`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمود محمد موسى
رحلة العمر الطويل فى سكون الصخر
- شقت صرخة الوليد القادم سكون الصخر واخترق فضاء الليل الحالك طائر ومأمأت عنزة فى برارى مترامية وطرطشت سمكة ليونة البحر ، وتسلل ضوء يوم جديد ليغمر كل هذه الكائنات الطفل الوليد هو ` محمود ` ابن محمد ابن موسى صانع الزخارف الجصية لعمارات الأغنياء . أما الطائر والعنزة والسمكة والفتاة التى ستخرج ملتفة بملاءتها السكندرية ، فجمعيهم سوف يتشكلون – بعد ذلك بسنوات ـ وينفلتون من بين أصابع وليد ذلك اليوم .
- ومنذ مئات السنين ، عبر الإسكندر الأكبر من هذا المكان ، فتعثرت قدمه فى حجر جيرى غاص بين الرمال . تألم قليلا ، وارتعش قلبه، لما تذكر موطنه البعيد على الجانب الآخر من اليم ، فانفلتت منه مدينة الإسكندرية ، وانداحت ما بين بحيرة مريوط والبحر المتوسط الذى كان يفصل المقدونى عن بلاده ( زمانياً ومكانياً ) .
- وانشطر قلبه ولم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره . ليبدأ البطالسة يتوافدون … ويتكاثرون حتى غطوا المدينة الساحلية .
- فلما جاء محمود كانت الإسكندرية تشغى بحركة أمم كثيرة عبرت البحار ، متجهة جنوبا حيث الدفء والهدوء ، واكتشاف منابع للثروة والمتعة ، مثلما فعل الإسكندر منذ قرنين من الزمان .
فى الضوء المتسلل بين أوراق العشب والشجر والنخيل ، كانت صرخة الطفل تسكن النهار ، بعد أن تسربت فى صمت الحجر ، حجر الصمت.
الــفــجـــر
- صرخة الطفل التى سمعتموها كانت صرختى الأولى فى الحياة ، وكما سترون لن تكون الأخيرة ، وكان يوم جديد – يوم ميلادى ـ فى باب شرق ، هو 16 مايو سنة 1913 ميلادية . ما الذى كان يدور فى العالم فى مثل هذا اليوم ؟ .. لست أدرى .
- حبوت ، ووقفت ، وتخطيت العتبة .. عتبة بيتنا وعتبة الوجود ، ثم ركضت ، ولعبت ، مع أندادى . ولكنا جميعا فى صغرنا خفنا من الحجر ، من التماثيل المنحوتة ، لذا كنا نلم بعضنا ونروح وراء المتحف اليونانى الرومانى . خلف السور الحديد ، شارع ضيق ملئ بالتماثيل المتكسرة ، والأحجار ، بقايا أشكال آدمية وحيوانية ، وكنا نقذفها بالزلط الذى جلبناه معنا . نقذف الأحجار المساخيط . وكانت من الجرانيت مرمية دون ترتيب ، ولم نكن نعرف أنها تابعة للمتحف. الناس فى زمن طفولتى كانت تكره التماثيل باعتبارها بشراً ارتكبواً ذنوباً ، أعمالا شريرة ، وقد سخطهم الإله عقابا لهم على أفعالهم السوداء ، كانت عقلية بدائية مظلمة . الناس الآن عادت تفكر وترى الأشياء بالطريقة القديمة نفسها .
- الضوء الذى كان قادماً من خلف البحر تراجع إلى جذوره . رحل الإيطاليون واليونانيون جميعهم، ومعهم رحل النور والإخلاص فى العمل .
الخطوات الأولى :
- وخطت قدماى على أرض التعب ، عندما بدأت أعمل مع والدى الذى كان يكدح فى مجال المعمار ، والذى كان مزدهرا تلك الأيام . كنت أقضى ساعات طويلة وسط العمال والبنائين ، وكنت أصب الفورمات فى قوالب الجص .
- فى الوقت ذاته كنت أذهب إلى كتاب الشيخ سيد ` الأعمى ` وكان يطلب منى أن أحضر له جريدتى نخل ، وكان أبى يشذبهما ليصيرا عصاتين متينتين ، وكنا نحفظ القرآن ونتعلم القراءة والكتابة، ونعاقب بالعصى إذا أخطأنا .
- وانتقلت إلى المعهد الدينى ، بينما لازلت أواصل عملى فى مهنة والدى وأقاربى وأعمامى ، وهى زخرفة العمارات . وكان هدفى أن أكون ` موديلاتورى ` أى صانعا للموديلات الزخرفية ، ثم ` فورماتورى ` أى صانعا للقوالب التى يتم تصنيعها على الموديلات الزخرفية ، وكلها مهن مميزة فى مجال المعمار .
- وقد ارتبط عملنا بمقاولين ومهندسين إيطاليين ويونانيين كانوا يملكون كل شئ فى مدينة الإسكندرية : العمارات والمحلات التجارية والبنوك والحدائق والبورصة ، ويعيشون فى الأحياء الراقية . كانت مدينة كوزموبوليتان ، وتموج بنشاطهم الاجتماعى والثقافى الذى ترك أثراً ، على المصريين المتعايشين معهم . ولقد تشربت طريقتهم فى الحياة : الانضباط فى السلوك ، والدقة فى المواعيد ، وإتقان العمل ، والالتزام فى كل شئ . كما تعلمت لغاتهم : الفرنسية الإيطالية ، واليونانية .
- وكان المهندسون يمتدحون شغلى ، ويثنون على كل ما أقوم بتنفيذه .
- وكانت المدرسة الإيطالية ` الدونبوسكو ` تدرس فنون العمارة ، لكنها أغلقت . إلى أن افتتحت جمعية هواة الفنون الجميلة مدرسة سنة 1928 ، فالتحقت بها ، وكان عمرى آنذاك 16 عاما . كنا ندرس بها ليلا ، وكان مدرسونا أجانب فى أغلبيتهم ، عدا الفنانين محمود سعيد ومحمد ناجى اللذين أدارا المدرسة ، وفيها التقيت فنانى الإسكندرية الكبيرين الأخوين سيف وأدهم وانلى .
- كان جو المدرسة مختلفا كثيرا عن عالم صنع القوالب وفورمات الأويما الجصية مع المقاولين . وفجأة ذات أمسية صيفية زار النحات العظيم محمود مختار المدرسة، وتحدث بالفرنسية مع صديقة الرسام ` محمود سعيد ` والمهندس المعمارى اليونانى السكندرى ` تيقولا بيرس ` ، وحينما شاهد مختار أحد أعمالى الفنية Mask كنت انتهيت منه لتوى أبدى إعجابه بعملى وأوصى بالاهتمام بى ، قائلا لى : ` عايزينك تبقى فنان ` . هذه العبارة طوحتنى فى الهواء ، طرت فرحا ، والسعادة تملؤنى . إذن إننى أخطو إلى قلب عالم الفن على أجنحة كلمات نحات مصر العظيم ` محمود مختار ` .
جاكو موسكاليت :
- لو عدنا قليلا إلى الوراء ، سنجد أن اكتشافى فن النحت كان على ضوء عملى مع النحات اليونانى ` جاكو موسكاليت ` فى مشغله ، حيث كنت أقوم بعمل التماثيل نقلا عن نماذج حية تحت إشرافه ، ومن هنا أحسست بالحجر كشىء يمكن تشكيله . كان الأغنياء يأتون إلى ` جاكو` لينحت لهم تماثيل يضعونها فى مقابرهم كما كانوا يفعلون زمن حكم البطالة ، وكنا نقوم بعمل الجبس ، وبعد أن تتم الموافقة عليه ، نجلب الرخام الذى يتماشى مع ذلك ، وتؤخذ مقاسات من الجبس بالبرجل ، ومن خلال عملية ` وضع النقط ` يتم تحويل تمثال الجبس إلى رخام ، ولم يكن الرخام صعباً بالنسبة إلى أحجار أخرى .
- وتطوع موسكاليت ، الذى كان متزوجا ويعيش فى الإسكندرية ، ليدرس فى المدرسة الأهلية ، كان نحاتاً كبيراً ومعروفا فى مدينتنا ، وكان الأجانب يأتون إليه، لينجز تماثيل شخصيات لهم ، بالإضافة إلى أنه كان يعنى بنحت تماثيل لعرضها فى معارض ، ولوضعها فى حدائق وجناين . وكنت أساعده وأتمرن لديه فى الأتيليه الخاص به .
هــدى شعراوى :
- بعد أن نشر خبر مشاركتى فى المعرض الشامل الذى أقامته مدرسة هواة الفنون الجميلة بسراى الكونت زغيب ، وافتتحه الأمير عمرطوسون ، وجاورت منحوتاتى أعمال محمود مختار ولوحات محمود سعيد ومحمد ناجى ، ونتاجات عدد كبير من الفنانين الأجانب المقيمين بالإسكندرية فى جو الموسيقى والمحاضرات ( أغلبها بالفرنسية ) ، فالمهتمون بالفن أغلبهم درس فى أوربا ، والمصريون عشاق الفن يجيدون اللغة الفرنسية وغيرها بحكم التعامل اليومى وسيادة الثقافات الأجنبية فى مدينة كونية ، حدثت نقلة أخرى .
- فبعد انتهاء المعرض ، وصلنى تلغراف ( لأول مرة فى حياتى ) يدعونى للسفر من فورى إلى القاهرة ، ومقابلة السيدة هدى الشعراوى فى منزلها ( كان يطل على ميدان التحرير .. صار – الآن – جراجاً تطل عليه سينما قصر النيل وجاليرى المشربية الذى تملكه إيطالية لإقامة المعارض) .
- واصطفتنى من بين الفنانين لأنحت صورتها بروفيلاً بارزاً على ميدالية . وكانت تجلس أمامى على ` شيزلونج ` ساعات عديدة على مدى ثلاثة أيام . وكنا نتبادل الكلمات ويدور بيننا حوار صامت .. بينى وبين حيويتها وتدفقها ، فى سلاملك قصرها ذى الطابع العربى – رقم 2 ش قصر النيل .
- وكانت أول من استقبلتنى هى السيدة ` سيزا نبراوى ` سكرتيرتها ، وقامت بتغطية نفقات الأدوات والخامات والإقامة فى الفندق . وكان قصرها يموج بالحركة ، بالزائرين ، ومن بينهم الوزراء والنبلاء والأمراء والمفكرون ( أحمد لطفى السيد ) ، والأمريكي العجوز صاحب فكرة الميدالية ( ماذا كان يفعل وقتها فى ثلاثينات القرن العشرين بقصر هدى هانم شعراوى) .
- ووعدتنى الهانم بإدخالى مدرسة الفنون العليا ، لكنها لم تفلح ، حيث كان القبول فيها بالابتدائية ، ولم يكن عندى تلك الشهادة .
- وأدخلتنى الهانم مصنعا كانت تملكه وينتج الخزف فى روض الفرج . سكنت فى الدور العلوى للمصنع الذى كنت أشتغل فيه ساعات طويلة ، وعندما أجد وقتا للفراغ ، كنت أحاول التعبير عن نفسى وهمومى بعمل تماثيل .
- ومرة أخرى وعدتنى الهانم بإرسالى إلى باريس لدراسة الفن ،( لماذا قال إدوار الخراط فى أهرام الجمعة 31 مايو 2002 ` إنها أوفدتنى إلى إيطاليا لاستكمال تدريبة على النحت ` ؟ ) ولكنها لم تفعل. كانت تريدنى إلى جوارها فى مصنع الخزف .. ربما . إنها فترة طويلة من الغموض والتعب ، استمرت من 1933، وحتى 1936 ، السنة التى بدأت فيها جيوش أوروبا تندفع لتخوض معارك الحرب العالمية الثانية . كان عمرى 23 عاما ، حينما عدت إلى الإسكندرية يائساً من وعود خلابة بدراسة فن النحت فى قاهرة المعز أو بلاد الجن والملائكة (باريس الفنون الجميلة) .
- عدت إلى إسكندريتى . لزخارف الأويما الجصية ، ومنحوتات الحجر الصناعى لمقابر الأجانب العائشين فى مدينتى ، وفتحت ورشة مقاولات بالأزاريطة ، لأمارس مهنة أسلافى ، وأقوم فى الوقت نفسه بالنحت كهواية وأشارك فى المعارض التى تقام ، وكان بعض الأجانب يشترون أعمالى التى تعجبهم ويسعدون باقتنائها .
ميتشيــل المختفـى :
- كنت حرفياً ، أسعى جاهداً لبلورة فنى ، دائما ما كنت أحس ` أن الفنان اللى فيه مش قادر يطلع ` ، إلى أن دفعت ` ربة الفنون ` بالنحات الألمانى الفنان ` هاينز ميتشيل ` إلى طريقى ، جاء إلى الإسكندرية فى زيارة ومعه أدوات النحت على الأحجار الصلبة ، وأسرته ` جميلة البحار ` ، فأقام بين أحضانها ، مستأجرا غرفتين بالأتيليه ، احداهما للعمل والاخرى للسكنى .
- بدأت التقط الاحجار الصلدة من الطرقات والارصفة واعمل عليها بالأزميل ( كانت فى رأسه فيديا ألماظ تقطع فى أحجار الجرانيت الصلبة )
- واقترب الألمان من العلمين . وتحرك البوليس الإنجليزى ، واعتقل الفنان ` ميتشيل ` ثم رحلوه للقاهرة ، وكنا نزوره ، ومعنا الأطعمة والألبسة والأشياء التى يحتاجها فى محبسه. وفجأة اختفى ميتشيل ، وكان أوصى بإحدى غرفتيه لى، وكانت الأتيليه ، أما الأخرى فكانت لمحبوبته اللبنانية . ودائما ما كنت أتساءل أين ميتشيل ؟!.. لم أحصل على إجابة أبدا ، ولم أعرف عنه شيئا، فقد اختفى أثناء اعتقاله ، ولم أسمع عنه خبرا بعد ذلك يخطر على بالى أحيانا . لقد وضع قدمى على أرض صلبة ، لأبدأ النحت فى كتلتها المصمتة.
- ومن حينها تفرغت للفن حرا .
فى الفنون الجميلة .. معلما :
- لكنهما ما إن أنشأوا كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية ، حتى دعونى لتدريس مادة ` نحت الحجر ` بها .
- وكنت قبلها أعطى دروساً فى فن النحت ، وكان تلاميذى من جنسيات مختلفة : هندية ، يابانية ، هولندية ، فرنساوية ، إيرانية ، بالإضافة إلى المصرية .
- وكان سيف وأدهم وانلى يدرسون فنون الرسم والتصوير . وصرت أحمل الطينة الأسوانى معى فى شنطة كبيرة ، لأننى أقوم بتشكيل الطين أمام الطلبة فى الكلية ، وكان النحات محمد هجرس يعلم الطلاب فى القسم نفسه .
- واستمر ذلك ، إلى أن اشتكى ` حافظ فهمى ` رئيس قسم النحت للعميد المؤسس أحمد عثمان .
- ` ليه محمود موسى بيدرس نحت ؟ `
وقال لى أحمد عثمان :
` أنت لنحت الحجر . خليك هنا لنحت الحجر ، وبلاش حكاية الطينة ` .
- وهكذا بدأت أتردد على الكلية . وكان معى هجرس . لكى أوقع ولا أشتغل .
- كان المبنى فى جليم . وكنت أخرج مع الأخوين سيف وأدهم وانلى ، ونركب التراماوى وكانت لحظات جميلة من الحوار فى الفن والأحوال والمعيشة . كان ` سيف ` طيب القلب .
- وتوقفت عن الذهاب إلى الكلية . وأرسل إلى أحمد عثمان ، قائلا : لك فلوس . قلت : ` مش عاوز فلوس . قال لى ` تعال وسوف أغيره ` .
- وأحضر الفنان جمال السجينى ليكون رئيسا لقسم النحت ، وجعل حافظ لتدريس النحت على الخشب .
- ومرت الأيام : كرهت الكلية والإدارة ، واختلفت مع أحمد عثمان على أشياء وممارسات ، وانقطعت عن التدريس . حتى حصلت على التفرغ من وزارة الثقافة ، سنة 1963، ومرورا بسنوات الحرب حتى 1973 ، ومن أيامها أعمل لوحدى .
أتحدث عن فنى :
- تأثرت فى بداية حياتى بالفنانين الأجانب ، وبرؤيتهم النحتية للموضوعات الطبيعية بأسلوب واقعى ، للموديلات أو الوجوه .
- وفى المرحلة التالية استلهمت الفن المصرى القديم ، وصرت مغرما بالبحث عن أحجار نادرة شأن النحات المصرى الفرعونى ، عندما كان يبحث عن محاجر بها أحجار نادرة فى سيناء والبحر الأحمر ، كما بدأت أبحث عن طرق النحت عند القدماء / أسلافى ، وخاصة استخدامهم الأحجار فى التشكيل والصقل والتلميع.
- وصرت استخدم الأدوات الحديثة التقليدية آنذاك ( الأزاميل والمطارق ) . وكانت القطع النحتية صغيرة الحجم فى معظمها ، ويستغرق إنجازها حدود العام .
- نفذت على الأحجار الصلدة ( الصلبة ) موضوعات كشفت وعبرت عن شخصيتى الفنية الأصيلة ، وقدراتى كنحات تفرغ فى هذا المجال . نفذت أعمالى جميعها ( فى هذه المرحلة ) بيدى ، ودون مساعدين ، مستفيدا ، بخبراتى الحرفية العالية وبدأب شديد .
- وكانت موضوعات بسيطة تتلاءم مع الأحجار الصلبة كالسمك والطيور والحيوانات ( الماعز والقطة ) ، ووجوه البشر ( رأس طفلة ) وبسطاء الناس فلاحين وعمال وغيرهم ، وموضوع الأمومة عند الإنسان والحيوان .
بورترية بلا ملامح :
- لم يلتفت الفنان العصامى محمود موسى إلى أى اتجاهات حديثة فى الفن تجعله يغير من مساره الذى اختطه منذ بدأ تعميد نفسه كفنان نحات . وجاء التبسيط فى ملامح الوجوه التى يصوغها ،وفى الحلول النحتية لقطعة الحجر التى تستكين أمامه ، كتطور طبيعى لمساره الفنى ذاته ، وليست كنتيجة لمؤثرات خارجية ( مثلا تجربته فى النحت بيوغوسلافيا ) .
- ونعرف منه، أنه إذا كان شغالا فى بورترية ، وحدثت عيوب فى الحجر ، فإنه يزيل ملامح الوجه تماما .
يقول محمود موسى :
- ` الخامة تأخذ الفنان فى اتجاهها . الحجر يفرض نفسه على الفنان ، ويشده إلى كتلته الصلدة ، وتحريك يده لتوظيف ما يحدث ، وعمل تجارب عدة . بدأت من هنا أبسط ، وأخف من التفاصيل ، حتى يرضى الحجر ويستقر شكلا جماليا مشحونا بعاطفتى وأحاسيسى وتصوراتى `.
سحر الحجر :
- يمارس محمود موسى النحت على الأحجار الصلبة ، وكأنه يمارس عملا سحرياً سرياً. فنان مثله كان يجب أن تكون له عشرات التماثيل والمنحوتات فى الميادين وعلى المبانى الفخمة والصرحية وفى الأماكن العامة والحدائق .. فلماذا لم يلتفت المسئولون فى الدولة إليه وإلى أعماله ؟
على حامد

وداعا .. محمود موسى نحات الصخور
- منذ فترة طويلة .. ومحمود موسى .. قابع فى مرسمه .. وبيته .. وملاذه .. على شاطئ العجمى .. كهلا .. متهالكا .. وحوله تماثيله العديدة .. التى أعطاها كل شئ .. كيانه .. روحه .. حياته كلها .. هذه التماثيل الرائعة .. هو ما تبقى له من الحياة وسط مجتمع كله جحود .. وتجاهل .. ولا مبالاة .. كانت هذه التماثيل تبعث فيه القوة .. والحيوية .. والنشاط .. يتذكر من خلالها موهبته ومهارته فى إبداع الكثير من التماثيل الباقية أبد الدهر .. لكونها منحوتة فى الصخور الصلدة .. التى تكون على حالها آلاف السنين .. كتماثيل أجداده قدماء المصريين ..
- فى مصر كل يوم .. يهيم على شاطئ العجمى .. سائرا بلا هدف مقصود .. ولكنه يتأمل مياه البحر المتوسط اللانهايئة وهى هادئة ساعة الغروب .. تجر أذيال أمواجها المتعاقبة .. المتعبة .. إلى داخل الأعماق البعيدة .. لتعاود الأمواج المجىء إلى الشاطئ بترددات ونغمات مختلفة عما سبقتها .. بعد الالتقاء والصد .. والقبول والجفاء .. الذى لا يهدأ أبداً . وما زال فى الأفق نصف ضياء الشمس الأرجوانى .. تحجبه بعض السحب الواهنة .. معلنة عن اقتراب شيطان الليل الدامس .. ليخلع عباءته السوداء الرهيفة على الكون .. فيعود الفنان محمود موسى إلى مرسمه .. لينام محتضنا تماثيله فى أسى .. متلحفا بظلالها .. متلهفا بذوغح فجر جديد يحمل له الأمل ولكنه فى صباح السبت الماضى .. فى هذا الشتاء القارص .. قبع ساكنا..فى فراشه .. حيث صعدت روحه إلى بارئها .. ولم يبق لنا سوى سيرته العطرة وأعماله النحتية العظيمة .. التى تنم على انه كان مثالا .. مصريا .. متميزا .
- انه ابن الإسكندرية الوفى .. الذى كان يعمل فى صمت كتماثيله .. محمود موسى .. أحد الفنانين القلائل .. بل النادرين والموهوبين .. الذين ينحتون فى الصخر .. والأحجار الصلدة .. وأحد ورثة..أجدادنا المصريين .
- نراه فى تماثيله التى أبدعها .. لم يتقيد دائما بالعلاقة الطبيعية بين أجزاء الجسد الواحد .. ولا يعير اهتماما بالعلاقة المكانية أو الزمانية للتمثال وعناصره .. ومفرداته .. انه فى الحقيقة يعمد إلى إعادة تنظيم تماثيله .. بحيث لا يخفى شكلا .. شيئا .. أو جزء كبير منه .. فهو يعتمد على الصورة المرثية الواضحة .. التى تستقبلها شبكة العين دفعة واحدة .. من مكان ثابت .. فى وقت معين .
- وقد بلغ أسلوبه كماله عندما سافر إلى جنوب الوادى ليشاهد على الواقع فى ادفو والأقصر وأسوان تماثيل الفراعنة بالإضافة إلى زيارته المتكررة للمتحف المصرى فى القاهرة .. يشاهد .. ويتلمس .. ويتأمل .. التماثيل المصرية المنحوتة فى الصخر .. ليخرج لنا بفلسفته الخاصة .. جاعلا تماثيله كالقرابين .. وصورتها أقرب إلى الحقيقة عما تمثله .. كما انه يقصد مباشرة إلى روح العمل الذاتية فى كيانه .. راغبا فى بقاء إنتاجه .. ودوامه .. والإفادة من وجوده إلى الأبد .. ما دامت .. النقوش .. والبروزات .. والنتوءات .. والتجاديف .. وخطوط تماثيله واضحة جليه .. لا يشوبها عيب طارئ..لا يتفق مع وحقيقتها .
- وعندما كان محمود موسى ينوى إبداع تمثال .. كان ينظر إلى أعماق الكتلة الصخرية .. ببصيرته الفذة .. ويضعها أمامه كما هى .. وقت وجودها فى جوف الجبل التى قطعت منه .. ويتخيل فيها صورة الشكل الذى يتلاءم مع تلك الكتلة .. والشكل المطبوع فى مخيلته .. ثم يبدأ بنحت الشكل العام .. وإزالة الشواثب معالجا ما يعتور التمثال من نقص أو تحريف .. حتى تستطيع العين أن تستقبل العمل مرة واحدة .
- فهو يقف أمام الكتلة قبل تهذيبها .. موقف الاحترام والالتزام بموحياتها .. أو بما تفرضه على رؤيته من تصرف .. فهو لا يفرض عليها ولا يغوص فيها .. يل يحترم مظهرها الخارجى وخطوطها الكونتورية ويتعامل معها بحنان ووجدان الأب على أبنائه .. فلا يقطع كثيرا منها ولا يجور على الكتلة .. بل ينحت القليل المختصر حتى يظهر الشكل بسيطا .. بأقل التفاصيل الممكنة .
- فغالبا ما كانت تماثيله لا تتجاوب مع المشاهد من النظرة الأولى .. ولكنها تظهر جمالها الخفى النقى .. بعد التأمل والتفاعل والحوار بين الطرفين .. كما تتفاعل مع عقل المشاهد .. بقدر تفاعلها مع ادراكه الواعى .. لتتساوى وتتعادل النظرة الإنسانية .. بين العفوية والانطلاق .. والتلقائية التى يضيفها الفنان على إنتاجه .. والحركة فى تماثيل محمود موسى هادئه وئيدة .. لا تحتمل الحركة السريعة ولا العنيفة .. ولذا كانت اغلب تماثيله تتميز بالهدوء الذى يثير فى النفس الراحة والطمأنينة .. كما لم يشأ الفنان .. أيضا .. تسجيل المظاهر العارضة .. ولا الأحداث الزائلة .. ولم يعتمد كثيرا على الظلال التى تخفى الكثير .. وهنا بعد عن التجسيد المعقد .. وهكذا انسابت سطوحه بخطوط ناعمة قليلة الانحناءات والتجاويف .. يمحى الضوء فيها انكسارات الظلال الحادة ..
- وفى حدود القواعد .. والأوضاع .. والتقاليد النحتية السائدة .. تشبثت تماثيله بالأرض .. ` والقاعدة ` .. حتى صارت شخوصه ضاربة جذورها فى جوف الأرض .. ثابتة .. باقية مع التزام محمود موسى بالبساطة والوضوح .. وحسن النسب .. وما يتجلى فيها من اتساق وترتيب .. وهذا ما يميز إنتاجه .. واستطاعته تحقيق تلك العلاقة السحرية بين الفنان والكتلة .. فأعطته بقدر ما أعطاها .. ومنحته على قدر حبه وتفانيه .. وصدته .. ومنحته سرها .. وأخرج الفنان من صلابة الحجر الصلد الحانا هامسة .. بمعانى الحب والإنسانية نطقت بها تشكيلاته من الكائنات الحية .. كالطيور .. والأسماك .. والحيوانات .. والوجوه والشخوص الإنسانية .. وعناصر الطبيعة التى تحولت بين أنامله إلى أشكال حميمة لمعانى الحب والجمال .
- ولد الفنان محمود موسى فى 16 مايو 1913 فى حى باب شرقى بالقرب من منطقة كوم الدكة .. بالإسكندرية .. وكان والده وأعمامه أى أسرته تعمل فى تشكيل ` الفوَرم ` الزخرفية وصبها فى الجص .. وتثبيتها على واجهات المبانى فى الإسكندرية .. كما كان يفعل العمال الأجانب هناك من إيطاليين ويونانيين .. فى إنجاز الكرانيش .. والحليات والأسوار الزخرفية .. وهكذا عاش محمود موسى فى طفولته ليرث هذه الصناعة الدقيقة ويتعلم بعض مفردات اللغات الإيطالية .. واليونانية .. والفرنسية .. مع ذهابه إلى الكتّاب المجاور لبيته .. ليتعلم الكتابة والقراءة .. وحفظ بعض الآيات القرآنية ..
ومن خلال عمله فى هذه المهنة .. كان يقوم فى بعض الأحيان . بإبداع بعض التماثيل الصغيرة الموحية .. مستعينا بخبرته فى تشكيل العناصر النحتية الزخرفية .. والمعمارية .. التى فتحت آفاقه إلى تجارب صنع فيها ` أقنعة ` قريبة لأشكال الوجوه الإنسانية حيث إنه لم يعرف بعد عن الرأس الإنسانية ولا الجمجمة من الناحية التشريحية ..
وفى عام 1929 أقام الفنان الرائد محمود سعيد .. مرسما لهواة الفنون الجميلة لفن التصوير .. والنحت .. وكانت الدراسة فيه مسائية .. فتوجه إليها محمود موسى .. بتشجيع والده .. والمقاول الأجنبى الذى كان يعمل معه .. وخلال تلك الفترة زار ـ رائد النحت المصري محمود مختار هذا المرسم حيث استرعت أعمال محمود موسى انتباهه .. ووجه أنظار أساتذته الأجانب لموهبته وأوصاهم برعايته بشكل خاص .
- وبدأ إسهامه فى الحركة الفنية منذ أن شارك فى المعرض الذى أقيم عام 1928 بقصر الكونت زغيب فى القاهرة .. وافتتحه الأمير عمر طوسون .. حيث عرض أعماله بجوار أعمال محمد ناجى .. ومحمود سعيد .. ومحمود مختار ..
وعملت السيدة هدى شعراوى فى طلبه محاوله منها العمل على سفرة إلى باريس لدراسة الفن تقديرا منها لموهبته .. ولكنه رفض .
- ومنذ عام 1933 بقى فى القاهرة لمدة ثلاث سنوات .. ليعمل فى مصنع الخزف الذى أقامته السيدة هدى شعراوى .. وفى هذه المرحلة اهتم بالدراسة الفنية .. ودراسة اللغات الأجنبية على أصولها .. وزيارته الدائمة للمتحف المصرى .
وفى عام 1936 عاد إلى الإسكندرية مسقط رأسه ليعمل مساعدا لبعض الفنانين الأجانب فى تنفيذ أعمالهم النحتية .. وكان من أهمهم المثال الألماني ` هاينز ميتشيل ` الذى أوصى بحصوله على مرسمه الواقع فى مبنى جمعية أتيليه الإسكندرية .. وكان ذلك عام 1940 حيث تفرغ محمود موسى منذ ذلك التاريخ للإنتاج الفنى .
- ومنذ افتتاح كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1957 وهو يعمل فيها أستاذاً لفن النحت على الأحجار .. ومنذ 1963 حتى 1975 حصل على منحة التفرغ الفنى من وزارة الثقافة المصرية .. وسار فى طريق الفن حتى وافته المنيه وحيدا فى مرسمه .
محمد حمزه

النحات محمود موسى .. عيون ترى العجب العجاب
- مائة عام على ميلاده ... عشرة أعوام على رحيله .
صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتابى عن رائد النحت على الأحجار الصلبة الفنان محمود موسى ` سلسلة افاق الفن التشكيلى ` بمناسبة مرور مائة عام على مولده .. هذه المناسبة .
- التى لم يلتف اليها لبالغ الأسف أحد .. وهو احدى قامات فن النحت المصرى الحديث وكان سمبوزيوم اسوان الدولى للنحت على الجرانيت برئاسة الفنان الكبير آدم حنين قد كرم محمود موسى عام 2002 قبل وفاته بعامين .
لقد عشت طوال أربعين عاما تقريبا بجوار الفنان محمود موسى منذ التقيت به طالبا بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية عام 1962 وكان استاذا لمادة النحت على الاحجار الصلبة وتتلمذت على يديه .. برعايته الأبوية وأستاذيته والتى استمرت بروح الصداقة بيننا حتى رحيلة وكان مرسمى بالعجمى بجوار مرسمة وهو الذى اقترح على أن اشترى قطعة الأرض المجاورة له عام 1973 .. وهكذا ظللت وحتى عام رحيلة 2003 وبعد ذلك وحتى الآن اسمع طرقات ازميله فوق الأحجار الصلبة تتواصل بإيقاعات موسيقية من وحى ألحان وهو يعمل .. فالاثنان ` الموسيقار والنحات ` من منطقة كوم الدكة بالاسكندرية .
- محمود موسى مثال عصامى يعد نموذجا من الفنانين نادرا أن يتكرر .. تلقى فى بدايات حياته تعليما دينيا فى المعهد الازهرى بالاسكندرية الذى تركه ليعمل مع والده فى اشغال زخارف العمارات التى يتم صبها فى قوالب بالجبس وتركيبها لتزيين واجهات ومداخل وغرف العمارات فى ورش يشرف عليها أسطوانات ايطاليون .. ثم ألحقة والده لفترة بمدرسة دون بوسكوالايطالية لتعلم مهنه نحت وتشكيل الزخارف المعمارية .. ثم التحق عام 1929 وحتى عام 1931 بالمرسم الحر بمدرسة حسن كامل ` حسكة ` مؤسس جمعية هواة الفنون الجميلة بالاسكندرية وكان معه من الطلبة سيف وادهم وانلى ومحمود حلمى ومجموعة من الفنانين الاجانب الهواة وكان يشرف على هذه المدرسة الفنانان محمود سعيد ومحمد ناجى قد استرعت أعماله رائد فن النحت المصرى محمود مختار وقدم له توجيهات فنية عندما زار المرسم الحر وأوصى به وكانت لحظة فارقة فى حياته وفنه .. وقتها ترك محمود موسى دراسة الزخرفة واتجة الى دراسة فن النحت وهى الفترة الوحيدة التى تلقى فيها محمود موسى دروسا منظمة فى فن النحت .. لقد اعتمد كثيرا على موهبته الفطرية واحتكاكة بالفنانين الاجانب العاملين بالاسكندرية خاصة فى مراسم أتيلية الاسكندرية الذى أسسه رائد فن التصوير المصرى الحديث محمد ناجى عام 1935 .. وكان محمود موسى يصب لهم تماثيلهم وعمل مع النحات الالمانى الشهير ` هاينز ميتشل ` والمهندس ` نيقولا ديس ` صديق مختار وزميل دراسته فى باريس .. وقتها حصل محمود موسى على مرسم فى اتيلية الاسكندرية كأول فنان مصرى بين شاغلى المراسم من الفنانين الاجانب .
- وقبل الحرب العالمية الثانية استدعته السيدة هدى هانم شعراوى زعيمة النهضة النسائية وراعية الفن والفنانين ليكون محمود موسى تحت رعايتها لترسلة الى ايطاليا مع طباخها النحات الموهوب عبد البديع عبد الحى لكن حالت الحرب دون سفرهما فعمل فى مصنعها ` الهدى ` للخزف فترة من الوقت عاد بعدها للاسكندرية .. وقد أتاحت له فترة الاقامة بالقاهرة على زيارة متاحفها خاصة المتحف المصرى القديم .. وتعرف على العديد من فنانى القاهرة .
فى عام 1957 اختاره المثال أحمد عثمان لتدريس مادة النحت المباشر على الحجر بقسم النحت فى كليه الفنون الجميلة التى اسسها بمنطقة رمل الاسكندرية ودرس على يديه كل فنانى النحت من جيل الستينات بالاسكندرية .. وقد نفذ محمود موسى العديد من أعمال النحت البارز الجدارى بالبنوك والكنائس والفنادق وميناء الاسكندرية البحرى وله منحوتات خارج مصر فى يوغسلافيا وايطاليا وفى متاحف مصر .
- لقد تميزت تماثيل محمود موسى للوجوه والطيور والاسماك والموضوعات الوطنية بنفس الاساليب والخامات التى ابدع بها الفراعنة تماثيلهم القديمة التى تميل الى البساطة والفطرية فى براعتها وقدرتها على التعبير ومن هنا تمثل أعماله نموذجا خاصا وفريدا فى النحت المصرى الحديث . لقد استخدم الانسان منذ بداية الحياة الاحجار الصلبة كشواهد طوطمية ورموز مبجلة وعلامات مقدسة ومادة لتخليد الآلهة والملوك وبناء الهياكل والمعابد .. كان الانسان يعلم ان الاحجار الصلبة لا تفنى .. فالجبال لا تتلاشى والارواح الخالدة تسكن حجارتها الصلبة ومن يتعامل بها يكتسب صلابتها والخلود لإنجازاته فيها . لكل ذلك اختار محمود موسى النحت على الاحجار الخالدة .. لصلابتها وصدقها ورفضها التفاصيل والثرثرة ولصعوبة تحطيمها فى مسيرة حياته العصامية الجادة التى وهبها كلها للنحت لقد تناول فى منحوتاته موضوعات حميمة بوحى من فطرته النقية وكانت المرأة التى عذبته هى محور معظم أعمالة وتتمثل فيها بلده مصر .. وتناول موضوعات خاصة كالاسرة والطفولة .. وكفنانى جيله اشتغل على الموديل العارى وجلست امامه نساء رسمهن الفنان محمود سعيد رائد الهوية المصرية .. وتناول العديد من الموضوعات الاخرى .. وكان يجد متعة خاصة فى نحت الطيور والاسماك والمعز .. واشتغل على نحت وجه خالد الذكر الموسيقار سيد درويش بكل الخامات والاحجام ولم يكن يتجاوز نحت الرأس الى الجسم قط .. فلم نر له تمثالا كاملا لسيد درويش .. ونفذ العديد من التماثيل للشخصيات العامة .. واهتم بنحت وجه الفلاح المصرى ابن النيل والحضارة والخير والشقاء والصلابة .. وتناول فى موضوعاته العامة الوحدهة الوطنية والصداقة والكتاب التى كان يعشقة فإن لم يكن الأزميل فى يده فالكتاب يقرأ فيه .. ومن اهم تماثيله ` عيون ترى العجب العجاب ` وهو التمثال الوحيد الذى نحته لنفسة لا يظهر منه غير عينية ترى عجائب وغرائب بنى البشر والذى شاهد منهم العجب العجاب .. أعماله الميدانية التى كانت تطلب منه ومنها منحوتات عن جداريات مصر القديمة او موضوعات دينية للكنائس المصرية وهو المسلم الذى يحفظ القرآن الكريم وكاد ان يرتدى الجبة والقفطان ليصبح شيخا أزهريا معمما .
- لقد تناول محمود موسى كل الموضوعات الحياتية برؤية جمالية خالصة محتفظا للكتلة بتماسكها بدور البطولة .. ولن نجد فى كل منحوتاته اى فراغ على الاطلاق فمدرسته الاولى والوحيدة هى ` فن النحت المصرى القديم ` التى لم تعترف بالفراغ وتمسكت بالكتلة المتماسكة التى لا يقهرها الزمن . وتماثيله احبها الناس بمختلف مستوياتهم المعرفية والثقافية لبساطتها ووضوحها الساحر وقربها منهم وقدرتها على اضافة لمسة جمالية الى حياتهم .. لذلك حين توفى محمود موسى لم يكن لديه من عشرات تماثيلة غير خمسة عشر تمثالا من الجرانيت فقط كانت أمنيته ان توضع مع أعمال صديقيه سيف وأدهم وانلى فى متحفهما وهما من ابرع مصورى مصر وأشهرهم ومن معالم الاسكندرية الفنية الخالدة مع محمود سعيد ومحمد ناجى وعفت ناجى ومرجريت نخلة .. ولكن امنيته هذه لم تتحقق . بل علمت ان هذه التماثيل قد تم عمل نسخ منها بخامات اخرى كالبرنز والبوليستر وهذه جريمة فى رأيى الشخصى .. ووصل الأمر الى بعض النحاتين الى تقيلد وتزوير أعمال محمود موسى ضمن تزوير أعمال رواد الفن المصرى الحديث المستشرية فى مصر منذ سنوات .. ولكن معظم أعمال محمود موسى مقتناة فى مجموعات خاصة .. وفى متاحف مصر عدد كبير من أهم أعماله ` متحف الفن الحديث بالقاهرة والاسكندرية ` ومتحف ` الفنون الجميلة والمركز الثقافى بمحرم بك ` ومتحف ` كلية الفنون الجميلة ` بالاسكندرية .. كما توجد مقتنيات من أعماله فى مختلف أنحاء العالم .. ليس لدى حصر بها الآن .. ومازال الاقبال على اقتناء أعماله متزايدا وأصبحت الآن مطروحة فى المزادات العلمية .
وجه المرأة .
- منذ أول وجه لامراة نفذه محمود موسى بالطين الأسوانى ثم صبه بالجبس وعمره ستة عشر عاما بمرسم الجمعية الأهلية للفنون بالاسكندرية التى التحق بها عام 1929 والذى اشترته هدى هانم شعراوى زعيمة النهضة النسائية فى مصر بعد ثورة 1919 والتى كلفت الفنان الشاب الواعد بعمل ` بروفيل ` جانبى لوجهها ` ميدالية تذكارية ` .. لم يتوقف محمود موسى عن ابداع تماثيل لوجه المرأة بالحجم الطبيعى تقريبا وبمختلف الخامات المتاحة له .
* تماثيل الأمومة والأسرة ..
- من أشهر ما نحته محمود موسى هو تمثال ` الام تحتضن طفلها ` وهو تمثال منحوت بالعاطفة والحب .. ويجب ان اوضح ان الموضوعات التى عالجها الفنان باللنحت الواقعى كان يستلهم معظمها من أسرته .. زوجته التى كانت بمثابة موديل له وقد نحتها فى العديد من تماثيله .. وكذلك اولاده وقد رزق بولد وبنتين
الطفولة .
- معظم تماثيل محمود موسى للأطفال واقعية .. ومن وجوه اولاده وفى خامات لينة كليونة الأطفال فنفذها فى الرخام الأبيض الساطع النقاء كما فى تمثال ابنته .. او بالتركوتا الحمراء ` الطين المحروق ` يعكس حيوية الشباب كما فى تمثال ابنه . وقد نفذ تمثالاً لطفل يحبو من الخشب يتطلع الى اعلى وكأنه ينظر لوالدية ويذكرنا بتماثيل مشابه من الخشب فى التراث النحتى المصرى القديم .
المصرية .
- فى تمثال رأس مصرية المنفذ بالرخام الأبيض نجد الشموخ والعزم المصرى والنظرة اللانهائية للحياة والرزانة التى تعكس التراث الحضارى المصرى العريق .. وجمال المرأة فى ملامحها الرقيقة وتصفيف الشعر الهرمى ..انها كتلة نحتية رائعة بكل المقاييس .
* الملاية اللف..
- بالمتحف اليونانى الرومانى مجموعة من اشهر التماثيل النادرة التى يطلق عليها ` تماثيل التناجرا ` وهى تماثيل لسيدات من الطبقات العليا تعكس نشاط المراة فى المجتمع السكندرى إبان العصر اليونانى الرومانى .. وأكثر مايميز تماثيل التناجرا هو الرداء الذى يعرف اليوم بالملاية هى قطعة كبيرة من القماش الفاخر وكان مصبوغا باللون الأسود تلف به السيدة كل جسدها وتترك فتحة فقط امام وجهها .. وقد خلد الملاية اللف فنان الاسكندرية الكبير الرائد محمود سعيد فى لوحته الشهيرة بنات بحرى والتى صور فيها ثلاث جميلات من بنات الاسكندرية يرتدين الملاية اللف بدلال وأنوثة وعلى وجوهن اليشمك او البرقع والمنديل بأوية وفى معاصم الأيدى الغوايش الذهبية وفى الأرجل الخلاخيل الفضية وكان هذا الزى منتشرا بالاسكندرية حتى نهاية الستينات من القرن الماضى ونادرا ان نرى سيدة ترتدية الان وقد نفذ العديد من الفنانين الأجانب تماثيل ولوحات لسيدات بالملاية اللف واستلهمها محمود موسى وشكلها بمختلف الخامات فى احجام متوسطة واشهرها مانحته على الجرانيت .. وكانت زوجته تقف مرتدية الملاية اللف كموديل وقد اتاح له الجسد الممشوق ان يلعب بخطوط وثنايا الملاية فى حلول جمالية ثرية .. وبقدر ما كان الهدف من الملاية اللف هو ان تخفى السيدة ملامح أنوثتها .. بقدر ما كانت الملاية اللف تبرز هذه الملامح الانثوية برقة وغموض .
* الفلاح المصرى..
- وفى الوجوه ابدع محمود موسى مجموعة وجه للفلاح المصرى منذ نهاية الخمسينات الى ماقبل رحيله بقليل .. وعالجة تشكيليا فى البداية بأسلوبة الاكاديمى على خامات لينه كالطين والجبس .. لكن عندما بدأ ينحت الوجوه على الاحجار الصلبة كالجرانيت الاسود والرمادى والبازلت الاسود بدأ يبسط الملامح
حتى تلاشت تفاصيلها تماما فى النهاية .. ونلاحظ ان الذى ميز الوجه من انه لفلاح هى الطاقية التى يرتديها .. وهكذا تلعب الملابس رغم بساطتها دورا مهما فى هوية الموضوع الذى ينحته الفنان .. وتلعب الخامة ايضا دورا مهما .. فلم ينحت الفنان وجه الفلاح على الرخام الابيض .. والفلاح اسمر اللون لتعرضة للشمس اثناء عمله اليومى فى الحقل وترك الأحجار الفاتحة كالرخام الأبيض لوجوه المراة والأطفال .
* شخصيات ..
- تنقسم الأعمال الفنية فى ابداع محمود موسى الى اعمال ينفذها برغبته ومزاجه الفنى .. او اعمال ينفذها بناء على تكليف من أشخاص او مؤسسات مثل تمثال سيد درويش الذى نفذه اكثر من مرة وبخامات مختلفة ولجهات متعددة ولعل أهمها هو تمثاله لسيد درويش الذى تم صبة بالبرنز بحجم كبير وتم وضعه فى حديقة الخالدين بمحطة الرمل بالاسكندرية.
* موضوعات مختلفة ..
- تمثاله الرائع جالس القرفصاء ممسك بالمطرقة بيده التى يسندها الى أصابع قدمية .. وباليد الأخرى التى يخفى خلفها وجهه الا عينية ويمسك بالأزميل وينظر للعالم الذى امامه بتحفز .. ينظر الينا نحن فعيناه تريان فينا العجب العجاب .. انه محمود موسى من الحجر الصلب كصلابته التى لا تتجاوب مجتمعيا مع الاخرين .. انها حياته التى عاشها رفضا للكذب والفساد .. لقد تشاجر وخاصم معظم من حوله .. انه متخاصم مع العالم كله ولا يعجبه العجب العجاب .. وكانت هى جميلته المشهورة والتى جسدها فى هذا التمثال الرائع الذى احتفظ به بجواره حتى - رحيلة غاضبا من هذه الدنيا التى لا تنصف المخلصين والأتقياء .
وسنجد نفس الكتله ونفس الحالة فى تمثاله ` الجالس يتلو القران الكريم ` وهو تمثال نادر من البازلت الأسود يذكرك فورا بمنحوتات الفراعنة .. والشيخ الذى يضع فوق راسة قطعة قماش كغطاء للرأس ويمسك بكتاب الله الذى يقرأ فيه آيات من الذكر الكريم بصوت مرتفع يضبط إيقاعة بوضع يده الأخرى فوق أذنه كما يفعل عادة الشيوخ .. وهو هنا يسترجع صباه فى المعهد الازهرى .
التمثالان من روائع ابداعات النحت عند محمود موسى الذى تناول العديد من الموضوعات المتنوعة مثل موضوع ` الوحدة الوطنية ` بين الشمال والجنوب وتمثاله` تأميم قناة السويس ` .
* الموضوعات الدينية ..
- لقد تعاقد الفنان مع العديد من الكنائس المصرية بتنوعها لتنفيذ اعمال دينية مجسمة للقديسين .. وكلها من النحت البارز .. طبعا كانت الموضوعات الدينية المسيحية تفرض علية .. وهو المسلم الذى اوشك ان يصبح شيخاً أزهريا وهو الحافظ للقرآن الكريم ولم يكن غريبا فى مصر ان يرسم مسلمون أيقونات فى بعض الكنائس .. وان يصمم أقباط مصريون عمارة بعض المساجد .
حيوانات وطيور وأسماك .
- من أجمل تماثيل المثال محمود موسى ` كما كان يحب ان يطلق علية ` تماثيله التى نحتها للقطط والطيور والأسماك والماعز .. ومعظمها نحته على الأحجار الصلبة كالجرانيت الأسود والرمادى والأحمر والحجر الترستا والرخام الأبيض والكوارتز الأخضر وغيرها .. وصب بعضها بالطين الأسود وحرقها .. ويظل الجرانيت هو الخامة الأفضل لمحبى اقتناء هذه الأعمال التى تتسم بالبساطة والانسياب ودقة النسب الطبيعية وتذكرنا بمنحوتات الفراعنة للطيور والحيوانات .
يبدو هذا جليا فى القط الشهير الذى نحته المثال على الجرانيت الأسود وهو يلتهم ثعبانا .. وجاء التمثال فى شكل شبه دائرى وقد لعب المثال بالأقواس والتعاريج على سطح جسم القط بحيث اختلف النصفان من ناحية .. ومن الناحية الأخرى تنوعت الحلول الجمالية فى صراع الثعبان ليفلت من مخالب القط .
والتمثال من اجمل ما نحته محمود موسى .. وقد نحت العديد من القطط لكن ليس فى روعة تمثال القط والثعبان .
- ان العالم النحتى لحمود موسى نرى فية العجب العجاب .. فما من موضوع الا وعالجه .. وخامة الإ وتعامل معها .. ومارس بجانب مهاراته الأكاديمية فى فن النحت .. تجارب حديثة وحلولا معاصرة بروح فنان سكندرى بحر متوسطى مدرسته الكبيرة هى الفن المصرى القديم وعاشق للتجريب وناسك صلب الإرادة فى نحت اقسى الأحجار وأصلبها .. عالم ثرى .. خصب .. وخالد .. لفن النحت المصرى الحديث.
عصمت داوستاشى
جريدة القاهرة 24 /3/ 2015
الكتلة تحمى نفسها وتشع بما فى باطنها من موحيات
- كنت أعجب للتناول النحتى البسيط للفنان محمود موسى وللخبرة البارزة فى تمايز السطوح واستنطاق الكتلة مع بقائها وعدم إزعاج سكونها المألوف ولكن لم ألتقى به وهو تقصير أعترف به.
- وفى عام 1987 توجهت إلى إيطاليا لإقامة معرض مشترك مع فنانين إيطاليين.
- وفى أكاديمية روما التقيت بالفنان فاروق حسنى (مدير الأكاديمية المصرية بروما) وقتئذ فأخذنى إلى حديقة الأكاديمية لأرى لأول مرة الفنان محمود موسى بأزميلة ومطرقته وهو على وشك الانتهاء من نحت كتلة كبيرة من الرخام الأبيض على شكل حمامة مستقرة، توقف للحظات مسلماً علينا ثم استمر فى العمل منحنى الظهر مندمجاً بل مستغرقاً كلياً فى العمل، سألت الفنان فاروق حسنى فقال: هذا الرجل العجيب يصحو من الفجر ولا يترك الأزميل إلا عندما يحل الظلام، لقد خلق للعمل، وفى اليوم التالى توجهت إلى الحديقة لأراه عن قرب، كانت دقات الأزميل تختلف فى كل مرة عن سابقتها وبدت إيقاعات الأزميل لحناً مكملاً لتأملاته الفاحصة وكأنه عاشق للأحجار أما الأزميل فى يده فكان كالقوس فى يد العازفين كمبضع الجراح الماهر.
- فى الإسكندرية ولد الفنان محمود موسى فى 17 مايو 1913 فى حى باب شرقى وكان والده يعمل فى مجال الفرم المعمارية مثل الكرانيش والسرر والحليات الجصية وتركيبها على واجهات العمائر فى المدينة العريقة الإسكندرية وقبل قيام الحرب العالمية الأولى، كانت هذه المهنه فى الأساس هى مهنة الإيطاليين والفرنسيين وورثها المصريون عنهم فيما بعد، وقد أتاح ذلك للطفل الموهوب رؤية البصمات الخاصة لكل طراز من الطرز المعمارية المختلفة التى حفلت بها التصميمات من العمارة اليونانية الإغريقية إلى الرومانية الإيطالية والتركية نظراً لإقامة الكثير من الأجانب وهجرتهم للإسكندرية عروس البحر المتوسط وكانت كلمة ` فارماتورى ` أى صانع الفرم بالإيطالية، كلمة لها قيمتها ولذلك توارثتها الأجيال وقد جاء الدور على الطفل محمود موسى بمساعدة والده فى مرحلة الصبا والعمل مع أعمامه أيضاً.
- تعلم محمود موسى فى الكتاب القراءة وحفظ الآيات القرآنية وهو فى الثانية عشرة من عمره ومن خلال العمل تعلم من والده كثيراً من التعبيرات الإيطالية وبعض الجمل نظراً لتعاملهم مع المهندسين الإيطاليين ولكنه كان صبياً مملوءاً بالطموح رغم ساعات العمل الطويلة والإرهاق، وعندما اقترب من مرحلة الشباب كان يسمع بنفسه كلمات الثناء على عمله مستمتعاً بالإجادة حريص عليها وراغباً فى دراسة الإيطالية والفرنسية.
- كانت البدايات عند محمود موسى مرتبطة بالعمل فالخامات التى يمكن أن يشكل منها بعض التماثيل كانت فى متناول اليد وكانت الفرة والضفرة والأزميل ضمن الوسائل التى تساعده على تشكيل التماثيل الصغيرة من الجص وكذلك توفر بعض الوقت فيما بين صب الفورمات لتشكيل بعض الأشكال المستوحاه منها والمعروف أن فى بعض هذه الفورمات وجوه إنسانية لملائكة أو رؤوس حيونات مثل رأس أسد أو طيور ونسور وهى تشكيلات نحتية توضع فى مداخل العمائر أو فوق العقود الدائرية أو تيجان الأعمدة المختلفة أو الكوابيل والحليات اللازمة لها.
- كل هذه العناصر المعمارية التى كان يقوم بتنفيذها مع والده كانت موحية ومؤثرة بجمالياتها ورونقها المعمارى وهى عناصر نحتية زخرفية معمارية فالحرفة هنا قد فتحت أفق الصبى محمود موسى وبالفعل كانت أولى تجاربه المعلنه هى ` الماسكات` أى نصف رأس يشمل الوجه وجزء من الجمجمة ، فلم يكن يعرف التمثال الكامل.
- فى عام 1929 وكان وقتها فى السادسه عشرة من عمره أقام محمود سعيد فنان الإسكندرية العظيم مرسماً لهواة الفنون الجميلة نحت وتصوير وكانت الدراسة فيها مسائية فتوجه إليها محمود موسى وشجعه والده ربما لاكتساب خبرة أرقى تنعكس على صنعته من الناحية الجمالية، ولكن المسألة لم تكن كذلك بالنسبة لمحمود موسى الذى كان يحس بشئ يدفعه إلى هذه الدراسة فهو يريد أن يتعلم فن النحت والرسم بالإضافة إلى رغبته فى اكتشاف موهبته التى كانت تطارده.
- فى إحدى الأمسيات اصطحب محمود سعيد مثال مصر العظيم المثال محمود مختار إلى المدرسة ليرى هؤلاء الهواه فرأى بعضاً من دراسات محمود موسى فالتفت إلى محمود سعيد قائلاً له
( هذا الشاب سوف يصبح مثالاً) وأوصاه بالاهتمام به ثم خاطب محمود موسى قائلاً: عاوزينك تبقى فنان ` وكانت هذه العبارة هى نقطة التحول فى حياته فقد كان وقعها عليه عظيماً منحته كل الثقة فى الاتجاه إلى طريق الفن بكل كيانه.
- تلقى محمود موسى توجيهات المهندس المعمارى نيقولا بيرس وهو يونانى الأصل سكندرى الوطن وكان زميلاً لمحمود مختار فى ` البوزار` بباريس وهو أيضا الذى ساهم فى تنفيذ قواعد تماثيل مختار فى القاهرة والإسكندرية.
- البوزار هى ` الفنون الجميلة بباريس ` والفنان `هانز ميشيل` وهو فنان ألمانى مقيم بالإسكندرية ، ومن المعروف أن دراسة العمارة مرتبطة بدراسة فن النحت فى جميع أكاديميات الفنون وفى كليات الفنون الجميلة بمصر أيضاً.
- هكذا وجدت موهبة محمود موسى الرعاية فمع أول معرض أقيم للمدرسة كان محمود موسى متواجداً يضع تمثاله إلى جوار الفنانين الكبار. وكان هذا المعرض الذى أقيم بقصر الكونت زغيب بميدان التحرير بمثابة الخطوة التى وضع بها محمود موسى قدمه على طريق النحت.
- يذكر الفنان د. أحمد سطوحى فى دراسته عن محمود موسى ` تحت الطبع بالمجلس الأعلى للثقافة ` أن الأمير عمر طوسون افتتح هذا المعرض إلى جانب عدد كبير من محبى الفنون وأساتذة مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة.
- اشترك محمود موسى فى صالون عام 1932 للمرة الأولى وعندما زارت هدى هانم شعراوى هذا المعرض وأعجبت ` بالماسك` الذى عرضه محمود موسى ، أرسلت فى طلبه أكثر من مرة ليحضر إلى مصر وتشجيعاً له عرضت عليه العمل معها فى مصنع الخزف الذى تمتلكه فى شبرا ` أصبح فيما بعد شركة سورناجا للخزف والصينى `، وبالفعل استجاب محمود موسى بفرح لدعوة السيدة هدى شعراوى أم الفنانين المصريين والزعيمة النسائية العظيمة وجاء إلى القاهرة عام 1933 ويقول د. صبحى الشارونى فى دراسة الماجستير ` كان بصحبتها أحد الأجانب فطلب منه عمل ميدالية لها فى وضع جانبى بالحجم الطبيعى فنفذ الميدالية ولما رآها هذا الرجل أعجب بها وعرض عليه السفر إلى أمريكا ولكنه رفض.
- فى لقاء له مع د. صبحى الشارونى يقول أن صفته الأساسية كانت عمل الزخارف والكرانيش وأعمال البياض وكانت هى صنعة والده وأعمامة.. وأنه تخصص فى دراسة النحت فى المدرسة الليلية لتعليم الفنون التى أنشأتها جمعية أصدقاء الفنون الجميلة بالإسكندرية والتى رأسها الفنان محمود سعيد وكان من زملائه سيف وأدهم وانلى ، ظل محمود موسى يعمل فى مصنع الخزف وأدخل الزخارف الإسلامية لأول مرة على الفازات الخزفية مما جذب السائحين والأجانب للإقبال على اقتنائها، واستمر فى المصنع ثلاث سنوات.
- عرضت هدى هانم شعراوى على محمود موسى السفر إلى فرنسا وإيطاليا والغريب حقاً أنه رفض رغم أنه سبق له تعلم اللغه الإيطالية لغة المهنة الأولى وأيضاً اللغة الفرنسية وهو موقف مدهش يشترك فيه مع عبد البديع الذى تكرر معه نفس الرفض بعد ذلك بعشر سنوات فى عام 1943 .
- عاد محمود موسى إلى الإسكندرية وإلى أعمال المقاولات وعمل مساعداً للفنانين الأجانب فى تنفيذ أعمالهم الميدانية والفنية ، إلى أن اشتعلت االحرب العالمية الثانية 1939 ، بعد تلك الفترة استأجر مرسمة فى الأتيلييه (جماعة الفنانين والكتاب) بالإسكندرية وأصبح عضواً فيه وكان أعضاء الآتيلييه يحثونه على النحت فى الأحجار الصلبة. وقد ساعده أحد الفنانين الألمان باستحضار الأدوات التى يحتاجها الفنان لذلك.
- وقد ذكر الناقد د.صبحى الشارونى فى دراسته للماجستير أنه قد حصل على جائزة مختار فى الثلاثينات ولكن د.أحمد سطوحى لم يذكر ذلك فى دراسته عنه.
- فى عام 1940 اندمج محمود موسى فى إنتاج أعمال تقترب رويداً رويداً من الأسلوب الخاص به بعد اكتسابه خبرات متعدة سواء من مدرسته الأولى مدرسة هواة الفن. أو من تعاليم المعماريين والمثال الألمانى الذى كان يتابعهم ويوجهه مع زملاؤه أو من تأثره بالفن الفرعونى.
- لم يذكر أحد بعد ذلك مصير الفنان الألمانى وهل كان هو هاينز ميشيل أم غيره وهل استمر بالإسكندرية مقيماً فيها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 أم أنه رحل عن مصر فى أعقاب انتصار الحلفاء فى موقعة العلمين.
- واسمحوا لنا أن نتوقف قليلاً ونتساءل عن موقف محمود موسى تجاه الحرب العالمية الثانية التى عاشها الفنان ما يزيد عن ست سنوات وكانت الإسكندرية أهم الموانى المصرية ارتباطاً بالمعارك الحربية فمنها ومن خلالها كانت أسلحة الحلفاء وعتادهم ودباباتهم وكل ما تحتاجه الحرب كان يرسو فى الإسكندرية ثم ينقل إلى ساحة القتال فى الصحراء الغربية.
- ولعل الإجابة الوحيدة التى يمكن أن نصل إليها بعد هذا التساؤل هى التى ذكرها الزميل الناقد الفنان عز الدين نجيب فى كتابة أنشودة الحجر يقول ` تعرف محمود موسى، بعد عودته إلى الإسكندرية 1936 بالنحات الألمانى هانز ميشيل، الذى كان حائزاً على مرسم بالأتيلييه ، ونشأت بينهما صداقه قوية، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية تم القبض عليه عام 1940 من قبل الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر ويحاربون الألمان، ومن عمق محبته لموسى، أوصى له بالحصول على واحدة من حجرتى مرسمة، وهكذا كان أول فنان مصرى يحصل على مرسم بجماعة الأتيليية وساعده المكان على إقامة مرسم جماعى يعطى من خلاله دروساً للهواة فى النحت`.
- ويذكر عز الدين نجيب فى مرجعة السابق أن محمود موسى كان يعمل مع فنانين أجانب فى عمل البورتريهات وصب القوالب ونحت الرخام وخامات أخرى مثل البرونز، وكان أغلبهم من الفنانين اليونايين أمثال كانولاتس وباباز الذى يعتبره فنانأ جيداً، جداً، كان جندياً بحرياً وقت الحرب ثم استقر فى الإسكندرية بعد ذلك حتى رحل عام 1955 ونستكمل البحث عن الحقيقة فقد ذكرت عدة مصادر أن من أعمال محمود موسى النصب التذكارى لشهداء الطيران وإنه قد نفذه 1943 فهل صممه ونفذه أم أنه قد نفذه من تصميم كانولاتس أو باباز أو أن وزارة الحربية اليونانية قد كلفته بالفعل بتصميمه وتنفيذه.؟
- فإذا كانت وزارة الحربية اليونانية قد كلفته معنى ذلك أن التكليف والتنفيذ قد تم أثناء اشتعال الحرب وقبل أن تحسم المعارك الدائرة فى الصحراء الغربية. والحقيقة أن النصب التذكارية عادة ما تقام بعد انتهاء الحرب وليس أثنائها وتبقى هذه النقطة معلقة تبحث عن إجابة.
- ومحور تساؤلى هنا هو التاريخ هل كان عام 1943 أم 1945 أو بعد ذلك، وسبب اهتمامى أن هذا العمل هو أول عمل جدارى وعلى مستوى دولى أيضاً من ناحية ومن ناحية أخرى أنه كان فاتحة لأعمال أخرى .
- حصل محمود موسى على حجرة من مرسم هاينز ميشيل وفتحة للهواه أيضاً ومنذ ذلك الوقت أصبح النحت هو الأساس أو العمود الرئيسى لحياة محمود موسى وفطرته وموهبته وتدفق إنتاجه، إذن كان عام 1940 هو عام اكتشاف الخطوة الأولى على طريق النحت ويقول الفنان عز الدين نجيب فى المصدر السابق أن محمود موسى يمثل المجئ القدرى للمثال السكندرى فقد كان مجيئه فتحاً للنحت السكندرى بعد ذلك مثلما كان محمود سعيد رائداً لفن التصوير السكندرى أيضا `.
- ولا شك أن إرادة الفنان وإصراره وعناده وتلك الظروف والشخصيات التى ساعدته بالإضافة إلى تشجيع مختار العظيم له كان لها أكبر الأثر فى التحول من حدوده الحرفية والصنعة إلى طريق الفن. ومن يتابع خطوات حياته يجدها مملوءة بالعمل من أجل ذلك.
- شارك محمود موسى بإنتاجه فى معظم المعارض والصالونات سواء فى القاهرة أو فى الإسكندرية وتنامى سيطة الفنى مع تنامى حركة الفنون التشكيلية بها وارتبط بتجمعاتها فى الأتيلييه القائم فى وسط المدينه بشارع فيكتور باسيلى حيث دفئ المبدعين ولقاءاتهم، وكان محور إنتاجه الفنى هو المحور العضوى، الإنسان، النبات، الحيوان، الطائر وفى معظم الأحيان يكتفى بعنصر واحد فى العمل ولكن فى الجداريات الأمر يختلف، ففى عام 1955 نفذ لوحته الجدارية الضخمة الفرعونية الأصل على واجهة البنك الأهلى بالقاهرة وفى نفس العام فاز بالجائزة الثانية نحت من بينالى الإسكندرية وفى عام 1957 انتدب لتدريس نحت الحجر بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية حال بدايتها، ويقول د. أحمد سطوحى أن عدد الطلبة الذين كانوا يدرسون عنده عشرون طالباً وكان يتعامل معهم بكل ترفق وأدب ومحبة شارحاً لهم وناقلاً كل خبرته وفى نفس العام 1957 نفذ لوحته الكبيرة من النحت البارز فى مدخل مبنى أخبار اليوم بشارع الصحافة بالقاهرة. وأيضاً لوحة النحت البارز بكنيسة الجزويت بالإسكندرية ومما يذكر أنه نفذ تمثالين للعذراء وسانت تريز.
- وفى عام 1961 قام بإنجاز لوحة النحت الغائر لمحطة الركاب البحرية بالإسكندرية ومساحتها 3×9 متر أى 27 متراً مربعاً من النحت الغائر بالإسكندرية ولقد كان من نصيب الأماكن العامة أيضاً تمثال نصفى لسيد درويش وآخر لمحمد كريم الزعيم الوطنى الشهير بحديقة الخالدين.
- اشتهر محمود موسى بأعمال النحت الغائر والنحت البارز مما دعا الكثير من الهيئات طلب عمل الجداريات على الواجهات وفى المداخل فى القاهرة أو فى الإسكندرية. ففى مطار القاهرة نفذ لوحة من النحت البارز مساحته 7×5 ، 3 متراً أى 24,5 متراً مربعاً.
- وقد استعان به فندق شيراتون القاهرة بعمل لوحة من النحت البارز عام 1967 وفى نفس العام نفذ لوحة بالإسكندرية من النحت البارز بالكنيسة المارونية لسانت تريز.
- اشترك الفنان محمود موسى فى بينالى الإسكندرية عام 1963 وحصل على الجائزة الأولى للبينالى وكانت هذه الجائزة أمنية غالية احتفل بها فنانوا الإسكندرية وخاصة خريجى الدفعة الأولى الذين تخرجوا عام 1962 والدفعة الثانية عام 1963 ومعظمهم درس على يديه.
- لكن محمود موسى كان قد تقدم لإدارة التفرغ بطلب مستسلماً لإلحاح الفنان حامد سعيد مدير إدارة التفرغ وجعله يملأ الاستمارات الخاصة بالتفرغ أمامه.
- كان التفرغ بالنسبة لمحمود موسى فترة رائعة لازدهار إنتاجه الفنى وقد كان لطول هذه المدة التى قضاها فناناً متفرغاً أثراً هائلاً على إنتاجه من حيث الكم والتقدم نحو الإجادة فقد منح التفرغ من عام 1960 وحتى 1975 وهى خمسة عشر عاماً تعنى ثقة لجان التفرغ المتتابعة طوال هذا الزمن، ففى كل معرض للمتفرغين كان يعرض إنتاجه العزيز ويقول د. صبحى الشارونى فى رسالته ` أنه رغم مشاركته فى معظم المعارض الجماعية والبيناليات إلا أنه لم يقدم أعماله فى معرض فردى إلا فى عام 1973 بمناسبة بلوغه سن التقاعد (60 سنة) وقد أقامه المركز الثقافى السوفيتى بالإسكندرية حيث عرض ستون قطعة من إنتاجه وقد شاركة فى هذا المعرض الفنان عبد السلام عيد وقد نقل جزءاً من هذا المعرض فى نفس العام ليعرض فى المركز الثقافى السوفيتى بالقاهرة أيضاً. نجح المعرض نجاحاً كبيراً سواء فى الإسكندرية أو فى القاهرة وقد اثنى عليه الفنانون ومحبى الفنون من كافه الاتجاهات وقوبل إنتاجه فى الخامات القاسية بكل احترام.
- المؤثرات الفنية
- التقى محمود موسى خلال تردده على مدينة القاهرة وفى الإسكندرية مع مجموعة كبيرة من مشاهير الفنانين المصريين والأجانب فى النحت والتصوير كان أولها لقاؤه مع المثال محمود مختار هذه المقابلة التى غيرت مجرى حياته عام 1928 . كما التقى بالفنان جمال السجينى عام 1957 وأيضاً الفنان أحمد عبد الوهاب ومحمد هجرس فى نفس العام أيضاً التقى بالفنان أحمد عثمان عميد فنون الإسكندرية ومؤسسها. كما التقى خلال زيارته لكلية الفنون الجميلة بالقاهرة بالفنانين إدوارد زكى أستاذ نحت الحجر ومصطفى متولى والعزازى وآدم حنين وأحمد عاصم وصلاح علوبة وهم أساتذة فنون القاهرة.
- وفى الفنون التطبيقية التقى بمنصور فرج الذى كان رئيساً لقسم النحت وبالخزاف سعيد الصدر وحسن العاجاتى. ولقد كانت هذه اللقاءات بمثابة تدريب بصرى على أصول فن النحت ولإرضاء فهمه فى معرفة هذا الفن والتعرف على أسراره لتكوين مخزون أصبح فيما بعد ذاكرة وخبرة متعددة الجوانب. أما حرفة صب التماثيل والتعامل مع الخامات المعمارية فقد استزاد بها منذ طفولته على يد والده وأعمامه وبرع فيها.
- أهم المتاحف التى تركت أثرها البالغ على تناوله للتشكيل فى الخامات القاسية كان المتحف المصرى وعلى الرغم من زيارته للمتحف الرومانى والتردد عليه كثيرا بالإسكندرية إلا أن المتحف المصرى بالقاهرة أذهلة حتى أنه لم يستطيع على الإطلاق التخلص من مشاهداته فيه من التماثيل الرائعة ومن الرسوم أيضاً ولعل المشاهد لأعماله يتعرف على ذلك التأثر الشديد فى كافة إنتاجه وفى كثير من الحلول الفنية فى الأحجار الصلبة وإن كان لم يصل بعد إلى قوة التلخيص التشريحى للجسد وفى الفورم مثلما رأى فى أعمال الفراعنه وهذا طبيعى بالنسبة له أو بالنسبة لكافة فنانى النحت على الأطلاق.
- مما يؤكد ذلك التأثر لوحات النحت الغائر المستوحاه من الفن الفرعونى التى أجادها على واجهة البنك الأهلى بالقاهرة وهى تؤكد مدى فهمه للالتزام بالنسب الفرعونية وبتفاصيل النحت الغائر والبارز أيضاً فى الأعمال الأخرى كجزء رئيسى فى جانب الحرفة والتمكن من التنفيذ بالإضافة إلى ما نراه من التمسك بالكتلة فى كل إنتاجه.
- سماته الفنية
- عندما ننظر إلى معظم أعمال محمود موسى ندرك إلى أى مدى بلغ اهتمامه بالكتلة واهتمامه بالحفاظ على كيانها ووجودها إلى الحد الذى جعله يتدخل بأزميلة بأقل ما يمكن من اختراقها أو تحويل اتجاهاتها، فالكتلة إما أنها رأسية أو أفقية قائمة أو نائمة ومن النادر أن تكون مائلة بل أنه لاتوجد لديه أعمال مائلة بزاوية ما فهل كان ذلك من باب الحرص أم الخوف من اختراق الكتلة أو أجراء تحويرات فيها أو التجرؤ على إحداث تقوس أو انبعاج فى بعض أجزائها العلوية أو السفلية؟
- فى الحقيقة أن محمود موسى كان يبدأ بما تعكسه الكتلة أو ما تفرضه عليه من أشكال فموقفه أمام الكتلة هو موقف الاحترام والالتزام بموحياتها أو بما تفرضه على رؤيته من تصرف فهو لا يفرض عليها ولا يغوص فيها ولا يفرض عليها أكثر من الاهتمام بمظهرها الخارجى وخطوطها الكونتورية مع الحفاظ على إزالة الزوائد فى أضيق الحدود وبأبسط الخطوط مما دعا الناقد د. صبحى الشارونى كى يقول بأنه يتعامل أحياناً مع بعض أجزاء الكتلة بأسلوب النحت البارز أو الغائر للكشف عن التفاصيل البسيطة وهذه حقيقة ظاهرة بالفعل فى معظم تماثيلة حتى فى الخامات الأخرى الأكثر سهوله.
- هو لا يفرض أي نوع من الحركة المفاجئة ولا يخلق صراعاً بين أجزائها ولا يريد أن يخل بوجودها وتماسكها وانغلاقها على ذاتها. لقد غلبته عاطفة حب الخامة بسبب تأثره بالحرفة وربما كانت هناك دوافع نفسية للزود عن الذات والخوف من اقتحام الفراغ، والتغيير من طبيعتها فهى أبداً لا تصرخ ولا تصيح . وإنما تهمس بأسرارها فى هدوء وتأمل وصمت.
- وعلى الرغم من هذا النقد الذى لا أبغى منه سوى الاكتشاف والفحص وتسليط الأضواء، فإنه هناك ذلك الحس الهادئ الهامس الذى يكشف عن هدوء تأمله وحبه ووجده بهذه الخامات كإنسان مرهف الإحساس بسيط التكوين وكما يقول الناقد عز الدين نجيب أنه يلامس الحجر لا يدقه أو يمزقه أو يجرحه، إنه أشبه بملامسة الشفاه لوجه الحبيب.
- الفنان هنا يرفض المغامرة والاستعراض ويطلب الهدوء والهمس يحمل تمثاله ويحتضنه تحت إبطة ويعرضه فهو لا يحب الأحجام الضخمة فى نحوتاته. يحنو عليها وبمجرد أن يكشف التمثال عن هويته يتوقف عن الطرق بأزميلة فهو يكتفى بمجرد الإيحاء الرامز عن بواطن الكتلة وما تحوية سواء كان طائرأ أو شكلاً إنسانياً أو حيوان أو زواحف.
- عالم محمود موسى هو عالم الأسرة والبيت والعناصر الحميمة مثل الأطفال ببراءتهم والطيور والنساء فى الأحياء الشعبية والحيوانات الداجنة البسيطة المسالمة المتضمنة التى تدعوك فى رفق وعاطفة رقراقة لتأملها بلا ضوضاء شكلية فلا توجد خطوط عنيفة حادة أو متكسرة ولكن توجد أقواس تلتف فى هدوء داخل التمثال وعلى سطحة حتى تقاطيع الوجوه فلا تجد مفاجآت فى فى السطوح أو نتوءات.
- وعلى كل الأحوال هذه هى سمات أعمال محمود موسى التى تجعلنا نصيح فوراً، هذا تمثال لمحمود موسى، لقد كانت هذه الأوجه هى إذن الأسلوب الذى يميز محمود عن غيره من المثالين الآخرين وهذا هو أيضاً إيقاع العصر الذى عاشة محمود موسى بكل مشاعره التى تدعو بالسلام الاجتماعى والمحبة بنغمة رقراقه رغم الحرب العالمية الثانية.
- إنه محمود موسى لحن واحد صريح فى كل إنتاجه نغمة مصرية بسيطة تدخل إلى كل القلوب بلا تشنج وهو أيضاً إنسان وفنان نقى توحد فى أعماله ليقول كلمته بكل الوداعة والتواضع والزهد والفطرة.
بقلم : مكرم حنين
من كتالوج دراسة فى إبداع خمسة مبدعين مصريين
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث