`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
آمال محمد عبد الغنى قناوى

دفعتني حملة الهجوم النقدي على العمل الفني الذي قدمته الفنانة `آمال قناوي` في بينالي القاهرة الدولي الثاني عشر 2010، دفعتني لأن أقول رأياً مخالفاً لمعظم ما قيل من قِبَل نقاد الفن المصريين واللذين اشتد هجومهم عليه بعد اندلاع الثورة ! .. على الرغم من عدم إعجابي في بادئ الأمر بهذا العمل بسبب رؤيتي له في حينها على أنه عمل غير سويّ على الصعيد النفسي ومستفز على الصعيدين المضموني والجمالي خاصة وأنه حاصل على جائزة كبرى الشئ الذي زادني وغيري تعجباً حيث رأيناه لا يرقى للفوز بتلك الجائزة - مع تقديري لشخص الفنانة وموهبتها كمثقفة وإنسانة مختلفة - إلا أن العملين المُرَمَّزين وأخص الفيديو الثاني والثالث المصاحبان للعمل الكلي والذي يصور أحدهما رجلاً عاجزاً عن النهوض مستسلماً لكرسييه في حالة صمت مطبق وإخفاق، والآخر يصور قطيعاً من البشر منكسي الرؤوس عابرين لشوارع وسط القاهرة على أيديهم وأرجلهم هذان العملان قد يلاقيان الآن في نفسي قدراً من الإستحسان وذلك بعد قيام ثورة 25 يناير ، أرى `آمال` وكأنها قرأت بل وضعت يدها على بيت الداء ، على الدمل المتقيح داخل نسيج المجتمع المصري وهو (الصمت) كم كانت عبقرية `آمال` حين إستشرفت روح الثورة ، الثورة على الصمت ، ألم يحوّلنا صمتنا طوال 30 عاما إلى جمادات عاجزة وإلى قطيع يزحف في استسلام ورضا؟ ، الفيديو هنا هو عمل تمرديّ ثوريّ صادم يعج بالألم والمأساة ، يرج الضمير الغافل كي يفيق كل مظلوم .. نعم رأيته في البداية سخفاً وتفككاً فنياُ وإهانة، ولكنني اليوم أراها إهانة كانت واجبة كي ينتفض الشعب المصري من نعاسه المخزي.. أن أشتمك اليوم وأزجرك غدا وألوّح بالسكين في وجهك بعد غد أفضل بكثير من أن أغرقك في بحر من العسل تغوص فيه إلى الأبد حتى تبتلعك الحيتان .
بالقطع أنه من الطبيعي ومن الصحي بل من الوطنية أن يكشف الفنان حالات الظلم الإنساني التي صارت إليها المجتمعات، ومن أجل هذا الهدف يحق للفنان أن يلجأ إلى أي شكل من أشكال التعبير أياً كانت في سبيل هدفه الذي هو أهم هنا من أية إعتبارات شكلية أو أخلاقية مزعومة هذا لو سلّمنا بأن هناك معاييرا أخلاقية يمكنها أن تلجّم الفنان وتكبت صوته لأنها في تلك الحالة ستكون لا أخلاقية تماما بل لا إنسانية أيضا لأنها تلبس عباءة الأخلاق وهي في حقيقتها تخفي العطب والسوس الناخر في عظام أمة بأكملها … ومن ثم أعتقد أنه من الأوجب والمفيد لنا أن نتساءل لماذ لجأت الفنانة أمال قناوي إلى هذا التصور الذي يصور البسطاء وهم يزحفون ؟؟ .. والذي آخذه عليها هو إقتصارها على تصوير البسطاء كان من الأفضل أن تضم إليهم الساسة والمثقفين والأغنياء الرأسماليين لأنهم في الحقيقة أكثر الزاحفين زحفاً ، ولكن بالطبع هي واجهت صعوبة في إقناع الناس بفعلة كهذه لأن غالبية المجتمع مازالت لا تتقبل أصلا الفن فما بالنا بأفكاره الغريبة اللا إعتيادية ، إلا إذا كانت إستبدلت الناس الطبيعيين بمجموعة من الممثلين يقومون بلبس أدوار الأثرياء والمثقفين من ابناء الطبقة الوسطى وأعتقد أن هذا مالم تحبذه الفنانة لأنها أرادت شكلا طبيعيا صادما وليس شكلا تمثيليا صادما ، فلندع إستسهال الحكم المستند إلى مجموعة من التفسيرات والإتهامات السهلة جدا ولنتخلى قليلا عن تشبثنا وإيماننا القاطع بنظرية المؤامرة والتي عانينا من إعتناقها على مدى عشرات العقود حتى تقهقرنا مئات العقود .
وبعيداً عن أجواء البينالي وجائزته الكبرى ووزيره وقوميسيره وكل فترته الغابرة ، فإني أرى اليوم هذا العمل الفني بعين وذهن جديدين وقبل أن يرشقني البعض بتهم جاهزة الإعداد وبأني كذا وكذا…… أستبق جميع النقاد في تقديم كل التقدير لآرائهم ، وأقول والقريبون مني يعلمون أن رأيي - وأحمد الله على تلك النعمة- غالبا ما يكون رأياً نزيهاً لا يسعى إلى أي غرض بل يتوق إلى الموضوعية والعدالة نابع من متابعة وإن كانت من على بُعد إلا أنها متابعة واعية ودقيقة للأحداث الفنية التي تجري على أرض مصر ، كما أن آمال قناوي فنانة لا تربطني بها صلة قوية على المستوى الشخصي..
قدمت الفنانة عملاً إنشائياً مفاهيمياً متعدد الأوجه والوسائط مابين البرفورمانس والتجهيز في الفراغ والفيديو آرت ، بداية وقبل الخوض في وصفه أقرّ بأنه بالتأكيد ليس أفضل أعمالها .. العمل كان عبارة عن غرفة من إحدى غرف قاعة العرض بقصر الفنون أعدت لتكون مطبخاً كاملاً بعناصره وأدواته وزينته مع تركيبات من المرايا ، ثم ثلاث شاشات فيديو تعرض أفلاماً مسجلة ، حاولت الفنانة أن تطرح وتستعرض من خلاله أجزاءً وصوراً من حياتها ويومياتها كإمرأة عصرية لها وجودها المادي تعيش متناقضات عصرها وتواجه إحباط وإجهاض لأحلامها، إنها مشاهدات من حياة إمرأة تعيش حاضرا يسلب منها أكثر مما يعطيها.. وإن لم يكن هذا هو كل شئ
قدمت هذا من خلال لغة بصرية وصياغة متراكبة ومتداخلة في عدة مستويات ، ومن خلال الوسائط المتنوعة تنقلنا بين الراهن والماضي والمتخَيل.. هي محاولة ، ربما يشوبها بعض من الارتباك الذي عاب التجهيز ، ولكنها بالتأكيد تنطق برسالة جوهرية تلامس وتتقاطع مع العديد من معضلات الواقع الإنساني ذو العثرات المتعددة ، وتصف الفنانة بشكل عام حالة شروعها في عمل ما فتقول : `لا أتطلع إلى عملي الفني بوصفه نسوياً بالمعنى التقليدي للكلمة، وإنما أنظر إليه على أنه عمل من إنتاج فنانة أنثى، فأنا بشكل ما، معنية بالذاكرة وبالمشاعر الإنسانية الدفينة كالرغبة والعنف، من بين المشاعر الأخرى، أسعى أن يكون عملي أداة تعبيرية أكثر من كونه عملاً يتوق إلى الكمال، كما إنني أحاول، على المستوى التقني، إيجاد لغة بصرية قادرة على الوصول إلى المتلقي، لغة لا تخضع لثقافة معينة، شرقية أو غربية`
القطيع الصامت ، عمل تخرج به `آمال قناوي ` من نطاق الفن النسوي إلى فن سياسي إحتجاجي النزعة تتعامل من خلاله بلغة اليوم ، لغة الفن المعاصر، فن الصدمة والدهشة والواقعية المفرطة في عرض مفردات الفكرة الفنية بدون محسّنات تجميلية ، وما أحوجنا اليوم إلى فن يأتي من واقع الحياة اليومية، من قلب الشارع ، من بطن المعاناة والألم ، يتجاوب مع متطلبات اللحظة الراهنة ، عقيدة الخلود في الزمن ربما لا تناسب بعض أفكار الفن المعاصر الباحث عن اللحظة الراهنة ، والصدمة هي من أكثر لحظات استنهاض الهمم واستفزاز ردة الفعل السريعة والحاسمة ، فلنقرأ مضمون العمل بعيداً عن هنّاته الصياغية في الشكل والإخراج من تفكك أو إرتباك وما إلى ذلك… فلنراه اليوم من خلال تساؤل هام يجب أن يُطرح في أذهاننا : هل كل من يمشي على قدمين هو بالفعل إنسانٌ؟ وهل كل من يتنفس بانتظامٍ هو بالفعل حيٌ؟
طابور المشاه على الأربع والذي إحتوى من بين أفراده على شقيق الفنانة `عبد الغني قناوي` وهو فنان تشكيلي وشريك لها في العديد من المشاريع الفنية منذ سنوات ، هذا الطابور أو القطيع هو شكل رمزي لحالة مرضية عاشها شعبنا المصري وهي حالة الرضا بالذل ، الفنانة هنا تقرّ واقعاً سياسياً إجتماعياً ثقافياً (كان) موجوداً وتنقده بلغة لاذعة خادشة كمشرط الجراح رغبة في تغييره ، لا تقرّه سخرية أو تعالياً أو إعجاباً
بدون شك أنه لا يوجد عمل فني فوق النقد ، بل ولا إنسان على الأرض ولا الحاكم ، ولا الثوار ولا حتى الحضارات القديمة أو الحديثة فوق النقد ، الكمال لله وحده سبحانه وتعالى .. جميع الأشياء المادية والمعنوية وجميع البشر هم خاضعين للنقد ، وأعمال آمال قناوي بالذات قابلة لعواصف من النقد لأنها ملتبسة عادة، وأعتقد أن الإلتباس هو سمة للغالبية العظمي من نتاج الفن الحديث والمعاصر ، رسما وشعرا وسينما ومسرح وغيرهم ، فالتفسيرات مفتوحة عادة على العديد من المضامين والتخمينات والإسقاطات اللامحدودة وهذا ليس ضعفا ولا عيبا، كما أن الذاتية أيضا من سمات الفن الحديث ، ربما جاء ما بعد الحديث بشئ من الإنفتاح على الآخر نقضا لتلك الفردانية التي ميزت حقبة من الفن ومازالت
بالنسبة لرؤية الفنانة آمال قناوي ، ففي تصوري أن الفنان عليه الإنحياز التام لنفسه أولا ، فهو يعرض منجزه الفكري والروحي المتفرد جدا ومن خلال ثقبه الخاص جدا ، وعليه تحمل المسئولية كاملة إن خرج منجزه غير مكتمل الأبعاد أو غير مفهوم أو غير سويّ بالقياسات الخارجية ، الفنان لا يقدم ولا يسعى أبداً إلى تقديم عمله من خلال فكرة الكمال أو المثالية ، هو ليس كالناقد أو الفيلسوف ، وأنا أيضا كجمهور لا يهمني أن أرى نظرة الفنان للواقع بعد أن تدخلت فيها عوامل خارجية أفسدت عليها خصوصيتها ، أنا أبحث عن ذلك اللاشعور المختبئ داخل الفنان وكل ما هو دفين بداخله لأنني أبحث عن الحقيقي داخل تجربة الفنان حتى أقرأه ، أنا كجمهور لا أريد أن أقرأ نشرة أخبار عمومية
وعلى أية حال ، فهناك مسارات عدة وإتجاهات مختلفة في التجارب الإبداعية ، فهناك تجارب مغرقة الذاتية ، يكون الإنتماء الأول فيها لذات الفنان وخصوصيته أياً كانت مقبولة أو لا مقبولة ، هنا هو لا يعبأ بمدى إستقبال الجمهور لها ، وغالبا ما تشكّل لهم صدمة في البداية ولكنها حتما ستفتح مسارا جديدا في عقولهم واستقبالهم ، وهناك تجارب أخرى تحمل إنصهارا بين الذات و الواقع بشكل مقرؤ ، إلا أنني أعود وأقول أن تجربة الفنانة آمال أراها غالبا رغم ذاتيتها الظاهرة إلا أن رسالتها تنطوي على خصائص النوع الثاني من التجارب
وأحب أن أوجه دعوة لكارهي هذا العمل ومن إتهموه بأنه يهين الشعب المصري ، فإنني مع احترامي الكامل لرأيهم أطالبهم بأن يعيدوا النظر مرة أخرى مثلما فعلتُ ويحاولوا قراءته من وجهة جديدة بعد قيام الثورة ، ولي تساؤل، هل من ينوي إهانتك في إطار عمل فني يقولها هكذا في وجهك : أنا أهينك وأصورك كالحيوان؟! .. بالطبع لا ، تلك المباشرة في تصوير الحالة وهي فعلة المشي على الأربع تنفي كلية هذا الإتهام وتحيلنا لأن نفكر بشكل أكثر عمقاً عما وراء الحالة المصورة كي لا تحركنا رغباتنا في رمي إتهامات سهلة ، ألم نرى الفنان الأسباني `جويا` وهو يوجه نقداً قاسياً لطوائف في مجتمعه الأسباني منذ ثلاثة قرون حين صورهم في شكل رمزي على هيئة حيوانات وسحرة وماجنين، ومعروف أنه فنان إمتاز بحس سياسي ساخر ؟
ولن ننسى اعمال السريالية والدادئية التي ربما تبدو بالغة الفجاجة والضراوة وإيلام الذات ، وأحيانا الركاكة الشديدة والمقصودة لذاتها من أجل خدش النفس والمجتمع واستفزازهما الى اقصى الدرجات .. وهذا عادة لا يحدث إلا في الظروف السياسية والاجتماعية المنتكسة كالتي كنا نعيشها ، والفن في الأصل كتجربة ليست تجربة فرح وبهجة وليس من المفروض أن تكون سويّة أو مهضومة بل هي معاناة وألم وإيلام .. نعم الإيلام والصدمة ، وإن لم ينحاز الفنان لألمه المنفرد فما الذي يقدمه إذن؟
إن ما قدمته `آمال` يا حضرات ليشبه حالة نقد للذات بل جلد لها ، الذات هنا ذات جمعية متمثلة في بسطاء البشر المستسلمين للإنقياد ، هذا العمل هو إدانة لفترة عاشتها مصر وعاشها الشعب رجالاً ونساءً بلا كرامة ، إدانة لحكم العسكر بكل تسلطه وجهله وجهالته ، إدانة لحكام مجرمين إستباحوا الشعب واستعبدوه ، وإدانة لشعب رضي الاستعباد والصمت لسنوات طويلة ، هناك قلة من الأعمال الفنية يكون فيها العامل الزمني عاملاً فارقاً بشدة ، فيديو `آمال قناوي` واحد من تلك الأعمال، فلننظر إلى تاريخ العمل سوف نجده قبيل ثورة 25 يناير ببضعة أشهر أو حتى أسابيع وهي فترة زمنية كانت مليئة بالإخفاق والإحباط كلنا أحسسنا بها.. كنا متوجسين مترقبين إما لكارثة كبرى أو لإنفراجة قادمة ، فترة إشتد فيها السواد واحتدمت الصراعات المكبوتة وفاضت فيها المظالم وطفحت على سطح المجتمع المصري حتى غطته بطبقات خانقة من الزفت والقار الأسود المميت بينما ظلت الجموع من الناس غارقة في صمتها المريض ، بعض الصامتين كانوا محتقنين وعلى أهبة الإنفجار، والبعض الآخر كانوا قانعين في إستسلام مهين ، وآخرون يحركهم الخوف ليفرّطوا في كرامتهم، وغيرهم مخدوعين عائشين في وهم وأكاذيب ، لكن شيئاً واحداً كان يلفّهم جميعاً.. هو الصمت ، الصمت الذي حوّلهم إلى أشباه أصنام متقاعدة بلا حراك ، حوّلهم إلى قطيع لا يختلف عن قطيع الخراف في شئ ، قبل ثورة 25 يناير ألم يتعجب العالم كله من طول صمت المصريين على المظالم والفساد ؟ .. ألم يصفوننا بأننا أكثر صمتا من أبي الهول ذاته؟… وأننا لن نتكلم قبل أن يتكلم هو أولاً؟ .. اليوم نحن نتأسف لمصر على تأخرنا الشديد في القيام بالثورة !!…
هل الإشارة ولو بعنف وقسوة إلى مناطق الضعف والنقص في نفوسنا أو في بلادنا نسميها هكذا على الفور إساءة؟.. البديل هو دفن رؤوسنا في الرمل إذن !! .. ألا يستحق من يفضح هذا الصمت المخزي ألا يستحق منا أن نرفع له قبعاتنا ؟ .. ألا يستحق ذلك الشجاع الذي لا يهادن ولا يواري الحقائق ألا يستحق منا التحية على صراحته ونفاذ رؤيته؟ .. فلنرفع القبعة تحية لكل من ثار على صمت الخراف
بالتأكيد أن كل من قال كلمة حق وأظهر الأوضاع المهينة لبلدنا فيما قبل الثورة يستحق منا اليوم تحية ، وفي المقابل أرى أنه حريّ بنا أن نزدري كل كلمة مزيفة كذبت وجاملت وجمّلت قبح الواقع الذي كنا نعيشه لسنوات وسنوات ، هل يحق لنا أن نعلق المشانق لفنانة لكونها جريئة صريحة متمردة ونصادر حريتها في التعبير لمجرد أنها صدمتنا وآذت عيوننا وأوجعت قلوبنا وضمائرنا حين اقتحمت النفوس وأصرت على تعريتها وأزاحت طبقات النسيج الخشن المتسخ والمتراكم فوقها عبر السنين؟.. هل ونحن في الألفية الثالثة ونتشدق بالديمقراطية يحق لنا أن نصادر حرية الرأي والرؤية مثلما فُعِل مع الفنان `عبد الهادي الجزار` منذ أكثر من سبعين عاماً حين أودع في السجن بسبب لوحة إختصر فيها الشعب المصري في صف من الحفاة والجوعى المقهورين المستسلمين للفراغ الأبدي الذي يملأ صحونهم الملقاة على أرض الجوع؟.. ما الفارق الجوهري بين مضمون لوحة `الكورس الشعبي` للجزار وبين فيديو القطيع لآمال قناوي؟ أم أن الوسيط هنا كان له كل ذلك الأثر حين استبدلت الفنانة رسم الشخوص بشخوص حقيقيين من لحم ودم؟! .. ومن المنطقي أنه لو كان عبد الهادي الجزار قد صور المصريين صامتين كالمذنبين مصطفين ينتظرون الفرج في حالة وجوم وعزلة نفسية، من المتوقع إذن أن نفس هؤلاء المصريين المقهورين ربما يزحفون بعد أكثر من سبعين عاما إزداد خلالها فقرهم وقهرهم النفسي الذي يصل إلى حد إدمانهم الإجرام
من هم؟ من هم هؤلاء الباغين المغتصبين اللذين أكثروا الفساد في الأرض حتى دفعوا الناس دفعا للإجرام؟؟.. ربما يلجأ الإنسان لفعل إجرامي يضر به نفسه أولاً قبل أن يضر الناس ليتحول إلى ضحية ويصبح صرخة أو زلزالاً يرج ضمير الإنسانية مشيرا إلى المتسببين في مأساته ، وربما يحوّل نفسه لشبه حيوان يمشي على الأربع وكأنه يقول لهم : ألا ترون صنيعتكم؟.. هل ترضون لي هذا الوضع المهين؟
هي المظالم حين تستفحل وتستشري في جسد المجتمعات كالسرطان المدمر فتحوّل الناس إلى إما الجنون أو الإجرام أو اللامبالاة.. ولنا في `بو عزيزي التونسي مثال حي على ذلك، ففعلته تحولت من قتل للنفس إلى إبداع إنساني مزلزل بكل المقاييس
قرأت في قطيع أمال قناوي (الصامت) هذا العتاب (الصامت) موجه إلى مجتمع (أبكم ) الضمير قاس القلب ينهش كبراؤه في خيرات الوطن ويرمون الفتات على الأرض ليلتقطه القطيع وهو راض .. ما الذي يمكن للفنان أن يقدمه في مجتمع المظالم؟ … هل من المطلوب منه أن يكون أفلاطونيا وسط عصابة كبرى من المجرمين؟…. هل من المقبول أن يكون ملاكا في عالم لا يعرف للرحمة سبيلا؟.. قسوة الواقع لها حلول فنية قاسية … وقبح الواقع له حلول فنية قبيحة ، هذا لو أردنا فنا من نفس طينة منشأه ..
في مصرنا الحبيبة المنهوبة يعيش 45% من المصريين تحت خط الفقر ، و 12 مليون منهم ليس لهم مأوى ، و 46% من الأسر المصرية لا تجد لقمة العيش التي تكفيها ذل السؤال ، هذا بعض من كثير ويقولون كرامة البسطاء؟؟؟؟… أية كرامة تلك التي يتوهمونها!!!! … فلنبحث معا عن إنسانيتهم التي نتهم الفنانة بأنها أهدرتها ، لقد أهُدرت بالفعل منذ أن تركتهم الحكومة وتخلى عنهم المجتمع حتى لجأوا إلى صفائح الزبالة كمصدر للقوت اليومي… أكتب هذ والله يعلم أن عيناي تدمع من الآلم..
إتهم النقاد الفنانة بقسوة القلب وهي تتعامل مع شريحة فقيرة من بسطاء الشعب كي تصور عملها وأنها قتلتهم قتلاً معنوياً مقابل حفنة من الجنيهات وأنها أهانتهم حين إستعملتهم جسديا لتصوير عملها معتبرين أن فعلتها تندرج تحت الجرائم الإنسانية، وأقول لهم بالفعل لقد نزعت الفنانة عن نفسها ثوب الرحمة (المصطنعة) لتقدم حقيقة بالغة القسوة للصورة (غير المرئية) لهؤلاء الغلابة اللذين أصبحت أقصى أمنياتهم أن يتذوقوا واحدة من معلبات أكل القطط والكلاب المنتشرة في المحال الفاخرة
نعم الفنانة قاسية القلب ، لكن الواقع أشد قسوة …. القتل المعنوي الذي يتحدثون عنه هو في الحقيقة فعل ماض تم تنفيذه في بسطاء القوم من زمن بعيد
أنا أعلم جيدا أن النية الأولى للفنانة لم تكن متجهة إلى البسطاء والفقراء ، هي في البداية كانت تريد مجموعة متنوعة من أفراد المجتمع ولكن من الواضح أن أحدا لم يتجاوب معها حتى ممن هم في داخل الوسط الفني ، فلجأت إلى عملية عرض وطلب مشروعة ، هي لم تجبر أحداً ولم تنفذ فعلتها بالإكراه ، أما إذا إتخذنا مبدأ إستعمال الجسد على أنه إهانة وإستعباداً فأولى لنا تجريم وظيفة الموديل الحي التي يتعلم عليه طلاب الكليات الفنية ألف باء الرسم خاصة إذا تعرى هذا الموديل وظل متسمّرا في مكانه كالصنم لساعات ، أرى أن ذلك مهين ومتعب نفسيا مثله مثل الزاحف على الأربع أو ربما يزيد ، فعلى الأقل مازال الأخير كائن حي أما الصنم فهو صنم
ثم أن هناك فرع هام الآن من فروع الفن ومنذ ستينيات القرن الماضي إسمه البرفورمانس يقوم على الأداء الجسدي الحي إما للفنان ذاته أو لمجموعة الأداء التي يقودها الفنان وغالبا ما تتسم بالغرابة والإعتماد على الصدمة والمباغتة على الصعيدين الفكري والشكلي

أيضا إتهمت الفنانة بأنها تتمثل الغرب وتحاكيهم ، وأنا أرى أن الفنانة لم تتمثل الغرب ولكنها إستفادت من المنطلقات الفكرية ، ولنعترف أن الفنان الغربي تفوق علينا في نهمه للتجريبية وفي قدرته على إقتحام الأسلاك الشائكة ، في حين أننا نميل لنثر السكر لتحلية الأمور ، وفي هذا طراوة ولطف مطلوبين أحيانا
ولكن الفن المعاصر لم يعد فن متعة وترف وتفلسف في قضايا الجمال أو بحث إشكاليات النظرية الأخلاقية في الفن ومفاهيم الجمال الإستاطيقي وعلاقته بنظرية القبح على اعتبار أن القبح قد يكون إضافة إلى القيمة الجمالية في الإبداع وليس نقيض للجمال.. وما إلى ذلك من فلسفات قتلت بحثا….. اليوم نرى المجتمع العالمي بأسره ينهار وتنهار قيمه ويتلاشى الإنسان المعاصر وتتلاشى إنسانيته في خضم صراع متفاقم ينتزع معالم البشرية من البشر
واجب علينا ونحن في خضمّ ثورات عربية مبهرة أن نناقش الأسباب الحقيقية التي شكّلت معوقات كثيرة كبّلت الفن وجعلت الفنانين غرباءً في أوطانهم تلك التي استشرى في جذورها أمراض الخوف والقمع وتسلط الحكام منذ عشرات العقود ، تسلط مختبئ خلف شعارات أخلاقية زائفة وافتراءات تتهم المجهول طوال الوقت بتدبير المؤامرات للوطن وذلك كي يواري هؤلاء الحكام خيبتهم وعطبهم والنتيجة إبداع هشّ معوَّق الأطراف يستجدي مجتمعاً معصوب العينين مكبل اليدين
ولكن.. الثورة المصرية ورغم عدم إكتمالها بعد إلا أنها غيّرت الكثير والكثير من أفكارنا ، بدّلت وقلبت كل الأوضاع السابقة ، ولولا صرخات الغضب المكتومة والتي خرج منها هذا العمل للفنانة `آمال قناوي` وغيره من الأعمال والأفعال المتمردة ما كانت الثورة وما كان الإصلاح ، وبالتالي علينا النظر من جديد للعديد من الأعمال الفنية بعد أن إنقشعت الغُمّة وانجلت الرؤية ، وعلينا أن ندقق البحث في تاريخ تنفيذه ، لنتأكد أهو قبل أم بعد ثورتنا الشعبية المجيدة .. وبصفة شخصية فإنني متأكدة من أن `آمال قناوي` لو فكرت اليوم - وأقصد بعد تاريخ 25 يناير 2011 - أن تقدم رؤية لفنانة مصرية تعيش الحلم وتلمسه يترعرع حقيقة بين يديها لأتى عملها مخالف تماماً لما رأيناه في البينالي ، ولصوّرت المصريين عابرين على أرجلهم رافعين رؤوسهم بل طائرين أحراراً محلقين في سماء بلادهم الحرة .
أمانى فهمى

أمال قناوى .. تشكيل التمرد والاستعداد للرحيل
- ولدت الفنانة آمال قناوي في الثاني من أكتوبر 1974 وتوفيت إلى رحمة الله في التاسع عشر من أغسطس 2012 بعد معاناة و صبر جميل ،كانت قد درست بالمعهد العالي للسينما قسم الديكور لمدة عامين ثم في كلية في الفنون الجميلة ، قسم نحت ، جامعة حلوان ، كما كان لها دراسات حرة في مجال الأزياء ولقد فازت بالجائزة الأولي في النحت هي وشقيقها وكانت الجائزة مقدمة من اليونسكو في بينالي القاهرة الدول السابع 1998 ، كما شاركت هي وشقيقها بأعمال نحتية في صالون الشباب التاسع 1997 والعاشر 1998 والحادي عشر 1999 ، وشاركت رحمها الله في المعرض القومي للفنون التشكيلية عامي 1997 ،1998 ثم في بينالي القاهرة الدولي السابع 1998 .كما كرمتها الدولة بمنحها جائزة الدولة التشجيعية في الفنون و فازت بالجائزة الكبرى لبينالي القاهرة الدولي الثاني عشر في عام 2010و لقد تميزت آمال وعبد الغني قناوي كفريق ناجح للعمل الفني الذي يجمع بين النحت والديكور وتصميم الأزياء ، وعروض الأداء ، وفن الفيديو ، والتجهيز في الفراغ ، في تمكن عال من استخدام الأدوات الفنية ،وقدرة فائقة على توصيل الفكرة الفلسفية ،في إنهاء وإخراج غاية في الإتقان والإبهار البصري ،باستخدام الأقمشة والمعادن والبلاستيك ،ومختلف الوسائط المادية مع الموسيقى والإضاءة ، في سبيل الوصول بالمتلقي إلى حالة تشبه التقمص أو التوحد ، مع العرض ، يأخذك عالم آمال وعبد الغني حتى تنسى أنه عمل فني وتظن أنك في رحلة إلى عالم مجهول أو أنك في حلم ، إشارات ورموز وعلامات ، مستخدمة بحكمة ، دون صخب أو حشد أو تكرار.
- فقد أثار عملها الفائز بجائزة البينالي الكبرى العديد من الاعتراضات و الآراء وتراوح الموقف لدى المتلقين من العزوف التام والتجاهل للحدث كله ومقاطعة البينالي وبين محاولة تفسير وإيجاد منطلق ثوري للعمل أو طرح لاستباق وتعبير عن الروح المتمردة والصبغة الثورية دون النظر لما اعتراه من تفكك ومراوحات في الكثير من مجالات فضائه الدلالي ، وكان الرفض وكانت المقاطعة ناشئة من نوع من الشفرة الثقافية الملتبسة التي أطلقها العمل مما أنتج الكثير من عدم الرضا والكثير من الشك لدى الدوائر الثقافية المهتمة بالبينالي وبالأحداث التشكيلية السنوية الكبرى التي يتوقع منها عائداً حضارياً إثرائياً تفاعلياً يحيي المناخ التشكيلي ويمنحه أعماقاً و أبعاداً أكثر كثافة ...فلهذا يتجمع البشر ويتحلقون في أي ملتقى إبداعي وكان اتهام الفنانة رحمها الله المصريين بأنهم قطيع من الخراف وبالانصياع للسلطة هو مفتاح الهجوم على العمل الذي نفذته الفنانة آمال قناوي حيث تم تشكيل القطيع في عرض الفيديو من مجموعة من العمال البسطاء لتطرق الفنانة نغمة النقد اللاذع للمجتمع والمستسلم المنقاد بلا وعي أو صحوة ، وكان ذلك في بدايات يناير عام 2011 و ثبت عكس هذه المقولة تماماً في الخامس و العشرين من يناير حينما ثار هذا الشعب البسيط الهادئ و أسقط نظام الحكم في ثمانية عشر يوماً ، فهم ليسوا بالقطيع إذن .. ، تلك الشفرة الثقافية التي أحبطت وفشلت في التحقق ربما لعوامل عديدة تقع خارج إطار العمل التشكيلي التجهيزي و التي تنبعث و تتجه لمتلقيها في وعاء من براح التوقع الدلالي الكثيف ، و هي التي تتشكل من حصيلة المعارف والخبرات المتاحة للمجتمع في فترة زمنية ما ، وشبكة الفرضيات والعقائد ، والعادات والتقاليد ، التي تبطن ممارساته ، وتتدخل في تشكيل وعيه ،إلى جانب التراث المرسب في اللاوعي الجمعي، وفي غيبة المعرفة بالشفرة الثقافية المبطنة للحوار الثقافي لدى الفنان بقصد التعالي أو بدون قصد ، و في حضور الغضب و الرفض و حالة التمرد التي كابدتها آمال رحمها الله ، يتعثر الفهم ويستحيل التفسير و يلتبس الأمر و يشوش تلك الرابطة الحية بين المبدع و المتلقي،و ربما هذا ما حدث في استقبال ذلك العمل الذي كان آخر ما أنجزته آمال قناوي رحمها الله ، تلك النحن الحميمة التي يسعى أي فنان لتكوينها و رأب صدعها من خلال حركة دائمة بين الالتزام بالشفرات المشتركة ، أوالانحراف عنها ، الذي قد يبلغ أحياناً حد الإبدال أو التكسير ، والذي قد يدفع المستقبل إلى الغضب والانسحاب من عملية الاتصال أحياناً ، وقد يدفعه في أحيان أخرى إلى مستوى آخر من مستويات التفسير ، كالمستوى الرمزي مثلاً .فهنا لم تنبعث شفرة مزدوجة أو تعددية بقدر ما انبعثت رسالة و سقطت في الفجوة القابعة بين الإبداع الصادق و التنفيذ المصاب بالخلل ، و هو ما حدث عندما انطلقت من العمل إيحاءات التعالي المستغربة و الهجوم و خلع صفة القطيع على الشعب المصري .و نحن هنا لا نحاكم فناناً أو نلومه فلا نملك هذا الحق و لكننا نرصد و نفسر الرفض الذي قوبل به العمل الفائز و البينالي ككل .فالقيم الفنية و الثقافية و الاجتماعية `طوبوغرافية ` في طبيعتها فإن ما يعتقده الفرد صوابا أو خطأً ،خيرا أو شرا ،جميلا أو قبيحا ،يتوقف على خطوط الطول والعرض التي يقع عليها المنزل الذي تصادف أنه ولد فيه .فعلى أساس الخبرات التي يمر بها الفرد ينتقي ما ينسجم مع حكمه التقويمي. والمقصود بالخبرات التي يمر بهاالفرد:كل ما يتلقاه منذ طفولته ،في بيئته الأسرية والمدرسية ،وغيرها من الجماعات الأخرى التي يندمج فيها ويتعامل مع أفرادها ،في إطار المجتمع الكبير .فعلى أساس كل هذا يبني حكمه على الأشياء وتقويمه إياها .`فتقويمات الفرد `تتم كما يبين علماء الاجتماع `تبعا لتقويمات المجتمع `بطريقة تكاد تكون لا شعورية ، لأن هذه التقويمات تقدم له جاهزة ،وهي تغرس فينا غرسا ،ونتشربها تشربا ، منذ طفولتنا و ليس المقصود هنا هو تكبيل الحرية الإبداعية لدى الفنان ، أو كبت طبيعته الثورية المتمردة الخلاقة ، و لكن فحص الخلل الذي أصاب عملية الاتصال التشكيلية المركبة الجوهرية ألا وهي مرسل / رسالة / متلقي .. أدى إلى هذا الاغتراب والاتهام و المقاطعة التي قوبل بها العمل الذي كان يحتوي على العديد من مناطق البث و الفيض الدلالي القيمة التي كانت تحتاج إلى الفحص و الالتفات دون تخوين أو أحكام مسبقة وتسيطر مجموعة أفكار فلسفية على أعمال آمال رحمها الله منذ البداية كالميلاد،الموت ،الروح،الزواج،التطهر الروحي .فنرى في العمل الفني المسمى `التحول ` ، والذي نفذ في عام 1998 ، وهو تجهيز في الفراغ باستخدام وسائط متعددة :حجرة خضراء 3 × 5 × 16 متر ، نفق معدني 1.7 × 7 متر ، ثلاجة ، قماش شيفون،طين من أرض زراعية ، زجاج ، معدن مشكل . نرى ما يشبه الجسد البشري المجمد ذو اللون البيض الذي يدخل في نفق معدني مظلم وهو موضوع في حوض معدني أيضا مملوء بالطين الخاص بالتربة الزراعية،وبعد النفق نرى هياكل من القماش الشيفون الذي يستغلانه بمهارة ،فالشيفون بشفافيته ونقائه ،يعطي معاني الطهارة والبكارة ، والروحانية،كما أن استخدام الفنانان للإضاء الباردة البيضاء والكرات المنفوخة من الزجاج اليدوي ،كل هذا ، أعطى جوا عاما يحيط المشاهد بالبرودة ، والوجوم ،ويذكره برحلة الإنسان التي تبدأ من التراب ،وتعود إليه عبر ذلك النفق المظلم ، والمعاني العلوية التي تطل مع صعود الروح ، تتمثل في استخدام القماش في أعلى مع كرات الزجاج ، لقد لخص الفنانان قصة حياة الإنسان على الأرض في تلك المساحة التي كونا مفرداتها ، وركبا عالمها الغامض الحزين .
- كما نرى تجل آخر لنفس المعنى المرتبط بالروح والجسد والموت في العمل المسمى `جسد`والذي نفذه الشقيقان في عام 1999 باستخدام وسائط متعددة مثل ألواح الحديد ، والشيفون ، وكرات الزجاج ، وقد نفذ في مساحة أبعادها 0.8 × 1.1 × 4.2 متر ، أما العمل المسمى `الذاكرة المجمدة` والذي عرضته الفنانة آمال قناوي في عام 2002 في قاعة التاون هاوس بالقاهرة ، ثم أعادت عرضه مرة أخرى مع تطوير الفكرة في إطار مهرجان إبداعات المرأة المصرية في الفنون المعاصرة ، الذي أقيم بمركز الجزيرة للفنون بالقاهرة 2004 ، والذي تستخدم فيه تجهيزا في الفراغ مع مصاحبة عرض فيديو وشرائح ملونة ، وفستاني زفاف أحدهما من البلاستيك الشفاف ، والآخر من البلاستيك الأبيض ، حيث نرى هنا موديل ترتدي الفستان الأبيض ، وتقف تتفرج على العرض المؤدى على الشاشة داخل الحجرة المظلمة ،والجو المحيط كله مظلم وبارد ،كأن فستان الزفاف الشفاف موضوع داخل ثلاجة،فهنا تقف صورة المرأة المكرسة في فستانها الأبيض الذي تبدأ بها نقطة التحول في حياتها الجسدية والروحية ، كما أن فستان الزفاف هو رمز لبداية وميلاد جديد ، نراها تتفرج عليه مجمدا مكرسا ، والشرائح تعرض لقطات من حياتها ، كأن الزوال والفقدان والتلاشي ، قد بسط جناحيه على العالم ، وترك البرودة والجفاف والذكريات المؤلمة ، لم يبق من الزواج سوى الفستان، لم يبق من الفرحة سوى القماش الذي تشبثت به مجمدا ،يذكرها بلحظات الوجود والتفرد والأهمية ، في أوقات الانسحاق والقهر.
- وفي عملها الذي جمع بين التجهيز في الفراغ ، والعرض الأدائي ، وفن الفيديو ، والمسمى `الرحلة` والذي عرضته في قاعة التاون هاوس بالقاهرة في عام 2004 ، نرى الفنانة وقد عبرت كذلك عن رحلة الميلاد والحياة والزواج والموت ، وتلك الرحلة التي تمر بها الأنثى رمزا للطهارة والجمال والخصوبة والخير، رمزا للجسد والزواج،ثم الخروج من عالم الأنوثة ، والخلاص من تلك النظرة المادية المتعالية لجسد المرأة ، إلى الطيران والحرية والعلو فوق الجسد ، فوق النظرة الذكورية القاهرة ، إلى أن تصبح كائنا حرا شفافا ، ليس فيه من البشر سوى قدرته على الإبداع والفلسفة ، وفيه من النورانية والبراءة ، ما جعله يتراقص في الفراغ محلقا إلى الآفاق الرحيبة ، قصت آمال شعرها ، بل تكاد تكون حلقته ، تخلصت من أيقونة الأنوثة الطاغية ، ورمز الجاذبية الذي يشدها إلى الأرض ، يشدها إلى المادة ، تحولت صورة الأنثى التي تطالعنا في الحجرة الأولى بالطابق العلوي في التاون هاوس ، والتي تحفها الستائر الساتان البيضاء ، ويتوسطها سرير العروس ، المبطن بالدانتيل الأبيض ، والحرير الوردي ، والتي صورتها آمال في استعارة بلاغية بساقين شمعيتين تنزلان من فوق السرير مرصعتين بالورود والفراشات والدانتيل،تلمسان برهافة سطح الوسادة المخملية ، الموضوعة أسفلهما حتى لا تلمسان الأرض فتؤذي الأنوثة والنعومة الطاغية.هذه الصورة تتسامى وتطير حتى تتحول في الحجرة المجاورة إلى الفراشة البريئة الطائرة بفستانها الطفولي الجميل ، وشعرها الحليق،وتتراقص مع الموسيقى على سطح الستائر المتعددة الشفافة صورة وراء صورة ، أعماق وطبقات شفافة ، ونورانية ، أكملت بها آمال رحمها الله وطيب ثراها رحلة الجسد إلى المطلق.
د.هبة الهوارى
جريدة نهضة مصر 30 أغسطس 2012
آمال قناوى‏ 10‏ سنوات عطاء
- ربما لا أملك قلبا يخفق ويعمل بانتظام‏ ,‏ ولكنني لا أستطيع أن أؤكد أنني حية‏..‏ كلمات عبرت بها الفنانة آمال قناوي عن حال المرأة في مجتمعاتنا‏.‏
- إن أعمال الفنانة الشابة والتي فقدناها منذ أيام تندرج وتنتمي إلي فنون ما بعد الحداثة فقد استخدمت وسائط عدة من رسوم متحركة وفيديو وتصوير وتجهيز في الفراغ وآداء فني جسدت فيه الأحلام الضائعة للمرأة وهمومها في عروض تفاعلية أكدت من خلالها أن الوظيفة تقرر الشكل.
- قدمت الفنانة قضية المرأة والتي تتمثل في شخصيتها في أعمال : سوف تقتل والغابة البنفسجية الاصطناعية وذاكرة مجمدة والحجرة كما قدمت المطبخ وهو العمل الذي شاركت به في بينالي القاهرة الدولي في دورته الثانية عشرة الذي أقيم في ديسمبر 2010 وحصلت من خلاله علي الجائزة الكبري للبينالي الذي شارك فيه 78 فنانا من 45 دولة من مختلف بلدان العالم , رحلة فنية تجاوزت العشر سنوات, ورغم قصرها فقد قدمت أعمالا ذات مغزي عميق.. رحم الله الفنانة..
محمد الناصر
جريدة الاهرام أغسطس 2012
أمال قناوى.. رحلة طويلة فى عمر قصير
- فقدت الحركة التشكيلية المصرية الفنانة الشابة أمال قناوي التي رحلت عن عالمنا عن عمر يناهز 38 عاما بعد صراع مع المرض والفنانة الراحلة كانت تجري في مشوارها الفني الزاخر بالأنشطة المتنوعة من الرسوم المتحركة والصور الفوتوغرافية والفيديو آرت والأعمال المركبة في الفراغ وكأنها كانت تبدع في كل لحظة من حياتها تحسبا لانتهائها سريا فلم تترك معرضا أو مهرجانا تشكيليا كان أم سينمائيا لم تشارك فيه، وكانت صورتها الشخصية جزءاً من عملها الفني واستطاعت في فترة وجيزة أن تثبت جدارتها وموهبتها المتألقة في مجال الفنون المفاهيمية التي تعتمد علي الفكرة ثم كيفية تنفيذها في الفراغ عن طريق الميديا. وكانت لها أحلام عريضة في هذا المجال لكن القدر لم يسعفها لتحقيقها لتصعد روحها إلي بارئها تاركة لنا مجموعة من الأعمال التي تحمل بصمتها سواء في الخطوط الهادئة العميقة أو الرسوم المتحركة الحية. وكانت أعمال الراحلة أمال تحمل كثيرا من تركيبتها الشخصية التي تنطوي علي عالم مفعم بالحياة والحركة لكنه أحيانا يصبح ساكنا يترقب النهاية. حتي في أسماء أعمالها الفنية نعمة خاصة تعبر عن فكر آمال الدفين فأصبح المتلقي يتعرف علي أعمالها بمجرد النظر إليها وقد أقامت تسعة معارض خاصة منذ عام 2004 وحتي عام 2009 منها أربعة معارض في الفيديو آرت بقاعة التاون هاوس وهذه المعارض هي:`صمت الخرفان- حلم الملائكة - أزرق - الرحلة` وفي جاليري آخر عرضت فيلم `سوف تقتل` وهو مشروع فيديو رسوم متحركة يصور العالم الشخصي للإنسان بأحلامه وذكرياته الشخصية وعلاقته بالأمكنة والجدران، هل هو شاهد غائب أم إنسان ثابت وهل العنف يصبح القوة المهيمنة التي تحدد العلاقة بين الشخص ومحيطه. وفي قاعة مشربية عرضت مشروع `داخل الجنة` وفي قاعة الفلكي `الغابة القرمزية الصناعية` وحصلت علي منحة فنان مقيم في برنامج `Helvetia` وعرضت مشروعها الخاص `التحول Transformation` وعرضت أعمالها في معارض جماعية في متاحف كثيرة من العالم منها متحف `بول كلي paul klee` في برن بسويسرا ومتحف الفن الحديث بـ`momok` باليابان ومتحف الفن ببرلين بألمانيا ومؤسسة `JB` للفنون بباريس `Blachere` والمتحف القومي الحديث للفنون بكيتو `Kyoto` باليابان. وشاركت أيضا في بينالي الشارقة الدولي الثامن بالإمارات العربية وبينالي فينيسيا بإيطاليا وبينالي داكار بالسنغال وبينالي سيدني باستراليا وبينالي القاهرة الدولي 2010-2011 . وشاركت في عدة مهرجانات مهمة في برلين وسوريا وعمان والقاهرة بفيلم قصير بعنوان `Cairo Eating me` شاركت أيضا في عدة معارض جماعية في إيطاليا وبجليكا وفرنسا وكندا ولبنان وعمان والشارقة. شاركت أيضا في مهرجانات دولية للأفلام القصيرة منها: مهرجان Tirama الدولي الأول للفيلم القصير بألبانيا 2003 ، مهرجان الإسماعيلية السابع والتاسع للأفلام القصيرة 2003 / 2005، المهرجان القومي للأفلام المصرية القصيرة والتسجيلية 2005، مهرجان Fipa للأفلام القصيرة 2007 بباريس - فرنسا. وفي قصر الفنون بدار الأوبرا شاركت في معرض `ماذا يحدث الآن` 2009 و`لماذا لأ` 2010 . وشاركت في ورش عمل في جامعة برلين ودار الفنون بعمان وحصلت الفنانة علي جوائز عديدة أهمها الجائزة الكبري في بينالي القاهرة الدولي 2011 وهو عبارة عن عمل مركب `المطبخ` وعمل آخر فيديو آرت وقد شاركت بهذا المشروع في معرض في اليابان بعنوان `عرب اكسبريس` وحصلت أيضا علي جائزة أولي في مجال الفيديو آرت في بينالي `باماكو bamako`. والجائزة الأولي في بينالي الشارقة الثامن 2007 وحصلت علي جائزة من بينالي داكار بالسنغال وجائزة أحسن فيلم رسوم من المهرجان القومي الثاني عشر للفيلم المصري والجائزة الذهبية في بينالي الإسكندرية الثالث والجائزة الأهم وهي الجائزة الأولي في صالون الشباب السابع - القاهرة عام 1996 والتي كانت بداية لشرارة الإبداع عن الفنانة واستكمال المسيرة، والفنانة من مواليد القاهرة 1974 وحصلت علي بكالوريوس معهد السينما عام 1994 ومن عام 1995 إلي 1996 قامت بعمل دراسات حرة في مجال تصميم الأزياء ثم حصلت علي بكالوريوس الفنون الجميلة قسم التصوير عام 2000 . رحم الله الفنانة آمال قناوى .
د. أحلام فكرى
جريدة القاهرة 4 سبتمبر 2012
آمال قناوى.. ورحلة التمرد على الواقع
- بعد مسيرة فنية لها خصوصيتها وتفردها وغرابتها آثارت فيها جدل وهجوم من الفنانين ومن النقاد، رحلت الفنانة التشكيلية امال قناوى. `آمال` فنانة اختارت ان تتحدث بجرأة عن الواقع الانسانى وتبحث فى قضايا النفس الإنسانية، وتؤمن بان هناك وجودا آخر مستقلا باعماق الانسان يختلف عن الواقع المرئى ،هذا الوجود له مجموعة من القوانين التى تحكم الجسد وتسيطر على الانسان بوصفه وجودا ملموساً.
- أعمالها تصور فيها البشر والمجتمعاتِ التى ينتمون إليها، وكيف يواجهون القضايا التى تتعرض لها هذه المجتمعات. قدمت اعمالا تعبر عن مشاعر إنسانية وموضوعات اجتماعية تهم الإنسان ، وركزت على كشف تأثيرات المجتمع على علاقة الفرد الذى يعيش فيه بنفسه وبمن حوله.
- من حيث العناصر الفنية والرموز استخدمت عناصر خاصة وموتيفات لها صفه الغرابة ان نجدها فى اعمال فنية لكن كانت تجد لها مضمونا داخل العمل . ففى احد اعمالها استخدامت `الفأر` كموتيف مثلاً فالفأر كما ينظر إليه الناس، حيوان جبان، وضعيف، يثير الاشمئزاز ، ولكنها وضعته فى أعمالها على أنه حيوان قوى يقوم بالتهام أجزاء من جسد بطلة فيلم `غابة بنفسجية اصطناعية`. وهذه وجهة نظر قدمتها الفنانة فى تحول صفات العناصر من قوى وضعيف. كما استخدمت الشرنقة وربطتها فنيا وفكريا بفكرة الحياة والموت. انتشرت اعمالها بوجود العناصر المعبرة عن (العنف - السلطة) .
- كما استخدامت الموتيفات المرتبطة بالحلم ، باعتبارها موتيفات قادرة على التعبير عن الذات واستفزاز اللاوعى. تعرض لهجوم مستمر من النقاد ان اعمالها وتقنياتها الفنية ومضمونها هو شكل من أشكال التحايل على الرقابة المفروضة على الأعمال الفنية.
من اهم اعمالها التى أثارت جدل عمل تحت عنوان `سوف تقتل` - فيديو آرت - حيث ركزت هذا العمل على فضاء مكانى متخيل، تحاول الكشف عن الصورة السطحية للمجتمع، وتعاملت مع المكان الحقيقى والمتخيل على حد سواء، وحتى أبرز التناقض بين الشكل الخارجى وبين الداخل، قدمت صورتين للمكان، يظهر فى إحداهما حقيقياً وفى الأخرى متخيلاً.
- هذا الفضاء المكانى يعبر عن مستشفى عسكرى للجيش الإنجليزى، فى الفيديو فضاء مكانى متخيل وليس حقيقياً، لكنه حمل ملامح تدل على انه حقيقى، أرادت الفنانة التعبير عن القوة التى تتجلى مباشرة فى مفردات عناصر الحرب، الجيش، والقتل.
- من أكثر الأعمال هجومًا عليها ما قدمته الفنانة فى بينالى القاهرة الدولى الثانى عشر 2010 والتى حصلت فيه على الجائزة الكبرى فى البينالى، قدمت عرضا فى قاعة فى قصر الفنون هى عبارة عن غرفة أعدت لتكون مطبخًا يحتوى على عناصره وأدواته وبعض ادوات الزينة مع وجود بعض المرايا، ثم ثلاث شاشات عرض للفيديوهات عرض بها عملان.
- العمل الأول يصور رجلاً جالس على كرسيه عاجزاً عن الحركة فى حالة صمت وضيق مما يدور حوله، والفيديو الآخر `صمت الخرفان` صورت مجموعة من البشر البسطاء وكأنهم قطيع من الخرفان يزحفون على ايديهم وارجلهم فى شوارع القاهرة محاولين الوصول الى هدف. نتذكر ان الفنانة اثناء تصويرها هذا الفيديو تعرضت وقتها للمنع من تصويره من قبل الشرطة المصرية (عام 2010) . هذان العملان اختلف عليهما النقاد والفنانون باعتبارها اعمالا تهين وتجرح الشعب المصرى.
- ولكن بعد ثورة 25 يناير تذكر الجميع اعمالها المتفردة والتى هوجمت عليها، واخذت هذه الاعمال رؤية مغايرة تماما واعتبروا الوسط التشكيلى ان الفنانة سبقت الاحداث ووصفت حال الشعب ومعاناة المصريين ولم تقصد اى تجريح وإهانة فهى فنانة مصرية وعاشقة لمصر، وان حاله القهر يمكن ان نجدها فى شعوب أخرى.
- ومن وجهة نظر أخرى راى النقاد ان هذا العمل ليس فقط تعبيرًا عن البسطاء من الشعب ولكن يمكن ان يعبر عن المتحولين والمتسلقين والطماعين الى سلطة ومناصب على حساب الشعب. وان تصورها الواقعى لاشخاص حقيقيين من الشارع اكسب العمل واقعاً وتأثيرا وان اختلفت التفسيرات منها أن العمل يمكن تفسيره بأنها تطالب بالعدالة الاجتماعية وهى احد مطالب ثورة يناير.
- هذا العمل من الجانب الفنى هو عمل إنشائي مفاهيمياً متعدد الأوجه استخدمت فيه وسائط مابين التجهيز فى الفراغ البرفورمانس والفيديو آرت.
ويعد لغة بصرية وصياغة متراكبة ومتداخلة هذه الوسائط عبرت بها عن رسالة جوهرية ومضمون كان يعيش الشعب فى صمت. لذلك تلامس العمل مع الواقع الانسانى. وبعد كل ماقدمته رحلت وتركت لنا اعمالها الفنية وكأنها تعاقبنا على اننا هاجمناها ولم يقدر البعض انها صاحبة تجربة ابداعية مستقبلية.
- ومن اهم ما قالته الراحلة آمال قناوى فى اعمالها: لا أتطلع إلى عملى الفنى بوصفه نسوياً بالمعنى التقليدى للكلمة، وإنما أنظر إليه على أنه عمل من إنتاج فنانة أنثى، فأنا بشكل ما، معنية بالذاكرة وبالمشاعر الإنسانية الدفينة كالرغبة والعنف، من بين المشاعر الأخرى، أسعى أن يكون عملى أداة تعبيرية أكثر من كونه عملاً يتوق إلى الكمال، كما إننى أحاول، على المستوى التقني، إيجاد لغة بصرية قادرة على الوصول إلى المتلقي، لغة لا تخضع لثقافة معينة، شرقية أو غربية.
سوزى شكرى
مجلة روز اليوسف 26 أغسطس 2012
بين الأسود والأرجوانى كانت ترسم وتنفعل
- رحلت الفنانة التشكيلية آمال قناوى ، أول أيام عيد الفطر ، وتركت تاريخا من الأعمال الإبداعية ، فى حياة قصيرة لم تتجاوز الأربعين .
- بعشق فطرى لتصميم الأزياء، والسينما والرسم انطلقت آمال فى عالم الفن، والتحقت بكلية الفنون الجميلة، وشاركت فى 47 معرضا فنيا ، بينها أربعة معارض فردية، وحصلت على جائزة بينالى القاهرة الدولى فى دورته الثانية عشرة .
- على مدونة دارة الفنون darat al funun كانت آمال تكتب عن أعمالها التى تعكس شخصيتها ومشوارها الفنى، الحجرة، ذاكرة مجمدة ، والغابة البنفسجية، أسماء بعض أعمالها ، ولكل عمل رواية تعبر عن جزء من شخصيتها، ` حينما نظرت داخلى بدأت أدرك ذاتى كوجود مستقل يحمل كل تلك القوانين التى تحكم وظائف الجسد ككيان مادى ، ولكنها لا تمثل ماهيته الحقيقية ` .
- نظرات آمال للحياة وأعمالها، يعتبرها البعض صادمة، فكل الأشياء المسلم بها، تأخذ عندها شكلا آخر .
- فى عملها `غابة بنفسجية اصطناعية` اختارت آمال الفأر بطلا للوحاتها ، ` ولكنه يعبر عن نظرتى الخاصة ` ، فقدمته كأنه حيوان قوى يقوم بالتهام أجزاء من جسد البطلة ، بدلا من صورته النمطية الجبانة والضعيفة .
- فى البينالى فازت بالجائزة لوحة آمال ` المطبخ ` والتى تعبر عن هموم المرأة المصرية .
- السيدة التى حازت على شهرة لا بأس بها ، تجعلها من ضمن المهتمات ` بالنسوية ` ، أو التعبير عن المرأة فى رسوماتها ، تتحدث عن نفسها فى حوار مع الناقد النمساوى جيرالد مات ، فتقول : أعمالى لا تقوم على تخطيط مسبق للتركيز على الجانب النسائى ، ولكننى أعبر عن موضوعات اجتماعية تهم الإنسان ، رجلا أو امرأة .
- ما بين الأسود والأرجوانى ، كانت ترسم وتنفعل وتتحدث آمال فى لوحاتها ، لم تنبهر بكثرة الألوان المسكوبة على اللوحة ، فاللون له وظيفة علية القيام بها ليس إلا ، ولكن كل لوحة ظهرت للنور ، تسجل جزءا من آمال نفسها ، ` ولكن لا يقوم مشروعى على إنجاز سيرة ذاتية ، فأنا استخدم صورتى للتعبير عن أعمالى ومشاريعى ، وهذا ما يمنح العمل مصداقية وأمانا عاليا` .
- ولكن عندما تلخص آمال ذاتها فى جملة فهى تقول : ` ربما أملك قلبا يخفق ويعمل بانتظام ، ولكنى لا أستطيع أن أوكد أننى حية `.
بقلم : سامية صفاء
جريدة الشروق 24 أغسطس 2012
آمال قناوى .. فنانة كانت ترثى نفسها فى غالب وأهم أعمالها
*هذه ليست ميتتها الأولى..فآمال قناوى قضت حياتها فنياً فى سعى حثيث وراء الموت ..هى فنانة كبيرة فى إدراكها لدورها كفنانة لكنها بدت كفتاة صغيرة لاهثة تجرى فى سرعة تفوق مساحة زمن وجودها إلى موتها المحقق وكان عليها خوض معارك مع مغزى وجودها قبل بلوغ النهاية كما لو كان الحال فى جريمة مثالية قادت سريعا إلى انسحاب وجودها الفيزيائى من الحياة والذى شهدته ومارسته أكثر من مرة فى أهم أعمالها برسوماتها ولوحاتها داخل عروض الفيديو فلم تكن هذه الموتة موتتها الأولى وقد سبقها العديد من بروفات الموت .
- كتبت مرات عدة عن أعمالها فى هذه الصفحة سأذكر بعضها..فعن عملها الذى شاركت به داخل بنسيون فى وسط البلد فى معرض بعنوان ` عين على الغرب ` الذى ضم مجموعة من الفنانين الشباب المتميزين ونظمه كريم فرنسيس وفيه احتفظت الفنانة آمال قناوى فى حجرة عرض عملها بالسريرين الفقيرين والدولاب المتهالك الخاص بالبنسيون بما يحملانه من ذاكرة عريضة بتعدد ساكنيه الغرباء العابرين وأضفت الفنانة عنصر الحركة على عملها التركيبى السابق التجهيز بعرض فيديو فوق شاشة داخل الدولاب كأنها به نشطت ذاكرته الكامنة ..فأجادت استخدام عرض فيديو داخل عملها المركب لنستشعر بهما معاً بسمات الشخصية النسائية العرضة للانتهاك بما لا تقدر عليه الوسائط التقليدية فشاشة العرض توجد حيث فجوة الدولاب المجوفة أو فجوة اللاوعى لنلتقي بخنزير الدولاب بالأحمر الدامى الذى يصبح حينها الدم فعلاً وليس رمزاً وبفعل ذلك الخنزير الذى أعتبر فى الأدب اللاتينى مستنقع وحل وتنتفض حجرة العرض فجأة لأحاسيس الشم والسمع واللمس.
- وقد نجحت آمال فى استخراج ما فى النفس من تجمعات الخواطر لا سردا بل دفقاً دموياً قائماً على التداعى والرموز المتواترة والصور الحاسمة لتبدو كمراسيم بدائية بين الحصان والخنزير والمرأة كمراسيم الخصب ودفن الموتى الذى سبقه عرض للحياة تتبختر وتستشيط عنفاً ثم تسكن لا يسمعها أحد كحكاية لا تعنى أحداً ولا شيئاً لتعاد من جديد ` ألوان وظلال 19 يونيه 2007 .
- وشاركت الفنانة آمال فى معرض ` ماذا يحدث الآن ` فى قصر الفنون بعرض عمل بعنوان ` سوف تقتل` استمتعت بالكتابة عنه وعنها : ` صالة ضخمة سوداء الجدران فى عمقها شاشة عريضة بامتداد طول وارتفاع الجدار.. يتهادى فوقها عنيفاً عمل الفنانة آمال قناوى لينتهى هذا التهادى بشروخ عديدة تشرخ المكان والنفس فى ديناميكية داخلية تعمل ذاتياً بعدما كان يشحنها العرض وقد أخذت تعمل هى بذاتها لتنقل إلى المشاهد ذاكرة الفنانة ومحيطها الخانق.. بدا العمل فوق الشاشة بذلك التحول من الخارج إلى الداخل عبر أبواب تؤدى إلى داخل فراغ رغم العناصر المعمارية وتتشابك خطوط تشير إلى المكان الموحش القاتل لتقدم صورة بورتريه عرضية للفنانة `صورتها الذاتية`فى غيبوبة واعية لصندوق الذاكرة تترسمها أو شكلتها خبرات كضربات عنيفة من المشاعر والأفكار تجاه وجودها داخل المكان والحدث.. عمل الفنانة مكثف فى مزجها بين رسوم الكمبيوتر والفيديو وهذا التكثيف سبب ما يشبه اعتداء على المساحة المكانية فى عقلية المشاهد بذلك الضغط النفسى عبر شاشة مضيئة مشحونة داخل مساحة مكانية سوداء الجدران لا تساعد المشاهد بل تتركه لضغط تفاعلات المكان والعمل نفسيا على أعصابه وعقله فقد أصابت أمال قناوى الروح وعذبتها كطلقات نارية تجعل الخطوط المرسومة سريعاً فوق وجه الفنانة والدماء المتدفقة من الوجه والجسد وظهور الفئران والخنزير ` ظهر هذا الخنزير على شاشة عرضها بين فجوتى دولاب عملها الذى عرضته مع مجموعة عين على الغرب` لرءوس نسائية معلقة من شعورهن جعلت للعمل آنيناً وتأوهاً دون صوت بشرى بل بصوت موسيقى بدا متجسداً فى المكان المخنوق كأن الموسيقى تحولت لكائن له ماديته ذى ثقل مادى ونفسى يحتل ما بين المساحة السوداء بكاملها مبتلعاً المشاهد ..لكن يبقى لآمال قناوى على مدار أعمالها قبلاً قدرتها على تفجر قضايا نسائية كنقاط تعادل الوعى الجديد وترفضه فى ذات اللحظة وليس تعادلاَ للأوعى كما يبدو من المشاهدة الأولى ..أعمال آمال تتسلط عليها دائماً الذاكرة أو الحالة الذهنية داخل منظومة التعذيب الذاتى يأتى من الآخر مع دوام تيقظ الوعى بوجوده المقحم عليه وهذا التيقظ للوعى يعمل دائماً على تنقيته وتقطيره مع امتداد خيالها وعبر ما بداخله من مأوى لآلام الروح.. العمل يقع تحت سيطرة فنانة اكتشفت من خلال أدائها علاقتها الوجودية بذلك الجسد للتعامل مرئياً فى المكان والزمان والحلم والذاكرة بأداء رائع وصادق استشعرته باختياره للموسيقى المصاحبة لعملها الذى بمجرد دخولى جناح عرضها شعرت كأنى أدخل إلى بعد آخر ..إلى ما يشبه السفر فى الزمن إلى الداخل جريدة القاهرة - ألوان وظلال 22 يناير 2008 وقدمت الفنانة أعمالاً كثيرة ومفصلية فى مسار فكر الحداثة المصرية فى الفنون المرئية البصرية ومهمة فى زمن قصير للغاية قياساً بزمن وجودها أكثرها تأثيراً : ` الذاكرة المجمدة ` 2003 و ` الغابة البنفسجية الصناعية ` 2005 و ` سوف تقتل 2006 و ` محادثة لا تتوقف ` 2007 ` الجموع الصامتة ` 2010 وهو تجهيز متعدد الوسائط من اسطوانات غاز وفيديو - من مقتنيات متحف قطر و ` صمت الخراف ` 2012 وهو فيديو من مقتنيات متحف مورى فى طوكيو ..ويمكننا من أول أعمالها ذات التأثير ` ذاكرة مجمدة ` آن نكتشف ما يعتمل فى نفس الفنانة من ارتباط قاهر بين الذاكرة ` و ` الخسارة ` عبر الزمن فنرى الفنانة فى فيلم الفيديو ترتدى زيا أبيض رمز النقاء تأخذ حلقاته تتلاشى بعيداً عن الماضي والحاضر وربما المستقبل يأخذ فى التلاشى أيضاً..
- وفى `سوف تقتل` نجد هاجسا لا حقيقة واقعة وهناك أسقاط للزمن ليصبح الاستمرار هو الكابوس يحوم حول وجه امال الميت فى الفيديو تحوطه خطوط متداخله كشبكة عنكبوتية تحكم أحاطته ليبدو المشهد على الشاشة كوثيقة ختامية لكل التناقضات التى تحدث فى المكان كمقدمة وخاتمة فى نفس الوقت.. لتبدو الفتاة فى الثوب الأبيض تحيط بها الأسلاك او المسامير على حالة موت تحلم ونحن نرافقها رحلة موت ليبدو عرض الفيدو بتتالى الصور داخل شبكات وفئران تتحول لخفافيش ولدم مسحوب كدلالات من الفنانة لحالة تحولات بمذاق الحداد على الموتى..
- لذلك ينطبق تماماً وتتوحد رؤية الفنانة للوجود ولنفسها فى أعمالها الفنية ومقولتها المكررة. ` ربما أملك قلباً يخفق ويعمل بانتظام ولكننى لا أستطيع أن أؤكد أنني حية ` .
- رحلت فعلياً وفيزيائياً الفنانة آمال قناوى ورغم الموت المتكرر فإن الفتاة آمال قناوى تظل على قيد الحياة فى معركتها الفنية التى حاولت فيها إدراك إلى أى مدى تعمل داخلنا مفاهيم الوجود ودلالاتها الفلسفية..
فاطمة على
القاهرة - 11/ 9/ 2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث