`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عبد الرحمن النشار محمد وصفى

عبد الرحمن النشار فنان تميز فى مرحلته التشخيصية بقدرة فائقة على بناء اللوحة وتجميع عناصرها فى وحدة متسقة كذلك كانت أعماله الكبرى التى تعبر عن الأحداث وهو بمقدرته هذه يستطيع أن يخاطب الوجدان العام وأن يحقق اللقاء بين العمارة والتصوير لو اتجه إلى اللوحات الجدارية ولكنه يتحول فى مرحلته الجديدة إلى الفن التجريدى مزوداً بقدرته على بناء اللوحة وتكوينها وبمميزاته فى معالجة الألوان . هى رحلة أخرى للفنان تطلعنا على وجه جديد من أسلوبه فى التشكيل.


بدر الدين أبو غازى
من كتالوج معرض النشار 1980
الطبيعة + القانون ، الإنسان + الطاقة ، العضوى + الهندسى ، البناء + التكامل
ـ المربع المتحرك ذو الأضلاع الممتدة والمتغيرة ، ينطلق نحو ثبات بنائى مرئى محكم .
ـ المثلث المنشطر ذو الزوايا الحادة الذى يدق أوتار المربع تتكشف معه منظومة التوالد البنائى على مساحة وعمق الإنشاء المركب للعمل الفنى .
ـ الشكل العضوى الكامنة فيه طاقة الإنسان ، تتفاعل مع منظومة الكونية الهندسية للعمل الفنى .
ـ عالم النشار الفنان المبدع الخلاق ..
ـ والحديث عن أعمال الفنان/النشار يعد من الأمور الصعبة لكون حياته الفنية غنية وثرية الأمر الذى يدفعنا نحو إيجاد طاقة تؤهلنا للكشف عن أغوار مكونات فكره، وفنه، وشخصيته تلك المكونات تشكل مثلثاً ذهبياً تكمن فيه حلقات الدفء الجمالى وتكامل الرؤية الفنية لتأكيد البعد التعبيرى والإنسانى .
ـ ويكمن فى أعمال الفنان النشار الفنية مخزون ثقافى وتراثى تكشف عنه قيم اللون وحركة الأشكال وعمقها وقوة موجاتها الصادرة منها كحلقات التتابع الضوئى والصوتى.. وقد أدى ذلك إلى استخلاص ملامح الشخصية والبعد الفلسفى لها وبعدها الدرامى العميق .. والبعد البنائى الهندسى ذو الحس الرومانسى السيريالى يكشف عن أشكال تسبح فى فضاء مفعم بالحركة وأيضا البعد البنائى النافذ بين الأشكال الهندسية وبين التوليفات العضوية المجسمة والتى تخترق السطح بأعماق متعددة حيث يتكامل النسيج المرئى القائم على مفردات وأشكال متناقضة ومن هنا تظهر قيمة إبداعات `النشار` التى تتألق بتميز وتفرد .
ـ والبناء الإنشائى فى أعماق الفنان يمتد من أعماق الفكرة محملاً بالأحاسيس والمشاعر ومختلطاً بالمواد والأدوات وصولاً إلى مستويات عظمى للبناء الجمالى .. وهذا يذكرنا بالطاقة الكامنة فى الأشياء ـ فكل ما هو محسوس ومرئى هو نتاج طبيعى للعمق الداخلى لبنائها ـ ذلك ما ينطبق على إبداعات ` النشار ` وعلاقة بنائيات أعماله بالطاقة فهى علاقة الجمال بالكوامن الفكرية والفنية للعمل الفنى .
ـ وتتميز أعمال الفنان بمنظور كونى رياضى حركى فالمفردات التشكيلية وانطلاقاتها وتمددها وانشطارها وإنجازاتها واتحادها وتباينها وتكاملها تتحرك من خلال منظومة رياضية محكمة ومرئية تتعاظم فيها الأبعاد الجمالية الكونية للعمل الفنى .
ـ والتقنيات فى أعمال الفنان جزء لا يتجزأ من نشأة الفكرة بما يحملها من مقومات وتأثيرات أساسية للمكان والزمان فهو يمتلك قدرات فائقة من الأداء وسيطرة كاملة على الأدوات باقتدار .
ـ ويعد الفنان / عبد الرحمن النشار من الفنانين القلائل الذين أثروا الحركة الفنية بإبداعهم المتواصل المتدفق كما يعتبر أيضا من الفنانين أصحاب الرؤى الفنية الأصيلة والمتفردة ومن المؤثرين فى حركة تطور الفن التشكيلى فى مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية .
أ. د / أحمد نوار

هيثم .. ونبض الضوء
- يسعى `هيثم` فى أعماله إلى تأمل عالم الإنسان ليكتشف كوامن مدموغة فى الجسد عبر نبض القلب وإيقاعه المستمر الذى يمتد بفعل حركة الزمن ويتوقف عندما تتوقف عجلة الحياة فيكتشف شفافية الروح ونظماً معقدة داخل الجسد، يتعاظم فى مركز شبكية الدماغ وما يحمله من إعجاز خلقى فعالم الفنان هو فراغه الكونى الذى يسبح فيه باحثاً عن أسراره ، والجسد عندما تقترب مشاعر الفنان منه فإن اقترابه يأتى وفق عمق فكرى ووفق قيمته الإنسانية، وعلى الجانب الآخر تفاعل الإنسان فى المنظومة الإجتماعية .. وإيمان المبدع بفكرته الجمالية والإنسانية تدفعه للتدفق والاستمرار والتعمق داخل هذا الكائن متلمساً ونابضاً معه وفناناً ورساماً غارقاً فى أغوار وظل الجسد الآتى منه موجات مغناطيسية عبر مجاله الكونى والمركزى وكما لفن الرسم جمالياته الثابتة فلا يمكن تجاهل خصوصية الصياغة والمعالجة المعاصرة لهذا المجال وفناننا عندما يمتلك قدرات تحريك أدوات متنوعة ووسائط مختلفة منها البدائى والتكنولوجى يقترب من عالم الفنان الشامل وإذا تألق فى التعبير عن قضايا وطنه، وقضايا الإنسان المعاصر فهو الفنان هيثم نوار فى معرضه `اسعاف 123 طوارىء` بمركز الجزيرة والذى يعبر عن تجربة جديدة .. ثلاثية الرؤية .
أ.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2006

- فى لوحة الفـنان: عبد الرحمن النشار التى سماها أورشليم `القدس` والتي يرجع تاريخ إنتـاجها إلى عام : 1968. وأبعادها : 149 × 138 سم . وهي ألوان زيتية على خشب . وتتكون من وحدات متراصة بعضها متقدم في الأمام بفعل التأثير البصري للون والبعض مرتد إلي الوراء . تطالعنا أبنية ذات طابع شرقى ( قباب) كنائس ومساجد وأطلال. سحب تتخلل المآذن يطير في وسطها البراق . المسيح طفلا وشابا وهو مصلوب .
- جثث بيضاء متناثرة . حيوان يفترس فتاه بسمت العذراء المقدسة ملقاة على الأرض . يدان ممسكتان بمسجد و ترفعه في الهواء و كأنهما تريدان الإطاحة به. ديك يقف فوق سور المسجد . مدرعة بها مدفع تتجه نحو المسجد و الكنيسة .
- تتكون اللوحة من شرائح أفقية غير منتظمة ولكنها متراصة بإحكام تفصل بينها درجاتها اللونية فبدت مترابطة كقطع الفسيفساء أو كلعبة البازل من الممكن فكها إلي قطع لكن تجمعها وحدة عضوية، هي جسد ممزق الأوصال متشبث ببعضه بأنسجة من ألم، هي بدن نابض بحيوية الدفقات الدلالية التي يبثها الفنان، مفتوح الآفاق مع كل قطعة ممزقة وكل جرح يقطع ويصل ، خطوط التقاء القطع كأماكن الذبح الأليم تنضح بالدماء و الصرخات والتشظي ولكنها شبكة من جراح وسياج من مقاومة وكيان من غضب متحد ينضح بنزيف المأساة الجليل ، هي كل قد فجره العدوان الغشوم، فانتثر في الفضاء ثم سقط ملتئماً مكلوماً مخططاً بالدماء، يتفجر تحت وطأة الظلم و يتوحد في صرخة تمرد دائم دائب مغلول بأصفاد الخيانة… وأتى المنظور الذي استخدمه الفنان أمامياً متعدد الرؤى أعلى وأسفل مستوى النظر.
تتلاشى التفاصيل في العمق وتخف درجات الألوان وتتحد نقاط الارتكاز عند قاعدة البناية والمسجد عند المدرعة والحيوان المفترس . الفراغ هنا عميق ممتد أفقيا وترتيب العناصر يصنع الحركة المتتالية الأفقية مثل حركات عناصر الحدوتة الشعبية في عروض خيال الظل ، ظل يتحرك يتلوه الآخر ، نغم يتردد و يروح ثم يولد نغم جديد .
- تحمل مفردات اللوحة ملامح دينية تاريخية ذات صبغة أيقونية تنتمي للذاكرة الجمعية وتلتقي بها : حيث البراق والمسيح والصلب والمآذن والكنائس والديك وملامح تعبيرية سياسية:كذلك الوحش المفترس ، والمدرعة والسلاح المصوب واليدين الممسكتين بالمسجد.
- جاء التوظيف اللوني متوافق مع سيادة البني والأصفر فهو يستخدم درجات الأصفر بكثرة فهو لون الذبول ، حتى الأبيض مشوب بصفرة - ليس أبيض نقي- استخدم الأبيض للون البراق والأطفال والفتاة المريمية والمسيح الطفل المصلوب وحوله تتناثر الجثث .
- أما الإسقاط الضوئي فليس قويا ولا يؤكد التجسيد النحتي لأن مصدر الضوء موحد موزع بالتساوي في أنحاء اللوحة فيزيد الإحساس بالتسطيح ، وهو منطق رمزي يزيد من إحساسنا بالصبغة الشعبية والأسطورية السابحة في فضاء العمل : تمنحه قرباً وتلاقياً وثيقاً مع الوجدان الجمعي .
- التوازن اللوني والتناسق يصنع الإيقاع البصري ويتوالد من تكرار اللون الأبيض المشوب بصفرة في المقدمة والخلفية والوسط . وتكرار المآذن بارتفاعاتها مع أبراج الكنائس في تنوع بديع مع تكرار المصلوب وكأنه يردد الألم ويكرس الفاجعة ، في تلك المعزوفة الشجية الكثيفة التي كونتها قطع من الشجن والفقد الأليم وركبتها فسيفساء من دمعات وصرخات تنطلق في الأثير ..تكرس المأساة في فلسطين وتعلنها في شكل ممتد كطول الحزن حارق كعمق الجرح وتلعن الظلم والعدوان وتكشف الظالمين .

د.هبة الهوارى

جائزة سبقها الموت إلى صاحبها : رحل عبد الرحمن النشار بعد 40 عاما بين الوجود والعدم
يوم الخميس الماضى كان موعدا لتوزيع جوائز المسابقة السنوية للوحة صغيرة الحجم . ولكن أحد الفائزين لم يتسلم جائزته .. فهو لم يعد موجوداً .. انه الفنان الكبير عبد الرحمن النشار الذى رحل تاركا جائزته واعمالا فنية عالية القيمة وتاريخا طويلا يضعه فى مصاف مبدعى الحركة التشكيلية المصرية النابغين .. وقد رحل النشار فائزا مثلما عاش اكثر من اربعين عاما فائزا بمكانة فنية خاصة بين فنانى مصر المعاصرين .. بوفاته افتقدته الحركة الفنية أحد اهم عناصرها كما افتقدته رفيقة حياته ودرب فنه الفنانة الكبيرة زينب السجينى .
` مرسم الفنان الكبير عبد الرحمن النشار بعد الرحيل أصبح مجرد عشرات من البراويز ومكعبات خشبية واطارات لوحات فارغة وعلب وانابيب ألوان مغلقة وجافة وكان فى وجوده مرسم وورشة فنية تضج حيوية وعمل لا يهدأ .. كانت مساحة النشار من الوجود هى تلك الامتار المربعة القليلة داخل مرسمه حيث مجال حركته الحقيقية فى هذا العالم .. واليوم مرسم النشار مكبل بذكرى وجوده السابق .
الفنانة المصورة زينب السجينى فى مرسم الزوج الراحل الذى لم تعد تغادره .. أخذت ترتب البراويز فى زوايا متطابقة وتضبط لوحاته التى لم تكتمل خلف ورق التغليف وتعد حامل الرسم وترتب الألوان المغلقة الانابيب والفرش كأنها تعد المرسم لحضوره فداخل هذا المكان لم يفترقا وقد تشارك الرفيقان الاحلام والمثابرة على العمل حتى صعدا معا فى عالم الفن الجميل ليصبحا من الاسماء الكبيرة المحترمة فى الحركة التشكيلية المصرية ..
داخل المرسم اشارت الفنانة زينب السجينى الى ركن به حوالى خمس وعشرين لوحة مربعة الشكل مساحتها حوالى المتر المربع واخرى بانورامية ضخمة وقالت ` هذه اللوحات من الاعمال الجاهزة للعرض فى معرضه الذى اتفق على اقامته فى 25 مارس القادم فى مجمع الفنون وبإذن الله سيقام المعرض كما اراد .
` اكثر من هذا ` لم يكن بوسع الفنانة الكبيرة الحديث عن الغائب .. شريك الحياة والمشوار الفنى الممتد خلفهما لأكثر من اربعين عاما من الكفاح المشترك . والنشار قال عنه الكثيرون الكثير .
ولكنى ندرك معا قدر النشار ليس كفنان فقط ولكن كصاحب فكر فلسفى خاص عكسه فى اعماله نقرأ معا بعضا من كثير قيل عن فنه من نقد وتقييم فعنه كتب المثقف الناقد بدر الدين ابو غازى : ` عبد الرحمن النشار فنان تميز فى مرحلته التشخيصية بقدرة فائقة على بناء اللوحة وتجميع عناصرها فى وحدة ` متسقة ` كذلك كانت أعماله الكبرى التى عبر بها عن الاحداث وهو بقدرته هذه يستطيع أن يخاطب الوجدان العام وأن يحقق اللقاء بين العمارة والتصوير .
وعنه كتب الناقد والفنان الكبير حسين بيكار: ` الفنان عبد الرحمن النشار عندما يقسم لوحاته تقسيما ( شطرنجيا ) فإنه بذلك يعبر عن الايقاع الزمنى المنتظم الترتيب الذى يعكس دورات الحياة ويعادل تعاقب الليل والنهار والبسط والقبض والمد والجزر .. وفى المساحات التى تنحصر بين اضلاع كل مربع فى الرقعة الكبيرة تتوالد أنواع من الكائنات قد تكون هندسية وقد تكون عضوية وتأخذ فى شهيق وزفير وعنف ولين لتشكل ذلك النسيج المترامى الاطراف الذى نطلق عليه المياه ` .
وعنه كتب الفنان الكبير حامد ندا : ` يعيش النشار ما بين رومانسيه الحالة التى تغلف شخوصه فى ` الحرب والسلام ` والتعايش والبناء من أجل مجتمع افضل وما بين صراعات الشكل المجرد والفراغ والتضاد اللونى الجرىء وملامس السطوح وقد انفرد بجهد خاص بعيد عن تلك العقلانية الجامدة `.
وعنه قال الناقد دافيد سكاف : ` فى ذلك المزج بين التجريدية الطابع والتعبيرية العميقة تكمن عبقرية النشار ` وعنه قال الفنان الكبير عن الدين حموده ` ابتدع النشار عالمه الخاص المستوحى من العلاقة بين السطح والفراغ واللون فى الفن الهندسى الاسلامى وهذا الابداع ليس مجرد فن للفن بل رغبة فى ايجاد المطلق فى نوع من الوحدة التى تناظر وحدة الكون وتعكس ايمانا عميقا بالخالق `
ونحاول الاقتراب اكثر من لوحات عبد الرحمن النشار فى محاولة رؤية عالمه الفنى الذى أثرى به الكثير من الرؤى الفنية لتلاميذه وأيضا للزملاء .
فى لوحاته .. سنلحظ اولا اهتمام النشار الكبير بتنفيذ لوحاته بشكل دؤوب صبور مهتما بأدق التفاصيل والجزيئات كأنه ينسج خيوطا تقوم فيما بين ` السداه ` و ` اللحمة ` كما تبدو أشكاله العضوية الدقيقة كأنه يكشف عنها بمجهر لا يكشف عنه بالبصر فقط ولكن ايضا بالبصيرة .. وهذا ليس بغريب عن عبد الرحمن النشار الذى بدأ حياته الفنية بدراسات اكاديمية ثم بالتشخيصية التعبيرية ومنها لوحاته الشهيرة ` الحرب والسلام ` و` مأساة القدس ` وكانت هذه أحد روافد عمله الفنى حتى كانت اقامته بمكة المكرمة اربعة اعوام استاذا للفنون ليعود وقد تأثر بالعمارة الاسلامية بقيمها الروحية ليزداد داخله ذلك التراكم الثقافى التراثى .
وليظهر فى لوحاته ذلك التراكم التشكيلى بالتركيبات المكعبة وبازدحام اللوحة بعناصر شتى وايضا يظهر ذلك التراكم المعنوى فى التفاصيل فى كليهما بين الهندسى والعضوى بايحاءاتهما العديدة فيما بين التراث والمعاصرة معاً وايضا فى أفضل حالتهما وهى حالة من التنامى والتصاعد البصرى بين البارز والغائر .
ونلاحظ امام ذلك التصاعد الكلى للوحة عدم اعتماد النشار على بؤرة واحدة او مركزية للوحة ينطلق منها العمل بل العمل كله بتشابك أجزائه فى حالة من الحيوية دون قدرة فصل جزء عن اخر . فكل جزء مركب وقائم على الاخر بصريا وفنيا وان اسقطت جزءا سقطت اللوحة .. بكاملها .. وايضا ما يعوق عمليات فصل اجزاء من لوحات رغم كثرتها هو تناثر كائنات بشرية سيريالية داخل اللوحة رابطة بين اجزائها عضويا وفنيا فى حركتها الذاتية وفى حركتها فى محيط اللوحة .. ` فتبدو لنا كائناته كأنها فى حالة تحول وعدم استقرار يساعدها على ذلك شكلها السيريالى لتحيا فوق سطح اللوحة كما تريد .
وتحمس النشار لتلك العلاقة حمل التركيب المتنافر ما بين الهندسى والعضوى مخاطر اكثر مما يحتمله سطح اللوحة ما بين البارز المرتفع والغائر فانبثاق أشكاله من سكونها وتردد نبضاتها فى ارجاء المسطح الابيض اعطى حيوية لكامل اللوحة خاصة وان الوانه لا تقوم بدور درامى يساعد على تقريب الفجوة بين كائناته العضوية والاخرى الهندسية وان كانت الوان منسجمة الا ان اعتماده الكلى قائم على وجود التنافر والشد والجذب بين اشكاله وليس الوانه .
ومخاطرة النشار هذه تفتح عقل وقلب المشاهد لإعادة النظر ولقبول الاشياء والمواقف التى تبدو لنظرتنا الاولى جامدة وحادة بل ومتنافرة .. وهذه شريحة من منطق الحياة بتناقضاته ومخاطره وهذه قيمة روحية كبرى فى اعمال النشار ومعالجته التشكيلية لها بهذه الدقة والمثابرة تستدعى التقدير لمحاولة تحقيق المواءمة التى تحمل كثيرا من الرؤى الفلسفية لكشف جوهر قطبى العالم المتناقضين وهما العضوى والهندسى وكعلاقة الزمانى المكانى فى امتداده النسبى دون تقييد المشاهد لاعماله بشكل محدد يربطنا برؤية مسبقة متيحا لنا رؤية مفتوحة ، ورؤية تأملية لتلك الكائنات العضوية فضائية التركيب التى تقفز فوق سطح اللوحة فى سيريالية تتصارع لأيجاد مكان لها فى عالم بلغ من الجمود مبلغا كبيرا .
فلوحات الراحل الكبير عبد الرحمن النشار تطرح سؤالا هاما او بالأصح تطرح كائناته الملقاة وسط محيط هندسى حاد هل هو اصرار منها على الحياة ؟
ام هى رحلة بحث عن الحقيقة وماهية الوجود ؟ ام محاولة للأجابة على السؤال الصعب بين الوجود والعدم ؟

فاطمة على
أخبار النجوم: 22-1-2000
النشار وتحليلاته ورحلة إبداع
كان لفقد الفنان عبد الرحمن النشار وقع الكارثة التى هزتنا من الأعماق ، فشعرنا بحالة تفريغ للصوت من النوع الذى يعقب صخب الانطلاق وجلبة الحياة البهية ، صمت شديد مقدس استشعرنا إزاءه أننا لم نصبح كما كنا ، أن شيئا مهما أصبح ينقصنا فجاء ، موته كعاهة مستديمة قدر لنا أن تكتمل حياتنا بها .
وفى السيارة الى المقابر يقول محمد عبلة : أنا لا أتصور أن النشار لا يكون موجودا حولنا فى المجتمع الفنى ، ويقول محمود عبد العاطى كان فى سباق مع نفسه عجلة فى ايقاع الحياة وهرولة إلى نهاية العمر . وفى المطار فى انتظار الابنة ايمان والزوجة الزميلة زينب السجينى ، قادمتين من باريس بصحبة الجثمان وبين تبادل أطرف الحديث مع أحمد نوار وأحمد سليم ، ومحمود شكرى ومحمود عبد العاطى وطه حسين ولساعات طوال ، تسارع شريط الذكريات مع النشار الشريط الذى يرجع الى عام 1961 حينما خرج النشار من التجنيد وعين مدرسا بالمعهد العالى للتربية الفنية بشارع الأخشيد بالروضة ، أتى الينا آنذاك شابا ملئا بالحيوية ، سريع الحركة زاعق الصوت ، حماسيا متفجرا ، دافعا لكل من حوله للعمل والتفاعل النشيط ، فى جولاته تلاميذه للرسم فى المانسترلى ، أو فى الغورية ، الكل فى حالة نشاط وعمل حماسى كان بمثابة المبشر بموجة تجريبية فى فن الرسم والتصوير ، كان يدعو للتجريب بحماس مطلق ` فى الوقت الذى كان استاذ التصوير الحى من الموديل يطالب الطلاب بواقعية صادقة : ` عايز أشوف مية فى العين ` كان النشار يطلب منهم فى محاضراته الموازية ان يستخدموا (الزفت) المنصهر كمادة تعبير ، وان يتركوا لعروقه السيالة العنان لاكتشاف العلاقة المترتبة على التصاقها بقماش الرسم ، خلط ألوان وصبغات وحصى ورمال ، وبصمات متنوعة واستخدام الشفرات . الرسم السريع والتحليل الجمالى للعناصر تشفيفها وتجسيمها وتكعيبها وتجريدها الجمع بين المتناقصات التجرؤ على المساحات الكبيرة للوحات الانغماس فى العمل لعشرات الساعات المتواصلة .
وفى التمهيد لتأسيس جماعة ` المحور ` واثناء العمل فى عروضها المتعاقبة عايشنا النشار أكثر من اى وقت سابق عصبية وعناد وعملا شاقا ، بحب ، وصبر ، وطموح ، وخواطر ، ونوادر ، وضحكات مدوية ، وصياح ، وتهديد وطقس متكرر ، من آن لآخر ، صياح وجلبة مفاجئة ــ للتخلص من المكبوتات والتوهج والانجلاء وفى السفريات رحلات الطلاب ، ورحلات الزملاء داخل وخارج البلاد ، تتجلى صفة الكشافة عند النشار ــ متطوعا سباقا فى قضاء الاشياء التى يتهرب عادة الاخرون من التصدى لها . وفى المؤتمرات ولجان التحكيم وفى النقابة دائما ذات الشخصية الحية المتدفقة .
فى أمسيات طوال متواصلة من السمر والنقد لمجريات الحركة الفنية بشقته القديمة بالمنيل ، فيما بين الستينات والسبعينيات مع وجوه متغيره لجمال السجينى ، ومصطفى أحمد ، وعبد المنعم كرار وسامى رافع ، ومحمد سليم ، وسمير السبع وغيرهم ، نتداول القضايا باحتداد وعناد ، ونناقش المعارض ومسامعى الفنانين الابداعية ، وأحوال الحركة والمؤلفات الجديدة ، قراءاتنا وتأملاتنا ومشاعرنا وخواطرنا تنساب فى جو مسالم أليف أمن ، ومر بالشريط المتسارع أمام ناظرى ، وأنا انتظر الجثمان بالمطار ، أزمة سقوط ابنته من بلكونة بئر السلم بالمنيل من الدور السابع ومعجزة سقوطها فوق حبال الغسيل فتنجو ، ماعدا جروحا ورضوضا هينة وفى الملتقيات الحميمة لفريق من الفنانين من آن لآخر ، يتجلى النشار فى فتح مغاليق الحديث وتحريك ركوده وأصل النشار هذه الصفات المشبوبة طوال حياته المهنية كمعلم قدير ، وقد شاهد طلابا صغارا فى كليتى التربية الفنية والنوعية بالدقى فى حالة انهيار تام لمجرد سماعهم الخبر المشئوم بانطفاء شعلة الحيوية والحياة فى المعلم القدير المحبوب ، وبالمثل شاهدت أجيالا متعاقبة من التلاميذ والزملاء فى حالة وجوم وهلع ، نعم انطفأت فى حياتنا وحياتهم طاقة أضاءت وعلمت وانعشت ، اصبحوا وأصبحنا غير ماكنا ، افتقدنا وافتقدوا روحا وثابة وحيوية بريئة ، منطلقة دوما ، وبلا انقطاع ، فقدنا بهجتنا وبراءتنا ، وغابت فى داخلنا طفولتنا ، وسجيتنا التى كانت منسابة على لسانه وفى لمعان عيونه ، وانطلاقة ضحكاته المجلجلة ، وفى قفزات خطواته وحماسه المفرط وعصبيته ، وهكذا سكتت ، للأبد ــ فيثارة ، فتعكرت ألحاننا ونشزت ، ولذلك فإننا لم نصبح كما كنا.
وفى نهاية حلقة من البيانات المتتابعة عن تأخر الطائرة المقبلة من باريس التى تجاوز مجمل تأخيرها سبع ساعات جاءنا النبأ ` وصلت الطائرة ` تبدد الشريط وانتابتنا حالة من الوجل وبدخول زينب وايمان انسابت الدموع . والتحمت الأيدى ونكست الرءوس .. صمت ووجوم خيما علينا جميعا ، وتجنب كل منا النظر فى عين الآخر ، وفى وسط هذا كله وفى طريق العودة وجدت الجآش منفكا ، ووجدتنى أجهش بالبكاء ولم أتمكن من كبح سيل الدموع المتدافعة . واختلطت امامى أنوار الطريق فخلعت نظارتى وكنت صامتا بجوار محمود شكرى عن طريق العودة ، وحينها تجلت أمامى صورة أحمد نوار الإنسان الشهم الذى أفصح عن أفضل عروق معدنه فى هذه المحنة ، أن استشعر مواقف فاروق حسنى ، الوزير ، ومحمود عبد العاطى ، وأحمد عبد الكريم ، وطه حسين ، ومحمود شكرى ، وأحمد سليم ، والعديد من زملاء وتلاميذ ومحبى النشار ، وقلت ` فينا شىء طيب لايزال ` .

د. مصطفى الرزاز
الأهرام: 9-1-2000
عبد الرحمن النشار وتجلياته
- قُوبل معرض الفنان ` عبد الرحمن النشار` 1988 بدرجة كثيفة من التعتيم الإعلامى، كما قُوبل فى الندوة التى أقيمت لتقويم المعرض بمذبحة استهدفت الإجهاز على تاريخه الفنى. ورغم تلك القسوة فإننى اعد هذا المعرض من المعارض الهامة خلال هذا الموسم .
- أذكر أننى عند أول لقاء بمعرضه، وخاصة بلوحاته الثلاث الكبرى ابتهجت وأخذت بالبراعة والاتقان والصبر ... وحتى عندما توغلت فى عالمه واستوقفنى بعض ما أخالفه فيه .. كانت سطوة البهجة والاحترام لا تزال قائمة فى نفسى.
- اختار ` النشار` اسم ` التجليات `، عنواناً لمعرضه ، ودعوة يوجه بها المشاهد إلى مدخل من مداخل لوحاته، فالتجليات مجالها ` إشراق ` الروح ... ولا تستطيع الكلمة المنطوقة. أو اللون المرسوم وصف تلك الحالة ... بل الإيحاء بها. وعلينا فى الجانب المقابل أن نتلقى هذا الوحى لنغوص أكثر فأكثر فى ذاوتنا ، فالفنان لا يريد لحواسنا أن تلامس` عبثية ` الواقع أو - بدرجة أعلى - أن تشتبك معه أملاً فى خلاص أرضى.
- لهذا كان اعتصامه بالمجردات ضرورة .. وإن أضاف هجينا من ` جوهر` نظام المنمنمات، والزخارف الإسلامية ، والمدرسة البصرية الغربية ، كان من نتيجته - ولمزاج شخصى يتميز به ` النشار` - امتلاء سطح اللوحة إلى حد - التُّخمة بالألوان الصداحة .. المهندسة .. غير أنها هندسة سطحية تتكئ على التداعيات .. ولم يكتف بهذا بل شاء أن يضيف لثوابت الألوان فوق مسطحاتها ظلالاً تتغير بتغير موضوع اللوحة من الضوء .. فأصطنع تموجات مجسمة فى شكل اللوحة : المكونة من جزئيات منفصلة فى الأساس .
- ولقد اختار` الشكل المربع ` أساساً جمالياًّ للوحاته ، ويستخرج أقصى ما يستطيع من اشتقاقات المربع .. والمستطيل .. ويكسر سياق اشتقاقاته تلك بكيانات صغيرة تتمتع بليونة خطية ، ومن التوافق والتخالف بين ما هو عضوى وما هو هندسى ينشأ حوار داخلى ... يسوده غطاء من درجات لون مسيطر فى أغلب الأحوال . وفى اللوحة المنشورة نلاحظ تنويعات على وحدات ثلاث:
- فاللوحة الكلية تتكون من ثلاث قطاعات طويلة، وثلاث وحدات من الأشكال الموحية بالعضوية .. تشكل فيما بينها هرماً مقلوباً. وثلاث وحدات أخرى يتسيدها اللون الأحمر يغاير به تماثل الوحدات الطويلة، والهرم المقلوب متساوى الضلعين. رغم الجهد المضنى الذى لا تخطئه العين فى هذه اللوحة وغيرها من لوحات المعرض فإننى أعترف بأن وحداته الهندسية، الحمراء ، المعترضة، ووحداته العضوية، المفروضة فرضا قد حالت بينى وبين الاستغراق فى سلام مع اللوحة! .. غير أن أهم لوحات معرضه هى تلك اللوحات الثلاثة الكبرى المسماة : ` ملحمة الكون` ، فعلى الرغم من اعتمادها على التركيب المعقد بين وحدات ملتصقة فإن الأغطية اللونية المسيطرة على اللوحات تكشف عن براعة وصبر تثيران الانتباه ، كما توحى بالسلاسة وتفصح عن التماسك أكثر من غيرها من لوحات المعرض ... ولو كنت مكان الفنان لا كتفيت بعرض تلك الثلاثية.
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : فبرير 1988
تجليات الفنان عبد الرحمن النشار
- فنان بدأ متفوقا منذ الخمسينات طوَّر نفسه تحت ضغط التجربة والمعاناه مع وفاء لاستاتذته وزملاء له، تعلم منهم وتعلموا منه، وتلاميذ تخرجوا على يديه وأصبحوا فنانين معروفين.
- وفنان تناول التراث بأبعاد جديدة، وبوعى بالحضارة الإسلامية، فكرا مضمونا بعيدا عن الشكل والمظهر مؤمنا بأن العمل الفنى يتجاوز العالم المرئى، وبأنه عالم مستقل قائم بذاته ألواناً وأشكالاً وعلاقات، ومؤكدا المزج بين التراث والمعاصرة فى رؤية جديدة وأسلوب بنائى متميز.
- فنان مصور ينحت سطوحة بدقة وفرشاة حادة سخية، وبجدية وصبر، مترجما الطبيعة إلى أشكال وألوان مبتكرة ليصل إلى عالمه الخاص ويحقق أهدافه فى المزج بين التراكيب الهندسية والعضوية.
- فنان استطاع فى معرضه الثانى عشر (نوفمبر 1987م) الذى أطلق عليه اسم (تجليات) أن يقدم الجديد فى فن التصوير الجدارى المعاصر، وعندما عرض - من بين ما عرض- لوحاته الثلاث الضخمة الزرقاء والصفراء والخضراء التى أسماها (ملحمة الكون) وقد حقق فيها طموحاته، اقترب من إحدى أهم خصائص الفن الإسلامى وهى تزيين العالم وتجميله، وإمتاع العين معا.
- الدكتور/ عبد الرحمن النشار أستاذ التصوير ورئيس قسم التعبير الفنى بكلية التربية الفنية جامعة حلوان وأمين عام نقابة الفنانين التشكيليين؛ ولد بالقاهرة عام 1932 وتخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1956 وحصل على دبلوم أكاديمية الفنون الجميلة ببوادست 1970 ودكتوراه الفلسفة `تخصص التصوير` عام 1978 ونال جائزة الدولة التشجيعية ووسام الفنون عام 1980، وأقام اثنى عشر معرضا خاصا فى القاهرة والإسكندرية وبودابست وواشنطن ومعارض مشتركة محلية ودولية بمصر والخارج منذ عام 1957. وقد رشّح ممثلا لمصر فى التصوير ببينالى فينسيا القادم دورة عام 1988.
- والمتأمل لأعمال الفنان الحديثة - وبخاصة فى معرضه- الأخير يستطيع أن يتبين امتداد جذورها الفكرية إلى السبعينات وذلك فى بحوثة النظرية وخاصة رسالة الدكتوراه التى كان موضوعها (التكرار فى مختارات من التصوير الحديث والإفادة منه تربويا). وقد جاء فيها أن الجمال فى الطبيعة يقوم على أسس رياضية سواء من الوجهة العددية أو من الوجهة الهندسية، وأن الفنان يتعامل مع جماليات التشكيل لتحقيق نظم تكوين بديلة للموضوعات التقليدية، وأن الإيقاع المتكرر يؤدى إلى إحساس حركى بالأشكال وأن لغة الخطوط والمساحات والألوان من خلال الشكل المجرد هى المثل الأعلى للمنطق الجمالى والفنى.
- ويشير الفنان النشار الى المتغيرات الفكرية والثقافية والعلمية المعاصرة وما أدت إليه من إدراك جديد لمفاهيم القيم التشكيلية وتمثيل الحركة فى التصوير الحديث، وتناول مختارات من الأعمال الفنية بتحليل نظمها الإيقاعية وخصائصها البنائية، وركز على اتجاه فن الخداع البصرى وفن `البوب` (فن الجماهير) كنزعتين اتسمت منجزاتهما بتوظيف التكرار وبخاصة عند فيكتور فازارلى وما توصل إليه من حلول تشكيلية باستخدام الوحدة المفردة الهندسية.
- ويقول أيضا فى أحد بحوثه النظرية `إن المزج بين تراكيب الشكل الهندسى والعضوى كانت القضية التى شغلتنى بهدف إيجاد حلول جديدة لهذا التزاوج أو التلاحم أو الاندماج بينهما فى تركيب الصورة الواحدة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الجمع بين هذين النمطين المتعارضين غير قابل للحل إلا أن التجريب أثبت عكس ذلك عن طريق سيطرة أحد الشكلين الهندسى أو العضوى على تركيب الصورة ويساعد على ذلك الوحدة اللونية سواء كانت قائمة على التناغم أو التباين أو التضاد غير أن أهم الافتراضات القائمة لإيجاد وحدة العمل الفنى هو جعل التركيب العضوى على هيئة مجردة، وهذا التجريد للشكل العضوى هو الذى يتواءم وطبيعة التراكيب الهندسية القائمة على التجريد`.
- لذلك أصبح البناء التجريدى للصورة ضرورة لها أهميتها، وانطلاقا من هذا المفهوم وجد أن أفضل وسيلة لتحقيق وحدة التكوين هى الشكل المجرد، فالتراكيب الهندسية بطبيعتها مجردة، ومنطق التجريد عامل هام فى توحيد التضاد بين طبيعة الشكلين الهندسى والعضوى على بناء الصورة.
- وقد خلص النشار إلى أن المزج بين تراكيب الشكل الهندسى والعضوى معا فى الصورة الواحدة هو ترجمة للطبيعة أكثر شمولا.
- ويقول الدكتو/ عز الدين اسماعيل فى مقدمة كتالوج معرض الفنان الأخير` لقد وجد الفنان عبد الرحمن النشار فى التجريد ضآلته وقد يبدو للناظر فى أعماله للوهلة الأولى أنه يتحرك فى اطار أشكال هندسية ومنضبطة. وهذا صحيح، ولكنه ليس كل شئ، ودون الدخول فى تفصيلات التقنية المركبة والمعقدة التى استخدمها الفنان فى إنجاز أعماله يمكننا أن نقول إن تكويناته لا تشى بأى تشكيل هندسى آلى على الرغم من طابعها الهندسى، بل يبدو هذا التشكيل وثيق الصلة بالرؤية الشمولية للكون، وعندئذ تصبح الأعمال الفنية المختلفة التى يضمها هذا المعرض تنويعات لحنية على تلك الرؤية`.
- وعندما نستعرض الاتجاهات التجريدية المعاصرة فى التصوير نرى أن النشار ينفرد بأسلوبه المتميز ومفرداته الهندسية مع تنغيمات لأشكال موسيقية (عضوية) مجردة فى توازن وإيقاع وحساسية وتقنية عالية، ولوحاته الثلاث الضخمة خير مثال لذلك، فهى مجزأة إلى وحدات منفردة ومجسمة ومتموجة، يحكمها تنظيم وتوازن وبناء متكامل ووحدة لونية شاملة، وهو بذلك يلتقى بالأشكال الحديثة فى التصوير التى أعطت استقلالاً للعمل الفنى (موسيقى العين).
- وكذلك يبتعد النشار عن اللوحة التقليدية ويتحرر من الجدار الخاص المغلق إلى العلم المفتوح متيحاً للمشاهدين أن يكتشفوا رؤيتهم وتفسيراتهم الخاصة.
- وهو يلتقى أيضا بالفنون الاسلامية فى مضمونها، فقد أضافت سنوات عمله فى مكة المكرمة إلى أعماله قيما روحية ورؤية جمالية ذات اتصال وثيق بمنجزات الحضارة الاسلامية، حيث تكون الأشكال الهندسية هى العنصر الرئيسى، وتبدأ من وحدة ثم تنمو وتنتشر فى قوانين وقواعد صارمة.
- ولكن النشار تجاوز التكرار للوحدات الموجودة فى الفن الاسلامى والقائمة على أسس من التنظيم والتناسب الهندسى إلى وحدات منوعة شكلا ولوناً وحجماً، مسطحة ومجسمة، بارزة وغائرة، وحول نقطة محورية تتوزع بالطريقة التى تكفل لها أن تستقر فى حالة بين التوازن تحكمه خطة بنائية وتنظيم وايقاع تشكيلى يسيطر عليه فى وحده متكاملة، ولا تطفى وحدته على تنوعه، هذا التركيب الإبداعى يعكس شعورا عميقا واضحا وعاطفة قوية متميزة.
- إن الرؤية المستقبلية لأعمال النشار سوف تستقر حين يخفف من المعاناة التى تزخر بها لوحاته ويتحرر نهائيا من لوحة الحامل ذات الإطار، وتنتشر أعماله فى الفراغ المحيط بها، مؤكداً منهجه الجدارى المتميز.
بقلم : مصطفى أحمد
مجلة : إبداع (العدد 3) مارس 1988
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث