`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
جورج صباغ

- رجل شرقى تدمغة روح الشرق وتلازمة نفحات الشرق لا نقول ذلك ارتكازا على انه ولد بمصر ولا لأن اسلوبه فى التصوير يتصل الى اسلوب الفنانين الشرقيين بسبب وانما نعنى بذلك انه شرقى المزاج شرقى الطبع.
- يحب صباغ الحياة على نسق كل شرقى أصيل ويجد فى حبها لما تحوية من متاع وجمال واغراء ويظهر أثر ذلك فى أغلب صوره التى تموج بالحركة وتتضوأ بالنور وفيما يستشف من لوحات الغوانى اللأئى تختلط الأشعة بعقيق دمهن.
- يحب الحياة كفنان دقيق ويحبها كشرقى عريق يحب البحر والسماء ويحبهما معا لشعورة بحاجته الى امتاع جسمه بمياه البحر والى اشباع نفسه بزرقة السماء يحب الزهور ويحب الثمار ويحبهما معا لاحساسه بالحاجة الى استنشاق أريج الزهر والى استيعاب طعم الثمار ولما كان صباغ يحب النساء أيضاً فقد سجل جمالهن على لوحاته تسجيلا رائعاً وان لم يكن دائما جمالا نموذجيا ًLa Beaute Classique مما تغنى به القدماء الإغريق وافتنوا فى تصويرة والواقع أن صباغ يحب الجمال المتواضع الذى يخلب حسنه الروح ويذهب سحره بالأرادة يحب الجمال الهادئ الذى يعصر القلب ويأسر اللب يحب الجمال الصامت المقتطع من جمال الطبيعة ويحب الجمال اليتيم الذى يدركه محبو الجمال فى قصيدة الشعراء وهذا وحده سر الروعة ذلك السر الذى يظهر ويختفى فى جو لوحاته وهو عينه ما يجعل الرائى قبالة صورة مبهوراً من ذلك المجموع الرائع الجذاب.
بقلم : أحمد راسم

الضوء العاكس
- إذا تأملنا أعمال الفنان العظيم `جورج صباغ 1887-1951` اللبنانى الأصل والمصرى الجنسية نجده فناناً متمكناً عملاقاً . فقد استطاع أن يجمع بين رؤية المعمارى المبدع وبين المخطط العمرانى وبين الفنان التشكيلى ذى الثراء التعبيرى والبنائى المركب على جغرافيا الأرض الأفقية ، فنان استطاع بقدرته الإبداعية أن يضفى أبعاداً تعبيرية -وليس تسجيلية - على فن المنظر الطبيعى فالبناء الأفقى أكثر عمقاً وأكثر إحساساً بجيلوجيا الأرض الدافئة التى تتنفس حياةً وتنبت خيراً .. واستطاع تحويل عجائنه اللونية إلى حالة من الانصهار فى الأرض وعناصر البناء فى توحد واحتواء جينى ممتد، ويأتى الضوء فى أعمال أستاذنا جورج صباغ بخصوصية مختلفة مصدرها ضوء سماوى مفتوح آتٍ من أشعة الشمس التى تسرى كونياً وتتلاشى بفعل دوران الأرض ، فهذا الكون المضىء يطل مواجهاً لسطح الأرض عاكساً عليها هالات ضوئية تتحرك بدون توقف .. كاشفة أسرار مكنونات هذه الأرض الطيبة الغنية بالخير .. كاشفة عن جوهر النبات والأشجار التى تزدان بها والمنتشرة فى أرجاء الأرض الخضراء، فى تقسيمات تدل على أن مبدعها مخططُُ وليس رساماً وملوناً فقط، لكونه يمتلك رؤية شمولية بانورامية الاتساع ، كما يتسرب الضوء المتميز لجورج صباغ إلى البيوت المزروعة فى الحقول .. والبعض منها على شاطىء النيل كاشفاً عن دفء حياة الناس ، فالضوء الآتى من البعد الكونى يتساوى على الأرض أفقياً بنفس مقداره الكونى بل أكثر ثراءً وجمالاً لكونه يختفى فى جسد المكنونات النباتية والمعمارية وفى الأرض نفسها تمتصه وتعكسه ملوناً، وجورج صباغ يختزل أشعة الشمس ثم يبثها من جديد على جدران بيوته فى يسر وثبات وتجانس فى نفس الوقت ، وساعد الفنان على تحقيق تمكنه من الأداء الرائع الذى حقق من خلاله قيماً جمالية نستطيع وصفها ` بالسهل الممتنع` وكان لضوء جبال لبنان المتسلل من بين أشجار الغابات كأنه فى حوار كونى متصل ، وكذلك للضوء الأخضر فى الأرض بعداً يستدعى فينا تألق الروح والتمسك بالأرض الطيبة والروح تتسرب فيها وإليها بفعل سريان المياه فيها آتية بالبناء الجمالى والروحى لضوء الأرض .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
الرائد المغترب .. جورج صباغ ( الاسكندرية 1887 - باريس 1951 )
- اهتم الاعلام الفرنسى بأنباء المعرض الاستعادى (ريتروسبكتيف) الذى أقامه متحف بولون بيانكور Boulome Billancourt من 8/11/1990 الى 31/1/1991 تخلل العرض الذى كان أقرب الى المهرجان، محاضرة لمدير المتحف بعنوان صباغ وعصره وأخرى بعنوان الى صباغ، القاها جان نجل الفنان الراحل. كما عرض وقدم بيير الابن الثانى فيلما عن الرسام الرائد. وأصدر المتحف فى هذه المناسبة كتالوجا فاخرا من القطع الكبيرة: يضم نخبة من اللوحات الملونة والأبيض والأسود على ورق الكوشيه، ودراسات عن حياة صاحب المعرض وأعماله، وثبتا بالأبحاث والمقالات التى وضعها النقاد الفرنسيون عنه فى أيامه، وما نشر عبر السنين حتى عام 1990.
- تحول الكتالوج بهذه الدراسات والبيانات الموثقة وروائع الصور والرسوم، الى كتاب مرجعى جدير بالترجمة من الفرنسية الى العربية حتى يتاح لشبابنا وأساتذة الكليات والمسئولين عن الحركة المرئية فى بلادنا، الإلمام بسيرة وإنجازات أحد أبناء مصر المهاجرين، وكيف وضع بصمته فى سجل الرسامين الملونين صناع الحداثة، فى النصف الأول من القرن.
- وقبل أن ننساق فى الحديث، ونبحر مع جورج صباغ فى عالمه السحرى، وعبقريته المثيرة، نسارع بتقديمه الى القارئ فنقول:
- ولد جورج صباغ فى الاسكندرية فى 18/8/1887، قبل صديقه الرسام الرائد `محمد ناجى` بعام واحد. وهو رسام ملون واقعى النزعة. مبدع وبحاثة مستقل صوّر المناظر الطبيعية والاشخاص والنماذج الحيّة العارية، والتكوينات الساكنة من الأزهار والثمار والأشياء. بدأ أسلوبه بالمذهب التكعيبى الذى كان مستحدثا على أيامه. فقد ابتدعه بيكاسو سنة 1907، بينما وصل جورج إلى باريس سنة 1906. كما تأثر بالمذهب التعبيرى الذى كان قد ظهر سنة 1905، مع جنوح إلى الرومانسية التى ألقت ظلالها الدرامية والتراجيدية أحيانا على لوحاته. لم يتجه إلى التجريد ولم يفقد علاقته الوطيدة بالطبيعة والشكل الإنسانى، خلال مشواره فى البحث عن أسلوب خاص، اهتم فيه بالتشكيل الجمالى مع نَفْحَة زخرفية تبدو ألوانه الزيتية كما لو كانت مائية أو جواش أو لوحات محفورة أعماله الكبيرة مفعمة بالدرجات اللونية، والاتزان بين النصوع والدكنة والمنظومات اللونية المحسوبة استقى موضوعاته من مشاهد الطبيعة. وبخاصة مناطق بريتانى وقبرص ومصر ولبنان وباريس وريف فرنسا. تأثر بالموجات الجديدة لشباب الحداثيين فى عصره مثل: موريس دينيس، بول سوريزييه، بيف اليكس وغيرهم كثيرون.
- كما صادق خلال زياراته المتكررة لمصر خمسة من رواد حركتنا الفنية محمود مختار، يوسف كامل، راغب عياد، محمود سعيد وأقام خلال حياته التى امتدت الى 64 عاما عدة معارض فردية فى فرنسا ومصر وأسهم فى 28 معرضا جماعيا، وانتظمت لوحاته أكثر من 150 مجموعة خاصة وفى عام 1985 تكونت فى باريس `جماعة أصدقاء صباغ` وهى التى أشرفت على إقامة معرضه الاستعادى الأخير وأعدت المادة النقدية والتاريخية والصور التى حفل بها الكتالوج.
- حين نصف جورج صباغ بأنه من صناع الحداثة فى القرن العشرين، لا نلقى الكلام على عواهنه. ذلك أنه بعد أن أنهى تعليمه العام فى مدارس الجيزويت بالقاهرة أرسله والده: حنا باشا صباغ الى باريس لدراسة القانون وهو فى التاسعة عشرة من العمر، على عادة أبناء الذوات آنذاك الا أن الفتى أمضى السنوات الأربع فى رفقة الرسامين والملونين والمثالين واختلف الى قاعات الموسيقا والمسارح والمنتديات الثقافية مما حدا بوالده الى قطع العون المالى، فاضطر لقبول وظيفة بسيطة فى وكالة احدى شركات السيارات حتى لا يترك مدينة النور ومالبث أن التحق بأكاديمية رنسون سنة 1910 - نفس العام الذى كان فيه فاسيلى كاندينسكى فى ميونيخ يضع نظريته عن الأسلوب التجريدى، الذى لم يكن قد ظهر على الساحة الأوربية بعد.
- وبالرغم من أننا لا نلتقى بحديث طويل فى دوائر المعارف عن صاحب الاكاديمية الا أنه لعب دورا جوهريا فى الحركة الحداثية فى نهاية القرن الماضى. إنه بول رانسون (1864-1909) انضم الى جماعة فنية تعرف باسم `الأنبياء` - ذى نابيز - سنة 1888 اعتادوا الالتقاء فى مرسمه يوم السبت من كل أسبوع. كان رساما ملونا اشتهر بتصميمات السجاد. لكن أهميته الأساسية تكمن فى انشاء الاكاديمية التى عرفت باسمه سنة 1908 لكنه توفى فى العام التالى فأدارتها أرملته بمعاونة اثنين من زعماء جماعة الأنبياء وواضعى نظرياتها: موريس دينيس (1870-1945) الذى وضع مؤلفيه الشهيرين: النظريات سنة 1913 و`النظريات الجديدة` سنة 1922 ثم بول 1922 ثم بول سيروزييه (1865-1927) صاحب كتاب `الف باء الرسم والتلوين سنة 1921.
- التحق جورج صباغ بأكاديمية رانسون 1910 - كما أسلفنا القول - فشب كفنان على تعاليم جماعة الأنبياء تتلمذ على زعمائها قبل أن يستقل بأسلوبه المتميز المتعدد الجوانب. مضت سنوات التكوين قبيل الحرب العالمية الاولى وإبانها مشاركا نشطا لشباب الفنانين الفرنسيين، واقرانه الوافدين من أركان الارض. افكارهم الثورية الحداثية مما زوده بثقافة عريضة انعكست على موضوعاته وارتقت بفنه الى آفاق بعيدة.
- تكونت جماعة الانبياء The Nabisسنة 1888 وعقب عودة مؤسسها بول سوريزيه الى باريس، بعد زيارته لمرسم بول جوجان (1848-1903) فى مدينة بون - آفان `الجميلة` حيث كان يتردد فنانو باريس الشبان يتلقون التعاليم والتوجيهات ويرسمون باشراف الرائد الكبير. هناك رسم بول سوريزيه لوحة بعنوان `بوا دامور` أى غابة الحب. عبارة عن منظومات متجاورة من الألوان النقية كانت اللبنة الأولى فى مجموعة الأفكار، التى تكونت حولها جماعة من الرسامين الشبان أطلق عليهم الشاعر `كازليس` اصطلاح `الأنبياء` كانت المفاهيم التى طرحها بول جوجان باسم المذهب الرمزى أو التركيبى هى المبادىء التى قام عليها أسلوب الأنبياء.
- نستطيع بلا عناء كبير أن نتتبع الخيوط التى تصل إبداع جورج صباغ بتعاليم الأنبياء التى تلقى ايدى زعمائهم بول سوريزيه وموريس دينيس حين التحق بأكاديمية رانسون سنة 1910 بل يمكننا أن نصل بهذا الخيط إلى منطلقات بول جوجان الاستطيقية، حين نتأمل رائعة جورج صباغ بعنوان `الالاهات الشقيقات الثلاث` التى صورها سنة 1919 ضمن سلسلة سماها `حياة الانسان` رسم فيها ثلاث نساء عرايا، الا من أقمشة حمراء كلاسيكية الطيات تستر بعض أبدانهن.. بينما تملأ الأجساد كل فراغ اللوحة فى تركيب دراماتيكى تراجيدى بعيد عن أى ايحاءات شهوانية ومن المعروف أن الأفكار التى سادت ذلك العصر على أيدى الرمزيين والتركيبيين، كانت توصى بألا ينهى الرسامون ابداعهم فى رحاب الطبيعة، بل فى مراسمهم حيث يسقطون أفكارهم الذاتية والتشكيلات الجمالية.
- .. مع كل الاعتبارات لم يتبع صباغ مذهبا فنيا معينا بعد مرحلة التكوين. أصبحت لوحاته ذات شخصية مستقلة وبخاصة وأن جماعة الانبياء لم يكن لها وجود عند قدومه الى باريس. كان آخر معارضها المشتركة سنة 1899 تفرقت بعده الى جماعات صغيرة لكن الكثير من تعاليمها بقى ليصبح العمود الفقرى للحداثة حتى يومنا هذا، وكان صباغ من رافعى راياتها وفكرة اكمال اللوحة داخل الاستوديو واحدة من التقاليد التى مازالت سارية حتى اليوم إضافة الى المداخل الإبداعية التى طرحها موريس دينيس ولا نجد صداها فى اعمال صباغ فحسب بل فى جميع الابداع الفنى الحديث.
- من المبادىء التى أصبحت عميقة الجذور قول دينيس: قبل أن تكون اللوحة صورة حصان أو امرأة ينبغى أن نلاحظ انها ليست سوى منظومات لونية على سطح منبسط كذلك نداؤه بنظرية التحريف المزدوج: الموضوعى والذاتى. أما الموضوعى فيتناول المدركات الاستطيقية والزخرفية وما يتعلق بالمسائل التكنيكية وأما التحريف الذاتى فيرتبط باسقاط المدركات الشخصية للفنان واذا كانت هذه المبادىء مداخل لابداع جورج صباغ فهى تسرى أيضا على الممارسات الفنية المعاصرة مما يدعم ما نذهب اليه من أنه من صناع الحداثة فى هذا القرن.
- تزوج سنة 1916 من فتاة فرنسية وأقام فى العام التالى باكورة معرضه فى باريس فلفت الانظار بمناظره الطبيعية المحكمة البناء، وصور الأشخاص بألوانها التعبيرية، ولوحات الزهور والثمار بتكويناتها المعمارية وكان ارهاصا لظهور فارس على مسرح الحداثة فى مدينة الفن. وحين خمدت نيران الحرب الكبرى وغمرت أوروبا البهجة سنة 1918 ترددت هذه المشاعر الإنسانية فى أعمال صباغ فى لوحتين تحية للحياة الجديدة: الطفل ذو القبعة وأنشودة السلام وأصبح صدى الاحداث الاجتماعية يتجسد فى ستوديو الفنان بتعبيرات مباشرة أو بالرمز والإشارة لكنها مقروءة فى كل الأحوال.
- اكتشف فى تلك السنوات الجوانب الإبداعية فى رسوم وألوان اثنين من عمالقة الحداثة فى القرن العشرين: فنسنت فان جوخ (1853-1890) وبول سيزان (1839-1906) لمس مكامن العظمة والقوة فى إبداعهما. ويمكننا استقراء نفحاتهما فى لوحاته بعد الحرب الكبرى بينما لا نستشف أثراً لأسلوب أستاذه `موريس دينيس` الذى كان ينسج على منوال `بول جوجان` فلوحات صباغ تأسر مشاعرنا بـ`تعبيرية الألوان` و`عمارة التكوين` وليس بـ` المساحات الزخرفية` و` الخطوط الحادة المحيطة بالعناصر` و`التناول التركيبى الرمزى` على طريقة بول جوجان وحوارييه.
- لم نشهد لصبّاغ صورة تجريدية واحدة تنم عن العزلة والسطحية كانت علاقته بالطبيعة علاقة حميمة. بالرغم مما تتشح به أعماله من إسقاطات وافكار فلسفية وتحريف مزدوج: ذاتى وموضوعى. فالطبيعة عند صباغ مصدر قوة الرسم والتعبير والجمال رحابة الخيال وتنوعه فهو رسام مفكر يبدع لوحاته كما يقرض الشاعر قصائده. أما الموسيقا فنلمسها فى توزيع الخطوط والملامس والإيقاع الشكلى وبخاصة فى مناظره الطبيعية. قال عنه الناقد `أحمد راسم` سنة 1936: إنه مصوّر البحار والجبال والأشجار والظلال والأشعة والهواء. كما أشار إلى تأثره بأسلوب الرسام السيوسرى فيليكس فاللوتون (1865-1925) صاحب العبارة التى تقول: `إننى أحلم برسم لوحة عظيمة، لا أثر فيها لحرفية الطبيعة` وكانت لوحاته خافتة الأضواء تميل بموضوعاتها إلى التشاؤم. وربما نلمس هذه السمات فى بعض أعمال صباغ. إضافة إلى التحريفات التى أدخلها كل منهما، على الأجسام العارية والمناظر الطبيعية التى تحولت بالتبسيط إلى تكوينات مستقلة وليست نسخة حرفية من الطبيعة. ولا يغيب عنا الجو التراجيدى. الذى يكسو بعض لوحات صباغ كما فى صورة `الإلاهتات الثلاث` التى أسلفنا ذكرها.
- أولى رحلات الحنين إلى مصر كنت فى عام 1920. رسم خلالها مشاهد الأهرام وأبو الهول وقرية نزلة السمان وبعض الكنائس والأماكن المقدسة التى مرت بها العذراء مريم والمسيح الطفل. بعد تسع سنوات كانت الرحلة الثانية إلى ماء النيل صوّر الصحارى وهرم سقارة والنخيل وشطئان النهر الخالد. تلاحقت بعد ذلك زياراته للوطن الأم فكانت الرحلة الثالثة سنة 1933، حين أقام معرضاً للفن الفرنسى المعاصر. ثم عودة سنة 1935 صور أثناها سلسلة لوحات للنيل والمراكب الشراعية، أقام بها معرضاً فى باريس بعد عامين، فكان نافذة أطلت منها فرنسا على سحر الشرق.
- فى عام 1936 نظم عرضاً ثانياً للفن الفرنسى المعاصر حضر معه إلى مصر. فى هذه المناسبة وضع الناقد والمؤرخ أحمد راسم دراسة قصيرة عن حياته وأعماله، هى المرجع الوحيد باللغة العربية عن هذا الفنان المصرى الكبير، الذى لم تغب عن باله فى مهجره وغاب عن المسئولين عن تاريخ حركتنا الفنية المعاصرة أن يذكروه، كنموذج للإسهام المصرى فى الحركة الحداثية العالمية. أما أحمد راسم وهو من رواد النقد الفنى فى بلادنا، فلا نجد تحت أيدينا ما يشير إلى إنجازاته لكن المؤكد أنه كان رساماً ملوناً وناقداً ومؤرخاً. وضع عدة مقالات وأبحاث عن الرعيل الأول من روادنا باللغتين العربية والفرنسية بينهما دراسة عن الرسام الملون يوسف كامل (1891-1971) ذلك أن التاريخ لدى المجتمعات المختلفة يبدأ من الآن!.
- فى سنة 1939 قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية: ألقى فى القاهرة محاضرتين عن الفنون الجميلة ثم أقام آخر معارضه فيها سنة 1947، قبل وفاته بأربع سنوات. لكن معارضه الفردية استمرت فى باريس. ففى الذكرى السنوية الأولى، أقام `صالون الخريف` معرضا استعاديا لأعماله. وبعد سنوات عديدة من الصمت تكرر العرض سنة 1985، فى المركز الثقافى المصرى فى باريس، ومؤخراً دبرت `جماعة أصدقاء فن صباغ` هذا العرض الكبير فى ديسمبر 1990 بالتعاون مع `متحف بولون - بيانكلور`.
- أصدرت مختلف دور النشر عدة مقالات ودراسات. عن حياة وأعمال جورج صبّاغ إبان حياته وبعد وفاته. ستة كتيبات كان باكورتها مصاحباً لأول معارضه فى باريس سنة 1920 بينها واحد فى عام 1926، صدر فى مدينة بروكسل بقلم أ. شينبرجر بعنوان `ج.ح. صباغ`. صدر عن دار الهلال فى القاهرة كتيب بقلم أحمد راسم وكان آخر هذه المطبوعات فى باريس فى عام 1988 بعنوان `صباغ.. وأصدقاؤه.. رسامو منطقة بريتانى`.
- أما الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والفصلية فكانت أكثر تبكيرا وأشد غزارة. بدأت تعليقاتها على أعمال الفنان الحداثى الصاعد سنة 1919 فدخل دائرة الضوء وهو فى الثانية والثلاثين من عمره ولم يكد يمر عام أو عامين من يومها، إلا وتناولت كبريات الصحف والمجلات أعمال صباغ بالتحليل والتفسير. ولو راجعنا جريدة الأهرام عندنا فى فى 25/3/1922 لالتقينا بأولى المتابعات المصرية لإبداع الابن المهاجر. ولم تنقطع المتابعة وبخاصة فى الصحف والمجلات الصادرة بالفرنسية والانجليزية، إلى ما بعد وفاته وتحت أيدينا ثبت تفصيلى بتواريخ وأرقام أعداد تلك الصحف والمجلات يضيق المجال عن ذكره ورد فى كتالوج معرض ديسمبر 1990، بينها جريدة الاهرام فى 13/4/1947، المواكبة لآخر معارضه القاهرية. أما خاتمة المجلات المسجلة فى الثبت المذكور، فهى عدد `المصور الصادر فى 5/1/1990 الذى أهبنا فيه بكل من يقتنى إحدى روائع جورج صباغ، أن يبعث بصورتها إلى `جماعة أصدقاء صبّاغ` فى باريس.
- عاش جورج فى أوروبا منذ يفاعته. زار الكثير من بلدانها بادئاً سنة 1912 بإيطاليا نبع الفنون الجميلة الذى نهل منه العالم طوال القرون الماضية. هناك خلبت لبه روائع الحفار الإيطالى والرسام الملون: أندريا مانتنيا (1431-1506) والرسام المستنسخ الملون الألمانى: ألبرخت دورر (1471-1528) ثم قضى عاما فى الخدمة العسكرية فى مطلع الحرب الكبرى سارع بعده بالزواج قبل أن يهب حياته لمعركة التغيير الثقافى منتظما فى صفوف الشباب المبدعين الهابطين على باريس من أركان العلم المشتعلين حماسا. القارئين النشطين لمختلف جوانب المعرفة الأمر الذى أثرى لوحاته بالأفكار الإنسانية والموضوعات والمناظر ذات المغزى كاشفا عن أنه يدرى منذ البداية أنه صاحب رسالة فوق كل اعتبار.
- الاحتكاكات الفكرية والثقافية الواسعة والرفقة الصحية للأقران والأساتذة الحقيقيين أضرمت فى قلبه وفى عقله الشعلة المقدسة التى تضىء صدر كل مصرى مهاجر إلى ثقافة أكثر تقدماً. سرعان ما مضى على هديها وتبلورت شخصيته الفنية المستقلة وتألق إبداعه فى فترة ما بين الحربين (1918-1939) التى يرى معظم المؤرخين أن الفنانين غير الفرنسيين فى تلك الفترة. الذين أقاموا معارضهم تحت اسم `مدرسة باريس` هم صناع الحداثة فى القرن العشرين واذا كان اسم صباغ لم يرد فى قوائمهم فشأنه فى ذلك شأن بابلو بيكاسو لأن جميع أعضائها كانوا من اليهود.
- حين اشتد به الحنين إلى القاهرة فى الثلاثينات من القرن قرر أن يقضى بها فصل الشتاء من كل عام - كما يروى الناقد أحمد راسم. استأجر شقة فى الدور التاسع فى واحدة من أعلى عمارات العاصمة فى ميدان التحرير يجلو عينيه من نوافذها كل صباح بمرأى جبل المقطم وقلعة صلاح الدين ويصورهما فى سلسلة لوحات شاعرية فى مختلف ساعات الليل والنهار. كما أتاح له انخفاض البيوت من حوله تأمل الفسيحة المترامية على مدد الشوف ملبدة بالسحب والغيوم الكثيفة الرهيبة تشهد بعظمة وجلال الخالق.
- كان مسكنه هو مرسمه فى نفس الوقت. أبدع فيه لوحة زيتية كبيرة تشغل ثلاثة أرباعه السماء المخيفة المروعة، ترهص بالعواصف والأعاصير كأنما توشك أن تنفجر كالبركان - كما جاء فى وصف أحمد راسم لها وفى قاع التكوين على بساط الحشائش الخضراء بين الزهور والشجيرات تستلقى فتاة عارية مطمئنة، كأن شيئاً مما يجرى لا يعنيها.
- حين سئا جورج صبّاغ عن مضمون هذا التكوين المثير، قابل بينه وبين موسيقا فاجنر (1813-1883) العنيفة الصاخبة التى تهز المستمع هزاً ثم ينبثق من ثناياها نغم يحمله صوت المغنى بللوريا حنونا هادئا، كأنه يد رحيمة تهدهد المشاعر المشبوبة. نستشف من الوصف والتعليق اللذين دونهما الناقد المؤرخ أحمد راسم، كيف كان جورج صباغ حساسا، تعبيرى التناول شاعريا حلما متذوقا للموسيقا الرفيعة مثقف الذهن والعاطفة.
بقلم : د./مختار العطار
( من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الأول )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث