`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عبد الهادى الوشاحى

- يرى الناقد الأسبانى (راؤل شقارى فيرى ) أن أعمال الوشاحى بكتلها الصرحية تشكل بلاغة وعضوية ومعمارية وكونية مثل أجزاء فى النحت المصرى القديم .
- وأحيانا تتسم أعماله بالدائرية فى تناغم وفخامة النحت الإغريقى .
- كما يمكن القول بأن الفنون التعبيرية لحضارة قديمة لبلد ماتتشكل من خلال الوشاحى فى اعمال غاية فى الحداثة بكل أبعادها مؤكدة عالميتها .
الناقد الأسبانى / راؤل شقارى فيرى

هل تعلم أن الوشاحى أول مصرى قدم البرفورمانس؟
- يعرف متابعي الحركة الفنية المصرية الفنان عبد الهادي الوشاحي ( 1936) بوصفه نحاتا مبدعا، وأستاذا للنحت بكليات الفنون الجميلة بالإسكندرية والقاهرة، لكن الذي لا يعرفه كثيرون أنه كان أول مصري يجرؤ علي تقديم البرفورمانس. وترجع عدم المعرفة لسببين، أولا: لقصور في تسجيل الأحداث الفنية لدينا وقت حدوثها، وهي عادة ما زالت تحدث عندنا، وعلينا التخلص منها، وثانيا : أن الفنان الوشاحي بطبيعته يتحرج تواضعا من إحاطة نفسه بترويج دعائي لما يقوم به.
- لم يتحدث الفنان الوشاحي في وسائل الإعلام من قبل عن البرفورمانس الذي قدمه عام 1980، والذي لا يعلم عنه سوي القلة من الفنانين، فلما تناهي إلي علمي ذلك الأمر وأكد لي صديقي الفنان عصمت داوستاشي أنه سمع به أيضا لكنه ليس متيقنا من صحته، لذا قررت قطع الشك باليقين، فقابلت الفنان الوشاحي وبادرته بالسؤال عن صحة ما سمعته، فأكد أنه قدم برفورمانس بالفعل في بينالي فينيسيا، ولولا سؤالي لظل محتفظا بذكري واقعة البرفورمانس وملابساته لنفسه، دون إعلانها.
- ذكر الفنان الوشاحي أن حلم السفر إلي الخارج، للاستزادة علما وفنا، ظل يداعبه بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم النحت عام 1963 ، إلي أن تحقق الحلم مع أولي رحلاته لأوروبا عام 1965، ومن وقتها تكررت زياراته لها، وامتدت فترات إقامته في كل من ايطاليا وأسبانيا إلي أن حصل علي درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1978، وعاد بعدها للقاهرة حاملا معه خبرة مستفيضة، ودراية واعية بمجريات الحركة الفنية العالمية، والتطورات التي ألمت بها.
- دُعِي الفنان الوشاحي للاشتراك في الجناح المصري ببينالي فينيسيا عام 1980، ضمن مجموعة من الفنانين كان منهم الفنان حامد ندا، والفنانة منحة الله حلمي، والفنان عمر النجدي الذي رأس المجموعة بوصفه قوميسير الجناح. وذكر الوشاحي أن الدعوة وصلتهم قبل موعد الافتتاح بشهرين، فلم يكن هناك وقت كاف لانجاز عمل جديد، لذا قدم تمثالا كان جاهزا لديه يعبر فيه عن الإنسان المقهور كما تخيله في القرن الحادي والعشرين (التمثال مقام حاليا في ساحة المدخل الرئيسي لدار الأوبرا المصرية بالجزيرة)، ولكن الوشاحي الذي كان الحماس يتقد بداخله، لم يكن مقتنعا باختصار اشتراكه بتمثال واحد فقط، واختمرت في ذهنه فكرة تقديم عمله في جملة متكاملة تتلاءم وتتمشي مع التطورات الحداثية وقتها.
- أضمر الوشاحي نيته تقديم برفورمانس، ولم يخبر أحدا بتلك النية، وعقد العزم علي مفاجأة الجميع، فشرع علي الفور بتصنيع وتجهيز معدات العرض بالقاهرة علي نفقته الخاصة، وحزمها في اربطه حملها ( وزنا زائدا مصحوبا) معه علي الطائرة إلي ايطاليا.
- وسيدرك القارئ مدي صعوبة ومشقة إعداد مستلزمات العرض، إذا ما علمنا أنه اشتمل علي قفص ليس له مخرج هيكله من الألمونيوم ( طول 2 متر، عرض 1 متر ارتفاع 1 متر)، وقضبانه مواسير بلاستكية داكنة اللون. لقد أخذ الفنان كل تلك المكونات مفككة، وقام بتجميعها داخل الجناح المصري. ووضع داخل القفص كرسيا ليجلس عليه وبجواره منضدتين علي هيئة مكعبين من الزجاج، رص عليهما بضعة أشياء مما يحتاجها الإنسان العصري ( معجون أسنان، فرشاة أسنان، آله حاسبة، تليفون أحمر، دفتر شيكات، ماكينة حلاقة، كولونيا، كتب ومجلدات، نسخة من الجرائد اليومية التي تصدر خلال أيام العرض، ومجلات بلغات مختلفة، قنينة نبيذ، كأس) كما عرض داخل القفص لافتات كتبت باللغات العربية والايطالية والاسبانية والانجليزية نصت عباراتها علي الآتي ` ممنوع الدخول`، ` ممنوع الانتظار`، ` ممنوع الخروج`.
- جلس الفنان داخل القفص، ومعه الأشياء التي ذكرناها، وحرص علي بث شريطا مسجلا لسيمفونية البطولة (ارويكا) لبتهوفن مصاحبة للعرض، وبحيث تتداخل مع السيمفونية بالتبادل أصوات مسجلة من الشارع المصري لضجيج المشاة والسيارات ونداءات الباعة .....، وذلك حتى يحقق الفنان رابطا بين الجانبين المحلي والعالمي.
- وكي تكتمل الصورة وضع الفنان، علي بعد تسعة أمتار من القفص، عمله النحتي الذي صور فيه إنسان القرن الحادي والعشرين المنكسر، وربط رمزيا بين القفص والتمثال ببصمات باللون الأحمر لكفيه وقدميه طبعها علي الأرض بطول المسافة الممتدة بينهما، مما يعطي الانطباع بأن الإنسان إذا مشي علي كفيه وقدميه خارجا من القفص فسيقوده طريقه إلي حالة الضياع والانكسار التي عليها إنسان القرن الحادي العشرين.
- استرعي هذا البرفورمانس انتباه زوار البينالي، وقوبل بتقدير وإعجاب، ونجح في إيصال موقف ووجهة نظر فنان مصري تجاه اعتماد الإنسان المعاصر في حياته اليومية علي مستلزمات المعيشية الجديدة التي استحدثتها التطورات التكنولوجية، وبأنها السبب فيما سيصل إليه الإنسان من حالة انهزامية منكسرة.
- مع استحسان العمل في فينيسيا، إلا أنه لم يشر إليه في مصر، وتم تجاهله كلية، رغم أن ما قدمـــــــه الفنان هو جزء من المشاركة الرسمية لمصر، وللأسف خلت طبعــة كتالوج البينالي الأولي من الإشارة للعمل، ويرجع ذلك في تقديري، لأن الوشاحي فاجــأ الجميع بما قدمه بعد موعد طباعة الكتالوج، الأمر الذي تداركته إدارة البينالي في الطبعـــــة الثانية، فأشير إلي العمل وصورته كذلك.
- وفي تفسير من جانبي أرجح أن من بين أسباب ذلك الصمت والتجاهل، كان خشية القوميسير ومسئولي وزارة الثقافة من تعرضهم لهجوم من التيار التقليدي المحافظ الذي ساد الحركة الفنية في مصر وقتها، ورفض مؤيديه لكل ما هو جديد تحت زعم أنه جهد عبثي، لا يمت إلي الشخصية والأصالة المصرية.
- لقد كان هذا الاستقبال الفاتر - أو قل ذلك الإغفال - سببا في قتل الحماس وتثبيط الهمة، لذلك لم نر أو نسمع عن أعمال برفورمانس أخري للفنان الوشاحي أو غيره من الفنانين. وردا علي سؤالي - لماذا لم يقدم أعمالا أخري من فن البرفورمانس؟ أوضح الفنان الوشاحي أنه أساسا نحات يتعامل مع الكتلة والفراغ، ولذا كرس كل جهده ووقته واهتمامه في هذا الاتجاه، وأن البرفورمانس الوحيد الذي قدمه فرضته ظروف اقتناعه بأنه أنسب الوسائط للتعبير عن وجه نظره وموقفه كمصري تجاه الإنسان وما يجري من حوله من تطورات، ورغبته في تقديم هذا الفكر في قالب يتمشى مع الاتجاه العام للحركة الفنية العالمية وقتها.
- تلك كانت بداية البرفورمانس في مصر، إلي أن ظهر جيل جديد من الفنانين في ظل مناخ أكثر انفتاحا مع تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين فأخذ قلة منهم بأسلوب البرفورمانس وسيلتهم للتعبير الفني البصري، من أبرزهم الفنانتين ريم حسن وعلياء الجريدي ،الفنانة آمال قناوي، الفنان حسام هدهد، والفنانة رشا رجب، وقد ظنت الأجيال المعاصرة أنها الرائدة في مجال البرفورمانس بمصر لعدم درايتها بأن هناك فنانا آخر سبقها كان له السبق والريادة.
- والآن آن الأوان لنكشف عن تلك الصفحة التي غيبت قصدا أو بحسن نية، ونعطي الفنان عبد الهادي الوشاحي ما استحقه من فضل يعود إلي ما قبل حوالي ثلاثون عاما مضت، ونحييه علي حماسه، وجهده، وريادته.
السفير/ يسرى القويضى
القاهرة 13 - 11 - 2010
عبد الهادى الوشاحى من شهيد دنشواى إلى جائزة الدولة التقديرية
- فى عام 1964 أثناء دراستى فن النحت فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية .. دخل مرسمى شاب نحيف يحمل تمثالا كبيرا منحوتاً فى الخشب يمثل شهيد دنشواى ( مشروع تخرجه ) وقدم لى نفسه : عبد الهادى الوشاحى .. معيد جديد من فنون القاهرة .. فأخذته بالأحضان وأصبحنا أصدقاء ومرسمى مرسمه .. كنت أسمع عن الوشاحى .. كان قد حصل على جائزة النحت الأولى من صالون القاهرة عام 1961 قبل تخرجه من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1963 وهو عام حصوله على جائزة النحت الثالثة فى بينالى الاسكندرية لدول البحر المتوسط فى دورته الخامسة عن تمثال ( تفكير ) الذى شاهدته فى البينالى .. تسلم عمله كمعيد فى فنون الاسكندرية التى لم يمكث بها الا قليلا وترك فى أمانتى أعماله وأدواته ليسافر إلى أسبانيا فى بعثته الفنية الشهيرة والثرية بالابداع ( من عام 1965 إلى عام 1978 ) وعندما عاد لمصر زارنى وتسلم كنوزه الفنية.
- صداقة استمرت شهوراً قليلة فى مرسمى بفنون الاسكندرية الذى أطلق عليه ( مرسم المتمردين ) .. ولكنها صداقة استمرت حتى الآن رغم ندرة لقائى به .. فقد عاد من أسبانيا ليستقر فى القاهرة فنانا كبيرا واستاذا لأجيال من نحاتى مصر.
- الوشاحى المتمرد .. الثائر دائما .. أنجز فى النحت المصرى الحديث إضافتين جديدتين نقلوا النحت المصرى من أكاديمية جيل الرواد بقيادة الرائد الاول محمود مختار ونحاتى الجيل الثانى والثالث .. إلى مفاهيم الإبداع فيما يعرف بـ ( بعد الحداثة ) .
- الإضافة الأولى : والاهم هى تحرير التمثال من نقطة ارتكازه التقليدية التى تعتمد إلى حد كبير على سيمترية الكتلة النحتية .. أطلق الوشاحى تماثيله فى الهواء تحتل الفراغ المحيط بها فى عشوائية التمرد الجميلة فتجبرك على الطيران أنت الآخر حولها .. تماثيله معظمها لبشر فى حالات تشنج ومعاناة .. بشر يبحثون عن الحرية .. وبحركة اجسادهم المترنحة هنا وهناك يتحررون .. او هكذا يعتقدون .. لأن الفنان قد جمدهم فى سعيهم هذا للتمرد على التقليدية على وضع الألم والمعانات .. الوشاحى معنى بالانسان ويحول خلاصة وحريته إلى قيم نحتية جمالية .
الإضافة الثانية : انه استطاع كذلك ان يحرر تماثيله من الخامات ( النبيلة ) التقليدية التى تفرض بطبيعتها الثقيلة ( حديد - جرانيت - رخام - برونز - خشب ) على الأعمال المنفذة بها الرسوخ والاستقرار واحيانا كثيرة الجمود .
- والوشاحى نحات أصيل يرفض أن تنفذ أعماله فى خامات غير نبيلة كالجبس أو البوليستر .. قرر أن ينفذ منحوتاته فى خامة نبيلة ورائعة لينة وصلبة فى نفس الوقت وهى ( النحاس ) بأن يشكل تماثيله بالطرق على ألواح النحاس كقطع منفصلة ثم يجمعها معا حول نقطة ارتكاز حرة ليتصاعد التمثال راقصا فى الهواء رقصة الذبح الخالدة .. لقد تعلم الطرق على النحاس من أستاذه الفنان الكبير جمال السجينى الذى كان ابرع من يشكل لوحات مسطحة بارزة من النحاس .. الإضافة الجديدة هى تنفيذ تماثيل مجسمة ومفرغة من الواح النحاس .
وهكذا أضاف عبد الهادى الوشاحى رؤيته الفنية الجديدة والجريئة والمتمردة على بانوراما النحت المصرى المعاصر تاركا بصمة متفردة تخصه وحده ونلاحظها فى أعمال تلامذته اللذين يقلدوه .
- وفى مجال تمرده وتفرده كشف الناقد الفنى الفنان السفير يسرى القويضى فى حوار له مع الوشاحى نشره عام 2010 ريادته فى مجال ابداعى لم تكن مصر تعرفه : الذى لا يعرفه كثيرون أن عبد الهادى الوشاحى كان أول مصرى يجرؤ على تقديم فن - البروفورمانس - وترجع عدم المعرفة لسببين .. أولا : لقصور فى تسجيل الأحداث الفنية لدينا وقت حدوثها .. وثانيا : ان الفنان الوشاحى بطبيعته يتحرج تواضعا من إحاطة نفسه بترويج دعائى لما يقوم به .
- والحكاية أن الوشاحى دعى للاشتراك فى الجناح المصرى ببينالى فينيسيا عام 1980 ضمن مجموعة من فنانى مصر منهم حامد ندا وعمر النجدى ومنحة الله حلمى .. لم يكن الوقت يكفى لعمل نحتى كبير فأضمر الوشاحى أن يقدم بنفسه ( بروفورمانس ) ونفذ احتياجاته بنفسه فى القاهرة وحملها على الطائرة إلى ايطاليا .. لقد صنع قفص متر فى متر بارتفاع مترين من الألومنيوم ومواسير البلاستيك داكنة اللون وجمع القفص داخل الجناح المصرى فى بينالى فينيسيا ووضع كرسيا جلس عليه وأمامه منضدة عليها كتبه وأشيائه الحياتية وأحاط القفص بلافتات ( ممنوع الدخول - ممنوع الانتظار - ممنوع الخروج ) مع تسجيل لأصوات ضجيج الشارع .. وعلى بعد تسعة أمتار وضع تمثاله ( انسان القرن العشرين المنكسر ) وربطه بالقفص ببصمات كفه وقدمه باللون الأحمر.
- عمل ريادى لفنان ثائر مجدد كرمته مصر اخيرا بحصوله على الجائزة التقديرية فى الفنون هذا العام .. له منا كل المحبة والتقدير.
- عبد الهادى الوشاحى ( 76 عاماً ) يعد علامة فارقة بين فنانى النحت المصرى الحديث والمعاصر .
عصمت داوستاشى
جريدة أخبار الأدب - 15 يوليو 2012
عبد الهادى الوشاحى.. التمرد .. التجدد .. التفرد
- يقول الناقد الاسبانى راؤول تشفارى فيرى عن أعمال النحات الكبير عبد الهادى الوشاحى:
- `إن أعمال الوشاحى بكتلها الصرحية تشكل بلاغة عضوية ومعمارية وكونية مثل أجزاء فى النحت المصرى القديم، وأحيانا تتسم أعماله بالدائرية فى تناغم وفخامة النحت الإغريقى ،كما يمكن القول بأن الفنون التعبيرية لحضارة قديمة لبلد ما تتشكل من خلال الوشاحى فى أعمال غاية فى الحداثة بكل أبعادها مؤكدة عالميتها ` .
- وفى الحقيقة إن ما قاله الناقد الإسبانى يحتوى على ثلاثة محاور هامة فى إبداعات فناننا الكبير، حيث ما زال العالم الإنسانى وسيبقى إلى أمد الدهر يزخر بما يملكه من كنوز الفن المصرى القديم وخاصة فن النحت الذى عبر تماما عن فكر تلك الحضارة المبنية على أساس دينى واجتماعى وعلمى، جعل كل حضارات الدنيا القديمة والمعاصرة تقف مزهوة بتلك العبقرية فى التجسيد والتشكيل.. حتى جاء العقد الثانى من القرن العشرين بموهبة إبداعية تجمع بين تلك الحضارة وتطورات العالم الحديث، متمثلة فى النحات الكبير محمود مختار، لتثير الانتباه إلى عبقرية النحت المصرى الحديث..وتوالت الأجيال التى تعاملت مع جميع الإتجاهات والمدارس والخامات المتعددة، مثل الفنانين أحمد عبد الوهاب ( 1932) الذى ربط بين التراث الفرعونى والشعى، والفنان صلاح عبد الكريم ( 1925 - 1988) الذى أحدث ثورة عارمة فى كيفية التعامل مع الخامات كالخردة فى بناء شخوص حية من البشر والحيوانات والحشرات، وكذلك الفنان حسن العجاتى (1923 - 1979) الذى جعل الكتلة غير أسيرة للجاذبية الأرضية، متحررة من التفاصيل الواقعية، وكذلك الفنان صبحى جرجس الذى طوع الخامة وأطلق الطاقات النفسية والروحية من خلال التعامل مع النحت بشكل ذاتى .. أما الفنان الكبير عبد الهادى الوشاحى فيعتبر من أكثر فنانى الستينيات تأكيداً للتطور الفاعل فى حركة النحت المصرى المعاصر، حيث التخلص من تأثير مدرسة (مختار) وما تبعه من فنانين خلال الفترة السابقة عليه، مرتبطاً بالثقافات الغربية الحديثة، متوغلا وباحثاً ووكاشفاً عن اتجاهات الفن الحديث وأسراره ومعانيه ومعاناته، والتى مازالت تؤثر بشكل قوى وفعال فى حركات النحت المصرى المعاصر والعالمى.ومن هذا المنطلق بزغ الوشاحى ليواصل إبداعاته المليئة بقضايا الإنسان والمجتمع، وأصبحت قضيته الفنية هى التعبير عن ذلك، مرتبطاً إرتباطاً تاماً بقضية الشكل الجمالى للتمثال، وأصبحت أعماله تنمو وتتطور وتتغير بتغير المضامين المتعددة والربط بين البعد التاريخى الفنى والثقافى القديم والمعاصر فأصبحت نتاجاته متصلة بقضايا التحرر بمعناها الواسع، فى الفكر والأسلوب، وأيضاً الخامة التى ساعدته كثيراً على أن يجد المخرج الإبداعى المتكامل، بالبعد عن القيود النحتية القديمة والمدرسة الفاعلة، وكذلك البعد عن المحاكاه والمبالغة العاطفية والطبيعة، مقترباً من حالة الوعى بكامل القيم الفنية والجمالية، ومتجهاً إلى الرمز الخارج من عباءة الفهم الواعى والإدراك الكامل لقيم النحت وهدفها دون أن يفقد خصائص الشكل الإنسانى، وكذلك الأشكال الرمزية المحورة بوعى واقتدار .
- وفى فترة دراسته وإقامته الممتدة فى أوروبا لأكثر من أحد عشر عاما من ( 1967 - 1978) تعلم خلالها ودرس واستغرق فى البحث عن مفردات لغة النحت، وبالتالى التفرد الخاص الذى أثمر مجموعة كبيرة من أعماله النحتية مثل ( البرد، شهيد ، دنشواى، الدراجة، الحصان، الحمامة، البومة، عازف العود، محاولة لإيجاد توازن، القفزة المستحيلة، الشقيقان، المسيح، إنسان القرن العشرين، الكوكب، الصرخة ) وكثير من الأعمال الأخرى .
- وإذا قمنا بعمل دراسة دقيقة لعدد من أعماله النحتية، فسوف نلاحظ أن السمة التى ميزتها، هى إطلاق الكتلة فى الفراغ كسمة حركية فى كل الأعمال، وكأنها تندفع منطلقة لاختراق الغلاف الجوى، ورغم هذا فهى تحتفظ بتوازنها الشكلى وتناسقها وارتباطها بالموضوع الخاص بها.. وبقدر ما نراه من البحث عن الحرية التى ليس لها حدود فى كتلة الطائرة، فإنها تبدو كتلاً ذات سطوة انفعالية وحركية وشكلية، تسعى إلى السيطرة على مشاعرنا وعلى الفراغ واحتضانه، بل واعتباره خاص بها وحدها، فى علاقة متواترة ومتناغمة باحثة عن الدراما بداخله ومن خلاله..فنرى الأعمال عنيفة المعنى ومؤثرة، بالرغم من إنسيباتها ورقة التعامل النحتى معها، من خلال النعومة والإنتقال من مستوى إلى آخر، ومن ملمس إلى آخر، ومن إحساس بالعلاقة الإنفعالية بين الوحشية الحسية والخشونة الموضوعية، والتى تنتشر كطائر أسطورى مهيمن على الفراغ المحيط، والفراغ الداخلى للكتل، والذى يتشكل مع ارتفاع المعنى والهدف المنشود، وكذلك فى هيمنته على الفراغ الكبير الذى يبدو هدفه الأساسى هو إبراز الكتلة والتعبير عن موقفها من الحياة، وكذلك إحداث الحركة البصرية التى لا تتوقف مع حركة المشاهدة حول التمثال .
- وإذا تحدثنا عن عمل مثل (الدراجة) سنلاحظ أنه ملىء بالخطوط المستقيمة والدائرية والمنحنية والأفقية والرأسية، مما يجعلنا ندور ونلف حوله حتى يكاد أن يصيبنا بالدوار، بسبب الفراغات اللامحدودة بداخله، والمختلفة الأشكال والمساحات والإتجاهات، كما يحمل قدراً من الحالة التعبيرية الدافعة إلى الوصول للهدف بشكل واع ودقة فى التنفيذ، ونستطيع أن نحدد قوة سرعة الدراجة ودقات قلب راكبها واتجاه بصره وقوة إصراره، بالرغم من تلك العضوية المؤكدة للمعنى .
- إن الوشاحى لا يكتفى بالحركة الواقعية المعتادة فى تلك الحالة، بل يضيف إليها الحركة البصرية، وقوة التعبير والإرتباط المباشر بين الإنسان والآلة، وتحديداً الهدف واستحداث الخامة، وهى إحدى ملامح الفن الحديث .
- ومن أهم السمات الفنية فى أعمال الوشاحى تلك الفراغات الدائرية التى تشكل أهم الأبعاد الشكلية والتعبيرية النفسية بالنسبة للعمل والفنان معاً، وكأنها أسلوب من أساليبه المتفردة، وفى الحقيقة إن وجودها الفعلى والرمزى يمثل محاورا للحركة، ونقاط توازن وارتكاز، وفراغات يمر منها الهواء والضوء، وكأنها ممرات أو فتحات أو ثقوب تعطى حالة من التعايش الحجمى والإندفاعى للتمثال، لتجعله جزءا من الطبيعة التى تبدو بمثابة خلفية له تؤكد على المعنى وتتعايش معه، كما يتم عبر تلك الفراغات التشابك والترابط والتوازن والحوار النفسى الإنفعالى والضوئى من خلال ذلك الجدل مع الهدف الفلسفى والتعبيرى للتمثال، ناهيك عما تقوم به تلك التجاويف من تأكيد للدرجات الظلية واللونية المنسابة والإحساس بالسمك على سطح التمثال ، بما يخلق موسيقى نحتية عبر حركة اصطدام الهواء بها، إضافة إلى التناغم بين موسيقى السطح الخارجى، وموسيقى الروح الخفية التى تخرج من معانى التمثال القدرية، وكأنها مسارات تعبيرية تصل بين الأزمان البعيدة والمعاصرة. وفى تمثال ( الحصان ) نجده متحفزاً، مليئاً بالفتحات والثغرات، ونكاد نسمع أصوات الرياح الباعثة على اندفاعه نحو الحياة والهدف، وكأنه رمح أتى مع الريح عبر رحلة مليئة بالأساطير والحكايات، والتى ظهرت على جسده ووجهه وحركته، حيث أبدعها الوشاحى وكأنه هو ذلك الحصان الذى عاد لتوه من العالم الآخر، يحمل همومه ويبعثها من خلال حركته وقوته التعبيرية الدافعة إلى التقدم، وخاصة فى ذلك الزمن الملىء بالعنفوان .
- وفى تمثال ( فانا ) 1973، نرى تلك الحركة الإنسانية والنظرة الثاقبة والفتحات والتجاويف والمستويات والإنفعال الضارب فى المشاعر، وذلك الحزن الدفين والروح التى تبحث عن الحياة فى علاقات شكلية متراكبة ذات مستويات وإضاءات وانحناءات وملامس وشموخ فنى وإنسانى يجمع بين التعبيرية والرمزية بالرغم من واقعية الموضوع .
- وفى تمثال ( إنسان القرن العشرين ) نلاحظ ذلك التوازن، وذلك المثلث المقلوب، وتلك الكتلة التى تقف على نقطة متواضعة، قوية، كمركز الثقل وتنتشر قاعدة المثلث العريضة فى الفضاء كالطائر بأجنحته التى ترفرف وتهلل فى الفراغ، وكأنها ذراعين مصلوبين.. قد تنم عن مضمون رمزى ونحتى به من التراتب السطحى والمستويات والفتحات والتجاويف، وكأنه يعبر عن إنسان القرن العشرين المليىء بالفراغ، باحثا عن ذاته وخبراته الحياتية الرفيعة فى التعامل مع تلك الكتلة الطائرة .
- وفى تمثاله ( الصمت ) 1976 ( فخار ) نلاحظ ذلك العملاق الجالس المتحفز للنهوض بصدره المتسع المنتفخ بالهواء، ويديه المشدودتين فوق ركبتيه، ناظرا إلى اللا محدود فى الأفق البعيد، وكأنه يبشر بشىء يعيد إلينا ذاتنا، كباحث مثلنا عن الخلاص من العذابات والآلام، ورغم تلك الفتحات والتجاويف، وتلك الخامة الرقيقة الخفيفة، إلا أنك تشعر بثقل المنحوتة،عبر قدرة الفنان على الأداء المبنى على القواعد والأسس النحتية المتسامية، وهو ما يذكرنى بتمثال ` ممنون `بمدينة الأقصر فى جلسته، وقد يكون فى فكرته وفى العلاقة بين الرياح والفتحات والتجاويف.
- وفى تمثال ( أميرة ) 1976، نلاحظ ذلك الإرتباط والتلاحم بين الرجل والمرأة وتلك الفروق الجنسية وهذا الإحساس العالى بالحب والوفاق ، وخاصة فى العلاقة الرمزية بين التجاويف والفراغات والرموز الأخرى كرأس الرجل ورأس الفتاة وكذلك التفاصيل الجسدية والعلاقات الحسية النابعة من التماس والترابط وتلك الإنحناءات الخطية التى توحى وترمز إلى الحنان المتدفق، وخاصة فى المسطحات والبروزات الخفيفة ، وجلسة التمثال بهذا الشكل الواعى القادر على التعبير عن ماهية الحياة .
- وفى تمثاله ( الصرخة ) نلاحظ فى ذلك التمثال مدى استيعاب الفنان لعصره ولحركة التاريخ من خلال التعبير القوى فى أبسط وأبلغ صيغة نحتية جمالية، حيث نجده فى توازن شكلى صعب، حينما نحاول فك شفرة أسس النحت بين الإرتباط بالأرض وإنطلاقها فى الفضاء، حيث نجد تلك الدائرة المفرغة التى سيطرت على الفضاء، وكذلك الجسد الممشوق المتصاعد حقق تلك الحالة الإستمرارية لاندفاع التمثال فى الفضاء كالصاروخ الذاهب إلى هناك ! أين ؟ لا ندرى !! فنرى القدمين والنتوء غير الممتد ( الثالث ) إلى القاعدة هى نقاط الارتكاز الثلاثية على الأرض، وفى الحقيقة إن هذا العمل مليء بالتعبير المتدفق، وكذلك الإرتباط إلى حد ما بالطبيعة التى قد تكون دافعاً لذلك، أو ارتباط الفنان ببيئته التى تسكن مشاعره ووجدانه، بل والجديد فى هذا العمل هو قلة النتوءات والتجاويف، بالرغم من الإحساس بالمستويات وكيفية التعامل الماهر مع الخامة .
وفى تمثاله ( الشهيد ) 1974، تمرد على الطيران فى الفراغ، ورضخ لقانون الجاذبية الأرضية ، حيث نجده مرتبطاً بقيم الثبات والرسوخ فى النحت المصرى القديم، مع الإحتفاظ بالسمات التشكيلية الخاصة بالوشاحى ، حيث نجد مركز الثقل إلى أعلى والفراغات تتخلل الكتل، ويبدو التمثال ذاته رمزاً لكل الشهداء الذين ضحوا فى سبيل الحق والحرية والأرض، وكأنه يعبر عن هويته بالربط بين الفكرة والإحساس القومى والأساليب والخامات الحديثة ، رامزاً بهذا الشهيد لكل الشهداء الذين تفانوا فى الدفاع عن الأرض .. وفى تمثاله ( بورتريه الفنان ) 1977، نجد ذلك الإحساس العالى بالتشريح والكتلة والنسب وكيفية تحليل المسطحات والبروزات والتجاويف والفراغ، والخطوط والمساحات المستقيمة والمائلة، وهذا التعبير الإنفعالى المليىء بالنظرة المستقبلية، وتلك الملامس المتنوعة بين خشنة وناعمة ، وذلك الإهتزاز الحركى، وكأن البورترية يريد التحدث أو الخروج من عالمه الصامت إلى العالم الناطق باللغة، بالرغم من ذلك التحليل واستعراض المهارة النحتية والإحساس بالهواء وحركة الشعر، وتحليل الوجنات وترابط عظام الوجه مع الرقبة مع الكتف إن هذا البورتريه هو خطاب شخصى معبر تماما عن العلاقة بين النحت فى تطوره وحداثته وبين مفهوم الوشاحى وقدرته على التعبير ، وما يدور فى عقله ومشاعره هو ذاته ، من خلال نظرة التمثال التى تشى بعوالم الفنان الخفية .
- أما تمثاله ( نحو الأفق ) فينتمى إلى مراحله الفنية الأخيرة، حيث البعد والصمت والتأمل والبحث والكشف عن الرؤى الخاصة الجديدة، والمليئة بالتعبير الشجنى الرفيع ، حيث نراه يمثل شخصاً وهو فى حالة أقرب إلى انعدام الوزن ، وكأنه بين الطيران والثبات على الأرض، مندفعاً بجسده إلى الأمام، متحدياً الهواء والفراغ والرياح التى تحاول أن تصده إلى الخلف، بينما هو فى حالة ثبات، كما نجد على كتفيه عباءة يدفع بها الهواء إلى الفضاء والفراغ فى رؤية إبداعية مليئة بالسحر والجنون ، ونرى الشخص قد وضع يده فوق عينيه كمظلة تحميها من أشعة الشمس، وكأنه يحدق فى الكون اللانهائى البعيد ، مدققا ليتمكن من الرؤية على مسافات بعيدة، وكأنه يفتش أو يتنبأ أو يؤكد على شئ وهو فى حالة من التوازن بالغ الدقة والرقة والإحساس بالكتلة التى تسبح وتطير فى الفراغ، ذلك الإحساس الخيالى الرهيب الذى نحسه من حفيف الهواء على العناصر، بفعل العباءة المتلاعبة والمتناغمة.
- والمنسجمة والمعبرة عن فعل المقاومة مع الرياح، فى حالة معبرة عن التمرد، والتجدد والتفرد الذى يؤكد على أن الفنان الكبير عبد الهادى الوشاحى هو أحد أهم فنانى حركة النحت المصرى المعاصر، حيث يملك من القدرات الفنية والإبداعية ما يجعله يقف فى الصف الأول بين فنانى مصر والعالم، من الذين يهتمون بقضايا أوطانهم ويرتبطون بقوميتهم وأرضهم وثقافتهم المحرضة على المعرفة والإبداع.
السيد القماش
نهضة مصر - 26 - 27 /4/ 2012
عبد الهادي الوشاحى... ناحتاً طه حسين
- ( لا بد من المواجهة بين قوى الظلام والنور), هذا ما يقوله الفنان المصرى عبد الهادى الوشاحى وهو يتأمل نموذج النصب التذكاري الذي صنعه للشهيد والقابع فى أحد أركان الغرفة داخل محترفه في القاهرة، ليس هذا هو النصب الوحيد داخل المحترف، فأعمال الوشاحى هى كلّها مشاريع مؤجلة لنصب تذكارية، أجمل ما فيها أنها تحاور الفراغ وتباغته بحلول غير متوقعة.
-عبد الهادى الوشاحي هو صاحب تمثال عميد الأدب العربي طه حسين الذي رشحته أخيراً `جبهة الدفاع عن الإبداع` لتنفيذه في أحد الميادين رداً على تحطيم تمثاله النصفى في مسقط رأسه في مدينة المنيا، وهذا هو أبلغ تعبير وعرفان بقيمة كاتب بحجم طه حسين. إنّ تمثال الوشاحي الذي انتهى من صنعه قبل سنوات عدّة ظل حبيساً داخل محترفه في القاهرة بانتظار الوقت المناسب الذي يخرج فيه إلى النور .
- تبرّع النحّات بمجهوده فى عمل التمثال، بينما تتكفل `جبهة الدفاع عن الإبداع` بجمع التبرعات من أجل صبّه وإقامته في ما يشبه الاكتتاب، كما يقول الفنان محمد عبلة صاحب الفكرة وأحد أعضاء الجبهة . وهو أمر يعيد إلى الأذهان قصة إنشاء تمثال `نهضة مصر` المواجه لجامعة القاهرة، للراحل محمود مختار، الذي تمّ جمع كلفته من طريق اكتتاب عام شارك فيه المصريون في بدايات القرن الماضي. الوشاحي نفسه غفل النظام السابق عن تكريمه ولم يحصل على جائزة الدولة التقديرية إلا بعد أشهر على اندلاع الثورة. وعلى رغم الأسى الذي يبدو على ملامحه كلّما تذكّر حال الثقافة المصرية التي تواجه تهديدات `قوى الظلام`، إلاّ أنّه سرعان ما يستعيد ابتسامته حين يتعلق الأمر بهذا التمثال تحديداً، ولا يخفي سعادته بإحيائه من جديد.
- وكان من المقرّر أن يحتلّ تمثال صاحب `الأيام` أحد الميادين القاهرية قبل سنوات، غير أنّ وزارة الثقافة المصرية بخلت عليه حينــها وماطــت في تنفيذه على رغم تكليفه بهذا الأمر، فتوقف العمل به.
- يبلغ ارتفاع تمثال طه حسين، الذي بدأ الوشاحى بوضع اللمسات الأخيرة عليه لكي يُصبح جاهزاً للصب بخامة البرونز، نحو ثلاثة أمتار. هذا من دون القاعدة. وهو عبارة عن كتلة واحدة، يبدو فيها عميد الأدب العربي وهو ينظر إلى الأمام مرفوع الرأس، كأنه يستشرف المجهول. يجلس كأنما يقف. يميل بجذعه إلى الأمام، كأنّه يهمّ بالحديث. أمّا أروع ما في هذا التمثال فهو عينان غائرتان تستقبلان النور من أعلى وتوزعانه على الناظرين. هذا النور الذي حرم منه، ووزعه على أبناء وطنه، ثقافة وأدباً، ودعوة إلى جعل التعليم حاجة كالماء والهواء، وهو أمر كفيل بالذود عنه في مواجهة طيور الجهل والظلام.
- تمثال النحات عبد الهادى الوشاحى المولود في المنصورة ( شمال مصر) عام 1936 يُجسّد عملاً مميزاً يليق حقاً بكاتب مثل طه حسين، ويُكرّس أيضاً قيمة مصر الثقافية والفكرية والفنية مع التحديات التى تعيشها اليوم .
ياسر سلطان
الحياة 26 أبريل 2013
رحيل عبد الهادى الوشاحى بعد صراع قاسى مع المرض
الوشاحى : أمارس فن النحت لأحافظ على إنسانيتى
رحل الإثنين الماضى بمستشفى القصر العينى فنان مصر الكبير المثال عبد الهادى الوشاحى عن سبع وسبعين عاماً مواليد 9 نوفمبر 1936 رحل عن العديد من إبداعاته النحتية التى أثرت حركة التشكيل المصرى ولسنوات طويلة ورحل عن مئات من تلامذته من طلبته بكلية الفنون الجميلة الفاعلين حالياً بأعمالهم داخل الحركة الفنية المصرية.. رحل أستاذ فن النحت المصرى بعد عام كامل بالتمام من حصوله على جائزة الدولة التقديرية فى فن النحت العام الماضى عن المجلس الأعلى للثقافة. ورحل بعد عدة أعوام فى مقاومة شرسة ومرض السرطان بشجاعة لم تكن مستغربة من شخصية كالوشاحى ... الوشاحى رغم فوزه بالتقديرية التى جاءته متأخرة إلا أنه كعاشق لفنه لم يكن منشغلا بانتظارها فكل منحوتاته هى جائزته فى كونها رؤية فكرية وجدانية جديدة لعالمه الذى قال عنه : ` النحت هو حياتى وأنا منذ سنوات طويلة أمارس فن النحت لأحافظ على إنسانيتى ` .
لذا لم ينتظر أو يسعى الوشاحى ليكافأ على ما وجدت حياته من أجله وسخرها له وإلا بدت كعملية مقايضة الحياة بالجائزة .
ومن جانب آخر جاءت تقديرية الوشاحى العام الماضى - وللأسف - دون بريق اعتدنا عليه يصاحب الإعلان عن المبدعين المفكرين الفائزين بجوائز الدولة وما يسبقه من ترقب وجدال تنافسى محموم لأيام طوال قبل الإعلان عن الأسماء الفائزة .. فقد جاءت جوائز العام 2011- 2012 فى ظل ظروف تشهدها مصر أصابت انتباهنا بالتشوش لكثرة الجدال السياسى وفوضاه وتداخل وتضارب المصالح الصغيرة والكبيرة لافراد وجماعات بعيداً عن مصالحة الوطن إلى حد كبير مما أثر على بهجة تلقى اسماء الفائزين والإحتفاء بهم فى مناسبة تعد عيداً للثقافة والمبدعين المصريين ولم تنل الجائزة وما يتناسب وقدرها المعنوى الكاشف عن الحال الثقافى المصرى فى أرفع مستوياته لذا كان تأخر جائزة الوشاحى النحات الأبرز حتى هذا الزمن يحمل كما أراه ولا أفهمه علامات خفية فارقة ربما هذا ما أحدث حالة رضاء واجماع من الفنانين بشكل مدهش على أحقيته ولما هو أكثر .
الوشاحى الذى ولد فى المنصورة عام 1936 تعلم الفن فى فنون القاهرة وعلمه فى فنون الإسكندرية وحصل على الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو الأسبانية وتتباهى أربعة ميادين إسبانية بأعماله النحتية وما بين إيطاليا وأسبانيا والقاهرة تلاحقت جوائز التكريم وأوسمة أهمها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ليعود مدرسا لفن النحت فى فنون القاهرة ليكون بعد نحات مصر الكبير جمال السجينى أبرز معلم لفن النحت .
هذا هو الوشاحى الإسم فى كلمات مأخوذة من مسار حياه ... أما الوشاحى المثال فأعماله تكشف عن ماهية وكيفية هذا المسار للحياة ولاختياراته ومفاهيمه التى جعلت من النحت وسيلته لإطلاقها برؤيته وفكره عن الحياة والكون والإنسان وكيفية التلاقى بصريا وفلسفته المنطوقة وفى حالة تكشف بها المنحوتة عن أكثر من دلالة رؤية قد تكون متغايرة أو متناقضة فى حالة تحول واستدعاء للكثير من الخبرات والمشاعر كحالة من حالات تداعى تيار الوعى داخل المشاهد الواحد والتى تتعدد من مشاهد لآخر .
فأكثر وأهم ما يميز منحوتات الوشاحى أنها ليست للمماثلة لكن للتفسير لذلك يمكن إدراك فلسفة الفكرة فى عمله وكيف أنه يجعلها كفكرة قابلة للطرح والتفسير ليبدو العمل الفنى لديه كأنه فى حالة متحولة من وضع رؤية لآخر وفى نفس الوقت محتفظا بفكرة الإتزان البنائى فى العمل وحساباته التى تهم الفنان كثيرا .
ومثلما الفنان دائما مشغول بالتقاط الفكرة والسيطرة عليها حتى لا تفلت من يده نجده بنفس المنطق يتعامل والفضاء المحيط والعمل النحتى محاولا السيطرة بل والقبض عليه وجعله جزءا من منحوتته فمحاولته القبض على الفكرة تماثلها نفس المحاولة بنفس المنهج الفكرى للقبض على الفراغ أو الفضائى المحيط.. كما أن هذا النظام الذى يقيمه فى الفضاء جعل به شخوصه يشكلون الفضاء الداخلى والخارجى ربما يدفع هذا المشاهد لرؤية وتقدير الشكل الهيكلى لعمله والذى يجعل من الهيكل الخارجى هو ذاته الداخلى بما فى أعماله من وفرة فى التجويفات ومداخل الضوء والمنحنيات الصعبة الملتفة إلى الداخل وهذا كله يساعده على القبض على الضوء وتكسيره وانعكاسه كيفما أراد فهو اذن يقبض على الفضاء وعلى الضوء بهايكل منحوتاته التى تبدو كأنها هياكل عظمية لمقاطع مخفية من امنا الأرض شكلتها على هيئة هياكل مفصلية لتكتمل منظومته الخاصة بين الأرضى والفضائى والضوئى .
ولتأتى أعماله بمسمياتها تكشف عن قلقه الخاص بحياة ندخلها دون استعداد منا إلى القرن الحادى والعشرين مثل عمله شديد الروعة استشراف وثلاث أعمال بعنوان إنسان القرن الحادى والعشرين ومواجهة ومثلما يعتمد على الفكرة فى صورة رمزية أو ذهنية بمعالجة أقرب للتكعيبية نراه يعتمد لتحقيقها على الديناميكية والبصائر الخطية المندفعة لأعلى كأن الشكل تماما كالفكرة ينطلق ويتوهج بشكل مفاجئ عبر جسد طويل متحول عبر نقاط ارتكاز مفصلية قد تحول الحركة كلية فى اتجاه مغاير عن المتوقع فى التفافات إلى الداخل أو فى انبثاق للخارج كأن العمل هو شعلة العقل فى تأجج .
أما أروع أعمال الفنان الكبير الوشاحى تلك التى أراها كاسحة أشكال وأرى هذا التعبير يتفق وأعماله المتحولة أما عين المشاهد والتى تأخذ الشكل وتكسحه كسحا أو تتفجر به فى مناطق مفاجئة وهذه الأشكال النحتية الكاسحة هى أكثر الأعمال التى تثير الإنتظار لحدوث شيئا ما والتى أمامها قد تدرك حركتها من حركة عينيك باتباعها السمات البارزة لكن فى ثانية سوف تواجه شعوريا شكل الكاسح دون أن تكون قادرا على تحديد اتجاهه أو توقعه وتأتى متعة هذه الأعمال من أنك قد تصل إلى حالة من الإدراك تمكنك من مشاهدة كيفية أن النحت يتراكم وينفجر فى قرار ذاتى ليس للفنان دخل فيه ..وقد تدرك فى أعماله` اتزان` أو ` العزف ` تعمل كدوامة تصاعدية على هيئة قوس تجعل الحالة هى فى الأساس حالة من التطور والاتجاه متنامى وتحولى .
منحوتات الوشاحى كشخصيته التى تألفت مع الحركة واطلاق النفس والخيال فأطلق أشكاله فى الفضاء فإما أن تنطلق أو تلتف أو تتمحور حتى لو انفجر به الشكل من الداخل محدثا فجوة ولتكون هذه الفجوة عمقا فى العمل عمقا جديداً كالبعد الرابع الزمنى نحتاً.. أو ربما هى عمق يشير إلى فراغ .. فراغ المادة التى تشبه أشكالها أشكال رمزية الحياة .
وليأتى رحيله الشديد الدرامية من فوق أحد أسرة المرض الذى افترسه فى بطء قاس يقابله عناد شديد من جسد الفنان حتى أسلم روحه لله عزوجل الإثنين الماضى رحمه الله رحمة واسعة والعزاء لأسرته وللحركة الفنية المصرية.
فاطمة على
القاهرة 2013
رحيل صاحب ` إنسان القرن الحادى والعشرين المنكسر `
شيعت يوم الأربعاء 28 أغسطس 2013 جنازة فقيد الفن التشكيلى الفنان ` عبد الهادى الوشاحى ` من دار الأوبرا المصرية والذى وفاته المنية عن عمر ناهز 76 عاما بعد صراع طويل مع المرض.
تقدم المشيعين محمد صابر عرب وزير الثقافة وصلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية وإيناس عبد الدايم رئيسة دار الأوبرا المصرية ومحمد أبو سعدة رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة وسعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وحمدى أبو المعاطى نقيب التشكيليين وشارك عدد كبير من التشكيليين وتلامذة ومحبى الفنان الراحل .
عبد الهادى الوشاحى من مواليد 9 نوفمبر 1936 فى الدقهلية يرفض والده التحاقه بكلية الفنون الجميلة بحجج تحريمية ولم يكن عونا للصبى عبد الهادى إلا عمه الذى أصر على تحقيق حلم ورغبة ابن أخيه بشكل عاطفى وقد فقد عبد الهادى أمه مبكرا مما أثر على حياته على المستوى الإنسانى مما أمده بعزم مضاد لتعويض الحنان المفقود ثم جاء عبد الهادى إلى القاهرة والتحق بكلية الفنون الجميلة وحصل على البكالوريوس قسم النحت بإمتياز عام 1963 عين معيداً بقسم النحت بكلية فنون جميلة بالإسكندرية نال درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1978 .
نجح الفنان عبد الهادى الوشاحى فى توصيل وجهة نظره وموقفه تجاه اعتماد الإنسان المعاصر فى حياته اليومية على مستلزمات المعيشة الجديدة التى استحدثتها التطورات التكنولوجية وأثبت أنها السبب فيما سيصل إليه الإنسان من حالة انهزامية منكسرة فصور ذلك من خلال عمله الإبداعى ` إنسان القرن الحادى والعشرين المنكسر ` .
ومن أقوال الفنان ` المبدع والمفكر يجب أن يكون مشغولا بالإنسان فهو حامل راية الشعوب `
` ودور المبدع انه يرى ما لا يرى `
يقول عنه الناقد الإسبانى راؤل شقارى فيرى ` أن أعمال الوشاحى بكتلها الصريحة تشكل بلاغة وعضوية ومعمارية وكونية مثل أجزاء فى النحت المصرى القديم وأحيانا تتسم أعماله بالدائرية فى تناغم وفخامة النحت الإغريقى كما يمكن القول بأن الفنون التعبيرية لحضارة قديمة لبلد ما تشكل من خلال الوشاحى إلى اعمال غاية فى الحداثة بكل أبعادها مؤكدة عالميتها .
فرحلة إبداع الوشاحى جاءت لتثبت أن للإنسان وجوده الخاص ضمن القانون الوجودى الكلى وتعبير عن جماليات الكون وذلك من خلال مجموعة من الأعمال النحتية ذات المجسمات ثلاثية الأبعاد فكان لديه القدرة التعبيرية التى اختلفت باختلاف الغرض ولتوصيل رسالته إلى الجمهور سواء كانت بأسلوب تجريدى أو هندسى، ومع اختلاف خاماته ما بين الخشب والنحاس والطين المحروق والبوليستر فهو صاحب تمثال ( شهيد دنشواى ) و ( إنسان القرن العشرين ) و ( الدراجة 1971 ) و ( القفزة المستحيلة 1975 ) و ( عازف الجيتار ) و ( مواجهة ) و ( البرد ) و ( الحمامة ) و ( تمثال طه حسين 1996 ) الذى كان حلم الفنان الراحل أن يوضع فى مدخل جامعة القاهرة وأيضا من ضمن أحلامه أن يكون تمثال ميدانى على أرض مصر .
فأعماله النحتية الكتلية التى يتخللها الفراغ الذى يجتذب الضوء ليعطى منظوراً مختلفا له أشكال متنوعة من الحركة التعبيرية تشكل بعلاقاتها الفنية بعدا مهما فهى استدعاء للتراث الفرعونى والشعبى فى صيغة حداثية ولغة ورؤية معاصرة مؤكدة فى علاقة متوترة بأنها تعطى إحساسا ربما بالسقوط وربما محاولة جاهدة للحفاظ على التوازن الذى يكاد أن يختل فهى أعمال تحمل العديد من المتضادات مثل التوتر والإتزان 000 الحياة والموت 000 الشموخ والإنكسار 000 المادى والروحى 00 الحرية والقهر 000 الضعف والقوة ` فقدم هذه الأعمال الإبداعية برؤية بصرية تشكيلية منها ما يوحى بأنها تكاد تنفصل عن بعضها فى تقابل مبهر بين هذا الرأس المدلى وهذا الجسد المتعملق فكتلته تهم بالعروج والتناغم والحركة والحيوية ذات الإرهاصات الفكرية التى تثبت وصول هذا الفنان إلى أعلى درجات الموهبة وأن ` عبد الهادى الوشاحى ` من فنانى مصر القلائل الذين يملكون تفوقا وقدرة نادرة تصل به إلى العالمية .
شيماء العطيفى
القاهرة 2013
أحد أهم رموز النحت المصرى الحديث والمعاصر
* ورحل الوشاحى عن عالمنا ..
- رحل عن عالمنا الفنان النحات عبد الهادى الوشاحى عن عمر يناهز الـ 76 عاما بعد رحلة صراع طويلة مع المرض وقد حضر تشييع الجنازة وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب والدكتور صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية والدكتور حمدى أبو المعاطى نقيب التشكيليين وحشد كبير من تلاميذه النحاتين والفنانين التشكيليين وبعض الأدباء والمثقفين والأقارب وذلك من مسجد دار الأوبرا المصرية رحم الله الفقيد الإنسان والفنان الذى ترك فراغاً كبيراً فى الحركة التشكيلية المصرية .
- وعبد الهادى الوشاحى من هؤلاء الفنانين الذين يمتلكون خصائص ومكونات الفنان الحقيقى فهو يتعامل بمهارة منشدا الدقة والصرامة مع أشكاله التى تنطوى على حس إنسانى محض مؤكدا على تلك الصبغة الشخصية التى لا تنفصل عن أسلوبه فى المعيشة أو فى طريقته فى النظر إلى العالم فنجد أعماله تحمل طابعا لنجد أنفسنا أمام فنان يسعى دوما للتعبير عن ذاته ولديه من الوفاء لشخصه ما يجعله أمينا على الرسالة الفنية الخاصة به ومن خلال نظرة متأملة لبعض أعماله بما تحمله من كل القيم الجمالية ومنها ( البرد ، شهيد دنشواى، الدراجة ، الحصان ، الحمامة ، البومة ، عازف العود ، محاولة توازن، القفزة المستحيلة ، الشقيقان ، المسيح ، إنسان القرن العشرين، الكوكب، الصرخة).
وكثيرا من الأعمال الأخرى مستخدما خامات متعددة مثل ( حديد ، جرانيت، رخام، برنز، خشب ) .
- والوشاحى نحات أصيل يرفض أن تنفذ أعماله فى خامات غير نبيلة كالجبس أو البوليستر.. قرر أن ينفذ منحوتاته فى خامة نبيلة ورائعة لينة وصلبة فى نفس الوقت وهى ( النحاس ) بأن يشكل تماثيله بالطرق على ألواح النحاس كقطع منفصلة ثم يجمعها معا حول نقطة ارتكاز حرة لقد تعلم الطرق على النحاس من أستاذه الفنان الكبير جمال السجينى الذى كان أبرع من يشكل النحاس .
- وهكذا أضاف عبد الهادى الوشاحى رؤيته الفنية الجديدة والجريئة والمتمردة على بانوراما النحت المصرى المعاصر تاركا بصمة متفردة تخصه وحده ونلاحظها فى أعمال تلامذته الذين تأثروا به وبأسلوبه .
- واعمال الوشاحى لا تختلف فى جوهرها لأن الفنان هو مصدر هذا الجوهر الذى يحمل فلسفته فى الحياة وأعماله تحمل فى مجملها عناصر تؤكد على أسلوب الفنان المميز كالخط الحاد الذى ينشأ من خلاله زوايا متداخلة وتنطلق أشكاله من القاعدة رأسيا وأفقيا باحثة عن الحرية وفى حركة دائرية مرتبطة بحركة الكون والوجود لتنطوى على أكبر قدر من الحياة .
- ومن يعرفون الوشاحى الإنسان عن قرب مثل تلاميذه الذين أتى معظمهم من محافظات مصر وكان يمدهم بكل ما يحتاجونه من أدوات وكان يشاركهم مشاركة إنسانية فى الطعام والشراب ولم يشعرو قط بتلك الغربة المعتادة فلم يتعلموا منه فقط النحت كمادة أكاديمية بل تعلمو من أستاذهم ومعلمهم أسلوب حياة .
- ولأنه كان أستاذى فى أول سنوات كلية الفنون الجميلة فقد لمست فيه كل هذه الصفات فيبدو لمن لا يعرفه للوهلة الأولى أنه شخص ذو طابع حاد فهو لا يحب أن يخلط الجد بالهزار يكره الكذب والكذاب وعندما يضحك ترى ضحكة طفل فيكتسى وجهه بملامح البراءة يحترم ذاته بشده يحترم مواعيده فكان يعجب بالطالب الجاد الموهوب الذى يحمل رؤية أو بداية مبشرة وكان يشجعه بصدق وإن إستلزم ذلك توبيخه على الإهمال أو عدم الإلتزام بالمواعيد أو التقصير فى حق العمل وعدم إتمامه بالصورة التى ينبغى عليه إنهاؤه بها بجانب التأكيد على ضرورة تأمل الأشياء بعمق خاصة تامل الفنان لأعماله هو شخصياً حينها يصبح تأمله ضرب من الملاحظة observation فالأهواء والتخيلات لا تكفى دون نظام مادى صارم ودعامة قوية يستند إليها الفنان لكى تتبدى حريته فالقانون الأسمى للإبتكار هو أن المرء لا يبتكر إلا حين يعمل .
- ويحكى الوشاحى فى أحد اللقاءات أن وفاة والدته وعمره 4 سنوات قد أثر بشكل كبير فى نفسه وجعل لوالده أثر كبير فى تشكيل شخصيته حيث ساهم والده فى حبه للفن من خلال الكتب التى كان يجلبها له لقراءتها ومن خلال قربنا من شخصية الفنان فنحن لا نبذل مجهودا واضحا حين نتأمل أعماله مستفسرين عن شخصيته التى تتجسد فى خلفية الذاكرة لتعطى لنا مزيدا من الوقت للإستمتاع بأعماله وعدم الإستغراق أحياناً فى محاولة اختراق ذلك الغموض النبيل حقا إن درجة تعاطفنا مع العمل الفنى لتتزايد حينما تكون لدينا بعض المعلومات عن تاريخ حياة صاحب العمل الفنى فالموضوع الجمالى هو الكفيل وحده بأن يكشف لنا عن وجه صاحبه أو أن يضعنا وجهاً لوجه أمامه بطريقة مباشرة .
- ويرى بعض فلاسفة الجمال أن مثل هذه الألفة مع الفنان خطر كبير على عملية التذوق الفنى نفسها لأنها قد تصرفنا عن العمل الفنى نفسه ولعل هذا ما عناه أحد علماء الجمال حينما كتب يقول` إن الإدراك الجمالى ليزداد نقاء حينما يقتصر على الشعور بحضرة الفنان دون أن تكون لديه معرفة سابقة بشخصه ` .
ومعنى هذا أن وجه الفنان ينكشف من خلال ذلك الحضور الجمالى الذى ينطوى عليه عمله الفنى بأسلوبه الخاص وتعبيره الشخصى .
- ويرى الناقد الأسبانى (راؤل شقارى) فيرى أن أعمال الوشاحى بكتلها الصرحية تشكل بلاغة وعضوية ومعمارية وكونية مثل أجزاء فى النحت المصرى القديم وأحيانا تتسم أعماله بالدائرية فى تناغم وفخامة النحت الإغريقى كما يمكن القول بأن الفنون التعبيرية لحضارة قديمة لبلد ما تتشكل من خلال الوشاحى فى أعمال غاية فى الحداثة بكل أبعادها مؤكدة عالميتها .
- ذكر الفنان الوشاحى أن حلم السفر إلى الخارج للإستزادة علما وفنا ظل يداعبه بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم النحت عام 1963 إلى أن تحقق الحلم مع أولى رحلاته لأوروبا عام 1965، ومن وقتها تكررت زياراته لها وامتدت فترات إقامته فى كل من إيطاليا وأسبانيا إلى أن حصل على درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1978 وعاد بعدها للقاهرة حاملا معه خبرة مستفيضة ودراية واعية بمجريات الحركة الفنية العالمية ،والتطورات التى ألمت بها.
- يعرف متابعو الحركة الفنية المصرية الفنان عبد الهادى الوشاحى ( 1936) بوصفه نحاتا مبدعا وأستاذا للنحت بكليتى الفنون الجميلة بالإسكندرية والقاهرة لكن الذى لا يعرفه كثيرون أنه كان أول مصرى يجرؤ على تقديم البرفورمانس وترجع عدم المعرفة لسببين أولا : لقصور فى تسجيل الأحداث الفنية لدينا وقت حدوثها، وهى عادة مازالت تحدث عندنا وعلينا التخلص منها وثانيا : أن الفنان الوشاحى بطبيعته يتحرج تواضعا من إحاطة نفسه بترويج دعائى لما يقوم به .
ويقول الفنان يسرى القويضى : إن الفنان الوشاحى قد دعى للإشتراك فى الجناح المصرى ببينالى فينسيا عام 1980 ضمن مجموعة من الفنانين كان منهم الفنان حامد ندا والفنانة منحة الله حلمى والفنان عمر النجدى الذى رأس المجموعة بوصفه قوميسير الجناح وذكر الوشاحى أن الدعوة وصلتهم قبل موعد الإفتتاح بشهرين، فلم يكن هناك وقت كاف لإنجاز عمل جديد لذا قدم تمثالا كان جاهزا لديه يعبر فيه عن الإنسان المقهور كما تخيله فى القرن الحادى والعشرين ( التمثال مقام حاليا فى ساحة المدخل الرئيسى لدار الأوبرا المصرية بالجزيرة ) .
ولكن الوشاحى الذى كان الحماس يتقد بداخله لم يكن مقتنعا باختصار اشتراكه بتمثال واحد فقط واختمرت فى ذهنه فكرة تقديم عمله فى جملة متكاملة تتلاءم وتتمشى مع التطورات الحداثية وقتها .
- أضمر الوشاحى نيته تقديم برفورمانس ولم يخبر أحدا بتلك النية وعقد العزم على مفاجأة الجميع فشرع على الفور بتصنيع وتجهيز معدات العرض بالقاهرة على نفقته الخاصة وحزمها فى أربطة حملها ( وزنا زائدا مصحوبا ) معه على الطائرة إلى إيطاليا .
- وسيدرك القارئ مدى صعوبة ومشقة إعداد مستلزمات العرض إذا ما علمنا أنه اشتمل على قفص ليس له مخرج هيكله من الألمونيوم ( طول 2 متر عرض 1 متر ارتفاع 1 متر ) وقضبانه مواسير بلاستيكية داكنة اللون لقد أخذ الفنان كل تلك المكونات مفككة وقام بتجميعها داخل الجناح المصرى ووضع داخل القفص كرسيا ليجلس عليه وبجواره منضدتين على هيئة مكعبين من الزجاج رص عليهما بضعة أشياء مما يحتاجها الإنسان العصرى ( معجون أسنان، فرشاة أسنان، آلة حاسبة، تليفون أحمر، دفتر شيكات، ماكينة حلاقة، كولونيا، كتب ومجلدات، نسخة من الجرائد اليومية التى تصدر خلال أيام العرض، ومجلات بلغات مختلفة، قنينة نبيذ، كأس ) .
- كما عرض داخل القفص لافتات كتبت باللغات العربية والإيطالية والأسبانية والإنجليزية نصت عباراتها على الآتى ` ممنوع الدخول ، ممنوع الإنتظار ، ممنوع الخروج ` .
- جلس الفنان داخل القفص ومعه الأشياء التى ذكرناها وحرص على بث شريط مسجل لسيمفونية البطولة ( ارويكا ) لبتهوفن مصاحبة للعرض وبحيث تتداخل مع السيمفونية بالتبادل أصوات مسجلة من الشارع المصرى لضجيج المشاة والسيارات ونداءات الباعة وذلك حتى يحقق الفنان رابطا بين الجانبين المحلى والعالمى .
- وكى تكتمل الصورة وضع الفنان على بعد تسعة أمتار من القفص عمله النحتى الذى صور فيه إنسان القرن الحادى والعشرين المنكسر وربط رمزيا بين القفص والتمثال ببصمات باللون الأحمر لكفيه وقدميه طبعها على الأرض بطول المسافة الممتدة بينهما مما يعطى الإنطباع بأن الإنسان إذا مشى على كفيه وقدمية خارجا من القفص فسيقوده طريقه إلى حالة الضياع والإنكسار التى عليها إنسان القرن الحادى والعشرين .
- استرعى هذا البرفورمانس انتباه زوار البينالى وقوبل بتقدير واعجاب ونجح فى إيصال موقف ووجهة نظر فنان مصرى تجاه اعتماد الإنسان المعاصر فى حياته اليومية على المستلزمات المعيشية الجديدة التى استحدثتها التطورات التكنولوجية وبأنها السبب فيما سيصل إليه الإنسان من حالة انهزامية منكسرة .
مع استحسان العمل فى فينسيا إلا أنه لم يشر إليه فى مصر وتم تجاهله كلية رغم ان ما قدمه الفنان هو جزء من المشاركة الرسمية لمصر وللأسف خلت طبيعة كتالوج البينالى الأولى من الإشارة للعمل ويرجع ذلك فى تقديرى لأن الوشاحى فاجأ الجميع بما قدمه بعد موعد طباعة الكتالوج الأمر الذى تداركته إدارة البينالى فى الطبعة الثانية فأشير إلى العمل وصورته كذلك .
وكان من بين أسباب ذلك الصمت والتجاهل كان خشية القوميسير ومسئولى وزارة الثقافة من تعرضهم لهجوم من التيار التقليدى المحافظ الذى ساد الحركة الفنية فى مصر فى وقتها ورفض مؤيديه لكل ما هو جديد تحت زعم أنه جهد عبثى لا يمت إلى الشخصية والأصالة المصرية .
- لقد كان هذا الاستقبال الفاتر أو أقل ذلك الإغفال سببا فى قتل الحماس وتثبيط الهمة ، لذلك لم نر أو نسمع عن اعمال برفورمانس أخرى للفنان الوشاحى أو غيره من الفنانين وردا على سؤالى- لماذا لم يقدم أعمالا أخرى من فن البرفورمانس ؟ .
- أوضح الفنان الوشاحى أنه أساسا نحات يتعامل مع الكتلة والفراغ ولذا كرس لكل جهده ووقته واهتمامه فى هذا الإتجاه وان البرفورمانس الوحيد الذى قدمه فرضته ظروف اقتناعه بأنه أنسب الوسائط للتعبير عن وجه نظره وموقفه كمصرى تجاه الإنسان وما يجرى من حوله من تطورات ورغبته فى تقديم هذا الفكر فى قالب يتمشى مع الإتجاه العام للحركة الفنية العالمية وقتها .
تلك كانت بداية البرفورمانس فى مصر، إلى ان ظهر جيل جديد من الفنانين فى ظل مناخ أكثر لوحات مسطحة بارزة من النحاس الإضافة الجديدة هى تنفيذ تماثيل مجسمة ومفرغة من ألواح انفتاحا مع تسعينات القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين فأخذ قلة منهم بأسلوب البرفورمانس وسيلتهم للتعبير الفنى البصرى .
- ولد الوشاحى بحسب المعلومات المتوافرة عنه بموقع قطاع الفنون التشكيلية فى التاسع من نوفمبر 1936 وتخرج من قسم النحت بكلية الفنون الجميلة عام 1963 وحصل على درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1978 .
- عمل معيدا بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة منذ تخرجه ثم مدرسا للنحت بالكلية ذاتها منذ عام 1978 وتنقل فى حياته بين مصر وإيطاليا وأسبانيا وشارك بالعديد من المعارض المصرية والدولية والعديد من البيناليهات منها بينالى الإسكندرية الدولى الرابع والخامس عامى 1961 و1963 كما شارك فى بينالى باريس الدولى الرابع 1965 وبينالى أبيثا الدولى الثانى 1966، والمعرض العالمى للنحت فى الهواء الطلق أسبانيا، ومعرض فى ميلانو 1971، 1972 بينالى الرياضة الدولى فى الفنون الجميلة برشلونة مدريد سنوات 1971، 1975، 1977 وبينالى فينسيا الدولى العام 1980 كما شارك فى معرض ومؤتمر النحت الدولى بأوكلاند وسان فرانسسكو عام 1982 بالولايات المتحدة الأمريكية وكان آخر سمبوزيوم نحت شارك به كان سمبوزيوم أسوان الدولى الثالث عشر للنحت 2008 والفوز بوسام مجلة بورتريه وحصوله على لقب سلطان النحت الطائر، ومن أهم المعايير التى وضعتها المجلة للحصول على هذا الوسام أخلاقيات هذا الفنان حيث عاش طوال حياته مستغنيا بإبداعه وفنه عن العالم أجمع وعن كل ما يهبط به إلى ثقافة الإنبطاح، حيث ظل صاحب هيبة كبيرة هى هيبة الأستاذ الجليل `، كما أنه صاحب مدرسة متميزة فى النحت بعد الفنانين محمود مختار وجمال السجينى وهى مدرسة النحت الطائر .
- الوشاحى فنان ونحات مصرى ذى شهر عالمية من أبرز أعماله تمثال أكبر من الحجم الطبيعى للدكتور طه حسين من البرونز يبلغ طوله ثلاثة امتار دون القاعدة التى وضع عليها وتقتنى مؤسسة ` الأهرام` ومتحف الفن الحديث والمتحف الحربى ومتاحف بإيطاليا وأسبانيا ودار الأوبرا المصرية عددا من أعماله وتم تسجيل اسمه فى موسوعة كامبريدج البريطانية كأحسن نحات دولى لعام 2001 وسوف يقام الشهر القادم أكتوبر فى قاعة أفق للفنون عرضا للتمثال الميدانى لعميد الأدب العربى طه حسين من أعمال الوشاحى تكريما له .
د.أحلام فكرى
القاهرة 2013
( المثال عبد الهادى الوشاحى عمق التشكيل بين ( طه حسين ) و ( القفزة المستحيلة
- يعد المثال عبد الهدى الوشاحى أحد علامات النحت من الجيل الثالث لفن الأجداد.. هذا الفن الذى أطلق شرارته مثال مصر مختار بعد طول انقطاع واكمل الفنان جمال السجينى مشواره متمثلا فى الجيل الثانى بلمسة جديدة بمثابة امتداد وإضافة لما قدمه صاحب تمثال ` نهضة مصر ` .
- وإذا كان الوشاحى له تعبير بليغ يقول فيه : `المثال هو المالك الشرعى للفراغ` بما يؤكد عظمة فن النحت ودوره كتشكيل فى الثقافة البصرية والارتقاء بالذوق والتذوق .. وأيضا تخليد الرموز القومية .. إلا انه وحتى الآن لم يأخذ حقه فى هذا الإطار فليس هناك ميدان واحد فى القاهرة بل وخارجها يقف فيه أحد تماثيل الفنان الوشاحى .. هذا على الرغم من المثال الكبير له ثلاثة تماثيل بأسبانيا يعتز بها شعبها أولها النصب التذكارى `إلى الفلاح -الجينيت بفالينسيا عام 1969وتمثالين آخرين أحدهما بالهيئة الأوليمبية الأسبانية بمدريد عام 1975 والثانى تمثاله بنادى ` ريال مدريد عام 1977.
- التقت الخيال بالمثال الكبير عبد الهادى الوشاحى وكان هذا الحديث حول عالمه ودنيا فن النحت .
* شاكوش وازميل `
- يقول بدايتى ببساطة مع فن النحت كانت وعمرى ثلاث سنوات .. كنت كلما وجدت شاكوشا انزل دق وخبط على الحوائط والموبيليا كنت أميل للنحت خاصة وهو مرتبط بالشاكوش وازميل .
- وفى البداية كنت دائم التفكير وافضل الانفراد كثيرا بنفسى .... واهفو دائما إلى التشكيل وأهوى الأشغال الفنية واقتناء الطوابع خاصة الطوابع التاريخية التى تحتفى برموز الفكر والفن وكنت أرى فى قطع الخبز الناشف `أشكالا فنية ومع تاملى للسحاب خاصة وقت الغروب وما يحفل من تشكيلات توحى بجبال واشجار وجياد وطرق ومجاميع من البشر كنت أهفو إلى سماع الحواديت وأعيش فى عالم كله خيال فى خيال !!.
* التشكيل بالصابون ومت بدأت رحلتلك مع التشكيل؟
- بدأت فى الأول من خلال شمعة كانت شهيرة على أيامنا ثمنها تعريفة وكانت بيضاء ضخمة ..أظل انحت فيها مع الصابون المنزلى ..كل هذا كان مادة خام للنحت فى طفولتى ..وكنت من فرط استخدامى للصابون فى التشكيل ذات مرة قاموا بتأنيب الغسالة على استهلاك الصابون !!.
- وفى يوم عمات مؤامرة ..آخذت مفتاح دولاب الهدايا الموجود بالصابون خلسة وكان دائما مغلقا ..أتذكر أنني شكلت تمثالا وفتحت الدولاب ووضعته بين التحف وقفلت الباب باهتمام واحترام ووقار ..ورجعت إلى الخلف حوالى متر وقلت : أنا حابقى بتاع آثار !!... كان هذا وعمرى ثمان سنوات ولم اكن اعرف ان هناك فنون جميلة وهناك قسم للنحت !!.
- وعندما كبرت قليلا استمر التشكيل بالصابون والصلصال الذى كنت اعشق رائحته وإضافة إلى هذا كنت انحت فى سطح المكتب وعملت رليفات ` نحت غائر وبارز ` ونلت على هذا تأنيبا ولوما متهما بإتلاف المكتب وجاؤوا بالنجار الذى قام بقلب السطح .. وتكرر ما فعلته من قبل فما كان من الآسرة إلا أن أحضرت سمكرى وغطى السطح بالزنك ووضعوا رخامة وتم نقل المكتب إلى المطبخ !!.
* فيل خشب :
- فى المرحلة الابتدائية..عملت تمثال خشب لفيل.. كان فيه صعوبات فى البداية ولكن نال الإعجاب الشديد من أستاذ التربية الفنية وكررت المحاولة بالصلصال وكلما بدأت فى التشكيل كان التمثال يقع لضخامته إلى ان وقف متحديا الظروف حين بدا يجف .
- وفى الثانوى وبحكم والدى ببنك التسليف كنا ننتقل من بلده إلى أخرى فانتقلنا من بلدتنا المنصورة إلى محافظة الغربية وقضيت عام كامل فى طنطا هناك فى المدرسة تعرفت على رسام الكاريكاتير حجازى والفنان جميل شفيق
وفى التوجيهية ` الثانوية العامة `.. ومن فرط حبى لناظر المدرسة عملت تمثال يجسد شخصيته من شمع البرافين.. كتلة كبيرة من الشمع ..أكدت من خلالها قوة شخصيته وأناقته .
- وفى ذلك الوقت أيضا..عملت لأستاذ الرياضيات تمثال نصفى وكنت احبه واحب الرياضيات وتأثرت به فيما بعد فى معاملتى للطلبة !!.
- وأعجبت بشخصية الثائر احمد عرابى وقمت بتشكيل تمثال له.. ولكن لم يرق والدى ان استمر فى النحت.. كان يريد لى ان التحق بكلية الهندسة بدلا من الفنون الجميلة.. وكان مصرا على هذا .. وهنا تركت المنزل حاملا عرابى التمثال فى حقيبتى وتوجهت إلى القاهرة عند أعمامى الذين استقبلوني بتشجيع كبير
* لقاء بكمال خليفة :
- وفى القاهرة قبل دخولى الكلية تعرفت على متحف الفن الحديث ومكتبة الفن ..كان ذلك بشارع قصر النيل ` مكانه جراج حاليا `.. وكان به قاعة للموسيقى الكلاسيك وصالة معارض وهناك التقيت بالعظيم كمال خليفة الذى لم يأخذ حقه للان وفى لحظة فارقة أشار إلى تمثالين وقال : اختار يا وشاحى أيهما يروق لك فأشرت إلى أحدهما وكان تشخيصيا لكنه اختار التجريدى والأكثر تعبيرية وقال عليك ان تتأمل جيدا ..هذا هو النحت الحقيقى.. يومها تعلمت ان أرى الأشياء على حقيقتها بمعنى آخر أن اتأملها !!.
- وهناك أيضا طالعت تمثال بديع بلمسة المثال أدوار زكى خليل رخام ابيض كرارة يجسد جذع امرأة بارتفاع 80 سم .. أحضرت طينة وبدأت اعمل دراسة من وحية وقررت الالتحاق بالفنون الجميلة.
- فى الامتحان التقيت بثلاثة من الاساتذة : مصطفى متولى وأبو صالح الألفي والحسين فوزى .. قالوا لى أنت جاى ليه.. قلت نفسى التحق بقسم النحت.. ومع العملى ..اطلعنى مصطفى متولى على مجموعة من الكروت لتماثيل واخذ يسألني وأنا أجيب : قبلة رودان - موسى لمايكل انجلو وغيرها من النحت العالمى هو يشير وانا أجيب ولوحت فى التصوير أيضا لدافنشى وفان جوخ.. قال : أنت نجحت بتفوق 20 من 20 .
* تمثال ` البرد ` :
- فى كلية الفنون الجميلة فى قسم النحت كان معى محمود رحمى كان نحاتا عبقريا أخذته العرائس واحمد قاسم الحلو ومصطفى الحلاج فلسطينى رحل عن عالمنا فى حادث اليم وعدنان انجيلة من سوريا ومن الاساتذة : مصطفى متولى وجمال السجينى .. واحمد امين عاصم وهو عبقرى من الاساتذة الكبار الذين يفنون انفسهم من اجل الطلبة وكان يعطى كل ما عنده من أجلنا .
- فى عام 1960 آخر سنة أولى كان فيه مشروع أعمال سنة ..دخل علينا السجينى ..قال : `البرد !! ` واعطى ظهره وخرج!!.
- تذكر أحمد ربيع زميلى بقسم العمارة كان طويلا وشكله ` سمارت ` أنيق طلبت منه ان يكون موديلا خلع ملابسه ووقف فى الاتيليه عاريا إلا من الملابس الداخلية ووقف وكانت الدفاية شغالة وكنا فى اعز الشتا وكان تعليقه : أنا احترمتك يا وشاحى تعرف من البداية أول ما خلعت ملابسى لقيت نفسى بردان وعملت هذه الحركة ..وانا بدورى شكلتها مع الإحساس بالبرد ..عملته جبس وعملته خشب فيما بعد ، وفى مشروع البكالوريوس عملت شهيد دنشواى وحصلت على 100 من 100 وهو رقم لم يحدث فى تاريخ الكلية .
* القفزة المستحيلة :
- يضيف : تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 1964 وعينت معيدا بالفنون الجميلة بالإسكندرية .. بعد ذلك حصلت على منحة لمرسم الأقصر وكان مدتها عامين ..يقضى الدارس الشتاء بالأقصر ويقضى الصيف `بحوش قدم ` بقاهرة المعز ..يعنى زاد وزواد من التراث ولكن اتذكر رجل عبقرى اسمه المثال الشهير عبد القادر مختار ..قابلنى وقال لى : يا وشاحى هناك معرض فى أسبانيا ` بينالى ابيثا الدولى ` وانا أرشحك له ..كان هذا عام 1968 ..تقدمت بتمثال ` البرد ` بعدها اتصل بى ..قال مبروك حصلت على الجائزة الثانية ولابد ان أساعدك فى السفر واستلام الجائزة وقام بجهود واتصالات مكثفة حتى سافرت ..وتغيرت الموازين من منحة مرسم الأقصر إلى الاستمرار هناك ولذلك قصة ..فقد تم تكليفى بعمل تمثال الفلا بمقاطعة فالنسيا بأسبانيا وهى آخر مكان وصل إليه العرب هناك وهى مركز لحدائق البرتقال بكل أوروبا .. وفى هذه البلدة نخبة من الفنانين التشكيليين ..مجموعة من المثالين يقومون بعمل تماثيل ضخمة من الورق والخشب بارتفاع اكثر من سبعة امتاز وفى يوم من العام يقومون بحرقها فى مساء أحد الأيام كتقليد يحدث كل سنة ..وهو احتفال على حساب أهل البلدة يرمز إلى التخلص من الأشياء القديمة ..ويحدث هذا فى كل الميادين على غرار حرق اللمبى عندنا ..يعنى أنا وقعت فى حارة النحت بمعنى آخر حارة السقايين !! .
- والعمل عبارة عن نصب تذكارى نحت بارز رلييف `...نحاس مطروق على نافورة بميدان يصور فلاح يحرث بحصان كعادتهم فى الزراعة ويمتد بمساحة 4 متر و 20 سم × 2 متر و20 سم.
- وانتقلت من أسبانيا إلى إيطاليا فقد شاركت فى معرض ` النحت فى الهواء الطلق لاجناتو ` بدعوة شخصية وذلك بميلانو واقتنت مؤسسة ` كانى` عمل لى موجود حاليا بمتحف الفن الحديث هناك ` الخطوة الأولى - تاتا تاتا ` .
-عدت إلى مصر عام 1974 فى فبراير ..لكن كان على ان أسافر من جديد ..وكان هناك بينالى الرياضة فى الفنون الجميلة بأسبانيا ..قلت اعمل تمثال واشترك فى البينالى عملت `القفزة المستحيلة ` نحاس مطروق أخذت الجائزة وابتديت مرة أخرى من الصفر .. لقد عشت ` القفزة المستحيلة ` بشكل حقيقى .. التمثال ارتفاعه ` 180 سم نحاس مطروق تركيب مع الزانة وكان الناقد المعروف ` رؤوف شفارى ` فى لجنة التحكيم .. التمثال حصل على جائزة الهيئة الأولمبية الأسبانية وهو بينالى يقام كل عامين مع الاقتناء الخاص .
- بعدها بعامين فى مدريد عدت للشمع من جديد قمت بتشكيل تمثال ` رجل وكرة فى الفراغ ` رحت لأستاذ فى أكاديمية سان فرناندو وطلبت منه صبه برونز حصلت به على جائزة ريال مدريد ` النادى الملكى ` ..كما حصلت على درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرنادو للفنون الجميلة بمدريد عام 1978 .
* وماذا يعنى تمثال طه حسين بالنسبة للوشاحى؟
- طه حسين ..هو رمز للفكر المستنير ورمز لحرية الإبداع ..عملته بحب ومثلما يكون الفراغ له حضور ووجود يمثل طه حسين الحضور فى الحيز المادى والمعنوى ويمثل بالنسبة لى الخبرة الحياتية والثقافية وقبل كل ذلك تلك اللحظة التى تجمع بين الوعى واللاوعى أو اللاشعور والتى يظل فيها الباب مواربا على حرية الإبداع.
* وعالمه :
- فن النحت يعد بالنسبة لعبد الهادى الوشاحى الهواء الذى يتنسمه وكان كل شئ فى حياته من اجل هذا الفن : الدراسة والسفر والعودة والرحيل مرة أخرى لاشيء يعنيه سواه ..حتى انه يقول ببساطة شديدة أنا عايش للنحت ولا شئ يقف أمامه .وأعمال الفنان الوشاحى تمثل لمسة خاصة تجمع بين الثبات والاتزان وبين التلخيص الشديد الذى يقترب من التجريد مع قوة التعبير وحيوية الأداء أو الخروج من السكونية وهى تنطلق من نقطة لتنفرج فى آفاق وتجليات تتنوع فيها السطوح من اللمسات الهندسية التكعيبية والانحناءات والاستدارات القوسية وتبدو غنية بالفتحات التى تجعلها فى تجاوب شديد مع الفراغ ..يتخللها الضوء منسابا على سطوحها .
- وربما كانت منحوتته `استشراف` بمثابة أيقونة أعماله وسرها ومعناها الرمزى والتعبيرى وهو يصور من خلالها رجلا يضع يده اليمنى على رأسه مدققا بعيننيه.. فى نظرة يتطلع فيها إلى المستقبل فى نفس الوقت التى تنساب عباءته وراءه منفرجة عن مسطح مسكون بالسطوح الدائرية القوسية والسطوح التكعيبية وكانه يحمل ارث الماضى من التراث فى إشارة إلى تلك الصيغة التى ننشدها من الأصالة والمعاصرة أو الحداثة والمحلية والعالمية .
- ويعكس تمثاله لطه حسين.. استشراف آخر .. بما يحمل من فكر خاصة وقد جسده جالسا فى استطالة وشموخ بنظرة تأمل تطول رقبته يكاد يهم من فرط التطلع والاستشراف !!.
- وربما كان تمثاله ` إنسان القرن العشرين ` بما يحمل من لمسة شديدة العصرية مع هذا التشكيل الأسطوري الغنى بالفتحات والتموجات لإنسان براس دقيق مبهم الملامح يمثل مساحة تتجسد فيها كل آفاق العصر وإنجازاته واحباطاته أيضا فهو مفتوح على دنيا من التساؤلات .
- ونتصور ان الوشاحى قد جسد فى منحوتته ` ألبومه ` بما تموج بتلك الفراغات خاصة العينين المعنى الحقيقى لويلات العصر وخرائب الغشم والتسلط .
إلا أن القفزة المستحيلة تمثل قفزة الإنسان ليس فى الرياضة فقط ولكن فيما يجتاز من حواجز وما يحقق من إنجازات كانت فى حكم المستحيل ..بهذا الكائن الانسانى الذى يشق الفراغ ..تنفرج أطرافه وترتفع بشحنة انفعالية شديدة وحركة تتجاوز كل الحدود .
- وجاءت منحوتة الفنان ` ذات السبعة عشر ربيعا ` صورة للتحفز والانطلاق والتطلع إلى آفاق جديدة .. وعموما تبدو أعمال الوشاحى مساحة من السمو تتألق فيها منحوتاته وكأنها تقف على أطراف الأصابع اشبه براقصات البالية .
ومن بين أعمال فناننا ` رجل وكرة فى الفراغ ` و ` العجلة أو الدراجة ` .. وغيرها من أعمال وكلها تخرج على دائرة الاعتياد التقليدية فى التشكيل والتعبير وتبدو مشدودة بالتوتر والانفعال كما تتميز بعمق درامى مع الصرحية بلمسة معاصرة لا تعرف السكون ..وهى أعمال تثير الدهشة .
- تحية إلى الوشاحى الفنان والإنسان.
صلاح بيصار
مجلة الخيال - العدد الثامن والعشرون - يوليو 2012
إقتناص الفراغ هو دور التمثال
- ولد الوشاحى فى مدينة المنصورة فى التاسع من نوفمبر 1936 شارع المديرية البحر الصغير وكان والده موظفاً ببنك التسليف الزراعى.
- فى المنصورة الابتدائية تكونت أول علاقة له مع أصبع الطباشير حيث كان يشكل أول علاقة بالنحت وكان يستعمل الموس فى تشكيل ما يشبه مدرس اللغة العربية ، يقول الوشاحى كنت أحب رائحة الصلصال الزيتى وبرغبة شديدة فى اللعب به. وكانت تلفت نظرى تراكيب السحب ونشع الحوائط والحمامات وكنت مولع بفورم رغيف الخبز بألوانه وكنت أقضم أجزاء وأترك بعض الأشكال التى توحى بطيور، وكنت أيضاً أحب الشاكوش أيضاً.
- لم يبدأ الوشاحى بالرسم لكنه بدأ منذ خطواته الأولى فى نحت الطباشير والشموع والبطاطس يقول: كان حصولى على مطواه مسنونة صغيرة سبيلاً لتسهيل عملية الإلحاح النحتى ولم يخلو الصابون من تشكيلاتى حيث كان الصابون وقتها يصنع فى المنزل، على شكل مكعبات كبيرة.
- ويذكر الوشاحى انه سرق مفتاح دولاب الفضيات ليضع تمثاله من الصابون وسط التحف ليأخذ مكانه وكيف أنه أدخل سروراً شديداً على قلبه وكان تمثال الصابون هذا لا يزيد ارتفاعه عن ستة سنتيمترات ويضيف ` قلت لنفسى أننى سأكون بتاع آثار.
- فى مدرسة الأحمدية الثانوية التقيت بالأستاذ الكسان مجلع مدرس الأشغال حيث كنت أقضى يومى فى قاعة الرسم.
- فى مدرسة الملك الكامل الثانوية وكانت فى الحسينية بالمنصورة التقيت بمدرسين للفنون أ. خضير وأ. بدران وقد قمت بعمل فيل 27 سم فى 27 سم ارتفاع بسمك 9 سم من الخشب بأزاميل الخشب المخصوصة، وكان الأستاذ بدران من خريجى الفنون الجميلة.
- سألته ماذا وجدت فى الطبيعة ؟
- أنا أقتنى العظام والزلط والأحجار لأتامل الفورم وأتامل التشكيلات للخضروات والفواكه حتى الآن وأيضاً رغيف العيش.
- قمت بعمل الكثير من التماثيل، والتقيت فى المدرسة الأحمدية باثنين من الفنانين، جميل شفيق وحجازى وقد أصبحا الآن من أعلام الفن المصرى .
- فى القاهرة عام 56- 1957 كانت هناك مفاجأة خطيرة فى حياتى ` سألت عن متحف الشمع فوصفوا المكان فى ميدان التحرير حيث توجهت إليه لأفاجأ بنفسى فى متحف الفن الحديث بقصر الكونت زغيب.
ماذا رأيت هناك..؟
- منذ أن وصلت قدماى إلى هذا المكان وجدت نفسى مقيم به من الصباح حتى يقفل أبوابه. فى المكتبة وفى متحف مختار وفى المتحف تعرفت على جذع رخام للفنان إدوارد زكى خليل أستاذ النحت فأحضرت الطين فى المتحف وقمت بعمل تمثال. وقال لى الفنان صلاح طاهر يجب أن تدخل الفنون الجميلة وفى حديقة الحيوان التقيت بأستاذ آخر هو العزازى وقال لى لابد أن تدخل الكلية، وكان قد بقى على امتحان الثانوية العامة منزلى شهرين ونجحت ووصلت إلى الكلية وكنت مقيم إقامة كاملة.
- كنت طالباً مشاركاً فى المعارض حيث قدمت أول تمثال تضع به قدمك على طريق النحت بتمثال البرد من الخشب 1961 وكان تعبيراً عن حالة الفنان.
- كانت دراستى مملوءة بالتعرف على المبدعين الذين سبقونا مثل الفنان البارز جمال السجينى وآدم حنين وأحمد عبد الوهاب وكمال خليفة ومحمد هجرس ولا أنسى محاضرات متحف الفن الحديث.
- هناك وقفات كثيرة فى فن النحت منذ روائع النحت المصرى القديم والأشورى والهندى وعباقرة عصر النهضة وما بعدها، رودان ، هنرى مور، برانكوزى وكالدر.
- فى مرحلة التجميع المتناثر الغير منظم ومن خلال مكتبة الفن وحتى قبل ذلك كنت مولع برودان ثم هنرى مور ولا أنسى تمثال ` المفكر` وجان دارك، وهم من إبداع رودان ولكن أروع أعمال رودان هو تمثال` بلزاك` الذى يقف مع قطع النحت الحديث شامخاً ولكن `هنرى مور` قصة أخرى وقد أثر فى تأثيراً شديداً ، ولقد ربط بعض الزملاء بين تمثال البرد وبين جياكوميتى وأعتقد أنه لا يوجد سوى شبه ظاهرى فى ملمس السطح.
- مراحلك الفنية، انتقلت من الواقعية إلى التعبيرية إلى التكعيبية هل هى مراحل محدة أم متداخلة؟ وما هى رؤيتك لها؟
- أنا لم أحدد مراحل وكنت يقظ من صباى فكان ما يشغلنى هو الشكل تمثال البرد الذى بدأت به الدخول الى الحياة التشكيلية 1961 كنت أعبر عن التمثال الكامن شكلاً وموضوعاً فى باطنى فى وجدانى.
- فى عام 1965 ذهبت إلى بينالى باريس مع الفنانين أحمد عبد الوهاب وفاروق شحاته وعبد الوهاب مرسى ماذا عرضت هناك؟
-عرضت تمثال افريقيا يمثل إنسان مندفع إلى الأمام مكتوف الأيدى بلا قيود وكان العمل نحاس مطروق وبعد عودتى حدث صراع قوى فى نفسى بين الأكاديمية وبين التحرر الذى أدهشنى وكانت سنة 1966 هى بداية لتحررى بتمثال بورتيرية شخصى وقد أدركت بعد ذلك أن تطورى مرتبط بعد ذلك عام 1978 بالبورتيرية الآخر وجدت نفسى على أبواب مرحلة جديدة بعد اثناء عشر عاماً من الأول وهو موجود عندى .
- ساهمت بعمل كبير فى أسبانيا فى الخنيت حيث حدائق البرتقال كان هناك فى فالنسيا نصب تذكارى للفلاح على حائط مقعر 420 فى 220 سنتميتراً مطل على فسقية وأقمتها على الحائط بالنحاس المطروق وكانت قد أقيمت على عمودين وهو عمل كبير وهناك أعمال أخرى فى أماكن عامة فى الهيئة الأولمبية الدولية بأسبانيا.
- أحببت السفر بعد رحلة بأريس فسافرت 1967 على حساب الخاص لاستلام جائزة بينالى إبثيا الدولى وساعدنى فى ذلك الدكتور عبد القادر مختار حيث بدأت رحلتى الدراسية الأوروبية.
- ما هو النحت وكيف ترى هذا الفن هل هو تعبير وسط الفراغ أم تعبير بكتلة وأى كتلة وأنت تعلم الكثير من الاتجاهات المعاصرة ، وكيف تتعامل مع النحت كفن إتمام التحقق لوجودك كإنسان أم هو تحد للفراغ .... إلخ ؟
- النحت هو لغة بصرية لغة الفورم واللون معاً الكتلة لكى تتحقق فإنها تسيطر على الفراغ وتصنع حرماً لها فى الوجود.
- لاحظت أن كثيراً من تماثيلك تحتضن الفراغ فى شكل أقواس تنحنى من عدة اتجاهات.
- بعض الأشكال تتلاشى فى الفراغ والفورم يحوى مركز إشعاعى يتولد منه طاقة إشعاعية بمعنى الاكتشاف الدائم للمتلقى فالتمثال يرى فى كل زمن.
- فن النحت هل هو فن استعراضى لاشكال تجذب المتلقى؟
- هناك مثلث الفنان والعمل الفنى وثالثهم مكان اللقاء الذى يصبح فيه العمل النحتى فى مجال اللقاء مع المتلقى والنحت يختلف عن سائر الفنون لأن التمثال يلتقى مع المتلقى بدون قصد فمثلاً التمثال قى الميدان يراه المواطن بدون سابق إنذار أو قصد، ، هو يراه بدون وعى فيجد تمثالاً يحرض على إعمال العقل وهذا عصب أساسى فى فن النحت، جرعة وراء أخرى فإن الإنسان عندما يرى ويتأمل التمثال يتحرك عقله بطريقة منظمة. وقد يكشف هذا التأمل عن حلول لبعض التصرفات، وأنا أزعم أن المتاحف وصالات العرض أصبحت قاصرة على الباحثين والدارسين والأعمال الفنية التشكيلية مكانها الطبيعى فى الجداريات وتماثيل الهواء الطلق تحرض المواطنين على التفكير والتأمل الذى يؤدى إلى الاكتشاف.
- هذه الأعمال العامة التى تواجه الجماهير يصفها بعض مدعى الفهم بأنها أعمال استهلاكية فى حين أنه من المعروف أن الأعمال العظيمة فى تاريخ الفن هى الأعمال التى أدت دوراً فى عصرها فهى تخلد الدور وتخلد فى آن واحد. انظر إلى تمثال نهضة مصر للمثال العظيم محمود مختار الذى خلد ثورة 19 وتخلد بها. العناصر الرمزية فى تمثاله وصرحية التناول وجماله تجذب المشاهد وتعطيه فترة من التأمل والتعقل والفهم، فهل يأتى اليوم الذى نشهد فيه أعمال معاصرة قوية فى الميادين. وخاصة بعد تألق مدرسة النحت فى أسوان؟
- أنا لست ضد الأكاديمية أو الواقعية رغم ما فيها من تعطيل للاكتشاف ، أنا مع الأكاديمية والواقعية فى مراحل التعلم ولكن على الفنان أن يتخطاها الفنان يجب أن ينطلق بعيداً عن أكوام القمامة كما نرى فى الكثير من الإنتاج للشباب ، الفن شئ والقمامة شئ آخر، ولكننى أرى أن حرية الإبداع للجميع.
- الإنسان هو محور الفن أم انه أصبحت هناك عدة محاور أخرى والمواطن الباحث عن رغيف العيش قد لا يعبأ بالتصورات الحديثة.
- هناك هم عام وهناك هم خاص، الفنان يحمل رايه الإنسان وأنا أتوجه بعملى للإنسان وأذكر لك واقعة هامة شاهدتها فى روما 1977 بجوار الفاتيكان وأنت تعلم ما هو الفاتيكان بالنسبة للإيطاليين وللعالم كله وقف أحد الأفراد عمره 17 سنة وقال ` أنا النبى المنتظر وسوف ألتقى مع الجميع الساعة الخامسة `، ولم يتعرض له أحد من منطق أن الشعب الإيطالى سمح له الكلام ولكن الشعب لفظة واعتبره كم مهمل. هذا الحدث يؤكد لك أن الشعب الإيطالى يستطيع فى منتهى البساطة التفريق بين هذه التخاريف وبين الحقائق يستطيع التفريق بين المرضى السياسيين وبين أصحاب المبادئ يتجه للثقافة العالية . وعلى الجانب الآخر أستطيع أن أقول أن المصرى له عين تشكيلية فمثلاً بائع البرتقال فى مصر يقوم برص البرتقال على عربة اليد على شكل هرم جميل، الإرث الجمعى والعين التشكيلية على المستوى الشعبى، الحصان وعروسة المولد ورسوم الحج والوشم.. إلخ .
- النحت كيف تراه كفن؟
- بالنسبة لى النحت هو حياتى وأنا منذ عشرين عاماً أمارس فن النحت لأحافظ على إنسانيتى وأقدم عملى للإنسانية لأننى أضع أمام عينى أننى أخاطب العقل والوجدان، والوسائل الحديثة مهمة فى فن النحت وسائر الفنون. الشكل يختلف لكى يتناسب مع وجهة النظر. والوجدان بالنسبة لى مضمون غير مباشر وهو شئ هام.
- تجارب الحداثة وما بعد الحداثة ماذا تجد بها؟
- هى تجارب مباحة ولأ أحجر عليها حتى لو قننت وأصبحت من الكلاسيكيات وأصبحت مشروعة وفى عام 1972 كانت هناك صيحة لبينالى فينسيا قالوا ( إما فن أو موقف) وكان هذا هو بداية تكفير المبدعين بالفن وانه على الفنان أن يصبح معبراً عن موقفة.
- هل هناك موت لفن النحت..؟
- أنا أعتقد أن كل ما أضمنه لنفسى أننى ألعب ولا أحدد فكر وعلى الورق أخطط بكل الحرية. وفن النحت لن يموت وسوف يستمر إلى الأبد.
- هل كل عمل نحتى يصلح لأى مكان من منطق أن الفنان يبدع ويلعب؟
- لالا طبعاً لابد أن يدرس المكان الذى ينتج من أجله التمثال الفورم عضو جديد فى المكان والخبرة الحياتية والمعايشة والإرث والتلقائية.
- عملية الإبداع عملية معقدة للغاية فبالفعل هناك تدخلات كثيرة فى الإبداع.
- هى غاية فى التعقيد فالمثال يستكشف نفسه بعد مرحلة من التلقائية وحتى بعد نهاية العمل، بعد فترة أستطيع استبيان أساسيات العمل.
- النقاد يستطيعون اكتشاف الرموز والحوارات النفسية والجنسية وأيضاً الجماليات وعلاقاتها فما هو الجديد فيها ؟
- نقطة الانطلاق عندى فى تمثال الحب فى تأثير فورم فى فورم فى فورم آخر أو غزو فورم لفورم آخر، الموضوع لا يسجننى لأنى مشغول بالشكل وقضية إنسان القرن(21).
- هناك مشكلة أن الإنسان المصرى دائماً يقف مشدوداً أمام الأعمال المعاصرة والفنان التشكيلى أيضاً يقف مكتوف الأيدى أمام حرب 1973 . والانتصار العظيم الذى أحدث أنقلاباً فى المنطقة والفنان يشارك فى تكوين الرؤية للواقع المعاش.
- هناك فنانون تسجيليون مثل الكوريين فى البانوراما وهناك فنانون مبدعون، الإبداع وراؤه فكر وتنبؤ، يستشرف المستقبل مثلاً تمثال الصمت 1975 ، والصرخة فى نفس الوقت كان تمثالأ بسيط ، أهديت الصمت والصرخة للشعب المصرى العظيم أزعم أنها ما يسمى بانتفاضة الحرامية 17 ، 18 يناير 1977.
- فى عام 1986 اكتشف السيد ياسين الكاتب المعروف العبائة فى تمثال استشراف ولم أكن أقصد سوى السالب والموجب من خلال حركة وهذا التمثال موجود بالمتحف، الإرث به السالب والموجب والمتناقضات.
- العباية تناولها معظم الفنانين طبيعى، من أول مختار حتى الأن.
- نعم أنا ما يهمنى هو الفورم واستشراف كان قبل حرب الكويت وهى نتيجة محصلة تصورات وأى فنان يبرز القضايا التى تشغله ولكنى أترك نفسى أعمل وطبيعى أن أعبر وأستشرف. السرد الفنى وارد والفن وارد، فى فن البورتيرية كنت قد عملت لنفسى بورتيرية وفؤجئت بأن هناك الشخصية عندما صورت إلى جواره.
- آدم لخص صلاح جاهين وبشخصيته الفنية رغم التلخيص المذهل رأس صلاح جاهين عمل عبقرى من آدم حنين منتهى القوة فى إدراك الشخصية وأذكر عندما كنت أعايش رياض السنباطى من خلال صور ضعيفة ولكننى كنت أسمعه جيداً وكنت على وشك الانتهاء وجاءنى مجموعة من الزوار منهم فتاة جاءت من امريكا فأشارت على التمثال قائلة أنه مؤلف موسيقى.. لقد أحست رغم أننى أضع أى إشارة للفن الموسيقى لأ أنه حس ورسالة.
- هناك بعد نفسى فى أعمالك هناك فتحات وقوائم وفورم من وجهة نظرى كناقد انها ترمز إلى الجنس كعنصر أساسى وسر جاذبية العمل للمتلقى والنقد لا يمانع من وجود محرمات وفق نفسية الفنان.
بكل تأكيد هناك الجنس موجود والخير والشر موجود. الجنس موجود برمز وبتكثيف ولكن هذا يحدث دون أن أدرى أننى أنطلق وأترك مسافة للوعى.
- الثدى مثلاً موجود فى تمثالك وأحياناً المنحنيات والفتحات موجودة فى تماثيلك ، إنسان القرن العشرين مثلاً .
- إنسان القرن العشرين رقم 3 يوجد إشارات كثيرة لبعض الأعضاء الجنسية وهناك تأكيد لجميع أعضاء الإنسان فى أعمالى.
- هناك بعض التحليلات أقرب إلى الأرجل الحيوانية فهل ترمز هذ الحيوانية إلى قوة تاثير الجنس على نفس الفنان الوشاحى.
- بكل تاكيد أن الفورم مشبع بالحس وبالوجدان وبالعقل ولست رومانسياً فقط أو حسياً فقط أو رمزياً فقط.. فأثناء الإبداع تكون اللحظات غير واضحة ، فى إنسان القرن الحادى والعشرين أنجزت ثلاث تماثيل وباقى اثنين ما أقصده هو علاقات الفورم ببعضها وأبذل كل جهدى لإحداث التوازن بين الفورمات.
- ماذا تقدم مستقبلاً فى قضية الفورم؟
- منذ أن تخرجت وأنا أعتبر أن أمنيتى هى تحقيق فورم فى الفراغ وتشغلنى هذه الفكرة منذ 1963 فورم فى الهواء.
- الهواء كتلة ممكن بدفع الهواء من مسدس هواء يدفع ويلغى ثقل التمثال وعندما تضبط سرعة الهواء يقف التمثال معلقاً فى الهواء.
- أملى أن أحقق هذا وأعتقد أن العلم يمكن أن يساعدنى على حل هذه المشكلة مستقبلاً.
- خصائصه النحتية
- يقول الناقد الكبير صبحى الشارونى فى تأريخه للنحت المصرى والعراقى ` رسالة الماجستير` يتجه الفنان عبد الهادى الوشاحى إلى تحقيق نوع من التوازن المبهر للمشاهد فى ثماثيله، فهو يتعمد أن يقيم أعماله على أساس ` الهرم المقلوب ` أو ` المسلة المرتكزة على إبرتها ` فيختار لتماثيله نقطة ارتكاز ثم يبنى فوقها الشكل الذى تتسع قمته ويظل متوازنأ.. إنه يجتذب المشاهد عندما يجسد أمامه معجزة الاتزان تمامأ كما يبهر لاعبوا السيرك مشاهديهم بهذه المعجزة. ولهذا فهو يختار موضوعاته بعناية شديدة لتكون منطقية مع الاتجاه التشكيلى الذى اتبعه فى ` خيال المآتة ` وفى ` شهيد دنشواى` و ` سباق الدراجات ` .. وهكذا...
- كما يتجه فى بعض أعماله إلى الاهتمام بالفراغ فيجعل النور والهواء يتخلل أشكاله، ويعتنى عناية شديدة بالخطوط المحدة لهذه الفراغات حتى تبدو وكأن كتل التمثال هى إطارات لهذا الفراغ المشكل بعناية `
- يقول الوشاحى أن قضيته الأولى هى الشكل النحتى بجزئياته وفعلاً يهتم الوشاحى بكافة جزئيات العمل اهتمامأ لا يترك مجالأ لأحد أن يكتشف رعشة ليد الفنان أو اعوجاج غير سليم وخاصة فى أعماله الأخيرة وذلك على خلاف مراحلة الأولى التى كانت تظهر فيها بعض سطوح التمثال وعليها بصمات الأزميل ` تمثال البرد ` أو بعض القصدير فى تمثال ` الجالس` فتبدو تماثيله الحديثة وكأنها لم تصنع بيد بشرية وإنما بالكمبيوتر مثلاً وذلك لشدة الحرفية فى التنفيذ، وفى لوحة من النحت البارز بجريدة الأهرام ` بولى استر` لا يمكنك التفريق بين الرخام وبينها بسبب دقة اختيار وتكوين اللون. ان ذلك يؤكد الحرفية الشديدة فى التنفيذ فلا مكان للانفعال وإنما هناك مكان واسع للإعجاب بالدقة المحيرة التى لا تترك مجالاً لأزميل الفنان أو الفرة أن تظهر.
- هذه الهندسة التشكيلية والدقة تصرفنا عن التفاعل الوجدانى رغم نجاح الفنان فى تحقيق شكل جميل للغاية متزن للغاية محسوب للغاية ولذلك عندما تتأمل نحس بأن هذه الصياغة الماهرة أقرب إلى الحلى المعدنية أو الشعارات أو الرموز فهل ضيع التكنيك علينا فرصة الإحساس بآدمية المثال أم أن الوشاحى ضحى بالعواطف الإنسانية أمام صرامة العقل والتكنيك معاً. وهذا يثير سؤالاً عند أى حد يجب أن تتوقف مهارة وحرفية الفنان وهل هى أمر متروك لكل فنان ضمن حرية إبداعه؟ الأمر الآخر الذى تعلمناه من متابعة الأعمال الفنية أن حرفية المبدعين من فنانى العصر الفرعونى رغم قوتها وعظمتها فإنها حرصت أيضاً على إظهار المشاعر وإسقاطها على الشكل بحيث يجرى حواراً أو روحانية بل وحتى عباقرة عصر النهضة قد ضمنوا أعمالهم الكثير من المشاعر رغم قوة ودقة التنفيذ.
- الهندسية الشديدة فى تحليل الفورم تجردنا من الإحساس ولكنه فى نفس الوقت يمتع أعيننا بقوة الصياغة المجردة فنحن عندما نرى تمثال الحب لا نجد إلا الشكل الميكانيكى للمحبين رغم عنفوان اللحظة التى اختارها والسبب يرجع إلى اختفاء العاطفة وتحول الفورم إلى معادلة بصرية عقلية بحتة كما فسرها الوشاحى بنفسه.
- الوشاحى إذن يتجه نحو التجريدية الهندسية بكل قوته ومن هذه الناحية نجح فى اجتذابنا وتقليص تمسكنا بالعاطفية الشرقية عند رؤيتنا لكل الدقة ولكل الاتزان فى تماثيل بلا احتمالات أخرى أكثر من ما نرى لقد بدا العنصر الهندسى عنده يفرض سطوته على كل ما هو عضوى بشرى فهذه هى الأقدام تتحول إلى حلول هندسية توازنية والرؤوس تتحول إلى شيئية تفقد علاقتها العضوية بتصغيرها إلى حد عدم التناسب أو التناسق مع الجسد وكذلك فى تمثال ` تطلع ` أو رؤية نجد وضعاً مذهلاً وتحويراً هندسياً شديداً للأقدام واستطالة للجذع وصغر حجم الرأس مما يجعل المتلقى يعجب بالبراعة فى إقامة هذا الاتزان دون أى تعاطف وإنما إعجاب قريب من إعجابنا بلاعب السيرك فى وضعاته المحيرة كما يقول الناقد صبحى الشارونى وأكثر التماثيل تعبيراً عن هذه الهندسة `سباق الدراجات ` .
- ولكن على الرغم من كل ذلك فما أحوجنا إلى الدقة التكنيكية وإلى الاتجاهات الهندسية والتجريدية فى التناول لتفتح الباب أمام الدارسين ليعرفوا أن مهارة المبدع تحتسب فى النهاية له وليست عليه وأن الخروج من عباءة الآباء أصبح دوراً للأبناء وسوف يأتى ذلك اليوم الذى نرى فيه أعمالأ تجمع بين هندسة الفورم وقوة المشاعر وبصمات الإنسان وإيقاع العصر، وبين ما هو عضوى وحسى فى آن واحد.
- الكتلة عن الوشاحى كتلة استعراضية التفافية ثعبانية الطابع بلا زوايا حادة يحكمها محور الارتكاز أو مركز الثقل حيث ينتهى بها المطاف إلى الاتزان. والكتلة متنوعة الوجوه نحيفة التشكيل مما يساعد الفنان على التلاعب بها وتوظيفها.
- الكتلة تخلصت من ` الجذعية ` أى التشبه بجذوع الأشجار دائرية الحركة يلعب الفراغ بداخلها دوراً رئيسياً ويحركها الفنان بحرية بين أجزائها.
- تحرر الفنان من الالتزام بالنسب الإنسانية ولعب بالاستطالة وبالتضاغط بالتوضيح وبالغموض وبالتناول المدروس أحياناً وفق متطلبات العمل بلا حدود محققاً حريته متنازلاً عن التفاصيل محققاً وجوده داخل عمله بخصوصيته الهندسية الطابع وعقلانية الحلول.
بقلم : مكرم حنين
من كتالوج دراسة فى إبداع خمسة مبدعين مصريين
الوشاحى وكتله المتعطشة للحريّة
- كان تراث النحت المصرى القديم بمثابة الرحم الذى تكون بداخله جنين النحت المصرى المعاصر، حتى ولد على يد محمود مختار فى أوائل العقد الثانى من هذا القرن .. ومنذ ذلك الوقت شب المولود حاملا الصفات الوراثية لفن الأجداد ... ومع تتابع الأجيال أخلت هذه الصفات تمتزج بمؤثرات جديدة ، أفرزتها روح العصر وعوامل التطور فى حركة الفن الغربى الحديث ، التى وجدت طريقها إلى حركتنا الفنية عبر جسور الاتصال الحضارى بين الشرق والغرب .
- إلا أن روح التراث المصرى القديم كان لها من السيادة فى تاريخ النحت الحديث ما جعلها ترسى دعائم مدرسة راسخة يمكن أن نسميها المدرسة القومية ، كان لها فرسانها عبر الأجيال المتعاقبة بدءا من عبد القادر رزق حتى محيى الدين الطاهر ، وان كان لكل منهم شخصيته المستقلة واجتهاداته المتميزة ، فقد كان يميزهم جميعا - بدرجات متفاوتة - ولاء للقيم التقليدية فى النحت القديم : من رسوخ الكتلة ، والثبات ، ورصانة الحركة ، وتحاشى الفراغات ، ومحاكاة الطبيعة ؛ مع استلهام للوجدان الجمعى المصرى أو القومى بشمولية (الكل فى واحد) .
- ولعل هذه السيادة كانت السبب فى أن حركة التمرد والتجديد فى النحت المصرى الحديث بدأت متأخرة عن مثيلتها فى فن التصوير ، التى بدأت أبان الحرب العالمية الثانية على أيدى جماعة الفن والحرية (رمسيس يونان وزملاؤه) ، وكان ظهور تلك الحركة التجديدية فى النحت على استحياء من داخل عباءة التيار القومى نفسه على يد جمال السجينى فى الخمسينات ، عندما حاول فى تماثيله أن يهجن الخصائص القومية بالأساليب الحديثة ... واستمرت الاجتهادات ، حتى تألقت عناقيدها فى سنوات الستينات فى أعمال عدد قليل من النحاتين الشبان آنذاك مثل : كمال خليفة ، ومحمد هجرس ، وصلاح عبد الكريم . وأهم وأن لم يبحروا فى قارب واحد كان منطلقهم واحدا فى البداية : وهو المنطلق الجمالى الذى يولى قضية البحث فى الشكل أولوية مطلقة كالتجريب فى الخامات المستخدمة ، والملمس وتحليل الكتلة وعلاقتها بالفراغ المحيط ، والبعد عن المحاكاة للطبيعة ، لكنهم لم يديروا ظهورهم تماما لقضية التعبير أو الرمز ، فقد حفلت أعمالهم بتلميحات أو تصريحات من هذا وذاك ، لكن من منطلقات تختلف عن منطلقات المدرسة القومية ، من منطلقات إنسان القرن العشرين بصراعاته وأشواقه ، فكان الرمز أشمل وأقرب إلى التجريد شكلا ومضمونا .
- فى البدء .. كان التمرد !
- من هذا التيار المتمرد على التقاليد . بزع نحاتنا عبد الهادى الوشاحى ، ليواصل الرحلة الشاقة للجيل السابق له ، ضمن كوكبة من النحاتين الشباب ، بدأت فى الظهور فى الستينات ، تتفاوت درجات تألقهم تبعا لجسارتهم فى ارتياد الصعب بعيدا عن المدقات المطروقة !
- كانت بدايته لافتة للأنظار فى أول الستينات وكان ما يزال بعد طالبا بكلية الفنون الجميلة بتمثالين صغيرين هما ` البرد ` ، و ` دنشواى ` .. وإن كانت تغلب عليها العاطفية والميلودرامية نوعا ما ، إلا أنهما كانا يضمران بداخلهما إحدى أهم خصائصه التى تميز بها بعد نضجه ، كانت الكتلة فى التمثالين تسعى جاهدة للتحرر من الجاذبية الأرضية .. نحيلة حادة كرمح منطلق فى الفضاء .. وبهذا كان يكسر القاعدة المعروفة فى النحت التقليدى ، وهى أن يكون مركز الثقل للتمثال إلى أسفل ، وأن يتم توازن الكتلة على أساس هرمى .. وكانت تلك بداية بحثه الطويل عن التوازن الصعب .. التوازن غير الأرضى .. أى أن يبنى هرما مقلوبا .. جزؤه الثقيل إلى أعلى !
- وكابن لمعاناة جيل الستينات وتفتحه ، المؤرق بهموم المجتمع وقضايا الانسان فى هذا القرن المأزوم ، أصبحت قضية التعبير بالنسبة للوشاحى لا تتجزأ عن قضية الشكل الجمالى ، أصبحا كيانا عضويا ينمو ويتطور ويتغير مع تطور وتغير المضمون ، لقد استوعب الوشاحى حركة المجتمع مضروبة فى البعد التاريخى ، فكان الناتج موقفا منتميا لقضية التحرر بمعناها الواسع وكانت ترجمة ذلك جماليا : العثور على ` شكل نحتى ` متحرر من القيود الأكاديمية ، ومن المحاكاة للطبيعة والمبالغة العاطفية ، شكل أقرب إلى (حالة الوعى) أو إلى الرمز المجرد ، دون أن يفقد خصائص الشكل الانسانى .
- فى فترة دراسته وإقامته الطويلة بأسبانيا وإيطاليا (من 1967 - 1978) استغرق فى بحث مضن عن مفردات هذه اللغة ، وأثمر هذا البحث مجموعة كبيرة من التماثيل لم يعد معظمها إلى مصر (الحمامة - الدراجة - الحصان - البومة .. عازف الجيتار .. القفزة .. الوحدة .. الشقيقان - المسيح - الراقصة - الكوكب .. إنسان القرن العشرين ، الصمت .. الصرخة ..).
- وكم يدعو إلى الأسف ألا يكون أغلب هذه الأعمال فى وطن الفنان !!.
- اعتقال الفراغ :
- أن السمة التى تميز بها تمثالا ` البرد ` ، و ` دنشواى ` - وهى إطلاق الكتلة فى الفراغ - صارت القاعدة الأولى فى نحت الوشاحى فيما بعد ، حتى أصبحت وكأنها تندفع لتمزيق الغلاف الجوى ، محتفظة فى نفس الوقت بتوازن لاعب الأكروبات وهو يقفز فى الفضاء قفزة تتحدى الموت .
- وبقدر ما تتعطش كتلة الطائر إلى الحرية الدائمة ، تبدو كتلا مستبدة ، تسعى إلى السيطرة على الفراغ .. واعتقاله .. إنها فى معركة ضاربة معه ، تستخدم الحركة العنيفة التى لا تعرف التوقف أو الكلل ، وهى كثل متعددة الرؤوس والأطراف ، ذات رؤوس مدببة وأزرع عملاقة ، بها قدر غير قليل من الخشونة .. والوحشية تنتشر كالطائر الأسطورى .. مهيمنة على الفراغ المحيط بها الذى يتشكل هو الآخر فى شكل سلبى للكتلة ، لكنه شكل مستأنس ، مهمته إبراز الكتلة .
- الحركة البصرية :
وكما يتحرر الوشاحى من الاستقرار الأرضى يتحرر كذلك من الكتلة الصماء .. أنه يريدها أخف وزنا وأكثر قدرة على الحركة والانطلاق ، ومن خواص النحت أنك لا تراه من زاوية واحدة بل يمكنك أن ترى فى كل زاوية من التمثال شيئا مختلفا ، فإذا ما امتلأ هذا التمثال بالفراغات فإن الأمر يبدو أكثر إثارة وتنوعا من كل زاوية ، إن من شأن هذه الفراغات أن تحدث حركة بصرية لا تتوقف مع حركتك حول التمثال ، أن عملا مثل ` الدراجة ` أو ` الكوكب ` يمكنه أن يصيبك بالدوار وأنت تدور حوله ومعه بسبب الفراغات اللامحدودة بداخله ، أن الوشاحى إذن لا يكتفى بالحركة الواقعية في التمثال بل يضيف إليها الحركة البصرية ، وهى إحدى سمات الفن الحديث.
- البعد الرابع :
- أن الفراغات الدائرية فى تماثيل الوشاحى تشكل لزمات أسلوبية وتعبيرية ، أنها بمثابة محاور للحركة ونقاط ارتكاز وتوازن ، وفتحات تهوية كنوافذ العمارة ، وثقوب تمر من خلالها التيارات ويتم عبرها التشابك والتفاعل والجدل مع الفضاء ، كما تقوم التجاويف بديلا عن اللون فى إيجاد الظل والنور على سطح التمثال ، وتحقيق التنغيم الموسيقى فى الكتلة ، أن العين تقوم برحلة شاقة على سطح التمثال فتأتى هذه الفتحات والتجاويف كمحطات وهمية فى مسار الزمن ، أنها أذن نوع من البعد الرابع .. بعد الزمن !
- فى تمثال ` الحصان ` .. نجد هذا المخلوق النبيل الشامخ المتطلع للأفاق المتحفز للخطر وقد امتلأ جسمه بالثغرات ، اننا نكاد نسمع صفير الريح عبر فتحاته ، نكاد نشعر بأنه أتى لتوه لاهثا مغبرا صاهلا مختالا من رحله عبر القرون تكاد الريح أن تحمل جرمه الضخم الرشيق وتطير به كى يستأنف رحلته الأسطورية عبر الزمان !
- ومع ذلك فإن كثرة الثغرات والتجاويف فى التماثيل تصل أحيانا إلى حد التمزقات العنيفة حتى يصير الشكل أشلاء .. وتزيد المفارقة عندما يكون هذا الشكل هو رأس الفنان نفسه .. أن وجهه يبدو كوجه موميائى نهشته الطيور الجارحة ، وقد أفزعنى التمثال حقيقة ، فسألت صاحبه عن سره ، فقال لى أنه لا ينحت تمثالا شخصيا ، بل يتعامل مع الشخص كشكل فى الفراغ ، وقال أنه لا يتوقف عند الملامح الطبيعية للإنسان شرسا كان أو طيبا ، أن الفجوات والتشوهات ليست إلا أدوات ترتقى ` بالفورم ` كأدوات الشاعر أو الموسيقى ... إلا أنه فى مناسبة أخرى قال لى أنه اكتشف خلال نحته لتمثاله الشخصى جزءا انسانيا وآخر شيطانيا ، وقد ظهر ذلك بلا وعى فى التمثال !
- خيال المآتة :
- ويبدأ الوشاحى مع عام 1976 مرحلة جديدة وهامة : لقد هضم الأشكال السابقة المليئة بالتركيب والتعقيد والثغرات والعنف ، وآب إلى شاطئ ساكن ليستوعب ما كان ويتطلع إلى ما سيكون ، وترك نفسه الثائرة لقدر من التأمل .. لقد سيطرت عليه روح الناقد الساخر .. ثم حلت محلها روح الفيلسوف المتنبئ ! .. وكانت أولى ثمار هذه المرحلة تمثال ` خيال المآتة ` فى معالجته الجديدة بعد المعالجة الأولى له عام 1966 - وقد أطلق عليه فيما بعد ` إنسان القرن العشرين ` .. أن الكتلة التى تقف على رأس دبوس وتنتشر قاعدتها العريضة فى الفضاء كجناحين مهلهلين أو كذراعى مسيح مصلوب عن مضمونها الرمزى والنحتى معا دفعة واحدة كجملة تلغرافية ، وتمضى بنا الثغرات إلى مدى أبعد من نقاط الارتكاز والبعد الرابع .. لقد حملت بدلالات الرمز أيضا ، لعلها تعبير عن ` الرجال الجوف ` .. لقد كان الوشاحى حتى ذلك الوقت يعتبر نفسه مواطنا عالميا ، ومن هنا كان ينأى عن التعبير عن الهموم المحلية ، فمجال رؤيته هو العالم بأسره ، وإنسانه هو إنسان القرن العشرين . لكن هموم وطنه تلاحقه فى غربته وتمسك بتلابيبه مطالبة إياه باتخاذ موقف ، وكان عليه أن يعيد النظر فى أشياء كثيرة ، ولم تفلح السخرية هذه المرة ، فاستغرق فى التأمل .. لقد صار أقرب إلى نبض الشعب .. إلى صدره المكتوم المنذر بالإنفجار فى سنوات القلق .. وكان تمثاله ` الصمت ` 1976 تجسيدا لكل ذلك .. أن ذلك العملاق الجالس واضعا يديه مشدودتين فوق ركبتيه متحفزا للنهوض .. وصدره الهائل منتفخ بالهواء برغم ما يمتلئ به من تجاويف .. ناظرا إلى اللامحدود .. يجعلنا نكاد نسمع صوت النذير .. يعيد إلى آذاننا الصفير المكتوم الصادر من فتحة سحرية بتمثال أجا ممنون بالأقصر حين تشتد الريح ! ..
- الصرخة !
- فى نفس الوقت بدأ الوشاحى يعد لتمثاله التالى ` الصرخة ` .. لقد قاده التأمل المترقب للعملاق الصامت المتحفز ، إلى النتيجة الحتمية التى ستشهدها اللحظة التاريخية التالية .. وهى النهوض والصراخ .. هى انطلاق المارد .. كانت الفكرة قد تبلورت لدى الفنان فى دراسات أولية قبل أحداث 17 و 18 يناير 1977 - تاريخ الانتفاضة الشعبية الشهيرة - لهذا فانه حينما أنجزه فى شكله النهائى بعد ذلك وأعطاه اسمه ، لم يكن يستجيب لمناسبة عارضة ، بل كان فقط يحقق نبوءته ، بعد أن استوعب ما مضى بوعى .. أنه فقط يضع بصمته الأخيرة كموقف للفنان .. فلا يكفى أن يكون شاهدا على عصره ، أو مبشرا ونذيرا .. بل أن الفنان الحقيقى المستوعب لعصره ولحركة التاريخ يساوى - بالضرورة - موقفا ..
- لعل ` الصرخة ` لهذا السبب كان من الناحية الفنية أبسط وأبلغ صيغة جمالية حققها الوشاحى خلال رحلته الابداعية ، فإذا كانت أعماله السابقة تحتوى قدرا غير قليل من الاستعراض والخيلاء ، ومن الاستفزاز الذى يبدو معتمدا أحيانا بغية إثارة الدهشة وشد الانتباه ومن المبالغة - غير المبررة تعبيريا فى بعض الأحيان - فى اجتثاث الكتلة من الأرض وتجويفها وتشويهها ، ومن الاستغراق المتحذلق أحيانا أخرى فى زحام الفراغات و التجاويف ، فإنه فى الصرخة قد تخلص من كل هذا دفعة واحدة !.. لقد حقق (التوازن الصعب) - الذى كان ينشده - بين انتماء الكتلة إلى الارض وإنطلاقها فى الفضاء .. كما حققت الدائرة المفرغة - الناتجة عن تماسك الذراعين - سيطرة على الفضاء وامتلاكه ، وحقق الاستغناء عن زحام الثغرات فى الجسد الممشوق المتصاعد - حقق استمرارية اندفاعه كالصاروخ ، بينما كانت القدمان والنتوء الثالث غير الممتد إلى القاعدة هى نقاط الارتكاز الثلاثية على الأرض . ولعله - قبل كل هذا - كان أقرب إلى الفطرة الطبيعية حين استعار شكل الشجرة فى هذا التمثال .. وهكذا صار الشكل والدلالة وحدة عضوية لا تتجزأ.
- وفى تمثاله ` الشهيد ` - 1974 - يزاوج الوشاحى بين اتجاه مركز الثقل فى الكتلة إلى أعلى وبين ارتكازها على الأرض ، ويبدو أنه رضخ في ذلك لقانون الجاذبية الارضية .. ولعله كان يتمثل فيه - بغير تعمد - قيم الثبات والرسوخ فى النحت المصرى القديم ، مع احتفاظه بمفردات لغته التشكيلية السابقة : فمركز الثقل إلى أعلى (ويمثله جسد الشهيد الأفقى والأذرع الهائلة للجنديين الذين يحملانه) . والفراغات تتخلل الكتل ، لكن الاتزان الذى يحققه التمثال يبدو اتزانا أرضيا استاتيكيا ومتماثلا ، مما يناسب جلال الموضوع .
- فى بعض أعماله إذن ميل تلقائى إلى فكرة ` القومية ` ، لكن بطريق مختلف عن طريق المدرسة التقليدية ، أو حتى عن اجتهادات السجينى فى المزج بين الخصائص القومية والأساليب الحديثة أنها هنا استيعاب لروح الشعب وملامسة لنبضه ، وتفاعل طبيعى بين التراث المصرى والعالمى.
- لكن النزوع الأكبر لديه - مع ذلك - يتجاوز القومية ، مائلا نحو الرمز والتجريد : مضمونا وشكلا .. وقد تأكد ذلك بقوة فى أعماله الأخيرة فى الثمانينات وأهمها : إنسان القرن الواحد والعشرين ، الذى استلزمت طبيعة فكرته المجردة أسلوبا أقرب إلى التجريد ، وأظن أنه من السابق لأوانه تقييم هذه المرحلة فى إنتاجه قبل أن تختمر وتكتمل ملامحها ..
- إلا أن هذا النزوع الذى أشرت إليه يطرح مشكلة استقبال الرجل العادى لرؤية هذا الفنان والمشكلة ليست فى كونه يمارس حريته الكاملة فى التجديد والابتكار ، وهما يجعله عسيرا على التقبل الجماهيرى : فإن حركات التجديد عادة تتم وتتفاعل فى محيط الخاصة ، لكن المشكلة أن طموح الوشاحى يتجاوز التفاعل مع الخاصة إلى التفاعل الآتى مع الجماهير العريضة عبر الميادين والأعمال الصريحة والالتحام بها فى مسيرتها التاريخية ، هنا لا يكفى أن تكون اللغة مجرد شكل جمالى ` معادل ` للموضوع ، بل أن تكون هى والموضوع شيئا واحدا .. فإذا كانت طبيعة الموضوع بسيطة وواقعية ، فلا يتناسب معها التعقيد المعتمد فى الشكل المعبر عنه .. وإلا انقطعت دائرة التواصل بين الفنان وجمهوره ، ولا يشفع فى هذه الحالة قول الفنان أنه غير مسئول عن تأخر ذوق الناس أو تعليمهم ..
- أن هذا على أية حال جزء من أزمة الإبداع الثورى فى البلدان المختلفة ..
لكن هذه قضية أخرى !
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة : إبداع (العدد 10 ) أكتوبر 1983
عندما يتكلم الجماد عبد الهادى الوشاحى وأزمة النحت المعاصر فى مصر
- هذا الفنان أداته الإزميل الذى يخترق به الجماد، فيبدع لنا أجمل الأعمال الفنية والتى تجمع بين الجمال والجلال.
- فبثقة الفنان المتمكن، وحسه المرهف، وخياله الرحب يتعامل عبد الهادى الوشاحى مع الحجر، النحاس، البرونز، الرخام، فيتحول الجماد فى كل دقة إزميل إلى حوار لا ينتهى.. بين الخامة والفنان.. حوار مشحون بعاطفة الفنان المبدع بكل انفعالاته من حزن وفرح، وقلق، وشجن، يحمل إبداعه ورسالته للإنسان فى كل زمان ومكان..
-إن فن عبد الهادى الوشاحى فن رفيع يحول الجماد إلى إبداع جمالى ينطق بأجمل المعانى وأسماها.
- فما هى أفكار هذا الفنان المبدع، وما قصته مع الفن والإبداع؟
- عبد الهادى الوشاحى من مواليد مدينة المنصورة فى 9 نوفمبر 1936، وقد تشرب هذا الفن من بيئته المحيطة به منذ صغره، ففى طفولته كان يحمل `الشاكوش` بيده لتقويم كل قطعة فى بيت الأسرة يراها غير منسجمة، وعندما كانت الأسرة تخفى عنه الأداة كان يفتش عنها، ليواصل ممارسته الفنية القريبة من قلبه!.
- وفى سن التاسعة بدأ عبد الهادى فى نحت أول تمثال من الحجر الجيرى وكان يشبه إلى حد كبير التماثيل الفرعونية!.
- هذا الرجل النحات الفنان له شخصية ودودة `مستسلمة` حين العثور عليه - هذا إذا وفقت أصلا فى ذلك - فهو مناور، مراوغ حينما يكون بعيدا عنك، لا تكاد تعثر عليه فى مكان حتى تجده اختفى، وظهر فى مكان آخر، ثم أنه لا يستخدم جهاز `المسرة` التليفون، ولا أى جهاز آخر غير الراديو لسماع الموسيقى الكلاسيكية، وحسن تسأله سؤالا، وتنتظر الرد قد يأتيك مبهما، وعليك أن تبحث بين الكلمات عن الحقيقة، وقد لا تأتى على الاطلاق، إذ يحتاج إلى مطاردة دؤوبة فى جميع الأحوال، له وجهة نظر خاصة جدا، فى فن النحت، والتدريس، والحياة، فهو ينقلك إلى عوالم أخرى، من فكره وخياله يؤمن بالضعف الإنسانى والمثالية فى آن واحد.
- وفى بعض الأحيان يبدو باترا، قاطعا، وأحيانا أخرى يورثك التخمين والحدس.
ومن هنا بدأ يعشق فن النحت الذى نما معه، ثم صقله بالدراسة والممارسة الفعلية فيما بعد، فبدأ يشارك فى الحركة الفنية المصرية منذ عام 1961، والحركة الفنية العالمية منذ عام 1965، ولم يقتصر إزميله على الأعمال الفنية الفردية، بل شارك فى تجميل المشروعات العملاقة مثل دار الأوبرا، مترو الأنفاق (محطة جمال عبد الناصر) مركز المؤتمرات بمدينة نصر.
-هذا فى مصر أما فى الخارج فأهم أعماله الفنية: النصب التذكارى `إلى الفلاح` فى بلدة `الخينيت` فى فالينسيا بإسبانيا عام 1969، والهيئة الأوليمبية بإسبانيا (نادى ريال مدريد).
- إن رحلة الفنان المبدع عبد الهادى الوشاحى رحلة طويلة ثرية مع فن النحت، تبدأ منذ صغره حتى تبوأه منصب أستاذ النحت المتفرغ بكلية الفنون الجميلة بالزمالك.
- فما هى أهم العلامات الفنية فى مسيرته الفنية؟.
- وما هى أفكاره للنهوض بفن النحت المعاصر؟ وكيف يمكن الخروج من أزمته؟.
- التضاد.. والهارمونى
- أهم ما يشغل تفكير د. عبد الهادى الوشاحى قضية التدريس، وأهمية دور المدرس بالنسبة للطالب، فهو يرفض دور المدرس التقليدى، فهو فنان مبدع أولا والمطلوب من الطالب أن يتعايش مع دور المبدع والإنسان، ويشرح ذلك قائلا:
- أنا لا أزعم إطلاقا إننى أستاذ أكاديمى.. ولا أصلح أن أكون مدرسا، ولكننى إنسان متعايش مع من حولى من تلاميذ، ولا أحب أن يأخذوا توجيهاتى كمسلمات لا تقبل المناقشة، فأنا أحترم عقل من أمامى، فأنا أتحدث معهم دائما عن التأثر والتأثير، وكيف أن لكل منا قوة استيعابه الخاصة به، وتأثره وتذوقه المختلف عن الآخرين.
- ولكن كيف نخلق من الاختلاف ائتلافا، وكيف نوظف التفاعل مع بعضنا البعض كنظام أساسى للأوركسترا السيمفونى، بمعنى أن هناك آلات مختلفة متباينة النوعية والقدرات، ويتفاوت رتمها بين السرعة والبطء، والغليظ والرفيع، فكيف نجعل هذه النغمات موسيقى متألفة أو `هارمونى` متناغم ومتناسق، وبالفعل فإننا فى عملنا الفنى هناك نظام الورشة يوجد المعلم والصبيان، فالمعلم مايسترو يجرى حوارا مع تلاميذه، ويؤدى كل فرد دوره بتفرد واستقلالية بقدر من التعاون والتآلف حتى يخرج لنا العمل الفنى عملا رائعا يجسد الموهبة والدراسة والإبداع، لأننا أخرجنا التلميذ من نظام `القالب`.
- وصدق أندريه جيد حينما قال فى إطار حديثه عن الحرية والاستقلالية فى التفكير والبحث `إن أجمل الأشياء الذى يقترحها الجنون ويكتبها العقل` أى ينبغى الملاءمة بينهما، فالجنون هنا بمعنى التحرر والاستقلالية والإيمان بالإنسان، ولذلك فأنا حين أخاطب عقل الطالب إنما أريد بلورة فكره، لأن الفن أساسا عماده الفكر الراقى.
- ويفجر عبد الهادى الوشاحى قضية مهمة متجددة، وهى محاولة بث الأفكار المتطرفة فى عقول شبابنا بإدعاء أن الفن حرام، ويروى عن ذلك واقعة حدثت مع أحد تلاميذه الذى اقترب منه ذات يوم وقال له: `يا أستاذ.. النحت حرام`!.
- وهنا آثر الفنان الموهوب أن يناقشه بهدوء ويشرح له الحقيقة بعيدا عن الزيف والادعاء فقال له:
- `يا بنى.. إن الموهبة عطية، ونعمة من الله، تستحق أن نصلى لله شكرا لما أعطانا.
- إن الفنان الحقيقى ما هو إلا متصوف، فهو مفكر وفيلسوف يملك شفافية الرؤية، إنها مرحلة عليا رفيعة للنهوض بالجنس البشرى من مرحلة الإنسان المادى إلى مرحلة الإنسانية فى أسمى صورها، فالفن ضد التعصب والجمود والانغلاق، ولكنه صديق للحرية والمسئولية، وفيه توحد مع الطبيعة، وبالرغم من هذا، فالفن ليس مجرد تقليد للطبيعة، وليس مجرد نقل للواقع، بل فيه ابتكار وإبداع وتجديد، وتجميل للحياة، فالفنان يبدع من روحه فنا راقيا عبارة عن طاقة سامية تصدر اشعاعات حيوية تجمل الحياة، وتضع المبادئ السامية الإنسانية التى ترفعها دائما إلى الأسمى والأفضل`.
- هذا الإرث العظيم
- حينما يتطرق عبد الهادى الوشاحى إلى الحديث عن فن النحت ينتابه شجن عميق، خاصة عندما يشرح سر ألمه لما صار إليه فن النحت المعاصر فيقول:
- `الإنسان المصرى له إرث فنى عظيم، فهو نحات بطبعه، منذ أجداده الفراعنة العظام لكنه - للأسف- لا يتفاعل مع هذا الإرث العظيم، لقد امتد هذا الحبل السرى منذ القدم، وإلى أعوام ليست بعيدة لكنه انقطع فجأة.
- وإذا تأملنا تصرفات الانسان المصرى البسيط لعرفنا كيف أن هذا الإرث الفنى العظيم كامن فى أعماقه، ويسرى فى دمه ومثال ذلك حين نرى بائع البرتقال فى مصر دائما ما ينظم البرتقال على شكل هرمى بديع يعكس ما فى أعماقه من إرث فنى خالد، وما يؤكد هذا الحدس عندى أننى عشت فى الخينيت بإسبانيا وهى مشهورة بزراعة البرتقال ولكن يعرضونه على شكل أكوام!.
- بين المتاحف والهواء الطلق
- ولا يؤمن د. الوشاحى بالمتاحف التى تضم الآثار الفنية بالرغم من أن المتاحف هى ذاكرة الشعب فهو يرى صعوبة أن يذهب الموظف الكادح بعد نهاية عمله إلى المتحف ليرى ويشاهد ويتأمل المعروض، لأن ذلك رفاهية غير ممكنة، ويرى بدلا من ذلك أن يكون الفن فى الهواء الطلق، أى أن تقام التماثيل فى الميادين، وتعزف الموسيقى فى الحدائق، حتى يكون الفن للجميع فعلا لا قولا.
- ويطالب د. الوشاحى وزارة الثقافة فى مصر بالإفراج عن عشرات التماثيل القابعة فى المخازن لتنشرها فى ربوع مصر، حتى لا يحرم شعب مصر من فن أجدادهم الخالد، فحين يكون الفن التشكيلى فى الهواء الطلق يكتمل ذلك الثالوث الرائع، أى الفنان والعمل الفنى والمتلقى، فإن ذلك سيؤدى بالمتلقى إلى التأمل وإعمال الفكر وإعادة روح الإبداع والابتكار.
- ويتساءل د. الوشاحى قائلا:
- لماذا لا تصنع تماثيل مناسبة لكل مكان ملائم لها؟.
- فلماذا مثلا لا نصنع تمثالا لأستاذ الجيل لطفى السيد أمام جامعة القاهرة؟ ولماذا لا نصنع تمثالا فرعونيا فى ميدان التحرير؟ ولماذا لا نزين كورنيش النيل بالتماثيل الجميلة وهو المكان الوحيد الذى نحميها فيه من التلوث.
- لقد انتهى د. الوشاحى أخيرا من إبداع تمثال ضخم للدكتور طه حسين أبعاده 230X110 ارتفاع ثلاثة أمتار، وهو يعد إضافة حقيقية لتمثال الحديقة وتمثال الميدان يقول عنه:
- `إننى أزعم أننى أقدم رؤية جديدة، وفكراً خلاقاً، وهناك نحات واحد سبقنى إلى ذلك هو النحات المصرى القديم!.`
- ويضيف قائلاً:
- `إن تنفيذ فكرة عرض التماثيل النحتية فى الأماكن العامة للجماهير، بجانب كونها لمسة جمالية رائعة لمدننا وقرانا، فإنها فى نفس الوقت تنمى الذوق الفنى لدى المواطن العادى، وتعطى أكبر دعاية لفننا المصرى العريض أمام السياح الذين يرون هذه الأعمال الفنية الرائعة تزين ربوع وطننا بصورة جمالية رائعة!.
- ماذا ينقص فنان مصر؟
- ويؤكد د. الوشاحى أن من أهم الأحداث الفنية التى تمر على مصر كل سنتين هو اقامة `بينالى القاهرة الدولى` حيث يتساءل: ما معنى دعوة نحات إيطالى شهير هو `بومو مودورو` وحضوره كضيف شرف لبينالى القاهرة 1998 الذى أحضر معه عشرين طنا من البرونز والجرانيت والبازلت والرخام!.
- ويتساءل: ماذا يعنى دعوة هذا النحات كضيف شرف بهذه الأعمال النحتية والتصويرية الجيدة مع امكانياتها المبهرة نتيجة التقنية الفنية العالية التى وصلوا إليها!.
- أما عندنا فى مصر، البلد الداعى، منبع الفن الخالد، حينما تلتفت للنحات المصرى المعاصر فماذا نجد؟
- نجد أن معظم النحاتين المصريين المعاصرين يجهلون أن هناك أدوات حديثة للنحت؟ بالإضافة لعدم وجود ورش لصب البرونز، وتناقص العمال الفنيين المهرة، وبعد ذلك - ندعو نحاتا عالميا بإمكانيات ضخمة كضيف شرف ليرى الوضع الصعب الذى يعانى منه النحاتون المصريون، وقد جردوا من كل الإمكانيات الأساسية لتنمية قدراتهم، وإظهار إبداعاتهم.
- وبرغم ذلك النقص الكبير فى الامكانيات التى يعانى منها النحات المصرى المعاصر فإننا محكوم علينا بالأمل، وبألا نيأس، بل سيستمر الفنان المصرى المعاصر فى رحلة الإبداع والعطاء بلا حدود!.
بقلم: نجوى صالح
مجلة : الهلال (العدد 7 ) يوليو 1999
أسرار الطاقة الكامنة بمنحوتات الوشاحى
- عندما أتحدث عن الوشاحي تتوه الكلمات بالفعل بل أكاد لا أجد مايعبر عنه ... هناك من الأساتذة والفنانين الكبار من يلمسون قلبك أو روحك أو عقلك أو ضميرك بأعمالهم وفكرهم ولكن من النادر جدا أن تجد فناناً وأستاذاً يلمس قلبك وروحك وعقلك وضميرك معاً...كان الوشاحي من هؤلاء النادرين جدا. عندما ترى عملا له يستوقفك لساعات بل أحياناً إلى أيام ولا تمل من الوقوف أمامه أبدا، لا تعلم من أين أتت تلك الطاقة الروحية الكامنة بعمله الفنى لتستحوذ على تفكيرك وروحك، هل هي من الإتزان الحركى الذى سعى إليه في أغلب أعماله أم البعد الزمنى والحركى الذي يضفيه على أعماله أم قوة التكوين وحيويته معاً أم رحابة الفراغ الذى يسعى دائما إلى تشكيله بالرغم من صعوبته إلا أنك تجده فى منتهى السلاسة والخفة والعذوبة، أم الشحنة العاطفية والتعبيرية التي تحدثت بها شخوصه، أم الجانب الرمزى والفلسفى والفكري الذي يحمله كل عمل، أم رشاقة كتله النحتية وصرحيتها واندفاعها وتحررها من الجاذبية الأرضية بحركات إيقاعية تحمل حساً موسيقياً يتجسد في موسيقى الفورم وتناغمه وليونته محسوب ومدروس جيداً فى فترات طويلة، فأعماله لا تخرج للنور إلا بعد الكثير من التجارب المتراكبة على بعضها ليسأل المشاهد نفسه من أين بدأ وكيف أنهى؟! فالوشاحى لم يكن فناناً منفصلا عن أعماله أبداً فهو دائماً يتعايش معها وهي شاغله الأكبر بحياته ، حتى أنه يتعامل مع مفردات الحياة الطبيعية بمفهوم النحات، ملاحظ ومدقق لقوانين الطبيعة وتجلياتها فى عناصرها المختلفة وترى ذلك جلياً في أعماله . يحمل على عاتقه مسئولية الإبداع والفن وتأثيره على وجدان الإنسان ليتخلل إلى لاشعوره ويغير من أسلوب تفكيره. فهو يتعامل مع العمل الفني بمفهوم المفكر والمبدع المهموم بالإنسان فهو حامل الراية وليس المٌقلٍد أو المُجوّد، المبدعون هم أشخاص نادرون بالفعل من خلال امتلاكهم قدرات خاصة من أفكار ورؤى جديدة وموهبة مميزة تظهر فى أعمال جديدة غير مستنسخة أومقلدة بجانب موهبته الخاصة والقدرة على العمل الجاد والمتواصل والتدريب المستمر والنظرة الناقدة والمحللة، والفنان الحقيقي هو أول ناقد لنفسه لأنه يختار ويفاضل بين الأفكار والرؤى والخامات والأدوات والأشكال فكل هذه الاختيارات بدافع فعل نقدي...اتسق الوشاحى مع أعماله لدرجة أنه كان يعطيها الحرية لتكون ماتريد دون أن يلوى ذراعها ، لم تشغله خامة بعينها فهى بمثابة وعاء أو شكل لعمله الذى يحمل مضامين كثيرة أغنى وأعلى بكثير من الانشغال بخامتها، فالتصميم والتكوين والفكر والمضمون والموسيقى والحركة والفراغ هما الأهم دائماً، اهتم بكل تفصيلة مهما صغرت على حدة حد التقديس والإخلاص حتى جاء كل منهم له دوره وقيمته ويعمل فى اتساق مع الآخر دون أن يطغى عنصر على آخر لتدرك من أول وهلة سر طاقة كامنة وإشعاع خاص يتملك إحساسك وإدراكك والتى بالفعل هى مجموع تفاعلات كل تلك القيم الفنية مع بعضها. ويرى الوشاحى أن دور المبدع هو أن يرى مالا يرى فهو المتنبأ والمستشرف للمستقبل وليس دوره أن يجارى وقته أو الأحداث اليومية. الوشاحى من أهم النحاتين المميزين ليس فى الفترة الحالية فحسب بل تخطت تميز أعماله زمنه لتناشد بفرادتها وقوتها حدود الزمن، و كان له دور كبير فى تشكيل رؤية جديدة لفن النحت فى مصر وقد تتلمذ على يده الكثير من كبار النحاتين أيضا.وقد بحث الوشاحى فى الهيكل العظمى للإنسان والذى هو الداعم للحركة والقوة بل هو الذى سيبقى إذا مامات الجسد، من هنا عمل الفنان على تخليد ذلك الهيكل برؤية عالية فى البلاغة والهارمونية والتأكيد على نتواءاته وفراغاته ونقلاته التشكيليه من سطح إلى سطح من خلال علوم هندسية دقيقة أضفت عليها موسيقى خفية، فجاءت أعمال الوشاحى لتعبر عن البسيط الممتنع والذى دائما ماتقف بجانب أعماله لتسأل عن الكيف فهى تقريبا أوشكت أن تصل إلى حد الإعجاز من خلال ما تحمله من عبقرية فى إيجاد حلول شكلية فريده غير مألوفه بل ولها سرها التشكيلى والذى لا يعرفه المشاهد أو التلميذ إلا من خلال رؤية الوشاحى عمليا وهو ينحت فهو أشبه بالكاهن الفنان الذى يحمل سره معه. ونرى فى أعماله تجسد أشكالا عضوية منحنية وكأنها جاءت لتحتوى الكون بأسره. الوشاحي كان قارئا للتاريخ والأدب والشعر ومتذوقاً للموسيقى ويظهر ذلك بوضوح فى أعماله. الوشاحى كان دائما الحالم والمحلق بأفكاره ورؤاه عن الواقع، والمشاكس والمتمرد دائما عن كل ماهو تقليدى ورتيب ومزيف، والأستاذ الذى دائما مايبهرك أفكاره وتستحوذ عليك والأب الذى يحنو ويرشد تلاميذه دون أن يقيد من حرية إختيار أسلوبهم، والفنان بشاعريته وإحساسه والطفل الذي يحمل من البراءة والشغف للمعرفة وحب الحياة....عندما تدخل الأستوديو الخاص به تتأكد تماما أنك أمام مخترع أو عبقرى خاص جدا، أكاد أجزم أنه لم يترك أداه إلا وهى موجودة بالأستوديو سواء كانت خاصة بالنحت أم لا، وجدت أمامي أدوات لم أجدها عند فنان من قبله أو بعده فى نظام خاص جدا يعرف كل أداه أو خامة أين هى موجودة وإذا تغير نظامه يتوتر، حتى أنه إذ استوقفته عدة ولم يجدها فهو يصنعها بنفسه، فأمام إبداعه لا شئ يستوقفه. لم يقبل الاستسلام ولا المراوغة ولا الإهمال فى عمله الذى كان يتفانى فيه، حتى لوكان ذلك يؤثر على صحته، وكان حاملاً ومهمومًا بمشاكل البلد بحق، حتى أنها تؤثر بشكل فعلى على أعصابه. أغلب الفنانين فى عصره اهتموا بالكتلة والتشخيص الجسدى فى النحت، لكنه اتخذ اتجاهًا مختلفًا، فأراد أن يشكل الهيكل العظمى بفراغاته ونتوءاته والتواءاته وحركته ،أراد أن يشكل قوانين الطبيعة وتجلياتها بشكل رمزي مؤكدا على الفراغ ليعطى نفسًا وروحانية لمنحوتاته وكأنه أراد أن يبحث عن جوهر الأشياء وليس أشكالها الظاهرية المادية. جاءت أعمال الوشاحى غاية فى المعاصرة بكل أبعادها مؤكدة عالميتها وأصالتها فى آن واحد .
بقلم : حورية السيد
مجلة: الفنون ( يونيو 2017 )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث