`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
مجدى محمود السيد إبراهيم
مجدى محمود .. ومنهج شخصى وثائق لعذاب الإنسان فى البحث عن الخلاص
-التطورات الحضارية التى طرأت على الحياة ، وجعلت الحياة المعاصرة على ما هى عليه الآن ، دفعت الفنان إلى إحداث تغيير شامل وواضح فى أسلوب فنه .. لقد اتجه الإنسان الآن إلى التحرر من الماضى وإلى الطعن بالكثير من المبادئ التى ترعرع فيها .. وإذا اتجهنا صوب علم النفس الحديث نجده يحدثنا عن الهيكل العلوى للعقل والذى يتكون من الأفكار المنطقية والأساليب.. وعلم النفس أوحى بالأفكار التى أطلقها للفنانين استنباط الكثير من الأساليب الفنية والتعبيرية الجديدة ..لذلك نجد أن فكرة اللاشعور المستمدة من علم النفس الحديث واضحة فى ذهن الفنان ... ومن الممكن القول بأن هذا هو البداية الفكرية للمذهب ( السريالى ) فى الفن والذى لم تتحدد معالمه إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .
- من النظرة الأولى يتبين المشاهد أن أعمال مجدى محمود تؤلف لحناً ثورياً تتداخل فيه الأصوات والألوان والأنغام لتكون مجتمعه موقف الفنان من قضية التحرر وبناء الإنسان فى البداية !! وهى أعمال تبرز سيطرة الفنان على اللون واستخدامه بحذق كأداة تعبير لإزاحة التعتيم المسلط وإظهار الوجه المشرق للقضايا العربية !!
- الفنان مجدى محمود .. اعتمد الشكل البسيط والسهل فى البداية .. ثم عاد إلى الشكل الخارجى أو الصورة التشخيصية بسبب شعوره بالجانب المفضل وهو (التجريد) وبالاتجاه الضاغط .. وفى بعض لوحاته يصبح الإنسان كالمدينة المهجورة لأنه يرسم بدافع الحالات النفسية الخاصة التى تنتابه بين الحين والأخر بالإضافة إلى إحساسه بالتغرب .. لذلك فأعماله عبارة عن مجموعة من تجاربه تجاه الإنسان الذى ينظر إليه بمنظار الحالة المتغيرة والفعالة والمؤثرة فهو لم ينظر إلى الإنسان بمعزل عن حركة ومفردات الحياة .. بل يعتبره مجموعة كل الارتباطات الحضارية.. وهذا فهو فى أعماله يؤكد علاقة الإنسان بالمجتمع والتراث والحاضر وحتى المستقبل .. هذه العلاقة التى تجسد قيمة الإنسان فى العمل الفنى .. والذى يعمل ( مجدى ) على أن يكون جملة أجزاء مختلفة تلتقى مع بعض وصولاً إلى التكوين الواحد .. وهذا الشىء كما هو وارد فى الرسم .. واراد وجائز فى العمل الابداعى الأدبى والروائى بشكل خاص .. إنه يعالج الخلود بأدوات خالدة، فتخلى الإنسان عن طابعه الواقعى ليدخل عالم الأسطورة وليتابع مسيرته نحو المنابع الأولى ، منابع التخيل والحساسية المطلقة ، ولقد ظل اهتمام ( مجدى محمود ) منصباً على صراع الإنسان مع نقائض مصيره .. ومن ناحية أخرى فقد كبر حجم الولع الأسلوبى ، وتحقيق أكبر قدر ممكن من انسجام الألوان والكتل ..فنجح فى أن يعرض الصراع الإنسانى بشكل جميل .. ولأن الإنسان بطبيعته مأساوى وتصبغ أعماله بهذه الطبيعة .. والحياة رائعة الجمال لكن فيها الخير والشر .. وهذا يعطى للعمل الفنى شموليته واتساعه المادى والمعنوى .. لأنه يقوم بنقل وعكس وبلورة هذا التصور فى حركة وحقائق الحياة ..
- الفنان مجدى محمود لا يلجأ إلى أسلوب محدد فى عمله رغم ما يراه البعض بأنه يمارس الرؤية السريالية ..إنه باعتقادى رسام تعبيرى يحاول أن يخلق أسلوبه الخاص ويستفيد من كافة الحلول الممكنة للإشكالات الناجمة عن تقديم مواضيعه .. والدليل على ذلك انطلاقة من رؤية واقعية بحتة واتخاذه الأشكال السريالية كهياكل أولية ترتدى أفكاره !!.
- والسريالية ( بداهة ) ليست تناولاً شكلياً بل هى موقف وهى أيضاً ليست أسلوباً محدداً .. بل هى اجتهاد ومنهج شخصى ضمن الرؤية العامة المستندة إلى أصول فكرية.. لذلك فإن ما نراه من أعمال الفنان مجدى محمود يحيلنا إلى منهج شخصى هو ( تعبير عن حالات الفنان وهو بالتالى محاولة لتقديم شهادة من عالمه الخاص ..إنه يبدأ من مواضيع واقعية لينتهى إلى أشكال سريالية ذات سمات خاصة تمتلك بعداً سيكولوجيا يخضع لمنطق الفنان العقلى - واللاشعوري أيضاً ولا يخضع لمخيلته الجمالية وحدها .. وأعتقد لهذا السبب هو ينقاد فى عملية الرسم للعفوية .. أى أنه لا يتحكم فى أشكاله بقصريه بل يتركها تنمو تلقائيا يفصح عن تأثيراته اليومية والتى لا يمكن الكشف عنها آنياً.. بل من خلال الاستمرارية والمقارنة بين استخدامه للرموز فى أعماله .
- الجسد الإنسانى هو محور اهتمام الفنان مجدى محمود .. حالات هذا الجسد .. رغباته السرية ونزوعه إلى الحرية والرفض .. والفنان يحور فى معان وأشكال هذا الجسد - الرمز - يغير ملامحه ويضيف إليه أبعاد أخرى .. وأحياناً يكون السد فى حالته الكاملة ولكنه تحت تأثير معين يقيد إرادته .. إن الفنان مجدى محمود يطرح نموذج المبدع الذى يستقى مواضيعه من صميم حياته اليومية التى يعيشها وربما علمته الثقافة كيف يبلور أفكاره ويهذبها ..لكن معناة الحقيقى هو الواقع .. إنه يرسم وثائق لعذاب الإنسان ..لهذا الإحباط الذى يمنى به على يد الواقع المريد الذى نعيشه !!
- وإذا كنت أقول الجسد الإنسانى فأنا أعنى المرأة قبل الرجل ..جسداً وفكراً وانفعالات.. إنه لا يتناولها من الجانب العاطفى أو الغزلى .. بل يتناولها أو يلتقطها من وسط الصراع الإنسانى ولذلك فإنه نادراً ما يرسم وجها لجسد أو جسداً لوجه .. أنما هناك حركة الوجوه التى تمتزج بحركة اليد، والجانب الآخر هناك حركة الجسد الرافض المنتمى بقوة لروح الصراع الداخلى .. يرسم المرأة فى حضورها العجيب وسط العالم ، مليئة بما يدهش وليس ما يسر .. محطمة كل ما يربطها بالصورة التقليدية التى رضخت لها لعدة قرون!!
-فى أعمال الفنان مجدى محمود استحضار المرأة لا يتم إلا من أجل استحضار العالم .. والمرأة هنا طبيعة كونية ، وليست موضعاً وجدانياً مرتجفاً.. وهو مصدر القوة فى أعمال هذا الفنان..صراع الإنسان أزلى.. وبحثه عن الخلاص أزلياً ومع الناس إن بعض الفنانين يبحث عن ذلك بحثاً.. أما الفنان مجدى محمود فإن الآلام هى التى تأتى إليه من دون أن يستطيع الهرب منها .. من ناحية أخرى فهو يرى أن الفرح وقتى أما الحزن فهو عميق وعريق عند الإنسان وهو أكثر صدقاً وأصالة من السعادة !! إن شخوص الفنان مجدى محمود فى وقوفها أو حركتها ، فإنما تمارس حيويتها خلف غلاله من ضباب نسمع صورتها وهى تتحدث.. تنشج ..تقهقه ونكاد نلمسها .. لكنها لا تلبث أن تختفى إلى حيث لا ندرى بعدما تفاجئنا بتحية الوداع ..حقاً إن هناك وفى بعض الأعمال أشخاصاً مفعمين بقلق كابوسى - متعبين ومستهلكين - إلى حد الفجيعة، غير أن هناك دائما ذلك الحدس اللاوعى بحدوث ما هو خير - هذا التفاؤل يلوح لنا من خلال خيط من الضوء أو فتحه ينساب منها الأمل !!.
- رغم هذه الغلالة من الضباب فإن الفنان مجدى محمود يعزف بالألوان دونما تكليف، ولوحاته تشكل أوركسترا يتحكم فيها كما يريد .. وبذلك أعطى الدليل على أن العالم ليس مبنيا على إيقاع النفس ، وإنما هو مبنى على تفهم لغز الحياة وطبيعتها !! فى أغلب أعمال الفنان مجدى محمود حالات كثيرة من الغضب العارم ..ليس غضباً شخصياً فردياً ، لكنه غضب جماعى.. وربما عربى تأكده رائحة حرب..أو احتلال أو اغتصاب.. ومنذ الأزل والغضب ينفذ بأنفاسه من خلال مسارات شتى.. وظل الفن مختلف أنماطه فسحه جيدة لابتكار المزيد من السبل للتعبير عن هذا الغضب .. ولقد كان الغضب يقود اللغة إلى منفاه .. وكانت المفردات تتمحور فى ظلاله .. وقد تتقاطع وينفى بعضها البعض .. فتكون الاختزال الملىء بما ينعش المخيلة وهل هناك شىء.. قادر على إنعاش المخيلة أكثر من الحرية ، وفى أعمال الفنان مجدى محمود يتأكد حجم صرخة الغضب كطاقة تعبيرية ، وكمفردة تحاول أن تعيد لحركة الجسم قدسيتها ..ولقد تنقل بمرونة ورهافة حس بعيداً عن الارتجال بين مفردات شتى استطاع أن يصنع منها خليطاً مدهشاً متآلفاً فيما بينه !!
- وأستطيع أن أكد أن أعمال هذا الفنان أعمالاً سياسية تعالج قضايا العصر الذى يعيشه بمنطق الحوار .. وهى تتوخى من خلال اللون المدروس الوصول إلى جدية فعالة فى فهم مغزى الوجود الإنسانى على ساحة أرضية معينة .. وهو لا يتلقى بدهشة وعيون منذهلة .. ولا يستجيب بشكل انفعالى سريع بالرغم من بروز الانفعال الشخصى بالحدث والانفعال الفنى بالشكل كمنطق نهائى ..هناك خيوط تشد المجتمع بالمصير، بالوجود الحالى الذى ينبسق من الوجود المستقبلى.. ومجدى محمود لا يعالج هذه الحالة بمنطق الحزن الفردى .. بل يحاول أن يعكس الإجماع الإنسانى، لانه يعتبر اللوحة بوتقه الانصهار والألم الجماعى ، وهذا الألم خاضع بالضرورة لآلام الفرد .. (فى هذا العالم الملىء بأبشع الأمراض الإنسانية، جدير بالعمل الفنى أن يغامر ويدخل إلى العمق السرى إلى الحدث .. إلى نقاط صحيحة وصلت إليها جذور النفس الإنسانية، لذلك تحولت كثير من الأعمال الفنية إلى كنوز للأسرار، إلى صناديق مغلقة، من النادر أن يتوفر من يستطيع فك أبوابها !!.
- لقد غامر الفنان مجدى محمود فى البحث ، وراهن على كثير من معطيات الإنجاز الفنى .. دون أن يصنع منه عكازاً يتوكأ عليه كما فعل الكثيرون ..فجاءت أعماله الفنية سرية المنحى بعيدة المنال لمن يحاول التلقى بسهولة .. وبقيت فرصة نادرة لمن يود معرفة الكثير عن جوهر علاقة الإنسان بالإنسان وبالأشياء التى قد تزيده آلماً .. أو تشده إلى حياة أفضل ..
- فناننا - مجدى محمود - مسكوناً بالفزع الواضح فى أعماله .. وهذا الفزع لم يجعله قادراً على تحطيم الأشكال فحسب .. بل أنطلق به إلى البحث عن صياغة جديدة للشكل تجعله ملائماً للإحساس الذى نحسه إزاء الشىء وجعله يقف على قمة أسلوب فنى حديث ومتميز .
فى معرض مجدى محمود بمتحف المنصورة القومى
غزل المشهد من خيوطه الأزمة
- أستأثر الإنسان خلال عمر الكون بالمقام الرفيع بين كل المخلوقات ، متفرداً عنها بجوهرتى العقل والوجدان كمنحة إلهية شكلت الطاقة الدافعة لعربة الحياة، وهو ما جعله بمثابة الركيزة العظمى للوجود، لذا فمن البديهى أن يصبح أرضاً خصبة للصراعات النفسية والتمزقات الروحية الناجمة عن المطامع الاستعمارية والمظالم الاستبدادية.. ولاشك أن الإبداع هو الشاشة الحساسة التى تلتقط حصاد تلك التفاعلات البشرية داخل عجلة الصيرورة، لا سيما عالم التشكيل بوسائطه وتقنياته المختلفة حيث احتفظ لنا بأطلال من بنايات التاريخ بينما لم يزل هذا التناحر يمثل مدداً سخياً لحيز الصورة فى العصر الراهن ، وهو ما يمكن أن نستشفه فى أعمال مجدى محمود ، أحد فنانى الدقهلية المقيمين بها حتى الآن ، والذى قدم أكثر من عشرين عملاً تصويرياً بخامة الزيت على التوال بمعرضه الذى أقيم مؤخراً فى متحف المنصورة القومى بدار ابن لقمان .
- اعتمد مجدى فى تصاويره على الجسد الإنسانى كمحور تعبيرى بتنوع فى الحركة والإيماءات والتردد السريع بين الرسوخ الواقعى والمروق الخيالى،علاوة على مفردات أخرى دفع بها إلى أتون دراما الصورة مثل الطيور والقواقع والأصداف والمسامير والقواطع الحديدية والجماجم ولفائف القماش ، وقد ظفها جميعاً لصالح بناء تراكمى بدا فى معظم الأحيان كأنقاض بيوت إنهارت على قاطنيها للتو ، فى حين ظلوا مستنفرين بفطرة التمسك بالبقاء ضد السحق والوأد .. ومن منطلق ذوبان الفنان مع سياقه الاجتماعى والسياسى نجده يجنح إلى غزل مشهده من خيوط الأزمة التى يمر بها الحس الجمعى، إذا يبدأ كما اعتقد بغرس الجسد البشرى فى أرض التوال بتفاصيله التشريحية عند أكثر من محور ، ثم يطرز بقية المشهد . بمفردات دلالية يكمل بها الرسالة التعبيرية، بعدها يبدأ فى التحطيم والبناء .. والحذف والإضافة بتصاعد إنفعالى يتناسب مع درجة الاشتباك بين الذاتين الفردية والجمعية، وفى هذا الإطار يحاول مجدى خفض مستوى التوتر النفسى عبر خلق قنوات للتفريغ والصراخ الاحتجاجى، فى وصل تصويرى بين واقع مأزوم وخيال رحب .. بين حاضر بتسيده الطغاة وحلم يوتوبى بالخلاص ، وهو ما يجعل أعمال الفنان مزيجاً من الواقعية والتعبيرية والسريالية، حيث نستشعر تلك النزعة نحو نسج دقائق الجسد من الوجه والجذع والأطراف لرجال مصفدة ونساء ملثمة وأطفال مكبلة، وجميعهم يبدون وهم محاصرون بين ركام المشهد عند النقطة الحدية للتصدع النفسى، بوشوش واجمة ونظرات ساهمة وعلى رؤوس بعضهم الطير ، وقد حرص الفنان على إبراز البعد الثالث للصورة بوعى بنائى عبر تباينات الظل والنور ، ونحت ملامح التكوين بحدة توازى طاقته المكتومة، وبإيحاء ترددى بين تأثيرى الأزميل والفرشاة، حتى أن الأجساد البشرية بدت فى بعض الأحيان وكأنها منحوتات حجرية، وفى أحيان أخرى كحفريات متكلسة غمرت بحمم بركانية منذ زمن سحيق..أما عمق المشهد فيظهر كمعادل حدسى ندى لكل هذه الحسيات الصادمة ، وذلك من خلال التدفقات السيالة للون الأبيض المشبع بشظايا ألوان التكوين الأمامى ، لتبدو الخلفية كأخدود نورانى شقه الفنان لشخوصه فى صدر المجهول ، وهو البراح اللامرئى فى المشهد والذى ينفحه بنسيم سريالى يشكل المعادل البصرى والروحى لقسوة الواقع المرئى. وأظن أن هذا المعين الأبيض المنير يحمل أيضاً داخل أحشائه نطفة من الأمل تشرع فى افتراش ذات الفنان لتبشر بارتقاء إنسانى وافد، ملتحمة مع بياض جمعى محتمل يلتهم سواد الأزمة، آنئذ سيطيح مجدى محمود حتماً بعناصر زائدة على المعمار التصويرى المختنق، وستنفرج آفاق الرؤية، ويسترد نسيج المشهد بهجته بعد غزله من خيوط الكرامة الإنسانية .
محمد كمال
جريدة القاهرة 2006
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث