والمتلقين على فعل الطبيعة حين تصنع الزجاج فى أحشاء البراكين ثم تلفظه أشكالاً عشوائية غير منتظمة، خليط من الكوارتز والرمال والأحجار والشوائب المعدنية يحوله بالحرارة العالية الى كتلة زجاجية قد تتخذ شكلاً؛ جماليا. لأن الطبيعة تصنع الجمال أحيانا بأن تنحت التماثيل فى صخور الجبال، أو تزخرف الرمال على صفحة الصحراء وتحول الزلط الى أشكال استلهمها مثالون كبار مثل `هنرى مور` و`باربارا` أو `هيبوراث` هكذا أبدع الخنانى أشكالاً عشوائية بينها كتلة داكنة تشعرنا بالصرحية والصلابة والقوة البدائية للحياة.. والرهبة والجلال. مختلف الأحاسيس تطرق صدر المتلقى وهو يتأمل هذه الكتلة الشديدة الشبه بالصخور الزجاجية فى صمتها وغموضها وملمسها وعتامتها.
- علاقة حميمة تربط الخنانى بالطبيعة والتراث يشركنا فيها بأن يعرض علينا نماذج مما تبدعه البراكين. وينتهج فى أسلوبه منهج أجدادنا العظام مكتشفى الزجاج. فاستخدم طريقة القلب التى صنعوا بها الرموز والشارات التى توضع على ذراع الفرعون منقوشة بأسماء الآلهة أو على أذرع الحرس الخاص مبصومة بألقاب فرعون مثقبة ومثبتة بخيوط فى قماش القطن الموسلين الخفيف، أو منحنية عند طرفيها لتعلق كالمشبك فى ذراع صاحبها.
- بعد أن يلين الزجاج داخل الفرن بتأثير الحرارة العالية، يتحكم الخنانى فى كبسه على القلب بواسطة المساكات والملاقيط.. وخبرة عشرات السنين.. والصداقة الوثيقة بينهما.
- .. هذا الإبداع الزجاجى يزود حركتنا التشكيلية بدماء جديدة وروح شابة، ويضيف اليها فنا بكرا يهيب بكل ذى موهبة واحساس أن يلقى بدلوه، ويفتح الآفاق على عالم بللورى براق مفعم بالانعكاسات والخيالات، ويمنحنا القوة على احتمال الشطط والعبث الذى انحدرت إليه فصائل برمتها من الفنانين فى حركة الفنون الجميلة والتشكيلية الحديثة فى بلادنا،،،
الناقد ./ مختار العطار
من ( كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الأول)