جابر عبد المنعم محمد حجازى
إعادة اكتشاف جابر حجازى بعد سنوات من رحيله
`جاليرى خان المغربى ` بالزمالك لعرض أعمال الفن التشكيلى ظل لسنوات يقوم بدور حيوى داخل الحركة الفنية باختياراته المميزة وتنوع عروضه الفنية لأجيال ومدارس مختلفة من الفنانين فى مجالات عدة .. حتى تم إغلاقه منذ أكثر من ثلاث سنوات .. ثم أعيد افتتاحه اليوم ليواصل دوره بعرض مهم للمثال السكندرى الراحل جابر حجازى ` 1936 ـــ 2016 ` .. وعن غلق الجاليرى وافتتاحه قالت السيدة سلوى المغربى مؤسسة الجاليرى ومديرته ` أغلقت خان المغربى منذ ثلاث سنوات لأسباب صحية وبعد عام من التوقف حاولت أن أعمل فى مجال آخر بعيد عن الفن التشكيلى ولكن كان هناك دائما شئ ناقص غير مكتمل واخيرا أخذت قرارH بالعودة إلى خان المغربى .. وحين فكرت فى معرض للافتتاح كان لابد وأن أوفى اتفاقى الذى لم يتحقق مع الفنان الراحل دكتور جابر حجازى منذ ثلاث سنوات لمرضه وأيضا لإصابتى بوعكة صحية طويلة أدت لإغلاق الجاليرى .. ثم أجريت اتصالا بعائلة الفنان جابر حجازى واتفقنا على إقامة المعرض .. `
بعد ثلاثة أعوام من الإغلاق .. افتتاح جاليرى خان المغربى
إعادة اكتشاف (( جابر حجازى )) بعد سنوات من رحيله
معرض المثال الكبير الراحل جابر حجازى الذى تفتتح به ` خان المغربى ` نشاطها من جديد يقدم كعرض افتتاحى كبير أكثر من عرض اعتيادى .. وقد كان مقرر لهذا العرض أن يقام قبل أكثر من ثلاث سنوات قبل إغلاق الجاليرى وكانت تجرى الاستعدادات لتجهيز إقامته ولكن تم إغلاق الجاليرى ومع إعادة افتتاحه يواصل الجاليرى فعالياته من نفس آخر نقطة توقفت عندها عروضه بالاستعداد السابق لعرض حجازى وكأن مديرة الجاليرى قفزت فوق السنوات الثلاث وأكثر ولم تحتسبها من عمر الجاليرى ليواصل رسالته بنفس قوة الدفع وأيضا لتوفى السيدة سلوى المغربى بآخر اتفاق لها مع الفنان الذى رحل العام الماضى ولم يتح له مشاهدة معرضه الذى كان يستعد له فى فترة مرضه الأولى ويعمل على إنهاء بعض قطعة النحتية لتلحق بعرض المغربى الذى لم يتم .. حاليا العرض المقتطع من الزمن مستمر حتى الثالث عشر من إبريل ويضم خمسة عشر تمثالا ومنحوته بخامات ` جرانيت ` و` حديد ` و`خشيب ` و`بازلت` وخمس من لوحات التصوير الزيتى وأحد عشر ` اسكتش ` ملونا وأبيض وأسود تعرض لأول مرة ..
والفنان الراحل اهتم اهتماما كبيرا بالنحت اللاشكلى التجريدى لا كموضوع بل كمصدر ونتيجة لأفكارة الحرة وجماليات الحركة الضمنية الكامنة النابضة بإيقاع داخلى وأيضا فى ديناميكية التركيب الكلى .. لكن ظلت الطبيعة هى البداية لنقطة انطلاقه ليكون ناتجه الفنى محملا بدرجات متفاوتة بملمح من مصدره الأصلى .. وتظل أعماله بإطلاق أفكارها ومعالجتها التجريدية وبعضها مزيج من التجريدية التعبيرية تصلح ومهيأة كنصب تذكارية يستحضر تكبيرها مزيد من دلالتها وجمالياتها ..
فى العرض نرى المنحوتات فيما عدا البورترية تعمل على اللاشكل بأبعاده الثلاثة وقد اهتم الفنان بالفورم التجريدى أكثر من تمثيل الواقع .. وبعض أعماله توحى بالعضوى والأخرى قائمة على الهندسى البنائى فى أشكال نقية لا تماثل هيئة معينة .. وبعضها تبدو كأنها تنبثق بفعل الصدفة من طلقة رأسيا أو أفقيا فى الفضاء المحيط .. وأعمال أخرى موضوع لها تصميمن محكوم محسوب فى ديناميكية التركيبة خاصة بخامة الحديد ..
وتتميز الأعمال بأنها تنشأ كعمل بنائى نهائى من تلاعب الفنان ببنائه اللحظى تحت تأثير أفكاره التى يقدمها كعلاقات مجردة من العلاقات المكانية من حجم وخطوط داخلية دينامية وخارجية إضافة إلى اهتمامه الشديد بالملمس وهو أداء حيوى لسطح المنحوتة مهم جدا عنده كما يهتم به معظم المثالين .. وقد استخدم الفنان مودا فى مرونتها الملمسية وحاسة اللمس كما فى خامتى الخشب والحجر كى تعمل على التركيز الحسى والعضوى غير ما يستعمله من مواد أكثر صلابة كالحديد لاقامة منحوتة البنائى الهندسى .. وأعماله بخامة الخشب والحجر تبدو ثابتة مستقرة الى درجة كبيرة ..بينما تركيبات الحديد توحى بأنها متحركة أو متحولة .. لتبدو تجربته قائمة بين أشياء متباينة تخدمها خامات بسمات ملمس وصلابة أشد أو أقل بما يخدم هذا التباين ويؤكد دلالة المنحوتة شكليا وأدائيا ..
منحوتات الفنان جابر حجازى التجريدية النقية لأشكاله غير النظامية أو البنائية أو الموحية بالعضوية نراها معتمدة على إقامة الشكلية التى هى فى ذاتها هيكلية للعمل لمحتواه وسياقة بالتركيز على العلاقات بين الشكل والكتلة والخط مع ملاحظة أن معظم أعماله تعمل على علاقتها بالفراغ الخارجى وليس الداخلى فيما عدا بعض من أعماله الحديدية بما تضمه تروسها وأسطواناتها التركيبية من فراغات داخلية تشكل وتتشكل مع إيحاء الحركة ..
وهذا فى مجمله شكل لغة الفنان البصرية من الشكل والخامة واللون والحركة إضافة إلى الهيكلية الجزئية فأحيانا ترى فى عمل هيكل جزئى لعظمة أو هيئات مجسمة أبسط متراكبة معا من مكعب أو هرميات .. ودائما هناك الأعمدة التى تعمل كقاعدة ومركز انطلاق للشكل التجريدى الرمزى أعلاها والتى تقترب كثيرا من مفهوم النصب التذكارى .. ويعتمد الفنان على منحوتته المكونة من وحدة ككتلة واحدة ثابتة أو مركبة من قطعتين شبه متحركة أو ديناميكية بقوة .. خاصة فى أعمال الحديد القائم فى معظمه على فكرة ميكانيزم عمل التروس وآلياتها .. وأيضا كان يفضل إقامة عمله من جزء أساسى كقاعدة ثابتة تعلوه قطعة لا شكلية تبدو أقرب للفضائية تهفو للتحليق فى الفضاء المحيط نازعة نفسها عن قاعدتها متحدية الجاذبية .. ولتتناسب وتحقيق قفزة فوق سنوات من المرض انتهت برحيل الفنان .
بقلم : فاطمة على
القاهرة : 27-3-2017
إزميل المثال ` جابر حجازى` .. يجسد عبقرية ` سيد درويش `
- مع مئوية مسرحه بالإسكندرية
- فى احتفالات دار الأوبرا المصرية بمئوية مسرح خالد الذكر سيد درويش.. والتى أطلقتها الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة.. كان هناك حضورًا كبيرًا للإبداع التشكيلى المجسم.. فقد أزيح الستار عن تمثال درويش.. الذى جسد عبقريته أزميل الفنان السكندري د.جابر حجازى `1936-2016`.. بعد إن تم إهدائه من أسرة المثال الراحل.
- وجابر حجازى له لغته التعبيرية الخاصة فى فن النحت.. تنوعت أعماله بين اللمسة الأكاديمية والأعمال التجريدية كما تنوعت الخامة فى عالمه ارتباطا بالبيئة والتراث المصرى من الأحجار الصلبة الى نحت الخشب... وكان الحدث فرصة للدخول إلى عالمه النحتى وملامح فنه.. والحديث عن أسطورة النغم سيد درويش الإنسان والتمثال.
- فنان وإنسان
- تقول د.دعاء ابنة الفنان حجازى: كان والدى أستاذا بحق فرغم انشغاله بعمله الاكاديمى ومعارضه الفنية.. اتذكر انه كان يشجعنا على الرسم ويحضر لنا الألوان ويحتفظ بكل ورقة ولوحة نرسمها.. وظل محتفظا بها فى دولابه الخاص.. وكان يشكركنا فى معارض الأطفال.
وقد تعلمت منه إن الفن لا يقدر بثمن.. كان يعمل من اجل الفن للفن وليس للمادة أو الشهرة.. وعندما أصبح جدا اهتم بأحفاده.. فكان صديقا لهم يلعب ويلهو ويحكى لهم القصص وياخذهم إلى المدرسة ويضحك ويغنى معهم.. وعندما لاحظ فى حفيده موهبة النحت.. يوفر له الخامات ويدفعه بتشجيعة إلى الإبداع.. ويصب إنتاجه رغم صغر سنه.. ومازالت هذه الأعمال موجودة وشاهدة على اهتمامه.. وفى الفترة الأخيرة.. ظل يصارع المرض ليمارس أحب شيء إلى قلبه وهو التدريس والتفاعل مع طلابه.. ولما اشتد عليه المرض كان يقوم بحركات بيديه وهو نائم وكأنه ينحت فى خياله.
- أعمال موصولة بالتراث
- تبدو أعمال المثال حجازى التشخيصية ذات اللمسة الأكاديمية موصولة بالتراث.. تجمع مع الثبات والاتزان.. التصالح مع الفراغ من خلال قيم وعلاقات تشكيلية رفيعة.. كما فى تمثاله `ايزيس` بالقاعة الرئيسية بمكتبة الإسكندرية `هناك نسخة اخرى بكلية الفنون الجميلة`.. وهى ربة القمر عند الفراعنة وزوجة أوزوريس وصاحبة الأسطورة الشهيرة.. أودع فى تمثالها بلمسته الصرحية والجلال.. جسدها فارهة مفعمة بالحيوية فاردة ذراعيها وكأنها تحتفى باستقبال البشر فى كل مكان.. فجر فيها روح الحياة وقوتها برداء ووشاح محلى بالنقوش فى وحدة واحدة من الشكل القوسى على الصدر والنقوش الطولية التى تمتد من أعلى القدمين المضمومتين منفرجة إلى أعلى يمينًا ويسارًا بسحر فى نغم التفاصيل... والفنان هنا يؤكد احترامه للكتلة وخصويتها والعلاقة التكاملية بينها وبين الفراغ.. وقد ساهمت النقوش مع انسياب الجسد فى تلك العلاقة.. من الحوار بين الأضواء والظلال.
- وكانت مشاركات الفنان حجازى فى معظم دورات بينالى الإسكندرية.. واحترامه لقيم الأداء بالخامات النبيلة من الأحجار الصلبة كالجرانيت والرخام.. مع طابعه التعبيرى والروحى.. ما جعل التشكيل المجسم ينطق فى رصانة ووقار.. كما فى منحوتته `راس فتاه`.. استلهم منها الطابع الرومانى مع المصرى وقد بالغ هنا فى استطالة أفقية الكتلة.. من خلال خصلات الشعر الملتوية مع ترديدها الهامس فبدى التشكيل بين رصانة التقاليد والعلاقات الممتدة فى الزمن.. إلى الخروج منها باللمسة الحديثة.. `حصل على الجائزة الثانية للنحت فى أحدى دوراته والأولى فى الدورة التاسعة` .
ومن بين أعمال الفنان التى تتميز بمصريتها وعصريتها الشديدة منحوتته `عروس البحر- حجر ابيض `صاحبة القسمات والملامح المصرية.. أشبه بفتاه من عصرنا بعيون كحيلة.. وجسد ينساب ممتلئا بالخصوبة بينما يتدلى الشعر على الكتف.. تبدو جالسة تضع يدها على الساق اليمنى بينما ترتكز بيسراها على المقعد الذى يمتزج فى وحدة واحدة.. مع ليونة الجسد وانحناءاته وحيوية ذيل عروس البحر.. المحلى بالقشور اللامعة الملمس.. ويبقى تمثال المحارب بالروح الرومانية ومسحة القدم وثراء التفاصيل.. ما يمثل الطاقة التعبيرية الضخمة للفنان حجازى.
- وأعماله التجريدية
- فى أعمال الفنان التجريدية تمتد من الإيقاع الهندسى الخالص والشكل العضوى المبهم.. الذى يذكرنا أحياناً بالأعشاب البحرية وروح الإسكندرية عروس البحر المتوسط مدينته والهام فنه.
تقول الزميلة الناقدة فاطمة على: اهتم الفنان حجازى اهتماما كبيرا بالنحت اللاشكلى التجريدى لا كموضوع بل.. كمصدر ونتيجة لأفكاره الحرة وجماليات الحركة الضمنية الكامنة النابضة.. بإيقاع داخلى وأيضاً فى ديناميكية التركيب الكلى.. ولكن ظلت الطبيعة فى البداية.. نقطة انطلاقه ليكون ناتجه الفنى محملا بدرجات متفاوتة من مصدره الأصلي`.
- فى فن النحت على الخشب يعلن ولعه الشديد واحترامه للطبيعة وخصائصها من وحى الأشجار وما تحمل من كثافة شعرية من خلال اللحاء من تجاويف وتجازيع وبصمات الزمن.. وهنا تمتد مجسماته حافلة بالنبض والهمس.. تكاد تتنفس كما فى منحوتته `الدرع`.. الذى يبدو بميل قوسى يحمل من التجازيع والفتحات الصغيرة إشراق اللمسة وثرائها.. وتشكيله الدائرى الحافل مع الصمت والسكون بثراء الملمس من المسطحات والبروز الخارج على السطح والغائر الداخلى.. مع أشكاله المبهمة التى تبدو فى ملامح رمزية غامضة.
- وفى الرخام تفيض الكتلة بطاقة كامنة وهمس شاعرى بفعل فصاحة أزميله.. إما أعماله التى تنتمى للأحجار فتجمع مع الثبات والاتزان ما بين الثقل والرشاقة التى تتحاور مع الفراغ.. وفى الأعمال التجريدية المعدنية تكشف عن عناصر لاسياخ بالغة النحافة فى تقاطعات راسية وأفقية مازجًا بينها وبين الحجر الصغير الذى يضبط الإيقاع.. كما يلجا إلى الشكل الدائرى مع الهندسيات لوحدة المثلث.. والمطعمة بالأحجار تعطى ثقلا وكثافة للتشكيل.
- وقد جاء تشكيله الصرحى الذى ينتمى للإيقاع الهندسى الخالص `ملتثقى اسوان الدولى للنحت`.. تعبيرًا بليغًا يتحدى الصمت والسكون.. يفرض سطوته على الفراغ من خلال التركيب.والخروج والدخول للكتل الحجرية.
- وتبقى أعمال الفنان من توليفات الحديد من النفايات.. تعكس للعصر الميكانيكى تكاد الكتلة تنطلق فى تضافرها وإيحاءاتها بأشكالها اللينة.. والحادة الغير منتظمة والهرمية والدائرية.
- سيد درويش
- يعد ابن الإسكندرية خالد الذكر سيد درويش`1892 - 1922` رائد الموسيقى العربية المعاصرة.. يعود إليه الفضل فى تطوير الغناء العربى الكلاسيكى منه والخفيف الدارج كما يقول الكاتب صميم الشريف شيخ النقاد الموسيقيين السوريين: فقد دل هذا الموسيقى الأصيل جميع الموسيقيين الذين عاصروه والذين جاؤوا بعده على التطور الحقيقى الذى أراده للأغنية.
- لحن درويش فى حياته القصيرة 27 مسرحية وأوبرا غنائية من اشهرها :`العشرة الطيبة` و`البروكة` و`راحت عليك` و`لو` و`شهر زاد و`كليوباترا وانطونيو` وله عشرة ادوار من بينها `أنا هويت وانتهيت` و`أنا عشقت` و`عشنا وشفنا` مع 17 موشحا من اشهرها: `يا شادى الألحان و`يا بهجة الروح` وعشرات الطقاطيق منها: `زورونى كل سنة مرة` و`خفيف الروح` و`الحلوة دى قامت تعجن` و`سالمه يا سلامة` ومازال نشيد بلادى بلادى.. النشيد القومى لمصر حتى الآن.
- جاء تمثال سيد درويش لابن الإسكندرية أيضاً جابر حجازى تأكيداً على تلك القيم والمعانى الرفيعة التى تجسدت فى شخصية خالد الذكر.. وكان انفعال المثال حجازى ودابه وعكوفه على استحضار شخصيته.. أيقونة لمعنى الفن وامتزاج الصورة البصرية اللحنية بصوت الموسيقى.. جسد المثال حجازى درويش جالسًا يحتضن عوده.. يده اليمنى فى حركة قوسية حانية تعلو العود بينما تقبض يده اليسرى مكمن الأنغام من الأوتار.. ويبدو احتشاد الموسيقار وتهيئه لإطلاق ألحانه التى كتب لها الخلود.. صوره بهى الطلعة فى أناقة الملامح محلقا فى أفاق النغم.
- وجابر حجازى المثال يتنافس معه المصور.. وهو جانب إبداعى لا يعرفه عنه الكثيرون.. تمتد أعماله بين التصوير والرسم فى غنائيات تنساب بالتجريد أحياناً والتشخيص فى أحيان أخرى ما بين الرمز والواقعية التعبيرية.. الرمز من خلال كائناته وعناصره كما فى سطوحه الهندسية مع الهرم.. والواقعية التعبيرية فى الوجوه الدرامية بالفحم الأسود.. سلام عليهما سيد درويش وحجازى بعمق النغم والتشكيل.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة ( 7-9-2021)
|