`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
إبراهيم سعيد حامد مرعى
خبرة الأجداد .. وبراعة وصدق التشكيل
- ` إبراهيم سعيد ` ابن فواخير مصر القديمة
- فى طريق الحرفة الشعبية دائماً نبحث عن الصدق والأداء التلقائى بل والعفوية والفطرية فى التعبير ، تستوقفك المواهب الصادقة التى تتسم بهذه الصفات ، لأنها تحمل قيمة فنية صادقة خرجت من البيئة الشعبية وامتزجت بالمؤثرات الاجتماعية ومن خضم حياتهم البسيطة التى لا تحمل أى زيف .. معلمهم الأول الخبرة العملية التى انتقلت إليهم من الأجداد إلى حد أنها أصبحت جينات اكتسبها الحرفى الشعبى بالفعل فأعمالهم تتسم بالصدق لم تسعى إلى التنميق بل البحث عن حق إثبات الوجود وترك بصمة قد تبدو شعبية ، ولكنها تحمل إرث ثقافى تضرب جذوره فى أصول الفن المصرى القديم وارتباطه الدائم بإبداعات الحرفة التى خرجت على أيدى الحرفيين أصحاب المهارة والدقة والقيمة الفنية الصادقة.
- من رحم منطقة فواخير مصر القديمة خرج الفنان ` إبراهيم سعيد ` من بين حواريها وشوارعها على مر الزمان بأنها قلعة الفخار بمصر.
- خرج من عائلة تمارس مهنة الفخار وتوارثت أصول وقواعد الحرفة وبرز من هذه العائلة والده المرحوم ` سعيد حامد ` والذى يعد من أمهر الحرفيين الذين أنجبتهم هذه الحرفة وتميزت أعماله بالحرفية والمهارة والإتقان بدرجة تصل إلى حد الإبداع الفنى فى مجال خزف المائدة ولكن الظروف الاجتماعية حالت عن كشف موهبة الأب واكتفى بدور المعلم الأول لإبراهيمم سعيد وتلقينه كل أصول الصنعة وأسرارها وهى النقطة التى لم يتوقف عندها طموح الإبن عند حد لقب حرفى بل دفعه الأمل والإصرار لإثبات وجوده وجدارته بالرقى إلى أعمال فنية تمثل قيمة فنية خالصة .
- ودائماً لم يحاول ` إبراهيم سعيد` أن يوارى هذه البيئة التى ولد ونشأ فيها ، بل أنه دائماً يفتخر بكونه ابن فواخير مصر القديمة أو مدينة الفسطاط ، فهو يعد امتداداً لأجيال سابقة حملت لواء الفن الفطرى أو الشعبى لمهنة وحرفة الفخار وذلك لا يقلل من إمكانياته الفنية ومن قبل سبقه الفنان الخزاف محمد مندور فى هذا الطريق .
- فالتراث الشعبى يتمتع بتلقائية الأداء والبعد عن الأكاديمية وسيطرة القواعد لذا يحفل بالفردية والتنوع وتربطه وشيجه قوية بالتعبير الحر وبغزارة الإنتاج والتجريب وإطلاق القدرات الخاصة بلا حدود ، فدائماً يمثل التراث الشعبى منهل خصب للإبداعات الفنية المعاصرة .
- حتى حينما يرتبط عمله بالفطرية لا تعنى بالمفهوم السائد أنه ذو درجة أقل من الفنان الأكاديمى ولكن تعنى بالدرجة الأولى الفنان الذى لم يتلقى دراسة أكاديمية لأصول وقواعد الفن فى الكليات الفنية المتخصصة فالفطرية دائماً السبيل إلى التلقائية فى الأداء والاعتماد على قوانين يتوارثها بأصولها الشعبية وقواعد حددها المجتمع الشعبى وهى تمثل فى حد ذاتها قيمة تعبيرية تتصف بالبساطة والأصالة والقدرة الإبداعية البعيدة عن قيود الفن الأكاديمى .
فالقيمة الفنية لإبداعات ` إبراهيم سعيد ` أنها تمزج بين الفطرية والشعبية وهذا مصدر ثراء قيمتها ، ولا تعتمد على صياغة العمل الفنى بحسابات رياضية معقدة بل نراه يحقق التلقائية المباشرة السهلة ذات الحيوية المتدفقة والتعبيرية المؤثرة.
- لذا نرى بوضوح تراثنا المصرى القديم المستمد من حضارة ` عصر البدارى ونقاده ` والتى اكتسبت قدرتها الجمالية من قوة الخط الخارجى للأشكال الفخارية وانسيابية الخطوط وتناسق أجزاء الشكل وحجم كتلته فى الفراغ.
- لذا تحمل أوانى ` إبراهيم سعيد ` كل هذه العوامل المتعددة والمترابطة لتظهر أعماله وأوانيه شامخة وراسخة شاخصة إلى الآفاق البعيدة ، تتناغم الأسطح فى هرمونية نحتية رقيقة ، وليس سمة حدة فى السطوع ولا فراغات فجائية بل سطوح منزلقة فى عذوبة ،والخط الخارجى للآنية يقطع رحلته العابرة فى هدوء بل وتوترات عنيفة .
- وبالرغم من كبر حجم أوانى ` إبراهيم سعيد ` إلا أنها تحمل من الخفة والرشاقة الناتجة من انسيابية الخطوط وصغر القاعدة والتى تجعلها وكأنها غير ملتصقة بالأرض وتسمو إلى أعلى.
- والحقيقة أن مقولة ( أوانى ) لا تناسب قيمتها بل هى أشكال نحتية تقترب من الجسد الإنسانى تفيض بالعذوبة القادرة على التوازن بين الخط الخارجى والفراغ الداخلى المحبوس.
- فالآنية الخزفية ما هى إلا آنية للاحتواء تتكون من عدة أجزاء أساسية وطريقة ارتباط هذه الأجزاء ببعضها ونسبها تقترب من مواصفات الجسد الإنسانى حسياً ، فليس من قبيل المصادفة أننا قد استعملنا مصطلحات بحرفة الفخار تشير إلى جسم الإنسان وترمز للأجزاء المختلفة فى الإناء وهو عنصر إيحائى قوى فى النسب والعلاقات بين أجزاء الإناء يمكن إدراكه حسياً .
- فالإناء يحمل مصطلحات الجسد الإنسانى مثل ` البطن ، الخصر ، الكتف ، القدم ، الجذع ، والشفة ` كلها مصطلحات تقارب الجسد وتحمل اختزالات لا نهائية للتعبير بالإناء فى رؤيته وتمثيله للجسد ، وهذه مقدرة ليست متاحة إلى للكل وهو ما برع فيه ` إبراهيم سعيد` لتمثل أوانيه نماذج ليست بعيدة عن البشر ، فهى محملة بالإنسانية خرجت من كونها إناء بل تتعدى ذلك وتتحول إلى أشكال لها من صفات رقيقة تصل بك إلى الرقة والعذوبة الصادمة فى رقتها .ولم يلجأ إلى المعالجة اللونية كثيراً متعمداً أن تظل الرؤية للكتلة النحتية دون تدخل عوامل أخرى ولتظهر قوة خطوط الشكل كعنصر أساسى فى جماليات الإناء عند ` إبراهيم سعيد ` .
- وعلى الجانب الآخر من أعماله الخزفية ذات الصفة النحتية والمستمدة من شبابيك القلة التاريخية إحدى الإبداعات الفنية التى يزخر بها الفن الإسلامى ، والتى انطلقت من مفهوم الجمال الخفى أو الغير ظاهر للعين المجردة ، فهى تمثل البحث عن القيمة الروحية للجمال الصادق وتوافقه مع الوظيفة الاستخدامية للجزء الداخلى المحصور بين رقبة وبدن القلة فى التحكم لاندفاع الماء من القلة أثناء الشرب ، إنه من المنطق التطبيقى لاستخدام الجمال الفنى من خلال منتج يحمل لمسة فنية تنعكس على الحياة وتحرك المشاعر نحو ما نستخدمه لابد أن يحمل درجة عالية من الذوق واللمسة الفنية وشبابيك القلة لم تمثل التطبيق المثالى للعلاقة بين الوظيفة والجمال بل تحفل بالتصميمات المتنوعة من خلال الرسومات التى حفرت أو بصورة أدق باستخدام التفريغ والحز للخطوط وذلك للرسومات الهندسية وجماليات الشبكة الهندسية والخطوط العضوية لأشكال الحيوانات والطيور والكتابات العربية وليس التنوع فى موضوعات ورسومات شبابيك القلة بل أيضاً الثراء فى التناغم بين أقطار فتحات التفريغ وتوزيعها داخل المساحة الدائرية ، كل ذلك يؤكد على القيمة الجمالية لشبابيك القلة ، وأول من أثار القيمة الفنية لها وبصورة فريدة هو الفنان المبدع الراحل ` نبيل درويش ` حينما تناولها كقيمة جمالية تعمد إظهارها وإخراجها من مساحتها المحصورة بين بدن ورقبة القلة لتبدو واضحة على سطح الإناء تتناسب وتتناسق مع الخط الخارجى للإناء وبمعالجة نحتية تخرجها من وظيفتها تدفع الأعين لترى هذا الجمال الخفى .
- وبالرغم من مشاركة ` إبراهيم سعيد ` الفنان الراحل ` نبيل درويش ` المصدر الفنى لشبابيك القلة إلا أن أعماله جاءت بمعالجة فنية أخرى واعتمدت على رؤيته النحتية للشبابيك .
- وانحصرت فى علاقات بين الكتلة المتحركة داخل الفراغ المحاط بإطار دائرى لتبدو معلقة بحرية وتسبح فى الفراغ الداخلى للإطار بسلاسة وعذوبة ورشاقة ، ولجأ إلى التقليل من مساحة الكتلة الخزفية بتوزيع التفريغ للوحدات الهندسية والعضوية وتنساب على السطح الخارجى لكى تبدو جزء من الكتلة وتتعايش معها فى تناغم تنفى الناحية الزخرفية للوحدات المستخدمة فى التشكيل.
- وفى بعض الأعمال تملأ هذه الزخارف الهندسية والأخرى تقل مساحتها وتنشأ علاقة بين المساحة السائدة ذات اللون الواحد والجزئية المفرغة ، والإحساس بالتفريغ اعتمد على التنوع لحجم الفراغات ليؤكد مدى تمكنه من القدرة على التوزيع والتناغم مع المساحات الصلبة للشكل الخزفى.
- إن أعمال ` إبراهيم سعيد ` الفطرية والشعبية تؤكد على أن مصر ولادة بأبنائها الذين يملكون طموحات قادرة على إعادة كتابة التاريخ الفنى للخزف المعاصر ، وبقيمة جمالية تؤكد على الأصالة وتراثنا الفنى الذى لا ينضب وأن الأمل ما زال قائماً فى اكتشاف مواهب صادقة تعيد الحياة نحو خلق أجيال جديدة وقادرة على اقتحام الماضى بكل ما هو جديد يعيش معنا اليوم.
بقلم : د . ضياء الدين داوود
مجلة الخيال : العدد ( التاسع والعشرون ) أغسطس 2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث