`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد فهمى طوسون
يستخدم الخطوط والألوان المختلفة فى التعبير عن معانى الايات القرآنية لوحات ` طوسون ` .. تجليات فى حب الله
- `اللهم مليك كل شئ .. وخالق كل شئ .. وبارئ كل شئ .. ومبدع كل شئ، سبحانك خلقتنا وصورتنا وأمرتنا بالتفكير فى خلقك ، فسبحانك خلقتنى ذا حس مرهف ورزقتنى بشيء من الإيمان لأعبر لك فى لوحاتى عن حبى وإعجابى بعظمتك التى فاقت كل شئ .. فهى لك أنت .. وعنك أنت ..ومنك أنت يا الله ` .
- بهذه الكلمات السابقة يعبر الخطاط والفنان التشكيلى ` محمد فؤاد طوسون` عن المشاعر التى تنتابه وهو يرسم لوحاته التشكيلية التى تتناول الآيات القرآنية الكريمة وتدمجها مع الإبداعات التشكيلية .
* الدعوة إلى الله :
- يرى ` طوسون` أن معيار أهمية وتميز اللوحة التشكيلية ليس فى جمالها بشكل أساسى، وإنما المعيار من وجهه نظره هو المضمون أو الرسالة اللذان يحملهما ذلك العمل، وهى بالنسبة لأعماله تتركز فى الجانب الدينى .
- يقول طوسون عن لوحاته : `هى جزء من الدعوة إلى الله وإعادة تذكير الناس بالدين، من خلال عرض الآيات القدسية فى إطار سهل القراءة ومبدع فى الشكل حتى يتمكن أى شخص من الاعتبار بها مهما كانت درجة ثقافته `.ورغم أن وسط الفن التشكيلى بشكل عام لا يوجد به من يعلن أهدافاً أو معانى صريحة للوحات التشكيلية، إلا أن `طوسون` يصر على أنه `داعية ` وليس فناناً، فرغم دراسته للخط العربى والفن التشكيلى إلا أن ما يختلج قلبه من إيمان عميق جعله يصب كل اهتماماته فى التعبير عن حبه لله، ودعوة الناس إلى التعلق بالجوانب الإيمانية .
- وحول كيفية رؤيته للدعوة إلى الله من خلال الفن التشكيلى، يضرب `طوسون` مثالا بأهوال يوم القيامة، والتى عبر عنها فى لوحة `لمن الملك اليوم؟ ` والتى تمثل تلخيصا للأحوال التى يمكن أن تكون موجودة فى ذلك اليوم من خلال الآية القرآنية التى تؤكد أن كل البشر سيكون مصيرهم متعلقا بإرادة مالك الملك والملكوت .
- وكذا أيضا لوحة الجنين ، التى عبر عنها من خلال الآيات القرآنية الكريمة :` يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم . الذى خلقك فسواك فعدلك . فى أى صورة ما شاء ركبك`. والتى يبرز فيها إلى جوار الآيات القرآنية رسما لمراحل تكون الجنين ، ويحاول .من خلال ذلك الدمج .أن يبين أن الإنسان فى مراحل نشأته بدأ من لا شئ، وبإرادة الله وقدرته أصبح بشراً من لحم ودم وحلت فى جسده الروح بإرادة الله .
* جماليات الخط العربى :
- يسعى `طوسون ` من خلال لوحاته أيضا إلى التأكيد على أن الخط العربى مادة خصبة للفن التشكيلى ، ويحاول التركيز على الروح الجمالية للخط العربى، مع الحفاظ على أن تكون كل لوحة تحمل الرسالة والهدف اللذين يحاول توصيلهما للجمهور .
- `طوسون` يستخدم الأنواع المختلفة من الخطوط فى التعبير عن المعانى التى تحملها الآيات، فالثلث والسدس يرمزان للقوة، والديوانى للتواضع والانسيابية، والنسخ يجمع بين الرصانة والبساطة .
- أما الألوان فيوظفها أيضا للتعبير عن معانى الآيات، فالأسود يرمز للحزن، والأصفر للقوة الإيمانية، والأخضر للصفاء والخير، والأحمر لقوة الخالق .
- ويؤكد أن الخط العربى أشبه بفرس يصعب ترويضه، وإذا ما تمكن الفنان من الخط العربى تمكن الخط منه، ولذا فإن اللوحة الواحدة قد تستغرق منه شهرا حتى تخرج فى صورة مبهرة تجذب الجمهور وتمكن أى شخص من قراءتها مهما كانت درجة ثقافته .
شريف عبد المنعم
جريدة الوفد - نوفمبر 2010
المدرسة الحروفية نمطية.. القيمة الحقيقية للفن الإسلامى فى التزامه برسالته
- ولد الفنان التشكيلى محمد طوسون بحي بولاق الشعبى ذى الطقوس والعادات الخاصة، لعائلة فنية تحترف مجال الخط العربى، فقد كان جده من أوائل الذين ابتدعوا إعلانات الطرق فى مصر، وتبعه والده وكانا من خريجى مدرسة تحسين الخطوط، مما جعله يمارس الرسم وكتابة الخط في سن مبكرة، فألحقه والده بكتاب الحى ليحفظ القرآن الكريم، ثم انتظم فى مدرسة `رقى التعليم` الابتدائية، لينشغل فى يومه الدراسى الأول برسم مدرسته بالقلم الرصاص، بدلاً من أن يركز على طريقتها في شرح كيفية الكتابة.
- ويقول طوسون: تعلمت من والدى قواعد الخط العربى بأنواعه المختلفة منذ كان عمري 4 سنوات، كما تتلمذت فى مدرسة تحسين الخطوط على يد الخطاط الكبير محمد حسنى والد الراحلة سعاد حسنى ونجاة الصغيرة، وأهم ما تعلمت منه حبه للخط وخاصة نوع الثلث، وكان متميزا ومتفردا، وأرى أنه قام بتركيبات فى الخط تعد مستحيلة، وأولى فى التميز .
- وأضاف أنه رأى عدم إمكانية الوصول إلى قدر أستاذه محمد حسنى، حيث أنه الأول وله الجمالية المنطبعة الأولى، كما أن الخط العربى ذو قواعد لن يخرج عنها، مما يستوجب أن يُنسب الإبداع الأول له، وبدأ يفكر فى مفهوم جديد لمعالجة الحرف العربى معتبراً أن الفن لا يُعلم ولا يُكتسب، وإن شكل الحرف الصحيح ف أي عمل فنى، هو أن تقرأه بسهولة، حتى يكون رسالة لتعليم الخط العربى لشعوب البلدان التى لا تقرأ العربية.
- وقال إنه كره النمطية والتكرار فى مجال الخط العربى، حيث إن الخطاطين الأوائل هم من أرسوا قواعده، بينما الصف الثانى من بعدهم كان يحاكى بعضهم البعض، وأصبحوا يسيرون فى تماثل، فأصبح الخط نمطيا، ومهما بذل فيه الخطاط من جهد فالإبداع للخطاط الأول، مؤكدا أنه لا يوجد تطور فى فن الخط العربى، بعد أن وُضع وحبس فى قوالب جامدة ثابتة، وإنه لا يوجد خطاط من وجهة نظره يمكنه أن يغير من القاعدة، مما يجعل الخطوط بأنواعها لا تثير فى المتلقى إلا الدهشة الأولى، التى تنتهى سريعا لتكرار أشكالها.
* اللوحة الخطية :
- وأضاف أن الخط العربى فن قائم بذاته يختلف عن مفهوم اللوحة الخطية، التى تختلف أيضا عن لوحاته، حيث يصور الخط باللون، رغم دراسته للقواعد الأكاديمية للخط وخاصة باللونين الأبيض والأسود، وكان يفضل الخط الثلث لأنه يجمع بين اللين والصلابة أو الصعوبة والجمال فى آن واحد، وإنه خط موسيقى، ويليه الديوانى فهما من الخطوط التى ليس من السهل إتقانها، إلا من خلال الحب والإخلاص للخط .
- وقال إن القيمة الحقيقية للفن الإسلامى تتمثل فى كونه فنا ملتزما برسالة، ويشتمل على القيم الجمالية والتأثير النفسى المريح، أما إذا احتكمنا لمقاييس الواقع الراهن، فلا يوجد امتداد فنى معاصر للفن الإسلامى ، وعلى الفنان أن يستوعب أسس الخط والتصميم العربى القديم، لكى يستطيع أن يطور وينتج أسلوبا خاصا به، حتى لا يصبح مجرد ناسخ أو مقلد لهذا التراث العظيم، مشددا على أن فنوننا الإسلامية بحاجة إلى الحفاظ عليها، وأن ذلك يكون بالعمل على تطويرها، واكتشاف مواطن جمالها وتفردها من خلال البحث عن قيمها الجمالية، لاستحداث أشكال إبداعية جديدة تنطلق من أسس وفلسفة هذه الفنون .
- ويرى طوسون أن المدرسة الحروفية ذات بعد واحد، وأنها شوهت الحرف العربى ، بعد أن جردته من رسالته السامية وهى ` إقرأ `، ويعتبر الفن دعوة ورسالة وموقفا، حيث إن العمل الفنى لا يتضمن إبداعا، ولا يتحقق له الوجود الفني إذا كان محايداً أو لا يحمل رسالة، وإن العبارة الشائعة بأن الفن للفن هي مبدأ زائف لا يظنه يمكن أن يبني حضارة، ولكن من الممكن أن يساعد فى هدم حضارة، حيث إن أي حضارة فى مرحلتى النهوض والنضج تقوم فى الأساس على مجموعة قيم يسهم الفن فى ترسيخها وأحياناً يبادر بنشرها.
* تجربة خاصة :
- ويوضح أنه لا يتبع مدرسة فنية محددة، رغم استفادته من المدارس الحديثة، لأن كل فنان صاحب تجربة خاصة تحمل ذاتاً متفردة، وربما جاء ذلك لابتكاره مدرسة `البكتوجراف` أي الكتابة التصويرية أو الخط العربى التصويرى، والتى بدأت بالتجريب بعد تجديد مرحلى مستمر فى لوحاته الخطية الملونة، وتلك المدرسة تسمى اللوحة الناطقة، ذات الأبعاد الثلاثية والمدلول الحركى، وتمزج الخط العربى بالرسم، وتغلب على طابعها السوريالية.
- ويقول إن الحرف العربى ذو مدلول واحد يحمل من خلاله رسالة إلى الأرض، وإن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي `إقرأ`، ولذلك يعمد فى لوحاته إلى أن تكون مقروءة، بل يُسمع صوتها حين تُرى، رغم أنه يرى أن الترجمة الساذجة أو البسيطة للآيات القرآنية فى اللوحات تحولها إلى سلعة تجارية، ولابد من الحفاظ على القيمة الجمالية في اللوحة.
- ويشير إلى أن أول معرض أقامه كان عنوانه ` رؤية معاصرة للفن الإسلامى ` قدم خلاله 12 لوحة تتناول آيات قرآنية على خلفيات تجريدية، ومن ذلك المعرض بدأ ينطلق نحو التحرر من قواعد الشكل الكلاسيكية للوحة الخط العربى.
- ويحاول طوسون تأكيد التشكيل كقيمة للفظ المكتوب المقروء كلغة مرتبطة بالعالم العلوي، من خلال الآيات القرآنية، بعد أن تعيش الآية في وجدانه وتزلزل كيانه فتفرض نفسها على اللوحة، فكلام الله عالم عميق الغور، ومترامي الأبعاد، لا تستوعبه نظرة عابرة، ولذلك أراد أن يعبر بالألوان والأشكال عما يدور بداخله، كما يتعامل مع الآيات التى لها شكل الحكي القصصى، فيصفها من دون المباشرة، معتمدا في ذلك على حجم الحروف وإيقاع الكلمات، التي يستخدم طبيعتها مع الكثافة اللونية فى تكوينات تحمل الكثير من رموزه الخاصة كالأجنحة والكرة الأرضية والشراع، ويفضل أن تكون لوحاته منفصلة عن سطح الأرض، فإما هي في السماء والفضاء، أو تحت سطح البحر لتبتعد عن الجاذبية الأرضية كنوع من الخلاص والتطهر، وبذلك تكون الأرض مجرد كوكب سابح في الفضاء.
- وعن علاقته بأسماء الله الحسنى قال إنه ينفعل بأحدها، حتى يحدث نوع من الترابط والتقارب بينهما، عندما يضع ذلك الاسم المختار على سطح اللوحة، الذي هو عبارة عن قماش وإطار خشبى، وهى أشياء تسمع وتحس وترى، لأنها من مخلوقات الله، وبمجرد الانفعال مع الإسم وجميع تلك الأشياء التى تُسبح إسم الله، وإن كنا لا نسمعها أو نراها، يحدث التزاوج بين العقل والروح مع مسطح التصوير وتبدأ حالة من الحب، وبالتالى تجد التجاوب والتحريك .
مجدى عثمان
دنيا الاتحاد - الخميس 9/ 8/ 2012
الفنان محمد طوسون : الخط العربى فى الفن التشكيلى
- فى الآونة الأخيرة يزداد عدد المهتمين بالخطوط العربية بحثاً علمياً تشكيلياً وتقصيا أثريا ومساراً تاريخياً بشكل ملحوظ ، ففى كلية الفنون التطبيقية ستة أبحاث علمية تطبيقية ما بين الماجستير والدكتوراه ، ويماثل هذا العدد أو يزيد بكلية الآثار كان آخرها عن فن الطفراة الذى اندثر أو كاد وفى نهاية الموسم الفنى التشكيلى من العام الماضى طالعتنا القاعة 9 بأرض المعارض بالجزيرة بمعرض لأكثر من 250 لوحة خطية مثلت أكبر تجمع فنى للمهتمين بالخط في مصر ، ومع بداية هذا الموسم 86 - 1987 كان معرض الفنان محمد طوسون بأرض المعارض بالجزيرة يناير ، ومن بعده الفنان الكبير الأستاذ / صلاح طاهر بجمعية محبى الفنون الجميلة ، وفى شهر فبراير بأتليه القاهرة كان معرض الفنان المصور الخطاط منير الشعرانى ، ومع بداية هذا العام أيضا تم افتتاح المدرسة رقم ثلاثين بفاقوس شرقية لتحسين الخطوط العربية ، وفى منتصف مارس 1987 تعرض أكثر من 400 لوحة جديدة من الخطوط العربية المختلفة بكلية الفنون التطبيقية حيث أخذت الكلية على عاتقها تقديم هذا المعرض كل عام ، وهذا هو عامه الخامس على التوالى ، وهذه الديباجة السريعة المنقضية تعطى مؤشراً إيجابيا - وإن كان بطيئا - للاهتمام بهذا الفن الذى كاد يصبح يتيما بين أهله وذويه .
- الفنان محمد طوسون
- وفى هذا المقال أقدم للقارئ الكريم الفنان محمد طوسون أحد المهتمين المنتهجين الدارسين لهذا الفن بادئا بإلقاء الضوء على نشأته التى كانت في أسرة عاشقة للفن بأحد الأحياء الشعبية العريقة وأب ممارس لمهنة الخط ومجيد له ، وقد رسخ الوالد حب هذا الفن وأورث قيمته لأبنه وأحب الابن محمد هذا الفن وأبدع فيه منذ صغره لكن الابن لم يكتف بهذا التلقى على يد والده علمياً وفنياً وميدانياً - إذ كان يصحبه والده في العمل بل ذهب ليدرس هذا التخصص من مصادره على أيدى أئمة خطاطينا بمصر طيلة سنوات أربع حاملا مؤهله الأول الدبلوم متفوقاً على زملائه مستوعباً لقواعده وأنماطه وأحس أن هناك علاقة بين الخط والخامة وأن جميع الخطوط العربية أخذت في الذيوع من خلال خامات ومواد منفذة ، ولعل اللون كان واحدا منها ، بل وقاسما مشتركا بينهما .
- وقاده ذلك إلى أن يدرك أن هناك علاقة ما بين التصوير كفن والخط كصورة مرئية مقروءة مسموعة ذات معنى إيضاحى أو إخباري .
- دفعه حبه الشديد للبحث والاستقصاء والعلم والتحصيل إلى دراسة التصوير الزيتى عدة سنوات بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة مع التسليم بأن التصوير ليس هو التشخيص ، أو التمثيل وحدهما - وهو مفهوم جعل هذه الكلمة بهذا المعنى ترتبط عند الكثيرين ارتباطا خاطئا يصور الأشخاص ، وهذا ما أوضحه د. يوسف مراد في كتابه علم النفس والفن والحياة إذ أوضح مسار الكلمة الخطأ الشائع الذى وقعت فيه الترجمة العربية ، وانتهى إلى أن فن التصوير هو فن اللون سواء أكان تمثيلياً أو غير ذلك ، واكتسب طوسون من هذه الدراسة الحرة تقنيات الضوء واللون والشكل ومعالجته والاحساس بقيمه وحيله البصرية في إيجاد الأبعاد باستخدام الظل والنور وتأثره بالمنظور والأبعاد الثلاثة ، وبذلك ربط بين الصورة المرئية والمعنى اللفظي للكلمة المقروءة والمكتوبة ذات الدلالة على المعانى والأحاسيس ، وبأعماله التى قدمها في معرضه الأخير يمكن القول دون تحفظ إنه مصور خطاط أو خطاط يصور الألفاظ .
- وكان شيئا طبيعياً أن يتلقى طوسون في مدارس تحسين الخطوط على أيدى أساتذتنا - وتلقيت معه أيضا - أن سر جمال الحرف العربي في الاحتفاظ بمعالمه واشباعه ، ولا شك أن هذه الدراسة النمطية في هذه المدارس وما تعلمناه فيها أولا وأخيرا هو افتقاه القاعدة وعدم الحيدة عنها إلا في حسن التصرف واختيار أنسب الأنواع والأوضاع ، وكان ذلك طيلة أربع سنوات امتدت الى ستة بعد ذلك .. نقلد ونقتفى أثر هذه القواعد لهذه الصفوة من أئمتنا الخطاطين .
- ووسط هذه الدراسة الجادة المتقنة الصارمة ، وبعد افتقائه لها ، حاول الفنان طوسون أن يضيف الى الاحتفاظ بمعالم هذه الحروف رؤيته الذاتية كخطاط من خلال معالجة تصويرية تفرد بها بين زملائه ، ساعده على ذلك بيئته الفنية واستعداده .. ومعطيات الخط العربى المعروفة ، من المرونة والطلاقة والطواعية وسيولة التشكيل .
- إن هذه الدراسة ذات القواعد والأنماط التى أشرت إليها قد استمرت عدة قرون حتى استقرت على هذا السمت والشكل بتصاريفه المختلفة مبدوءاً أو وسطاً ، ومنتهياً مستقراً على السطر أو فوقه أو تحته ، متأثراً بما قبله وبعده ، محققا بذلك لغة حسن الجوار ، جيلا بعد جيل اضافة وحذفا وتطويعا واستخداما وتطويرا إلى أن انتهى بها المطاف إلى هذه الخلاصة من القوانين الموضوعة والقواعد الراسخة كأسس لتشكيل الحرف ، ومع هذه الرحلة ذات المرحلة الطويلة والتى امتدت أماداً واحقاباً .. لا يريد الفنان طوسون ببساطة بعد هذا الجهد الجهيد أن ينحيها جانبا أو ينبذها كما فعل بعض الفنانين عمداً أو عفواً في الخارج قبل الداخل ، تحت ما يسمى بشعار التطوير أو التحريف أو الجديد ، ولكن طوسون أخذ لنفسه طريقاً واضحا خاصة في التعبير مقتنعاً أيضاً بأن من لا ماضى له لا حاضر له ، وقد يتصور البعض أنه قد وقف حارسا أمينا على كنوز هذا التراث الحضارى لا يسمح بخروج شئ منه أو ادخال شئ عليه ، أو أنه قد أعاد اجترار هذه القواعد والأساليب بصيغة أو بأخرى ، أو استنتج منها كما فعل البعض ، لكن الحق أنه يغوص في أعماق هذا التراث الهائل من الفن ثم يخرج وفى جعبته ما استطاع ان يخرجه مرة بعد مرة ، ويعاود هذه الرحلة جيئة وذهابا من الأعماق إلى الشاطئ فيطالعنا فة كل معرض بما حظى به من هذا التراث الحضارى الكبير ، ومن الخطورة على أى فنان أن يغوص في بحر هذا التراث ويستقر في قاعه وتعجبه جواهره ولآلئه فيستوعبه التراث ويظل غارقا فيه ولا يخرج بجديد .
- وعلى هذا لا يهتم طوسون كغيره من الفنانين بتجريد الحرف ، لأن الحرف العربي هو في ذاته يرمز إلى مجردات فلا يريد أن يزيد جرعة التجريد على المتلقى فيحدث فاصلا كبيراً فى عملية الاتصال بين لوحاته والمتلقى بل يريد أن يصل إلى قلبه وفكره أيا كان مستواه ، وهو لا يريد أن يجرد في الحرف حتى يصل به الى شكل جمالى مطلق يستخرج تركيبات متميزة وجديدة يقدمها للجمهور ، وهو لا يقلد الحروف بين الذين ظهروا في منتصف الخمسينات والذين يحاولون أن يقلع مشاهدهم عن قراءة الألفاظ لكى يصلوا إلى القيم الجمالية الحقيقية لأعمالهم ، بل يرى أنه لا مانع من ان لا تشتمل اللوحة على العنصرين معا فتكون بمثابة قيم جمالية مقروءة مصورة لحروف الكلمات عربية ، وهو يفضل الربط بين هذين العنصرين ويحاول جاهدا تأكيد التركيز على التشكيل كقيمة للفظ المكتوب المقروء كلغة مرتبطة بالعالم العلوى .
- ويبدو فى لوحات طوسون أثر الدراسة واضحا ، في تشكيلاته ، حيث درس الخطوط ، الستة المشهورة كمنهج أكاديمى وهى الرقعة والنسخ والفارسي والديوانى والثلث ` الذى تولد من النسخ` والكوفى الذى يعد أشهر الخطوط العربية وإن لم يكن أقدمها كما يظن البعض ، إذ سبقه الخط الأنباري أو النبطي ، نسبة إلى الأنباريين أو النبطيين ، والسبب في ذيوع الخط الكوفى وما فيه من كثرة التشكيل بأنواعه وأساليبه التى يزيد عددها على الخمسين نوعا ، منها المورق والمضفر والمزهر والفاطمي والهندسى وخط المصاحف وما إلى ذلك .
- أتقن طوسون هذه الخطوط ` جليا ` أو ` عاديا ` وتقاس قوة الخطاط كعرف سائد بين الخطاطين بمدى إجادته لخط الثلث لثرائه ومعطياته وتنوع حروفه وكثرتها وسهولة قراءته سواء أكان عاديا أو جلياً .
- الخط الجلى
- ويقصد به الخط العادى الذى يكتب بقلم صغير وعلى مساحات تقترب من هذه الصفحة التى يطالعها قارئنا الكريم ، وأما الجلى فهو نفس الخط ولكنه بقلم أكبر ومساحات أوسع وأطول يقترب طولها من المتر نقصا أو زيادة ، ولا يكتب الدارس بهذا النوع إلا في العام الثالث حيث يكون الطالب قد مر برحلة طويلة في الكتابة ومران مستمر قويت فيه أنامله واستقرت عينه على إدراك خفايا الحرف وتشكيله بملاحظة أستاذه ، ويبرز هذا النوع من الخط مقدار تمكن الخطاط ورسوخ أعصابه وجمال تكوينه وقلة التجاوزات والانحرافات عن القاعدة في نسب الحرف حيث تتوارى الأخطاء وبعض التجاوزات في الحجم الصغير العادى ، وذلك ما تلاحظه العين إذ تتوارى الأخطاء في ثنايا التشكيل فلا تستطيع العين العادية الإحساس بها أو ملاحظتها ، إلا إذا كانت عيناً متخصصة ؛ أما الجلى الذى تتضاعف فيه نسب الحرف فإن الخطأ يبدو واضحا لأول وهلة ولا تخطئه العين حتى لو حاول الفنان وضع تشكيلات حوله ، وقد تناول الفنان طوسون هذا النوع بالذات بجرأة كلما وكل إليه أى عمل ميدانى كبير ، فلا يهابه بل يسيطر عليه ، ويتضح ذلك في الأعمال الميدانية التى نفذها والتى مازال ينفذها على مساحات كبيرة في قسم الاعلان في جريدة الأخبار تباعا ، وهو لا يهاب كبر المساحة ولا تفرض نفسها عليه بل على العكس يملى عليها ما تجود به إلهاماته صغرت أو كبرت المساحة .
- ومن المعروف أن للحروف العربية مجالها وجلالها وقدسيتها لارتباطها بالقرآن الكريم وبعالم المجردات حيث قال الله للخلق كن فكان ، فكانت الكاف والنون سارية بكينونية الله في كل المخلوقات ، ولقد ركز طوسون على سريان كينونية الله وهى الكاف والنون في كل المخلوقات خاصة في الانسان فجمع بين الحروف وجسم الإنسان في عدة لوحات - أخذ برأى الفيلسوف العربي محيي الدين العربى بأن الحرف ليس حرفا ولكنه عالم قائم بذاته - فحرف العين يشبه عين الإنسان كما في اللوحة المعنونة بغفرانك وحرف اللام التفاف الساقين ، والدال الدالة على اليدين ، والسين هى الأسنان لذلك نراه من خلال أعماله يشكل بداخل حرف العين عين انسان لاتصاله بالفعل به والآلفات الممتدة وكأنها أياد تضرع بأكفها إلى السماء . وهكذا تؤكد لوحاته أن ثمة علاقة وطيدة بين جسم الإنسان والحرف المجرد ، وهو يريد أن يقول إنه بذلك يربط الحرف كجزء بالكل المتفرع فى أجزاء ، في شكل عضوى واحد ، ونراه أيضا يربط بين معنى العبارة اللفظى والشكل العضوى كما فى لوحة تطور خلق الانسان بأطواره داخل الرحم مع العبارات والآيات الدالة عليه .
- وقد أبرز طوسون ثراء هذه الخطوط محققا التكوين الزخرفى في سيقان الحروف ورؤيتها وكؤوسها وإعجام المتشابه منها مقورة أو بآية ، مؤكدا شخصيتها المطلقة الكامنة وكأنه يريد أن يقدم دعوة مفتوحة للفنانين للاهتمام بهذا الإرث الحضارى حيث كان قديما واسطة التعبير الجمالى فى الفنون .
بقلم : د./ مصطفى عبد الرحيم محمد
مجلة : إبداع (العدد 6) يونيو 1987
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث