الفنان / احمد خليل - من مواليد الاسكندرية - ينتمي الى فناني جيل السبعينيات الذي تواصل مع فكرة التجريب والبحث عن الرؤى التشكيلية المعاصرة ,وقد تنوع الفكر التجريبي للفنان باحثا ومحللا لمذاهب فنية متعددة , فمنذ تخرجة عام ( 1976م ) من كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية - تميزت اعمالة بالاتجاه ` الميتافيزيقي ` حيث كانت فكرة الزمان والمكان و مفهومهما في العمل الفني يشكلان محور اهتمامه ، و قد عبر عنهما من خلال اللون وطبيعة العناصر المستخدمة ونرى مثال لذلك فى لوحة ` هروب عقارب الساعة ` ثم انتقل بعد ذلك الى الاتجاه الرمزي من ( 1979 - 1982 م ) وهى مرحلة شهدت تغيرات متلاحقة في الواقع المصري وقد انعكس ذلك فى عدة اعمال ، وخاصة فى لوحة ` احزان العيد ` ثم لوحة ` صحوة البطل` .
- تعد الفترة ( 1982 - 1989م ) البحث في المعالجات اللونية وتنويعاتها سواء من خلال علاقات هندسية او مساحات لونية مجردة والتي مهدت الى مرحلة التجريد الايقاعى, حيث ظهرت اعمال هذه المرحلة خلال البعثة التي كان فيها بايطاليا ، وقد تميزت هذه المرحلة بالتقنية اللونية والصياغة التشكيلية المتوافقة ، لكونها مساحات لونية خالصة اواشكال هندسية - مما دعا نقاد ايطاليون الى اطلاق العديد من المسميات التي تميزت بها الاعمال مثل : ( نوتة موسيقية - تناغم موسيقي - موسيقى لونية ) وقد استمرت هذه المرحلة حتى ( 1995م ) لينقل بعدها من مرحلة اللون والمساحة اللونية الى التجريب بالخامات الصناعية المختلفة وذلك فى الفترة من ( 1995- 2004) من خلال استخدام خامات مستحدثة وذات خصائص اكثر تعقيدا مثل ` الايبوكسى- البوليستر - البوليمارات - الايزيلين- اكاسيد الالوان الترابية ` وذلك للكشف عن المعالجات التقنية الاكثر تطورا مع الاحتفاظ بايقاعاته اللونية التي ميزت اعماله ليكون في هذه المرحلة رؤيه مستمدة من الواقع المصري - واقع الهوية و التراث والحداثة وما بعد الحداثة .
في هذه الفترة نلاحظ فى اعماله ( مجموعة الاسكندرية - الوارث والموروث) ملامح البيئة السكندرية التي ولد وعاش فيها و تأثر بالسمات الخاصة بها حيث ارتباطه ببعض الدلالات الشكلية الواقعية المستمدة من المكان مثل ` مساكن الصيادين وقواربهم وبقاياها القديمة وجدران متهالكة نقشت عليها اشكال وعبارات تشبه ` الشخبطاط ` غير واضحة المعنى- كأنها حكايات من اساطير قديمة وابواب متاكلة وشباك صيد معلقة على حوائط البيوت ومن الرموزالموروثة مااثار خيال الفنان ` الاسماك المحنطة و القواقع و الاحجبة المعلقة على الابواب وكل مايتعلق بجلب الخير وطرد الحسد , فالبحر وما يحملة فوق سطحة من قوارب صيد وبشر يسعون الى رزق وفير وعودة سالمة وما يحتوية في القاع من احياء بحرية ساكنة ومتصارعة , لها اثر كبير في ابراز الشكل النهائي للاعمال من الناحية التعبيرية ( ذات المدلول الرمزى) ، والتى تؤكد ان الوارث فى حقيقته جزء من الموروث .
وعلى الجانب الاخر وفى صعيد مصر التقى الفنان مع عناصر الموروث التاريخى` الجبل - النهر- القرية ` ثالوث لم يفارقا عين الفنان - الصمت والتاريخ والرسوخ علامات مميزة للجبل - النهر حركة دائمة لاتعرف السكون ، يحمل اسرار الجنوب ويذهب بها الى الشمال ، والقرية بعضها فى حضن الجبل تحتمى به واخرى ساكنة على ضفتى النهر ترتوى من مياهه فتخضر ارضها ويعلو نخيلها ليحيط بالقرية يحرسها ليلا ويظلها نهارا ، تلك الدلالات صاغها الفنان فى اعماله ( الارض الطيبة - جزيرة فى النيل - فجر القرية وغيرها من الاعمال )
ومن خلال رؤية اعمال الفنان ` احمد خليل ` نرى انها تتسم بتنوع الملامس والمحافظة على روح الوحدة الشكلية والمضمون الذى يحقق الانسجام والتوازن بين الحس الوجداني والملمس المادي كما ينتمي بتشكيلاته الى التجريدية التعبيرية ( ذات المدلول الرمزى) التى تعكس في لوحاته التناغم بين عناصر الواقع والخيال والحقيقه والرمز مؤكدا اصاله الانسان المصري فى عمق وجمال تراثه وموروثاته الشعبيه والتي كانت ودائما مصدرا خصبا للخيال والابداع الاصيل .
ويلخص الفنان رؤيته الفنية وصياغتها المستمدة من تجاربه السابقة والحالية بقوله ..تعتبر الصياغات الفنية تعبيراعن رؤية الفنان - تلك الرؤية ذات مسارين الاول رؤية تتفق والشعور الجمعى لمجتمعه والثانى رؤيته الذاتية المستمدة من خبراته وثقافته الخاصة - وفى مجمل اعمال الفنان المقدمة يدور هذا الحوار بين المساحات التجريدية ذات المفهوم الخاص ورموز واشكال لها دلالاتها فى شعورنا الجمعى .. والكل فى معادلة واحدة تتفق ومعطيات البيئة التى تعايش فيها الفنان - فالمساحات المجردة تعبيرا عن حرية الرؤية والدلالات الشكلية الرمزية تأكيد لحرية التعبير . وهذا يعنى تساوى المعادلة فى صياغتهاالتشكيلية فى التجريب الحر باشكاله التجريدية و الدلالات التعبيرية المستمدة من واقعنا الجمعى المعاصر ... وفى النهاية يقول الفنان ` بأن الاسكندرية هي نافذته التي اطل منها على عالمه المعاصر ولتصبح مع جنوب الوادي هويته المصرية ` .