`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
كريم محمود حلمى البسيونى
` بقايا كائنات ` دوائر عبثية مفرغة .. فى وصف ما يصعب تفسيره
فى معرض كريم حلمى بجاليرى مصر
للفنان الشاب كريم حلمى معرض مهم مقام حاليا ` بجاليرى مصر ` بالزمالك .. ورغم قصر مدة ممارسته للفن نوعا فاز بجائزة صالون الشباب فى دورته الخامسة والعشرين نهاية العام الماضى وهو خريج فنون الاسكندرية 2007 .. والفنان كريم لا يتمتع فقط بتقنية ووعى كبيرين بقيمة لوحة التصوير بل يتمتع بشخصية لها عمق رؤية فكرية ترتبط بموقف من الحياة المعاصرة يدركها المشاهد فى أعماله خاصة المتابع لها منذ حوالى الخمسة أعوام .. وعرضه الحالى أسماه ` بقايا كائنات ` وكلها يتمثلها بشر .. وما رأيناه فى معرضه هو بقايا بشرية انخرطت فى ممارسة وجودها الروتينى اليومى حتى تأكلت بداخله .. ورغم التآكل ما زالت بقايا الاجزاء البشرية تأخذ مكانها الوظيفى المكلفة به كأن على الانسان ان يواصل أداء الحركات التى يأمره بأدائها الوجود بفعل الاعتياد والعادة .. وفى هذا السباق الذى يسرع بنا يوميا نحو الموت يؤكد الجسد ظاهريا اسبقيته الى التآكل بينما تكون الروح قد سبقته بالفعل ولا يتبقى منه كما رأينا فى لوحاته سوى بقايا جسد دون أذرع لشخصيات مسئولة تنظر بيأس لكومة من الأوراق وراء المكتب أو أسفله أو تحت الأرجل وبقايا كلب أو قطة تجلس فوق كومة من الأوراق أو أوراق تحرق داخل محرقة بوتاجاز قديم .. وفى معظم اللوحات نجد الشريط البلاستيكى الأصفر كعلامة منع وتحذير الاقتراب كأن هناك بقايا جريمة ارتكبت من أو مع كائناته البشرية تجاه نفسها والآخرين ولم يتبق منها إلا ساق مدلاه من أعلى لمشنوق أو بقايا قدم أسفل مكتب ـ وهو رمز القدرة التى لم تنجز ـ وكلا الشخصين بلا بقايا جسد ولا رأس .. والمثير أن جميع رجاله والمرأة دون أذرع رغم أن الذراع هى رمز فعل وإرادة .. فمن سلب إرادة كائناته التى لم نرها قط مكتملة الجسد أو الدور ؟
أعتقد أن الفنان كريم حلمى يقدم منهج تحليل لا مجرد رؤية تركيبية .. قدرة منه بإدراك عبثية الأداء اليومى بذات المنطق لهيمنه كائنات على اخرى وهى نفسها فقدت هيمنتها على أرواحها وأجسادها ودوما يستولى عليها نفسها شعورعبثية وجودها .. وفى لوحاته يمكننا ادراك وجهة نظر الفنان الفكرية حيث يصبح خواء اللوحة وشخوصها ذا فصاحة تتجسد أكثر ما تتجسد فى خلو المقعد الوثير الكاشف عن مهابه صاحبه فى غيابه وإحاطته بشرائط تحذير الاقتراب وايضا ببلاستيك المرور المخروطى حيث تتحطم أمامنا سلسلة الحركات اليومية وحيث يبحث القلب عن الحلقة التى تربطهما مرة أخرى .. فهنا فوق مسطحات لوحات كريم حلمى ـ كما هو الشأن ـ تكون العلامة الأولى للعبث .. حيث طبيعة الوجود الانسانى المتناهية والمحدودة تتخطى الانسان نفسة وتستحقة .
أعتقد أن كثيرا من زوار معرضه أرادوا إدراك مغزى تصويره لأنصاف أجساد بشرية وتسميتها بكائنات .. وأمام أى عمل فنى حين ينشأ التساؤل بكلمة لماذا .. يبدأ كل شئ يصطبغ بالدهشة وأقول يبدأ لان هذه الدهشة انتهت برؤية عبثية قامت عليها من البدء .. فالعبث يأتى بتكرار الأفعال الألية للحياة وفى الوقت نفسة هو بداية دافع الوعى .. انه يوقظ الوعى وقد يتبع بعد هذا اليقظة المحدودة فعل إرادى .. ولوحات الفنان كريم تركز على هذا الوعى لدى شخوصه بعدما انتهى الوجود من عمله معهم .. وحين كل شئ فيهم لا يحتمل الغد وما تمرد الجسد ـ الذى نراه فى اللوحات بصور شتى ـ إلا صورة مادية لعبثية التكرار اليومى داخل حواجز الروحى والجسدى..
فى اللوحات مشاهد لا تمكننا من التواصل وشخوص الفنان .. فإن المظهر الإستسلامى الآلى لحركاتهم الصامته الخالية من المعنى ولألوانهم الرمادية المتسقة ووجودهم تجعل كل مايحيطهم يبدو سخيفا .. كرجال تناثروا وراء حواجزهم الزجاجية .. لا تستطيع أن تسمعهم .. وترى بوضوح مظهرهم الأبكم وتتساءل عن السبب الذى يجعلهم أحياء .. إن هذا القلق فى وجه لا إنسانية الإنسان .. وهذا الانقلاب الذى لا يحاط به امام الصورة التى تكون عليها لوحات كريم .. وهذه الأجساد المصابة بعدم الاكتمال تشير إلى أن النفس قد اختفت .. ويظل المظهر الأولى يرسخ الشعور بالعبث . أن هؤلاء الرجال فى لوحاته الثلاثية والفردية ينافس بعضهم بعضا فى بيان انه ليس هنالك شئ واضح وان كل شئ هو فوضى وان كل ما لدى الانسان هو إدراكه ومعرفته الأكيدة بحصار المكان المادى والتعود الآلى دون الروحى الذى يحيط به حتى يكاد تخنقة .. ويبقى العبث ـ كما فى لوحات كريم ليس فى العالم فقط أو الانسان وحده بل فى وجودهما معا .. ففى لوحاته هوة بين ما نتصور اننا نعرفه وما نعرفه بالفعل ـ تحت وطأة اشكال الصمت هذه التى يظل داخلها العقل صامتا فى عالم الآمال الساكن .. هذا العالم وأجساد ساكنيه ينهار مع اول حركة له ـ كما يتبدى فى اللوحات ـ امامنا .. داخل هذا الكون من اللامعقول والمحدود وداخل اللوحات يتخذ هنا قدر الانسان ومعناه وقد قفزت حلقة من الامور اللاعقلية وأحاطت به حتى نهايته القصوى .. رغم محاولات بقايا كائتاته التماسك الانسان وكتم العذاب والرعب داخلها وقد أصبح بقايا مادية أقرب للموت من الحياة .
إن هذه اللوحات تمثل عددا من الدوائر المفرغة يفقد فيها العقل الصلة الفاصلة بين الواقع واللاواقع وسط دوامة من الوعى المقلق .. ومهما كان التلاعب بالصور وحركات اللامنطق فإن الفهم يعنى مجرد محاولة للتماسك .
إن الفنان المتميز كريم حلمى قدم مرايا متألقة ومفهوما قويا فى تصور لدراما الوجود الإنسانى .. داخل عدد من تبعات الوجود سواء الحقيقية أو العبثية فى تواضع واضح للفكر الذى اقتصر على وصف مايصعب تفسيره .
فاطمة على
جريدة القاهرة 17- 2- 2015
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث