`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
أحمد ثابت طوغان
رسام الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان : السادات كان يجلس معى على ` قهوة ` فى الجيزة
- هو رسام بدرجة مناضل.. يؤمن أن الكاريكاتير لا يقل أهمية عن المدفعية.. وتضعه إسرائيل علي رأس قائمة المعادين للسامية.. أنه الفنان أحمد طوغان أحد رموز جيل العمالقة الذين فتحوا `الباب` لدخول الرسامين خلفهم وصديق الرئيس الراحل أنور السادات وأقرب الأحياء إلي قلب عمنا محمود السعدني ذهبنا إلية لنحاوره ونحتفل به ومعه بمرور 63 عاما علي دخوله بلاط صاحبة الجلالة
كيف بدأت علاقتك بفن الكاريكاتير؟
- عن طريق مدرس الرسم.. فقد تعلمت الرسم في مدرسة الأقباط الابتدائية في ديروط ويومها قال لي المدرس `أنت طريقك في الحياة أنك تكون رسام وهذه الموهبة لا تهملها` وأحضر لي كتباً عن أصل الرسم الكاريكاتيري وبدأت الرسم إلي أن جاءت الحرب العالمية كنت في الجيزة .
ومتي انتقلت للعمل في الصحافة ؟
- بدأت رحلتي مع رسم الكاريكاتير في الصحافة في مجلة اسمها `الساعة 12` 1947 ولا أذكر إذا كانت صدرت أم لا لكنني أذكر أنني ظللت أرسم لوحة طوال الليل وذهبت بها للمجلة في الصباح فقابلني أحد الأشخاص بطريقة سيئة واتضح بعد ذلك أنه رسام فقررت أني لا أرسم مرة ثانية.. لكن صديقي محمود السعدني (الساخر الكبير والولد الشقي فيما بعد) كان يشاهد رسمي علي الحيطان وكان معجب جدا بالرسم فلما عرف القصة قال لي `تلاقي الراجل ده رسام وخاف منك` لازم تقابل الفنان عبدالمنعم رخا وتحكي له ما حدث لو قال لك `ارسم يبقي ترسم ولو قال لك تبطل يبقي تبطل` فذهبت لرخا فوجدت أنه يحسن استقبالي وقال لي إنت هتبقي فنان عظيم ونادي علي الفنان `زهدي` وكانوا وقتها يقومون بعمل مجلة اسمها المساء تصدرها نقابة الصحفيين.. وكانت هذه أول مجلة أعمل بها لكنها لم تخرج للنور .
- ماذا فعلت بعد ذلك؟
-عملت في جريدة اسمها ` الجمهور المصري` وكانت جريدة ضد الاحتلال وتهدف إلي مقاومة سلوك الملك.. وكان صاحبها وفدياً لكن الجريدة نفسها كانت مستقلة بل علي العكس كانت أحيانا تهاجم حزب الوفد ورئيس تحرير هذه الجريدة اسمه أبو الخير نجيب و كان شخصية وطنية من الدرجة الأولي وكان دائما يعطينا محاضرات في قداسة الوطن وضرورة تحرير الأرض لدرجة أنه كان يخصص غرفة في المجلة لتدعيم المقاتلين المصريين الذين يقاومون الإنجليز في قناة السويس بالمال والسلاح وبالأكل وكان اسمها الغرفة رقم 8 وكان رئيس الغرفة شخصاً يدعي فتحي الرملي والد المؤلف الكبير لينين الرملي. وقد رسمت في هذه المجلة الدعوة للثورة بالرسوم الكاريكاتورية قبل حدوثها وكان رئيس التحرير يؤمن أن الثورة قادمة لا محالة .
* وماذا حدث؟
-قامت الثورة بالفعل.. وكلنا فرحنا واستبشرنا خيرا لكن بدأت تظهر انحرافات من الضباط إما تعالي علي الناس أو استخدام نفوذ أو محاولة إثراء فكتب أبو الخير نجيب مقال بعنوان `إحنا طردنا فاروق وجيبنا بدل منه 14 فاروق` وقال فيه إذا كان فاروق فاسد فإحنا جيبنا 14 فاروق جديد.. فتم القبض عليه وقدم للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام ثم تدخل السادات وتم تخفيف الحكم إلي المؤبد وظل في السجن إلي أن جاء السادات للحكم فأخرج عنه بعد 19 سنة قضاها في السجن وخرج أبو الخير من السجن لكنه لم يعمل في الصحافة أحيل إلي المعاش وفي يوم كنت أجلس في نقابة الصحفيين وكانت هناك أزمة سكر وزيت وصابون فنقابة الصحفيين عملت كشكاً لتوزيع المواد التموينية وأثناء وجودي في النقابة وجدت أبو الخير نجيب فسألته `جاي ليه يا أستاذي؟` فقال لي `عايز أجيب فرخة` فدخل وجاب الفرخة وأثناء خروجه من النقابة بالفرخة صدمته سيارته فمات ! هذه قصة مناضل صحفي حقيقي لأن الصحافة مهنة مقدسة والصحفي مقاتل .
* هل كان أبو الخير نجيب السبب في أنك تري أن الرسام مناضل؟
- نعم لكنني تبينت أهمية رسام الكاريكاتير أثناء الحرب العالمية الثانية لأن رسامي الكاريكاتير الإنجليز كانوا يبذلون مجهودًا كبيرًا في محاولة إنقاذ الروح المعنوية للجنود بعد اكتساح الألمان لأوروبا كلها وكانت إنجلترا تحارب وحدها - تقريبًا - فلجأ تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في هذا التوقيت إلي رسامين الكاريكاتير كسلاح في المعركة يقومون بنشر رسوماتهم في كل مكان.. فكنت في إحدي المرات خارج البيت فوجدت ملصقات في الشوارع عليها رسوم كاريكاتورية تقول إن هزيمة الألمان محققة فبدأت أشعر بأهمية الرسم .
روزاليوسف كانت تسمي بيت الفنانين وأنت عملت بها.. ما الفرق بينها وبين بقية المجلات التي عملت بها؟
- أنا عملت في روزاليوسف في أواخر الأربعينيات وكان مقرها في مبني قديم في شارع خلف مجلس الشعب في نفس المنطقة الحالية الموجودة بها وكانت الروح الأسرية فيها ممتازة فكانت السيدة فاطمة اليوسف مثل الأم.. وكنا نأخذ ملاليم لدرجة أنني في إحدي المرات كنت راسم في الكاريكاتير `شخصين بيتكلموا` فأعطتني عشرة قروش تقريبا فقلت لها `ده مبلغ قليل` فقالت لي `إنت راسم اثنين بيتكلموا عايز كام؟! ` ففى المرة التالية رسمت لها مظاهرة وذهبت لها قلت لها `حاسبيني بقي علي عدد الأشخاص اللي رسمتها!` فضحكت، وطبعا في هذا الوقت كان معنا عدد كبير من الكتاب والرسامين الكبار.
- وكيف انتقلت للعمل في جريدة الجمهورية؟
- عن طريق الرئيس الراحل أنور السادات فقد كان يسهر معنا قبل الثورة في الجيزة في قهوة اسمها `محمد عبدالله` جلست عليها للمرة الأولي عندما كنت أتأمل إحدي الرسومات علي الحيطان فوجدت شخصاً جالساً علي القهوة قال لي `تحب تشرب معايا شاي؟ وسألني إيه اللي عجبك في الرسم ده؟` فقلت له `التعبير` فسألنى `إنت بترسم؟` وتعرفت عليه فإذا به الساخر الكبير زكريا الحجاوي ومن يومها تعهدني وبمجرد أن تركت الحجاوي ذهبت للسعدني وقلت له `يا واد يا سعدني أنا لقيت كنز` وحكيت له قصة مقابلتي للحجاوي وذهبنا معا للجلوس علي قهوة محمدعبدالله وكان الرئيس السادات في هذا الوقت - قبل الثورة - صديقاً للحجاوي وكان في السجن فبعد أن خرج من السجن جاء إلينا علي القهوة ومن يومها وجدت أنه شخصية جديرة بالاحترام فكان مثقفاً وقارئاً رائعاً للشعر وأنا كنت أحب الشعر جدا واقتربت منه إلي أن اختفي السادات و فوجئنا - فيما بعد- أنه عضو في مجلس الثورة وظلت العلاقة بيننا ممتدة حتي توفي، لذلك بعد قيام الثورة عندما أرادوا وجود جريدة تعبر عن الثورة كلنا ذهبنا للعمل فيها ففي أول اجتماع كان الرئيس السادات باعتباره كان يعمل في دار الهلال 8 سنوات ومحمود السعدني ووسيم خالد وغيرنا وعدد كبير من الضباط كانوا يريدون العمل في القسم الرياضي ثم جاء بعد ذلك فتحي غانم و يوسف إدريس الذي كان صديقنا منذ كنا نجلس علي قهوة محمدعبدالله والغريب أنني قابلت صلاح جاهين بالصدفة علي هذا المقهي ووجدته شخصية متميزة فأخذته وعرفته علي `الحجاوي` فتعهدته وأول رسم لجاهين كان معنا في مجلة اسمها `الأسبوع` قبل الثورة عام 49 تقريبًا.
- عملت لفترة في أخبار اليوم.. فلماذا تركتها ؟
- بصراحة عشت أجمل أيام حياتي كرسام بجوار رخا وصاروخان ومصطفي أمين في أخبار اليوم فقد كانوا رائعين ومهتمين بي جدا ورفعوا راتبي من 12 جنيها إلي 80 جنيها بالإضافة إلي أن `علي أمين` كان يقطع لي الرسوم من الصحف الأجنبية بنفسه لكن في أحد الأيام أعطي لي علي أمين فكرة فلم أنفذها فسألني: `لماذا لم تنفذ فكرتي؟` فقلت له: `بصراحة لم أقتنع بها`، فقال لي `الرسامين اللي عندنا يعملوا اللي احنا عاوزينه` فأنا اعتبرتها إهانة وتركته وخرجت من الأخبار.
* ما أكبر درس تعلمته من رخا ؟
- هو أن الإنسان يستطيع قهر الظروف التى يعيش فيها إذا ما تمتع بروح السخرية فأذكر أنه بعد أن دخل رخا السجن وذهب إليه أحد أقاربه بعد أسبوع من سجنه فسأله `عامل إيه يا أستاذ دلوقتي؟ فقال له هانت `فات أسبوع` و`باقي 4 سنوات سجن إلا أسبوع`! فروحه الساخرة لم تفارقه رغم سجنه ظلما لأن صدقي باشا رئيس الوزراء كان متضايق منه فدبر له مكيدة ليتخلص من رسومه.. وهذه التجربة علمتني أن أكون صدقا مهما حدث، خاصة أن الاعتقالات والسجون أصبحت عادية بعد ذلك فكل من حولي تم سجنهم حتي محمود السعدني وهو لا علاقة له بالسياسة .
- من المعروف أنك أقرب أصدقاء عمنا محمود السعدني.. كيف بدأت هذه العلاقة ؟
- محمود السعدني كان جاري في شارع عبدالمنعم وقابلته وأنا أقوم بالرسم علي أحد حوائط البيوت بالتباشير، وكان يقوم بتشجيعي علي الرسم فصرنا أصدقاء حتي الآن رغم أن حالته الصحية لا تسمح بزيارات لكنني عندما أقوم بزيارته كلما سمحت ظروفه الصحية .
* ما أكثر المواقف التي لا تنساها معه ؟
- عام 48 قررنا التطوع للذهاب إلي فلسطين ففي هذا التوقيت كان هناك ضابط متقاعد اسمه محمود لبيب قام بعمل دعوة للشباب المصري بالتطوع للذهاب للمعركة فذهبت مع السعدني.. فقبلوني للتطوع ورفضوا السعدني! لأنه كان دقيق الحجم وهو صغير فقلت لهم `أنا ما ينفعش أروح أحرر فلسطين لوحدي من غير السعدني`، ورجعت معه لأننا كنا مرتبطين بشدة وأذكر أيضاً أنه عندما كنا نعمل في جريدة الجمهورية ذهب إلي سوريا ووقع العدوان الثلاثي وانقطعت الصلة بين مصر وسوريا فقام بعمل مجلة من هناك لمناصرة مصر وفي هذا الوقت نشأت بينه وبين السياسيين في سوريا علاقة قوية ومنهم خالد بقداش وكان زعيم الحزب الشيوعي فأعطي خالد جواب للسعدني ولما جاء السعدني قال لي ` أنا هروح لعبد الناصر من أجل أن أعطي له جواباً خالد بقداش `، قلت له ` قطع الجواب ده لأن الجواب ده ممكن يضايق عبدالناصر ويخليه يقسو أكثر قسوة علي الشيوعيين ` .
- وقلت له ` يا سعدني لو أنت سلمت الجواب ده أول واحد هيتمسك في الحملة هيبقي أنت `.. فقال لي هذه أمانة وسلم الخطاب.. وكان أول شخص يعتقل في الحملة ويومها سألوه التنظيم فقال لهم ` زمش ` فتعجب الضباط لأنه لا يوجد تنظيم بهذا الاسم فقال لهم لأني ببساطة ` لا شيوعي لا إخوان ولا أي حاجة ` .
بعض الرسامين والكتاب أصابهم الاكتئاب بعد النكسة.. فماذا حدث لك؟
- بعد 67 قررت مع مجموعة من الصحفيين تشكيل مجموعة لتقاوم بالسلاح اليهود إذا جاءوا إلي القاهرة لأننا تصورنا أنهم سيأتون وكانت هذه المجموعة منها الأديب الكبير يوسف إدريس ومنهم صحفية مازالت تعيش حتي الآن اسمها سعاد منسي لكن الحمد لله لم يأت اليهود إلي القاهرة .
ما شعورك عندما تذهب لجريدة الجمهورية الآن وأنت أحد مؤسسها؟
- زمان كنت أدخل الجريدة أجد السادات ومحمود السعدني ويوسف إدريس وفتحي غانم، أما الآن فأشعر أني غريب في بيتي وهم يعاملونني كغريب.. رجل كبير في السن ` ومش عاوز يجيي `!
هل تري أن الصحافة تدهور حالها؟
- بصراحة الجو العام هو الذي يخلق الصحافة الموجودة فأيامنا كان الجو السائد هو تغيير الحال في البلد وتطوير الأمة والصحافة كانت حرة إلي أن تم تأميم الصحافة وهذا تسبب في وجود أشخاص كل هدفهم من الصحافة أن تكون وسيلة للإثراء والكسب وفرصة لتعيين الأقارب .
ما تقييمك لرسامي الكاريكاتير الشباب؟
- رسومهم مميزة لكن أكثر شيء يضايقني هو أن أجد رسم كاريكاتير مكتوباً عليه فكرة رئيس التحرير، لأن الرسام لابد أن يفكر وبالتالي فهذه الطريقة تفقده إمكانية أن يكون رسام كاريكاتير له رؤية واضحة .
ما رأيك في تعاون مصطفي حسين مع أحمد رجب؟
- هذه حالة مختلفة ورائعة فكلاهما تحول إلي شخص واحد من كثرة ` العشرة ` مثل علاقتي بالسعدني، لكن هذه الفكرة لم تأت علي بالنا ولم نجد من يشجعنا عليها لكن التوحد بين مصطفي حسين وأحمد رجب يعتبر حالة فريدة تستحق الدراسة لأنك تشعر أن كلاهما شارك في الفكرة والرسم .
هل الكاريكاتير تطور للأفضل أم للأسوأ؟
- الكاريكاتير تطور للأفضل لأن مساحة الحرية زادت وأصبحت أكثر من السنوات السابقة بالنسبة للرسام. أيام الملك مساحة الحرية كانت أكبر بكثير لأنه كان لا يمكن القبض علي أي إنسان عن طريق قانون الطوارئ ولا يمكن تعذيب أي شخص سواء في السجن أو في المعتقل وكان عسكري البوليس له نمرة علي ياقته ومن حقك إذا ضايقك أن تذهب لأقرب قسم شرطة وتشكوه ويتم عقابه وكانت الشرطة محترمة، أما الآن فالناس ممكن تضرب الشرطة وتقتل ضباط .
هل تم تكريمك مع جيفارا في الجزائر فعلا؟
- كنت أعرف جيفارا وقابلته أكثر من مرة سواء في مصر أو في الجزائر فأذكر أنني قابلته في الاحتفال بيوم تحرير الجزائر في منتصف الستينيات حيث كان يتم تكريمي مع مجموعة كبيرة شاركت في حرب الاستقلال وكان المشيرعبدالحكيم عامر موجوداً وكانت معنا شخصيات عديدة ممن ساعدت الجزائر في حرب الاستقلال .
أنت علي رأس قائمة رسامي الكاريكاتير المعادين للسامية.. لماذا؟
- لأني مؤمن أن إسرائيل دولة مختلقة في المنطقة وأعبر عن هذا بالرسم.. فهي بارعة في استقطاب الأعداء بالجرائم التي ترتكبها بشكل دائم، وبالتالي فهم دربوا شبابهم علي سفك الدماء واحتقار الآخرين وإبادتهم، هؤلاء الشباب الذين كونتهم منذ إنشائها حتي الآن يمنعوها من أن تفكر في السلام، لأن إسرائيل تتعرض للدمار إذا ما وقع السلام فهي لا يمكن أن تقبل السلام وأي مفاوضات ستبقي مفاوضات إلي الأبد .
ما رأيك في الجدار العازل؟
- الجدار العازل كارثة لأننا يجب أن نعرف أن الفلسطينيين هم الدرع الواقي لنا من عدونا المشترك إسرائيل، وأن مصر هي الهدف الرئيسي لإسرائيل لذلك لا أصدق أننا نقوم بعمل شيء تستفيد منه إسرائيل .
أنت أكثر رسام كاريكاتير لديه كتب.. لماذا لم تكتف بالرسم؟
- أولا أول كتاب عندي كان عن تجربتي في الجزائر اسمه ` أيام المجد في وهران ` وقمت فيه بشرح القضية الجزائرية وعشت مع المقاتلين ووضعت وثائق مهمة في الكتاب منها خطاب بيد عسكري فرنسي يكتب فيه أننا ظالمين وأننا نرتكب جرائم ضد شعب يناضل من أجل حريته، ووثيقة أخري أنهم كانوا يتاجرون في الفتيات بعد أن يذبحوا رجالهم علاوة علي صور فتوغرافية للطائرات التي شاركت في العدوان علي الجزائر سواء كانت فرنسية أو أمريكية أو ألمانية .
كيف جمعت كل هذه المعلومات؟
- كل هذه المعلومات جمعتها من المناضلين الجزائريين الذين قاموا ببطولات مذهلة فلا تتخيل أن فرنسا عندما احتلت الجزائر قامت بإلغاء اسم الجزائر وأطلقت عليها اسم ` الأرض الفرنسية فيما وراء البحار `، وقامت أيضا بتحريم قراءة القرآن واللغة العربية لذلك فإن هذا الشعب عظيم بحق .
ما رأيك فيما حدث الفترة الأخيرة بين مصر والجزائر؟
- هذه كارثة ومأساة لأن العلاقة يمكن أن تتوتر بين الحكومات لكن أن تدخل العلاقة في صميم الشعوب فهذه جريمة، لأنه لا يمكن أن نكون عرباً وكلانا يسب الآخر بسبب أشخاص غير مسئولين من الجانبين فأنا أذكر عندما كنت موجودا في الجبل في الجزائر كانت الناس تأتي من أجل أن تراني لمجرد أني مصري .
هل العروبة ماتت بوفاة عبدالناصر مثلما قال التونس طارق دياب؟
- العروبة مثل الدين لم ولن تموت لأن مصير العرب وأحلامهم واحدة مهما اختلفو .
أخيرا.. كيف يسير يومك هذه الأيام؟
- أنا مازلت أقوم بالرسم بشكل منتظم وأقوم هذه الأيام بعمل معرض عن مصر في الأربعينيات يوم 29 إبريل في أوروبا هذا بجانب أني أقوم بتحضير الرسومات التي سوف أقوم بنشرها في ` الدستور ` بداية من الشهر القادم وستكون مفاجأة للقراء وربما افتتحها برسمة تلخص ما يقال عن محمد البرادعي وترشحه للرئاسة .
بقلم : محمد توفيق
جريدة الدستور 28-3-2010
الحقوا .. معرض الفنان طوغان الخميس
-الحقوا انفسكم.. بزيارة معرض رسومات الفنان الكبير احمد طوغان .. الذى يعرض فى أحدى قاعات العرض ( بساقية الصاوى ) بجوار كوبرى الزمالك !! ومشاهدة هذا المعرض سوف ( يغسلك ) .. من الداخل وجدانيا .. ويمسح عن عيونك ذلك ( القذى ) أو العفار الذى ينال من العين والقلب ! .. لأن الفنان الكبير والقدير هو فنان ( بورتيريه ) ومصور لوحات .. قبل ان يكون مبدعا ومفكراً ورساماً كاريكاتيريا نطالع رسوماته فى كل صباح فى جريدة الجمهورية .. وعددا من الصحف والمجلات . وهو فنان قديم أمضى هذا الفن الساخر اكثر من نصف قرن .. ومازالت خطوطه الشابة تنطق بجمال الصبا فى اللوحات البديعة على جدران قاعة العرض فى مهرجان طوغان الحافل بالجمال .
- وطوغان الرسام الفنان .. هو صاحب موهبة فكرية وفنية, واصابع ذهبية !! .. وعبقرية شاعرية, وفرشاة ماسية .. وتجد ذلك فى اللوحات الخاصة بالعمارة اليمنية .. التى أراد بها الاسهام فى تخليد المعمارى الحضارى القديم لطراز البناء الفريد فى اليمن القديم ذات الحضارة التى مازال يتغنى بها التاريخ وكذلك فن البورتريه لوجوه يمنية .. ومصرية من الريف .. مما يدل على ان الفنان طوغان مسكون بحب الريف الذى الهمه ابداعاته الجميلة بصبايا الريف .. حاملات الجرار !! - وكنت أريد أن أغنى بموال ريفى قديم .. وأضع صوتى على ذلك الجسد ( الريان ) بعنفوان الصبا والجمال الفريد الذى جاء ذكره فى مواويل الصباح لذلك المغنى الذى أشجانى .. وأفرحنى .. وأبكانى وهو يغنى بهذا الموال الذى قال فيه : صبح الصباح ياجميل وأنا على ( الموردة ) بدرى ! .. عاشق ومجروح .. وفى طلعة الروح مجاش الدوا بدرى .. وكنت أريد ان أن أغنى لهذه اللوحة لصبية ريفية .. بهذا الموال : عينى رأت بنت بيضة ( بتملى ) والندى نازل .. والشعر الأصفر على صدرها .. وأنا نازل ! .. رفعت يمينها .. وقالت : الحلال أحسن لتموت قتيل الغرام .. والندى نازل ! .. وشكرا يا أحمد يا طوغان أيها الفنان النادر .. والصابر .. الذى اشعل الوجدان بمشاعر .. تصورت أنها تاهت فى الزمان ! .. واللا زمان .. يا طوغان .. يا فنان !! .
أ/ أسماعيل النقيب
الأخبار - 2 /5 /2005
السادات كان من أعز أصدقائى
- فنان الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان يتذكر : بكلمة واحدة يرد طوغان فنان الكاريكاتير على سؤالى :
- كيف ينعم المرء بحياته ؟ .. كيف تلوح له الثمانون مثل وردة بيضاء ندية ؟
- فيقول : (الرضا) .
- أتساءل : ( هل هو الرضا بالمقسوم ؟ .. بالمقدور .. بالنصيب والمكتوب ) ؟!
- يبتسم فى طمأنينة ويقول : ( الرضا بما قدمه الإنسان فى رحلة حياته .. هذا الهدوء النفسي الذى يشمل المرء عندما يقدم كل ما يستطيع ويبذل كل ما عندما يقدم كل ما يستطيع ويبذل كل ما عنده , العطاء طبيب يعالج الإنسان ويشفيه ويجعله راضيا خاصة إذا دافع عن حق أو طالب بحق إذ لا يصح إلا الصحيح .
* الطائر يصعد السلم !
- قلت : حدثنى عن طبيبك .. عن العطاء ..عن تلك الحكمة التى تقول ( لم أفعل ما أحب أو ما أكره, ولكننى فعلت ما يجب .. كنت أفعل الواجب دائماً ) .
- قال : ( شغلتنى قضية الإنسان بكل تفاصيلها سواء فى نضاله ضد الاحتال والاستعمار أو فى كفاحه ضد الفساد أو فى مقامته لغول الغلاء والاستغلال ورغبته فى بناء حياة أفضل, حقوق الإنسان فى الحياة تشغل فكر رسام الكاريكاتير, ولم تحمل رسوم الكاريكاتير توقيع من رسموها إلا فى العصور الحديثة, وبالتحديد عقب الحرب العالمية الأولى, الفنان المصرى كان أول من رسم لوحة كاريكاتير, رسمها على ورق البردى قبل الميلاد بعدة قرون .. كانت لوحة تمثل طائرا يصعد الشجرة بواسطة سلم !
- عاد يبتسم وكنت أتخيل طائرا يفرد جناحيه عن أخرهما ليصد سلما خشبيا بقدميه ! وأبتسم أيضا .
- قال : ( الفراعنة رسموا لوحاتهم الكاريكاتير على جدران المعابد , و الفنان المصري القديم أخلص برسومه لقضايا الإنسان ؟
- قال بالفعل, كان كتابى الأول عن ( قضايا الشعوب ) أصدرته دار التحرير عام 1975وكتب مقدمته الرئيس الراحل أنور السادات .
* قصتى مع السادات :
- بسألته عن قصة المقدمة والكتاب وعن صداقته للرئيس السادات .
- فقال : ( كانت أول مرة ألتقى فيها بالرئيس السادات بتاريخ 26 يوليو 1948 عقب الإفراج عنه من السجن بعد محاكمته وإثباته براءته من تهمة قتل أمين عثمان الذى كان وزيرا للمالية فى حكومة الوفد وتربص به شاب أطلق عليه الرصاص , أيامها كان الشعور العام ملتهبا ومعبأ ضد الإنجليز وضد وجودهم فى مصر , كان إلغاء معاهدة 1936 يقنن وجود الاحتلال فى دائرة ضغيرة , إلا أن تصرفات الإنجليز كانت تستفز المصرين , وكانت ثكنات الإنجليز وجنودهم تحتل أكبر ميادين القاهرة , وميدان التحرير الذى كان اسمه وقتها ميدان قصر النيل وكانت حادثة 4 فبراير قد أججب الشعور الوطنى وألهبت النفوس عندما اقتحمت الدبابات البريطانية قصر عابدين ودخل السفر البريطانى ( مايلز لا مبسون ) على الملك فاروق وقدم إنذاره الشهير بضرورة فرض النحاس باشا رئيسا للوزراء الذى تولى منصبه واختار أمين عثمان وزيرا للمالية, وكان أمين عثمان بريطانى الهوى فلم يستطيع احترام شعور المصريين وعندما قال أن علاقة مصر وبريطانيا علاقة زواج كاثوليكى لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر .
- بعد الإفراج عنه - كان قد عمل محررا فى دار الهلال بمجلة المصور لفترة ليست بالقصيرة, لذلك عندما قامت الثورة وكان من قادتها عهد إليه مجلس الثورة بإصدار الجريدة التى أصبحت لسان حال الثورة وهى جريدة الجمهورية التى صدرت فى ديسمبر 1953, وكان السادات قد اتصل بى ودعانى للإشتراك فى أسيس جريدة الجمهورية ورسم الكاريكاتير السياسي فيها, كان ذلك فى أكتوبر عام 1953 قبل صدورها بحوالى 6 شهور ومن يومها رسومى تنشر على صفحاتها يومياً .
* صورة للعام الثالث :
- سألته : حصدت العديد من الجوائز منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزة على ومصطفى أمين وأحداثها جائزة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة عن أحدى لوحاتك الكاريكاتيرية فماذا رسمت فيها ؟
- قال : ( كانت لوحتى عبارة عن سجن كبير مكتوب عليه العالم الثالث, والبوسطجى فى يده خطاب مكتوبه عليه الإنسان ! والعسكرى الواقف بالباب يقول له : ( لا يوجد هنا أحد بهذا الاسم ) !
* متعة الثمانين :
- قلت : نعود إليك .. إلى متعة الثمانين .. أين تجدها ؟! وكيف ؟!
- قال باسما : تمتعنى الصداقة , ومن أصدقائى كامل زهيرى وخيرى شلبى ويوسف الشريف وإسماعيل سلام ( وزير الصحة سابق ) ود مختار جمعة , وحمود السعدنى وعدد آخر من الأصدقاء وربما لا يتسع المجال لذكرهم الآن .
- سألته : وما الذى يمتعك أيضا ؟
- قال ضاحكا : صرف الفلوس !
- قلت وأغلى لوحة بعتها ؟
- قال : أغلى لوحة بعتها بعشرة آلاف جنيه وبعتها لتاجر لوحات , كانت لوحة تمثل مقهى بلديا , ولوحة أخرى للمحطة .
- قلت : وأى لوحة أبيعها أندم لآنى بعتها .
- ولماذا تبيعها ؟
- لأصرف .. لأواجه الحياة .
- وواجهتها ؟
- إلى حد ما , لم أدخر مليما الجاى على قد اللى رايح .
- وهل كل قرش صرفته ؟
- لا , ليس فى موضعه , مرة صرفت مائة ألف جنية فى ستة أشهر .
- قلت فى دهشة : فيم صرفتها وكيف ؟!
- قال ضاحكا ومتعجباً من دهشتى : أنا مستعد صرف أعطنى مائة ألف جنية وأنا أصرفها قدامك دلوقت !
- قلت : ألم تندم على صرف كل هذه النقود ؟
- قال باسما : لا .. لم أندم لأنها كانت لازم تتصرف .. لنقود موجودة لكى ننفقها لكن المهم إنها تيجى !
- قلت : ما الذى يسعد الأنسان من وجهة نظرك ؟
- قال : النجاح يسعد الإنسان ويشقيه الندم .
- مازالت سنواته الثمانون حافلة , وردة بيضاء ندية تعطى .. وتعطر بشذاها جوارا يابي أن ينتهى .
د / عزة بدر
صباح الخير - 10 /7 / 2007
!حقوق الإنسان بالكاريكاتير
- فى الكاريكاتير تظهر الذئاب وهى تقود الماعز , والأسد وهو يلعب الشطرنج مع الغزالة ! والثعلب وهو يختار ما يراه مناسباً لتجميل وجهه ! يعرض عليه (المزين) صورة الأرنب , وصورة الحمل , وصورة الكتكوت فيتردد الثعلب على أيه صورة يود أن تكون ! .
- عندما رأيت هذا الرسم الكاريكاتيرى العالمى مع الفنان أحمد طوغان قلت له : كم كان بليغاً .
- فقال طوغان : بلاغة الكاريكاتير فى صمته !
- فى خطوطه فقط , وأكثر رسوم الكاريكتار بلاغة هى التى تنشر بدون تعليق , الرسم والفكرة العميقة التى تطل من بلاغة الصمت يفهمها الجميع ولذا فالكاريكاتير فن للجميع .
* طريق الأشواك !
- قلت : هل يبدو فن الكاريكاتير العربى أقل حرية وجرأة فى تناول قضايانا ؟
- قال لا .. فن الكاريكاتير العربى لا يفتقر إلى الجرأة ولكنه أقل تفاؤلا ! وهذه مشكلته !
- قلت : ألست الذى رسم مواطناً يذهب إلى كشك سجائر ليعيد علبة سجائره إلى البائع قائلاً : ( العلبة دى مغشوشة , لم يكتب عليها تضر جداً بالصحة وتسبب الوفاة ) ! .
- ضحك حتى دمعت عيناه وقال : والله وماليكى عليا يمين أنا جاد جداً فى الامتناع عن التدخين , أبطل السجائر جوالى 100 مرة فى اليوم ! .
- أترين كما أنا متفائل .. فى مرة من هذه المرات المئة سيتحقق الأمل المنشود ! , الكاريكاتير دائما يحقق الانفراج بعدما تضيف الحلقات جميعاً ليس على المستوى قضايا الشعوب , فلك أن تعلمى أن رسامى الكاريكاتير فى كل الأزمات والحروب والكوارث يكونون فى أول صفوف المقاومة , مهمة الكاريكاتير ليست فى الهزل والتنكيت وإنما هى الإسهام مع الشعراء والأدباء والفنانين فى تنظيف الطريق من الأشواك وسد الحفر أمام مسيرة العربة والحصان .
* لا داعى للخوف !
- استطرد يقول : رسامو الكاريكاتير دائماً فى المقدمة , أثناء الحرب العالمية الثانية , كانت رسوم الفنان الإنجليزى ( ديفيد لو ) هى زاد الشعب البريطانى وكانت أشهر هذه الرسوم عن جندى إنجليزى يقف فوق صخرة فى البحر تحيطها الأمواج العنيفة , ويرفع قبضة يده قائلاً : ( آدى احنا لوحدنا ولكننا سوف ننتصر ) حينذاك كانت إنجلترا فى أسواً المواقف التى مرت بها - أثناء الحرب العالمية الثانية - كانت مهددة من الألمان , وكان العدوان النازى مثل الإعصار يدمر كل ما يعترض طريقة لدرجة أن البلدان كانت تسقط بمجرد ظهور الألمان على الحدودها , وكانت الغارات الجوية على بريطانيا مخيفة أصابت لندن بالدمار الكامل لدرجة أن تشرشل قال ( ليس هناك ما يدعو إلى الخوف لأن كل قنبلة سوف تسقط فى نفس مكان القنبلة التى سبقتها .
- وهنا ظهرت قيمة رسومات ( ديفيد لو ) التى رفعت معنويات الإنجليز وساعدتهم فى اجتياز الأزمة .
* القلم والعصا !
- سألته عن أبرز القضايا التى يعالجها فنانو الكاريكاتير فى العالم الآن .
- قال : حقوق الإنسان تشكل قضية الكاريكاتير الأولى عند كل رسامى الكاريكاتير فى العالم , فمنهم من رسم سطوة الآلة على الانسان فى علمنا المعاصر , ومن أشهر اللوحات ما رسمه الفنان اليابانى ( سكاى ) رسم الآلة وهى تلتهم الإنسان رسمها متوحشة ضارية لا تبقى ولا تذر , كما تعرض بعض رسامى الكاريكاتير إلى الصراع بين المثقف والسلطة فرمز إليهما الرسام الكندى ( هيريرا ) بصراع القلم والعصا , ومعظم الفنانين رسموا أكثر مما رسموا سجن الباستيل , لأن سجن الباستيل , كان يخضع للقوانين أما سجن ( جوانتنامو ) فهو سجن لا يحاسب فيه السجان عما يحدثة بالسجين , ولا يسأل عن احياته , وحيث لا يقف السجان أمام قاض لا قانون ولا عرف كذلك اعتم رسامو الكاريكاتير بقضايا حقوق الإنسان فى العراق كما برزت الرسوم المناهضة للحرب .
* مناخ التفاؤل
- قلت : إذا كانت حقوق الإنسان هى القاسم المشترك الأعظم بين رسوم فنانى الكاريكاتير فى العالم فما الذى يميز رسوم الفنان العربى وخاصة أن هذه القضايا تخصه وتمسه بشكل مباشر ؟
- قال : اختلاف المناخ الذى يعيش فيه الرسام يؤثر فى رسمومه , نوافر قدر كبير من الديموقراطية وحرية التعبير يجعل فن الكاريكاتير يزدهر إلا أن مناخ التفاؤل يغلب على الفنان الغربى , أما الفنان فى العالم الثالث فيعانى من مشكلات عديدة , لقد شاهدت لوحة الفنان من البلقان اسمه ( تورما ) من ( سلوفينيا ) يرسم الشجرة تنمو رغم قطعها , أنه يحمل فى داخله كثيراً من الأمل فى المستقبل بل بداخله الأمل كله , وأريد أن أقول لك أن النابغين من رسامى الكاريكاتير فى أمريكا معظمهم مهاجرون من العالم الثالث .
* أشهر الرسامين
- سألته عن أبرز فنانى الكاريكاتير الذين دافعوا عن القضايا العربية .
- فقال : فى مقدمتهم الفنان الفلسطينى الشهيد ناجى العلى والفنان اللبنانى حبيب حداد , سورية : خالد جلال , وفرزات , ومن السعودية : الوهيبى ومن البحرين : خالد الهاشمى , ومن الأردن : جلال الرفاعى .
- وبالطبع كل رسامى الكاريكاتير المصريين أسهموا فى الدفاع عن القضايا الوطنية والعربية وحقوق الإنسان وهم جميعاً محل تقديرى وأعجابى , والأقرب إلى من رفاق الرحلة زمنيا الفنان الكبير حجازى - وكذلك الفنان المتميز مصطفى حسين .
- وقد كانت قضية فلسطين هى القضية الأولى الرئيسية فى رسوم الفنانين العرب بصفة عامة , وكذلك الوضع فى العراق , وخلافات العرب بالإضافة إلى القضية الاقتصادية , متمثلة فى الغلاء , والقضية الاجتماعية متمثلة فى التخلف الاجتماعى والفقر , وسطوة المال على السلوك الإنسانى والعلاقة بين الرجل والمرأة .
- عدت أحدق فى السوم الكاريكاتيرية التى زودنى بها الفنان طوغان أتامل بلاغة الصمت , وكيف عبر الفنانون فى العالم عن حقوق الإنسان وقضاياه , حيث الكاريكاتير بدون تعليق أكثر بلاغة يخاطبنا بالصورة ويطالعنا بالفكر العميق لأنه فى هذه الحالة للجميع .
د . عزة بدر
صباح الخير - 17 /7 /2007
طوغان يتذكر بريشته ` مصر الأربعينيات `
- شاب فى الرابعة والثمانين .. هكذا تؤكد ضحكته وكلماته وذاكرته الحاضرة .
- معرض جديد ، ولكن للذكريات ، وتحديدا عقد الأربعينيات من القرن الماضى ..
- بصمات الأيام واضحة ، لكن ريشته أيضا موحية ، تترجم رؤية متكاملة يتمازج فيها الفن مع المجتمع فى كل التفاصيل السياسية والأجتماعية والأقتصادية والفنية والفكرية و.. و.. وهكذا كان دائما طوغان .. الريشة كالبندقية ، واللوحة موقف ، واللون مغرى .
- فى معرضه الأخير لوحات ترصد نبض الحياة فى مصر خلاب الأعوام من 1940 إلى 1950 مرحلة حبلى بالنضال ، ثرية فى أحداثها ، كانت ضمائر الثورة تتفاعل حينذاك ، وكان طوغان لا يكتفى بالرصد فقد حملت كل لوحة رأيا ، وترجمت موقفا .
- لكنه أيضا كان حريصا على أن يتأمل الملامح الصغيرة فى أيام تلك الحقبة الرائعة الرقراقة ، التى جمعت بين رياح الثورة التى كانت تتجمع فى الأفق ، وحرص الناس على أن يتمتعوا بتلك المتع البريئة المتاحة ، وربما كانت زادا يعينهم على مواصلة الحياة .
- طوغان كما نرى تنقل بريشته بين الريف والحضر ، الشوارع والحوارى ، والميادين والقصور ، حتى قارئه الفنجان فى غرفة نوم الهانم كان موجودة فى خاطره .
- السياسى كما الاجتماعى وكل ما يهم الناس ، مشاكلهم قضاياهم كان طوغان يعالجه بأسلوب ساخر ضاحك ، واضعا يده على المشكلة ، لافتا النظر لابعادها محرضا على التفكير فيها ، إذ أن ذلك أول الطريق نحو التوصل إلى الحل .
- جاب الصعيد من اقصاه إلى أدناه ، وفى شبابه عاش فى الوجه البحرى ، وحين بلغ التاسعة عشرة من عمره جاء إلى القاهرة وحتى احترف بعد ذلك بعامين فن الكاريكاتير كان زاده لا ينفد ، وكان قادرا على استدعاء ما عاشه وخبرة وعرفه منذ تفتح وعيه وحتى امتلك ريشته .
- لم يجد نفسه مضطرا لبذل أى جهد حين يستدعى مشهد الحاوى فى الأرياف أو تجمع القرويات حول طلمبة المياه لملء جرارهن ، أو ظهور الولد والخروج فى زفة تعلن فرحة العائلة ، أو وصول البوسطجى حاملا رسائل تطمئن الأهل على البعيد الغائب .
- محطة السكة الحديد بتفاصيلها الصغيرة وحالة الترقب لوصول القطار الذى يلوح من بعيد باعثا سحابة من الدخان وعامل المحطة ينبه الجميع بحرسه و .. والحنطور الذى كان مركبة الأثرياء فى الريف ينتظر خروج الهانم والبيك على باب السرايا .
- دوار العمدة وأصحاب المظالم يلتفون حوله بينما لا يتحرك إلا فى حراسة خفرائه .. ` شوار ` العروسة فى طريقه من بيت أبيها إلى دارها الجديد حيث تزف بين أهل الزوج المرتقب .
- و.. و.. ويبرع طوغان فى رسم صورة مبدعة للحياة فى هذا الزمن البعيد الجميل حيث كان الناس غير الناس ، والعلاقات غير ما نرى ونكابد ، رغم أن الفترة التى رصدها بريشته لم تخل من أحداث صادمة كحادث 4 فبراير 42 ومظاهرات الطلبة والعمال ونكبة 48 و.. و.. وعشرات الأحداث التى صنعت فى النهاية تحولا جذريا فى حياة مصر ، ربما كان لريشة طوغان دور فى التمهيد لما حدث .
- طوغان الفنان الشاب رغم سنواته التى تجاوزت الثمانين مازال يرسم بشكل منتظم ، لينطلق معرضه عن ` مصر الأربعينيات ` اليوم .. وبانتظار معارضه القادمة

جريدة نهضة مصر - 2010
صاحب النيل فى الفنون
طوغان .. الكاريكاتير يتربع على عرش جوائز الدولة
محمود السعدنى : كانت هواية طوغان عام 1939 الرسم بالطباشير على الحوائط .. وكان الرجل المفضل عنده هو هتلر ، استطاع أن يحبط المؤامرة المشهورة عام 1954على الصحافة المصرية التى كانت تستهدف القضاء عليها ببدء ترجمة المجلات الأجنبية وتوزيعها فى مصر .
- للمرة الثانية تربع فن الكاريكاتير على عرش جوائز الدولة للفنون .. فقد فاز بجائزة النيل هذا العام الفنان احمد طوغان.. وكان الفنان مصطفى حسين قد فاز بها عام 2010 وهى أكبر جائزة قومية فى مصر المحروسة .. وفى هذا تأكيد على أهمية وتقدير واحترام الفن الصحفى بوجة عام وفن الكاريكاتير على المستوى الخاص .. هذا الفن المشاكس والذى ساهم بطول تاريخة فى الصحافة المصرية فى تغيير المجتمع.. وهو فن يكشف ويواجة ويتصدى .. ايضا يرسم الضحكة والبسمة .. يقتحم الحياة بلغته النافذة الخاطفة كالبرق السريع .. ويعمد الى تغيير السلوكيات السلبية فى حرية شديدة مسكونة بالرمز بعيدا عن المباشرة والقوالب المحفوظة .
- وقد عرفت الصحافة المصرية الكاريكاتير فى الربع الأول من القرن العشرين على يد ثلاثة من الرواد الاجانب بعد ثورة 1919 بقليل : الاسبانى خوان سانتوس فهو الارمينى صاروخان صاحب الريشة الفصيحة التى تعد أكثر قربا من الشخصية المصرية .
- ويعد الفنان عبد المنعم رخا اول رسام مصرى يحترف هذا الفن بالمعنى الحقيقى وكان علية مسئولية ضخمة الا وهى تمصير الكاريكاتير المصرى وتحريره من اللكنة أو اللهجة البصرية الاجنبية .
- بينما نجد احمد طوغان مع عبد السميع ` 1917- 1986 ` وزهدى ` 1917 -1924 `.. العلامة والنقلة الثانية فى هذا الفن بعد رخا .. وساهم الثلاثة فى فتح باب المدرسة المصرية الحديثة فى فن الكاريكاتير والتى تزعمها فى تواصل جاهين وحجازى ومصطفى حسين ومعهم بهجت وبهجورى وليثى الى توالى اجيال هذا الفن الذى لا يزال يتألق بضخ الكثير من رساميه رغم ضعف وانزواء الرسوم التعبيرية ` الاليستريشن `على الجانب الاخر فى الصحافة المصرية .
ويعد الفنان طوغان احد أعمدة الكاريكاتير السياسى المصرى وهو رسام بدرجة مناضل يؤمن بان الكاريكاتير لا يقل فى دورة عن المدفعية الثقيلة .. وتمتد رحلته مع هذا الفن لاكثر من 65 عاما حيث ظهرت رسومة فى المجلات والصحف المصرية من عام 1946 يقول ` الولد الشقى ` محمود السعدنى الصديق الحميم والرفيق لطوغان: ` كانت هواية طوغان عام 1939الرسم بالطباشير على الحوائط .. وكان الرجل المفضل عنده هو هتلر .. كان معجبا بقوته بعضلاته بجيوشة وجنوده الذين يموتون وهم يهتفون باسمة .. ملأ طوغان الحيطان برسومة : عساكر خوذات بنادق مدافع ثم بدا يرسم تشرشل وانتهت الحرب واكتشف طوغان ان زعيمة كان بلطجيا وسفاحا وارهابيا .. ومن يومها تغيرت وجوه طوغان .
- انضم طوغان الى جريدة الجمهورية عام 1953وكان من مؤسسيها قبل اصدارها ومن اجل قضاياه طاف معظم بلاد الدنيا : فرنسا المانيا ايطاليا .. كوريا العراق وسوريا واليمن .
* المؤامرة :
- ولقد استطاع طوغان ان يحبط المؤامرة المشهورة عام 1954على الصحافة المصرية التى كانت تستهدف القضاء عليها ببدء ترجمة مجلات ` لوك ولايف وتايم ` باللغة العربية وتوزيعها فى مصر.. وقضايا طوغان لا تنتهى لانها قضايا الشعوب التحرر والتمسك بالهوية .
- واحمد طوغان عميد مدرسة الكاريكاتير المصرى حاليا اصدر العديد من الكتب الزاخرة بالكلمات ورسوم الكاريكاتير .. وكان كتابه الاول عن `قضايا الشعوب ` اصدرته دار التحرير عام 1957 وكتب مقدمته الرئيس الراحل انور السادات .. وله ايضا ` ايام المجد فى وهران ` و `فلسطين ` ورواية وحيدة هى ` حدث فى ديمقراطستان ` وغيرها .
* المولد والنشأة :
- ولد أحمد طوغان فى المنيا عام 1926 ومن بداية الطفولة بدأ يرسم ككل الاطفال وفى مدرسة الاقباط الابتدائية بديروط التابعة لمحافظة اسيوط وكانت الاسرة قد انتقلت اليها .. داب على الرسم بتشجيع استاذ التربية الفنية الذى اكتشف فية موهبة الكاريكاتير وقال له بالحرف الواحد ` ان طريقك فى الحياة ان تكون رساما وهذه الموهبة لا تهملها .. واحضر له كتبا عن اصل الرسم الكاريكاتير .. وبدا يرسم ويرسم .. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1946 شهد العالم العديد من الاحداث وكان اقربها بالنسبة للمنطقة العربية .. الاحداث فى فلسطين وكيف بدأ اليهود يحققون حلمهم بتكوين دولتهم على أرض فلسطين .. وبجانب هذه القضية كانت القضايا القومية تشغل بال طوغان وتشغل كل الشعب المصرى مثل قضية التحرر الوطنى من الاحتلال الانجليزى .. ومن هنا خرج فى المظاهرات مع طلاب المدارس يطالب برحيل الاحتلال وكانت وسيلته فى التعبير فى تلك الفترة هى الشعر حتى وقعت فى يده مجلة شاهد فيها رسوما كاريكاتيرية بهرته وسيطرت على خياله وبدأ يقلدها ويرسم فى كل مكان فى البيت والمدرسة !! وكانت البداية فى الصحافة عام 1947 فى مجلة تدعى ` الساعة 12 ` وكان يحررها مجموعة من الشباب وقد ظل يرسم حتى الصباح واتجه الى مقر المجلة وهناك التقى باحد الاشخاص والذى تعامل معه بجفاء وقال له : انت لا تصلح ونصحة بالالتفات الى الدراسة واتضح انه رسام لا يحمل موهبة .. ومن تلك اللحظة قرر طوغان الا يعود الى الرسم مرة أخرى .. الا ان صديقة محمود السعدنى والذى كان يتابع رسومة على الحوائط .. ومن فرط اعجابه بها واقتناعه بقيمة موهبته قال له لا شك ان ما قابلته مجرد رسام ضعيف وخاف من قدراتك .. واشار علية بان يلتقى بالفنان عبد المنعم رخا واضاف هو الذى سيقرر مصيرك يعنى قول الفصل ` ارسم يبقى ترسم ولو قال بطل تبقى تبطل ` .. وفى نقابة الصحجفيين التقى برخا و ` كان يلعب طاوله مع الكاتب الكبير فكرى اباظة والذى احسن استقباله واشاد برسومة معلقا : انت حتبقى فنان عظيم ياطوغان .. واستدعى زهدى لينضم الى مجلة اسمها المساء وهى مجلة اسبوعية كان يصدرها اتحاد محررى الصحف وعمل فيها لمدة عامين .. ثم انتقل الى ` الكاتب ` و ` الصرخة ` ووروزاليوسف و ` الجمهور المصرى ` ورسم فى تلك الفترة العديد من الرسوم التى كانت تتنبأ بالثورة وبان قيامها سيكون قريبا .. وحين اصدر الاخوين على ومصطفى امين صحيفة الاخبار عمل فيها من بدايتها الى عام ونصف تقريبا .. لكنة عاد الى ` الجمهور المصرى ` حتى قامت ثورة يوليو 1952 .. ورغم اختلاف وجهات النظر فى صحيفة الاخبار حول سياسة الكاريكاتير ومشاركة الكتاب فى الافكار مثل كامل الشناوى ومأمون الشناوى وعلى و مصطفى امين .. وكان طوغان يحب ان يكون مستقلا فى افكارة .. الا انه لا ينكر ابدا فضل على امين علية : كان يهتم بى كثيرا ويحضر لى العديد من المجلات الاجنبية التى تحتوى على الرسوم الكاريكاتيرية .. لا تعلم منها واشترك لى كذلك فى احدى وكالات الانباء المخصصة للرسوم وهى الاشياء التى استفدت منها كثيرا فيما بعد ` .
هو وصحيفة الجمهورية
بعد نجاح ثورة يوليو 52 .. وفى الاجتماع الخامس لقادتها قرروا اصدار صحيفة تعبر عن احلامهم وامالهم فى تغيير الواقع الى واقع افضل يحقق مطالب الشعب الذى ارهقه عجز النظام السابق الذى اصابته الشيخوخة والتجمد .. وفقدان القدرة على مواجهة الاحداث فى المنطقة التى تجتاجها عاصفة ممثله فى الصهيونية التى تمكنت وتمركزت .. الى جانب فيروس التخلف والفساد الذى يعوق تقدم الشعب ولحاقة بالعصر .
يقول أحمد طوغان : استصدر الرئيس جمال عبد الناصر التصريح لجريدة الجمهورية .. وكان من الطبيعى ان يطلبوا من الرئيس انور السادات حمل مسؤولية اصدار الجريدة المطلوبة .. لما له من تجربة صحفية ليست قصيرة فى دار الهلال عندما كان يعمل محررا فى صحفها بالاضافة الى كتاباته فى مجلة المصور خلال فترة طرده من الجيش بعد اتهامة بالتحريض وتدبير قتل .. الوزير فى حكومة الوفد امين عثمان الذى كان ربيبا للسلطة .. وبالرغم من حصول السادات خلال المحاكمة على البراءة الا انهم اخرجوه من الجيش فراح يبحث عن الرزق بدار الهلال .
وصف الفنان طوغان الرئيس انور السادات بانه افضل من قرأ الشعر وهو من جعلة يحب الشعر واضاف : ` علاقتى بالرئيس السادات تعود الى عام 1947 وكان وقتها مفصولا من الجيش .. وكنا مجموعة مثقفين نلتقى بقهوة عبدالله بالجيزة وكانت الشله : يوسف ادريس وزكريا الحجاوى ومحمود السعدنى ومحمد على ماهر وانور المعداوى وصلاح عبد الصبور وسمير سرحان .. لذا حين فكرت ثورة يوليو فى اصدار الجمهورية اتصل بى السادات وعرض على العمل فيها. بدأ السادات خطواته لتنفيذ قرار اصدار الجمهورية فاختار الدكتور طه حسين يساعده حسين فهمى فى رئاسة التحرير وامر بتعيين زكريا الحجاوى وعبد العزيز جبر مديرين للتحرير كما امر بتعيين محمد على ماهر وعباس الاسوانى وعبد السلام الشريف ومحمود السعدنى وانا .. وعين المناضل المغامر سعد زغلول فؤاد فؤاد صاحب التاريخ الحافل والذى لم يترك سجنا فى المشرق أو المغرب لم يدخلة بالاضافة الى زملاء اعزاء اخرين .. وكنت ارسم بالجمهورية من بداية التحاقى بها وبشكل يومى .. ثم جاء الى الجمهورية بعد ذلك معنا فتحى غانم ويوسف أدريس .
- وظلت ريشة طوغان تصرخ وتتألم وتجسد الوجع فى بؤر الصراع بالوطن العربى وتشدو لانتصار الحرية وحركات التحرر وكان مع كل هذا يحلم بالسلام الذى جسده عام 1955 حين التام شمل شعوب أسيا وافريقيا وعقد مؤتمر السلام فى باندونج عام 1955 .. مؤتمر حضرة كبار زعماء العالم : نهرو وجمال عبد الناصر وشواين لاى وباقى الرؤساء بالقارتين ..فهل انتصر السلام ؟
* ` ذكريات ` وصور من الاربعينات :
- عين ثاقبة ونظرة فنان تحول المألوف والمعتاد الى ما هو مدهش ومثير وطريف .. جاء معرض الفنان طوغان بقاعة دار الأوبرا عام 1910 ` ذكريات ` الذى قدم فية عشرات اللوحات عن مصر فى الاربعينات وهى حكايات وذكريات اقتنص فيها الزمان والمكان .. فى هذه الفترة وعاد بنا الى الزمن الجميل والذى عكس من خلاله صور لمشاهد وسلوكيات رصدتها ريشته برؤية جمعت بين الرسم التعبيرى والحس الكاريكاتورى الساخر فيها البساطة والجمال وسحر الماضى - فى لوحات ملونة مفعمة بالروح الطليقة والابتسام من بينها : نقل جهاز العروسة من بيت اهلها الى بيت الزوجية وبوسطجى القرية يوزع على ابنائها الخطابات التى تحمل فى بعضها أخبارا سارة وفى البعض الأخر انباء جادة تدعو للتأمل والتفكير .. وزيارة العريس لبيت العروس ولقاء الاسرة به فى حجرة الصالون .. والاسرة القادمة من الريف والتى تتجول فى شوارع القاهرة الفاطمية وتضم كل الاجيال من الاب والام والجدة والابناء وحفلات التحطيب والرقص بالعصى وفرقة حسب الله بشكلها وزيها المميز .. كما استعاد شكل الشوارع والحوارى ومحطة السكة الحديد والطرق والمبانى مع شخصية بنت الحتة او بنت البلد بالملاءة اللف والتى تمثل عصير حياة المرأة المصرية خاصة فى الاحياء الشعبية .. وغيرها من الصور الاجتماعية التى صاغها بوجدانه واحساسة وشكلتها ريشته الصداحة .
- يقول طوغان عن تلك الفترة وهذه الوحات عصر الاربعينات من الفترات العزيزة الى قلبى وهو يثير فى نفسى دائما الشوق والحنين لانه يذكرنى بصباى وشبابى فى تلك الفترة التى عاصرتها بالكامل وعشت احداثها .. وهى الفترة التى بدا فيها وعيى الادراكى يزداد عما يحدث حولى من احداث سياسية واجتماعية كما انها تعكس اوضاعا كانت موجودة فى مصر وغيرها من المناطق العربية بحكم التشابه الى حد ما بين بعض البيئات العربية .. وكانت هذه المشاهدات حاضرة فى عقلى طوال الوقت وتلح على ان اقدمها لابناء هذا الجيل ممن لم يعاصروا تلك الاحداث ولم يروا تلك المشاهد لاننى اريدهم ان يروا هذا العصر بعيونى من خلال اللقطات التى رسمتها لبشر .. واماكن ترسم ملامح هذا الزمن وتلك الايام الخوالى التى اتمنى لوعادت من جديد ولكن هيهات ان يعود الزمن الى الوراء .
* كتبه وكتاباته :
- من بين كتب طوغان كتابه `أيام المجد فى وهران ` وهو حول ثورة الجزائر وعاش مع المقاتلين هناك ووضع وثائق مهمة بالكتاب منها خطاب بيد عسكرى فرنسى كتب فية ` اننا ظالمين واننا نرتكب جرائم ضد شعب يناضل من اجل حريتة .. وهناك بالجزائر لأتقى بجيفارا فى منتصف الستينات حيث تم تكريمه مع مجموعة كبيرة شاركت فى حرب الاستقلال . مع صور فوتوغرافية للطائرات التى شاركت فى العدوان على الجزائر سواء كانت فرنسية أم المانية .
- وهناك روايته الوحيدة `حدث فى ديموقراطستان` والتى يقول عنها : انا لست روائيا بالطبع ولكنها تجربة اردت ان ادونها وتحكى قصة احدى الدول التى حكمها الدكتاتور ` هنكار ` العظيم الفتوة الذى سيقوم بتحرير هذه الدولة وهى بالطبع رواية ساخرة تحكى قصة العديد من الدول دول العالم الثالث والتى يعلو نظمها الصوت الواحد وتغيب فيها الديمقراطية.
- وسافر طوغان الى اليمن وشارك فى ثورته فى الستينات .. بالرسوم التى كانت تطبع وتوزع على الجنود فى كتيبات صغيرة وصلت الى سبعة كتيبات على غرار ما شاهدة من كتب كانت توزع على الجنود البريطانيين اثناء الحرب العالمية الثانية .
- وطوغان الذى يقترب من ميلاده الثامن والثمانين لا يزال ممشوق القوام بتعبير شاكر عبد الحميد .. يمشى ملكا .. يواصل العطاء ويضحك ويكتب ويرسم ويسخر ويتابع ما يحدث فى وطنة كشاب فى العشرين .
- تحية الى احمد طوغان الفنان والانسان بعمق الحاضر والتاريخ وعمر من الابداع.
صلاح بيصار
القاهرة 2014
جائزة النيل لها ` طعم تانى `
- عميد رسامى الكاريكاتير فى مصر أحمد طوغان .. أخيرا جاءت جائزة النيل فى الفنون لتتوج، وهى أرفع جوائز الدولة، مشوار عمره 60 عاما لعميد رسامى الكاريكاتير فى مصر أحمد طوغان ولتثبت أنه لا يصح إلا الصحيح فى نهاية الأمر وأن المرء مهما دفع الثمن جراء مواقفه ومبادئه سيأتى يوم الحصاد حسما حين يدرج اسمه فى قائمة الشرفاء .
- طوال حياته لم يكن طوغان إلا مهنيا محترفا لم يستطع أحد أن يضع حوله علامة استفهام فهو لم ينتمى طوال حياته لحزب سياسى أو تيار فلم يحسبه أحد على توجه أو فكر ما أو قذفه بتهمة العمالة أو الإضرار بالوطن وهى التهم التى تجيدها الأنظمة الديكتاتورية فى وجه كل من يوجه لها كلمة نقد حتى لو كانت لوجه الله .
- وهو من جيل أكد بأعماله تمصير الكاريكاتير تلك العملية التى بدأها جيل من رسامى الكاريكاتير أمثال الفنان رخا وصاروخان الأرمنى الأصل مصرى الهوى والهوية ...ليثبت أن فن الكاريكاتير الذى اكتسب اسمه بالفرنسية بوصفه فن ساخر من فنون الرسم وفى الإيطالية بمعنى المبالغة موجود فى جينات المصريين تحت الجلد منذ كانوا منذ آلاف السنين يتندرون على العلاقة بين الحاكم والمحكومين بتصوير الملك على هيئة قط والشعب على هيئة فار وذلك قبل أن يخترع جوزيف باربيرا فى خمسينيات القرن الماضى شخصيتا ` توم وجيرى` .
فى عام 1926 ومن عائلة ذات جذور عربية ولد طوغان التى تنطق فى الأردن ` طوقان ` ونشأ فى الصعيد وفى مدرسة ديروط الإبتدائية للبنين للأقباط تلقى تعليمه.. فى المدرسة اكتشف مدرس الفصل موهبته فى الرسم لم ينس طوغان اسمه ما حيا ` لويس بطرس ` كان هذا اسم الأستاذ الذى ساهم فى رسم ملامح تلميذه حين كان يأتى إليه بصور ورسوم فرعونية كى يقوم بتقليدها .
- كان والد طوغان ضابط بالبوليس المصرى فكان كثير التنقل بأسرته مما أثرى شخصية الصغير برؤية أماكن وأشخاص ومناظر اختزنها دماغه الصغير ليستعيدها لاحقا رساما وكاتبا انتقل أحمد مع والده إلى أسيوط التى كانت فى قمة مجدها حين كان يتولى شئون المحافظة شاعرا هو عزيز أباظة باشا ، روحه الشاعرة انعكست على جمال المحافظة إضافة إلى هدوء وسحر زمان لم تلوثه الضوضاء طنين التكنولوجيا كانت عساكر الشرطة تخرج كل جمعة بملابسها المزكرشة وتعزف الموسيقى حتى تصل إلى الحديقة الرئيسية الجمال والمناظر الطبيعية تركت شيئا ما فى نفس الرسام الصغير الذى انتقل ثانيا مع والده إلى الجيزة وهناك التحق بمدرسة الأورمان التى كانت حديقتها شاسعة اقتطعت منها بعد ذلك أجزاء لسفارة تشيكوسلوفاكسا ` التشيك والسلوفاك ` فيما بعد` وجزء آخر لكلية الفنون التطبيقية. فى المدرسة تعلم فلاحة البساتين وفى كل صباح كان يمر بحديقة الأورمان ويشبع رئتيه برائحة زهرة دقن الباشا ` بزهرتها الكبيرة التى تشبه زهرة القطن وعينيه بمناظر الفيلات المتراصة فى تناسق وجمال يصنع لوحة فنية لا مثيل لها.. لم يكن يعكر صفو اللوحة سوى مجاميع جنود الإنجليز المتناثرة هنا وهناك فى ظل أجواء الحرب العالمية الثانية فى هذا التوقيت جاء الإنجليز برسامى الكاريكاتير فى مصر كنوع من الدعاية المضادة علهم يواجهون دعاية جوبلز الضليع فى الحرب النفسية والدعاية السياسية ومضى رسامو الكاريكاتير ينفذون الخطة التى أرادها الإنجليز ..تلك الرسوم لفتت انتباه طوغان وبدأت موهبته فى الرسم تتجه إلى فن الكاريكاتير ليبدأ طوغان مشوار عنوانه الرئيسى ` 60 سنة كاريكاتير` .
* هذه هى البدايات التى شكلت المقدمات انطلقت منها للحديث مع طوغان :
صحيح أن جائزة النيل ليست أولى الجوائز التى حصلت عليها فقد سبق أن حصلت على وسام العلوم والفنون وجائزة على ومصطفى أمين فى الرسوم الصحفية لكن جائزة النيل ذات مذاق خاص كما صرحت أنت ؟
- سعدت بالجائزة لأنها تعكس تقدير الدولة للمبدع ودوره ولم أكن أتوقع الجائزة بعد هذا العمر الذى بدأته مع رئيس التحرير طه حسين وقد بدأت مشوارى فى الجمهورية قبل أن تصدر بستة أشهر وخرجت منها وعمرى 86 سنة عندما استغنوا عن خدماتى ولكن عندما طلبت منى الجمهورية العودة بعد ثورة يناير لم أتردد لكن لما تولى مرسى الحكم أصبت بشئ من اليأس دفعنى للتوقف من تلقاء نفسى مكتفيا بالمعارض التى أقوم بتنظيمها .
- أعادتك الجائزة بطبيعة الحال إلى بدايتك الأولى مع الكاريكاتير من أين بدأت الحكاية ؟
- البداية جاءت عن طريق صديق العمر محمود السعدنى كنا جيرانا وشاهدنى وأنا أكتب بالطباشير على الجدران الخاوية فى الشوارع كنا أيام الحرب العالمية الثانية وكان المصريون متعاطفين مع الألمان املا فى التخلص من الاحتلال البريطانى كنت أرسم الجنود الإنجليز وهم يجرون امام الألمان ومن يومها صرنا أصدقاء لم نفترق حتى عندما ذهبنا للتطوع فى حرب فلسطين رسب فى الاختبارات لضآلة جسده وقبلت ولكنى لم استطع الذهاب بدونه وبعد حرب 1967 أسسنا معا جمعية من الصحفيين لقتال الإسرائليين إذا ما اجتاحوا القاهرة وكان معنا يوسف إدريس .
- ومن خلال السعدنى تعرفت على الفنان رخا وزهدى ثم عملت مع أبو الخير نجيب فى جريدة الجمهور المصرى التى كانت تعمل ضد الاحتلال وكانت فى مقر الجريدة غرفة (الغرفة رقم 8) لدعم المقاتلين على جبهة قناة السويس وكان يرأس الغرفة المصور فتحى الرملى .
* وكيف انتقلت إلى جريدة الجمهورية ؟
كانت تربطنى بالسادات علاقة صداقة وطيدة قبل 1952 تعرفت عليه فى منزل زكريا الحجاوى وكنا نجلس ثلاثتنا على مقهى محمد عبدالله بالجيزة التى أزيلت ولم يبقى منها سوى الذكريات فى وجدان من عشقوها قبلة الأدباء والمفكرين..
- عندما أسس السادات جريدة الجمهورية ذهبت للعمل معه بعدها بعام ونصف ترك السادات الجريدة ليحل محله صلاح سالم التى كانت له تجربة سابقة مع جريدة الشعب التى كانت تصدر قبل الثورة باسم المصرى لكنها لم تنجح فقرر صلاح سالم أن يدمج الشعب مع الجمهورية ليصير اسمها الجمهورية جريدة الشعب ثم جاء برجاله وأعوانه وكان من أول قراراته عزلى من رئاسة قسم الرسم ظللت أعمل رغم المضايقات التى واجهتها من مجموعة صلاح سالم التى اقنعته باتخاذ سلسلة من الإجراءات بهدف زيادة توزيع الجريدة منها زيادة عدد الصفحات من 12 إلى 48 صفحة وتنظيم مسابقات جائزتها الاولى سيارة نصر وبالفعل قفزت مؤشرات التوزيع وفى إحدى الإجتماعات مع صلاح سالم انتقدت تلك السياسات قائلا : هذا التوزيع غير طبيعى والجريدة لا تعبر عن الثورة أو كونها جريدة رأى فكيف ننشر فى الصفحة الأولى خبرا عن اختفاء كلب الفنانة ماجدة فهل مطلوب من الشعب المصرى البحث عنه وكيف نكون جريدة ثورة والفائزة بمسابقة أجمل عربية باكينام فرغلى ابنة فرغلى باشا أحد كبار الرأسماليين آنذاك ؟ لم يكن من السهل أن يتقبل صلاح سالم تلك الانتقادات فأصدر قرارا بفصلى وبيرم التونسى وسامى داوود ومحمد الفيتورى ممن أسماهم مجموعة السادات .
إنها آفة كل العصور فى مصر الشللية التى تدهس الكفاءات وتقرب أهل الثقة وحملة المخابر ...ماذا فعلت بعدها ؟
- قررت بعدها ألا أعود إلى الصحافة وقررت استثمار هواياتى فى جمع التحف وعرضها لدى صديقى اليونانى بائع الورد الذى كان محله بالقرب من قصر عائشة فهمى بالزمالك كانت الأسر الكبيرة فى مقتنياتها آنذاك برخص التراب لتدبر أحوال المعيشة بعد قرارات التأميم وتوزيع الملكية الزراعية لكن أحوالى المادية لم تكن تسمح بشراء الكثير فخطرت لى فكرة توجهت إلى مصر القديمة وقمت بشراء مجموعة من القلل وقمت برسمها وزخرفتها وذهبت بها إلى صديقى اليونانى فإذا به يخبرنى بعد بضعة ساعات أن الفازات كلها قد بيعت وهنا قررت أن يكون هذا هو مشروعى فالفازة كانت تكلفنى 8 صاغ وأبيعها بثلاثة جنيهات ثم فكرت فى تحويل غرفة فى شقتى بالطابق الأرضى إلى محل لعرض الأنتيكات لكن حدث ثانية ما غير المسار .
- فى مقهى ريش كنت أجلس عندما جاءنى سعد الدين وهبة يخبرنى أن عبد الناصر قرر إعادة المفصولين إلى الجمهورية فرفصت العودة لكن سعد ألح على يومها سألته كنت ملازم أول فى إدارة المرور ثم ذهبت إلى الجمهورية وأصبحت مديرا لها من أين لك هذا ؟ فقال كنت ضابط مرور أبحث عن العقدة وأحلها وعدت إلى الجمهورية بيرم يكتب وانا أقوم بالرسم .
* وكيف كانت علاقتك بصلاح سالم بعد العودة ؟
- صلاح سالم كان بريئا كالأطفال وعندما مرض كنت حريصا على زيارته فى مستشفى المعادى العسكرى .
- كنت صديقا للسادات قبل أن ينضم إلى تنظيم الضباط الأحرار وظلت الصلة بينكما بعد أن صار رئيسا ألم يطلب منك يوما أن تخفف من حدة انتقاداتك ؟
- على الإطلاق السادات يعلم أننى كنت ثائرا مدافعا عن القضايا الوطنية والقومية فى مصر كانت لى علاقة وطيدة بالفدائيين حتى اننى اشتركت ذات مرة فى خطف ضابط بإخفائه فى منزلى وتحت تهديد سلطات الإنجليز باحتلال القاهرة قمت مع الفدائيين بتهريبه خارج مصر وفتحت بيتى لإدارة الثورة الجزائرية وعشت مع ثوارها ملحمة النضال ونشرت أول كتبى` أيام المجد فى وهران ` وضمنته وثائق مهمة بيد عسكرى فرنسى يعترف أنهم احتلال ظالم فى مواجهة شعب يناضل من أجل حريته وفى فلسطين سجلت بريشتى كل أحداث حرب 1948 والتحمت مع شباب المقاومة الفلسطينية المناضل تأثرا بحالة التفاؤل والإرادة التى امتلكوها ثم عدت لأكتب كتابه دور الكاريكاتير فى قضية فلسطين وعن حرب اليمن أصدرت سبعة كتب وكتابى عن قضايا الشعوب أصدرته دار التحرير عام 1975 وكتب مقدمته السادات .
- حتى بعد اتهامك بمعاداة السامية لم يطلب منك السادات التوقف فى وقت كانت فيه مصر الرسمية ترعى عملية السلام مع إسرائيل ؟
- عندما قالوا للسادات إننى معادى للسامية كان يضحك كثيرا والسادات لم يلجأ إلى عقد اتفاق سلام حبا فى إسرائيل لكن لأن منطق الأمور يقول إن نهاية الحروب جلسة بين المتحاربين لوضع أوزار الحرب.
- الظريف أن إسرائيل عندما وضعت إسمى ثانية فى كشوف المعادين للسامية 2009 نشر رئيس التحرير صورتى فى الصفحة الأولى من جريدة الجمهورية وبعدها بأيام تم الإستغناء عن خدماتى .
- كانت علاقتك بنظام مبارك متوترة أو على الأقل لم تكن محبوبا من جانب النظام لرسوماتك التى كانت تنتقده بشدة ما حدث لمصر ودفعت الثمن ؟
فى أواخر عهد مبارك أصبحت مصر كسيحة ومتسولة محرومة من التعليم والصحة ومؤهلة أن يرثها جمال مبارك ويملك مصيرها أمريكا وإسرائيل لم أملك إلا الإنتقادات بالكاريكاتير تحدثت عن الهجرة غير الشرعية ومياة الشرب الملوث وفساد المستشفيات والجهل فى قطاع التعليم مصر تجرفت فى عهد مبارك .
إسرائيل بعد انتصارنا عليها قررت ألا تدخل حربا ثانية مع مصر ففى المرة الأولى أنقذتها أمريكا لذا قررت تخريب مصر من الداخل وكانت الخطوة الأولى التخلص من السادات اتفقت إسرائيل مع أمريكا وكانت الجماعات المتطرفة أداة تنفيذ المؤامرة... وكانت مهمة مبارك تكسيح مصر انهارت مصر تعليما وصحة وانصرفت الصناعة الحربية إلى الأدوات المنزلية .
- لقد عشت أحداث ثورتين مفصلتين فى التاريخ المصرى الحديث وأقصد بهما يوليو 1952 و25 يناير والثورات على قدر ما تحمل من الطموحات يعقبها كثيرا من الإحباطات كيف عشت التجربتين؟
- كنت أحد الذين ينتظرون الثورة على الملكية.. لكن وبكل أسف وكما كتب الصحفى الوطنى أبو الخير نجيب ( احنا طردنا فاروق فاسد وجبنا مكانه 14 فاروق وللأسف تم القبض عليه ومحاكمته وحكم عليه بالإعدام إلا أن السادات تدخل لدى عبد الناصر وتم تخفيف الحكم إلى المؤبد ولما تولى السادات الحكم أمر بالإفراج عن أبو الخير نجيب الذى أحيل للمعاش وصدمته سيارة أمام نقابة الصحفيين بعد أن اشترى دجاجة من كشك المواد التمونية بالنقابة .
- وكان التنكيل بشخصية عظيمة مثل أبو الخير نجيب شئ مؤسف فى ظل ثورة على الإستبداد فهذا الصحفى الشريف أجبر إسماعيل صدقى باشا على الإعتذار للأهرام بعد أن تأخر على موعد إجراء الحوار الصحفى مع أبو الخير، فاتخذ مجلس إدارة الاهرام قرار آنذاك بعدم نشر أخبار إسماعيل صدقى باشا حتى قام للإعتذار لأبو الخير وللأهرام .
- وبعد ثورة يناير أصابنى الإحباط حين حاول الإخوان القفز على الثورة والإستئثار بالأمر فى مصر والتعامل مع غير الإخوانى بوصفة مواطن درجة ثانية لكن كان دائما لدى أمل أن الثورة ستنتصر لذا كنت عندما اتحدث عن مصر أرسم صورة شاب وفتاة بوصفهما الامل فى إعادة البناء واليد التى ستواجه الثورة المضادة وعلينا أن نجتاز تلك المرحلة بعيدا عن كل الأفكار المتطرفة وأوهام الخلافة الإسلامية التى تريد إعادتنا إلى الوراء رغم أن تجربة الخلافة لم تنجح سوى فى عهد الخلفاء الراشدين وفترة عمر بن عبد العزيز.
* كرسام كاريكاتير كيف تابعت أعمال الجرافيك التى تزينت بها شوارع مصر منذ ثورة يناير ؟
- الشعب المصرى فنان وأدرك أن الرسم وسيلته فى التعبير والسخرية السلاح الرئيسى الذى أدركه قادة الحروب منذ سنوات فتشرشل لم يملك إزاء اكتساح الألمان أوروبا حتى أنهم استولوا على هولندا وبولندا فى يوم وكذلك السويد والنرويج سوى الإستعانة برسامى الكاريكاتير ليغير من دقة الموازين حتى أذكر أننى عندما شاهدت إحدى تلك الرسوم فى شوارع القاهرة تأثرت بها حتى كدت أعدل عن موقفى للمؤيد لألمانيا وذلك لقوة الكاريكاتير .
شهير عبد الحميد
ملحق الأهرام - 2014
الفنان طوغان .. وصور وذكريات من الريف المصرى
- يعد الفنان ` أحمد طوغان ` أحد أعمدة الكاريكاتير السياسى المصرى. وتمتد رحلته مع هذا الفن لأكثر من 65 عاما ً حيث ظهرت رسومه فى معظم الصحف والمجلات المصرية بدءاً من عام 1946 .
- قد شارك فى تأسيس صحيفة الجمهورية والإعداد لها قبل صدورها بستة أشهر عام 1953 .
- ولفناننا ` طوغان` حكايات وذكريات من الريف المصرى وقاهرة المعز جسدها بالكاريكاتير فى لوحات ملونة تجمع بين الخفة والطراقة واللقطات المرحة الذكية المفعمة بالروح الطليقة والابتسام من بينها : نقل جهاز العروس من بيت أسرتها إلى بيت الزوجية، وبوسطجى القرية يوزع على أبنائها الخطابات التى تحمل فى بعضها أخباراً سارة، وفى بعضها الآخر أنباء جادة تدعو إلى التأمل والتفكير . وزيارة العريس لبيت العروس ولقاء الأسرة به فى حجرة الصالون والأسرة القادمة من القرية والتى تتجول فى شوارع القاهرة الفاطمية وتضم كل الأجيال من الأب والأم والابن والجدة . وغيرها من الصور الاجتماعية التى صاغها بوجدانه وإحساسه وشكلتها ريشته الصداحة .
- والفنان الكبير أصدر عشرة كتب منها اثنان فى أدب الرحلات أولهما ` أيام المجد فى وهران ` حول علاقته بالجزائر ونضالها فى سبيل التحرر من الاستعمار وإعلان ثورتها التى توجت بالنصر والثانى ` الريح الصفراء من البوابة الشرقية ` وهو يعكس ذكرياته ومشاهداته الميدانية فى الحرب العراقية الإيرانية وبقية الكتب تتضمن رسوماً كاريكاتورية أولها ` قضايا الشعوب ` الذى أصدرته دار التحرير عام 1957، والأخير ` دور الكاريكاتير فى قضية فلسطين ` الذى أصدره المجلس الأعلى للثقافة عام 2003 .
- وقد حصل ` طوغان ` على العديد من الجوائز منها : وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة ، وجائزة على ومصطفى أمين. ومازالت ريشة فناننا دافئة تعطى وتجود .
- تحية إليه بعمق سحر التشكيل والتعبير .

مجلة الخيال : العدد الثالث والعشرون - ديسمبر 2012
رحيل أحمد طوغان عميد الكاريكاتوريين المصريين
- يبدو أن القدر أبى ألا تنتهي هذه السنة، إلا بأفول نجم ثالث في سماء الكاريكاتور المصري، وهو الفنان أحمد طوغان شيخ الكاريكاتوريين المصريين والذي غيبه الموت في القاهرة.
والتحق طوغان باثنين من رموز هذا الفن كانا قد فارقا الحياة أيضاً مطلع العام، وهما مصطفى حسين والكاتب الساخر أحمد رجب الذي ربطته علاقة وثيقة بفن الكاريكاتير من خلال مشاركته لرفيق دربه مصطفى حسين في ابتكار العديد من الشخصيات الكاريكاتورية الشهيرة، والتي قدماها معاً على صفحات جريدة الأخبار المصرية.
توفي أحمد طوغان عن عمر يناهز الـ 88 سنة في مستشفي المعادي العسكري الذي نقل إليه بطلب من رئيس الجمهورية على أثر تفاقم حالته الصحية. كان طوغان يستند إلى تجربة حياتية وفنية ثرية امتدت منذ أربعينات القرن العشرين وامتلأت بكثير من الأحداث المهمة التي عايشها عن قرب. وذلك بداية من علاقته بالرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي التقاه في شبابه على أحد مقاهي القاهرة إلى معايشته المُبهجة واحتفائه بـ»ثورة يناير». وربما مثلت تلك العلاقة المبكرة التي جمعته بالرئيس السادات سبباً في مشاركته في تأسيس جريدة «الجمهورية»، والتي ترأس تحريرها السادات قبل أن يتولى الرئاسة في ما بعد.
ولا تتوقف الحكايات والمصادفات التي شكلت معالم تجربته، إذ قادته المصادفة أيضاً إلى التعرف إلى أحد شباب المقاومة الجزائرية في القاهرة، وكان يقوم بطباعة إحدى الصحف التابعة للمقاومة وإرسالها لتوزع في الجزائر.
شارك طوغان برسومه في تحرير تلك الصحيفة الجزائرية، وقادته تلك العلاقة مع المقاومة إلى السفر إلى الجزائر، حيث عايش معاناة الشعب هناك تحت نير الاحتلال الفرنسي وتعرف إلى رموز المقاومة الجزائرية ومدى إصرارها وشراستها في مقاومة المحتل.
التقى طوغان في شبابه العديد من الشخصيات المؤثرة، من بينهم المناضل تشي غيفارا وربطته علاقة وطيدة بعدد من الشخصيات السياسية والأدبية المصرية منها الكاتب الساخر محمود السعدني الملقب بالولد الشقي، والذي لم تنقطع علاقته به حتى وفاته. شخصيات وحكايات وأحداث كثيرة عايشها طوغان خلال تجربته وظلت حبيسة في ذاكرته إلى أن أفرج عنها في كتابه الذي يحكي سيرته، والذي صدر أخيراً عن الدار المصرية- اللبنانية للنشر تحت عنوان «سيرة فنان صنعته الآلام».
ولد أحمد طوغان في عام 1926 في محافظة إلمنيا في صعيد مصر، وبدأ تجربته مع الرسم بالشخبطة على الجدران، ومنها إلى عالم الصحافة بعد انتقاله إلى القاهرة وتعرفه على صديقه محمود السعدني الذي نصحه بنشر رسومه في إحدى الصحف.
تنقل بين صحف مصرية وعربية عدة، إلى أن استقر في جريدة «الجمهورية» التي كانت شاهدة على الجزء الأكبر من تجربته. لم يسلم طوغان من مناكدة نظام مبارك له، فقد منع من الرسم على صفحات جريدته بحجة إعطاء الفرصة للأجيال الجديدة، بعد إعلان اسمه على قوائم رسامي الكاريكاتور المعادين للسامية، ولكنه عاد مرة أخرى إلى مزاولة عمله بعد قيام ثورة يناير التي أعطته الأمل من جديد كما كان يقول دائماً.
تميز أسلوب طوغان بالاهتمام بأدق التفاصيل، والتمعن في رصد العديد من النماذج الإنسانية والمفردات المتداولة على ألسنة الناس في الشارع والبيت والمقهى والمصنع والحقل. وما بين تغير التركيبة الاجتماعية وما طرأ عليها من تغير مماثل للمفردات تتجول بنا أعمال الرسوم الكاريكاتورية لأحمد طوغان، كوثيقة بصرية وثقافية بالغة الثراء والأهمية.
ونجح طوغان عبر تجربته الممتدة في رصد كل هذه التحولات عبر رسومه بأسلوب لا تنقصه الفكاهة، ولا يخلو من السخرية اللاذعة أو الموجعة في كثير من الأحيان.
رسم الأفندية وأبناء البلد والفلاحين والباشاوات والباكوات والصعاليك واللصوص وأجواء السياسة ومفردات اللغة الشائعة وغيرها من التفاصيل الأخرى التي سجلها بريشته في صياغات ساخرة. واللافت في أعماله، أنك لا تستطيع العبور أمامها سريعاً لروعة بنائها وثراء مضمونها وقدرته على التعبير والتأثير في المشاهد، ما يدفعك إلى معاودة تأملها مجدداً. وتمثل رسومه شاهداً على تغير مناخ الحياة والسياسة المصرية عبر سنوات وعقود مليئة بالأحداث والتحولات.
ياسر سلطان
الحياة - 2014/11/14
` كاريكاتير طوغان `.. 60عاما من التاريخ السياسى الساخر
- شهد المجلس الأعلى للثقافة الأسبوع الماضى حفل توقيع كتاب ` كاريكاتير طوغان` بحضور عايدة الباز زوجة فنان الكاريكاتير الراحل، والدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، والفنان أحمد الجناينى رئيس أتيلية القاهرة والدكتور حاتم ربيع رئيس المجلس الأعلى للثقافة . وأقيم على هامش الحفل معرض لأهم رسومات طوغان.
- وقال د.شاكر عبد الحميد الذى كتب مقدمة ` كاريكاتير طوغان`:` تعرفت على فنان الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان شخصيا فى أواخر عام 2011وكان رغم تجاوزه الثمانين يتحرك مثل شاب فى العشرين، حيث دعانى للحضور إلى جمعية الكاريكاتير ومن خلالها استطعنا استحداث جوائز للكاريكاتير، وكان طوغان يمتلك مشروعات كبيرة ، وكان صاحب ذاكرة قوية تختزن ملامح الأشخاص وطريقتهم فى الحكى، كما تميز بإيقاع سريع فى التعبير عن الأحداث، حيث تمثل لوحاته فيلم تسجيلى مدته 60عاما. - وعلق الفنان أحمد الجناينى على أسلوب طوغان فى الرسم: ` يؤرخ طوغان للأحداث بصورة مليئة بالحيوية تحفر فى الوجدان أخاديد تبقى وشما وتتجاوز القضايا الوطنية والعربية لتصبح معبرة عن القضايا الإنسانية `.
- حصل طوغان على عدة جوائز منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزة على ومصطفى أمين، جائزة النيل للفنون، كما تمتع بإنتاج وفير وانشغالٍ دائم بفكرته التى يناضل من أجلها.
- وكشفت عايدة الباز أرملة الفنان الراحل ان طوغان كان منقطعا للفن انقطاعا كاملا وكانت رأسه مزدحمة بالأفكار دائما ووهب حياته للفن، كما ذكرت أنه اعتذر لها قبل وفاته لأنه لم يكن زوجا مثاليا وحملها كثيرا من المسئوليات.
- لقب الفنان أحمد طوغان بشيخ الرسامين ورحل فى نوفمبر 2014،بعد حياة فنية حافلة امتدت لأكثر من ستين عاما أصدر خلالها العديد من الكتب الفنية أستهلها بكتاب` قضايا الشعوب1957` الذى كتب مقدمته الرئيس الراحل أنور السادات، كما شارك طوغان فى تأسيس جريدة الجمهورية ورسم الكاريكاتير السياسى فيها.
- ينقسم الكتاب إلى جزءين، الأول يحتوى على كاريكاتير طوغان فى الفترة ما بين 1993،1953والثانى ما بين 1994 و2012 ويحتوى الجزءان ما يقرب من 600 رسمة كاريكاتيرية تؤرخ للأحداث التى عاصرها طوغان، قدم لها د. شاكر عبد الحميد بنبذة تاريخية عن فن الكاريكاتير، موضحا الخصائص التى تميز ذلك الفن عامة وأسلوب طوغان خاصة كما ذكر بعض الأحداث التاريخية المهمة التى تأثر بها وصورها بشكل مبتكر .
بقلم :عبد الله رامى
جريدة القاهرة :10-10-2017
طوغان النكتة أنقذت الشعب المصرى من الانقراض
- قيل عنه شيخ رسامى الكاريكاتير وقيل أيضا عميد رسامى الكاريكاتير، وهو رمز من رموز الوطن الذين أرخوا للأحداث الكبرى فى تاريخ مصر والوطن العربى برسوماته الكاريكاتيرية اللاذعة، فالكاريكاتير بالنسبة له سلاحه للدفاع عن القضايا التى تبناها وصفه أنور السادات بأنه فنان صنعته الآلام وأن ريشته تصم الآذان، فى تقديمه لكتاب ` قضايا الشعوب` الذى أصدره طوغان، وكتب مقدمته أنور السادات الصديق المقرب لطوغان، وهو أحد الكتب المهمة التى دافع فيها طوغان عن الشعوب التى ترزح تحت نير الاستعمار فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية .
- وقال عنه الكاتب الكبير خيرى شلبى فى مقدمة كتابه ` قضية فلسطين `: المؤرخ لفن الكاريكاتير السياسى المصرى لابد أن يفتتح كتابه بالحديث عن عمودين قامت عليهما حركة الكاريكاتير السياسى المصرى، وهما عبد المنعم رخا وأحمد طوغان، كلاهما أسهم بقدر كبير بتمصير فن الكاريكاتير فى العصر الحديث وتذكيرنا بأن رسام الكاريكاتير المصرى هو أول من عرف الدنيا بفن الرسم الكاريكاتورى وأهميته ونبل رسالته فى الدفاع عن قضايا الشعوب.
- وأضاف أن طوغان أشبه بصقر حاد البصر يحلق فى الأفق لينقض مباشرة على البؤر الموجعة فى جسم الواقع الحى، وهو لا يرسم الصورة الواقعية المباشرة للوجع بل ينشب مخالبه - أقصد ريشته - فى محتوى الواقع السياسى المؤلم ليتحول هذا المحتوى إلى تشخيص إنسانى حى لرؤية سياسية عميقة، ولعل أحد أهدافه النبيلة هو أن يستفز الأعصاب الباردة وأن يوجع الضمير العام.
- وطوغان فنان يرسم ويكتب ويناضل منذ أكثر من ستين عاماً ، كما قال عنه د. شاكر عبد الحميد، مضيفا أن لاشئ يوقفه عن الرسم أو الكتابة أو متابعة للأحداث. وطوغان فنان غير منفصل عن واقعه القريب ولا عن عالمه البعيد، فهو يدرك جيداً علاقة التأثر والتأثير التى تقوم بين الداخل والخارج والقريب والبعيد ، ولقد جاس دائماً خلال هذه العوالم واستقطب من خلالها الصدق ، واستقطر الدلالة ، وعمق واقعه، وأشار بريشته وقلمه ، بتصميماته وشخصياته وتعليقاته إلى قيم الأمانة والوطنية والإخلاص والمقاومة التى تبناها فى حياته وأعماله وعبر عنها بشكل متفكه ساخر جميل.
- قدم طوغان لمكتبة الكاريكاتير العديد من الكتب المهمة، فهو أحد القلائل الذين أثروا مكتبة الكاريكاتير المصرية بل والعربية بكتب قيمة ، كان من بينها ` أيام المجد فى وهران ` الذى وصف فيه بشاعة الاحتلال الفرنسى فى الجزائر وعاش خلالها بين المناضلين هناك يتحدث بلسانهم ويدافع عن قضيتهم ، فوجهت له الجزائر الدعوة ليكون بين الصفوف الأولى أثناء الاحتفال بعيد الاستقلال الأول للجزائر ليظهر فى الصورة بجوار بن بلى وتشى جيفارا.
- كما أصدر كتابا عن اتلقضية الفلسطينية بعنوان ` قضية فلسطين `، التى قدم فيها مجموعة كبيرة من الرسومات التى تغطى الفترة من 1997 وحتى 2002، فخرج الكتاب كعمل من أعمال المقاومة جعل الإهداء فيه إلى أم الشهيد ` باسل` طفل الثانية عشرة الذى مات كما يموت الرجال، وهو الكتاب الذى كتب مقدمته خيرى شلبى وقال فيه : إن القضية التى حظيت بالجانب الأكبر من اهتمامات طوغان هى القضية القومية، الوحدة العربية .. وها هو ذا يقتطع من يومياته شريحة زمنية ، فإذا هى كلها خاصة بالقضية الفلسطينية، من العام السابع والتسعين إلى منتصف العام الثانى من القرن الواحد والعشرين .
- حصل طوغان على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1977، وجائزة حقوق الإنسان 1989 جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية ، كما فاز مؤخرا بجائزة النيل للفنون، لكن الواقع أن تلك الجوائز لا تضيف إليه بقدر ما أضاف هو إليها بوطنيته فرسوماته شاهدة على التاريخ.
ومن الصعوبة بمكان بل من المستحيل أن تتمكن من الإلمام بكل تلك الأحداث التى مرت فى حياة هذا الفنان فى حوار واحد ، فالحديث عن ذكريات طوغان والغوص فى أعماقه يوازى أن تحاول تلخيص تاريخ أمة فى بضعة سطور، ولكن للحوار معه متعة لا تضاهيها متعة أخرى، وإن كان الأمر لا يتعدى كونه محاولة الاقتراب من عالم هذا الأسطورة الذى غير تاريخ الكاريكاتير فى مصر..
- كيف كانت بدايتك مع فن الكاريكاتير؟
- عندما كنت طفلا صغيرا لفت مدرس الرسم انتباهى إلى موهبة الرسم ، وأخبرنى أن الرسم سوف يكون حياتى، ولابد من الحفاظ على موهبتى وتنميتها وتثقيف نفسى. ولكن كانت هناك حادثة مهمة فى حياتى هى التى جعلتنى أنظر إلى رسم الكاريكاتير بعين مختلفة ، فخلال الحرب العالمية الثانية كان الألمان وقتها من القوة بحيث سقطت الكثير من الدول أمامهم، وكان الجميع على ثقة من هزيمة الإنجليز، وذات يوم وأنا أمشى فى الشارع شاهدت ملصق لرسام إنجليزى يقول أن هزيمة الألمان محققة وأعجبنى هذا الرسم، وأدركت وقتها مدى قوة الرسم فى نقل الرسالة والتأثير على الناس.
- بل ويمكن القول إن الكاريكاتير أنقذ انجلترا أيام الحرب بعد سقوط كثير من دول أوربا ، فعندما جاء تشرشيل وجد معنويات الإنجليز منهارة ، أحضر رسامى الكاريكاتير من إنجلترا قائلا لهم : أنتم السلاح الأول فى المعركة، وعليكم رفع معنويات الجنود والشعب.
- هل تذكر أول رسمة نشرت لك ؟
- لا أتذكر أول رسمة ، ولكننى أتذكر أول مكان عملت به ، كانت جريدة بميدان التحرير، وكان صاحبها شيخا يرتدى العمة والجلباب، وظللت أعمل هناك لمدة ثلاثة أشهر أعطانى مقابلها جنيها ، ولكننى أتذكر هذا الرجل جيدا لأنه كثيرا ما يحادث الوزراء فى الهاتف خاصة عند وجود ضيوف فى مكتبه ، وذات يوم كنت أرسم فى غرفة مجاورة بها تليفون متصل بتليفون مكتبه اكتشفت أن هذا الرجل كاذب ، وأن كل تلك المكالمات ما هى إلا تمثيلية . بعد ذلك انتقلت للعمل بجريدة روز اليوسف لفترة من الزمن ، بعدها جريدة حزب مصر الاشتراكى وقد انتقلت لهذه الجريدة لأنها ثورية وعملت بها فترة ، ثم استقر بى الحال فى جريدة الجمهورية منذ تأسيسها ولفترة طويلة .
- كيف ترى فن الكاريكاتير بصفة عامة ؟
- الكاريكاتير فن عريق وهو سلاح لمجابهة الظلم ، وقد نشأت وأنا أكره الظلم، ولابد أن يكون رسام الكاريكاتير صاحب قضية وليس فقط صاحب حس فكاهى.
- وفن الكاريكاتير فى مصر واحد من الفنون القديمة المتأصلة منذ عهد الفراعنة ، فبالنظر إلى جدران المعابد نجد أن الملك المنتصر يبدو ضخما جدا فى حين يقبع أعدائه بأجسامهم الضئيلة أمامه هو نوع من الكاريكاتير.
- ودعينى أقول أن النكتة والبصل أنقذا الشعب المصرى من الانقراض ، فالفلاح أنقذه البصل الذى كان يشكل جزء لايتجزأ من وجبته ، أما الإنسان المصرى البسيط ، فقد تغلب على كل الكوارث التى مرت به بالنكتة والفلسفة .
- أنت فنان صاحب قضية ، ما هى أكثر القضايا التى شغلت بالك ، وكيف تعاملت مع الواقع المصرى خلال الفترة الماضية ؟
- لو كل إنسان اهتم بقضية ودافع عنها سوف يعيش سعيدا، وقد كنت ولا زلت مهموما بقضية الوطن العربى، بل وبقاضايا الشعوب التى عانت من الظلم أو القمع ، ولذا زرت الجزائر خلال الثورة الجزائرية ، ثم نشرت كتاب` أيام المجد فى وهران`، كان لابد من وجود صوت قوى يدافع عن الحق وينقل ما يحدث إلى العالم، وقد ساهمت تلك الرسومات فى تعريف الشعب المصرى بفداحة الاستعمار الفرنسى فى الجزائر. وهناك أيضا القضية الفلسطينية، وكثير من القضايا الأخرى مثل كوريا الشمالية والشعوب الأفريقية والعراق وإيران وغيرها.
- أما مصر فقد عانت كثيرا فى السنوات الثلاثين الماضية من الفساد والظلم ، كنت أشد الناس هجوما على حسنى مبارك فى جريدة الجمهورية، ولم أسكت يوما عن تلك الكوارث التى عانت منها مصر مثل الفقر والتسيب والرشوة والسرقة والفساد كقضية القمح المسرطن ، وعدم وجود علاج ، الشباب الذين لقوا حتفهم غرقى ، وغير ذلك من المشكلات التى عانت منها مصر قبل الثورة .
- باعتبارك أحد رواد فن الكاريكاتير، ما هى المقومات التى تضمن نجاح فنان الكاريكاتير؟
- أولا أن يكون صاحب قضية ، ثانيا لابد أن يكون مثقفا ومطلعا على ما يحدث حوله ، ثالثا أن يكون متمتعا بروح السخرية وهذه الصفة الأخيرة تكون فطرية ، فمثلا إذا نظرنا إلى طابور العيش ، قد تجد شخصا مكفهر الوجه يشعر بالكآبة ، وهناك شخص آخر يحول الموقف كله إلى موقف كوميدى بسخريته ، ومثل هذا الشخص قد يخفف من معاناة من حوله ، بل هو شخصيا يخفف من معاناته بالسخرية . - وهكذا فإن رسم الكاريكاتير ليس شخصا عاديا ، هو شخص مهمته الرئيسية تخفيف المسيرة على الناس ، أن يقدم كل المشكلات بطريقة يتقبلها الناس بصدر رحب لأن بها سخرية ، تشيرشل قال أن ظهور رسام كاريكاتير فى مجتمع لابد أن يكون محل اهتمام .
- ومن هى أكثر شخصية تأثرت بها ؟
- من الناحية الفنية فى مجال الكاريكاتير من الناحية الفنية فى مجال الكاريكاتير أعجبت جدا برخا ، فهو فنان حقيقى ومصرى من الأعماق هو الذى فتح الباب للرسامين المصريين فى العصر الحديث ، أما على الصعيد الشخصى فقد تأثرت بكل الأصدقاء المقربين .
- هل فن الكاريكاتير من الفنون المظلومة فعلا ؟
- فن الكاريكاتير ظل لفترة طويلة فنا مظلوما ، لكن هناك طفرة حدثت ، فهناك الكثير من الصحف التى تعطى مساحة أكبر للكاريكاتير خاليا ، كما أن هناك جيل واعد من رسامى الكاريكاتير الشباب ممن لديهم وعى ورؤية، ذلك الجيل الذى عاصر ثورة 25 يناير ، تلك الثورة التى أحدثت تغييرا جذريا فى الرؤية وعمق التفكير ، فنحن نشهد الآن حالة مخاض، كل ما يحتاجه هذا الجيل هو الدعم والمساحة الحرة للتعبير عن أفكارهم وألا يسيطر عليهم أحد ، فهناك بعض رؤساء التحرير مثلا ممن يحاولون إملاء أفكارهم على رسامى الكاريكاتير، وهذه مأساة ، فعندما يفكر رئيس التحرير للرسام ، يعطل تطوره .
- لماذا اختفت مجلة الكاريكاتير من الأسواق ؟
- مجلة كاريكاتير ظلت حلما لمدة 15 سنة وبالفعل تحقق الحلم عام 1990، وظللت أعمل بها لمدة عام ونصف ، واستمرت بعد ذلك فترة وحدثت مشكلات داخلية ، بعد ذلك قررنا فى جمعية المصرية للكاريكاتير أن نصدر المجلة مرة أخرى وبالفعل قدمنا نموذجا ، لكن أيضا لم يكن هناك انتظام فى إصدارها فتوقفت ، والواقع أن إصدار مجلة للكاريكاتير موضوع مهم ، فكثير من دول العالم بها مجلات للكاريكاتير، فإيطاليا مثلا 18 مجلة كاريكاتير، لكن الموضوع محتاج للتمويل.
- استضافت مصر مؤخرا ولأول مرة الملتقى الدولى الأول لفنون الكاريكاتير ، فهل يعنى ذلك بداية مبشرة لوجود معارض كاريكاترية على الساحة التشكيلية ؟
- الملتقى الدولى الأول لفن الكاريكاتير خطوة إيجابية فى سبيل دعم هذا الفن العريق فى مصر وزيادة مساحة المعارض لهذا الفن الجميل وتعريف الناس به ، وقد تلقينا أكثر من 500 عمل فنى لأكثر من 250 فناناً من 64 دولة عربية وأجنبية ، وتم اختيار الهند ضيف شرف الدورة الأولى ، فالهند كذلك لديها تاريخ عريق فى رسم الكاريكاتير .
- لا تخلو جعبة الفنان العظيم طوغان من جديد، فما هو جديدك فى الفترة القادمة؟
- أجهز فى الفترة الحالية معرضا عن الريف المصرى ، وعن كثير من المظاهر التى اختفت تماما ولكنها لا تزال تقطن ذاكرتى ، ومن المتوقع اقامته فى منتصف سبتمبر القادم ، وكما سأقدم مذكراتى فى كتاب هو حاليا تحت الطبع وسوف يصدر عن الدار المصرية اللبنانية .
بقلم : منى عبد الكريم
جريدة الأدب 27-7-2014
طوغان الجميل
- عندما تجولت بين لوحات معرضه المقام حالياً فى قاعة بيكاسو تحت عنوان ` ذكريات من زمن فات` .. اكتشفت أن عمنا طوغان قد نصب للمشاهد فخا مع سبق الإصرار والترصد .. فرغم أن لوحاته تدور فى فلك أجواء الأربعينيات لكنها كلها ترسم جماليات زمن مقبل تغلف ملامحه البساطة والبراءة الشفافة .. زمن تتحقق فيه إنسانية الإنسان المصرى البسيط الكادح وتبشر بضرورة انعتاقه من أسر القهر والاستغلال والاستبداد .. وبعد لحظات من التجول تكتشف أن هذا المعرض هو المعرض الوحيد اللائق بالحراك الثورى الشعبى العبقرى منذ 25 يناير حتى 30 يونية بل اللائق بنا وبمصر لفترات طويلة مقبلة ستكون أبهى وأجمل وأكثر إشراقا. ولكى يحكم عمنا طوغان الفخ استدعى الطربوش والحنطور والطلمبة والربابة وموسيقى حسب الله واللمبة الجاز والكلوب .. باختصار استدعى مفردات حياة ريف الأربعينيات ليوهم المشاهد أنها ذكريات من زمن فات فعلا .. لكن فرشاته المدهشة وألوانه الشفافة الساطعة وبراعته الأدائية فى رسم المشهد البانورامى وإحكام التصميم البارع وتجليات الحركة الدرامية العارمة رسمت ملامح حلم مستقبلى شفاف .. فاللوحات لا تسجل حالة الحنين السكونية إلى الماضى لكنها ترسم ببراعة من خلال دراما الحركة الجدلية ملامح مستقبل إنسانى جميل لهذا الإنسان المتحضر الذى صنع ويصنع الحياة على ضفاف النيل منذ أن شق الله النهر فى عصور ما قبل التاريخ حتى الآن .
- يصنع ويبنى ويزرع وفى نفس الوقت يفرح ويرقص ويمارس مسراته البريئة بتلقائية وحب جارف للحياة التى ترى لوحات طوغان أنها تستحق أن تعاش.
- ولكى يتحقق ذلك ويبدو واضحا جليا أمام المشاهد الذى وقع فى الفخ حشد طوغان قدراته الفنية وخبراته كلها واستخدم الألوان المائية خامته الأثيرة التى روضها عبر تاريخه الفنى لتخرج له أسرار شفافيتها الشفافة بجمال وبهاء ناصعين فيكتشف المشاهد أن ما يراه ليس الماضى ولا الحنين إلى الذكريات .. ولكنه أمام حلم بمستقبل أبهى وأنبل وأكثر جمالا .. وهو الأمر الذى آمن به طوغان منذ أن وهب فرشاته للناس هو وأبناء جيله ومن سبقوه من رواد الرسم الصحفى الذين آمنوا مبكرا بأنهم يرسمون للناس فهجروا قاعات العرض ليحولوا الصحف والمجلات إلى معارض شعبية تتناقلها أيدى البسطاء فى المدن والقرى والأحياء الشعبية قبل أن ينتبه فنانو الغرب فى أوربا إلى ضرورة هجر القاعات الصالونية التى لا يرتادها إلا أصحاب الياقات المنشاة .. آمن بهذا بيكار وحسن فؤاد والحسين فوزى ورخا وحجى ومأمون واللباد وغيرهم من الفنانين الرواد لأنهم آمنوا بحق الإنسان المصرى فى المعرفة والتذوق ولأنهم جميعا ومنهم طوغان كانوا يؤمنون بدور الفن فى التغيير ورسم ملامح المستقبل.
- ورغم ان الرجل من أهم فنانى الكاريكاتير وارتبطت رسوماته بالقضية الفلسطينية ومقاومة الاستعمار والصهيونية لدرجة أن الصهاينة صنفوه كمعاد للسامية .. ورغم كاريكاتيراته الساخرة ضد الطغيان والاستبداد والجهل لكنه استطاع فى معرضه الأخير أن يؤكد للحركة الفنية بفنانيها ونقادها أنه تشكيلى بارع قدير لا يعلق على الأحداث السياسية فقط لكنه يستطيع أن يرسم اللوحة الدرامية البانورامية ببراعة آخاذة .. لوحة تحتشد بالبشر وتحتفل بمسراتهم وأحزانهم وأحلامهم .. مليئة بالإيقاع الموسيقى والحركى المتصاعد لدرجة أنك تسمع إيقاعاتها فتحتويك وتشعر بديناميتها تحاصرك لدرجة انك قد تتخيل أن بعض شخوصه المرسومة سيخرجون من الإطار ليستكملوا رقصهم وركضهم فى القاعة ويخرجون بموسيقاهم وصخبهم الجميل إلى الشارع ليستكملوا احتفالهم بالحياة الجميلة التى صنعوها ويصنعونها وسيصنعونها . - إنها الحركة الدرامية الجدلية التى يجيد عمنا أحمد طوغان إبداعها وتجسيدها فتخرج اللوحة من أسر الحنين إلى الماضى إلى آفاق الحلم بالمستقبل الناصع ، فتخرج من قاعة المعرض وقد نجوت من فخ عمنا طوغان الجميل.
بقلم : أسامة عفيفى
جريدة الأسبوع 22-9-2014
طوغان : علاقتى مع الكاريكاتير بدأت برسوم الإنجليز الساخرة من هتلر
- أقام الفنان أحمد طوغان معرضا جديدا فى القاعة الرئيسية بالأوبرا بعنوان ` ذكريات ` قدم فيه مجموعة كبيرة من اللوحات التصويرية والكاريكاتيرية المستوحاة من الحارة المصرية، راصدا مشاهد لعادات وتقاليد القرية المصرية ، خاصة خلال فترة الأربعينيات حتى بداية حمسينيات من القرن الماضى .
- طوغان أعماله تحمل هوية ثنائية تشكيلية وصحفية ، كما أنه يؤمن بأن فن الكاريكاتير لا يقل دوره نبلا عن دور الجنود المحاربين ، فخلال رحلة استمرت لأكثر من 60 عاما قضاها فى رحاب صاحبة الجلالة انتقد العديد من القضايا والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تخص كل شرائح المجتمع المصرى، كما شغلته هموم المنطقة العربية بأكملها ، وبالأخص القضية الفلسطينية ، كما قدم عدداً من المؤلفات، من بينها كتاب ` قضايا الشعوب ` ، و` دور الكاريكاتير فى القضية الفلسطينية ` ، وحصد العديد من الجوائز ، منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ، وجائزة على ومصطفى أمين ، وجائزة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة .
- عن بداياته فى الفن يقول : بدأت أهتم بالرسوم الكاريكاتيرأثناء الحرب العالمية الثانية ، فقد استخدم البريطانيون الكاريكاتير كوسيلة لرفع معنويات جنودهم ، خاصة بعد أن أدركوا وجود تعاطف من جانب المصريين مع هتلر ، فأغرقوا الشارع المصرى بالرسوم الكاريكاترية للسخرية منه وتشويه صورته أمام المتعاطفين معه والمعجبين به . وأضاف : أعتبر أن الصداقة القوية بينى وبين القلم والخطوط كانت هى البداية الحقيقية ، وقد شغلتنى أزمات المجتمع ، مثل غلاء الأسعار ومشاكل الصحة والتلوث والانحراف والتدخين ، بالاضافة إلى اهتمامى بالقضايا السياسية ، وبمرور السنين أخضعت قلمى لآلام الشارع المصرى، فالكاريكاتير تلخيص لمعاناة شعب، وتحويل قهره اليومى إلى نكتة ساخرة ، لذلك فهو فن الجميع ، وأيضا المادة الصحفية المفضلة لجميع القراء بغض النظر عن مستوياتهم الثقافية .
- وأكمل : مشوارى فى الصحافة بدأ عندما نصحنى صديقى الراحل الكاتب محمود السعدنى بأن أتوجه إلى الفنان الكبير رخا ، وقال لى:` لو قالك رخا ارسم يبقى ترسم ولو قال لك تبطل يبقى تبطل ` فتوجهت إليه فى نقابة الصحفيين واستقبلنى ` رخا ` بترحيب وبشاشة لا أستطيع نسيانها حتى اليوم .
- وابتسم طوغان بعد أن انفتحت بوابات الحنين والذكريات، وقال : العزيزة ` روز اليوسف ` لها قصص ومفارقات طريفة معى ، فقد عملت فيها أواخر الأربعينيات ، وحققت انتشاراً وكونت صداقات مع كتابها وفنانيها ، وكانت السيدة فاطمة اليوسف أما بمعنى الكلمة ، ومن المواقف الطريفة بيننا أننى كنت قد رسمت كاريكاتيراً لشخصين يتحدثان ، فأعطتنى عشرة قروش ، فقلت لها : ` ده مبلغ قليل `، فقالت لى : ` انت راسم اثنين بيتكلموا `، وفى المرة التالية رسمت لها مظاهرة بشرية وذهبت وقلت لها : ` حاسبينى بقى على عدد الأشخاص اللى رسمتهم ` ، فضحكت وأصبحنا أصدقاء ، وبعد أن تركت العمل فى الصحف وتفرغت لتسجيل مصر التى أعرفها وشاهدت أحداثها وإنجازاتها ، والبداية كانت بهذا المعرض ` ذكريات ` وهو عن فترة الأربعينيات وبداية الخمسينيات ، وسوف أكمل فى معارض قادمة من الخمسينيات إلى الستينيات ، وهكذا حتى نصل إلى أحداث اليوم .
- وعن استخدام التكنولوجيا فى مجال الكاريكاتير قال : استخدام الكمبيوتر فى رسوم الكاريكاتير مجرد موضة وتجربة تخدم التقنية , ولست ضدها، ولكن الفنان خلالها يفقد العلاقة مع القلم، أيضا لن يلقى نفس القبول عند المتلقى العادى ، لأن المتلقى تعود على الرسوم بالخطوط والألوان البسيطة العميقة المعنى ، ويعجبنى الشباب الجديد ولهم مستقبل، ودخول الفنانات فى مجال الكاريكاتير إضافة ودليل على أن مصر هبة المواهب، ويزعجنى أن أجد فى الصحافة رسمة مكتوب عليها فكرة رئيس التحرير، لأنه بهذا الأسلوب يفقد الرسام حريته ورؤيته الذاتية للأحداث .
بقلم : سوزى شكرى
جريدة روز اليوسف 16-5-2010
` أحمد طوغان ` تنبأ للسادات برئاسة مصر .. وزامله فترة قبل ثورة 23 يوليو 52
- بقلم الكاتب، وريشة الفنان ، يبدع رسام الكاريكاتير الشهير أحمد طوغان فى كتابه الجديد ` سيرة فنان صنعته الآلام ` حيث يستعرض ` طوغان ` تجربته الثرية التى أتاحت له التقاء ومزاملة رواد لمعت أسماؤهم فى سماء الصحافة والأدب والسياسة ، كصديق العمر محمود السعدنى والرئيس الراحل محمد أنور السادات وزكريا الحجاوى ومحمد عبد المنعم رخا وإحسان عبد القدوس وعباس الأسوانى وصاروخان وكامل زهيرى ، بالإضافة إلى أسماء قد نعرفها ولكن لا ندرك قدرها ، مثل : أبو الخير نجيب ومصطفى القشاشى وسعد زغلول فؤاد وعبد المنعم الصاوى .
- وفى رحلته الثرية ، يأخذنا طوغان إلى أماكن يسكنها السحر وتطوف بأرجائها الأسطورة . لنحلق معه فى أجواء ممتعة ، قبل أن يعيدنا إلى صلادة الواقع مرة أخرى ، حين يتحدث عن جريدتى ` الجمهورية `، و` كاريكاتير` ثم صدمته فى وفاة ابنه بسام .. ورغم أنه يضرب بفرشاته الهموم ليخرج منها بهجة كامنة ، إلا أنه لا يخفى آلامه ، تلك التى صنعت منه فناناً ذا مذاق خاص.
- والكاتب ينقسم إلى ستة أبواب، بالإضافة إلى ملحق للصور والرسوم والكاريكاتير، وقد افتتح الكتاب بإهداء إلى أحفاد طوغان، ثم مقدمه كتبها الراحل خيرى شلبى عن طوغان ومذكراته، حيث قال ` إنها ليست مجرد مذكرات صحفى رسام حقق شهرة مدوية ، إنما هى فصول من تاريخنا المعاصر، غير أنه التاريخ الحى، التاريخ غير المرئى، التاريخ المخبوء فى كواليس استدرجنا إليها ليرينا ما لم نكن نعرفه عن شخصيات عايشناها وتتلمذنا على أيديها وتأثرنا بها ` .
- بينما كان الختام بقلم الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، ومن خلال مقدمته التى كتبها لكتاب طوغان ` قضايا الشعوب ` الصادر عن جريدة الجمهورية عام 1957.
- استعرض الفنان أحمد طوغان قصة حياته ، منذ ولادته فى المنيا ، ثم انتقاله إلى أسيوط ، ويتحدث عن أنه كان الولد الأول لوالدته ، مرجحاً أن هذا السبب كان وراء اهتمام أمه به ، بالرغم من انشغالها فى شئون المنزل وهوايتها بالعزف على البيانو الذى كان ضمن مقتنياتها، إلا أنها تفرغت له معظم الوقت ، فعلمته القراءة والكتابة ، وأنشأته على الجدية والالتزام وحب الناس واحترام الكبير والاعتزاز بالنفس والصدق والصبر والقناعة وكراهية الظلم وعيادة المريض وعدم التفكير فى التأثر أو الانتقام حتى من أولئك الذين يسيئون إليه، لأن الله هو الذى سوف يتولى عقابهم فى الدنيا وفى الآخرة، ويؤكد أن الأيام قد أثبتت له صدق مقولتها!
- وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أيامه فى القاهرة ، قائلا : ` حضرت إلى القاهرة وأنا فى الخامسة والعشرين من عمرى ، وسكنت فى أول شارع شريف ، بعمارة أمامها حديقة صغيرة ولها بواب نوبى اسمه فرح ، كان نبيل الوجه ، فيه الأنفة والاعتزاز بالنفس ، ككل أبناء النوبة، يرتدى جلابية لونه أزرق محلى بالقصب فى الشتاء ، وفى الصيف جلابية بيضاء عليها النقوش نفسها ، ويضع على رأسه عمامة بيضاء كبيرة `.
بقلم : محمد خضير
جريدة روز اليوسف 7-11-2014
أحمد طوغان لــ` السياسة ` : الحرب العالمية الثانية سبب اتجاهى إلى فن الكاريكاتير
- لم يكن مجرد رساما مبدعا للكاريكاتير فقط ، وإنما فنان بدرجة مناضل، سخر ريشته وعمره لخدمة القضايا العربية ، وعلى مدار أكثر من 60 ستين عاماً فى هذا المجال، حقق شهرة واسعة ، تجاوزت الحدود العربية وامتدت إلى آفاق عالمية، نظراً لأن أعماله كلها لا تخلو من نقد موجه للاحتلال الإسرائيلى ، ولذلك تم اتهامه مرات عدة بمعاداة السامية، وتزعمت منظمات إسرائيلية حملات دولية شرسة للهجوم عليه، ووصل الأمر إلى تعرضه لتهديد بالاغتيال، ورغم رسوماته اللاذعة بما فيها رسوماته ضد السلبيات التى تحدث داخل مصر، إلا أنه لم يتعرض يوماً لسجن أو اعتقال، يعد طوغان من الأصدقاء القلائل الموجودين حالياً ممن شاركوا الرئيس الراحل أنور السادات رحلة عمره ، وله معه مواقف عديدة وآراء صريحة حول سياسته .. ورغم هذا العمرلا يكف عن الإبداع ومازال يمارس هوايته المفضلة وهى الإمساك بالريشة.
- الفنان أحمد طوغان تحدث لـ` السياسة ` عن أحدث معارضه الفنية ` ذكريات الأربعينيات` بدار الأوبرا المصرية والقى الضوء على بعض محطاته فى الحوار التالى :
- ماذا تمثل لك ذكريات الأربعينيات كى تقدمها فى هذا المعرض ؟
- تمثل أجمل ذكريات العمر، الشباب وبدايات الوعى والإدراك بقضايا الأمة وبكل ما يدور فى العالم، فقد شهدت تلك الفترة أحداثاً ساخنة، تبقى عالقة مدى العمر فى الذاكرة ، أهمها الحرب العالمية الثانية التى لعبت دوراً محورياً فى توجيهى نحو عالم الكاريكاتير، وأذكر أن بريطانيا كانت على وشك الهزيمة بعد الاجتياح النازى لأوروبا ، فلجأ تشرشل إلى وسيلة جديدة يحارب بها معسكر الأعداء، ويرفع من خلالها معنويات جنوده ، وهى الرسوم الكاريكاتيرية، وبالفعل أرسل إلى كل المناطق التابعة لبريطانيا - ومنها مصر التى كانت تحتلها - كتائب من الرسامين ينشرون الرسوم الإيجابية التى تقدم دعماً معنوياً وتؤكد أن النصر حليفهم وقد رأيت هذه اللوحات منتشرة فى أنحاء القاهرة وبدا الكاريكاتير كما لو كان سلاحا جديداً فى هذه الحرب فأدركت أهميته الكبرى وقررت أن أتخصص فى هذا المجال . وهناك أيضاً فى تلك الفترة ذكرى لا تنسى وهى نكبة فلسطين وحصار قصر عابدين بالإضافة لذكريات الصبا والشباب التى أحاول أن أستعيدها فى هذا المعرض.
- ما أطرف اللقطات التى حاولت إبرازها فى لوحاتك ؟
- طبعاً هناك مشاهد لم تعد موجودة الآن بحكم تغير العصر، مثل طلعة الحمل الشريف ، والسكة الحديد القديمة ، وحفلات طهور المواليد ، وكتاب القرية ، بالإضافة للقطات لوجوه مصرية وعربية من ذلك الزمن الجميل، لقد حاولت أن أنقل عصرأ بأكمله ، إلى الجيل الحالى.
- مع الفدائيين .
- بمناسبة الحديث عن ذلك العصر، هل حقاً لك علاقة بالفدائيين ؟
- علاقتى بالفدائيين بدأت بصداقتى لهم، وبزعيمهم أو الفدائيين سعد زغلول فؤاد ، حيث كانت الروح الوطنية تسود الجميع ضد احتلال الإنجليزى، وكان من الطبيعى أن أناصر هؤلاء الفدائيين الذين يضحون بأرواحهم ، دفاعاً عن حقوقنا وحرياتنا، فلم تكن علاقة فقط ، وإنما كان بيتى مفتوحاً لهم .
- هل شاركت فى خطف ضابط إنجليزى وأخفيته فى بيتك ؟
- كان ذلك بعد الثورة عندما نجح الفدائيون فى اصطياد ضابط إنجليزى كبير، ولم يجدوا سوى بيتى لإخفائه فيه ، وقامت الدنيا ولم تقعد بالطبع لدرجة أن انجلترا هددت باحتلال القاهرة ، فاضطررنا للتخلص من الضابط بتهريبه خارج مصر لإبعاد شبهة اختطافه عنا .
ما حقيقة تعرضك لحكم الإعدام فى الجزائر؟
- عشت حياتى حرا طليقاً من بلد عربى لآخر، من أجل مساندة عمليات الكفاح والنضال ضد الاستعمار، ومن هذه البلاد عشت فى الجزائر تجربة لا تنسى، وشاركت فى حرب التحرير الجزائرية ، وفتحت بيتى لإدارة الثورة الجزائرية ، ورغم ذلك تعرضت لوشاية مغرضة كدت أعدم فيها، لولا تدخل مناضل جزائرى كبير لإنقاذى من الإعدام .
- لماذا تم اتهامك بالعداء للسامية ؟
- ترجع وقائع هذه الاتهامات لعام 2007 حينما رسمت كاريكاتيرا على خلفية أحداث العراق ، صورت فيها يهودياً ، بتعبيرات شريرة تخرج من فمه جملة
` المخطط الصهيونى` ويبتسم وهو يقرأ صحيفة مكتوباً عليها ` تمزيق العراق ` وطبعاً أثار الرسم حفيظة الصهاينة وكل المنظمات الداعمة لهم، ومنها منظمة مكافحة التشهير، والتى قامت بتحريف التعليق على الكاريكاتير، وقامت بكتابة عبارة ` يهودى شرير` فوق الرجل المرسوم وكأننى أنا الذى كتبتها، وذلك لإلحاق التهمة بى ، بينما لم أفعل ذلك ، وقاموا بتوزيع الكاريكاتير تحت عنوان ` معاداة السامية فى العالم العربى` وتكرر اتهامى بهذه التهمة أكثر من خمس مرات، وأذكر أنهم هددونى أيضا بالاغتيال، لكنى لم أعبأ، فهم لا يدركون أننى كعربى أنتمى للساميين، وبالتالى لا يمكن أن أهاجم نفسى.
- أليس غريباً اهتمامك بالسياسة لهذه الدرجة دون انتمائك لأى حزب سياسى فى مصر؟
- عرضت على فكرة الانتماء لحزب سياسى عدة مرات، لكنى آثرت أن أكون حرا ، فأنا لا أحب أن أفعل ذلك من منطلق انتماء حزبى، وإنما بانتمائى لوطنى.
- خاتم الملك
- بحكم عدم وجود حزب يدعم آراءك الصريحة ، ألم تتعرض لأى مضايقات أمنية تجاه ريشتك الجريئة ونقدك اللاذع ؟
- الحمد لله لم أتعرض لأية مضايقات ، ولم أسجن أو أعتقل فى حياتى ، كما حدث لكثير من زملائى، رغم أننى تناولت كافة الموضوعات الساخنة فى مصر والعالم العربى، ولكن المرة الوحيدة التى تعرضت فيها لمضايقة كانت مجرد استدعاء وسؤال من الملك فاروق على خلفية كاريكاتير واقتنع الملك بأننى لم أقصده وانتهى الموقف، ولكنى أعترف أن علاقتى بالرئيس الراحل أنور السادات حمتنى كثيراً من التعرض لمثل هذه الملاحقات الأمنية منذ قيام ثورة يوليو .
- كيف بدأت علاقتك ثم صداقتك للرئيس السادات؟
- لقد تعرفت عليه فى أحد المقاهى بحى الجيزة بمصر، حيث كنت أعتاد الجلوس هناك ، مع مجموعة من أصدقائى المقربين منهم الفنان زكريا الحجاوى وصديق عمرى محمود السعدنى الذى فارقنا منذ أيام، وكان ذلك بعد خروج السادات من الجيش عقب فترة مقتل أمين عثمان، والطريف أننى تعاملت معه دون أن أعرف أنه من الضباط الأحرار بينما قال عنه محمود السعدنى رحمه الله حينما رآه ` الراجل ده اللى هيحكم مصر` وفعلاً صدقت نبوءته وصارت بيننا صداقة قوية لدرجة أنه كتب لى بنفسه مقدمة كتابى ` قضايا وشعوب ` .
- كيف رأيت السادات بعد توليه الرئاسة ، وهل تغيرت معاملته لك ؟
- أبداً ، لم يغير معاملته لى ولا لأى من الأصدقاء القدامى، فقد كان يتمتع بالتوضع الجم ، وكان محباً للناس ، ولم تتغير صفاته هذه أبداً حتى بعد أن أصبح رئيساً لمصر.
- معاهدة السلام
- ما رأيك فى معاهدة السلام التى وقعها السادات ؟
- السادات كان ذكياً ، حارب وانتصر وفتح فرصة من أجل التفاوض القائم على أساس متين من منطق قوة وليس ضعفا، كما أنه لم يكن يفكر أبداً فى مصر وحدها، بينما كانت القضية الفلسطينية همه الأساسى، ولكنه كان يتعامل مع الأمور بمنطق الخطوة خطوة، وكان يجيد التعامل مع المكر والتعنت والصلف الإسرائيلى خاصة بعدما حققه مع جنوده فى حرب أكتوبر المجيدة ، ولو كان الفلسطينيون استمروا معه لتغيرت كثير من الأمور، ولكنهم أضاعوا الفرصة.
- كيف ترى الأوضاع على الساحة الفلسطينية الآن ؟
- لاشك أن القضية الفلسطينية تدهورت بشكل كبير بسبب الفلسطينيين أنفسهم ، وبسبب حالة الفرقة والتشرذم التى أصابت أصحاب القضية فى الوقت الذى يقوم العدو باستغلال هذه المواقف وفرض سياسة الأمر الواقع بمزيد من الاستيطان حتى قارب على التهام القدس كلها فهل هناك أخطر من هذا ؟
- ما أهم ذكرياتك عن عملك فى مجال الصحافة ؟
- هناك مواقف كثيرة لا أنساها، بل أضحك كلما تذكرتها، منها موقف جمعنى مع شريك عمرى الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى، عندما أنشأنا جريدة ` على أد الحال ` ولكنها كانت متعثرة بسبب عدم وجود أموال للطبع ، وذات يوم طبعناها بمساعدة صديق ثرى ، وعندما ذهبنا لنرى النسخ ، فوجئنا بها قد اختفت من مقر الجريدة ، ثم اكتشفت بعد ذلك أن محمود السعدنى أخذها وباعها لبائع الروبابيكيا بالكيلو لأنه كان فى حاجة لأموال لسداد ثمن بدلة اشتراها .
- بم ينشغل الفنان طوغان حالياً ؟
- أفكر فى استكمال هذا المعرض بسلسلة رسومات تعبر عن ذكريات كل حقبة عشتها من حياتى ،لأرسم ملامح عصر جميل عشته وأنقله إلى الأجيال الجديدة.
بقلم : صفاء عزب
جريدة السياسة 17-5-2010
رفضت التطوع لحرب فلسطين بسبب ` ساقى ` السعدنى !
- لماذا اختار طوغان أن يكون رساما ؟
- بدأت الرسم فى منتصف الثلاثينيات فى مدرسة ديروط الابتدائية القبطية ، وبدأت أحب الرسم لأننى أحسست أنها موهبة تميزنى بين زملائى، وكان زملائى فى ذلك الوقت خليطا من البشر فمنهم المسلم ومنهم المسيحى واليهودى وكذلك الأرمنى واليونانى، لذلك فقد نشأت على فكرة قبول الآخر وفكرة عدم التعصب.
- كيف كانت مصر فى ذلك الوقت ؟
- مصر كانت مختلفة ، فلك أن تتخيل أن محافظ أسيوط كان الشاعر عزيز أباظة باشا، الشاعر الثانى فى مصر بعد شوقى بك، وكانت الشرطة ` بتضرب ` مزيكا مش بتضرب الناس، وكنا ننتظر ونحن أطفال طابور الشرطة الذى يخرج من المديرية فى العاشرة صباحا ونمشى وراءهم وهم يعزفون على الآلات النحاسية حتى الحديقة الرئيسية للمدينة ويستمر هذا العزف حتى الرابعة عصرا.
- كيف كان شكل العلاقة التى تربطك بهذا الخليط من البشر الذى ذكرته ؟
- المدرس الذى كان يرعى موهبتى فى المدرسة كان مسيحيا ، أما أعز أصدقائى فكان الرسام اليهودى ومهندس الديكور إيلى مزراحى ووصلت صداقتنا إلى حد أنه عندما أراد الزواج عرض علىّ صور لفتاتين وطلب منى أن أساعده فى اختيار إحداهما ، وكنت أحبه وأعتز بصداقته وحزنت جدا عندما قرر أن يترك مصر بعد ثورة يوليو وأذكر أنه عرض على أن يترك لى شقته بجوار جروبى فى وسط البلد وكانت شقة كبيرة جدا مكونة من ثمانى جرات ، فرفضت وقلت له : أنا ساكن فى شقة أوضتين ومبسوط وكفاية على أوضة واحدة .
- كيف دخلت إذن إلى عالم الصحافة ؟
- فى بداية الأربعينيات وأثناء الحرب العالمية الثانية اكتسح الجيش الألمانى أوروبا ووصل إلى مصر وبالتحديد إلى منطقة العلمين وجاء تشرشل رئيس وزراء بريطانيا فى ذلك الوقت لتفقد الأوضاع وأوصى بجمع كل رسامى الكاريكاتير البريطانيين وتكليفهم بعمل رسوم وبوسترات لرفع الروح المعنوية للجنود وبدأت هذه الملصقات فى الظهور بشوارع القاهرة ، وبالرغم من عدائى للإنجليز المحتلين إلا أن البوسترات كانت تعجبنى رسومها وأفكارها وألوانها .. ووقفت فى أحد الأيام أشاهد واحدا من هذه البوسترات فنادانى أحد الجالسين على مقهى قريب وسألنى عن سبب إعجابى بهذا البوستر فشرحت له وجهة نظرى فعزمنى على شاى وبدأ يحكى لى عن أهمية الرسم والكاريكاتير فى الحياة والصحافة ، كان هذا الرجل هو زكريا الحجاوى مكتشف النجوم ، ومن وقتها بدأت العمل فى الصحافة.
- ورحلتك كانت قصيرة مع روزاليوسف .. لماذا ؟
- عملت فى روزاليوسف وكنت محل اهتمام السيدة فاطمة اليوسف وكانت تعاملنى مثل ابنها، لكنها كانت تدفع لى مبلغا زهيدا، فسألتها مرة عن السبب فقالت لى: ` ده أنت راسم اتنين بيكلموا بعض عاوز فلوس كتير ليه ` ؟! فذهبت لها فى المرة التالية ورسمت مظاهرة وقلت لها وهى تشاهد الرسمة :` يلا حاسبينى بقى` .. فضحكت .. واكتفت بذلك .. الحقيقة أن السيدة فاطمة اليوسف كانت فى منتهى الذكاء وكان إحسان عبد القدوس وقتها ما زال طالبا لكنه كان نابغة، وأذكر إنه قال لى :` إن الرسام يجب ألا ينتمى إلى أى حزب أو جماعة حتى يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية فهو مثل القاضى يحكم ويقول الحق `.. وهى بالفعل نصيحة نفعتنى جداً.
- .. وماذا عن تجربتك مع أخبار اليوم ؟
- استدعنى مصطفى أمين فى عام 1951 عندما كان يعد لإصدار جريدة الأخبار، وكان صاروخان يرسم فى أخبار اليوم.. ورسمت أنا فى الأخبار لمدة عام ونصف العام ، وكنت أحضر الاجتماع الأسبوعى لأخبار اليوم الذى يحضره مصطفى أمين وعلى أمين وجليل البندارى ومأمون وكامل الشناوى ومحمد عفيفى ورسامو الكاريكاتير لوضع أفكار الرسوم التى تنشر بأخبار اليوم والأخبار، وطلب منى على أمين أن أرسم فكرة بعينها ... فرسمت شيئا آخر فغضب وعاتبنى .. فقلت له : إن الفكرة لم تعجبنى وكان على أمين طيب القلب مثل الأطفال يمكنه أن يجرحك دون أن يشعر فقال لى فى حزم : ` إحنا الرسام بتاعنا يرسم اللى إحنا عاوزينه` فخرجت من أخبار اليوم بغير رجعة رغم أننى كنت أتقاضى 80 جنيها .. وعدت إلى جريدة الجمهور المصرى براتب 12 جنيها.
- ساق السعدنى وحرب فلسطين!
- رافقك السعدنى فترة طويلة من العمر وجمعت بينكما ذكريات كثيرة فهل تتذكر بعضها ؟
- كنت أكبر من السعدنى بعدة سنوات وكنت أصحبه معى فى أى مكان أعمل به وأذكر إننا فى عام 1948وبعد تقسيم فلسطين كنا نخرج فى مظاهرات ضد الصهيونية، وقرأنا وقتها عن صاغ متقاعد اسمه محمود لبيب يقوم بعمل حلقة للتطوع للسفر إلى فلسطين، وذهبت أنا والسعدنى وكان صغير الجسم رفيع الساقين وعندما استعرض محمود لبيب المتطوعين قال للسعدنى: ` أنت يابنى مش هاتنفع معانا .. ده لو اليهود مسكوك هتبقى أسوأ دعاية لينا `! .. ورفضوا السعدنى وقبلونى، لكننى قلت ان فلسطين تستنى شوية ، لكن أنا لازم أروح مع السعدنى وعدنا معا إلى المنزل!
- كان حلمك أنت والسعدنى إصدار مجلة .. فكيف سارت هذه التجربة ؟
- فى أواخر الأربعينيات شاهد السعدنى رجلا فى درب الجماميز يطبع ملصقات فاقترب منه وعرض عليه الفكرة ، وقال له: ` أنت عندك كل الامكانات ليه ماتعملش مجلة وتكسب فلوس كتير؟ `، واقتنع الرجل بالفكرة ، وأصدرنا مجلة اسمها` السحاب` وكانت تكلفة إصدار العدد حوالى 30 جنيها، وبعد ثلاثة أعداد اكتشف الرجل أنه خسر 90 جنيهاً وحصل على إعلان واحد بملاليم فوجدناه ينتظرنا أمام المطبعة وبدأ يصرخ ويشتم عندما اقتربنا منه وجرى وراءنا وقال: ` لو شفتكم فى الشارع ده تانى هقطع خبركم`، وهربنا منه بأعجوبة .
- وماذا عن المجلة التى أصدرتها مع السعدنى وكان يرسم فيها صلاح جاهين ؟
- ضحك وقال : آه دى كانت تجربة عجيبة لأننا أتعرفنا وقتها على محام من الصعيد يملك مكتباً فى وسط البلد وأقنعه السعدنى بالفكرة فأعطانا 150 جنيها، اشترينا رخصة مجلة اسمها` الأسبوع ` بعشرة جنيهات وأجرنا شقة بثلاثة جنيهات وبدأنا فى إصدارها وكان يكتب فيها عباس الأسوانى ومحمد عودة ونشر صلاح جاهين فيها رسومه لأول مرة ، لكن للأسف وبعد سبعة أعداد نفدت النقود ..!
- ورقة اليانصيب أنقذتنا
- وماذا فعل المحامى معكما ؟
- لا هذه المرة قلت للسعدنى: لازم نكمل .. وذهبت لصديق لى من أعيان القبائل العربية بمصر وكان اسمه المعتصم وجده كان السعدى باشا، واستقبلنا بحفاوة وقدم لنا عشاء فاخر وطلبت منه 100 جنيه سلفة، فكتب لنا شيكا بالمبلغ وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة بعد منتصف الليل ونزلت أنا والسعدنى لنلحق أخر ترماى ، لكننا اكتشفنا أن جيوبنا ليس بها مليم واحد ، فمشينا إلى الجيزة، وتصادف تطبيق حظر التجول بسبب مظاهرات الطلبة وعندما اقتربنا من كوبرى عباس استوقفنا أحد العساكر وقال : أنتم بتعملوا إيه ؟ إنتوا مش عارفين إن فيه حظر تجول؟ .. فقال السعدنى بثقة: أيوة عارفين بس إحنا معانا تصريح ، وتعجبت من كلامه، وكان السعدنى مغرماً بشراء أوراق يانصيب اسمها ` الدبة ` فاخرج إحداها للعسكرى وقال له: أهو التصريح وأدى الختم كمان بص كده ، فنظر اليها العسكرى وقال طيب عدوا.
- وماذا عن فترة انتقالكما لجريدة الجمهورية ؟
- جريدة الجمهورية أرسلت السعدنى إلى سوريا فى فترة حرب 1956 وحدث أن توترت العلاقة بين عبد الناصر والشيوعيين فى سوريا فى تلك الفترة وظل السعدنى هناك إلى أن انتهت الحرب ثم عاد، وفى أثناء عودته أعطاه خالد بكداش زعيم الشيوعيين فى سوريا مظروفاً به رسالة إلى جمال عبد الناصر ليسلمها له، ومر السعدنى على بعد عودته ، وحكى لى الموضوع فحذرته وقلت له إن هذه الرسالة من الشيوعيين يعنى أكيد سوف تضايق عبد الناصر .. وأيضا لو تم القبض على الشيوعيين فى مصر ستكون أول من يتم القبض عليه .. ولكن السعدنى لم يصدق، وقال لى : أنها أمانة ويجب أن أسلمها، وبالفعل سلم الجواب إلى رئيس تحرير الجمهورية وكان ضابطا بالمخابرات اسمه مصطفى المستكاوى، وقامت بعدها حملة للقبض على الشيوعيين وكان أول واحد تم القبض عليه هو السعدنى .
- جريدة لتنظيف الزجاج
- ما حكاية خلافاتك المتكررة مع صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة ؟
- جريدة الجمهورية أنشأها السادات وكان صلاح سالم يكرهه جدا فأنشأها فى نفس الوقت جريدة الشعب فى نفس مبنى جريدة المصرى ، وعندما رحل السادات بعد ترؤسه للمؤتمر الإسلامى، قام صلاح سالم بضم الجريدتين وأصبحت الجمهورية ` صوت الشعب`، وكان صلاح سالم مندفعا وعصبيا وقليل الثقافة والمعرفة فأنخفض التوزيع ، ووضع سالم خطة ليستعيد التوزيع مرة أخرى فقام بعمل مسابقات وجوائز قيمة وبالفعل عاد التوزيع ليرتفع مرة أخرى، لكننى لاحظت أن سبب زيادة التوزيع هو أن الناس كانوا يستخدمونها فى لف الأشياء، حتى إن صاحب المقهى الذى كنا نجلس عليه فى وسط البلد وهو يونانى لا يجيد العريبة فوجئت به يشترى 5 أعداد وعندما سألته اكتشفت أنه يستخدمها فى تلميع الزجاج .
- وفى اجتماع كبير عقده صلاح سالم، جلس يتفاخر بتوزيع الجمهورية غير المسبوق فقلت له: إن هذه الأرقام لا تعكس قيمة الجريدة الحقيقية لدى القارئ ، فسبب هذه الزيادة هو عدد الصفحات المبالغ فيها والمسابقات ولم يعد الجورنال معبرا عن الثورة ، والدليل على ذلك أن أحد عناوين الصفحة الأولى الذى نشر على 3 أعمدة كان: ` كلب الممثلة ماجدة ضاع ؟!`.. هل مطلوب من الشعب أن ينزل بنفسه يدور على كلب ماجدة ؟
-خرجت من الاجتماع ليبلغنى مدير الجريدة بقرار` رفدى ` وظل بعدها صلاح سالم يحاول أن يتصيد لى أى كارثة ليوقعنى بها .
- بعد أن رفدك صلاح سالم من الجمهورية عدت إليها .. ثم تم رفدك مرة أخرى .. إيه الحكاية بالضبط ؟
- أنا مصنف منذ سنوات بأننى من المعادين للسامية، وفى كل مرة يتم إصدار قوائم بالمعادين لإسرائيل والصهيونية أجد أسمى من ضمن الأسماء الممنوعة، وفوجئت قبل ثورة يناير بعام بخبر ينشر فى الصفحة الأولى بجريدة الجمهورية بأن طوغان للمرة الرابعة يصنف من المعادين لإسرائيل والصهيونية ، فوجئت بعدها باستغنائهم عن خدماتى ، لكننى عدت مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير . وربنا يستر المرة دى ..
- الامبرياليزم والكونوليالزم
- تركت الريشة وحملت السلاح فى الجزائر واليمن فكيف كانت هذه التجربة ؟
- سافرت إلى الجزائر واليمن كصحفى لأغطى الأحداث وأرفع الروح المعنوية للجنود بالكاريكاتير، لكن تواجدى فى قلب المعارك جعلنى مضطرا لحمل السلاح، وأذكر أننى عشت وسط الجنود فى اليمن ورسمت 7 كتب بدون كلام لتوعية الجنود حيث كان معظمهم أميين، فكنت أرسم لهم :كيف يتصرفون فى المواقف المختلفة وكانوا يسعدون بها جدا، ولكن فى الواقع كانت القيادة منفصلة تماما عنهم وقد لاحظت ذلك عندما حضر مثلا أحد قيادات الجيش وعضو مجلس قيادة الثورة كمال رفعت وطبعا تكلف حضوره مبالغ باهظة وفى النهاية وقف ليحدث الجنود عن ` الكونوليالزم` و ` الأمبرياليزم ` وطبعا محدش كان فاهم حاجة .
بقلم : هانى شمس
جريدة الأخبار 23-3-2013
طوغان.. تاجر السعادة الحزين !
- صنعته الآلام فقدم لنا البهجة
- يعود بنا فنان الكاريكاتير أحمد طوغان إلى الزمن الجميل ، يوثق اللحظة الماضية حتى لا تفلت منا إلى الأبد ، يستنطقها ، يعيدها إلينا طازجة ندية ، وكأنها خرجت لتوها من بين أنفاس الريف المصرى وعقبه الأصيل .. يستعيد طوغان بـ` وستالجيا ` مليئة بالبهجة ` ذكريات من زمن فات`، نتوقف أمامها طويلا محملين بالحنين.
- وسط البيوت الطينية التى اختفت من ريفنا، يلتف النسوة حول `الطلمبة` يملأن أوانيهن الفخارية بالمياة العذبة التى لم تكن قد دخلت القرى بعد . يقفن يتسامرن ويثرثرن بينما يقوم أحد الأشخاص بتدوير يد الطلمبة ليترقرق ماء فراتا.
-` الناس وقعتها خفيفة، أما أنا جت واقعتى جامدة، ماعيش تلاتة تعريفة، ومزاجى فى بنت العمدة ` .. فى حجرة فخمة ، على السرير النحاسى القديم ، تتكئ بنت العمدة، فى ملابسها الزاهية، تحرسها خمسة وخميسة من عين الحسود ، تتأمل قارئة الفنجان، ترسم أحلاما وتتطلع إلى غيب بعيد.
- بينما الناس نيام ، تغفو البيوت والشجر، وتهدأ الحيوانات، يتهادى النيل على ضوء القمر، يظل هو ساهرا شاهرا سلاحه يحرس النيام من اللصوص ، إنه الغفير بملابسه المميزة وبشاربه المفتول وكأننا نسمع صوته الجهورى`ها مين هناك ` ..!
- ` الجوز الخيل والعربية ، أنغامهم كلها حنية ، سوق ياأسطى لحد الصبحية ` .. لم يختف الحنطور من حياة المصريين ، لكنه اقتصر على السياحة لدقائق معدودة ، نستعيد معه الصوت الملائكى لليلى مراد ` اتمخطرى واتمايلى يا خيل ` ، باعتباره من الأشياء التى شارفت على الانقراض .. فى إحدى الصور يوثق طوغان استخدام الحنطور كوسيلة مواصلات للأثرياء .
- لحظة ترقب القطار `الغول` الذى يشاهده القرويون يشق طريقه سريعا على قضبان حديدية عجوز .. ولى العهد أو العمدة الصغير المدلل ، الذى تتطلع إليه كل عيون القرية ، ترتفع الأيادى بالتعظيم وتتطلع النسوة من الشرفات .. الخبيز والفرن وعالمه الدافئ الذى كان يقاد بالحطب ويملأ البيت خيرا ، إنه الحنين إلى خبز أمى وقهوة أمى ولمسة أمى .
- لم يكن اللصوص قد ازدادوا مثل هذه الأيام ، لم يكونوا يرتدون البدل الفخمة ويضعون أغلى العطور، كانوا فقراء لا يملكون قوت يومهم ، لكن ما تلمح أحدهم حتى تتعالى الأصوات من كل جانب ` أمسك حرامى` ، لتنصب له المحكمة أمام العمدة، فيقع على قدميه ذليلا.
` وأنا على الربابة بغنى ` جلسات السمر والعزف على الربابة تحت ظلال شجرة التوت العتيقة بجوار النهر، تأخذك فى راحة قصيرة نحو الشجن.
- يرتسم الذهول على وجه ذلك الرجل وهو يقف ببيجامته الكستور ويضع الفوطة على كتفه استعداد لغسل وجهه فى الصباح ، فتفاجئه تلك الرسالة المعلقة على الحوض ` ذهبت إلى المحكمة لأخلعك........ أرجوا أن أعود فلا أجدك فى المنزل . هدومك عند البواب `.. إنها عجائب قوانين الهوانم كما يعلق طوغان أسفا!
- فى شوارع الجيزة، على الحيطان .. كانت بداية رحلة طوغان التى جاءت عن طريق صديق عمره محمود السعدنى ، حيث كانوا جيرانا ، فشاهده السعدنى وهو يكتب بالطباشير على الجدران الخاوية فى الشوارع .. كانت رحى الحرب العالمية الثانية لا تكف عن الدوران، وكان المصريون متعاطفون مع الألمان أملا فى التخلص من !؟ الاحتلال البريطانى، فرسم طوغان الجنود الإنجليز وهم يجرون أمام الألمان . منذ ذلك الوقت صار الولد الشقى صديقا للرسام الشاب، ولم يفترقا ، وبعد هزيمة 1967 أسسا معا - فضلا عن يوسف إدريس - جمعية من الصحفيين لقتال الإسرائيليين إذا ما اجتاحوا القاهرة .. يقول طوغان حكايتى مع السعدنى عجيبة إلى حد كبير ، فقد عملنا معاً وتصعلكنا معاً ، وضحكنا واكتأبنا معاً ، وأكلنا وشربنا وروحنا وجئنا ونمنا وصحينا وجعنا وشبعنا معا ` .
- يروى طوغان :`عندما أصبح لدى مجموعة من الرسوم ، ذهبت بها إلى مجلة (الساعة 12) وكان يملكها مجموعة من السودانيين . لسوء الحظ قابلت هناك رجلا ما أن شاهد رسومى حتى مزقها وهو يقول منفعلا : إن هذا عمل الكبار وعليك أن تذاكر دروسك وبعد أن تنجح تفكر فى الرسم . هذا الموقف جعلنى أبكى بشدة حتى قابلنى السعدنى وقال لى ربما يكون هذا الرجل رسام وغار من رسومك. ثم طلب منى أن أذهب إلى الفنان الكبير رخا . بالفعل ذهبت إليه وعندما شاهد رسومى سألته بقلق هل أعجبتك ؟ فضحك وهو يقول : جدا لدرجة أننى سأعزمك على واحد ليمون مكافأة . ثم نادى على الفنان زهدى العدوى ليشاهد رسومى وطلب منه أن أشارك فى رسم جريدة المساء التى كانت ستصدر عن نقابة الصحفيين.
- ` طوغان فنان صنعته الآلام `.. هكذا كتب الرئيس الراحل أنور السادات فى تقديمه لأحد كتب طوغان ، الذى انتقل من مجلة روز اليوسف إلى العمل فى جريدة `الجمهورية` بدعوة من السادات ، كان ذلك قبل الثورة وكان السادات صحفيا فى دار الهلال ، وقد أعجب طوغان بالسادات الذى كان يحب الشعر ويقرأ الروايات ومنذ ذلك الوقت أصبحوا أصدقاء.
بقلم : شيرين صبحى
مجلة المصور 9-10-2014
الصائد .. طوغان
- بعد صراع مع المرض توفى الفنان الكبير طوغان يوم الأربعاء الماضى ، بعد فترة وجيزة من إصدار كتابه ` سيرة فنان صانعته الألام ` عن الدار المصرية اللبنانية، وعن ملامح رحلته المتميزة يكتب الفنان أحمد عبد النعيم عن الراحل الكبير.
- الابداع لا يأتى صدفة . قد يحتاج إلى مؤثر للخروج ولكنه يبقى فى الوجدان حتى لحظة الاشتعال الحقيقية. وبينما مصر فى الأربعينات تموج بالأحداث والتراشق السياسى، والعالم يشهد الحرب العالمية الثانية يجلس الفتى يراقب ويسمع كلام الكبار ويتناول الطباشير ليرسم على حيطان الزمن بخطوط بسيطة . يتناول القلم ويكتب الأشعار فى كراسة الرسم . يشعر دائما طوغان أن ما بداخله يحتاج إلى كل عناصر الإبداع فهو يرسم الكاريكاتير وقد تعجز الريشة ، يتناول السلاح ويذهب إلى الجزائر واليمن يبحث مع الثوار عن الحرية وقد تعجز البندقية ، فيكتب الرواية ويرسم اللوحات . الميلاد 1926 فى المنيا والوفاة بالقاهرة يوم الأربعاء الماضى12 نوفمبر 2014.
- الأسم طوغان، وتعنى الصائد بالصقر ، الجذور من الجزيرة العربية من نجد ، تنتمى إلى قبائل ` القديديين `. جاءت القبيلة واستوطنت فى الجيزة .وكان طوغان أحد أبناء رئيس قبيلة (النجمة) فى نزلة السمان والبطران، ولم يكن أبناء القبيلة يؤدون الخدمة العسكرية والإعفاء لأبناء القبيلة كان بسبب أنهم فى حالة دفاع دائم عن الوطن، وفى مقدمة المدافعين عن مصر، ومن الأسرة ولد طوغان وسمى باسم الجد، وبدأ يكتب الشعر ويرسم أحياناً، وقد خطط لنفسه ليكون شاعراً ولكن هدير الحرب العالمية والتى استخدمت لأول مرة حيلة الرسوم الكاريكاتيرية للنيل من شعبية هتلر، فكانت وسيلة تشرشل فى تجميع الرسوم الكاريكاتيرية فى كتيبات ترسل إلى الجنود لرفع الروح المعنوية وعمل بوسترات تزين حيطان دول الحلفاء.
- خرج طوغان فى إحدى المظاهرات التى تطالب بالجلاء وبعد ساعات من التعب ركن إلى ركن الجرائد لتقع فى يده مجلة تزين صفحاتها الرسوم الكاريكاتيرية التى تتناول شخصية هتلر بالسخرية الشديدة المبهرة بالألوان والمبالغة . ترك طوغان أقلام الشعر وانتقل إلى كراسة الرسم ليقلد الرسوم ويبدع وينقل ويعبر عن أفكاره الشعرية بالرسم وأمام وسيلته الجديدة ابتكر رسوماً خاصة به بعد فترة من التقليد وزاد انبهاره برسوم عمنا رخا، وعندما اجتمع لديه عدد من الرسوم الخاصة عرف بوجود مجلة ` الساعة 12 ` يصدرها الطلبة السودانيون بالقاهرة وبكارت توصية من أحد الباشوات السودانيين ذهب إلى المجلة حاملاً رسومه وأحلامه فى أن يصبح رسام المجلة الأول، وعلى باب المجلة قابل رجلاً ضخم الجثة شديد العبوس دائماً ما يتذكر عمنا طوغان ما قاله ` الرسم ليس شيئاً بسيطاً . ليس أى فرد فى إمكانه أن يرسم الست تلميذ .. عليك بالالتفات إلى مدرستك`، ومزق الرسوم وانتهى اللقاء وقد اختفى الرجل من الحياة تماما، وبقى طوغان يصنع من رسومه كل يوم أملاً جديداً للحياة . كادت الحادثة أن تنهى أحلامه ولكن بهدوء وبخفة ظل يتناول الساخر الكبير محمود السعدنى قصاقصات الورق الممزق ويبتسم فى وجه طوغان ` تلاقيه رسام ومتغاظ منك `.
- ويقول الأستاذ محمود السعدنى` الفنان طوغان ربما الرسام الوحيد الذى لم يجر استدعاؤه للرسم من أستاذ فى معهد الفنون أو عضو فى جمعية للفنانين أو من رئيس تحرير جريدة ولكن ما استدعاه حدث لا يتكرر إلا أحياناً ، وهو الحرب العالمية الثانية . لولا الحرب ربما كان طوغان الآن يقضى شيخوخة هادئة بعد خروجه من وظيفته على المعاش، ولكنه فى كل رسوماته كان وضحاً أنه يعبر عن مزاج الشارع المصرى `.
- وينصحه بالذهاب إلى حديقة نقابة الصحفيين حيث يجلس رائد الكاريكاتير رخا يلعب الطاولة يومياً مع فكرى أباظة وبكوب ليمون بارد ، يستقبله بابتسامة الأب الحنون وينبهر بأعماله ويقدمه للفنان زهدى ليرسم معه فى مجلة `المساء` التى كانت يصدرها اتحاد محررى الصحف. ويعتبر طوغان نفسه محظوظاً لوجوده مع عملاقين ، رخا وزهدى .
- بقى طوغان بالمجلة سنتين يرسم ويبحث لنفسه عن أسلوب خاص ، فقد بدأ متأثراً بالشكل السائد من الرسوم الكاريكاتيرية وهى خليط من خطوط صاروخان وسانتيس، وكانت الريشات الكاريكاتيرية كلها تحاول الخروج من التأثير المباشر وقد تأثر البعض وخرج البعض إلى أسلوبه الخاص، وإن كان تأثير البعض اخذ الكثير من الوقت للخروج فى حالة الفنان عبد السميع ، وقد حاول طوغان التخلص من التقليد والتأثير واتخاذ خط خاص يتميز بالحركة الشديدة وتقليل حيز المبالغة فى الشكل إلا فيما ندر مع التأكيد على التشكيل وهو الأقرب فى أعمال طوغان بالإضافة لقدرته على التلوين وإدراج مساحة اللون داخل اللوحة وقد أخذ بعض الوقت للوقوف إلى أسلوب يستريح له ينفذ به أعماله حتى الآن .
- وبعد تجربة طوغان بالمساء يرسم فى الملايين والصرخة والكاتب وروز اليوسف يرسم لوحات مقاومة للاحتلال وينبئ بالثورة ، يرسم الحصان الجامح ويكتب على ظهره الثورة ويداً ترتدى خاتماً ` فى إشارة للملك`، وتحاول أن تقف الحصان الجامح قبل قيام الثورة بشهرين ، ثم تقوم الثورة وتولد منها أحلى رسوم طوغان فهو من أبناء الثورة المخلصين جداً . وبعد إصدار` أخبار اليوم ` يعمل بها لفترة ويختلف ويترك الأخبار إلى جريدة الثورة ` الجمهورية ` ليعمل مع صديقه أنور السادات الذى تعرف عليه على قهوة عبد الله بالجيزة حيث يجلس عقول مصر السعدنى وزكريا الحجاوى وأنور المعداوى وعبد القادر القط ومن الشباب يوسف إدريس وسمير سرحان وصلاح جاهين.
- وبعد الاستقرار الفنى والعملى بجريدة ` الجمهورية ` تحركت داخله الرغبة فى البحث عن حرية الأوطان وعدم الاكتفاء بالجلوس على مكتبه ليرسم فقط . لابد أن يحمل أفكاره وأحلامه ويذهب إلى هناك ، إلى الأحداث يكسر الراديو ، الذى يذيع الحدث من وجهة نظر واحدة ويذهب إلى حيث الحدث نفسه ` بالفعل ذهبت إلى الجزائر وشاهدت بنفسى مقاومة الاحتلال وعشت أياماً مع الثوار فى الجبال ودونت هذه التجربة رسماً بعد عودتى فى كتاب أيام المجد فى وهران`، وكان قبلها قد رسم 30 صفحة عن المقاومة الجزائرية سنة 1959، ولكنه لم يكتف بالمعرفة الورقية ولكن من قلب الحدث ، يعود إلى مكتبه بجريدة الجمهورية يرسم أحلى الرسوم التى كانت تناقش على مائدة مجلس الثورة وقد علق الرئيس عبد الناصر على أحد رسوم طوغان عن محمد مصدق رئيس وزراء إيران الأسبق، فرسمه فى السجن وبابه الحديد مكون من علامة الدولار والاسترينى فى إشارة إلى الانقلاب الذى حدث ضده بعد بعثة عن دور وطنى لبلده بعيداً عن سيطرة الغرب وقد مدحه عبد الناصر وخصص وقتاً طويلاً لشرحه فى مجلس قيادة الثورة ، ثم خصصت ` الجمهورية` مساحة ثابتة للكاريكاتير فى تقليد جديد لم يسبقها فيه سوى جريدة `الأخبار`.
- وقد يستريح المحارب داخله ويجلس يستمتع داخل مكتبه ولكنه يذهب إلى موقع الأحداث باليمن يسجل هناك المقاومة الحقيقية ، وليست الأخبار على الورق .
- يبقى دائما الواقع أهم من الأوراق المكتوبة تلتهب ريشة الفنان كلما وجد الحدث يذهب إلى اليمن ويشارك فى الحرب يحارب ويرسم ويصدر سبعة كتيبات منها `رسالة للموقع 7 ولقاء عند جبل براش والضمير وكلمة حق` ، وكلها رسوم تحمل بارود الحرب وصوت المدفع ودافع للنجاح والانتصار.
- ويبقى المحارب داخل طوغان يحمل ريشة ودواية الحبر وشجاعة نادرة وقوة عزيمة لا تلين . يرسم الكاريكاتير الصادم يصور فيه الصهيونية بوحشية غريبة، وتجرى مكن الطباعة وسهام معاداة السامية، وهى الجريمة الجاهزة التى طالت كل وطنى شريف ولم تسلم ريشة طوغان من التصنيف على رسمه المنشور بجريدة ` الجمهورية ` بعد توقيع اتفاقية `كامب ديفيد` وتقدم وزارة الخارجية الاسرائيلية احتجاجا لمصر على هذا الرسم واتهمت طوغان بإفساد العلاقة بين مصروإسرائيل. وكان المطلوب منه أن يخف الرسم ولكنه لم يفعل وقد طالته ففى جريدة ` الجمهورية ` فى 12 أكتوبر 2008 يصور شخصاً صهيونياً يبتسم ابتسامة فرح شديدة ناظراً إلى الأمام يمسك جريدة مكتوب عليها تمزيق العراق وفى` الخلفية المخطط الصهيونى` . وأعلنت المنظمات الصهيونية العالمية أن هذا الرسم يشكل معاداة السامية الواضحة فى الإعلام العربى حيث قامت المنظمة بمهمة الترجمة الحرفية لمفردات العمل الكاريكاتيرى المنشور، وفى رد فعل سريع أعلن الفنان طوغان صاحب الكاريكاتير` أن العرب كلهم ساميون وبالتالى لا يعادون السامية بل الصهيونية والفرق بينهما كبير`، وأضاف:` المعادون للسامية هم الذين يرتكبون جرائم القتل والتجويع وتزييف الحقائق وإفشال أى جهود للسلام وهؤلاء لن يستطيعوا البقاء فى فلسطين طالما أنهم مستمرون فى هذه السياسة`، واعتبر طوغان أنه من غير المقبول الدفاع عمن يقتلون الأطفال وهم ذاهبون لمدرستهم وأكد طوغان على سبب وضع رسامى الكاريكاتير على قائمة ` أعداء السامية ` لقوة تأثير فن الكاريكاتير وأنه فن موجع. يؤثر فى المتعلم والأمى واعتبر اتهامه بمعاداة الصهيونية شرفاً عظيماً حتى إذا اتبع ذلك الاغتيال فى مرحلة أخرى وقال :` شبابنا كل يوم بيموتوا على أيديهم وأنا كبرت خلاص وكلامهم لن يهمنى ولن أكف عن الرسم .. لوبطلت أرسم أموت `.
- ويبقى شعور الفنان طوغان أن الكاريكاتير لابد أن يبقى، ولا يكتفى بمجرد النظر إليه فى جريدة ولكن الكتاب أبقى وأهم ، لذلك يخصص الوقت الأكبر من وقته فى تجميع أعماله فى كتب رخيصة الثمن عظيمة القيمة يجلس فى بيته يكتب ذكرياته عن الناس والوطن، يشاهد الشباب ويقدم خبراته يصنع كل يوم مشروعاً للقادم يشعرك بالشباب وحتى فى أشد حزنه بعد فقد ابنه الشاب جلست بجانبه استشعر الحزن فى عيونه يبتسم ابتسامة رضا خاصة ويخبرنى بمشروعة القادم رسم مصر من الاربعينات وحتى الآن فى لوحات تشكيلية خاصة، ولكن عندما تنظر إلى كم الحزن داخله يخلق داخلك رغبة شديدة بالحياة ` ..
- وهى معادلة خاصة لا يعرف سر تركيبها غير عمنا طوغان .
بقلم : أحمد عبد النعيم
مجلة الأدب 16-11-2014
وداعاً .. طوغان
- مشوار 64 عاما مع الفن الساخر والسياسة.. وعشق مصر
- على مدى أكثر من 60 عاماً .. لم يتوقف الفنان الكبير وشيخ رسامى الكاريكاتير فى مصر أحمد طوغان عن الشغب والمشاكسة بريشته وآرائه الصريحة فى كل القضايا الوطنية ليؤكد أن الفنان الحقيقى هو نبض وطنه وعاشق ترابه والمعبر عن أحلامه وشجون أبنائه، ويثبت أيضا أنه تفرد دون أغلب الرسامين بأنه فارس الريشة والبندقية أيضا بعد أن حملها دفاعا عن مصر والعروبة فى أيام الشباب.
- طوغان شارك فى تأسيس ` الجمهورية ` .. وساند بالريشة والبندقية الثورات المصرية والعربية .
- طوغان اختلف مع على أمين عندما اقترح عليه فكرة ليرسمها.
- أحمد طوغان (88 سنة) الذى ودعنا أمس، ولد فى المنيا يوم 20 ديسمبر 1926 وبدأت رحلته مع رسوم الكاريكاتير عام 1948 ليكون مشواره فنه ونضاله متوازيا مع أهم المحطات والتحديات مصريا وعربيا.
- اللقاء مع السادات على مقهى عبد الله
- عندما أراد طوغان أن ينقل رسومه من على الجدران إلى الصحف نصحه صديقه الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى بعرض أعماله على الرسام الشهير محمد عبد المنعم رخا والذى أعجب بها ، وطلب من الفنان زهدى أن يصطحب طوغان إلى مقر جريدة المساء فى بولاق، لينشر فيها أول رسومه، وهى طبعا غير` المساء` التى تصدر حاليا عن ` دار التحرير `.
- وامتدت خريطة نشر أعمال طوغان من 1946 إلى 1953 إلى روز اليوسف والجمهور المصرى والدعوة والصرخة والكشكول والأسبوع وأخبار اليوم واختلف مع على أمين عندما اقترح عليه فكرة ليرسمها لأنه كان يرى أن فنان الكاريكاتير يجب أن يجمع بين فكرته ولوحته .
- لعب مقهى ` عبد الله ` على نيل الجيزة دور نقطة التحول فى حياة طوغان حيث كان يلتقى فيها مع السعدنى وأنور المعداوى ود. عبد القادر القط والفنان زكريا الحجاوى .. وأيضا محمد أنور السادات الذى عرض على هذه المجموعة بعد ثورة 23 يوليو ، مشاركته فى تأسيس جريدة الجمهورية وكان طوغان هو الذى استمر فى العمل بالجريدة حتى وفاته .
- صائد الأفكار
- طوغان لم يكتف بالرسم بل قاتل فى صفوف الثورتين الجزائرية واليمنية ، وزار الارض المحتلة فى فلسطين وطاف بمعرضه عن نضال الشعب الفلسطينى فى العديد من دول العالم وشاهده فى الصين 2 مليون زائر .
- أصدر طوغان 14 كتابا وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزة مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان وجائزة مصطفى وعلى أمين كأحسن رسام كاريكاتير على مستوى العالم العربى .. وأقام عشرات المعارض الفنية وكان اخرها فى 19 مايو 2011 .
- ابتكر طوغان العديد من الشخصيات فى لوحاته ، ومنها ` الرجعى باشا ` وجمع بين الكاريكاتير السياسى والاجتماعى أيضا .. وكان طوغان اسما على مسمى حيث يعنى
` الصائد بالصقور` باللغة التركية، وكان بالفعل صيادا ماهرا لافكار لوحاته التى تتميز بالعمق والحيوية والجرأة .. ويتميز فنه كما يقول كاتبنا الكبير محمد العزبى بأنه سلاح وموقف وله رؤية مستقبلية كثيرا ما تتحقق.
- وقال عنه الأديب خيرى شلبى :` طوغان أشبه ما يكون بصقر حاد البصر، يحلق فى الأفق وينقض مباشرة على البؤر الموجعة فى جسم الواقع ، ينشب مخالبه ` ريشته ` التى تخرج لنا رؤية سياسية عميقة كاشفة توجع الضمائر النائمة `.
- فنان صنعته الالام
- طوغان لم يكتف برسومه الساخرة واللاذعة وكانت له من خلال حواراته الصحفية أراء جريئة فى الشخصيات السياسية والعامة .. وقال عن عبد الناصر أنه زعيم عملاق ، والسادات داهية سياسية ، ومبارك تسلل لحكم مصر .. وكان من أشد مؤيدى ثورة 25 يناير وقال عنها : أنها فرصة كى تستعيد مصر نفسها.
- فى أكتوبر الماضى وعندما كان طوغان يعانى من آلام المرض فى مستشفى المعادى العسكرى تنفيذا لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسى ، أصدرت الدار المصرية اللبنانية كتابه` سيرة فنان صنعته الالام ` وحرره احمد كمال زكى واستعرض خلاله طوغان تجربته مع الفن والسياسة والحياة وتضمن الكتاب المقدمة التى كتبها الكاتب الراحل خيرى شلبى عن طوغان ومذكراته واكد انها ليست مذكرات صحفى رسام حقق شهرة مدوية انما هى فصول من تاريخنا المعاصر غير أنه التاريخ الحى والتاريخ المخبودء فى كواليس استدرجنا إليها طوغان ليرينا مالم نكن نعرفه عن شخصيات عايشناها وتتلمذنا على أيديها وتأثرنا بها .
- رحم الله الفنان النبيل والانسان الرائع .. أحمد طوغان.
بقلم : مصطفى غزال
جريدة الجمهورية 13-11-2014
الزمن الجميل فى معرض طوغان
- فى أحدث معرض للوحاته .. يجدد فنان الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان فى أسلوبه الفنى فيمزج بين التصوير والكاريكاتير وفن البورتريه فى لوحات بديعة تلتقط أكثر المشاهد تأثيرا فى حياة مواطنينا .
- لوحات يرسمها طوغان ويسميها ` ذكريات ` ولكنها الأبقى فى نسخ الحياة الإنسانية بل والأكثر التصاقا بالمجتمع المصرى .
- مشاهد من حياة مجتمعنا تصورها ريشة الفنان لتكون خير سجل فنى لعادات وتقاليد ومشاهد جرت بها سُنن الحياة اليومية للمصريين منذ أربعينيات القرن الماضى .. وأغلب الظن أنها أصبحت الآن جزءا حميما من الماضى ولكنها أيضا ًظلت أطياف خيال مقيم لأيام خوال قد نسميها الحنين، وقد نسميها ذكريات الزمان الجميل ، وهى وإن مضت فلا تزال بحلوها ومرها تشير إلى ذلك التكوين الخاص للمصريين ، والذى شكل مزاجهم وحنينهم وأيامهم الحلوة، ذلك التكوين الذى يمتزج فيه الفرح بالدمع، والضحك بالخوف من البكاء، وخشية ما يأتى به الغد من تصاريف القدر، وما يأتى به المأمول من مجهول !
- فى عشق الحياة والبشر
- إن معرض طوغان الجديد ` ذكريات ` هو ذلك الحنين على الحنين، هو جهد الصبابة الذى وصفه المتنبى فقال :
- ` أرق على أرق ومثلى يأرق
- وجوى يزيد وعبرة تترقرق
- جهد الصبابة أن تكون كما أرى
- عين مسهدة وقلب يخفق `
- ..` ذكريات ` طوغان فى لوحاته البديعة رسمها فؤاده الشيق الذى أحب الناس، وعشق الحياة فأرهفت السمع لوقع ريشته وهو يسجل مشاهد تاريخيه من حياة المصريين .
- أسرار من حياة القرية المصرية :
- لوحاته ناطقة بأسرار الحياة فى الريف، أجران القمح ، وأبراج الحمام، وشواشى النخل، ملابس الفلاحات بألوانها البهيجة التفاصيل : الكردان، والحلق الطارة ، والحلق المخروطة، زغرودة العرس، جهاز العروسة المحمول على عربة يجرها الحصان تتقدمها النساء بالزغاريد، صندوق العروسة بقفله المختوم ، والسرير أبو عمدان، والمراتب المنفوشة، واللحاف المنجد بالساتان الأحمر، الصبايا فرحات يخطرن على أبواب دار العروس حيث تكاد تسمع أصداء أغنياتهن.
مع لوحات طوغان تستعيد ذكرياتك وفرحك الخاص، تستدعى مخزونك من الذكريات .. تكسر لوحاته الإبهام فتجد نفسك وسط الجموع داخل اللوحة لا خارجها ،و` أنت ونصيبك`! فقد تجد نفسك راقصا فى زفة أو عازفاً على طبلة أو سابحا فى أنة ناى أو صارخا من لهفة على رنة خلخال!
- تسمع صوت العصا على العصا، نقرات وضربات الرجال فى رقصة التحطيب .. هناك حيث تسمع وترى .
- فى لوحته ` زفة المطاهر` تسمع صلصلة الآلات النحاسية، يهزك إيقاع المشهد وتسمع زغاريد النساء، يستوقفك وجه حلاق الصحة ومشطه فى جيبه، بحقيبته المشهورة وقد أنهى مهمته فى طهور الصبى.
- وفى لوحته ` القيلولة` تستمتع بهدأة العصارى .. بصوت الأرغول .. باتكاء الظهر على الجذر حيث الشجر أم وأب.
- وفى لوحته ` العمدة ` تبدو مظاهر السلطة والنفوذ ، السيارة السوداء أمامها الخفير بالبالطو الأصفر والبندقية والطربوش، والعمدة فى مروره بسكان القرية يعرضون شكاياتهم وهو على حصانه الأبيض المطهم بقطيفة حمراء ،يد الخفير وقد أمسكت بلص وابور الجاز! ويد العمدة ممسكة بزمام الحصان الذى وقف مطهما ومشدودا وكأنه يقول :
- تمام يا عمدة !
- العمدة فى لوحات طوغان يمضى مهيبا مرهوب الجانب، رمزا للسلطة والنفوذ يخايلك شخصه بالأسئلة ، أكثر من عمدة عرفناه من خلال الفن، العمدة فى فيلم
` الزوجة الثانية ` مفترى يقول :` الدفاتر دفاترنا ` `وفيه واحد يقول لحضرة العمدة لأ ` ؟! .. وفى بعض الأغنيات يسمع العمدة الشكايات ولكن بأذن من طين وأخرى من عجين ، يبدى من الجد عكس ما يبطن من الهزل خاصة إذا ما اتصل الأمر بالغزل وشئون النساء مع الرجال ومن ذلك ما جرى على لسان المغنية والمغنى:
- ` يا حضرة العمدة ابنك حميدة حدفنى بالسفندية ! - إهى !
- وقعت على صدرى ضحكوا على زملاته الأفندية !
- إهى !
- يرضيك ياعمدة ؟
- فيه إيه ؟ .. جرى إيه.. عمل إيه ؟!
- علشان ابن عمدة يعمل كده كده فيا ؟!
- لا..لا..لا`!
- ولكن العمدة الذى يتكرر فى أكثر من لوحة من لوحات طوغان وقور يقوم بدوره المطلوب من ضبط وربط وحفظ للأمن والنظام، ومن حيث لا تحتسب تتفجر صورك الذهنية عن شخصية العمدة، تحاورك فتأخذك معها لتأمل عمق اللوحة فتثيرما تثير من الذكريات، وتستدعى مخزون المشاعر فتتداعى الصور فى جدال المرسوم مع المخزون، وفى صراع البصر والبصيرة .
- مقاهى المدينة
- وكما صور طوغان مشاهد من القرية المصرية بأبرز ما فيها ومن فيها يصور المدينة بأسواقها ومقاهيها ، بنسائها ورجالها تكاد أن تتحدث إليهم وتنصت لشجوهم ..لضحكهم .. لنكاتهم.. يصاعد دخان النار جيله فتقول : شيشة عجمى !
- يصاعد بخار الشاى الساخن فتصفق : واحد شاى وصلحه !
- تشم رائحة البن فتقول :
- خليها على الريحة !
- تمر صاحبة ملاية لف فتتذكر لوعة ` ياسين ` أمام القوام السمهرى فى ثلاثية نجيب محفوظ ، وصيحة ياسين الشهيرة :
- أحبك ياأبيض !
- وقد ينتابك تفكير عميق يستدعى بنات بحرى من لوحات محمود سعيد ، بنات بحرى بأعينهن المكحولة الواسعة تحادثك العيون فتقول : ` من بحرى وبنحبوه`!
- ثم لا تلبث أن تبتسم وأنت تطيل النظر فى اللوحة.. رجل ما على المقهى يسكب فنجانه على ملابسه رغما عنه وهو ينظر إلى فاتنة الملاية اللف فتضحك من قلبك بينما يغنى كل رائح وغاد على ليلاه، بائع الترمس يغنى لحلبته وحبات ترمس وفول ،وبائع الكتب ينادى على كتبه، وهناك ضجة المقهى ونداءات يتردد صداها فى جنبات اللوحة لعلك تسمعها وتجاوبها فيتردد صوت النادل :
- أيوة جاى !
- ليالى ثومة :
- كما صورت لوحات طوغان مشهدا مهما من الحياة الفنية المصرية ` ليلات غناء أم كلثوم`، حيث كان يجتمع الجيران وجيران الجيران على صوت ثومة ، على نغمات الجرامفون فتكاد تسمعهم يقولون :
- عظمة على عظمة يا ست !
- فتجلس مع الجالسين، وتنشد مع العاشقين:
-` أهل الهوى ياليل فاتوا مضاجعهم
- واتجمعوا ياليل .. صحبة وأنا معهم` .
- .. مع الناس وبالناس يزدهر فن طوغان يتجدد، وطوغان الذى تعد رسومه سجلاً حيا مواكبا لتاريخ المجتمع المصرى وحراكه الاجتماعى والثقافى والسياسى هو أول من رسم الكاريكاتير يوميا فى الصحافة المصرية وظل يرسم بدون انقطاع ما يزيد على الستين عاما حتى أصبح ملمحا رئيسيا فى الصحافة المصرية، وإذا كان طوغان قد أرخ فى معرضه الجديد ` ذكريات ` للحياة المصرية فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى فإنه يخطط لتسجيل ديوان الحياة المصرية منذ الستينيات والسبعينيات وحتى الآن ..، وهو يقول: ` دائما هناك أشياء ولوحات لم أرسمها `.
- ثم يضيف :` أجمل اللوحات هى التى لم نرسمها بعد `.
- فأقول : ` ونحن فى الانتظار فأجمل الكلمات لم نكتبها بعد `.
بقلم : د. عزة بدر
مجلة صباح الخير 25-5-2010
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث