الحياة .. الحب .. الموت
- نهى طوبيا (1953 )
- بين أيدينا إبداع فنانة لم يسبق لها أن دخلت دائرة الضوء. نهى طوبيا لفتت أعمالها أنظار الزائرين لمعرضها عام 1983 فى قاعة جوتة بغرابتها ورهبتها . لا تتحدد هويتها كرسامة أو نحاتة أو حفارة . لا تنخرط فى أى من هذه المجالات الكلاسيكية . قد ترسم وتلون بالزيت فى واقعية واقتدار. أو تصب قوالب ليديها فى حركات متعددة متغايرة التعبير . تستخرج منها وتلون تماثيل الجص والبولستير أو تجمع هذا وذاك مع عناصر سابقة التصنيع كالقماش والمشابك وحبل الغسيل وسيور الجلد وأجزاء الخشب.
- كما يحدث فى جميع مجسماتها التى بدأتها سنة 1980 . فجأة.. تترك كل هذا لتعيش فى عالم الصور الفوتوغرافية الملونة تقصها من المجلات وتعيد صياغتها فى لوحات ` كولاج . تزاوج بين القيم الفنية الرفيعة والمضامين الإنسانية المثيرة للفكر والفلسفة. تتكلم لغة العصر من حيث المفردات .وتعبر عن مفاهيم العصر: الحياة .. الحب .. الموت. لا تخجل من الحب. لا تفزع من الموت . تدرك بأن عليها الكثير لتفعله من أجل الحياة قبل أن ترحل عنها. لا نجد لها عملاً لا يحملق من ثناياه الموت بعيونه الباردة.
- المدخل المناسب لعالم نهى طوبيا يكمن فى العبارات الرائعة التى وضعها عالم النفس: آريتى سيلفانو.أوضح أن` الإبداع حصيلة التوافق بين مستويين من التفكير البدائى` وقوامه الرموز والصور التى تسبق مرحلة اتفكير باللغة، ويتسم بالشذوذ عن المنطق وخلوه من الرموز التواصلية.
- وقوامه الرموز اللفظية والموسيقية والرياضية المتضمنة صفة التواصل والمنطق. هذا التوافق يمنح رؤية تعتمد على الحدس أو المعرفة الوجدانية المركبة` هنا .. يظهر نسق جديد من العلاقات. تقاس قيمته بقدر ما يوسع من نطاق المنطق الإنسانى الواعى. وما يضيفه من المنقوليات القابلة للوعى. ` رؤية ذاتية تصل فى نتائجها إلى حقائق موضوعية .
- لم يكن ثمة ما يوحى بأن الطفلة ` نهى ` تضم جوانحها على موهبة ما . ولدت بالجيزة وترعرت فى السويس. نزحت فى عام النكسة إلى القاهرة تستكمل دراستها الثانوية فى المدرسة الإنجليزية لم يلفت النظر شئ فنى فى سلوكها سوى أنها فى سن العاشرة نقلت بالرسم صورة طائر بسرعة ومهارة . وعثرت على قطعة حجر، نحتت فيها بمنشار حقنة وجه رجل . فيما خلا هاتين الواقعتين البسيطتين، شبت فتاة عادية تختلف إلى المدرسة بإنتظام .. لا تميل للأستذكار ضعيفة فى الرياضيات رغم حصولها على الثانوية العامة تخصص علمى. يوم واحد بكلية البنات .. وثلاثة شهور بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة ... تم تحولت إلى قسم التصوير - أى الرسم الملون. بعد خمس سنوات هادئة أجتازتها فى جد واجتهاد، كان عليها أن تقدم ما يسمى `مشروع البكالوريوس` لوحة كبيرة مشفوعة بعدد من التخطيطات والدراسات التحضيرية من حسن الطالع أن` الموضوع` كان حراً تختاره كما تشاء.
- كانت تلك الحرية بداية موار طويل من الإبداع والفكر والفلسفة وأساليب الصياغة . كشفت عن براعة الأداء وإنسانية المضمون وبسمة الشخصية الجذابة التى تكمن فى أنامل فنانتنا الشابة . الأمر الذى أسبغ على مشروعها طابعاً خاصاً. الدراسات التحضيرية للأقمشة والحبال والخيوط والشرائط تذكرنا بدقة ` السوبر رياليزم` مع أنها لم تستعن بالكاميرا. جلست الساعات بعد الساعات على شاطئ النهر فى قرية المنيب جنوب الجيزة تأملت ورسمت الأشرعة المطوية للمراكب الراسية أعمدة الصوارى وقد أمست أفقية. تندثر بالقلوع والحبال كأنها مومياوات. أتقنت رسم طيات القماش وتكويناتها الغريبة مع الأخشاب. أفرغت فيها أوهامها وخيالاتها وكوابيسها . أسبغت عليها معانى جديدة هى صاحبتها. ضاعت للأسف اللوحة الرئيسية فى أروقة الكلية. لم يبقى سوى التخطيطات والدراسات ولكن .. ما هو الموضوع ؟
-` النساجون ` هذا هو الموضوع الذى دارت حوله لوحات المشروع كانت فى شارع الغورية ذات صباح تتأمل المبانى المملوكية العتيقة والمحلات الشعبية. تكاد تغطى واجهاتها المعلقات من الأقمشة ولعب الأطفال ومختلف الطرف . تسمرت فجأة أمام دكان صغير يضم حيزة الضيق قلة من الرجال والأطفال. أنوال صغيرة ينسجون ينسجون عليها شرائط يستخدمها الخياطون فى تزيين الأقمشة بأنواعها. بعيونها الداخلية وعقلها البدائى - كما يقول` سيلفانو` شاهدت الرجال والأطفال ينسجون أكفانهم ألا يفدون إلى هذه الدكاكين صغاراً فلا يغادرونها إلا إلى القبر؟ هكذا كل إنسان يقضى عمره فى عمل روتينى واحد لا إبداع فيه` مضمون إنسانى` يصلح لك زمان ومكان. عبرت عنه بأسلوب سيريالى مفعم بالغرابة والرهبة .. وبراعة الأداء.
- السيريالية هى المدخل الثانى لعالم` نهى طوبيا` ظهرت بوادرها سنة 1919 على أيدى شعراء ثلاثة يتزعمهم ` أندريه بريتون` الذى أعلنها رسمياً سنة 1924 فى بيان قال فيه:` إن الصور السيريالية تفجر ينابيع الأحلام المتحررة من أصنام التقاليد الإجتماعية و`الأخلاقية`. إستمد أفكاره من مراقبة عيادات التحليل النفسى أثناء الحرب العالمية الأولى.أما الرسام الشهير` ماكس أرنست` فيقول:` العمل الذى يتصف بالسيريالية ينبغى أن يتخلى عن كل أثر للوعى والأنضباط المنطقى والمجاملة والإرادة `. تستهدف السيريالية إيجاد علاقات جديدة بين الأشياء. من خلال اقتحام الحياة اللامنطقية اللاعقلانية اللاواعية .. اللانظام والتلقائية. الفن هنا طريق للمعرفة وليس مجرد متعة، ثار السيرياليون على وسائل التعبير التقليدية فاستخدموا` الكولاج` بدلاً من الألوان والقماش. مستهدفين جمع العناصر المتنافرة فى أماكن غير متوقعة تتخذ معانى جديدة تمنح المتلقى إحساساً بالتوقعات المجهولة، وإثارة فى مواجهة الألغاز والأحجيات. كما تتيح للفنان الكشف عن انطباعات غامضة مشحونة بالأسرار.
- من هنا يسقط الضوء على عالم فنانتنا الشابة التى تطالعنا بكل غريب وموحش فى تشكيلات ` الكولاج ` التى تتناول مضامين إنسانية تلمس الفكر والوجدان معاً كذلك الخامات التى تجمعها فى` مجسمات` دراماتيكية للغاية.هذه الخامات والعناصر يسمونها فى المراجع الفنية:` الأشياء السريالية`. أما فى لوحاتها الزيتية، فتضع فى تكوينها عادة شكل مرآة السيارة الأمامية رمزاً للعقل الباطن أوالأفكار السرية التى لا يعلنها الإنسان عادة فى لوحة` الراهبة` نرى سيدة برداء دينى أمسكت بيديها مرآة سيارة، يظهر فيها صدر عار فى وقار حقاً نذرت نفسها للسماء لكنها بشر تحس بما تحس به النساء، هذا هو` المضمون`.
- حين أتجهت إلى` التجسيد` أرادت أن تجسد خيالها إلى حد اللمس أرادت للأيدى أن تبرز على سطح اللوحة ذى البعدين حل`ميزان ` هذه المشكلة بالنظم اللونية ` دافنشى` حلها بالـ ` سفوماتو` - أى الرسم الذى يشبه الدخان - ` ميكلاسيلانجو` حلها بالـ` كياروسكورو` - أى التظليل المتباين.` نهى` وضعت الأيدى والأقدام نفسها. صنعت القوالب على الأطراف الحية واستخرجت تماثيل الجص والبولستير كما كان يفعل النحاتون فى فرنسا فى نهاية القرن التاسع عشر. لكن الذى ينأى بفنانتنا عن هذه الواقعية المفرطة المتدنية، أنها تضع الأطراف بشكل رمزى تعبيرى غير واقعى. يلعب العنصر دوراً جزئياً داخل` الكل المجسم`.لا ينبغى أن ننظر إلى الأيدى والأقدام على أنها نحت بل نعتبرها عناصر سابقة التجهيز كالقماش والسيور. المهم هو مضمون الشكل العام والعلاقات الجديدة بين حركات الأصابع والأيدى والعناصر الأخرى .. ربما لا تثيرنا اليد وحدها من الناحية الفنية.كما تثيرنا يد` رودان` الخالقة المنبثقة من الأرض لكنها تثيرنا بوصفها نغمة واحدة ضمن أوركسترا كامل .
- مجسم ` النائحة ` - 70 ×100 سم - 1981 . مؤلف من قماش أسود وتسع أيد نسائية من البوليستر. حركة كل منها تعكس تعبيراً مختلفاً تصرخ أحيانا. تبكى. تولول. تنوح . تهدهد. تواسى. تتشنج. تفرغ شحنتها الأنفعالية فى شد القماش كما تفعل النساء الشعبيات خلف الجسمان مساحة القماش الأسود تزيد الأمر مأساوية ودراماتيكية. لا رأس ولا جسد وأقدام للنائحة المفترضة . لكن المتلقى يحسها ويكاد يراها . كل الأيدى تنتمى لها تعبر عن مشاعرها المتفاوتة . علاقات مبتكرة وأوضاع لا منطقية تكون لدى المتلقى `معقولية` جديدة. من خلال تجواله بعينيه فى التفاصيل وتأويله للتكوين برمته لا يفوت الفنانة أن تثبت القماش بطبقة قوية من المواد اللاصقة، ، حتى تحفظ الطيات التى تؤدى دورها التعبيرى داخل المجسم.
- مجسم` جسم واحد` - 60 ×100 سم - 1982 . الخامات: عناصر جاهزة مؤلف من مشبكين وحبل غسيل وقطعة قماش سواء عناصر مصبوغة على أطراف حية وهى: يد وقدم إمرأة ويد وقدم رجل بالإضافة إلى ألوان الزيت لرسم خلفية التشكيل` أشياء سيريالية` المجسم يوحى بأن ثمة رداء منثوراً على الحبل يخفى شيئاً غريباً رجل وإمرأة فى جسد واحد . فى أدنى الوحة يبرز قدم رجل وقدم إمرأة وفى الوسط خلال القماش الأسود، تظهر يدان لرجل وإمرأة يتلامسان فى حنان. تشكيل مثير غامش طريف. يعكس على المتلقى فكرة أن الحياة رحلة رجل وإمرأة فى مهب الريح.
- للسريالية تاريخ فى حركتنا التشكيلية يرجع إلى عام 1936 الزمن الذى تأسست فيه ` جماعة الفن والحرية ` ومن أبرز روادها ` كامل التلمسانى`. آخرون مروا بها كمرحلة: فؤاد كامل وإنجى أفلاطون بعدهما حامد ندا وسامى على. وعبد الهادى الجزار أشهر الجميع لفرط مصريته وشعبيته قبل أن ينجرف إلى التجريد فى أخريات أيامه . أما الآن فيمثلها بجدارة الرسام محمد رياض رغم قلة إنتاجه.
- لم تتأثر ` نهى` بأى من هؤلاء . ولت وجهها نحو الجذور الأوروبية ` جيورجيودى كيريكو ` أول من أقتحم الميدان من التشكيليين` رينيه ماجريت` البلجيكى جمع فى أسلوبه بين الواقعية والشاعرية وأعتبر الرسم طريقاً للمعرفة وتحرير الفكر خلق جواً غريباً غامضاً من العناصر المتناقضة المتنافرة . نلاحظه فى لوحته المسماة: `خطوات الصيف` وفى لوحة ` نهى طوبيا` بعنوان: للذكرى. أبدعتها سنة 1977. تكوين درامى بدرجات الأصفر تتوسطه قطة سوداء. على يسارها كائن إنسانى تعس يتسربل بخرق كالاكفان ، على اليمين كائن آخر يتربص للآنقضاض. ولا فارق بين لوحاتها الزيتية وتكوينات ` الكولاج ` من حيث المعالجة السيريالية وتوزيع العناصر واضعين فى الأعتبار أن الفنان يؤقلم نفسه ويعايش خامته ويقبل تحدياتها ويوائم بين تطلعاته وطبيعتها.
- ربما نجد علاقة بين تركيز ` نهى` على التعبير بصور الأيدى، لوحة ` الأيدى` إلى أبدعها السيريالى الكبير` بول ديلفو` سنة 1941، ولد سنة 1897 وتأثر بكل من` دى كيريكو` و ` ماجريت`.أعتبر الواقع من حوله مجرد إطار لأحلامه. صور نمطاً معيناً من العاريات أو المتشحات بالأربطة وأوراق الشجر. خلط الشكل الإنسانى بالمكان بغرابة . إعتقد بحرية المرء فى الإستجابة لعقله الباطن. الأيدى الأربع التى رسمها فى لوحته على درجة عالية من التعبير الرمزى تعبير متزن مهذب عن الحياة والحب.إستلهام` نهى` للسيرياليين الكبار وأضافتها الأصلية الصادقة، أتاحاً لها أبداع `الكولاج` بطلاقة . مدركة أن الفن ينبغى أن ينطوى على مضمون إنسانى يكافئ براعة الأداء. لم تقرأ الفلسفة فى الكتب بل لوحات عمالقة السيرياليين وفى طليعتهم ` سلفادور دالى` . فجاءت لوحاتها موحية حافلة بالأفكار.
- أحيانا تبحث لفكرتها أو مضمونها عن صور فوتوغرافية مناسبة وأحياناً يبزغ الخاطر الفنى كالشهاب فى أفق وجدانها. أثناء إستكشافها للأرشيف أو المجلات الجديدة . تكون الفكرة حينئذ كامنة فى قاع نفسها، تنطق فور العثور غلى جزء مناسب فى صورة ما تعبيرها الأساسى قوامه : الأيدى والأقمشة والأقنعة، وشكل البيضة كرمز للخصوبة. الأفق أيضا الذي يفصل السماء عن الأرض. عناصر تبدو قليلة القيمة فى مكانها الأصلى لا تكاد ` نهى ` تستخدمها حتى يتجسد المعنى الدراماتيكى المأسوى .. تتبلور القيم الفنية الرفيعة التى تحبس الأنفاس. تكوين بسيط منظور دقيق. أداء رشيق مبهر تناسق كامل بين العناصر وتعبيرات الأيدى وطيات القماش. موهبة من نوع جديد. سرعة اختيار الصور بنظرة خاطفة مع الأحتفاظ فى الذاكرة بما لم تستخدمه منها، إذا راودها خاطر فنى جديد، نشطت ذاكرتها ` الكومبيوترية ` ودلتها على موضوع الصور المطلوبة من الأرشيف أو المجلات أو عند محل صور الكارت بوستال الذى مرت به صدفة منذ عام! وقد تستثمر مجسماتها فتصور بعض تفاصيلها. ربما تحتضن ( الفكرة ) أسبوعاً أو شهراً أو عاماً بطوله .. لكن .. حين يتبلور` الخاطر` لا يستغرق أختيار الصور الفوتوغرافية سوى بضع دقائق .. ثم يبدأ العمل إلى يوم كامل . قد تضيف أو تحذف بعد شهور. كما حدث مع لوحة ` الحرية المكبلة ` صورة حصان أبيض قوي بلا رأس . تقبض على ساقيه يدان فتيتان . من خلفه سماء فسيحة ومن تحته الجزء العلوى من تمثال الحرية الأمريكى .. كان التمثال كاملاً فى أول تشكيل للوحة مع تغيير إحدي العينين بأخرى مقتبسة من صورة سيدة تبكى. حالات نادرة التى تعيد فيها ` نهى` النظر فى إبداعها . السر فى حيوية كولاجاتها يكمن فى براعتها الفائقة التى تمكنها من الأسقاط الفورى لخيالها وأفكارها تستخدم المقص والصمغ والورق والصور الفوتوغرافية ، كما يستخدم الرسام الماهر ألوان الزيت أو الماء أ والباستل . لذلك رفضت نصيحة بعض زملائها بأن تنقل كولاجاتها إلى لوحات زيتية. حينئذ تفقد` الحيوية والنضارة ` الناجمين عن` الاسقاط الفورى` ورنة الصدق الكامنة في التعبير المباشر.
- الكولاج ` عندها له طعم خاص. يتغير كل شئ لو نقل إلى القماش بألوان الزيت المضمون الساخن، المساحة المناسبة لحجم العناصر، درجة اللون، نوعية الملامس، الطابع الواقعى المفرط ،التركيب الشاعرى اللآمنطقى الدرامى . كل ذلك يشكل وحدة من المستحيل تكرارها على القماش بدل الورق وفرشاة الزيت بدل الكاميرا .
- لوحة كولاج من معرضها سنة 1983 إنسان بلا رأس ملفوف بقميص المجانين رمزاً للإدانة، مشطوب بخطين متعاكسين إشارة للرفض. دعنا نسميها ` المنبوذ` لأن الفنانة لا تسمى لوحاتها تفضل التحدث مباشرة بلغة الرمز والكتابة والإشارة وضعت قناعاً مكان الرأس لتقول` إن الحياة ذات وجهين` . ` الإنسان المزيف مرفوض ` تفاصيل كثيرة كلها رموز ذات طابع سحرى تصوفى أسطورى. شخصيات غريبة مذبذبة أبطال القصص القديمة وحكايات الجن وأحلام المرضى النفسيين. كئوس أجنة، أقنعة ، أنصاف وجوه نساء ورجال وأطفال فى تشكيلات لا منطقية رهيبة . ملاحم شعرية رمزية أسطورية . لاتبارح ذاكرة المتلقى بيسر ، المقابل التشكيلى للشعر الحديث صياغة جيدة للشعر الأوتوماتيكى الذي كان يقرضه الداديون فى` كبارية فولتير` فى مدينة زيورخ سنة 1916، صور متنافرة فى تشكيلات مناسبة تكشف عن منطق جديد للعلاقات. تدفع المتلقى إلى التفكير فى نفسه وفى الدنيا والآخرة . حياته وحياة الناس . يعيد النظر فى سلوكه. الحياة والموت. المسألة التى يتهرب كل الناس من مواجهتها حتى تقهرهم بغتة. هدف جيد للفن وضعته ` نهى` نصب عينيها شأن كبار الفنانين تعبر فى نفس الوقت عن نفسها بصدق وأمانة. ` فالعمل الفنى يعبر قبل كل شئ عن الآنا العميقة : الآنا السرية اللآشعورية التى تتكون من مجموعة من الذكريات والإنطباعات والإندفاعات. والصور التى تفلت منا ولا نحس بها وتقودنا دون أن نعلم` .
- إذا كان الرسام يفكر بالخطوط والألوان والنحات بالحجر والخشب والرخام والكاتب والشاعر بالكلمات .. فإن ` نهى طوبيا ` تفكر بالصور الفوتوغرافية والكولاج لا تضع الفكرة أولاً ثم تلبسها ثوباً من الصور يبدو هذا فى طلاقة إبداعها وطرافته ونضارته الواضحة .` الكولاج` لا يقيد حريتها الإبداعية بوضعها أمام إختيارات محددة .. كل خامة لها شروط يرتضيها الفنان ويتحرك في قيودها بمتعة مستنفرا خياله ومواهبه. كالشاعر حين يختار الوزن والقافية طريقاً لتجسيد الخيال وبلاغة التعبير وقوة التأثير.
- بالرغم من إحساسنا بشخصية ` نهى` موحدة فى جميع إبداعها سواء ` المجسمات` أو` الزيتيات` أو` الكولاج` نتذوق طعماً مختلفاً مع كل أسلوب. تهتز مشاعرنا بطرق متباينة كأننا ننصت إلى لحن واحد بآلات وتوزيعات مختلفة .. . يدور حول الحياة .. والحب .. والموت.
بقلم : الناقد د. /مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير - الجزء الثانى