`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
أحمد إبراهيم حجازى
آراء النقاد
- قال عنه رخا ` رائد رسامى الكاريكاتير`: حجازى هو سيد درويش الكاريكاتير.
- قال عنه زهدى `شيخ رسامى الكاريكاتير` :
- حجازى هو الماستر الذى يضع عليه رسامو الكاريكاتير أعمالهم وابداعاتهم
-الرسام الفرنسى بلانتو عندما رأى رسومه مع اشعار فؤاد حداد لم يصدق انها من ابداع يد فنان وقال:
- لا يمكن أن تكون خطوط فنان ولكنها خطوط كمبيوتر لا شبيه له فى العالم .



رحل حجازى.. فيلسوف الكاريكاتير المصرى وفنان الشعب عن عمر يناهز 75 عاما
- رحل رسام الكاريكاتير حجازي صباح الجمعة الماضية.. وهو يعد بحق فنان الشعب تماما مثل بيرم التونسي شاعر الشعب ورائد العامية المصرية ..رحل بعد ان أبهج وأضحك وأمتع وأبكي وأوجع وأحدث انقلابا في الكاريكاتير المصري الحديث مع صلاح جاهين.. وشكل اسطورته من تلك البساطة المتناهية التي تعيد سيرة السهل الممتنع بخطوطه التي كانت تنساب بريشة فصيحة.. ريشة فيلسوف تضيء علي حياتنا السياسية والاجتماعية . في رسوم حجازي كما يقول الدكتور علي الراعي يتأكد أن الرسم الناجح له ` زبان `حاد للدغ لاغني عنه.. وإذا فقد هذا الزبان لم يعد للكاريكاتير قيمة.. انه وحده الذي يحفظ لفنان الكاريكاتير مكانه القوي بين باقي الفنون التشكيلية `. منذ مايقرب من 6 سنوات وفي هدوء شديد.. غادر حجازي شقته بحي المنيل وعاد الي بلدته طنطا بعد ان اعتزل الكاريكاتيرلاكثر من 25 عاما حتي رحيله وظل يعيش هناك بعيدا عن الصخب الصحفي و السياسي.. واستقال من الفن الصحفي المشاكس.. ولكن ماابدعه لايعتزل ولا يستقيل.. انه الآن ملء عيون القراء ورسومه التي يعاد نشرها ونطالعها في مجلات وصحف كثيرة.. مازالت تعلن ان حبرها لم يجف . واذا كان حجازي قد اعتزل الكاريكاتير إلا أنه ظل مخلصا لرسوم الاطفال وكانت تربطني به صداقة كبيرة واذهب اليه في الغربية في السنوات الاخيرة ..كان يضيف الكثير بلمسته في فن كتاب الطفل مع مايكتبه صديقه الحميم الفنان مجدي نجيب وكاتب الاطفال عبدالتواب يوسف والكاتبة لينا الكيلاني . ومع تلك اللقاءات كثر حديثه من الطفولة والنشأة الي الصحافة والفن والسياسة . القطار وبداية الرحلة يقول حجازي: `رأيت مصر كلها.. بحري والصعيد.. الريف والحضر.. الكفور والنجوع من نافذ ة القطار.. والدي كان يعمل سائقا لقطارات السكة الحديد وطوال فترة الصيف اسافر معه.. ومن هنا رأيت كل مفردات الحياة الاجتماعية `. وقد ساعدته تلك الاجواء علي الامتلاء بمصر منذ الصغر. في بداية دخول حجازي المدرسة التحق بمدرسة القباري بالاسكندرية حيث اقامت الاسرة هناك لفترة.. كان يرسم باستمرار كأي طفل وعندما عادت الاسرة الي طنطا التحق بمدرسة الاحمدية الثانوية.. لم يكن يخطر بباله ان يكون رساما بل كان يعد نفسه لأن يكون شاعرا وكاتبا خاصة ومتعته الوحيدة كانت في القراءة.. وفي شارع البحر بطنطا كان يطل كشك عم ابراهيم لبيع واستعارة وتبادل الكتب.. وامام الكشك عدد من الدكك الخشبية ومن كان يأخذ الكتاب ليقرأه بالمنزل بقرش صاغ ومن يقرأه علي الدكة أمامه بتعريفة . ومازال فنان الشعب حجازي يتذكر طفولته عبر اكثر من لقاء لنا معه من قبل بين شقته بالمنيل ومنزله بطنطا حيث كان يسكن بشارع حسان بن ثابت بعد أن عادت اللؤلؤة اللي محارتها لمجرد ان قالت له احدي اخواته.. كفاية غربة ياحجازي !!. يقول : `كنت اختار نوعية الكتب الكبيرة والضخمة في عدد صفحاتها حتي اشعر أنني أحقق اقصي استفادة مقابل القرش الذي ادفعه. أيضا كنت اتردد علي مكتبة البلدية.. هناك قرأت ديوان بيرم التونسي ووجدت في أشعاره مايشبه الكاريكاتير من تلك المبالغات الموحية والساخرة كما في قصيدة العامل المصري : ليه امشي حافي وانا بنيت مراكبكم ليه امشي عريان وانا منجد مراتبكم ليه بيتي خربان وانا نجار دوالبكم هي كده اسمتي الله يحاسبكم `. هو والرسم ` في ذلك الوقت ظننت ان كل الناس يرسمون.. وان الرسم نوع من التنفيس لا أكثر مثلما يرسم الاطفال الصغار علي الحوائط.. ومن هناعندما كان مدرس الرسم ينادي الناظر ويصحبه مع مدرسي المدرسة لمشاهدة رسومي.. لم اعتبر حتي هذه اللحظة ان هذا شيء ذو قيمة.. وكانت رسومي في المدرسة في ذلك الوقت من النوع الواقعي.. رسوم تعبيرية ذات نبرة وطنية عالية مثل وجوه احمد عرابي ومصطفي كامل وسعد زغلول . وكنت ارسم بلا توقف دون أن أعي اهمية ذلك.. ولم أكن أعرف أنه نوع من الفن الا عندما طالعت ` روزاليوسف ` ورأيت رسوم عبدالسميع التي تتصدر غلافها بالاحمر والاسود وتمتليء بها الصفحات.. تناصر الملك فاروق أو آخر حكمه.. وتتصدي للاستعمارالبريطاني والرجعية.. ولقد احدثت تلك الرسوم بداخلي نوعا من الفوران مع هذا التوافق والاتزان الذي جعلني لاول مرة اشعر بقيمة ماانجزه من رسوم في هذه السن . طنطا.. القاهرة وحجازي المولود بأحد أحياء طنطا الفقيرة عام 1936.. حي اسمه `كفر الجاز`.. ظل يتعلم في المدارس لثانوية حتي جاء اليوم الذي عجز فيه والده عن دفع المصروفات المدرسية الضئيلة التي لابد أن يدفعها.. وهنا قرر ترك طنطا وعقد العزم علي فتح القاهرة و غزو عاصمة البلاد.. حدث هذا صباح يوم الامتحان.. واقتنع معه بالفكرة صديقه اسحاق قلادة الذي يكتب الرواية.. وترك خطابا موجها إلي والده تضمن سطورا قليلة قال فيها ` انني لا أستطيع أن استمر عبئا علي هذه الاسرة وأريد أن اتحمل المسئولية.. مسئولية نفسي` . وفي الغرفة الفقيرة التي عاش فيها بحي بولاق.. اخذ فناننا يتدبر أمره وهو جالس علي بعض الجرائد القديمة والتي تعد كل ما كان يملك من أثاث منزله.. تأمل الصحف التي ينام عليها وما بها من صور لبعض الشخصيات وامسك بورقة وقلم وبدأ يرسم كل الصور التي بالجريدة. يقول حجازي : انه لم يدخل مدرسة للفنون الجميلة ولم يدرس الفن او الرسم في أي مكان وأن موهبته نمت وترعرعت بفضل اثنين: الفقر وروزاليوسف! في صباح اليوم التالي حمل ماخطه من رسوم بالحجرة الصغيرة ببولاق وذهب الي مجلة `التحرير ` التي يصدرها مجلس قيادة الثورة وهناك التقي المشرف الفني حسن فؤاد الذي رأها وتأملها باهتمام وبدأت أولي خطواته علي صفحات المجلة وعندما انتقل الفنان حسن فؤاد إلي روزاليوسف انتقل معه وبدأ الاعداد لمولود صحفي جديد : مجلة صباح الخير التي صدرت عام 1956 واختاره حسن فؤاد مع احمد بهاء الدين رئيس التحرير للعمل بها مع اهل بيت الكاريكاتير المصري الحديث: جاهين ورجائي وجورج وبهجت . يقول حجازي: أنا أحب الكاريكاتير.. ولا أعرف بالضبط ماذا كنت أحب أن أعمل لو لم اشتغل رساما.. ولقد تعلمت الرسم من كل من سبقوني وكل من جاءوا بعدي.. و تعلمت بطبيعة الحال من صلاح جاهين أكثر ماتعلمت.. فهو الذي أنشأ التحول الأساسي في خط الكاريكاتير المصري مغيرا اسلوب الخطوط بحيث تكون اكثر تعبيرا وعمقا ومباشرة . حجازي وبيرم التونسي في تصورنا أن هناك علاقة كبيرة بين بيرم التونسي وحجازي.. حتي ان اشعار بيرم نجدها في خطوط حجازي.. وكأنها تتطابق بين نغم الكلمة ونغم التشكيل بالخطوط.. وكلاهما كان يستقي عالمه من معين واحد.. معين الإبداع الشعبي . وحجازي كان يجسد بنت البلد من فلاحة الي ربة بيت الي موظفة وطالبة بالجامعة.. وفي هذه الصور.. تغني بالعيون المتسعة الكحيلة.. كل هذا مع الاختزال الشديد بأبسط الخطوط واعمقها.. ونحن نجد في تلك الشخصية تصويرا لها عند بيرم في قصيدته التي تغني فيها ببنت البلد :` احب بنت البلد والحب بهدلني.. ومن بروج الأدب والفن نزلني ` . وسر عظمة حجازي مع وعيه الشديد وثقافته الرفيعة وانسانيته، هو الصدق الذي كان يحدوه دائما وهو الذي جعل منه تلك القامة والقيمة الكبيرة. حين ترك شقته بالمنيل.. حدث أن صاحب الشقة بعد ان علم انه سيتركها احضر اليه 140 الف جنيه مقابل تركه لها ولكنه رفض ذلك قائلا ان كل مادفعه حتي يقيم فيها مجرد ايجار شهر وشهر آخر تأمين.. وبالتالي ليس من حقه هذا المبلغ.. هكذا كان دائما.. حياته يعيشها ببساطة.. وتاجها مبادئه وقيمه الرفيعة . وقد صور الشخصية المصرية بكل ملامحها.. وتعرض الي أدق تفاصيل مشاكل الحياة اليومية وتناول المرأة والزواج والحب والامية والمخدرات والريف والمدينة والمواصلات والطلاق ودنيا الموظفين وسي السيد في البيت وعالم الفن. وقد صدر كتاب حول عالم حجازي للفنان محمد بغدادي ` كاريكاتير حجازي ..فنان الحارة المصرية `. . كما صدر للاطفال عن المركز القومي للطفل كتاب ` 9 فنانين كبار في دنيا الاطفال ` لكاتب هذه السطور ومن بينهم حجازي . رسام الأطفال وعندما رأس أحمد بهاء الدين ` دار الهلال `.. يضيف فناننا الراحل : طلبني للعمل هناك بصحافة الطفل وقدمت مسلسل `تنابلة الصبيان ` لمجلة سمير.. وكان هذا اول مسلسل بفكر مصري ليس له علاقة بالنقل من الخواجات.. كنت ارسمه بمنطق `الهزار `.. كنوع من الملاطفة والدعابة مع الطفل المصري.. تعاملت معه ومن خلاله كصديق ومواطن صغير له وجهة نظر . فالخطأ أن نربي اطفالنا علي طريقة ` اسمع كلام الآخرين ولاتسمع كلام نفسك`.. نقول له : ` اسمع الكلام ولانقول افهم الكلام `.. مع أن المفروض أن يفهم حتي لايكون خاضعا.. وحتي يصبح إنسانا مشاركا وفعالا. وقد رسم حجازي عشرات من كتب الاطفال الجميلة لدار المعارف ودار الهلال ومؤسسة روزاليوسف ودار الفتي العربي والدار المصرية اللبنانية.. كل هذا بريشة شديدة الخصوصية جعلت منه `ديك برونا `مصر فقيمته تتوازي مع الفنان الهولندي الشهير.. واقبال الاطفال علي كتبه ليس له منافس . وشارك حجازي في تأسيس مجلة «ماجد» للاطفال عام 1978 والتي تصدر عن مؤسسة الاتحاد بدولة الإمارات العربية وقام بتصميم شخصياتها الرئيسية.. بالإضافة إلي رسومه بمجلة `علاء الدين ` ومجلة ` تاتا.. تاتا ` أول مجلة اطفال مصريه لاطفال ماقبل المدرسة والتي كانت تصدر برئاسة تحرير الكاتبة فاطمة المعدول والتي اصدرت له العديد من الكتب حين كانت رئيسة للمركز القومي للطفل . تحية إلي روح فنان الشعب حجازي وإلي ريشته النبيلة الصادقة.. ريشة صداحة غنت لمصر.
صلاح بيصار
القاهرة - الثلاثاء 25 - 10 - 2011
` الموت يكسر ريشة حجازى.. `سيد درويش الكاريكاتير المصرى
- توفى اليوم -الجمعة -فنان الكاريكاتير الكبير أحمد حجازى، عن عمر يناهز 74 عاماً، إثر مرضه، يعتبر حجازى من أكبر فنانى الكاريكاتير المصريين، حيث قدم العديد من الرسومات التى تنتقد الواقع الاجتماعى، وكان يسمى بـ`سيد درويش الكاريكاتير المصري`.
-عمل بمجلة صباح الخير وميكى وغيرها من المجلات والجرائد المصرية، وولد عام 1936 بمدينة طنطا.استطاع حجازى أن يحقق مكانة متميزة على خريطة الحركة الفنية فى مصر والوطن العربى من خلال انحيازه إلى أهل مصر البسطاء الذين خرج من بين صفوفهم، معبراً عن آمالهم شاعراً بآلامهم مشاركاً لهم معاناتهم اليومية`.
-فجاءت موضوعات لوحاته ورسومه الكاريكاتورية تحمل الهم الإنسانى بإسلوبه المميز وموهبته المتفجرة، ورغم كل ذلك لم يكن الكاريكاتير- منذ البداية- هدفاً فى حياة حجازي، فقد كان هدفه دائماً البحث عن وسيلة للتعبير عن رأيه وموقفه من الحياة والناس، لذلك سارت حياته متباينة مع الكاريكاتير.
عبد الرحمن مقلد
المشهد : 21 /10/ 2011
حجازى .. سيد درويش الكاريكاتير
* `أغزر رسامى الكاريكاتير إنتاجاً وأكثرهم عبقرية ` كان صلاح جاهين يؤجل رسوماته الخاصة لينشر رسوم حجازى فى صباح الخير` انحاز دائماً إلى المواطنين البسطاء الذين خرج من بينهم بعيداً عن آمالهم شاعراً بآلامهم مشاركاً لهم فى معاناتهم اليومية.
- لم أفكر مطلقاً.. بل لم تراودنى فكرة ان ارسم صورتي مثلما يفعل بهجورى وبهجت وصلاح جاهين، حقيقة لم يحدث لى مثل هذه الشرف مطلقاً.
- هكذا فاجأتني إجابة رسام الكاريكاتير الرائد واللامع عندما جلست إليه لكى أحاوره فى شتاء عام 1989 بعد أن طلبت منه ان يرسم صورة لنفسه لكى ترافق حوارى الصحفى معه علي صفحات جريدة الشرق الأوسط، ضمن سلسلة من الحوارات أجريتها مع رواد الكاريكاتير بهجت وحجازي ورؤوف عياد ومحيى اللباد وزهدي نشرت وقتها ومع كل حوار صورة للفنان كما يري نفسه إلا حجازي الذي اكتفينا وقتها بوضع صورة فوتوغرافية مصاحبة للحوار مع واحد من أهم رسامي الكاريكاتير الذين عرفهم هذا الفن فى مصر إن لم يكن فى العالم وأرجو ألا تعتبر كلمة العالم مبالغة منى لواحد من أهم رواد فن الكاريكاتير في العالم العربى فعندما شاهد بعض كبار رسامى الكاريكاتير الفرنسيين رسومه قالوا إنها لا يمكن أن تكون خطوط فنان ولكنها خطوط الكمبيوتر وأخذتهم الدهشة عندما جلسوا إليه فشاهدوا خطوطه وهو يرسم بيده وريشته ويومها أكدوا أن صاحب هذه الخطوط لا شبيه له فى العالم.
* فضيلة الاعتزال :
- وربما نفس الأسباب التى منعته أن يرسم نفسه طوال عمره هى أيضاً التى دفعته إلي اعتزال القاهرة والعودة إلي مسقط رأسه.
- وقبل أن يغادر القاهرة بصخبها وضجيجها عائداً إلى قريته ذهب إلي صاحب الشقة التى ظل يسكن بها طوال سنواته فى القاهرة منذ حط رحاله بها قادماً من قريته ليقيم سنوات عمره بميدان الباشا بالمنيل على بعد خطوات من نيل القاهرة الساحر..
- ذهب حجازي إلى مالك العقار الذي شهد سنوات شبابه وكهولته سنوات. ونقترب من نصف القرن قائلاً له: سوف أعود إلى طنطا وجئت لأسلمك مفتاح الشقة فلم تعد تلزمنى .
- فما كان من صاحب الشقة، إلا أن قال له: انتظر يومين حتى أجهز لك ثمن الشقة فهي تساوي 200 ألف جنيه حالياً. ألجمت المفاجأة حجازي فقد كانت الشقة بالإيجار وليست تمليكاً، ولم يتمالك حجازي نفسه من الرد قائلا: ياراجل، وعندما أخذتها منك.. هل أعطيتك شيئاً ؟ هى شقتك تعود إليك.
- وتركها حجازي وترك القاهرة دون أن يأخذ منه شيئاً.. ودون أن يحمل معه سوي فرشاته وألوانه، أما لوحاته فلم يحمل منها شيئاً لأنه لم يكن يملك منها شيئاً.. هذا هو حجازي الإنسان.
- ليعود إلي بيت الأسرة بقرية كفر العجيزي، إحدي قري مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ذلك البيت الذي شهد طفولته وصباه ومرتع وشبابه.
- حيث كان يقف بالساعات أمام المنزل ينتظر القطار الذي يمر من أمام البيت ليقطع الطريق بين القاهرة والإسكندرية هناك على ضفاف شريط السكة الحديد جلس الطفل الصغير يحلم بأن ينقله هذا القطار إلى أحلامه في العاصمة.. وهو نفس القطار الذي عاد به بعد سنوات إلي قريته الحبيبة يمضي بها أيامه يجتر ذكرياته وسط أشقائه العشرة وأبنائهم.
* مكانة متميزة :
- وخلال مسيرته الفنية استطاع حجازى أن يحقق مكانة متميزة على خريطة الحركة الفنية في مصر والوطن العربي من خلال انحيازه إلي أهل مصر البسطاء الذين خرج من بين صفوفهم، معبراً عن آمالهم شاعراً بآلامهم مشاركاً لهم معاناتهم اليومية.
-فجاءت موضوعات لوحاته ورسومه الكاريكاتيرية تحمل الهم الإنساني بأسلوبه المميز وموهبته المتفجرة.
- ورغم كل ذلك لم يكن الكاريكاتير- منذ البداية- هدفاً في حياة حجازي، فقد كان هدفه دائماً البحث عن وسيلة للتعبيرعن رأيه وموقفه من الحياة والناس، لذلك سارت حياته متباينة مع الكاريكاتير.
- ففي عهد الرئيس عبدالناصر كان الخط العام متماشياً مع أفكاره، وان اختلف - أحيانا - مع بعض التفاصيل، والأخطاء التي شابت هذه السياسات، لذلك هاجم هذه السلبيات في رسومه.
- وخلال فترة حكم الرئيس السادات، اختلف الخط العام في المرحلة كلها مع أفكاره، لذلك اتجه إلي الكاريكاتير الاجتماعي، وبدأ يرسم لوحاته عن الانفتاح الاقتصادي في بداياته، قبل أن يشعر بالملل، وبأنه لا يستطيع ان يساير هذا الخط فابتعد عشر سنوات كاملة.. تفرغ خلالها للرسم للأطفال.
* ابن الأرض :
- حجازي نبت هذا الوطن.. ولد في أحضانه، ونشأ وترعرع بين جدرانه، لذلك رفض دائماً ان يسافر خارج هذه الأرض الطيبة، رغم توقفه عن رسم الكاريكاتير عشر سنوات كاملة بسبب موقفه السياسي ورفضه لسياسات الرئيس السادات.
مرة واحدة جرب ان يخرج فسافر إلي ليبيا ولم يمكث هناك كثيرا مثل السمك الذي يرفض ان يخرج من الماء - وسرعان ما عاد إلي القاهرة قائلا: كنت أشعر أننى فى سجن كبير. لذلك ضحي بالمال من أجل أن يسترد حريته، ولكنه لم يستمر في القاهرة سوي سنوات قليلة حمل بعدها حقيبة ملابسه وفرشاته وألوانه ليعود إلي طنطا مرتع الصبا.
- الغريب ان حجازي لم يحمل معه من إنتاجه الغزير أية لوحة فنية رسمها هو أو أهداه إياها صديق من عباقرة هذا العصر من الرسامين، فلم يكن يحتفظ بأعماله، ولا بأصولها، بل انه كان يرفض أن يشاهد لوحاته بعد نشرها، ولم يكن يضع لوحة في منزله يزين بها الجدران العارية الفقيرة في مظهرها، الثرية بالقناعة والاستغناء.
* الفنان الماستر :
- كان رخا رائد رسامي الكاريكاتير يقول عنه: « حجازي هو سيد درويش الكاريكاتير»، أما شيخ رسامي الكاريكاتير زهدي فقد قال: «حجازي هو الماستر الذي يضع عليه رسامو الكاريكاتير أعمالهم وإبداعاتهم».
- بينما بهجت عندما كان يشاهد رسماً جميلاً لـ«حجازي»- وكثيراً ماكان يحدث- كان يقول عبارته الأثيرة «الله ياحجازي» وبعد أن تذهب النشوة يقول لنفسه وللحاضرين بانبهار شديد وحب أشد ابن ال… «جاب الفكرة الحلوة دي منين».
أما العبقري صلاح جاهين عندما كان يرأس تحرير مجلة صباح الخير فقد يؤجل صفحاته ورسوماته الخاصة لكي ينشر بدلاً منها رسوم وأفكار وطلقات حجازي.. كان حجازي أغزر أبناء جيله إنتاجاً وأكثرهم عبقرية..هؤلاء هم أبناء جيله من الرسامين العباقرة.
- أما الرسام الفرنسي «بلانتو» أحد أهم رسامي الكاريكاتير في العالم فلم يصدق رسوم حجازي عندما شاهدها مع أشعار فؤاد قاعود، لم يصدق أنها من إبداعات يد فنان، وأكد أن هذه المنمنمات لابد أن تكون تصميم الكمبيوتر.
* العدالة الاجتماعية :
- من البداية شعر حجازي ان الكاريكاتير هو أنسب وسيلة يعبر بها عن بيئته.. كان ذلك أواخر حكم الملك فاروق حيث كانت مجلة «روزاليوسف» تقدم انتقادات جريئة للحكم من خلال ريشة عبدالسميع والد الكاتب الصحفي الكبير د.عمرو عبدالسميع.. حيث أحب حجازي الكاريكاتير من خلال ريشة هذا الفنان المبدع ومجلة «روزاليوسف».
- يومها شعر حجازي انه بالكاريكاتير يستطيع ان يؤدي رسالته في الدعوة إلي تحقيق العدالة الاجتماعية وإيجاد صيغة مناسبة للانسجام في المجتمع، لذلك التحق في البداية بمجلة «روزاليوسف» ثم انتقل إلي مجلة التحرير التي أصدرتها ثورة يوليو 1952 ثم مجلة صباح الخير.
- وفي أعماله المميزة تحدث حجازي عن مفردات عايشها سنوات طويلة فرسم السيدة المضطهدة والسيدة المطلقة التي لا تجد مأوي، والأسر التي تعيش في حجرة واحدة.
- كانت رسوماته محاولة مستميتة لتغيير الواقع المؤلم الذي يحياه الناس في بلاده، فقد كان ولا يزال يؤمن بأن فنه ورسومه وموهبته يجب أن تعبر دائماً عن هؤلاء البشر الذين ظلمتهم الحياة.
* مدرسة خاصة :
-في مدرسة «روزاليوسف» الصحفية لم يجد حجازي صعوبة في عرض أفكاره خاصة في فترة حوت أسماء لامعة ساعدت الكاريكاتير في التعبير عن نفسه من أمثال إحسان عبدالقدوس، أحمد بهاء الدين، حسن فؤاد.
- كان هؤلاء الكتَّاب الكبار يفهمون جيداً دور الكاريكاتير وما يمكن أن يقوم به في المجتمع، كما كانوا يشجعون الأفكار حتي تلك التي تختلف مع أفكارهم وهذه الروح هي التي أحدثت التوهج خلال مرحلتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي.. وهذا هو أيضاً الذي قتل المواهب في السبعينات عندما سادت النغمة الواحدة، والصوت الواحد، ولم يعد مسموحاً بتعدد الآراء والأفكار، إلا كديكور فقط لتزيين الصورة أمام الغرب.
- عاش حجازي دائماصاحب فكر ورأي ورؤية، لذلك لم يرسم في حياته أفكار الآخرين، لأنه لكي يبدع ويرسم لابد أن يكون مقتنعاً بالفكرة، وان تلمس وترا داخله لكي يرسمها ويعبر عنها.
- كان هذا سبب رفضه العمل في «أخبار اليوم»عندما عرض عليه الرسام الكبير «رخا» أن يعمل بها، لأنه شعر أنه سيكون غريباً في هذا المجتمع، خاصة أن «أخبار اليوم» من المدارس التي تعتمد علي قيام الرسام بتنفيذ أفكار الآخرين.
- يري حجازي ان دور الكاريكاتير لن ينتهي أبداً حتي لو تحققت الأهداف الاجتماعية، وانتهت السلبيات من حياتنا، فهو يؤمن بأن الكاريكاتير يري ما لايراه الفن العادي، بالإضافة إلي أنه يلخص الأشياء أكثر من غيره، كما إنه أكثر مباشرة من الفنون الأخري، فهو لا يلجأ إلي الرمز الذي يجوز في الأدب، في عهود الظلم والاضطهاد.. حيث يري- حجازي - ان الرمز لا يساعد علي نجاح الكاريكاتير وازدهاره.
- كما يري ان الكاريكاتير لا يعيش إلا في جو الحرية فهو لا يصلح للرمز، لأنه لا يكون إلا مباشراً وواضحاً حتي يمكن فهمه بسهولة.. وانه يجب أنه يعبر عن فكره أولاً..أما أن يكون بتعليق أو بدون تعليق فهذه ليست مشكلة وفي بلاد مثل مصر يجب أن يخرج الكاريكاتير من قاع المجتمع ليعبر عنه، فدوره هنا حيوي وخطير بخلاف دوره الترفيهي في البلاد المتقدمة التي حققت الرخاء والحياة الكريمة لرعاياها.
* ابن نكتة :
- لا يعترف حجازي بما يسمي الضحك من أجل الضحك، فلابد - عنده - ان يكون للضحك هدف، وبسبب فالإنسان لا يضحك إلا لمعني، لذلك دائماً ما يقول ان الضحك للضحك قضية مغلوطة، فكل فن لابد أن يعبر عن فكر ولا يمكن أن تضحك الجماهير دون سبب، خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه القضايا وتكاثرت، لذلك لابد أن تعالج مشاكل الجماهير من خلال الفن- سواء كان هذا الفن كوميدياً أو تراجيديا.. خاصة أننا شعب يقال عنه «ابن نكتة» لأنه أكثر شعوب العالم حزناً، لذلك كثيراً ما يبكي من الضحك.
- حجازي يري ان التركيز علي العيوب والسلبيات ليس خطأ، كما ان التركيز علي الإيجابيات قمع للفكر، لأن الإيجابيات تتحدث عن نفسها، أما السلبيات فتحتاج إلي من يعبر عنها ويكشفها ويعالجها.
* تجديد وابتكار :
- حجازي دائماً مع التمادي في إظهار السلبيات وكشفها حتي يمكن معالجتها.
المشكلة الوحيدة التي يراها حجازي،هي ان يشعر الفنان بأن عمله غير مجد، أو أنه يكرر نفسه بالإضافة إلي عدم وجود الباعث علي التجديد والابتكار.. وربما يكون حجازي قد دخل هذه المنطقة فآثر الابتعاد وغادر القاهرة بصخبها وضجيجها إلي طنطا مرتع الصبا والشباب .
-حجازي يري أن مستقبل الكاريكاتير ليس هو فقط ما يدعو للقلق، ولكنه يرى ان مستقبل الفكر عموماً غير مبشر، لأن كل الفنون تحتاج إلي رؤية حقيقية وحرية حقيقية، فالمدرسة مثلاً تعلم الطفل الخوف منذ الصغر، بحيث لا يفكر في غده ولا مستقبله، كما ان الانشغال بالحياة العامة يعد من المحظورات رغم ان هذا يعد انشغالاً بالوطن، وعندما لا ينشغل الناس بالوطن تضيع الحياة، ويضيع الفن والإبداع. حجازي يري ان ما يحدث الآن من إبداع هو حالات فردية لا يقاس عليها.
- ورغم المعاناة والاعتزال والاغتراب فى الداخل فإن حجازي سعيد بمشواره مع الكاريكاتير الذي عشقه، ومن خلاله عبر عن مجتمعه وبيئته رغم كل المعاناة.
الأمير أباظة
2010/ 11/ 9 - القاهرة
` رحل حجازى ` سيد درويش ` الكاريكاتير ورسام ` الحارة المصرية
- رحل صباح اليوم فنان الكاريكاتير الكبير أحمد حجازى، الذى اشتهر باسم `حجازى` وهو من مواليد طنطا، عام 1940 لأب سائق قطار، يعول 11 طفلا فى بيت لم يبعد عن السكة الحديد، فكان يطل عليها فى كفر العجيزى بطنطا.
اتسمت أعمال حجازى بالتميز، حيث تجعلك رسومه تشعر بالدهشة، ليس من عبقرية الفكرة فقط، بل بساطة رسومه التى تختزل داخلها أفكارا عميقة، والتى يستطيع المتلقى أن يجد فيها كل ما يريد، وفى زوايا مختلفة وقراءة متفردة، لوحاته غاية فى الرقة، وكانت أشهر شخصياته: حشاشون ومساطيل ظرفاء ولصوص مفسدون، ومواطنون بلهاء.
- اصطحبه والده وهو طفل ليرى حجازى مصر كلها عبر نافذة القطار، وقبل أن تقوده موهبته إلى القاهرة، درس بمدرسة الأحمدية الثانوية بطنطا ليلتحق بعدها بكلية الفنون الجميلة، وفى عام 1954 وحين كانت القاهرة تتغير فى شتى مناحيها إثر قيام ثورة يوليو، وكانت أحلام حجازى مازالت صغيرة ليتنقل ما بين العديد من المجلات إلى أن رشحه الكبير أحمد بهاء الدين للعمل معه فى مؤسسة روزا اليوسف، التى كانت تعج بعظماء أمثال صلاح جاهين، وجورج بهجورى، ورجائى ليصبح بعدها حجازى من أبرز رسامين الكاريكاتير بها بعد سلسلة أعماله فى مجلة الأطفال `سمير` والتى رسم فيها للأطفال مسلسل `تنابلة السلطان`.
- لم يتوقف حجازى عن الاشتباك مع قضايا الإنسان العربى بسخرية لا تخلو من عمق فلسفى كبير وتواضع، إذ ظل صامتا فى تواضع يليق بالعظماء، وشهدت رسومه الكاريكاتورية تحولا كبيرا بعد نكسة 67 فغلب عليها الاكتئاب والإحباط والعبث، زادت حدتها مع فترة الانفتاح الاقتصادى فى سبعينات القرن الماضى، وأيضا زيارة السادات للقدس، وما صاحب تلك الفترة من تغيرات فى قيم المجتمع المصرى، كما ظلت منحازة إلى الطبقات الشعبية.
- وفى قمة تألقه ونضجه الفنى انسحب حجازى فى هدوء لينزوى مكتئبا ومحبطا مكتفيا بأحزانه، وانقطع عن الرسم ليعود بعدها إلى بلدته طنطا تاركا العاصمة بصخبها وجدلها العقيم، وليفارقنا إلى العالم الآخر تاركا ثروة لكل الأجيال من رسومات عبقرية لم تفارق آلام وأحلام الحارة ليصبح فى وجدان الأمة `سيد درويش` الكاريكاتير.
محمد عبد اللطيف
اليوم السابع : الجمعة - 21 أكتوبر 2011
أريد حبا وحجازى
- «انسى، كله إلاّ عمك حجازى، ده مابيقابلش حد خالص، زى جمال حمدان كده بالضبط». كنا نسمع ذلك كثيرا نحن القادمين إلى القاهرة من مشارب شتى، ونحن نطارد أحلامنا فى أن نلتقى كل مَن نحبهم من عظماء مصر ومبدعيها الذين شكّلوا وجداننا، كان ذلك فى عام 1991، وكان حسنى مبارك قد أكمل العقد الأول من مشروعه الممنهج لتحطيم مصر وتقزيمها وتفريغها من الكفاءات والمواهب، كان أغلب الأسماء العظيمة فى الساحة الثقافية قد انزوى فريسة للمرض أو التهميش أو التجاهل أو الاكتئاب، لكن الجسد الثقافى المصرى كان لا يزال يقاوم، كان لا يزال بوسعك أن تلتقى الكتاب والفنانين الذين تحبهم فى ندوات ثقافية يعقدها حزب التجمع أو معرض الكتاب أو صالون إحسان عبد القدوس، كنا نشعر بالحزن لأن القائمة الذهبية التى صنعها كل منا لأبطاله تتناقص يوما بعد يوم بفعل الموت أو المرض العضال، لكننا اليوم ونحن نرى مصر وهى تكاد تكون خاوية على عروشها، ندرك كم كنا محظوظين مقارنة بالأجيال التى تلَتنا، والتى نسأل الله لها أن يعينها ويهديها إلى أن تعوض ما فاتها بالإقبال على التراث الرائع الذى تركه عظماء مصر الراحلين، ويواصل من لا يزال حيا منهم الإضافة إليه كل يوم.
- أيامها، حاولت لأكثر من مرة أن أصل إلى جمال حمدان، لا لأننى كنت قد عرفت قيمته، بل لأن الوصول إليه كان مغامرة صحفية يحلم بها الكثيرون، وبالطبع فشلت كما فشل كثيرون غيرى حتى فُجعنا بخبر مصرعه الغامض المأساوى الذى جعل كثيرين منا يبدؤون فى القراءة له بشغف. الأمر مع حجازى الرسام كان مختلفا، كلنا كنا نعشقه ونعرف قيمته مبكرا، لأن كثيرا من أبناء جيلنا تربى فى صباه ومراهقته على رسوماته الساحرة فى «روزاليوسف» و«صباح الخير» و«الأهالى» و«ماجد» و«سمير»، كان فنه هو والعم بهجت عثمان رحمه الله والعم محيى اللباد رحمه الله والعم إيهاب شاكر أطال الله عمره جزءا من وجدان الأكبر سنا من أفراد عائلاتنا، وبالتالى صار جزءا من وجداننا لحسن الحظ، شرفت بمعرفة بهجت واللباد وإيهاب، لكننى لم أكن حسن الحظ مع حجازى،فقد بدأت حياتى المهنية فى الوقت الذى قرر فيه حجازى أن يعتزل الناس اختياريا ويتوقف حتى عن رسم الكاريكاتير إلا نادرا، كان لديه تقليد رائع يقوم به كلما صدرت صحيفة جديدة، كان يرسل إليها كاريكاتيرا جديدا يحيّيها به، فعل ذلك مع صحيفة «العربى» الناصرية، وفعله معنا فى «الدستور» القديم، ما زلت أذكر مشاعر الفرحة العارمة التى اجتاحتنا ونحن نرى كاريكاتير حجازى يخرج أمام أعيننا من ظرف أبيض كبير أرسله مع ساعٍ من سعاة «روزاليوسف»، أخذنا يحتضن بعضنا بعضا ونهنئ أنفسنا على هذا النصر الساحق، قبل أن يسأل كل منا «طب ماينفعش نزوره عشان نشكره؟»، ثم أُحبطنا عندما نعرف أن هذا هو آخر ما يمكن أن نصل إليه من حجازى، حتى عندما أقيمت فى عام 1995 أمسية فنية لتكريمه فى المسرح القومى رد الله غربته، ذهب المئات بشغف لينتظروه، ولم يحضر يومها للأسف، ورغم ابتهاجنا بالليلة الجميلة عدنا حزانى لأننا لم نستطع أن نعبّر له عن محبتنا له.
- توقفت عن محاولة المثول فى حضرة حجازى بسبب صديقه العظيم بهجت عثمان، كان ذلك عندما ذهبت لزيارته فى عام 1999، عم بهجت وهو يصف لى بيته قال إنه يقع فى ميدان الباشا بالمنيل أضاف ضاحكا «على فكرة الباشا ده يبقى عمك حجازى، هو ساكن يمين الميدان وأنا ساكن شماله»، ذهبت وأنا أحلم بأن أقنع بهجت أن يتصل بحجازى ويأخذ لى موعدا منه، لكى أحوز المجد من طرفيه فى يوم واحد، كنت أتمنى أن أريه صفحة أعددتها احتفاء بعيد ميلاده فى جريدة «الجيل»، كانت تحمل عنوان «أريد حبا وحجازى»، يومها وجّه إلىّ بهجت نصيحة صادقة «حجازى بيتضايق من الناس.. إنت بتحبه؟ اللى يحب حد مايضايقوش»، ومن ساعتها لم أكرر المحاولة أبدا، وحتى عندما نجح أصدقاء مقربون لى فى معرفته والاقتراب منه لم أجرؤ ولو لمرة على أن أطلب منهم الالتقاء معه، كانت دائما كلمات بهجت تمنعنى من المحاولة، بهجت نفسه كان يتضايق من أى طلب لإجراء حوار صحفى، سألنى «إنت عايز تبقى صحفى ولا صَحَبى؟»، وعندما قمت بنشر صفحة كاملة عن زيارتى لبيته، لأننى شعرت أن تكريمه واجب لا بد من القيام به، قاطعنى، ومات رحمه الله وهو غضبان منى. بعدها بأشهر سمعنا عن قيام الشاعر العظيم فؤاد قاعود صديق حجازى الحميم بكسر باب الشقة عليه بعد أن غاب عنه يومين ليجده بين الحياة والموت ويتمكن من إنقاذه بأعجوبة، وسمعنا أن ذلك تكرر إلى أن قرر حجازى إنهاء معاناة أصدقائه فى عام 2000 على ما أتذكر، عندما قرر أن يترك القاهرة ويعود إلى مسقط رأسه فى طنطا، بهدف أن يموت وسط عائلته، وقد تحقق له ما أراد. لم يكن أحد ممن أعرفهم يفهم هذه الرغبة العارمة فى التوارى عن الأضواء وإنكار الذات، كنا نتداول تفسيرات سياسية ونفسية واجتماعية، لكن حجازى كان لديه تفسير آخر يقوله لكل من يزورونه فى معتزله «لم يعد لدىّ ما أرسمه»، نفس التفسير الذى قاله لى بهجت عندما سألته حول سر توقفه عن رسم الكاريكاتير، كان الاثنان ينتميان إلى مدرسة مختلفة فى الحياة، ويقدمان تصورا مختلفا للفنان غير الذى كنا نقرأ عنه، ليس هناك تصورات منتفخة عن الذات، حجازى دائما كان يقول لكل من يطلب منه تقديم تفسيرات لعبقريته «ده أكل عيشى، ماباعرفش أعمل حاجة تانية».
- حكى لى فنان الكاريكاتير الرائع سمير عبد الغنى حكاية ذات دلالة عن أستاذه حجازى، كان قد اتصل به مؤخرا فى طنطا، وحكى له كيف ضحك من قلبه عندما رأى رسما قديما لحجازى فى الخمسينيات نشره فى «صباح الخير»، وفوجئ بحجازى يقول له «إنت زعّلتنى كده يا سمير.. معنى إنك ضحكت معناها إن المشكلة اللى كنت راسم عنها لسه ماتحلتش». ببساطة، عندما وجد حجازى أن كل ما يرسم عنه يتكرر بنفس التناحة والكلاحة بل ويزداد فجورا وعنادا، قرر أن يقاوم تناحة الواقع بطريقة جديدة، فيرسم فقط للأمل الباقى، للأطفال، والأطفال الذين رسم لهم حجازى وحدهم طوال العقدين الماضيين هم الذين صاروا كبارا وفجروا أنبل وأعظم ثورة فى تاريخ مصر. لذلك كنت حريصا أن أسأل كل أصدقائى الذين عرفوه: هل كان حجازى بصحة جيدة عندما قامت الثورة؟ وهل رأى أن ضرباته المتكررة لهدم حائط الاستبداد حققت هدفها أخيرا؟فرحت جدا لأننى علمت أنه عايَش الثورة وفرح بها، كنت أتمنى أن يجدد حجازى عادته الحميدة فيرسم لمصر كاريكاتيرا جديدا تحية لعهد جديد تحلم به مصر، لكن صحته التى تدهورت فى الأشهر الأخيرة منعته من ذلك، وإذا كانت مصر لم تكرّمه فى عهدها البائد رغم كل مطالبات الفنانين والمثقفين بذلك، وإذا كانت لم تنجح فى أن تلتقط أنفاسها فى العهد الانتقالى البائخ لكى تكرّمه وهو لا يزال حيا يُرزق، وقد كان يفترض أن يحدث ذلك خلال أسابيع كما علمت، فإن أبلغ تكريم يستحقه حجازى هو أن نعمل جاهدين لكى نغيّر من واقعنا الكئيب، ونخلق واقعا جديدا لا تصلح فيه رسومات حجازى للنشر إلا فى صفحات التراث التى تكشف للأجيال الجديدة كيف كانت مصر وكيف تغيرت إلى الأبد.
- لا احنا عايزين عم حجازى وآباء مصر العظام يفضلوا زعلانين على طول، ولا احنا عايزين ولادنا يزعلوا مننا. الفاتحة أمانة والنبى.
بلال فضل
التحرير - الاحد 23 أكتوبر 2011
حجازى .. الصعلوك المناضل
- يحلو لى أن أذكر القارئ بأن ما أكتبه لا يمثل نقداً من قريب أو بعيد فأنا لا أملك أدوات الناقد أو قدرات المؤرخ، لكن يحلو لى أن أطلق على ما أكتبه بأنه مسمى`النص التشكيلى`. لا فضل لى فى تلك التسمية التى ترجع إلى كتابات سمير رافع، ورمسيس يونان، وأحاول الآن أن استكمل ما قد قدماه لنا وأن أحنى قامتى لهما ولإبداعهما ولما حاولا إنجازه فى حقل الكتابة التشكيلية.
- تعود معرفتى لحجازى يوم كنت طالبا فى كلية الفنون الجميلة فى نهاية الخمسينيات لتصافح عيونى رسوما خجلى تتميز فيما تميزت بالتواضع ` وبالمصرية ` الواضحة حين أذكر كلمة `مصرية` هنا لابد لنا للعودة إلى تأصيل ظاهرة تمصير الصحافة والذى قام على أكتاف رائدنا - رغم إنكاره لحمل لقب الرائد - بيكار والذى اتفق معى على تسميته بـ `الأولانى`. ما أعظم تواضع هذا الرائد والذى رسم لنا أول غلاف مصرى - كتاب الأيام لطه حسين - بعد أن كان الأرمن العاملين بالحفر فى المطابع هم من يقومون بزخرفة الأغلفة ذاك الوقت. وعلى أكتاف بيكار ازدانت صحافة الأخبار برسوم مصرية بريشة بيكار الرومانسية الطابع. كانت الفلاحة الأنيقة الرشيقة هى طابع رسوم بيكار، الثقافة الأفريقية التقليدية والثقافة (النخبوية) أيضا المتمثلة فى كتابات عدد من الروائيين والقصاصين والفنانين التشكيليين الذين لم أكن أعرف عنهم سوى القليل. وقد أثار ذلك الاحتكاك المباشر رغبة قوية فى ذهنى لمواصلة الاهتمام بأفريقيا السوداء بشكل عام وبالمجتمعات الافريقية التى تقع فى حوض النيل أو تتصل به بشكل أو بآخر والتى لها اتصال وثيق بمصر سواء فى الماضى أو الحاضر . ولا يزال هذا الاهتمام قائما حتى الآن ويظهر من حين لآخر فيما أكتبه حول أفريقيا والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تطرأ عليها ودورها فى المجتمع الدولى وما تتعرض له من أزمات بفعل تطاحنها الداخلى بين القبائل أو بفعل القوى الخارجية التى لا تزال تطمع فى ثرواتها الهائلة .
*عند منابع النهر :
- وكما ذكرت فى أكثر من مكان وفى أكثر من مناسبة أن بعض هذه الرحلات الدراسية أو البحثية التى قمت بها بتكليف من مكتب العمل الدولى حملتنى بوجه خاص إلى منابع نهر النيل وروافده الكبرى وأدرت على الطبيعة دور ذلك النهر العظيم فى الاتصال والتواصل الثقافى بين مصر وبقية حوض النيل، كما رأيت رأى العين - وليس سامع كمن رأى كما يقول المثل - مدى قوة وفاعلية الجهود المصرية فى تطويع النهر وتطبيعه والتحكم فيه من خلال المشروعات التى أسهم فيها الرى المصرى، وهى جهود تحتاج لمن يدرسها دراسة أكاديمية متعمقة من ناحية ولكنها تحتاج من الناحية الأخرى إلى كتابات إبداعية تصدر عن معايشة النهر وتتبع رحلته والنظر إليها وإلى تاريخ النهر بعين الإنسان الأديب الفنان المبدع الذى يتجاوب مع الموضوع الذى يهتم به ويعيش فيه ويتغلغل إلى أعماقه. كذلك لمست عن قرب الإمكانات الهائلة المتاحة لتنمية وتطوير تلك المجتمعات بقبائلها وشعوبها التى لا يزال جزء كبير منها يعيش داخل الغابات فى الوقت الذى يتم فيه تنفيذ كثير من المشروعات لتوليد الكهرباء وإدارة المصانع وتحويل بعض القرى الصغيرة إلى مراكز صناعية هامة كما هو الحال مثلا فى قرية جنجا التى تحولت إلى مدينة صناعية تستقبل مئات العمال من كل أنحاء شرق أفريقيا وليس فقط من يوغنده.
- ولم تنقطع صلتى بأفريقيا، أو بالأحرى بشئون أفريقيا بانقطاع عملى فى مكتب العمل الدولى وعودتى إلى الجامعة.فلا تزال المجتمعات الأفريقية القبلية التى تحولت إلى دول حديثة تلعب دورا فعالا على الساحة الدولية تشغل ذهنى وما زلت أهتم بالتنظيمات والمنظمات السياسية والاقتصادية والثقافية الأفريقية التى تشغل جانبا كبيرا من اهتمامى. وقد اهتممت فى وقت من الأوقات وبشكل مكثف باتحاد الجامعات الأفريقية الذى مثلت جامعة الإسكندرية فى اجتماعاته لبعض الوقت والذى لا يبدو أن له أثراً فعالاً على الأقل بالقدر الذى كان ينبغى الوصول اليه - فى مجالات تبادل الأساتذة والطلاب والتقريب من المناهج والقيام بدراسات وبحوث ميدانية مشتركة فى مختلف دول القارة حتى تقوم العلاقات السياسية بين مصر والدول الافريقية على أسس قوية من فهم الثقافات المختلفة والاحترام المتبادل. وكما كنت أقول دائماً فى مثل هذه المناسبات قد يمكن لمعيد الدراسات الافريقية التابع لجامعة القاهرة أن يقوم بدور بارز فى ذلك وإن كانت توجد دائما مشكلة تمويل مثل هذه البحوث. ولكن الأمل والرجاء لا يزالان قائمين وعسى أن تحقق الأجيال الحالية والناشئة ما عجزت الأجيال السابقة عن تحقيقه من أجل الصالح المشترك. والتى تذكرنا برومانسية محلاها عيشة الفلاحة لمحمد عبد الوهاب.
- كانت `دار الهلال`، `ودار أخبار اليوم` هما بالإضافة إلى دار المعارف تقوم على أعمالهم الصحفية `الصورة ` أساساً، كانت تلك الدور لا تتورع عن النقل عن الصحافة الغربية دون ذكر للأصول. وقد عاصرت فيما بعد تلك التجربة بل وعانيت منها الأمرين كما يقولون حين عملت بمجلتى ` سمير` و `ميكى `. كانت الأصول الغربية للمسلسلات، تنقل سواء من كتاب السيناريو مع تمصير الأسماء، وكذلك يفعل الرسامون،فالكشافة فى الغرب يلبسون الأزرق وفى بلادنا يلبسون الكاكى، وهكذا نفعلها دون خجل أو إحساس بالعيب !!..
- وهذا ما كان يحدث فى الصحافة ولا ننسى لحلمى التونى، وهو أحد من ساعدوا فى إعطاء نكهة مصرية حقيقية للأغلفة حين نشر بمجلة الكواكب أصلا لرسام أجنبى، كان رسام آخر ينقل نفس الرسم ويمهره بتوقيعه، وكانت فضيحة ولا كل الفضائح .
- لم يكن هدفنا الفضح حين ذكرنا ذلك، ولكن فقط لإعطاء صورة لما كان يحدث، وما تغير بفضل تغير شامل حدث مع صدور مجلة صباح الخير، مجلة العقول الشابة والقلوب المتحررة، أو العكس وهو صحيح أيضا.فماذا حدث لكى يولد رسامنا حجازى بفضل هذا المناخ الذى كان له فضل كبير على نمو مواهبه واستخدام كل إمكانياته فى رسوم نضجت بالمصرية والأصالة.
* مدرسة صباح الخير :
- كانت دار روزاليوسف تتميز بأنها دار أقامتها ممثلة المسرح الأولى السيدة روز اليوسف ولهذا دلالة سواء لأنها امرأة تصدت مبكراً لاقتحام مجال الصحافة، ولأنها فنانة فى نفس الوقت لها جموح وطموح الفنان. تربى إحسان عبد القدوس فى أحضانها كأم، وكصاحبة دار نشر، وكان له فضل فى إعطاء الموهوب حقا أحمد بهاء الدين رئاسة تحرير صباح الخير وهو شاب طموح واعد وحالم بالتغيير، رافق حسن فؤاد الموهوب الآخر والحالم أيضا رحلة قيادة سفينة تخلق مجلة تعتمد أساسا على شباب موهوبين فى بداية أعمارهم يملكون الحماس، والحماس والحلم، كانت الثورة قد ولدت، وولد معها الطموح فى خلق وإظهار معدن مصرى أصيل. واجتمع فريق يحضرنى الآن ومن الذاكرة - ما قد ينسينى أسماء البعض لكل ضعف الذاكرة سيكون سبب التقصير، لا سوء القصد - أسماء فريق الرسامين صلاح جاهين، جمال كامل، هبه عنايت، جورج البهجورى، ايهاب شاكر، ناجى شاكر، ممدوح عمار، الليثى، وحجازى صاحبنا فى هذه المقالة، ومن الكتاب كامل زهيرى،فتحى غانم، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطى حجازى، يوسف إدريس وآخرين بالطبع ويقود السفينة بالتقاسم أحمد بهاء الدين وحسن فؤاد يعاونه أبو العينين .
* بماذا تميزت تلك الجماعة ؟!
1-إعطاء الرسام ولأول مرة وضعا يوازى المؤلف من حيث الأهمية، ومثال ذلك تلك الصفحات الملونة التى كان يتقاسمها الرسام والكاتب، يذهبان معا إلى `المولد`، أو مجتمع الصيادين، أو .. أو .. كل مظاهر الحياة المصرية، ومن الواقع فقد أصبح الإنسان العادى - المصرى - ولأول مرة هو بطل الأحداث، وفاعل يستحق التقدير. من يستطيع فعلها غير جمال كامل وممدوح عمار، وحسن الذى مات فى ريعان الشباب.
2- أصبحت الواقعية، وتقديم الثقافة الجادة حلم كل الشباب، فمن ينسى أيام لها تاريخ لبهاء الدين .
3- الشعر، وتقديمه، وهنا تذكرنى حكاية حكاها لنا صلاح جاهين يوم كتب أول رباعية، وقدمها إلى بهاء قائلا له :هذا ما فعلت ولا أعرف هل يصلح للنشر !؟
يقرأ بهاء ويعجب، ويقول له أعطنى واحدة كل أسبوع. من يرسم هذا العمل؟
رغم وجود الجوقة التى ذكرتها من الأسماء يختار بهاء النحات الشاب آدم حنين، وكأنه يعرف مسبقاً ما سيحدث، يقرأ صلاح جاهين الرباعية، ليرسم صموئيل حنين وقد كان اسمه كذلك آنذاك، ويبتدع ما سيصبح `أكليشيه ` لكثير من فاقدى الموهبة حين يرسمون الشعر بعد ذلك وحتى الآن .
4-الإثارة، وتقديم الأنوثة المحترمة- والتى لا تعتمد على صور فوتوغرافية- وكلنا يذكر غلاف صلاح جاهين، والفتاة بالبيجامة ممسكة التليفون فى يدها، ويحضرنى الرسم الآن كأننى أراه بعينى. نموذج للفتاة المتحررة من القيود، وغير المبذلة فى آن واحد .
-هذه لمسات قدمتها فقط لإيضاح المناخ الذى جاء إليه حجازى الأصغر فى العمر بسنوات قلائل.
* من هو حجازى ؟
- شاب تربى فى طنطا، وحلم بدراسة الفن لكنه أثر أن يرحم والده سائق القطار من معاناة رأى هو دون موافقة الأسرة أن يبدأ طريقة فى العمل مبكرا. جاء إلى القاهرة مع زميل عمره `اسحق قلادة ` والحالم معه بتغيير الواقع إلى الأفضل. إفترشا حجرة لا أثاث بها وحاولا العمل فى القاهرة، وواجهتهم الصعوبات الحقة.الحلم الكبير بعد قراءات تنبض بالثورة ويذكر منها حجازى دائما ميله إلى الشعر - وخاصة حفظه لأشعار بيرم التونسى, أذكر أن حجازى أسر لى يوما بأنه تصور بأنه سيكتب الشعر هو نفسه .
- يرسم حجازى فى مجلات رسوما تعبيرية لم أرها بنفسى لكنى قرأت عنها فى الكتاب الجارما والذى لابد لنا من توجيه الشكر إلى محمد بغدادى الذى جمعها لنا وقام بكتابة تقديم للجزء الأول، ووعدنا بأجزاء أخرى أرجو لها الصدور قريبا.
- صافحتنى أول رسوم لحجازى فى نهاية الخمسينات على صفحات روز اليوسف كان جورج يتألق برسم الشخصيات، وكان رجائى ونيس يرسم رسوما تعبيرية جريئة تتميز بالحالات النفسية المعقدة وتصاحب كتابات مصطفى محمود التقدمية آنذاك كان جمال كامل وريشته الأنيقة تنقل لوحات من واقع حياة الناس. كان جاهين يرسم النكتة بتعليق لازع. وكان حجازى يضع خطواته الأولى، ويتلمس طريقة بحذر وخفر، وذكاء وبساطة تصل إلى حد التلقائية. رويدا تترسخ قدماه وتنحاز فرشاته إلى فقراء هذا الوطن هل انحازت أم هى عبرت عنه كواحد منه لم تغيره سعه الرزق أبدا، وكنت شاهدا على ذلك بعد أن تلامسنا وتزاملنا، لكن هذا سيأتى ذكره فيما بعد .
- إن أنسى لن أنسى يوم رسم حجازى أسبوعيا مع مقالات إحسان عبد القدوس تحت عنوان `اختصر نصف طعامك، رسم لأولاد فقراء يفترشون الأرض بجوار سلة قمامة، أمامهم عظام سمكة لا لحم بها والتعليق`اختصر نصف طعامك، نقد ولا أقسى من ذلك، يواجه ويناقض مقالة رئيس التحرير، المتفهم والواعى والقادر على أن ينشر لرسام يحس بالفقراء إلى هذا الحد. إنه واحد منهم. وأذكر بأن رسوم نبيل تاج هى الرسوم الوحيدة التى تحضر إلى الذهن وتستطيع هى الأخرى التعاطف مع الفقراء بنفس القدر.
*المرأة فى رسوم حجازى :
- المرأة المصرية، الأم، الأخت، تأكل المحشى، قوامها ممتلئ دائما تنز وتنضح بالأنوثة وخفة الدم. يقلده كثير من الرسامين، تخيلت بعضهم يصل بهم الأمر إلى ` شف` رسومه، لكن لم يملك أحد فى رسومه بضاضة، وأنوثة المرأة المصرية كما فعلها حجازى .
- هم الإنسان العادى. وبداية الإحساس مع الثورة التى حلمنا بأنها قد تحقق له أحلامه، وتتكون طبقة مستغلة. وعى سياسى مبكر وريشة حجازى تسخر، وتلذع، بسوط لا يرحم، وبوعى يصل إلى تلقائية رجل الشارع.فنان بسيط مؤمن، لا تنازعه نفسه أبدا على مطامع وطموح الفنان، من مجد أو ما شابه. تصوروا معى أن علاقة حجازى برسومه ظلت أبدا تنتهى فور النشر، ولم يحتفظ بل ورفض الاحتفاظ بأصول رسومه، حين عرضت عليه ذلك رفض رغم إيمانى بل وتمسكى بعكس موقفه مع فهمى لموقفه المتسق مع اختياره .
- أذكر لكم رسمين لم ينشرا له وأثر خطبة السادات والتى تحدث فيها عن ديمقراطية بالأنياب، وفرم أعدائه. كان رئيس التحرير آنذاك لويس جريس، وكان للصحافة مكتب مباحثى يراجع الرسوم ويوافق على النشر أو لا يوافق .
- رسم حجازى مفرمة كبيرة على قاعدة تمثال كانت موجودة بميدان التحرير - ازيلت بعد ذلك - وقال معلقاً أخيراً وجدنا تمثالا يليق بالقاعدة .
- ثم رسم حجازى رجلا يعود إلى بيته ليجد امرأته وقد طبخت له `كفتة`، ويعلق الرجل ساخرا وقائلا : إيه وليه اللى عاجبك اليومين دول فى الكفتة، كل يوم كل يوم كفتة : رفض لويس إرسال الرسوم معترضا، أرسلهما حجازى وعرف لويس ورحم حجازى بإرسال ساع يعود بالرسوم قبل أن تصل!!
-هكذا رسم حجازى كأفضل ما يكون رسام يناضل إجتماعيا وسياسيا بريشته.من الفقراء ولهم لم تغره السلطة ولا الجاه ولا المال ولا المجد. رفض الأنوار والأضواء، وظل يرسم ويرسم ويناضل إلى أن توقف يوما عندما أحس بأن لا معنى ولا مغزى ولا عائد مما فعل. رسم الآلاف المؤلفة من الرسوم. كان يصحو مبكرا يصل إلى روزاليوسف فى الخامسة يرسم حتى التاسعة أو العاشرة .عندما يبدأ الآخرون فى الحضور ينصرف إلى حياة يستهلك فيها نفسه وكأنه يعاقبها. يأكل ويعاقر ويشرب وكأنه يحاول الانتهاء من الحياة، رغم عشقة لها. لم يرضخ لتكوين أسرة، ولم ينجب أطفالا. كان يخاف أن يقترب منه أحد إلى الصداقة، وأسر إلى بذلك خوفا من اقترابى منه، ومانعا لى فى نفس الوقت.
* حجازى رسام الأطفال :
- يبدو أن للنجاح رجالا وللفشل أيضا رجال، كما أن النجاح يحتاج إلى جهد فالفشل أيضا يحتاج إلى جهد .
- ولأن حجازى رجل عرف النجاح حين رسم للكبار،عرف النجاح أيضا حين رسم للأطفال. كنا فى الستينيات وكان أحمد بهاء الدين قد انتقل إلى دار الهلال يطورها ويطور مجلاتها. بدءا بالمصور وكان هو رئيس تحريرها. ثم طور الكواكب واختار لها رجاء النقاش رئيسا للتحرير، وكذلك مجلة الهلال وأصبح كامل زهيرى رئيس تحريرها. جاء الدور على مجلة سمير، وفى حوار دار معى فقد كنت نشطا فى محاولة تغيير ما ينشر للأطفال، أخذت على عاتقى استقطاب كتاب أمثال فؤاد حداد، الابنودى، سيد حجاب، سيد خميس، سمير عبد الباقى، يحيى الطاهر وزين العابدين فؤاد. قال أحمد بهاء الدين مشكلة مجلات الأطفال مشكلة رسامين ليس لدينا فى مصر رسامون للأطفال.
-أجبته لما لا تجرب ما فعلته بصباح الخير، بل لديك الآن جماعة تخلقت وأصبح لها كيانها غير حالها عندما بدأتم، لما لا ندعو رسامى روز اليوسف للمساهمة بالاضافة إلى اللباد والذى كان قد ساهم فى الرسم لمجلة سندباد، ثم ساهم مع مصطفى رمزى فى إنشاء مجلة كروان، ورسم فى سمير حين حملت رسومه على يدى بعد أن ترك كروان. وفعلها أحمد بهاء الدين، دعا الجميع وجاءوا ليزغرد قلبى، وحاول الجميع وأذكر فيهم ناجى، الليثى، ومن دار الهلال بهجت، ثم اللباد وآخرون لا أذكر الآن أسماءهم. ورسم حجازى ليصبح الأكثر من الجميع ارتباطا، بل ونجاحا أيضا حيث قدم واحدة من أنجح ما رسم للأولاد من مسلسلات تحت اسم تنابلة الصبيان. سيناريو وفكرة مصطفى رمزى، ورسوم حجازى، ثم طورها حجازى ليكتب لها السيناريو أيضا، ويحملها بكل أفكاره الاجتماعية، بل والسياسية، وما زلت أعتبر تنابلة، الصبيان من أهم وأنجح مسلسلات الأولاد المصرية. اندمج حجازى فى الرسم للأطفال، وساهم برسومه فى دار الفتى فى فترتيها الأولى وكان المشرف الفنى والمدير اللباد، ثم فى الفترة الثانية وكان لى شرف الإشراف والإدارة. ثم قدم حجازى لمجلة `ماجد` جهدا كبيرا بل وتفرغ لها أو كاد فى السنوات الأخيرة.
- كسب حجازى مالا كثيرا، بعثرة دائما، لم يهو أن يغير من وضعه الاجتماعى مثلما فعل الكثيرون من حوله رفض النجاح والنجومية وقد كان أهلا لهما، ورأى فيما يحدث زيفا وضلالا.
- فنان بل وإنسان صعلوك بالمعنى الجميل للكلمة.عاش أفكاره كأنقى ما يكون الرسام الملتزم وحينما أحس بعدم الجدوى، صفى وجوده فى القاهرة. ورحل إلى طنطا، منها جاء وإليها عاد .
-إليك تحياتنا من القاهرة، ينتابنى خاطر بأن حجازى قد لا يهتم بقراءة ما كتبته عنه، لكننى كتبت لكم أولا وأخيرا، بحب يستحقه منى، بعد أن تلقيت أعمال حجازى كمتلق، وبعد أن عاشرته كزميل أحترمه وأقدره، وأتمنى أن تعرفوه مثلما عرفته، وأعترف بأننى أشعر فى نهاية هذا النص بأننى لم أكتب عن حجازى كما يستحق.
عدلى رزق الله
مجلة الهلال - يناير 2004
حجازى ...فنان الحارة المصرية
- لكى لا يتحدث الدهماء وكل من هب ودب عنه.. ويتحفظ الجميع ويخطىء من يخطىء فى وضع صورته وكتابة اسمه مصاحبا لخبر الوفاة.. فالمصاب مصابنا والعزاء عزاؤنا، نحن محبوه ورسامو الكاريكاتير.. ونحن من تربينا على خطوطه البسيطة وأفكاره العميقة. ونحن من سنقتسم ميراثه سويا بعد أن ينفض المولد ويذهب المعزون وفناجين قهوتهم السوداء فى ستين داهية.. سنختلف كثيراً ولكننا سنتفق فى النهاية على من سيستطيع تقليده أكثر من الآخر ومن منا يمتلك روحه ومن سيرث فلسفته فى الحياة ومن سيكون من نصيبه البنات الحلوة اللاتى اشتهر برسمهن حجازى بملامحهن المصرية المنمقة وتضاريسهن الأنثوية الفتاكة.
- وكما يؤرخ للسنين الميلادية بميلاد السيد المسيح. سيؤرخ لحركة الكاريكاتير المصرى بميلاد أول رسمه لحجازى وآخر رسمه قام برسمها. ومتى قرر الاكتئاب أن يحل ضيفا ثقيلا عليه ومتى قرر ألا يغادره وسنختلف على دقة الميعاد.. هل كان بعد نكسة 1967، أم بعد اتفاقية الكامب البغيضة عام 1978أم بعد أن هل لافاش كيرى بسحنته المميزة الباردة الملامح ليبرك على أنفاسنا ثلاثين عاما بالتمام والكمال..؟ أم هل بعد مجىء مبارك مباشرة قرر حجازى ترك الكاريكاتير فورا والرسم للأطفال وللأطفال فقط أسوة بزميل كفاحه بهجت عثمان ومراهنا على أن القادم دائما أفضل ؟ .
- سنختلف كثيرا حول موعد مجيئه للقاهرة من طنطا لأول مرة ومتى نشر أول رسم له على غلاف مجلة صباح الخير .. ومتى كانت الرسمة الأخيرة له؟ وهل كان الكاريكاتير الذى قام باهدائه لجريدة الدستور فى إصدارها الثانى هى الرقصة الأخيرة له فى عالم الكاريكاتير ؟
- سنختلف..ولكننا سنتفق دائما فى النهاية على أنه حجازى ..حجازى وبس .. أستاذنا وفناننا الكبير الذى أكبر من أن يكتب نعيه أحدا .. حتى لو كان من يكتب نعيه هذا هو من تلاميذه وحوارييه المخلصين .
عمرو سليم
الشروق - 23 /10 /2011
حجازى .. رحيل العابد الزاهد والفارس النبيل
- لا يدرك قيمة وقامة عملاق الكاريكاتير حجازى الذى غيبه الموت يوم الجمعة الماضى، إلا من عرف `روز اليوسف ` الحقيقية فى خمسينات وستينات القرن الماضى، خلال تلك الأيام البعيدة السعيدة التى كانت تفور بالأمل والعمل والحلم القومى، والتى حلقت بفنون مصر حتى وصلت بها إلى القمة، فى السينما والمسرح ومسرح العرائس والموسيقى والغناء والفنون التشكيلية والشعبية.. ولم يكن الكاريكاتير استثناء،فقد شهدت تلك الفترة صعود وإنجاز أعظم رواده: حجازى وبهجت عثمان وصلاح جاهين وجورج البهجورى ورجائى ونيس واليثى وغيرهم .
- وليس من قبيل الصدفة أن يكون كل هؤلاء العمالقة من أبناء `روز اليوسف ` التى كانت مدرسة عريقة لتخريج العباقرة والقامات العالية.. ففى حين كان هؤلاء فى `فصل الكاريكاتير`، كان `فصل الكتاب` يضم إحسان عبد القدوس وصلاح حافظ وفتحى غانم وأحمد بهاء الدين ومصطفى محمود وأحمد بهجت وغيرهم، وكان فصل `الفنانين والمصممين ` يضم أبو العينين وحسن فؤاد وجمال كامل ومأمون وهبة عنايت وناجى كامل وغيرهم كثيرون .
- لم يكن هناك ثمة تكييف أو أثاث جلدى أو زجاج داكن، كانت فصول روز اليوسف ` من المكاتب الصاج ومراوح المصانع الحربية والكراسى الخشبية الشبيهة بكراسى المقاهى ..لم تكن هناك بدل أو كرافتات أو أحذية لامعة، كانت الأناقة الحقيقية أناقة الروح والأفكار..فى هذه الأجواء الموحية المبدعة نمت موهبة حجازى الذى كان قد دخل `روز اليوسف` فى منتصف الخمسينات محملا بهذه الموهبة وبثقافة بصرية هائلة اكتسبها من سفره إلى كل أنحاء مصر بصحبة والده الريفى البسيط سائق القطار، حيث تحولت نافذة القطار بالنسبة إليه إلى إطار لوحة متجددة للطبيعة المصرية الخلابة .
- وعن ذلك قال : `لقد رأيت مصر كلها، بحرى والصعيد، الريف والحضر، الكفور والنجوع من نافذة القطار، فقد كان والدى يصطحبنى معه طوال الإجازة الصيفية، وهناك عرفت كل مفردات الحياة الاجتماعية، فقد كان القطار يجوب بنا أماكن كثيرة ومتنوعة، أطالع خلالها السريات والفيلات، وأيضا البيوت الطينية وعشش البوص والقش، يعبر بنا النيل وفروعه من فوق الكبارى، ويتوازى معه فيطل بنا على مشاهد ومناظر تتدفق من الليل إلى النهار ` .
* برقية إلى الأعماق :
- ورغم أن هذه الذخيرة البصرية كان من الطبيعى أن تقوده إلى الرسم،إلا أنه لم يكن يرى ذلك، ويوضح هذه المفارقة قائلا : `من بداية دخولى مدرسة القبارى الابتدائية بالإسكندرية، حيث أقمنا هناك لفترة، كنت أرسم باستمرار كأى طفل، وعندما عدنا إلى بلدتنا طنطا ودخلت الأحمدية الثانوية، لم يخطر ببالى أننى سأكون رساما فى يوم من الأيام.. كنت أعد نفسى لأكون شاعرا أو كاتباً واعتبر الرسوم نوعا من التنفيس، ومن هنا عندما كان مدرس الرسم ينادى الناظر ويصطحبه مع مدرسى المدرسة لمشاهدة رسومى، لم أكن أعتبر، حتى هذه اللحظة،أن هذا شئ ذو قيمة، وظلت خطوطى تنساب على الورق بلا رقيب أو حسيب وأرسم بلا توقف دون أن أعى أهمية ذلك.. لم أعرف أنه نوع من الفن إلا عندما طالعت روز اليوسف، ورأيت رسوم عبد السميع التى كانت تتصدر غلافها بالأحمر والأسود وتمتلئ بها الصفحات تهاجم الملك فاروق وتتصدى للاستعمار والرجعية.. ولقد أحدثت تلك الرسوم بداخلى نوعا من الفوران الذى جعلنى لأول مرة أشعر بقيمة ما أنجزه من رسوم فى هذه السن ` .
- عمل حجازى رساما للكاريكاتير بـ `روز اليوسف` منذ عام 1954.. وعن عشقه الأول يقول : `أحب الكاريكاتير ولا أعرف بالضبط ماذا كنت أحب أن أشتغل لو لم أعمل رساما، وفن الكاريكاتير عموما يستوعبه الكبار والصغار وهو ليس بالضرورة عنصر إضحاك، بل قد يكون مؤلما صادما دافعا على التغيير، وهو بمثابة البرقية التى تنفذ إلى الأعماق.. إننى أستطيع أن أضحك حين أرسم موظفا فقيرا لا يجد ما يأكله، لكن حين أرسم مجاعة فى أفريقيا أو إنسانا بلا وطن فلا يمكن أن يكون هدفى مجرد الإضحاك فقط ` ..
- ومن رأيى أنه من الخطأ أن نربى أطفالنا على طريقة : `اسمع كلام الآخرين ولا تسمع كلام نفسك`، أن نقول له : `اسمع الكلام` وليس : ` افهم الكلام `، مع أن المفروض أن يفهم حتى لا يكون خاضعا وحتى يصبح إنساناً له دور، إنسانا مشاركا وفعالا .. `و أنا أحاول حين أرسم للصغار والكبار أن أكون قريبا منهم.. حيث أتعامل فى رسومى معهم على أننى جزء منهم من الطفل والشاب والعجوز .. وهم الذين يدفعوننى لأفكارى`.
* ألوان صريحة :
- من الطين المصرى تشكل أحمد إبراهيم حجازى المولود عام 1936 لسبب غير معروف فى الإسكندرية، حيث إن مسقط رأسه قرية كفر عجيزى فى طنطا التى عاش فيها شبابه وعاد إليها قرب نهاية حياته زاهدا فى كل شئ.. ومن الطبيعة المصرية المسالمة الطيبة اكتسب هدوءه النبيل الذى كان سمته المميزة ومفتاح شخصيته كفارس فى زمن عز فيه الفرسان، والأهم : اكتسب البساطة المتناهية التى كانت بدورها السمة المميزة لأعماله ومنجزة الفنى وفلسفته فى الحياة، حتى صار مثل العابد المتصوف فى محراب الفن .
- من دون توقيع، تستطيع أن تميز رسوم حجازى : ألوان مبهجة صريحة، لا لبس فيها ولا تأويل.. خطوط شديدة الوضوح والبساطة مثل خطوط الأطفال، مختزلة إلى أبعد حد بوعى وحكمة شديدة، ترسم عالما من الاستدارات والانحناءات يحاكى حركة الكون، وتخاطب الوجدان برقتها، وفى نفس الوقت تتميز بعبقرية شديدة فى تصوير مفردات الحياة المصرية، خاصة الحياة الشعبية عناصر قليلة ومجردة تكفى لنقل من يطالعها إلى قلب هذه الحياة الشعبية : طبلية أو لمبة جاز أو حائط مشروخ، لكن من دون قبح أو مزايدة على الفقر والفقراء الذين كان يعتبر نفسه منهم .
- ومن فرط بساطة رسومه، قد يتصور البعض أنه من السهل تقليدها، إلا أن ذلك مستحيل، لأنها بساطة السهل الممتنع القائم على فلسفة ورؤية خاصة للحياة، وعلى اختزال فنى مدهش لا يهتم بالتفاصيل قدر اهتمامه بالفكرة والمضمون ..لذلك وصل بسهولة إلى الأطفال، وتألقت أعماله المخصصة لهم فى العديد من دور النشر والصحافة.. ولذلك أيضا كانت رسومه الكاريكاتيرية السياسية والاجتماعية تصيب قلب هدفها من دون هتاف أو صراخ، ليستحق أن يكون ضميرا للوطن ينبه للخطأ ويدق أجراس الخطر من دون أن يسعى لمال أو جاه أو سلطة.
- فنان بهذه الرقة والبساطة والشفافية، كان من الطبيعى والمفهوم أن ينسحب فى سنواته الأخيرة -فيما يشبه الاعتكاف الصوفى النبيل -عائدا إلى بلدته، تاركا العاصمة بكل صخبها وجنونها لمن هم أكثر منه قدرة على تحملهما.
أسامة عبد الفتاح
القاهرة - 25 /10/ 2011
رحيل حجازى عبقرى الكاريكاتير المصرى
** ترك أخبار اليوم بسبب جملة `خيبة الأمل راكبة جمل ... ! `
- ذات يوم فى الماضى البعيد عندما كنت أقرأ مجلة `ماجد ` إحدى مجلاتى الطفولية المشوقة لفت نظرى أن الرسومات الموجودة بداخل المجلة مرسومة بيد أحد الأشخاص.. توقفت لبرهة قبل أن أعرف أن الذى أمسك الريشة وأبدع هذه الرسومات اسمه `حجازى` ويومها تساءلت عن ماهية هذا الـ `حجازى` الذى أشعر أنه يرسم من أجلى أنا فقط بل أحيانا أشعر أنه يرسمنى أنا شخصيا .. وقتها بالطبع لم أجد إجابة أو تحليلا على هذه الأسئلة الطفولية، ولكن سرعان ما اكتشفت اسمه يذيل بعض الرسومات الكاريكاتورية فى بعض الصحف والمجلات وعلى رأسها `روز اليوسف` التى كنت أقتنيها خصيصا لكى أطالع رسوماته المزينة بتوقيعه المميز والذى لا تخطئه عين `حجازى` .
- مرت الأيام واختفى حجازى والذى لم يكن سوى واحد من أعظم فنانى الكاريكاتيرفى مصر لدرجة جعلته يحتل مكانة كبيرة فى قلوب عشاقة وقراء الصحف والمجلات. ليس ذلك فقط بل كان واحدا من أهم رواد فن الكاريكاتير فى العالم العربى، فعندما شاهد بعض كبار رسامى الكاريكاتير الفرنسيين رسومه قالوا إنها لا يمكن أن تكون خطوط فنان، ولكنها خطوط الكمبيوتر وأخذتهم الدهشة عندما جلسوا إليه فشاهدوا خطوطه وهو يرسم بيده وريشته، ويومها أكدوا أن صاحب هذه الخطوط لا شبيه له فى العالم. كان الاختفاء الأول لحجازى منذ سنوات عندما قرر أن يترك ضجيج القاهرة ويعود لمسقط رأسه فى طنطا، ليموت وسط أهله على حد تعبيرهم هم أنفسهم.. كان محبوه يعزون أنفسهم بأنه موجود ويسهل لقاؤه أو الحديث معه ولو بالهاتف، ولكن فجأة أتى الاختفاء الثانى .. بل لنقل الاختفاء الأخير الذى لا عودة منه.. إنه الموت الذى اختطفه منا، لنجد أنفسنا عزلا لا نجد ما نعزى به أنفسنا، فإذا كنا فى الماضى نحادثه تليفونيا ونسمع صوته فالآن لم تعد هناك أية وسيلة اتصال به.. لقد رحل الفنان العظيم أحمد حجازى فى نفس اليوم الذى رحل فيه أيضا الفيسلوف والكاتب الكبير أنيس منصور . رحل حجازى تاركا لنا أعمالا صالحة لكل زمان ومكان إذ لم تقتصر أعماله على مجرد التعليق على حدث جار فينتهى تأثير الكاريكاتير بانقضاء الحدث، وإنما غاصت أعماله فى عمق القضايا فعرض رأيه فيها بتناول فنى عميق وبسيط فى آن واحد. لم يكن القصد من أفكار حجازى هو الإضحاك ولا التعليق على حدث معين ولكنها أفكار لا تنتهى بمجرد رؤيتها، إذا يمكن لنا أن نشاهدها ونقرأها ونتأملها مرات ومرات على مدار عشرات السنين، ونظل أيضا نرى فيها بريقا خاصا، لا تستطع السنوات أن تمحوه ولا تقلل من عمق فكرته ولا روعتها.. فهى أفكار وخطوط وبساطة أشبه ما تكون بالسهل الممتنع.
- كان حجازى مهموما بقضايا المجتمع وكان يرى أن الكاريكاتير ليس وسيلة للإضحاك ولكنه وسيلة لتغيير الواقع بأفضل منه، وبالتالى فإن ذلك لا يتأتى إلا إذا استطاع الرسام أن يكون بسيطا ويبتعد عن التعقيد ليصل بفكرته إلى أبسط الناس حتى لو كانوا جهلاء، فقراءة الأفكار لا تحتاج لتعلم القراءة .
- ولد الفنان أحمد إبراهيم حجازى،فى مدينة الإسكندرية فى العام 1936، لأب ريفى يعمل سائقا فى هيئة السكك الحديد، لذلك فهو فى فترة الصيف كان والده يصحبه معه فى القطار إلى محافظات شتى، فرأى مصر كلها عبر نافذة القطار، وعندما التحق بالمدرسة وعندما كان بعض زملائه الأغنياء يدعونه إلى بيوتهم كان يرى الفخامة وكان يشعر بأن هناك خطأ فى هذه الدنيا فلم يكن يفهم أبدا لماذا هو فقير جدا إلى هذا الحد. تلقى حجازى تعليمه فى مدرسة الأحمدية الثانوية بطنطا، وكان وقتها يرسم رسوما تعبيرية ربما لم يكن يدرى وقتها أن الرسوم التعبيرية ما هى إلا البذرة الأولى لرسوم الكاريكاتير، ولكنه ما إن أدرك عشقه للفن والرسم قرر أن يسافر إلى القاهرة للالتحاق بكلية الفنون الجميلة. جاء حجازى إلى القاهرة عام 1954،فى وقت كانت مصر كلها تموج بالتغييرات عقب ثورة يوليو ربما مثل تلك المرحلة الحالية التى تموج بها مصر الآن بعد ثورة 25 يناير، مع الفارق أن حجازى عاصر التغييرات الأولى كلها، أما فى الثانية فآثر أن ينسحب بهدوء بعد أن اطمأن إلى أن رسومه المطالبة بالتغيير والقضاء على الفساد قد آتت ثمارها..
- شد حجازى الرحال إلى القاهرة مجذوبا بعشقه للرسم حاملا معه أحلامه البسيطة مثله والتى جعلته ينتقل من مكان إلى آخر إلى أن استقر فى مجلة ` روز اليوسف` على يد الكاتب أحمد بهاء الدين، وفيها التقى بعبقرى الكاريكاتير فى مصر صلاح جاهين، ولكن كانت موهبة حجازى مختلفة وقوية لدرجة أنها استطاعت أن تجعله واحدا من أبرز رسامى الكاريكاتير فى مصر . الغريب أن حجازى لم يكن يتوقع كل هذا النجاح إذ لم يتصور مطلقا أن أناته البريئة ذات الطابع الطفولى ستصنع منه نجما فى عالم الكاريكاتير فطالما أكد أنه يعد نفسه لكى يكون شاعرا أو أديبا وبرغم ذلك لم يتوقف حجازى عن الاشتباك مع الكثير من القضايا الحياتية للإنسان العربى، بسخرية لاذعة لا تخلو من عمق فلسفى كبير وساعده على ذلك عشقه للقراءة، فعلى حد تعبيره فإن حروف المطبعة تركت بداخله شيئاً مختلفا ومؤثرا وربما أكثر من أثر فيه رسوم عبد السميع التى كانت تتصدر غلاف `روز اليوسف ` بالأحمر والأسود، وتملأ بعض الصفحات الداخلية، تهاجم الملك فاروق فى آواخر حكمه، وتتصدى للاستعمار البريطانى وتحارب الرجعية، وكذلك أشعار بيرم التونسى.فرسوم عبد السميع فجرت بداخلة، نوعاً من الفوران والاتزان أما أشعار بيرم التونسى فهزته من الداخل لأنه شعر بأن هناك من يفهم ظروف الفقراء أمثاله ويعبر عنها بمنتهى السلاسة .
-عمل حجازى أول ما عمل رساماً للكاريكاتير بمجلة `روز اليوسف` منذ عام 1956، وكان شديد الاعتزاز بهذا العمل، ويقول بتواضع الفنان إنه ` تعلم الفنان من كل من سبقوه وكل من جاءوا بعده`، وخصوصا صلاح جاهين الذى كان حسبما يرى `صاحب تحول أساسى فى خط الكاريكاتير المصرى`، إذ الذى جعل الخطوط أكثر تعبيرا وعمقا. تميزت رسوم حجازى طوال مشواره الفنى بالانتقادات اللاذعة التى كان يواجهها إلى الواقع وعلى نحو مخالف للفكر التقليدى السائد فى رسوم الكاريكاتير فى ذلك الوقت غير أنها شهدت تحولا لافتا للنظر عقب نكسة يونيو عام 1967، فخيم عليها الاكتئاب والإحباط والعبث وازدادت الحالة مع الانفتاح الاقتصادى الذى أقره السادات لتظهر شخصيات حجازى مصابة بالفصام والمتناقضات لدرجة أنه توقف عن الرسم طيلة عشر سنوات كاملة تفرغ خلالها للرسم للاطفال بسبب موقفه السياسى ورفضه لسياسات الرئيس السادات.ففى عهد الرئيس عبد الناصر كان الخط العام متماشياً مع أفكاره، وان اختلف-أحيانا - مع بعض التفاصيل، والأخطاء التى شابت هذه السياسات، لذلك هاجم هذه السلبيات فى رسومه. أما خلال فترة حكم الرئيس السادات،اختلف الخط العام فى المرحلة كلها مع أفكاره، لذلك اتجه إلى الكاريكاتير الإجتماعى، وبدأ يرسم لوحاته عن الانفتاح الاقتصادى فى بداياته، قبل أن يشعر بالملل، وبأنه لا يستطيع أن يساير هذا الخط فقرر الابتعاد، خصوصاً أنه عاش فترة ازدهار الكاريكاتير فى خمسينيات القرن الماضى وستينياته، ولكنه عندما جاءت السبعينيات وتم قتل المواهب عن طريق سيادة النغمة الواحدة، والصوت الواحد، ولم يعد مسموحا بتعدد الآراء والأفكار، إلا كديكور فقط لتزيين الصورة أمام الغرب آثر الابتعاد فهو يرفض رسم أفكار الآخرين لأنه لكى يبدع ويرسم لابد أن يكون مقتنعاً بالفكرة، وأن تلمس وترا داخله لكى يرسمها ويعبر عنها لذلك لا نستغرب رفضه العمل بأخبار اليوم لأنه شعر أنه سيكون غريباً فى هذا المجتمع، خصوصاً أن `أخبار اليوم ` من المدارس التى تعتمد على قيام الرسام بتنفيذ أفكار الآخرين، وقد تأكد له ذلك عندما طلب منه مصطفى أمين أن يرسم صورة الملك حسين ملك الأردن وقد ركب جملا وأن يكتب تحت الصورة `خيبة الأمل راكبة جمل` .. وذلك تعليقاً على توتر العلاقات المصرية - الأردنية. فما كان من حجازى إلا أن خرج من أخبار اليوم ولم يعد .
- الطريف أن حجازى كان عاشقا للمرأة، ولكنه لم يتحملها كزوجة فأشد ما كان يثير دهشته أن يحب امرأة ويستيقظ فى الصباح ليجدها نائمة بجواره بمعنى أنها لا تزال بالمنزل!! لقد اندهش أيضا من وجود امرأة تسأله دوما متى سيعود !
-عندما عاد حجازى إلى بلدته فى طنطا سأل نفسه عن الذى حدث فى القاهرة طيلة الخمسين عاما التى قضاها فيها فلم يجد أى إنجاز سوى أنه عندما جاء كان هناك نوع واحد من الشيكولاته أما اليوم فهناك أكثر من مائة نوع إضافة إلى البسكويت والشيبسى.. وفيما عدا ذلك فلا شئ .. مازالت مفردات الشكوى منذ أيام الملك فاروق كما هى بالضبط..أى أن الحلم بأن أوضاع الناس تختلف من زمان إلى الآن لم يتحقق.. ولم يحصل المواطن المصرى على مرتب يكفيه أبداً.. كان يرى أن الفساد يشوب كل المؤسسات الضخمة بل إن الفساد يصل إلى وجود عمولات سلاح ومعنى ذلك أن ثورة يوليو أخفقت فى كل ما بشرت به، فإذا كانت قد اقتعلت ملك فاسد كانت أقصى درجات فساده هى لعب القمار وعشق النساء، فإنها أتت بمليون ملك فاسد لهم وجوه شرسة لا يعرفون الاستمتاع بمتعة واحدة إلا جمع المال أو سرقته بتعبير أدق..أصبحت المدن تشبه الأرياف بالمعنى القديم..عشوائيات وزباله.. الفقراء بدلاً من أن يجلسوا حول طبلية ولمبة جاز.. أصبحوا يلتفون فى العشاء حول القنوات الفضائية ويلبسون الجينز ويشربون المياه الغازية.. ولكنهم فقراء أيضا. لذلك قرر أن تكون رسوماته محاولة مستميتة لتغيير الواقع المؤلم الذى يحياه الناس فى بلاده، فقد كان ولا يزال يؤمن بأن فنه ورسومه وموهبته يجب أن تعبر دائما عن هؤلاء البشر الذين ظلمتهم الحياة، وذلك من خلال أعماله المميزة والتى تحدث فيها حجازى عن مفردات عايشها سنوات طويلة فرسم السيدة المضطهدة والسيدة المطلقة التى لا تجد مأوى، والأسر التى تعيش فى حجرة واحدة .
- رحم الله حجازى صاحب شخصية `سى السيد` الكاريكاتورية الشهيرة .
رشا عامر
الأهرام العربى - 29 /10 /2011
حجازى ... فيلسوف الكاريكاتير
- قبل ساعات قليلة من رحيل فيلسوف الصحافة المصرية أنيس منصور غيب الموت فيلسوف الكاريكاتير حجازى الذى يعتبر مؤرخ الصحافة بشكل عام وفن الكاريكاتير بشكل خاص وواحدا من أهم رواد هذا الفن فى مصر والعالم العربى.
- كان حجازى صاحب مدرسة متميزة فى الفن الذى عشقه ووهبه حياته، وقد اعترف بهذا التميز فنانو الكاريكاتير الفرنسيين الذين شاهدوا أعماله ورفضوا فى البداية ان يعترفوا بأنها رسوم (يدوية) لفنان مصرى فقد كانت على حد تعبيرهم المنمنمات والخطوط (بالكمبيوتر) ولكنهم سرعان ما عدلوا عن رأيهم عندما جلس يرسم أمامهم.
- كانت مدرسة حجازى تعتمد على مجموعة من الأسس التى وهب نفسه لها ورفض أن يحيد عنها منها أن الكاريكاتير يجب أن يكون مباشرا خاليا من الرمز ليحقق هدفه وهو تغيير الواقع المر إلى الأفضل انه عاش حياته كاملة لا يرسم إلا الفكرة التى يقتنع بها ويضرب عرض الحائط بالأفكار التى يمكن أن ينقلها له الآخرون ثم أخيرا كانت أهم مبادئه التى سار عليها تلاميذه بعده أن الكاريكاتير لا يعيش إلا فى جو الحرية .
- بدأت مسيرة حجازى مع فن الكاريكاتير عام 1950عندما هجر قريته كفر العجيزى بطنطا ليبدأرحلته الفنية كانت البداية فى عدد من الصحف الصغيرة ثم فى المجلات التى نشأت فى أول سنوات الثورة مثل ( التحرير ) وغيرها إلى أن استقر به المقام فى دار روز اليوسف التى تعتبر مدارس هذا الفن من فنون الصحافة ومنها انطلق ليؤسس مدرسته أهم المبادئ والاسس التى اقتنع بها طوال حياته، والتى اعتزل العامة وآثر العزلة فى قريته بعد أن رأى أن هذه المبادئ غير مجدية وأن الفن الذى عشقه قد افتقد المناخ الطبيعى له وقد استمرت هذه العزلة لأكثر من 20 عاما، وأن كانت لم تمنعه بأن يتابع تلاميذ مدرسته فى أعمالهم ويمدهم بنصائحه وارشاداته .ولا نملك أمام إرادة الله إلا أن نقول وداعا أحمد حجازى فيلسوف الكاريكاتير الصحفى.
محمد عبد العلى
المسائى - 23 / 10 /2011
كان لجازى طقوسه الخاصة فى الحياة..فهو محدد ويعرف ما يريده من الدنيا
- فى صمت الحكماء.. وترفع النبلاء ..عاش حياة صنعها بنفسه .
- وفى صمت الفنانين العظام.. وعبقرية الرواد.. رسم فأبدع.
- وفى صمت الفقراء.. وسمو الفرسان .. أعطى بلا حدود .
- وفى صمت المتصوفين.. وزهد الأنبياء..غادر إلى القاهرة عائداً إلى طنطا .
- وفى صمت الأبطال.. تحمل آلاماً نفسية وجسدية.. فوق طاقة البشر .
- وفى صمت الشهداء.. رحل حجازى.. موصياً أخواته البنات ألا يعلن عن وفاته إلا بعد أن يواريه التراب.
- أى طراز من الرجال أنت حجازى ..
- وكيف تواتيك الجرأة على أن تفعل بنا ذلك.. وتمضى هكذا وحدك :
- ` كم كنت وحدك ..
- يا ابن أمى ..
- يا ابن أكثر من أخى ..
- كم كنت وحدك ..`
- هكذا عاش حجازى فى صمت.. وهكذا مضى فى صمت..
- كنت أهاتفه فى الأيام الأخيرة.. لأحدد موعداً للزيارة.. فيقول :
- لن تسعد بلقائى إذا حضرت..فلا داعى لحضورك..فأنا لم أعد أنا..فإذا حضرت فلن تجدنى!!
- وكنت أسأل زميلنا فى دار روزاليوسف `عبد العزيز خطاب ` :
- حجازى رافض استقبال أى حد ..ليه ؟!
- فيجيبنى `عبد العزيز` الذى رافق حجازى عبر رحلته الطويلة وكنا نسميه ` مرسال الغرام` بين حجازى وكل عشاقة وأصدقائه ومريديه :
- الأستاذ تعبان جداً.. ولا يغادر الفراش مطلقاً.. وهو لا يريد أن يراه أى أحد وهو - بهذه الصورة..أنت إذا رأيته لن تعرفه !!
- كان يتألم فى صمت.. ويمتص المرض وجناته المترعة بالحياة..
- ويطفئ الألم بريق عينيه التى كانت تلتمع بالعشق للبسطاء.. وكانت أحواله المالية فى تدهور عام.. بعد عجزه التام عن العمل .. وانقطاع الرزق .. ومع الترفع وسمو النفس.. كان لا يمكن الاقتراب من منطقة `إعانته`.. وكان أخواته يحذرن من ذلك أشد التحذير بناء على تعليماته القاطعة والمشددة فيضطرون لأن يستكملن أسباب المعيشة والحياة.. من مواردهن الذاتية الخاصة وهن أيضاً من البسطاء اللاتى دافع عنهن حجازى.. ووهب لهن عمره.. وعاش من أجل إخوته.. فكيف يخالفن تعليماته.. وكيف لا يوفرن له كل شئ من طعام ودواء وعلاج مكلف ..تدهورت الأمور بسرعة عندما كنت فى مهمة عمل خارج مصر مديراً لقناة الجزيرة للأطفال بالدوحة.. وعندما عدت لجريدة روزاليوسف، عرفت.. تحدثت للصديق د.عماد أبو غازى، وزير الثقافة، عن إمكانية توفير منحة تفرغ له ..فوافق على الفور ..فأعددت الطلب وملف منحة التفرغ حول `الفكاهة الشفاهية`.. والرسوم الكاريكاتورية الشعبية فى دلتا مصر`..
- وأوشكت الإجراءات على الانتهاء.. وكانت بداية الصرف الشهر المقبل.. وكان د. أبو غازى بالاتفاق مع جمعية الكاريكاتير ومحافظة الغربية اتفقوا أن نقيم له معرضاً.. وبدأ الفنان جمعة فرحات.. والفنان سمير عبد الغنى فى التحرك وبدأت اختار اللوحات وأعالج الرسوم الصغيرة بعمل مستنسخات مكبرة.. لمعرض عام لأعمال حجازى.. ولكن حجازى العنيد الذى رفض من قبل حضور كل الاحتفاليات التى أقيمت له..رفض أيضاً أن يحضر معرضه الذى نعده له.. وتركنا جميعاً ورحل.
* حجازى الإنسان :
- قد يكون من غير المجدى الآن الحديث عن حجازى الفنان فرسومه التى ملأت الصحف خلال اليومين الماضيين تذكرنا جميعاً بقيمته الفنية.. ونؤكد تفرده باعتباره أحد أهم الرواد المؤسسين لفن الكاريكاتير المصرى.. والكتاب الذى أصدرته وضم مجموعة كبيرة من رسوماته.. سبقته مقدمة فى شكل دراسة موسعة عن أعماله.. وكان ذلك عام 1995.
- ورغم أهمية الحديث عن رسومه الرائعة.. وكائناته المدهشة إلا أن الحديث عن حجازى الإنسان قليل جداً.. ومن اقتربوا من حجازى بالقدر الكافى لرؤيته بلا رتوش.. يعلمون تماماً أسرار عالم حجازى الغامض والمجيد فى ذات الوقت.. لكن من سمح لهم حجازى من اقتحامه والاقتراب منه بهذا القدر الكافىء لمعرفته..قليلون جداً .. وربما يعدون على أصابع اليدين دون مبالغة.. لأن حجازى فنان مرهف.. وإنسان ذو طبيعة خاصة جداً.. نادراً ما يحرك شفتيه ليتكلم إلى أحد.. لا يهاتف أحداً.. ولا يرد على أحد إلا نادراً .. له عالمه الخاص الذى نجح فى تحديد ملامحه.. ورسم حدوده فى بساطة متناهية.. ودقة صارمة فى ذات الوقت.. ويبدو أن صمت حجازى أخذه عن والده..فوالده كان صامتاً دائماً.. ونادراً ما يتحدث حجازى عن نفسه أو عن والده.. فإذا تحدث فببساطة مفرطة.. واعتزاز كبير ويحكى حجازى عن صمت والده الذى كان سائقاً للقطارات فيقول : ` أبى صامت مثلى .. ولكنه كان يكلمنى أحياناً عن الأوضاع فى عمله وكان يكتب شكاوى كثيرة لمظالم يتعرض لها فى العمل.. وأحياناً يقرأ لى بعضاً من شكاواه عن تأخر قطاره دقيقتين مثلاً لأنهم فى الورشة لم يسمعوا نصيحته بضرورة إصلاح `الباكم` .. كانت مشاغبات صغيرة.. لكنه كان يكتبها باهتمام واعتزاز بمعرفته بالكتابة بخط جميل، يحلق دقنه ثم يكتب الشكوى شاعراً أنها أهم شئ فى حياته.. وفى فترة الصيف يصحبنى أبى معه فى القطار `أبو فحم ` وأبيت معه فى استراحات السكة الحديد.. رأيت مصر كلها عبر نافذة القطار .. أجسام السائقين المكدسة على الأسرة.. الأكل على ورق الجرايد.. طعمية وجرجير غير مغسول جيداً ` .
* حجازى .. ملامح إنسانية :
- كان لحجازى طقوسه الخاصة فى الحياة،فهو محدد للغاية يعرف ما يريده من الدنيا.. فلم يطمع يوماً فى أن يأخذ أكثر مما كان يريده بالتحديد..فى تمام السادسة صباحاً يكون على مكتبه فى مجلة `صباح الخير`.. يخرج الأقلام وأوراقة البيضاء يشرب القهوة ويدخن بشراهة بلا توقف.. قبل أن تأتى الثامنة يكون قد انتهى من كل أعماله..يغادر مبنى روزاليوسف قبل أن يمتلأ بالموظفين والكتاب والمحررين.. ينطلق فى شوارع القاهرة..عينه الراصدة كزرقاء اليمامة تلتقط مالا نراه نحن البشر العاديين هو يرى أكثر منا.. وأبعد منا.. ينتقى ويختزن ويملأ ذاكرته بآلاف الصور والمواقف والشخصيات.. يجلس على مقاهى مصرية بعينها يرتادها مصريون بسطاء ولكنهم حقيقيون.. مرة فى مقهى `إيزافيتش`.. ومرة فى `قهوة البرابرة `.. ومرة فى `الكاب دور`.. بعض هذه الأماكن أزيلت وبعضها تغير نشاطه وتحول إلى شركات سياحية.. وبعضها ظل كما هو.. ولكنها أماكن فقدت هويتها وملامحها الحقيقية.. لذلك فى نهاية الثمانينيات قرر أن يستيقظ فى السادسة صباحاً ويجلس إلى مكتبة فى منزله بالمنيل.. يرسم ويأتى `عبد العزيز خطاب` يأخذ الرسومات ويحضرها إلينا فى مجلة `صباح الخير`.. وبدأ فى عزلة اختيارية.. لا يستقبل أحداً طوال الأسبوع.. وصباح الأحد يفتح باب شقته للجميع من أراد أن يرى حجازى فاليأتى فى اليوم المفتوح ` .. تجلس عند حجازى كل يوم أحد فتجد مائدته عامرة بكل أنواع اللحوم والدواجن والأسماك وفواكه البحر.. إنه كريم بلا حدود.. وبسيط بلا اصطناع ..يفعل ما يجب أن يفعله .. ولا يستطيع أحد أن يجبره على شئ.
- جاء ذات يوم إلى مكتبه فى مجلة صباح الخير.. وكان رئيس مجلس الإدارة عبد العزيز خميس.. وكنت أجلس مع حجازى وهو يواصل رسم لوحاته وطلبنى رئيس مجلس الإدارة وسألنى عن حجازى..فقلت له موجود..فقال سأحضر فوراً لأراه..فلم يكن قد رآه من قبل وقالوا له وإنه يأتى فى السادسة صباحاً ويغادر فى الثامنة.. وسألنى حجازى من الذى كان يتحدث معك.. فقلت له الحكاية..فما كان من حجازى إلا أنه لملم أوراقه وأقلامه بسرعة.. وأخذها معه.. وقال لى أرسل لى عبد العزيز خلال ساعة سأكون قد انتهيت من الرسومات.. قلت له والأستاذ خميس ماذا أفعل معه ؟! ضحك قائلاً : أجلس معه أنت.. واطلب له قهوة على حسابى .
- أنا فى حياتى لم أر رئيس مجلس إدارة.. ولست على استعداد أن أجالسه..سلام.
ومضى حجازى.. وجاء عبد العزيز خميس بعد دقيقة واحدة فلم يجده.. تعجب وراح يسألنى عن أسباب عدم انتظاره له..فقلت له إنه حجازى.. ولا أحد يستطيع أن يجبره على شئ.. ولا تعليق لدى!!
- ذات يوم زرته ومعى د.عبد الرحمن بسيسو سفير فلسطين فى بلاد التشيك الآن.. وكان ذلك فى نهاية الثمانينيات حين كان بسيسو بصدد إصدار مجلة للأطفال تسمى`فرح`.. وكان معنا رجل الأعمال رفيق عبد الناصر شقيق الرئيس الراحل الأصغر.. وعرضنا عليه العمل فى المجلة.. وقال له بسيسو كلاماً طيباً..ووعده بأن كل طلباته مجابة.. وتحدثنا جميعاً.. وأطلنا فى الحديث والإغراءات.. وظل حجازى صامتاً يضايفنا بأدب جم.. ويضع المأكولات والمشروبات بانتظام..وفى نهاية اللقاء تحدث حجازى بعد صمت طويل فقال :
- بصراحة أنا حالياً عندى شغل بأعماله لمجلة ماجد.. وبعد ما بشتغل بأخد الفلوس التى اشتغلت بها لكى استمتع بصرفها.. وكل الوقت المخصص للشغل يستنفد فى رسوماتى لمجلة ماجد.. ولا يصح أننى بعد أن اشتغل..أشتغل مرة أخرى.. الإنسان بعدما يشتغل يأخذ الفلوس التى اشتغل بيها ليدخل بها سينما ويشاهد `مسرح ` ..ويأكل ويشرب وينبسط !!
- هذا هو حجازى الذى يعرف ما يريد .. ويعمل ما يحب.
* حجازى .. أنا مش رسام مهم!!
- جاءت فكرة عمل كتاب أضم فيه أعمال حجازى وأوثقها عبر سببين رئيسيين.. الأول: عشقى الشديد لحجازى ورسومه من قبل أن التقى به واقترب منه بالدرجة التى توقعك فى حبائله وتصبح من ضحاياه ودراويشه.. والسبب الثانى: ظهر عندما توليت مسئولية المدير الفنى لمجلة `صباح الخير ` عام 1980.. ومنذ ذلك يوم وجدت أن هناك معركة تدور فى صمت بين عدة أفراد من أجل الحصول على أصول رسومات حجازى والاحتفاظ بها واقتنائها.. لجمالها الأخاذ.. وروعة ريشته.. خاصة أن لوحاته الأصلية كانت شديدة الدقة فهو بارع فى تصميم لوحاته وخاصة ما أطلقت عليها فى كتاب `منمنمات حجازى المصرية `. وكان فرسان هذه المعركة.. شيخ رسامى الكاريكاتير `زهدى العدوى` الذى كان يأتى كل صباح إلى قسم تجهيزات الأوفست بالدور الرابع ويجمع أصول كل الرسامين ويقتنيها ويأرشفها بعناية.. وبين المهندس عزيز المصرى رئيس قسم التجهيزات الذى كان يعشق حجازى إلى حد الهوس وكان من أصدقائه المقربين..أما الفارس الثالث فهو رفيق عمرة الشاعر فؤاد قاعود الذى كان يعتبر أنه هو الأحق بلوحات حجازى خاصة التى كانت ترسم خصيصاً مصاحبة لأشعاره.. أما صاحب هذه الرسومات وهو حجازى نفسه فلم يحتفظ فى حياته بأي لوحة رسمها.. وكان يقول لى :
- أعوذ بالله.. وهل أعلق رسومى أمامى على الحائط لأرها كل يوم !! وعندما تأملت هذا المشهد المركب اكتشفت أن حجازى هو رسام الكاريكاتير الوحيد الذى ستندثر رسومه، ولن يصبح لدينا أى مرجعيات لتوثيق أعماله المهمة التى كنت أرى أنها تسجل `التاريخ السرى للإنسان المصرى البسيط ` .
وأنها سجل اجتماعى وسياسى واقتصادى لحقبة امتدت أكثر من أربعين عاما من العطاء بدأت عام 1955 ..وحتى يوم صدور الكتاب 5591.
- وعندما راودتنى الفكرة كان ذلك فى بداية عام 1990ورحت أجمع لوحاته على مدى خمس سنوات، إلى أن اكتملت لدى مجموعة تمثل مجمل عطائه عبر 40 عاماً.. وكان البحث عن هذه الأصول وتبويبها أمراً يكاد يكون مستحيلاً ناهيك عن المشقة.. والتعب اللذيذ .
- وفى النهاية كان لابد من عمل دراسة فى بداية الكتاب.. وإطلالة على مسيرة حياته..فطلبت منه مراراً أن أجلس معه وأسجل قصة حياته كما يرويها هو لكى تكون وثيقة للأجيال القادمة.. ولكنه كان يتهرب منى دائماً.. ويحاول إثنائى عن عزمى، وتثبيط همتى، وكلما التقينا وتحدثنا عن الكتاب يواجهنى بتعليق ساخر فيقول: `.. ولماذا نكسر القاعدة وتصدر كتاباً عنى و أنا حى.. وعادة فى مصر تصدر الكتب لتكريم الموتى..فأجل كتابك إلى أن أموت ثم أفعل ما تشاء`.
- وكنت أعلم أن الأستاذ صلاح عيسى قد سبقنى فى محاولة انتهت باليأس والفشل من أجل إصدار كتاب لحجازى عن مجمل أعماله التى نشرت فى جريدة الأهالى أسوة بكتاب الفنان `بهجت عثمان ` الذى أصدرته جريدة الأهالى..- ولكننى لم أيأس وكنت أحس أن ما أقوم به هو مهمة وطنية لجمع تراث حجازى وحفظه من الضياع ووضعه فى ذاكرة وضمير الأمة.. كنت قد توقفت عن كتابة الدراسة وعمل حوار معه إطلاعه على تفاصيل الكتاب وتبويبه.. وتكرت اللقاءات.. وفى النهاية أرسلت له رسالة مكتوبة شعراً أطلب منه فيها تلبية طلبى وعاتبته ساخراً فيها بأنه يتهرب منى..فرد على شعراً بهذه العبارات :
- الصديق العزيز / محمد بغدادى
- تحياتى وتمنياتى بالصحة والتوفيق وشكراً على رسالتك الشعرية الرقيقة..وشكراً على الكتب التى أرسلتها لى وقريباً سوف اتصل بك لتحديد موعداً أراك فيه لأنك واحشنى جداً.. وأنا طبعاً مش قافل الباب فى وجه الأحباب أبداًً..
وبالمناسبة :
- أنا مش بعيد، ولا بتبغدد، كله إلا دى مين ده اللى يقدر يبتغددعلى بغدادى وشكراً لك وإلى اللقاء.
- حجازى ..
- وعندما طلبت منه أن أحضر جهاز التسجيل ونبدأ فى عمل الحوار أرسل يقول لى :
- `يا بغدادى أشكرك على رقتك واهتمامك وطبعاً يسعدنى أن آراك فى أى وقت لكن بلاش جهاز التسجيل لأنى بصراحة مش شايف إنى رسام مهم ولا أى حاجة،الحكاية كلها إنى جيت من طنطا للقاهرة أشوف شغلانة آكل منها عيش وسجاير وطلعت الشغلانة فى الصحافة لأنى كنت وأنا فى ثانوى بعرف أرسم شوية.
- بس كده..
- تحياتى وحبى لك. وإلى اللقاء `.. حجازى
- إلى هذا الحد من التواضع كان حجازى عازفاً عن التكريم وقد روى لى حكاية عن عدم احتفاظه بأصول لوحاته فقال : `كنت أيام الزواج.. كانت زوجتى ( وهى السيدة سلوى المغربى) بدأت فى جمع أصول رسوماتى وعمل أرشيف لها وملفات.. وكنت لا أرغب فى ذلك..فلما انفصلنا أخذت هذه الملفات وألقيتها فى القمامة على باب شقتى بالمنيل فجاء جامع القمامة فوجدها مرتبة فشك فى الأمر ..فدق جرس الباب وقال لى لقد وجدت هذه الرسوم على الباب ربما تركها أحد لك ..فقلت له ضعها على المكتب .. فوضعها .
- وبدأت كل يوم أمزق كل ملف إلى قطع صغيرة وألقيها فى القمامة حتى لا يردها لى الرجل مرة أخرى !! .
- هكذا كان حجازى ذلك الفنان العظيم يتعامل مع رسوم بهذا القدر الذى لا يمكن فهمه!! إلا إذا عرفنا لماذا كان حجازى يرسم إنه كان يريد أن يغير الواقع برسومه فقد قال لى عن علاقته برسومه :
- ` إن علاقتى باللوحة تنتهى تماماً بمجرد أن أنتهى منها.. وبعد أن تنشر لا أتأملها.. ولا أنظر إليها مطلقاً فى غاية الخجل عندما أطالع رسومى وهى مطبوعة فى المجلات، لذلك لا أتوقف أمامها وأعبر صفحاتها دون أن آراها `!!
* حجازى .. والتحول المفاجئ :
- ظلت علاقة حجازى برسومة على هذه الوتيرة.. وأذكر أننى بعد أن انتهيت تماماً من إخراج الكتاب وتبويبة وكتابة المقدمة.. أخذت كل الرسوم و(الماكيت) .. والغلاف وذهبت إلى حجازى بالمنزل.. وكان يجلس معه الزملاء الكاتب الصحفى عادل حمودة.. والفنان عبد العال..والفنان طه حسين.. ودخلت ووضعت كل عناصر الكتاب على الطاولة.. وقلت له لابد أن تلقى ولو نظرة أخيرة على محتويات الكتاب..فنظر إلى بدهشة شديدة وقال لى : أى كتاب تقصد ؟ !
- قلت له: كتابك.. رسومك ؟
- فقال لى : لملم أوراقك أنا لا أريد كتباً وهذا كتابك أنت إذا كنت مصمماً على عمله فهذا شأن خاص بك!
- فقلت له : طيب .. أرجو أن نتفق على اسم الكتاب..
- فقال وهذه أيضاً أمور ليس لى دخل بها..
- وعرضت الأمر على الصديق عادل حمودة.. وكنت قد قررت أن يكون عنوان الكتاب` كاريكاتير حجازى`..فتأمل حمودة العنوان قليلاً واقتراح إضافة صفة للفنان حجازى.. وقال لى :
-فليكن `كاريكاتير حجازى..فنان الحارة المصرية `وبالفعل كان اقتراحه رائعاً.. وقبل أن أغادر منزل حجازى طلب حمودة منى بعض الرسومات ..وجزء من المقدمة لينشرها على أربع صفحات كاملة فى مجلة روزاليوسف إذ كان هو رئيس التحرير الفعلى آنذاك للمجلة وبالفعل كانت مجلة روز اليوسف أول مجلة تحتفى بكتاب حجازى على هذا النحو الرائع.. وتوالت الصحف فى مصر وخارج مصر تواصل الاحتفاء بهذا الكتاب ليس لأننى بذلت فيه جهداً كبيراً.. لكن لأننى نجحت فى إقناع حجازى فى أن يكون له كتاب يضم أعماله.. وللأسف الشديد أن المجلة الوحيدة التى لم تنشر سطراً واحداً عن كتاب حجازى هى مجلة `صباح الخير ` التى كان حجازى وأنا نعمل بها.. وكان رئيس التحرير وقتها `رءوف توفيق` الذى قال لى عندما قدمت له نسخة هدية من الكتاب لم ينظر إلى الإهداء إنما نظر إلى قائلاً :
- `إن كنت عايز نكتب خبراً عن الكتاب.. اكتبه أنت وهاته علشان أنشره.. بس يكون خبر صغير `!! قلت له : أعتقدت أنك صديق حجازى فجئت لك بنسخة منه هدية.. ولا أريد أن أنشر هنا أى شئ عن الكتاب فقد نشرت عنه كل الصحف والمجلات مصرية وعربية وعشرات المقالات.. وتم الاهتفاء بحجازى بطريقة تليق بهامته العظيمة !!
- وكل هذا قد لا يهم الآن.. ولكن الأهم هو التحول الذى حدث فى حياة حجازى.. فقد فوجئت به يدعونى لسهرة خاصة ليحتفل بصدور الكتاب بعد أن تلقى مكالمات تليفونية من عدد كبير من كبار الرسامين والفنانين والمفكرين المصريين والعرب يهنئونه على الكتاب .
- فذهبت إليه وسهرنا نتجاذب أطراف الحديث وأردت أن أسأله عن رأيه..فقال لى لقد كنت مثل الكلمات المتقاطعة حروف متفرقة لا معنى لها..الآن أصبحت جملة مفيدة.. وضحكنا .. وتداعت الأحاديث حول الفساد والظلم والنهب المنظم الذى تعيشه البلاد..فانتابتنى حالة من الاكتئاب ..فنظر إلى ساخراً :
- لا .. أنت حاتكتئب من أول الليلة.. إحنا جايين هنا علشان نحتفل..
- فقلت له : إننى خائف على مصير مصر وماذا بعد ؟!
- فقال ضاحكاً :
- لأ.. لا تخاف على أى شئ فى مصر .. مصر طول عمرها يحدث لها ما هو أفظع من ذلك.. وتظل مصر باقية ويزول الظلم بحكامة.. ولو رجعت إلى كتاب `النجوم الزاهرة فى سماء مصر والقاهرة `ستجد أن كل ما يحدث لنا الآن سيأتى فى سطر واحد يقول : ( وقد حكم مصر حاكم ظالم اسمه حسنى مبارك من سنة 1981 حتى عام.. كذا..) وستبقى مصر هى مصر رغم كل شئ .
- وفى نهاية السهرة.. وأنا أغادر منزل حجازى مع نسمات الصباح الباكر..قال لى ونحن على باب الشقة.. خذ هذه الأشياء معك فأنت الوحيد الذى يمكن أن ائتمنه عليها..فنظرت إلى ما يشير إليه فوجدت بعض الملفات الملفوفة بعناية ..فحاولت أن أرى ما بداخلها.. فقال لى بعدين!! فسألته ماذا بداخلها.. فقال لى : أنا لا أعرف خذها لقد كانت عند أخت المهندس عزيز المصرى وحاول أن يتركها لى قبل أن يهاجر إلى استراليا..فرفضت كما تعلم..فقال لى إنه سيترك هذه الرسومات لدى أخته ببورسعيد وأعطانى العنوان.. وقال لى ربما يأتى يوم ما شخص تستأمنه على رسومك.. وأعتقد أنك هذا الشخص لقد سافرت بالأمس وأحضرتها بنفسى من بورسعيد..فهى لك.. بعد هذا الكتاب أعتقد أن من حقك أن تحتفظ بها.
- وهذا التحول الذى أصاب حجازى ما كان يمكن أن يحدث لولا أن هذا الكتاب صدر فى توقيت أعتقد أنه عبقرى.. ولكن للآسف توقف حجازى بعد ذلك عن الرسم للكبار وقال لى : إنه لم يعد لديه أمل فى الكبار ..وأمله كله فى هذه الأجيال الجديدة فربما تصنع شيئاً مفيداً .. وبالفعل عاش حجازى حتى رأى الجيل الذى رسم له فى مجلة سمير وماجد يغير وجه الواقع .. لأننى سألت حجازى سؤالاً محدداً .. لماذا نتوقف أحياناً عن الرسم .. فقال لى سأحكى لك حكايتين بعد كل منهما توقفت لفترة طويلة..
- الأولى : كنت قادماً من منزلى فى المنيل قاصداً مكتبى فى صباح الخير .. وكانت هناك جمعية تعاونية فى شارع أمين سامى وكان ذلك فى منتصف السبعينيات وكان حسن فؤاد رئيساً للتحرير.. ووجدت طوابير الناس الفقراء يقفون منذ ساعات قبل أن تفتح الجمعية أبوابها من أجل الحصول على دجاجة مجمدة وليس للمواطن الحق فى أخذ دجاجتين.. وعندما مررت على شارع `أفراح الأنجال`وهو المتاخم لمؤسسة روز اليوسف حيث يوجد الباب الخلفى للجمعية اكتشفت أن هناك عربات مديرى المصالح الحكومية تقف والسائقون يضعون فراخ الجمعية بالكرتونة فى السيارات الحكومية وعرفت أن هذه الفراخ المدعومة يذل عليها المواطن ويأخذها الكبار..فتوجهت إلى مكتبى ورسمت مجموعة من الكاريكاتير اللاذع جداً أدين به هذا الفساد.. وكانت رسوماً ساخنة جداً وعندما عرضتها على حسن فؤاد وهو الاشتراكى واليسارى المنحاز مثلى إلى الفقراء وهو الذى سجن فى معتقل الواحات من أجل هؤلاء الفقراء..فما كان منه إلا أنه أخذ يضحك ويقهقه بشدة حتى دمعت عيناه.. وقال لى : هايل يا حجازى.. برافو رائع ..ثم طلب `محمد سليم` المشرف الفنى آنذاك وقال له أن عايزك تفرد رسومات حجازى على أربع صفحات وخد منهم واحدة على الغلاف ونظر إلى وقال لى تشرب إيه يا أبو `االحجز ` !!
- بالطبع بعدها توقفت أكثر من ثلاث سنوات عن الرسم ليس لأن حسن فؤاد تعامل مع رسوماتى بهذه الطريقة.. بالعكس ما فعله حسن فؤاد أفضل احتفاء ممكن أن يحظى به رسام.. لكن ما جعلنى أتوقف هو أن حسبه الكاريكاتير اختلفت واصبحت رسومى مجردة مادة للفكاهة تزين بها صفحات المجلة.. وإنها عاجزة حتى عن أن تغير الواقع أو حتى تغير مفهوم رئيس التحرير الذى توقعت أن يرسل فريق عمل من قسم التحقيقات لعمل ملف للفساد فى المجمعات الاستهلاكية فأدركت عدم جدوى رسومى فتوقفت..فسألته..والمرة الثانية..فقال:
- المرة الثانية عندما كنت أعمل فى جريدة الأهالى وكان سقف الحرية قد ارتفع كثيراً عن الرسم فى مجلتى صباح الخير وروز اليوسف.. ولكن بعد قليل اكتشفت أننى أكثر براءة منهم فى جريدة الأهالى فاعتذرت عن مواصلة العمل .. سألته كيف هم أقل براءة منك ..قال ساخراً :
- وأنت أيضاً أكثر براءة منهم ..وإلا ستكون أكثر سذاجة.. وأنا أعرف جيداً انك لست ساذجاً إلى هذا الحد .
- الحديث عن حجازى ذو شجون.. وهو لا ينتهى ولكن كنا جميعاً نضحك على رسوم ونستمتع بها ونحتفى بنشرها فى كل مكان.. ولكننا جميعاً لم ننتبه إلى أنه كم كان يتألم مرة من الواقع ومرة من المرض.. ومرات عديدة من الإحباط الشديد الذى عاشه جيله وجيلنا أيضاً..فنحن أبناء ثورة يوليو كنا نشعر دائماً بأنه لدينا مهمة وطنية وأننا مهمون وسنكون (الحدث القادم) الذى سيغير الواقع ويرفع الظلم..على حد تعبير حجازى نفسه.. ولكننا ظلمنا جميعاً ولم يتغير أى شئ.. أما (الحدث القادم) فلم يكن لنا بل كان للصوص والفاسدين.. والداعرين والقوادين فى السياسة والحياة.. وإلى أن نلتقى يا صديقى العزيز فليكن العالم فى مثل جمالك وعطائك العظيم.
محمد بغدادى
جريدة الفجر - 31 /10 /2011
حجازى عشق الحياة فى صمت.. ورحل عنها فى صمت
*عام يمر على رحيل درويش الكاريكاتير المصرى والعربى `حجازي` فى عصره الحديث الذى دائما ما رفع شعار `إنى أعمل فى صمت`.. حجازى كان صوته يعلو من خلال رسومه القوية والهادفة التى استقاها من عمق المجتمع المصرى، من أبناء الطبقتين المتوسطة والبسيطة راكبى الأتوبيس فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى فى كل صباح.. المتجهين لأعمالهم الوظيفية الروتينية يتجاذبون أطراف الحديث فى كل شئ، نميمة على المدير والزملاء بالعمل نقد لاذع وساخر للواقع السياسى وسيريالية الشارع المصرى اليومية ولابد من أن تتخلل الحديث نميمة على الزوجة النكدية والزوج العابس مع كثير من الغيبة للحماة المتسلطة، هذه بعض نماذج من الكاريكاتيرات المصرية التى تأثر بها حجازى فى أعماله الكاريكاتيرية سواء على مستوى الشكل أو الزى وحتى الجمل التى كان يكتبها أحيانا معلقا على رسومه التى اتسمت بالسهل الممتنع .
* أتوبيس الدرجة الثانية :
- ربما كان ذلك أكثر ما لفت فنان الكاريكاتير`جمعة` وهو حرص حجازى على ركوب الأتوبيس `درجة ثانية` ودفعه فضوله لسؤاله عن السبب خاصة أنه كان الأعلى أجرا بـ `روزاليوسف` وقتها، فكانت إجابته : `طبعا، أو مال حاعرف الناس ازاي؟! `، يكمل جمعة فى صوت حزين لفراق صديقه : حجازى على عكس ما كتب عنه البعض إنه جمال حمدان فلم يكن يوما مغلقا الباب ومبتعدا عن الناس بل عاش واندمج بينهم فى كل مناحى الحياة، لذا من المدهش دائما أن نقرأ فى تعليقاته جملا نكون قد سمعناها من قبل! فكان ينقل ما يجرى على ألسنة البسطاء ويوظفها بأسلوب مميز فى أعماله..أعتقد أنه من الصعب الحديث عن حجازى،فأجمل ما فيه ليس فقط الفنان إنما الإنسان أيضا، فلقد اقتربت منه جدا فحين تخطر على بالى كلمة `فنان` يقفز إلى ذهنى على الفور الفنان الكبير جمال كامل وأحمد إبراهيم حجازي، فالصورة الرومانسية للفنان عموما بكل صفاتها الإنسانية الجميلة حيث الرقة والحس والكرم وغيرها لم أجدها متجسدة سوى فى حجازى فلم أقترب كثيرا من جمال كامل مثل اقترابى من حجازى.. فهو فنان ذو مراحل حيث بدأ برسومات تتسم بالطفولية الشديدة وانتهى بفنان مدقق جدا حريص على الصورة الجمالية شديدة الإتقان، إنما ألوانه طوال الوقت كانت ألوان طفل يلهو، مما كان يدهشنى جدا فى أعماله واللوحات التى رسمها للشاعر فؤاد قاعود والتى كان يبذل وقتا طويلا فى إنجاز كل واحدة منها وكان يقول دوما `أنا ورايا إيه ؟! أنا بأحب ارسم فبرسم` فلم ير يوما أنه يقوم بشيء غير مسبوق، ولو تأملنا هذه الجملة جيدا سندرك أنها تعنى حكمة مهمة هى أنه حين تبذل كل جهدك فى عملك وتخلص له لابد أنه سيصل للناس ويعجبهم.. حجازى إنسان وفنان مهم جدا ولقد افتقدته تماما بمجردعودته لطنطا لأنه انقطع تماما عنا لكنه ظل يرسم للأطفال إلى أن أصابته تلك الرعشة فى يده وأعتقد أنه كان قد فقد رغبته فى الحياة فهو لن يتكرر فى الحياة الثقافية أبدا لأنه ليس فقط رسام كاريكاتير بل كان مفكرا أيضا ومرتبطا بالإنسان دائما `.
* `لقد كنت حروفا مبعثرة .. لكنك جعلتنى جملة مفيدة `.
- كان من اللافت أن حجازى كان يكره الاحتفاظ برسومه وباسكتشاته مما يتعذر على أى باحث أو محب للكاريكاتير أن يستطيع جمع تراثه، وهو ما دعا الكاتب والشاعر محمد بغدادى والمستشار الفنى السابق لجريدة `روزاليوسف` إلى أن يكون أول من يجمع تراث حجازى فى كتابه `كاريكاتير حجازى.. فنان الحارة المصرية `عام 1995، لأسأله عن انطباعاته عن حجازى من خلال لقاءاته معه بمنزله فى طنطا، يقول بغدادى: `حجازى كان غامضا ومعتزلا عزلة الاستغناء لأنه استطاع أن يقيم لنفسه عالماً شديد الخصوصية وعميق الحكمة لكنه صارم من حيث التعليمات والإصرار على هذه الخصوصية والتفرد لكنه كان متناهى البساطة، لكنه كان يجيد أن يفعل ما يحب ويعلم تماما ماذا يريد`.
- فحجازى القارئ النهم والمفكر والقصاص والشاعر والمسرحى والروائى كلها مجالات كان حجازى قادرا على أدائها بمهارة لكنه لم يفعل أيا منها بل اكتفى بملء المربع الفارغ بكاريكاتيره، تطور هذا العمل منذ البداية فى 1954 تطورا ملموسا وفى كل مرحلة كان يتفوق على نفسه، لكنه فى النهاية هو خارج من عباءة بيرم التونسى..فأول ما شده بمكتبة المدرسة كان ديوانا لبيرم التونسى واقتناه ولم يفارقه لفترة طويلة وكان يردده دوما، فحجازى هو ابن المشكلة المصرية..فهو ابن سائق قطار يسافر معه دوما.. فلقد رأى حجازى كل مصر من نافذة القطار وفى آخر الليل ينام باستراحة السائقين حيث الأجساد المرهقة المكدسة والمتراصة جنبا إلى جنب بعد عشاء الفول والطعمية والجرجير غير المغسول على ورق الجرائد.
- ربما هذا سر تعلق حجازى بفؤاد قاعود الذى لم يبدع شعرا كما فعل فترة ارتباطه بحجازى الذى بدوره أبدع منمنماته الرائعة وكأنها منافسة شعرية مكتوبة ومرسومة بينهما،فكانت رسوماته بطاقة فنية مذهلة حقق بها المعادل البصرى لهذه الأشعار العميقة، حيث طافا أقاليم مصر بعد النكسة عام 1969 لإعادة اكتشاف الإنسان المصرى وإعادة عرضه على صفحات صباح الخير مما دعا الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين لصرف أعلى مكافأة لحجازى فى ذاك الوقت لنجاحه فى تأكيد انتصار الروح المصرية على أى هزيمة.
- يتذكر بغدادى موقفا يؤكد به عشق حجازى لبيرم التونسى ويقول: `فى إحدى السنوات احتفلت صباح الخير وكان الأستاذ لويس جريس هو رئيس تحريرها بميلاد بيرم التونسى وكلفت بعمل ملف عنه،فذهبت لحجازى وكان قد امتنع عن الرسم منذ فترة وقلت له إننا نقوم بملف عن بيرم ويسعدنا أن تشاركنا برسم للغلاف، ووافق على الفور وأبلغنى انه سيحضره بعد يومين وبالفعل فى السادسة صباحا جاء حجازى راسما بيرم جالسا ع القهوة يشرب الشيشة ويضحك ويقول `كل عام فى الورد أوان.. إلا النسوان..بقدرتك نابتين ألوان..أصفر وأحمر.. وأنت اللى تعلم وأنا أجهل.. إيه فيه أجمل.. من دى الخدود اللى تدبل ولا تتغير.. والشفتين اللى فالقهم وأنت خالقهم للابتسام.. ده انت تحير` وحول بيرم رسم عشر `نسوان` شديدة المصرية والجمال والخصوصية وفى الخلفية تنبت زهور بديعة`.
- سألت بغدادى عن موقف حجازى من الكتاب بعد صدوره، أجاب: انبهر جدا بالكتاب وظل صامتا ثم قال : `لقد كنت حروفا مبعثرة.. لكنك جعلتنى جملة مفيدة`، وحقق الكتاب صدى كبيرا جدا، ودعانى للاحتفال وكعادة المصريين بدأنا نتحدث عن حال البلد والفساد.. ووجدتنى صمت شاردا قلقا على البلد وجدته يقول لى: `ما تخافش على مصر.. مصر من 7000 سنة بيتعمل فيها كده، واللى انت شايفه ده حاييجى سطر فى الآخر.. وأقرا كتاب النجوم الزاهرة فى سماء القاهرة لعلى مبارك حاتلاقى كل اللى حكموا مصر ظلموها ومشيوا.. وحايفضل الشعب المصرى وحاتفضل مصر بخير`، هذا الكتاب 16 جزءاً لخصه حجازى فى جملة واحدة هى حكمة هذا الكتاب`.
* طوغان ينتظر الموافقة على معرض حجازي!
- لفنان الكاريكاتير السياسى ورئيس جمعية الكاريكاتير المصرى `طوغان` ذكريات خاصة عن حجازى..فى حماس يقول: أنا أول ما رأيت حجازى كان هو وأخوه الذى كان يرسم أيضا، لكننى شعرت أن احمد موهوب وقلت وقتها للسعدنى ذلك وبالفعل تعهده السعدنى فى صباح الخير وبالفعل لمع حجازى وأصبح فنانا مميزا لا يتكرر، ففنه قريب من الناس جدا لأنه عاش بين الناس ووعاهم جيدا وأدركهم فكان نظيف النفس وزاهدا وشجاعا، فلم يكن يريد سوى أن يرسم للناس وبالفعل استطاع أن يكون على القمة، لكنه أصيب بأزمة نفسية نتيجة الظروف التى مرت بها مصر، وكانت أكبر أزمة هى هزيمة 67 فكان هو وجاهين أكثر من تألما وعانا من النكسة وهذه هى مشكلة الفنان الحقيقي، كما أدرك حجازى فى وقت أنه قد أدى ما عليه ولاجدوى بأكثر من ذلك لهذا تقاعد وانزوى وعاد لموطنه وهو طنطا وكنا قد حاورنا الجمعية المصرية للكاريكاتير أن نقيم معرضا له بطنطا وبالفعل ذهب الفنان عبد الحليم طه لمحافظ الغربية وقتها لاختيار المكان المناسب مما أسعد حجازى لكن للأسف سبقنا القدر ورحل حجازى ولم يأت رد المحافظ حتى الآن!
- لويس جريس : يكذب من يقول إنه عرف أو فهم أو أدرك حجازى!
- الكاتب الصحفى لويس جريس الذى زامل طويلا حجازى بمجلة صباح الخير إلى أن تولى رئاسة تحريرها، استطاع جريس أن يصادر اى أحد يدعى أنه عرف حجازى بقوله: `يكذب من يقول إنه عرف أو فهم أو أدرك حجازى!، حجازى عالم خاص بحجازى عاشه بيننا مدة 75 سنة وحمله معه، كلنا عرفنا أجزاء متناثرة وشذرات لأن العالم الحقيقى كان فى داخله، فلم يكن يتكلم وإذا تكلم فإنه مجرد تعليق أو جملة قصيرة لكنه يستمع جيدا..أحمد إبراهيم حجازى من بداية معرفتى به وهو يقرأ كل الجرائد المصرية والعربية كذلك الحال مع الكتب فلم يترك كتابا لم يقرأه!، لكنه كان يلقى الجميع فيما بعد فلم يكن يحتفظ بشيء البتة، فمنزل حجازى ليس سوى صالة خاوية وغرفة بها مكتب ومنضدة ولمبة كبيرة وسرير ينام عليه وبالطبع المطبخ فلقد كان يجيد الطهى وكان كريما جدا `.
- واستكمل: `حجازى كان يحاور نفسه ويختزن داخله ليخرج كل هذا فى خطوطه أو تعليقاته، وإذا خط خطا لايوجد أحد يناقشه أو يحاوره حتى لو كان رئيس التحرير شخصيا فهذه هى الفكرة وهذا هو الرسم إن قبلته انشره وإن لم تقبله فلا تنشره لكن ممنوع التحوير أو التغيير وإن حدث ذلك يترك المكان على الفور دون مناقشة، فلم يكن يقبل أى نوع من التدخل لاقتناعه بما يرسم، اذكر مرة أن ديجول الرئيس الفرنسى الأسبق عاهد نفسه إن تقدم للانتخابات ولم يمنحه الشعب أكثر من 70 أو 75% فإنه لن يقبل الرئاسة وبالفعل لم يحصل على الأصوات التى توقعها رغم أنه هو فى هذا الشأن وقمت بتنسيق المقال واخترت رسما جيدا لشارل ديجول وأعطيتها للمشرف الفنى آنذاك لتطبع بالعدد الجديد،فى اليوم التالى صدر العدد كما كان مخططاً له إلا أننى فوجئت بزهيرى ومحمود السعدنى ومحمود المراغى يخبرونى أن محمد فايق - وهو وزير الإعلام آنذاك -غاضب منى دون أن يخبرونى بالسبب!، حاولت معرفة السبب ومرت ثلاثة أشهر إلى أن - أخيرا - قابلت فايق بمكتبه لأفاجأ به يخرج لى كاريكاتيراً لحجازى من درج مكتبه مرسوماً به اثنان فرنسيان يجلسان تحت المسلة المصرية بميدان الكونكورد بفرنسا أحدهما يسأل الآخر `هو ديجول ترك الرياسة ليه؟` فأجاب الثانى`أصل ماعندهمش 9 ،10 يونيو`، فقال لى: يا لويس انت تقول على عبد الناصر كده؟، فأجبت: إننى لأول مرة أرى هذا الكاريكاتير!، المهم فيما بعد عرفت من حجازى أن زهيرى طلب منه فى المساء أن يرسم له كاريكاتيرا مناسبا للحدث والمقال وكان هذا هو الكاريكاتير الذى رسمه لكن الرقيب وقتها ألغاه وتوجه به للوزير للبلاغ عنى وكنت فى التنظيم الطليعى الذى يرأسه الوزير!، .. وبعدها عرفت من زهيرى أنه فعل هذا فعلا وكان يعلم بغضب الوزير منى لكنه تركنى حائرا !، الغرض من هذه الرواية هو أن حجازى حين يتصدى لموقف أو موضوع لا يكون غرضه منه هو الإضحاك بل كانت له رؤية أكثر عمقا وفكرا، فمن المعروف أن يومى 9 ،10 يونيو حيث أعلن ناصر تنحيه عن الرئاسة إلا أن خروج الشعب ورفضه للتنحى هو الذى أعاده مرة أخرى للزعامة، لذا كان الرقيب محقا فى منع هذا الكاريكاتير من الطبع والنشر، فهذا العمق لم يكن يصل إليه أحد ولا حتى جاهين!، فهو واحد فقط من يستطيع الوصول إليه هو ذلك الإنسان الصامت المتحاور مع نفسه وهو حجازي.
- حجازى الحقيقة كانت له عادات ربما كتب عنها الكثيرون، أهمها إدراكه لما يفعله الشعب المصري، فمهما كان السهر يمتد به مع أصدقائه كان يستيقظ فى السادسة نشيطا يذهب لعمله وينجزه ليترك مكتبه ويقضى يومه. لم يكن يذهب لمنزله من أجل النوم إنما كان يشترى كتبا ليقرأها ويرسم ويتأمل، وربما كان أهم أعمال حجازى هى ماقدمه للطفل المصرى فقصص الأطفال لديه فى منتهى العمق والأهمية والتى أتمنى من وزارة التربية والتعليم إن كانت حقا تهتم بالتطوير وتعليم النشء أن يتم تدريس هذه القصص للأطفال، لأنها تعلم الطفل ما يجب أن يكون عليه ويتعلمه ويشب عليه، فحجازى كان يقرأ فى كتب التراث كثيرا وكان ملما بالثقافة المصرية والتراثية والأجنبية!.. هذا الرجل كان أكبر من أن نتحدث عنه فهو رجل المواقف..اذكر فى 1974 حين تقابلنا بالمجلة وجدته يقول لى: `يا لويس أنا ماشى!، `فسألته إلى أين ؟ فقال لى : `أنا قررت النهاردة أغير مكان عملى وأطلق مراتى وأترك السكن اللى أنا فيه !`فاندهشت وقلت: ليه؟!، فقال: `خلاص .. أنا قررت كده!، `فقلت والله فكرة وجيهة وبالفعل هذا ما نفذه حيث انتقل لأخبار اليوم وترك الشقة كما هى وطلق مراته !`.
-التقط جريس لقطة مهمة تميز حساسية حجازى، وهى عند مرحلة أخبار اليوم حيث قال: `حجازى بالمجلة كان يرسم فى مقاس (20×28) إنما بجريدة أخبار اليوم (60×90)، لكن رسوماته تجدها مختلفة فى الرسم والخط نظرا لاختلاف المساحة مما يظهر جزءا من شخصيته وهى أنه يدرك ويعى كيف يشد انتباه قارئ الجريدة له وسط كل هذه الأخبار والعناوين القوية وهو ما لم يكن يحتاج إليه فى المجلة لأنه يرسم فى الصفحة كاملة، كان السبب فى انتقال حجازى لأخبار اليوم أن جاهين كان يقدم ضحكاته فى الأهرام وهى المنافس القوى للأخبار وفى كثير من الأحيان تفوق حجازى فى هذه الرسومات،الحقيقة لدى الكثير عن حجازى لكننى أحب أن أتحدث عن زهده فى المناصب.. ففى وقت رئاسة حسن فؤاد لصباح الخير كان اقترح إصدار حكايات صباح الخير وكل حكاية يرسمها رسام ووقتها اختارنى عبد الرحمن الشرقاوى رئيس تحرير `روزاليوسف`عضوا منتدبا للمؤسسة وذهبت لحجازى لأعرض عليه رئاسة تحرير حكايات صباح الخير وبدون نقاش!، وكنت قد اخترت معه الفنان عدلى فهيم مشرفا فنيا فوجدته يكتب فى العدد الأول تحت كلمة رئيس التحرير`عدلى وحجازى`!، ليترك كل ذلك ويسافر لليبيا فكان زاهدا تماما فى المناصب حتى أنه أى صديق له يتولى منصباً يذهب عنه بعيدا.
-حكايات عديدة وكثيرةعن حجازي، لكننى أكرر لا أحد منا يستطيع أن يسبر غور حجازى أو يدعى معرفته به لأنه عاش عالمه داخله`، بهذا اختتم جريس كلمته كما بدأها.
تغريد الصبان
روزاليوسف - 18/ 11/ 2012
(فى الذكرى الأولى لرحيل الفنان حجازى.. 155 عملاً لمسيرة صاحب (تنابلة السلطان
- بمناسبة الذكري الأولي لرحيل الفنان الكبير حجازي،استضاف خان المغربى مجموعة من أعماله تصل إلى 155عملا، تعبر عن تجربته الفنية الممتدة منذ الخمسينيات وحتي قبل أعوام من وفاته، حينما قرر اعتزال العمل الصحفي والتفرغ لرسوم الأطفال وعودته إلي قريته بطنطا،التي شهدت سنواته الأخيرة، ثم رحيله .
- حجازي صاحب أشهر الرسوم السياسية، التي من خلالها عبر عن معاناة البسطاء وإهدار حقوقهم، وله شخصيات ارتبطت باسمه، مثل ما أطلق عليه `تنابلة السلطان `، كانت أعماله تتصدي لعبث الممارسات السياسية، وكان يلتقط التعبيرات الشهيرة، ويلقي عليها برسوماته وعباراته، ما يجعلها مادة للسخرية، من ذلك علي سبيل المثال، ما كان يتم في الانتخابات من وصف المرشح لنفسه بـ ` ابن الدايرة`، ليدل علي عمق صلته بأفرادها، فجاء كاريكاتيره الذي يسخر من هذا التعبير، ليقول فيه : `شبابك أمانة.. قدمه لمن تستحق.. ابنة الدائرة..الجسم الحر الجريء.. خير من تتزوجكم) .
- وقد `لخص زهدي العدوي خبرات حجازي قائلا : ` ده عامل زي النجار البلدي وصانع السجاد وبتوع الفضة في خان الخليلي، زي الخطاط العربي في كل الحاجات اللي لازم يعملها صنايعي شاطر بروحه ودمه، بالإضافة إلي موهبة من عند ربنا تخليه يوصل للهدف من أقصر الطرق، داهية في الرسم مش ممكن تمسك حاجة عليه، زي الفلاح الفصيح، لكن أهم حاجة في رسم حجازي أنه بتاعنا، لسان حالنا مش بتاع السلطة، ومال وش مصلحة يرسم، `علشان الدنيا الوحشة تبقي أجمل ).
- كتاب وحيد وثق لفن حجازي ألفه الفنان والناقد محمد بغدادي بعنوان `فنان الحارة المصرية ` سجل فيه رحلة حجازي التي يري كثيرون أن أعماله تمثل ذروة إنتاج جيله من حيث قدرتها علي التعامل مع الفكرة ببساطة وبخطوط غاية في الاختزال وقد اعتبر الراحل بهجت عثمان في كتابه `رفاق سلاح ` أن حجازي هو البساطة المذهلة سواء في الرسم أو الفكرة، كما كانت خطوطه تدق باب القلب قبل أن تقدم فكرة أقرب إلى اللؤلؤة في قالبها الساخر .
- حجازي ولد بالإسكندرية عام 1936وتوفى في طنطا 2011، وما بين التاريخين استطاع أن يكون صاحب رؤية متفردة في مجال الكاريكاتير .
- جاء إلي القاهرة عقب ثورة 23 يوليو، ليبدأ رحلته مع الرسم، وتنقل في العمل بين أكثر من مجلة، حتي رشحه أحمد بهاء الدين للعمل معه في مؤسسة روزاليوسف في عام 1956، وقد عبر حجازي عن هذه الفترة قائلا : ` لقد تغيرت حسبة الكاريكاتير`، ولم تعد هناك رموز تعبر عن مفردات اجتماعية واضحة، بعد أن تغير الواقع الاجتماعى... زمان كانت `الطبلية، ومصباح الكيروسين يعبران عن الفقر`، أما الآن فتجد الشريحة الاجتماعية نفسها تملك جهاز فيديو وأبناؤها يشربون أل` سفن أب`، وعندما ترسم هذه الصورة كيف تقول إنهم فقراء... بينما هم فقراء فعلا بشكل ما ` .
- استمر حجازي في التعبير عن مواقفه السياسية بدون مواربة، إلا أنه شعر بإحباط منذ سنوات من عدم وجود تغيير، مما جعله يعود إلي قريته في طنطا، حتي رحيله .
طارق الطاهر
أخبار الأدب - 11/11/ 2012
فى ذكرى وفاته الأولى ..حجازى فارس على حصان رسوماته
- كان يكفى سماع اسم حجازى عبقرية الكاريكاتير المصرى ليتوافد على قاعة خان المغربى بالزمالك العشرات والعشرات من محبيه فى ذكرى رحيله الأولى وخاصة وقد أعلنت صاحبة القاعة سلوى المغربى،عن كنوز المعرض أى ما يقرب من المائة وثمانين عملا، معظمها من النسخ المطبوعة وحوالى عشرين عملا من الرسوم والكاريكاتير الأصلية يخصص عائدها لصالح معهد أمراض الكلى. ولم يكن الجمع فى ليلة ` تحية ومحبة لحجازى` احتفاء بذكرى رحيل صاحب` تنابلة الصبيان` يقتصر على زميل المشوار الصحفى فى روز اليوسف لويس جريس أو الشاعر الأشهر أحمد فؤاد نجم أو الملحن أحمد إسماعيل، بل شمل الكثيرين ممن حلموا يوما أن يقتنوا رسما ممهورا بتوقيع حجازى المحبب، حتى وإن كان نسخة مطبوعة داخل إطار .
- حيث ضم المعرض الأقسام الرئيسية التى تكون عالم حجازى الثرى وهى الكاريكاتير السياسى الذى أبدعه فى سنوات عمله بروزاليوسف وصباح الخير، وأغلفة ورسوم كتب الأطفال مثل ` تنابلة الصبيان` و `الحصان الخشبى` و`حيلة ذكية `، والرسومات الكاريكاتورية التى لا يصحبها أى كلمات أو تعليق بل تتحدث عن نفسها مثل لوحة فنية مستقلة، وبعضها كان يصاحب أشعار فؤاد قاعود العامية حيث كونا ثنائيا فنيا متميزا يعكسان من خلال الشعر والرسم أحلام البسطاء وحلمهما بالعدالة الاجتماعية.
- كان هذا الزخم الفنى فى القاعة الصغيرة فرصة فريدة لإعادة التأمل فى عالم أحمد حجازى أسطورة قرية العجيزى بطنطا، ابن سائق القطار الذى رأت عيونه مبكرا من خلال نافذة القطار عمق الظلم الاجتماعى الذى يعيشه مواطنيه وجاء إلى القاهرة ليملأ الدنيا فنا ورسما، سخرية وألما، ثم عاد من جديد إلى مسقط رأسه ليعتزل الرسم ويموت وسط أهله تماما كما أراد.
- نندهش مرة ومرات عند مشاهدة مجموعة رسومات الكاريكاتير التى تتناول قانون الطوارئ الذى لا يزال قابعا فى الذهنية الحاكمة حتى اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاما وبعد اندلاع ثورة يناير، ونتأمل روح حجازى الساخرة بفكاهية وخفة ودم تتبع ليس فقط من التعليق ومن الموقف الذى يعكسه الكاريكاتير، بل من خطوطه نفسها مثل هذا الكاريكاتير الذى يصور شخصيتين على طرفى نقيض يجلسان متقابلين، الأول هو قانون الطوارئ يجسده شخص أصلع أميل إلى ملامح البلطجى تحرسه هراوة ضخمة والثانى هو القانون العادى يرتدى البدلة ويجلس مهذبا دمثا، يكفى هذا الرسم الفريد للشخصيتين ليثير الضحك من القلب حتى من قبل قراءة التعليق حيث تتوجه الطوارئ الغاشمة لقانون العادى قائلة : `أنت يا أستاذ اللى تستأذن من النيابة عشان تقبض على مواطن، لكن أنا بقى ما استأذنش من مخلوق` .
- أو فى رسم كاريكاتيرى أخر يتسائل المواطن الفقير المعدم الذى يعيش على ضوء لمبة الجاز ` واشمعنى الحكومة بتستخدم قانون الطوارئ ضدنا، واحنا ما بنستخدمش قوانين الطوارئ ضدها ؟! ` .
- ويختفى التعليق فى كاريكاتير أخر، ليصبح أكثر إيلاما ونفاذا إلى القارئ أو المشاهد للمعرض مدنيا سياسة الانفتاح والتبعية التى كانت عنوان مرحلة السبعينات من القرن الماضى، حيث يبرز رجل ضخم الجثة ذو نظارات سوداء يمسك بيده جرسا ليقرع به إعلانا عن بدء المزاد بينما الشعب قد تم جمعه فى لفافة ضخمة مربوطة بشريط منتظرا لمن سيرسى العطا فى المزاد.
- ونتسائل ما سر هذا الرابط الذى يجمع بين موضوعات حجازى جميعها على اختلافها الشديد ما بين رسوم الأطفال المبهجة وألوانها الزاهية وبين الكاريكاتير والنقد السياسى اللاذع أو بين الكاريكاتير الاجتماعى؟ وتأتى الإجابة من شخصية حجازى الطاغية والمبدعة فى الرسم الكاريكاتيرى نفسه، حيث أبدع خطوطا طفولية جذابة، وجعلها منهجا له فى كل رسومه خطوط تغلب عليها الاستدارات اللامتناهية، فتضفى على رسم المواطن البسيط تعاطفا إنسانيا لا يمكن أن يتفاداه القارئ ويتحول الرجل الشرقى فى مجموعة `سى السيد ` ذو الشوارب الكبيرة مدعاة للضحك من أوضاع المجتمع الرجعية، وحين يرسم حجازى الاستدارات الأنثوية فى العديد من الكاريكاتير الاجتماعى الذى انتصر فيه لتحرير المرأة ولاستعادة مكانتها داخل الأسرة المصرية فتصبح الخطوط محببة وليست فظة غليظة تداعب الغرائز كما لو كانت روح الطفل تصاحبه دوما فتؤثر على المتلقى الذى لا يستطيع الفكاك من الابتسام، تماما كما لو أن طفلا علق تعليق الكبار أو أشار على تناقضاتنا بروحه البريئة فأثار استحسان وابتسام الحضور .
- تحية لحجازى فى ذكراه الأولى الذى يصدق عليه ما قاله فؤاد قاعود فى وصف صلاح جاهين ` فارس على حصان كلمته، لاف يوم نزل، ولا نوة كسرت همته` .
دينا قابيل
جريدة الشروق - 9/ 11/ 2012
الذكرى الأولى لــــ ` حجازى ` فيلسوف الكاريكاتير المصرى
- فى 21 من الشهر الماضى .. كانت الذكرى الأولى لرحيل فيلسوف الكاريكاتير المصرى ` أحمد حجازى ` ` بيرم التونسى الكاريكاتير ` ورسام الأطفال الكبير.
- ورغم رحيله عن عالمنا إلا أن رسومه لا تبلى ولا تتقادم .. ومازالت تتألق مع الزمن وكأن حبرها لم يجف بعد .
- وقد شكل الفنان الكبير أسطورته من شخصيته الإنسانية والفنية .. بتلك العبقرية فى بساطة الخطوط وعمق الفكرة .. حتى أنه اعتزل الكاريكاتير قبل رحيله بثلاثة وعشرين عاماً .. ورغم هذا ما زالت تنشر رسومه حتى الآن وكأنها تعبر عما نعيشه من حياة سياسية واجتماعية .
- و` حجازى ` رسام الأطفال صاحب كتب عديدة أبهجت وأثرت فى أطفال مصر والوصن العربى منها رائعته ` تنابلة الصبيان ` مع عشرات من الكتب التى نشرت بدار الفتى العربى ودار الهلال ودار المعارف والدار المصرية اللبنانية ، كل هذا بريشة ساحرة شديدة الخصوصية .. جعلت منه ` ديك برونا ` مصر فهى تتوازى فى قيمتها التعبيرية مع رسوم الفنان الهولندى الشهير .. وإقبال الأطفال على كتبة ليس له منافس.
- وقد شارك ` حجازى ` فى تأسيس مجلة ` ماجد ` عام 1978 والتى تصدر عن مؤسسة الاتحاد الإماراتية ، وقام بتصميم شخصياتها الرئيسية بالإضافة إلى رسومه بمجلة ` علاء الدين ` ومجلة ` تاتا.. تاتا` .
- وفى ذكرى رحيل فناننا الكبير أقامت له زوجته السابقة السيدة ` سلوى المغربى ` معرضاً ضم نخبة من أعماله فى الكاريكاتير ورسوم الأطفال والرسوم التعبيرية بقاعة ` خان المغربى ` بالزمالك.
كما تقيم ساقية الصاوى هذا الشهر معرض ` عندما قابلت حجازى ` .. نفذها الفنان ` محمود أسعد ` بالخيامية وكانت مصاحبة لديوان الشاعرة ` عبير عبد العزيز ` بنفس الاسم .
تحية إلى روح فنان الشعب ` أحمد حجازى ` وإلى ريشته النبيلة الصادقة.. ريشة صداحة غنت لمصر.

مجلة الخيال : العدد ( الثانى و الثلاثون ) نوفمبر2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث